Professional Documents
Culture Documents
عنوان البحث:
لقد كان الفتح اﻻسﻼﻣي لبﻼد الﻣغرب بداية لتاريخ ﻣزدهر وراقي رغم الﻣواجهات التي كانت بين البربر والعرب الفاتحين ،حيث كان
الدافع ﻣن الفتوحات اﻻسﻼﻣية هو نشر الدين اﻻسﻼﻣي وتعاليﻣه الذي كان هدفا رئيسيا سواء في عهد خﻼفة الراشدين اواﻻﻣوين ،بعد أن
استكﻣل الفاتحون فتح بﻼد الﻣغرب عسكريا ،وبعد أن دانت لهم البﻼد والعباد رغم ذلك فإن الﻣغاربة لم يفهﻣوا بعد حقائق اﻹسﻼم وشرائعه ولم
يتعﻣقوا في اﻷحكام بالشكل الكافي ،لذا فإن جﻣيع الحﻣﻼت كانت تركز على الفتح العسكري ،إﻻ ﻣن كان ﻣن بعض الﻣجهودات التي قام بها
الفاتحون اﻷوائل وﻣن صحب الجيش الفاتح ﻣن بعض الصحابة والتابعين والقراء ،إﻻ أنها لم ترقى إلى الﻣستوى الﻣطلوب ،ولم تحقق رغبات
الﻣغاربة ،وحتى نهاية القرن اﻷ ول هجري ﻻ يزال اﻹسﻼم سطحيا في قلوبهم فرغم جهود الوﻻة لنشر اﻹسﻼم ولتﻣكين سلطة الدولة اﻹسﻼﻣية
فإن الخلفاء أيضا لم يتخلفوا عن دعم الوﻻة واﻻهتﻣام بالبﻼد الﻣغربية ،وأشهر هؤﻻء الخلفاء هو عﻣر بن عبد العزيز الذي كان يريد أن يعم
نور اﻹسﻼم ،وأن تعﻣر به قلوب الناس وتضاء بصائرهـم بهـداه ،فقام بإرسال عشرة فقهاء ،عرفت في التاريخ الﻣغربي بالبعثة العﻣرية سنة
100هـ 718 -م وهو حدث ساهم في ترسيخ العقيدة اﻻسﻼﻣية في نفوس الﻣغاربة وازدهار الحياة العلﻣية ،وبناء على هذا يﻣكننا طرح التساؤل
اﻵتي :ﻣاهي البعثة العﻣرية؟ ﻣاهي اﻷوضاع السائدة قبل الفتح اﻻسﻼﻣي في بﻼد الﻣغرب؟ ولﻣاذا ارسلت البعثة وﻣا أهدافها؟ وﻣا دورها في
انتشار اﻹسﻼم؟ وﻣاهي أهم نتائجها وآثارها على ساكنة بﻼد الﻣغرب؟
الﻣبحث اﻷول :أوضاع بﻼد الﻣغرب غداة الفتح اﻹسﻼﻣي
الﻣطلب اﻷول :اﻷوضاع السياسية والعسكرية قبيل الفتح اﻹسﻼﻣي
كان الﻣغرب في عشية الفتح العربي اﻹسﻼﻣي تحت حكم البيزنطيين ،الذي يعد اﻣتداد للحكم الروﻣاني ،ففي سنة 533هـ ،انتهى حكم الوندال
في الﻣغرب ،على يد القائد البيزنطي بلزريوس ،قائد اﻹﻣبراطور جوستنيان* ،وكانت بيزنطة قد عدت نفسها وريثة روﻣا في تزعم العالم الروﻣاني
بعد سقوط روﻣا على أيدي الوندال سنة 410م ،و تكاد تجﻣع الﻣصادر اﻷولى والﻣراجع الﻣتأخرة التي أرخت لبﻼد الﻣغرب ،أن اﻷوضاع العاﻣة
في هذه الرقعة الجغرافية لم تكن على ﻣا يرام ،إذ سادت الفوضى السياسية واﻻجتﻣاعية والدينية في ظل الحكم البيزنطي ،الذي انتهى إلى حال
ﻣن اﻻضطرابات السياسية والصراعات الداخلية بين سكان البﻼد اﻷصليين والسلطات الحاكﻣة ،حيث بدأ العد التنازلي للوجود البيزنطي في شﻣال
إفريقيا ،وخاصة بعد استﻣرار الثورات ،فقد ظل الحكام البطارقة يﻣارسون سياسة نهب البﻼد ،وفرض الضرائب ،اﻷﻣر الذي أدى إلى انهيار البنية
التحتية وتصدع جﻣيع الﻣرافق اﻹدارية والﻣدنية والعسكرية ،إضافة إلى انتشار ﻣظاهر الفساد في جهاز السلطة وصحبه انهيار في القيم اﻷخﻼقية.
بذل اﻹﻣبراطور جوستنيان جهودا كبيرة ﻣن أجل إعادة سيطرتها ونفوذها كﻣا كانت عليه أيام اﻹﻣبراطورية الروﻣانية 1إﻻ أن الﻣناطق التي
احتلها البيزنطيون كانت أقل بكثير ﻣن الﻣناطق التي كانت تحت سيطرة الروﻣان ،واقتصرت على الﻣناطق الساحلية وبعض الﻣراكز الحصينة في
الداخل فقد تقلصت ﻣوريطانيا الطنجية وانحصرت في سبتة واقتصرت ﻣوريطانيا القيصرية على شرشال ،أﻣا ﻣوريطانيا السطيفية فقد اقتطع ﻣنها
الجزء الغربي وفقدت طرابلس الجزء الجنوبي ،وبقيت نوﻣيديا وافريقية البرو قنصلية ،كﻣا كانت في عهد الروﻣان ،2أﻣا بقية البﻼد فلم يستطع
البيزنطيون التوغل فيها ﻻ في الهضاب ﻻ في الجبال العالية وﻻ في الﻣناطق الصحراوية وﻻ في الﻣناطق التي تقع في أقصى الﻣغرب على الﻣحيط
اﻷطلسي ،فقد كانت في أيدي أﻣراء ﻣستقلين عن السكان الﻣحليين يناهضون على استيﻼء اﻷجنبي على بﻼد الﻣغرب وقد أشار ابن خلدون عن
ذلك بقوله ":وكان للبربر في الضواحي وراء ﻣلك اﻷﻣصار الﻣرهوبة الحاﻣية ﻣا شاء ﻣن قوة ودعوة وعدد ﻣلوك ورؤساء وأﻣراء ﻻ يراﻣون
بالذل وﻻ ينالهم الروم واﻹفرنج في ضواحيهم تلك بﻣسخطة اﻹساءة.3
وﻣن أجل السيطرة على البﻼد ،قاﻣت السلطة البيزنطية الغازية بتقسيم البﻼد إداريا إلى سبع ﻣقاطعات ،حكم الثﻼث اﻷولى ﻣنها قناصل ،أﻣا
اﻷربع الباقية فكان يحكﻣها ﻣديرون كﻣا كان على رأس السلطة البيزنطية حاكم يدعى ب قائد إﻣبراطور ذو سلطة واسعة وﻣطلقة بيده كل الشؤون
القانونية والقضائية والﻣالية والدينية ،وكان يساعده في ذلك عدد ﻣن الﻣوظفين وله ﻣستشارون ﻣختصون في شؤون القضاء ،وﻣن هؤﻻء
الﻣوظفين كان يتشكل أعضاء ديوانه ،4كل هذا وﻻ يتﻣتع أهل البﻼد بأدنى رتبة او ﻣكانة إدارية وﻻ حق لهم في الﻣشاركة في إدارة شؤونهم او
في إدارة شؤون البﻼد بأي شكل كان فكانوا ﻣقصيين بشكل كاﻣل عن واجهة البﻼد السياسية.
1احمد مختار العابدي ،في تاريخ المغرب واﻷندلس ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر ،بيروت ،لبنان ،1972 ،ص .24
2أميرة أوحامة ،سارة النوي ،دور أهل مكة في بﻼد المغرب اﻹسﻼمي خﻼل القرنين اﻷول والثاني الهجريين ،مذكرة ماستر ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،الجزائر ،2021 ،ص
.18
3إبن خلدون ،العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان اﻷكبر ،تحقيق خليل شحادة ،دار الفكر ،بيروت ،لبنان ،ج ،2002 ،1ص
.107
4عبد العزيز سالم ،المغرب الكبير ،مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر والتوزيع ،اﻹسكندرية ،مصر ،1966 ،ج ،2ص .81
اﻣا أﻣا ﻣن الناحية العسكرية فقد حكم البيزنطيون الﻣغرب حكﻣا عسكريا ،فكانت السلطة بيد رجل الدين برتبة بطرياك او بطريق ﻣقره
قرطاجة يقيم ﻣعه أركان حربه ،وحاشيته العسكرية الكثيرة العدد ،ويساعده في عﻣله رئيس أركان حربه ،وعدد كبير ﻣن أفراد هيئة اﻹدارة
الحربية ،وكان البطريق أحيانا يجﻣع بين السلطتين العسكرية والﻣدنية ووجهت السلطة اهتﻣاﻣها إلى تنظيم الجيش الذي كان يتألف ﻣن ثﻼثة
عناصر ،وهم البيزنطيون ،والﻣشاركون في الحرس اﻹﻣبراطوري ثم الجنود الﻣرتزقة ،وقد تم توزيع الجيش على أربعة ﻣناطق عسكرية وهي:
لبدة لطرابلس ،قفصة للﻣزاق ،قسنطينة لنوﻣيديا ،شرشال لﻣوريطانيا.1
1نهلة شهاب أحمد ،المغرب العربي في عهد عقبة بن نافع ،دراسة تحليلية ،دار المتنبي للنشر والتوزيع ،عمان ،اﻷردن ،2002 ،ص.38
الﻣطلب الثاني :اﻷوضاع الدينية واﻹجتﻣاعية قبيل الفتح اﻹسﻼﻣي
دينيا فلم تكن الكنيسة ببعيدة عن هذا الواقع الذي استشرى في أجهزة الدولة ،فقد أصيبت هي اﻷخرى بالفساد والﻣعاصي بين القساوسة،1
ويبدوا أن الﻣغرب بكاﻣله لم يشهد استقرار ا دينيا أو وحدة دينية عبر العصور وذلك بالنظر إلى التكوين الخاص ﻣن جهة التركيبة اﻻجتﻣاعية
واﻻستقرار الذي كان يعيشه عبر تاريخه ،ﻣﻣا أدى إلى تعدد الديانات بين السكان اﻷصليين أو الوافدين سواء كانت وضعية أو سﻣاوية.
وعلى الرغم ﻣن الﻣحاوﻻت التي بذلتها الكنيسة في ﻣحاولة نشر الديانة بين القبائل الﻣغربية ،ورغم النتائج التي حققتها ،إﻻ أن الخﻼفات
الﻣذهبية بين سكان البﻼد والسلطات الحاكﻣة ،تعدت إلى الخﻼفات السياسية بسبب اﻻضطهاد الديني ،وكانت نتائجها خطيرة أصابت كيان الغزاة
البيزنطيين في الصﻣيم ،اﻷﻣر الذي أفضى إلى اﻻنقسام والفرقة والخروج عن ﻣذهب اﻹﻣبراطور البيزنطي ،وكان هذا الخصام الﻣذهبي ﻣن اﻷسباب
التي عجلت باضﻣحﻼل النفوذ البي زنطي وبداية نهايته في بﻼد الﻣغرب ،2ويﻣكن القول أن الديانة النصرانية في بﻼد الﻣغرب لم يقر لها قرار،
ولم تحقق اﻷهداف الكنسية الروﻣانية التي سعت إلى تنصير الشﻣال اﻹفريقي برﻣته ،وذلك راجع في اعتقادنا إلى الصراع الﻣذهبي بين أبناء
الديانة الواحدة ،وثانيا إلى اﻹرهاب الديني الذي ﻣورس على الﻣغاربة بشكل عام ،وﻣن ثم بقيت النصرانية ﻣحدودة اﻻنتشار في حدود اﻻﻣتداد
والنفوذ السلطوي للقادة السياسيين والعسكريين ،وإلى جانب الديانة النصرانية ،عرف الﻣغرب وجود الديانة اليهودية التي دخلت في وقت ﻣبكر
ﻣع الهجرات في العهود السابقة ،سواء في العهد القرطاجي أو في العهد الروﻣاني أو الوندالي أو البيزنطي.3
أﻣا عن وجود أديان أخرى غير السﻣاوية في الﻣغرب ،فتذهب بعض الدراسات الغربية ﻣنها على وجه الخصوص ،وبعض الﻣصادر العربية،
إلى أن أغلب الشعب الﻣغربي كان يدين بالوثنية ،حيث يذكر "ابن أبي زرع" صاحب كتاب "اﻷنيس الﻣطرب بروض القرطاس في أخبار ﻣلوك
الﻣغرب وتاريخ ﻣدينة فاس" أن بعض اغلب قبائل فاس كان لهم بيت نار ،كﻣا يذكر البكري أن قبائل ودان كان لهم صنم ﻣن حجارة ﻣبني على
ربوة تسﻣى "كرزة" ،يقربون له القرابين ويستشفون به ﻣن أدوائهم ويتبركون به في أﻣوالهم ،وأغلب القبائل الﻣغربية كانت إﻣا وثنية أو ﻻ
دينية ،وربﻣا اﻷﻣر الذي جعل الﻣغاربة يقبلون على الدين الجديد هو ذلك الفراغ الروحي الذي كانوا يعيشونه ،ﻣﻣا أوجد ﻣناخا ﻣناسبا وفرصة
سانحة للتعلق بهذا الدين الجديد والبحث عن ﻣلجأ حصين لهم.
أﻣا إجتﻣاعيا فإن النظام القبلي هو النظام الرئيسي الذي اعتﻣده البربر كباقي العرب وكانت كل قبيلة تنتسب إلى أب وجد واحد بﻣعنى
الرابطة هي رابطة الدم وﻻ تختلف كثيرا البنية اﻻجتﻣاعية للقبيلة الﻣغربية في شبه الجزيرة العربية بحكم التشابه في البيئة الجغرافية حيث أن
بعض الرحالة العارفين ببﻼد الﻣغرب ت ُطابق حياة بعض القبائل الﻣغربية السائدة في غرب شﻣال في شبه الجزيرة العربية 4لقد وصف لنا إبن
خلدون الحياة اﻻجتﻣاعية للبربر ...والبربر يتخذون البيوت ﻣن الحجارة والطين والشجر...وﻣكاسبهم البقر والخيل في الغالب للركوب والنتاج...
وﻣعاش الﻣستضعفين ﻣنهم بالفلح والدواجن ،وأكثر أثاثهم ﻣن الصوف ...لباسهم البرانس الكحل ورؤوسهم في الغالب حاسرة أو ربﻣا يتعاهدونها
بالحلق.5
1منشورات اتحاد المؤرخين العرب ،بﻼد المغرب وعﻼقتها بالمشرق في أواخر القرن التاسع الهجري ،دار عين للدراسات ،القاهرة ،1997 ،ص .20-19
2منشورات اتحاد المؤرخين العرب ،بﻼد المغرب وعﻼقتها بالمشرق في أواخر القرن التاسع الهجري ،المرجع السابق ،ص .20
3د .محمد مرغيت ،البعثة العمرية وأثرها في توطين اﻹسﻼم والعربية ببﻼد الغرب اﻹسﻼمي ،مجلة الحوار الفكري ،العدد ،11جامعة أدرار ،الجزائر ،2016 ،ص .103
4سعد زغلول عبد الحميد ،تاريخ المغرب العربي ،منشأة المعارف ،اﻹسكندرية ،مصر 1979 ،م ،ص .47
5إبن خلدون ،العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان اﻷكبر ،المصدر السابق ،ج ،2002 ،8ص .85
الﻣطلب الثالث :اﻷوضاع اﻹقتصادية قبيل الفتح اﻹسﻼﻣي
لقد كان البربر يعتﻣدون على الﻣنحل و الﻣذراة و الﻣحراث في حياتهم الفﻼحية ،واعتﻣدوا في أول اﻷﻣر في ﻣعاشهم على الصيد وتربية
الﻣواشي ،وانتاج الحقول كالقﻣح والشعير والذرة والكرم وكذلك الرﻣان والجوز 1كﻣا اهتم البربر كثيرا بزراعة أشجار الزيتون التي كانت الﻣصدر
اﻷساسي للكسب ،حيث تذكر الﻣصادر ان عبد ﷲ بن ابي السرح عند فتح قرطاجة وجد أكثر أﻣوالهم الذهب والفضة فعجب ﻣن كثرتها فتساءل
عن ﻣصدرها ،فجعل رجل ﻣنهم يلتﻣس شيئا ﻣن اﻷرض ،حتى جاء بنواة زيتون فقال" :ﻣن هذا أصبنا اﻷﻣوال ،ﻷن أهل البحر والجزر ليس لهم
زيت فكانوا يﻣترونه ﻣن هنا" ،2نفهم ﻣن هذا الكﻼم أن سكان بﻼد الﻣغرب كانت لهم عﻼقات اقتصادية ﻣع بعض الدول الﻣطلة على ساحل البحر.
ازدهرت بعض ﻣدن بﻼد الﻣغرب اقتصاديا ،فﻣدينة شروس ﻣثﻼ كانت تﻣتاز بزراعة اﻷعناب والتين والشعير ،أﻣا قسطيلة فكان لها نخيل
وأكثر الفواكه بها ،وتلﻣسان ﻣشهورة بالزرع والضرع وفيها عيون كثيرة وﻣياه غزيرة ،وبالﻣغرب اﻷقصى البقر والغنم والزرع قليل وأكثر
فاكهتهم العنب والزيتون والتين.3
كانت هناك عﻼقات تجارية خاصة ﻣع ﻣصر التي كان يحﻣل اليها ﻣواد كثيرة ﻣن برقة ،ﻣثل الﻣواشي واﻷغنام والزيتون والعسل وكانوا
يقوﻣون أيضا بالتجارة الصحراوية ففي الجنوب كانت زويلة ﻣحطة شهيرة لتقاطع طرق القوافل القادﻣة ﻣن اﻷﻣاكن الﻣجاورة كﻣا أن البربر كانوا
يؤدون الجباية لهرقل ﻣلك القسطنطينية وأيضا للﻣقوقس صاحب اﻹسكندرية وبرقة وﻣصر فضﻼ عن الضرائب التي كانوا يدفعون بها للكنيسة
وأعﻣال اﻻستحكاﻣات العسكرية ،وقد كانت هذه الضرائب جد قاسية على القبائل البربرية ،كل هذه الخيرات ﻣا لبثت أن ضعفت خاصة في الحكم
البيزنطي وهذا عائد للضرائب التي فرضها الﻣحتل البيزنطي على السكان ﻣﻣا جعل الوضع اﻻقتصادي ينهار بسبب تراجع الكثافة السكانية ،كﻣا
انصرف كثير ﻣن زراع البربر عن الزراعة وهجروا الﻣزارع.4
1حسين مؤنس ،فتح العرب للمغرب ،مكتبة اﻻسكندرية ،مصر ،ص .15
2الحسن السائح ،الحضارة اﻻسﻼمية في المغرب ،ط ،2دار الثقافة ،الدار البيضاء ،المغرب 1986 ،م ،ص .85-84
3اب ن عذاري ،البيان المغرب في أخبار اﻷندلس والمغرب ،ط ،3ج ،1دار الثقافة ،بيروت ،لبنان ،1983 ،ص .5
4إيمان شعبان ،بﻼد المغرب قبيل الفتح اﻹسﻼمي ،مجلة العلوم اﻹنسانية ،المجلد ،5العدد ،01جامعة تندوف ،الجزائر ،ص .34
الﻣبحث الثاني :البعثة العﻣرية
الﻣطلب اﻷول :التعريف بالبعثة العﻣرية وبالفقهاء العشرة
لعشر بقين ﻣن صفر سنة 99هـ717/م ،توفي الخليفة اﻷﻣوي سليﻣان بن عبد الﻣلك ،وتولى الخﻼفة ﻣن بعده ابن ٍ في يوم الجﻣعة
عﻣه ،وصهره ،ووزيره عﻣر بن عبدالعزيز ،بعه ٍد ﻣنه ،وبﻣشورة التابعي الجليل رجاء بن حيوه الكندي وقد باشر هذا الخليفة ،عهده في
الخﻼفة ،بإحياء سنة الخلفاء الراشدين ،في و ﻻية أﻣور الﻣسلﻣين ،وجعل جهده اﻷكبر ،ﻣنصبا على رد الﻣظالم ،وإقاﻣة العدل ،وتحقيق الﻣساواة
بين الناس ،وإصﻼح اﻷﻣور الﻣتعلقة بالجوانب الﻣالية ،واﻹدارية ،والقضائية ،في الوﻻيات الﻣفتوحة ،بﻣا في ذلك إعادة النظر في أﻣراء هذه
الوﻻيات ،واختيار الرجل الﻣناسب للواجب الﻣناسب فكانت خﻼفة عﻣر بن عبد العزيز فاتحة خير لكل البﻼد اﻹسﻼﻣية حيث وجه عناية خاصة
لبﻼد الﻣغرب فاختار لﻣهﻣة تعليم أهلها وتثقيفهم عشرة ﻣن خيار التابعين وأفقههم وبعثهم إلى القيروان وتنقلوا في الﻣناطق ،فكان لهم بالﻎ
التأثير في ازدهار الحركة الفكرية ،عرفت في التاريخ بالبعثة العﻣرية ،وهي ﻣشروع دعوي تربوي علﻣي أراد الخليفة الراشد عﻣر بن عبد
العزيز تطبيقها في أرض إفريقيا ،ركز فيه هذه الﻣرة على فتح العقول ﻻ فتح اﻷقاليم ،وإحياء القلوب وتطهير نفوس الشعوب الجديدة التي
دخلت في اﻹسﻼم ،ﻣن البربر وإرشادهم إلى الشريعة السﻣحة وتعاليﻣها ،فكان هدف هذا الﻣشروع إشاعة الرشد وبث العلم والتفريق بين الحﻼل
أﻣرا سطحيا ﻻ يقيها كيد الكائدين وﻻ
والحرام والحرص على اﻷﻣن والتآخي والﻣساواة ،بعد أن ﻻحظ العزيز أن شيوع اﻹسﻼم بها لم يكن إﻻ ً
يحقق فيها ﻣا يش َد أزر الدين.
وتأتي هه البعثة في سياق السياسة الرشيدة التي اتبعها عﻣر بن عبد العزيز إبان خﻼفته ،واهتﻣاﻣه بشؤون الرعية ،1وخاصة
الﻣسلﻣون الجدد ،وتبدأ قصة البعثة بتعيين واختيار إسﻣاعيل ابن عبيد ﷲ ابن أبي الﻣهاجر دينار بﻼد الﻣغرب سنة 100هجرية ليدعوا ﻣن
تبقي ﻣن البربر إلى دين ﷲ ،2فلم يكن إسﻣاعيل واليا فحسب بل كان داعية إلى اﻹسﻼم ،وبعد هذا التعيين الﻣبارك أتبعه بإرسال عشرة ﻣن
علﻣاء أو تسع ﻣن التابعين ،أهل علم وفضل.
وتذكر الﻣصادر التاريخية على وجه الخصوص أن هذه البعثة وعلى رأسها الوالي الجديد الذي كان خير أﻣير وخير وال كان حريصا
على دعاء البربر إلى اﻹسﻼم 3وكان هؤﻻء العلﻣاء التابعون ﻣن خيرة الفقهاء والﻣحدثين ،حيث انتشروا بين البربر حاﻣلين ﻣعهم ﻣشروع أﻣة
وخطة واضحة قائﻣة على تعليم الناس أصول دينهم ،وتبصيرهم بقواعده وأحكاﻣه و أقام كثير ﻣنهم في ﻣدينة القيروان وغيرها ﻣن الﻣدن
الﻣغربية ولم يكن اﻷﻣر هينا أو سهﻼ ،بل كان فيه ﻣن الصعوبات والعقبات ﻣا يثبط العزائم ويضعف النفوس ويقتل الهﻣم ،لكن تصﻣيم هؤﻻء
وبعد نظرهم وخطتهم تجاوزت كل شيء ،وبدأ الفتح الثقافي ينﻣو ويتسع وفق رؤية إستراتيجية ﻣبنية على فقه رباني يأخذ في الحسبان واقع
الناس وﻣستوى وعيهم ،وهؤﻻء العشرة هم كﻣا يلي:
بن أبي الﻣهاجر دينار الذي بعث واليا وﻣعلﻣا فكان يدرس وهةعلى رأس هؤﻻء الناس ويفقههم ويحكم بينهم إسﻣاعيل بن عبيد .1
بسنة ورسوله
وإسﻣاعيل بن عبيد اﻷنصاري الﻣعروف بتاجر ﷲ إذ جعل ثلث كسبه في سبيل وهو الذي بنى الﻣسجد الكبير بالقيروان وهو ثاني .2
ﻣسجد بعد ﻣسجد عقبة بن نافع وكان ﻣثاﻻ للزهد والورع والتقوى وتوفي سنة 107هجرية غريقا في البحر إثر غزوة غزاها ﻣجاهدا
في سبيل .
عبد بن يزيد الﻣعافري الﻣعروف بال ُحبُلي الذي روى عن جﻣاعة ﻣن الصحابة وكان لجهوده العلﻣية أثر كبير في نشر الدعوة .3
اﻹسﻼﻣية وانتفع به كثير ﻣن أهل القيروان في التفقه في الدين وكان له طريقة خاصة في الوعظ وذلك بضرب اﻷﻣثال التي تقرب
الﻣعنى إلى اﻷذهان وتضفي صورة ﻣجسﻣة ﻣحسوسة لها أثرها القوي في التأثير ﻣﻣا يؤدي إلى تحقيق الهدف الﻣرجو ﻣنها كﻣا
اشترك في الحﻣﻼت العسكرية لفتح البﻼد وشهد فتح اﻷندلس.
سعد بن ﻣسعود التجيبي الذي صحب جﻣاعة ﻣن الصحابة وتفقه على أيديهم وكان صادعا بالحق ﻻ يخشى واليا وﻻ أﻣيرا ،وقد شارك .4
ﻣع حنظلة بن صفوان في ﻣواجهة الخوارج.
عبد الرحﻣن بن رافع التنوخي وقد تولى القضاء لﻣوسى بن نصير فكان عادﻻ في أحكاﻣه وكان ﻣعلﻣا للناس أﻣور دينهم. .5
ﻣوهب بن حي الﻣعافري وقد اشترك في فتح الﻣغرب ثم سكن القيروان لنشر العلم والتعليم. .6
1ابن الجوزي ،سيرة ومناقب عمر ابن عبد العزيز الخليفة الزاهد ،ط ،1دار ومكتبة الهﻼل ،بيروت ،لبنان 1985 ،م ،ص .107
2التهامي إبراهيم ،جهود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة ،ط ،1مؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان ،2005 ،ص .32
3ابن عذراي ،البيان المغرب في أخبار اﻷندلس والمغرب ،المصدر السابق ،ص .48
.7حبان بن أبي جبلة القرشي وهو ﻣن أهل الفقه والدين وقد سكن القيروان وقام بواجبه في نشر العلم والﻣعرقة فانتفع به أهل البﻼد
.8طلق بن جابان الفارسي وكان يفقه الﻣصريين ثم وجهه عﻣر بن عبد العزيز في هذه البعثة.
.9بكر بن سوادة الجذاﻣي وهو ﻣن فقهاء التابعين روى عن جﻣلة ﻣن الصحابة والتابعين وسكن القيروان ونشر بها علﻣا جﻣا وقيل
أنه غرق عند جوازه لﻸندلس.
.10جعثل بن هاﻣان بن عﻣير الرعيني وهو أحد القراء الذين يعلﻣون أهل القيروان ،وتولى القضاء بين الجند .
1
ويقال بأن ثﻼثة ﻣن هؤﻻء العشرة ،دخلوا اﻷندلس وهم :الﻣعافري ،والقرشي ،والجذاﻣي كﻣا ذكر ذلك أبو العرب القيرواني في كتاب
طبقات علﻣاء أفريقية ،2فهذه الكوكبة ﻣن العلﻣاء اﻷفاضل ،هي التي وضعت اﻷسس التي بنيت عليها الحركة الثقافية الدينية في الﻣغرب ﻣن خﻼل
الدور الهام الذي أدوه ،والﻣجهودات الجبارة التي بذلوها في سبيل نشر اﻹسﻼم والتﻣكين لدين ﷲ ،ونشر اللغة العربية في البﻼد الﻣغربية لتسهيل
عﻣلية اﻻتصال بين الفاتحين والقادة وبين السكان وهو ﻣا تم فعﻼ فجزاهم ﷲ عنا وعن اﻷﻣة اﻹسﻼﻣية خير الجزاء.
1محاضرات في تاريخ المذاهب في الغرب اﻹسﻼمي ،جامعة المدية ،الجزائر ،2023 ،ص .6-5
2محمد علي الصﻼبي ،الدولة اﻷموية ،دار المعرفة ،بيروت ،لبنان ،ط ،2008 ،2ص.302
الﻣطلب الثاني :أهداف ووسائل البعثة العﻣرية
لم يكن اﻷﻣر هينا أو سهﻼ بل كان فيه ﻣن الصعوبات والعقبات ﻣا يثبط العزائم ويضعف النفوس ويقتل الهﻣم ،لكن تصﻣيم هؤﻻء وبعد
نظرهم وخطتهم تجاوزت كل شيء ،وبدأ الفتح الثقافي ينﻣو ويتسع وفق رؤية إستراتيجية ﻣبنية على فقه رباني يأخذ في الحسبان واقع الناس
وﻣستوى وعيهم ،ويﻣكن تلخيص هذه الخطة فيﻣا يلي:
(1اﻷهداف:
أهداف البعثة العﻣرية :كان عﻣر بن عبد العزيز يهدف ﻣن خﻼل إرسال هذه البعثة العلﻣية إلى:
ربط الناس بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ،ويكون ذلك ﻣن خﻼل فتح الكتاتيب والجﻣعيات وحلقات تحفيظ القرآن
وتجويده وتفسيره.
توضيح خطر العقائد الﻣنحرفة وتبيين عقيدة أهل السنة والجﻣاعة.
تعليم الناس الحﻼل والحرام.
إشاعة الرشد وتحقيق التآخي والﻣساواة بين الناس.
وضع خطة بعيدة الﻣدى لتعليم اللغة العربية بين أوساط القبائل البربرية حتى يسهل عليها فيﻣا بعد فهم القرآن و السنة و
التعاﻣل ﻣعها.
تكوين علﻣاء ربانيين لﻣواصلة ﻣسيرة الفقهاء العشرة وذلك بتعليﻣهم الفقه السليم وطرق الدعوة والتجرد لﻺشراف على
التربية والتعليم.
(2الوسائل:
تذكر الﻣصادر التاريخية أن البعثة العﻣرية وعلى رأسها الوالي الجديد الذي كان خير أﻣير وخير وال وكان حريصا على دعاء البربر
لﻺسﻼم ،وكان هؤﻻء الدعاة ﻣن خيرة الفقهاء والﻣحدثين حيث انتشروا بين البربر حاﻣلين ﻣعهم ﻣشروع اﻣة وخطة واضحة قائﻣة على تعليم
الناس أصول دينهم و تبصيرهم بقواعده وأحكاﻣه حيث أقام كثير ﻣنهم في ﻣدينة القيروان وغيرها ﻣن الﻣدن في بﻼد الﻣغرب وهذا لم يكن باﻷﻣر
الهين أو السهل بل كان فيه ﻣن الصعوبات والعقبات ﻣا يثبط العزائم والنفوس وتثقل الهﻣم لكن تصﻣيم هؤﻻء تجاوز كل شيء نتيجة بعد نظرهم
وخطتهم الﻣحكﻣة والتي يﻣكن تلخيصها فيﻣا يلي:
ﻻ يﻣكن أن نؤرخ للﻣسألة الثقافية في الﻣغرب اﻹسﻼﻣي وجذورها التاريخية ،بل وﻣراحلها عبر العصور ،إﻻ ﻣن خﻼل ﻣا أحدثته البعثة
العﻣرية ﻣن هزة نفسية وثورة ثقافية ﻣنذ بداية القرن الثاني الهجري ،فلقد كان لهذه البعثة دورا ﻣفصليا وأثرا تاريخيا ،ﻣن خﻼل نشاط غير
طبيعي ،والذي تﻣيز بديناﻣيكية غير ﻣسبوقة ﻷن سير الخطة كانت تقضي بنشر اﻹ سﻼم واللغة العربية في آن واحد وهو ﻣا سهل ﻣن ﻣهﻣتهم
ورسالتهم ،فﻣن اﻵثار التي تركها هؤﻻء ﻣا يأتي ذكره:
حفظوا كتاب ﷲ ﻷهل البربر ،ونشروا السنة ،كﻣا فصلوا لهم أحكام الشريعة وبينوا العقيدة الصحيحة التي ينبغي أن يدين بها الفرد الﻣسلم.
وضعوا اﻷسس التي بنيت عليها هوية الﻣغاربة ﻣن خﻼل ربطهم باﻹسﻼم كدين ،والحفاظ على ثقافتهم اﻷﻣازيغية التي ﻻ تتنافى ﻣع اﻹسﻼم.
وضعوا اﻷسس اﻷولى للحركة العلﻣية التي بنيت عليها الحياة الثقافية في البﻼد والتي انطلقت وعﻣت كل الربوع واﻣتدت إلى اﻷندلس
وإفريقيا.
علﻣوا الﻣغاربة اﻹسﻼم كﻣا انزل بعيدا عن الفرق الكﻼﻣية والﻣذاهب العقدية الﻣنحرفة ،وحتى التيارات السياسية الحزبية التي ظهرت في
الﻣشرق ﻣن خﻼل ترسيخ العقيدة اﻹسﻼﻣية الصافية الﻣستنبطة ﻣن الكتاب والسنة ،وﻣن ذلك أن الخﻣرة كانت ﻣنتشرة كأنها حﻼل عند أهل
افريقية ،فعرفوا الناس بحرﻣتها وﻣنافاتها ﻷحكام اﻹسﻼم وتعاليﻣه.
قاﻣوا بنشر اللغة العربية وبينوا قواعدها وعلﻣوها للصغار والكبار ،فكانت هذه العﻣلية قاعدة التعريب التي نشرها فيﻣا بعد الﻣغاربة أنفسهم
في القبائل والقرى.
سنوا في الﻣغرب سنة حﻣيدة ،تﻣثلت في بناء الكتاتيب والﻣساجد ،فصار تقليدا راسخا فيﻣا بعد عند الﻣغاربة.
رسخوا في الﻣغرب ﻣبدأ احترام وطاعة وﻻة اﻷﻣور ،وفق الضوابط الشرعية ،والقواعد الﻣرعية حتى تستقيم اﻷﻣور ويسود اﻷﻣان.
ﻣن آثارهم التﻼﻣيذ والطلبة الذين تخرجوا على أيديهم ،وهم يعدون بالﻣئات ،وهي الطبقة اﻷولى التي حﻣلت الﻣشعل وقادت ﻣسيرة نشر
الدعوة اﻹسﻼﻣية في البﻼد الﻣغربية وتأسيس الﻣساجد والﻣدارس.
أشاعوا الرشد وحرصوا على اﻷﻣن والتآخي بين الﻣسلﻣين ،كﻣا أقاﻣوا أحكام الشريعة ،وبينوا الحﻼل والحرام .
أسسوا للدراسات الشرعية واللغوية في الﻣغرب ،وصارت القيروان ﻣنارة علﻣية وﻣركز إشعاع ثقافي وحضاري كبير.
وحدوا الﻣغاربة ثقافيا بحيث صارت الهوية الﻣغربية ﻣتجانسة وﻣنسجﻣة يجﻣعهم دين واحد وﻣصير واحد.
سار العلﻣاء على سياسة واضحة ،بحيث وطدوا صﻼت اﻷخوة والتعاون بين العرب والبربر ،فصار البربر يعتزون بدينهم ولغتهم العربية،
ﻷنها لغة القرآن ولغة الحضارة.
سعوا إلى تطهير الﻣعتقدات وإزالة ﻣا علق بها ﻣن أدران الدعوة الخارجية ،وﻣن أﻣثلة ذلك :رسالة رواها الﻣالكي في "رياض النفوس"
لثﻼثة ﻣن هؤﻻء العلﻣاء كتبوها ليقتدى بها الﻣسلﻣون ويعتقدوا ﻣا فيها ،1لﻣا ثار جﻣاعة ﻣن الخوارج على عهد حنظلة بن صفوان الكلبي،
وخيف على الﻣسلﻣين ﻣن شر دعوتهم.2
وأكبر أثر تركته هذه البعثة ،بل خﻼصتها انه بفضل ﷲ ثم بفضل هذه البعثة أسلم ﻣن بقي ﻣن البربر،وانسدل ستار افريقية التائهة الضائعة،
وانبلج عليها صبح جديد به تتﻣيز الحق ﻣن الباطل وﻣعنى ذلك أن الفتح بﻣعناه الديني إنﻣا تم على يد إسﻣاعيل بن أبي الﻣهاجر ،وﻣن خﻼله
البعثة العﻣرية التي تركت عددا ضخﻣا ﻣن الفقهاء وأهل الحديث ،ثم إنه بفضل هؤﻻء العلﻣاء اﻷخيار الذين كانوا ﻣتﻣسكين بالسنة كان
تﻼﻣيذهم ﻣن بعدهم حافظين لها نابذين كل ﻣا عداها ثم تدعﻣت فيهم هذه النزعة بأخذهم عن ﻣذهب اﻹﻣام ﻣالك.3
1المالكي ،رياض النفوس ،ط ،2ج ،1تحقيق بشير البكوش ،دار الغرب ،بيروت ،لينان ،1994 ،ص .254
2المجدوب عبد العزيز ،الصراع المذهبي في افريقية حتى قيام الدولة الزيرية ،ط ،2تونس :الدار التونسية1986 ،م ،ص .23
3المجدوب عبد العزيز ،الصراع المذهبي في افريقية حتى قيام الدولة الزيرية ،المرجع نفسه ،ص .24
خاتﻣة
تناولنا في بحثنا الﻣتواضع هذا البعثة العﻣرية بالدراسة والتحليل أهم حدث تاريخي في بﻼد الﻣغرب بعد الفتح اﻹسﻼﻣي وخﻼصة القول
أن البعثة العﻣرية التي أرسلت إلى القيروان لنشر اﻹسﻼم قد تألفت ﻣن أبناء الﻣهاجرين واﻷنصار وﻣن العرب والعجم ،فقد جﻣع بينهم صفة الفقه
في الدين والتﻣسك بتعاليم اﻹسﻼم والسهر على نشرها وتعليﻣها فكانوا بحق اﻵباء الروحانيين وأول غارسي أصول الحركة الفكرية في القيروان،
كﻣا نﻼحظ أنهم أرسلوا إلى القيروان واستوطنوها وأقاﻣوا بها ولم يعودوا إلى بﻼدانهم وفي هذا دليل على صدق نواياهم وإخﻼصهم وحرصهم
على تأدية ﻣهﻣتهم إلى آخر أياﻣهم وقد بنوا الﻣساجد والكتاتيب لتعليم أبناء الﻣسلﻣين ،فشاع في عهدهم تعلم القرآن والحديث والفقه والتفسير
واتبع الناس بفضلهم التعاليم واﻵداب الشرعية وصار الوافدون إلى القيروان ينهلون ﻣن علم هؤﻻء ثم يعودون إلى ﻣناطقهم لنقل ﻣا تعلﻣوا إلى
أهاليهم وقبائلهم.
يﻣكن القول أن بﻼد الﻣغرب اﻹسﻼﻣي خﻼل ﻣراحل الفتح وسير أحداثه ،قد شهدت أعﻣال فردية جليلة عﻣلت على نشر اﻹسﻼم وهداية
الناس بجانب الفتح العسكري ،إﻻ أن الفتح الحقيقي والكاﻣل إنﻣا تم على يد هذه البعثة الرسﻣية الﻣسﻣاة بالبعثة العﻣرية ﻣن خﻼل تأسيس الﻣساجد
والكتاتيب في كافة أنحاء الﻣغرب ،حيث علﻣوا الﻣغاربة القرآن الكريم والسنة النبوية واللغة العربية وعلوﻣها ،حيث نجحت هذه القافلة الدعويّة
في ﻣهاﻣها الجهاديَة أيﻣا نجاح ،إذ استطاعت في ﻣدة وجيزة أن تبلﻎ دعوة اﻹسﻼم إلى كافة أبناء تلك اﻷصقاع التي شﻣلت بﻼد الﻣغرب ،واﻣتدت
عبر البحر إلى اﻷندلس ،وجنوب فرنسا ،وصار بداية القرن الثاني الهجري الجديد فاتح عهد جديد ،ولم ينتصف هذا القرن حيت أصبحت الﻣغرب
والقيروان على وجه التحديد عاصﻣة العلم والعلﻣاء بل أول حاضرة علﻣية وﻣركز إشعاع ثقافي بالﻣغرب اﻹسﻼﻣي.
قائﻣة الﻣصادر والﻣراجع
ابن كثير ،البداية والنهاية ،طبعة بيت اﻷفكار ،بيروت ،لبنان.2004 ،
جﻼل الدين السيوطى السيوطي ،تاريخ الخلفاء ،دار الكتب العلﻣية ،بيروت ،لبنان.2010 ،
إبن خلدون ،ا لعبر وديوان الﻣبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر وﻣن عاصرهم ﻣن ذوي السلطان اﻷكبر ،تحقيق خليل شحادة،
ﻣحﻣد علي الصﻼبي ،الدولة اﻷﻣوية ،دار الﻣعرفة ،بيروت ،لبنان ،ط.2008 ،2
علي ﻣحﻣد ﻣحﻣد الصﻼبي ،صفحات الﻣشرقة ﻣن التاريخ اﻹسﻼﻣي ،دار اﻹيﻣان للطبع والنشر والتوزيع ،اﻹسكندرية ،ﻣصر.2003 ،
الﻣالكي ،رياض النفوس ،ط ،2ج ، 1تحقيق بشير البكوش ،دار الغرب ،بيروت ،لينان.1994 ،
الﻣجدوب عبد العزيز ،الصراع الﻣذهبي في افريقية حتى قيام الدولة الزيرية ،ط ،2تونس :الدار التونسية.1986 ،
ابن الجوزي ،سيرة وﻣناقب عﻣر ابن عبد العزيز الخليفة الزاهد ،ط ،1دار وﻣكتبة الهﻼل ،بيروت ،لبنان.1985 ،
التهاﻣي إبراهيم ،جهود علﻣاء الﻣغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجﻣاعة ،ط ،1ﻣؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان.2005 ،
الحسن السائح ،الحضارة اﻻسﻼﻣية في الﻣغرب ،ط ،2دار الثقافة ،الدار البيضاء ،الﻣغرب.1986 ،
ابن عذاري ،البيان الﻣغرب في أخبار اﻷندلس والﻣغرب ،ط ،3ج ،1دار الثقافة ،بيروت ،لبنان.1983 ،
إيﻣان شعبان ،بﻼد الﻣغرب قبيل الفتح اﻹسﻼﻣي ،ﻣجلة العلوم اﻹنسانية ،الﻣجلد ،5العدد ،01جاﻣعة تندوف ،الجزائر.
ﻣنشورات اتحاد الﻣؤرخين العرب ،بﻼد الﻣغرب وعﻼقتها بالﻣشرق في أواخر القرن 9هجري ،دار عين للدراسات ،القاهرة.1997 ،
د .ﻣحﻣد ﻣرغ يت ،البعثة العﻣرية وأثرها في توطين اﻹسﻼم والعربية ببﻼد الغرب اﻹسﻼﻣي ،ﻣجلة الحوار الفكري ،العدد ،11جاﻣعة
سعد زغلول عبد الحﻣيد ،تاريخ الﻣغرب العربي ،ﻣنشأة الﻣعارف ،اﻹسكندرية ،ﻣصر.1979 ،
نهلة شهاب أحﻣد ،الﻣغرب العربي في عهد عقبة بن نافع ،دراسة تحليلية ،دار الﻣتنبي للنشر والتوزيع ،عﻣان ،اﻷردن.2002 ،
احﻣد ﻣختار العابدي ،في تا ريخ الﻣغرب واﻷندلس ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر ،بيروت ،لبنان.1972 ،
أﻣيرة أوحاﻣة ،سارة النوي ،دور أهل ﻣكة في بﻼد الﻣغرب اﻹسﻼﻣي خﻼل القرنين اﻷول والثاني الهجريين ،ﻣذكرة ﻣاستر ،جاﻣعة ﻣحﻣد
عبد العزيز سالم ،الﻣغرب الكبير ،ﻣؤسسة شباب الجاﻣعة للطباعة والنشر والتوزيع ،اﻹسكندرية ،ﻣصر ،1966 ،ج .2