You are on page 1of 16

‫المسرح الغزي يبهر العالم ويفرز األديان‬

‫في ليلة القبض على المشركين والمجوس!‬


‫‪Jan 2024 09‬‬
‫د‪ .‬أسعد القاسم‬

‫من الطبيعي أن ُتواَج ه عملية إعادة النظر في المعتقدات‬


‫المتوارثة‪ ،‬عدم قبول تلقائي ممن يخصهم السؤال‪ ،‬وصوال‬
‫إلى مقاومتها‪ ،‬كونها أصبحت تمثل الهوية‪ ،‬واإلنتماء الثقافي‬
‫واإلجتماعي‪ ،‬إلى محيط غير قابل لإلستبدال‪ ،‬وغالبًا ما‬
‫يكون إعادة التطبع على المسميات الدينية والمذهبية‪ ،‬صعبا‬
‫لدرجة اإلستحالة أحيانا‪ ،‬ألن تأثيره على كيفية رؤية‬
‫الشخص لنفسه ولآلخرين كبيرا‪ ،‬حتى جاءت غزة َت ُقُّص‬
‫َع َلْي َك َأْح َس َن اْلَقَص ِص ِبَم ا َأْو َح ْي َن ا ِإَلْي َك َه َذ ا اْلُقْر آَن َو ِإْن ُكْن َت‬
‫ِم ْن َقْب ِلِه َلِم َن اْلَغ اِفِليَن ‪.‬‬
‫ومن كان يتخيل أن يرى ماليين "المشركين!" تخرج في‬
‫المدن األوروبية واألمريكية مناصرة للقضية الفلسطينية‪،‬‬
‫ومعهم آالف المتضامين النشطاء والمؤثرين من ذوي البشرة‬
‫البيضاء على منصات التواصل‪ ،‬في حين تُمنع المظاهرات‬
‫في المدن المصرية‪ ،‬ويتشفى إعالميين عرب و "مسلمين!"‬
‫بالمصاب الغزي‪ ،‬مما يثير تساؤالت حرجة حول قيمة‬
‫المعقتدات والطقوس‪ ،‬أيًا كانت‪ ،‬مع تهافت القيم األخالقية‪،‬‬
‫والمساومة في مبادئ العدالة اإلنسانية‪ ،‬وصوال إلى انعدام‬
‫الحس العاطفي تجاه نصرة المظلومين‪.‬‬
‫ولعل أكبر المفاجئات‪ ،‬كانت في خروج الكثير من الدعوات‪،‬‬
‫لشيوخ السلفية الوهابية‪ ،‬تحاول بإستماتة‪ ،‬إعادة بعث الفتنة‬
‫الطائفية‪ ،‬محذرين الفلسطينيين فيها‪ ،‬من الوقوع بخطيئة‬
‫اإلستعانة والتنسيق مع أتباع الطائفة الشيعية "المجوس!"‪،‬‬
‫وبحملة منظمة تجلب كثيرا من األسئلة‪ ،‬وبعض الشبهات‪،‬‬
‫في حين خرج الناس من أقصى المشرق والمغرب‪ ،‬ومن كل‬
‫الملل والنحل بتلقائية‪ ،‬مستجيبين لنداء الفطرة اإلنسانية‪،‬‬
‫ومتجردين من كل انتماء‪ ،‬ألي فكرة جدلية‪ ،‬ومدفوعين بتمام‬
‫البراءة والعفوية‪ ،‬مستنكرين للباطل ورافضين للظلم‪ ،‬حتى‬
‫ظهر شيوخنا األعراب‪ ،‬عن أقنعتهم كاشفين‪ ،‬وعن وجهتهم‬
‫فاصحين‪ ،‬وعن هيئتهم "األمر بالترفيه والنهي عن‬
‫المعروف" معلنين‪ ،‬بالرغم أن أعظم حجة تقدموا بها‪ ،‬هو رد‬
‫السؤال أوال وآخرا‪ ،‬إلى ما يراه ولي األمر‪ ،‬والسلطان‪،‬‬
‫والملقب عندهم بأمير المؤمنين عبر األزمان ؛ طاعته من‬
‫طاعة هللا ورسوله‪ ،‬ما دام ال يمنع الناس من ممارسة تعاطي‬
‫جرعات منتظمة‪ ،‬من حركات ثني األجساد قياما وقعودا‪،‬‬
‫يدمن فيها الموالين على تمارين الخضوع واإلستسالم‪.‬‬

‫تلك هي قصة المسجد الضرار‪ ،‬والمعبد‪ ،‬الذي ُاعيد‬


‫مسلخ لذبح الدين‪ ،‬بتزوير أركانه‪ ،‬ولمسخ‬
‫ٍ‬ ‫توظيفه‪ ،‬إلى‬
‫المتدين‪ ،‬بتقزيم أولوياته‪ ،‬وقد هُبط بممارسة الصلوات‪ ،‬من‬
‫جهة تهذيب النفوس‪ ،‬إلى حظيرةٍ لتخريج التيوس‪ ،‬بل‬
‫ُو ِ‬
‫أصبحت المؤشر األكبر‪ ،‬على شيطانيةٍ محتملة‪ ،‬وكامنة لهذه‬
‫الطقوس؛ وإال‪ ،‬كان إلقامة الحق والعدل‪ ،‬موقعا أولى في‬
‫أركان الدين‪ ،‬ولإلحسان‪ ،‬غاية أسمى في سلم تطلعات‬
‫المتدينين‪ .‬وأما تغييب األخالق‪ ،‬عن ركائز اإلسالم‪ ،‬فتلك وهللا‬
‫كارثٌة ‪ ،‬ظهرت بأخزى تجلياتها‪ ،‬في موقف هؤالء الشيوخ من‬
‫المشهد الغزي؛ فالصوت غير المناصر للحق الفلسطيني هذه‬
‫األيام‪ُ ،‬يعد نشازا‪ ،‬ومن أنكر األصوات‪ ،‬كفتوى هؤالء‬
‫الشيوخ‪ ،‬بما ال يجيز الدفاع عن القدس‪ ،‬ومظلومية أهلها‪ ،‬في‬
‫حين كان القتال عندهم‪ ،‬واجبا في أفغانستان وسوريا وليبيا‪،‬‬
‫وحيثما كان للمعسكر الصهيوأمريكي مصالح ومآرب‪ُ ،‬اعتبر‬
‫جهادا في سبيل هللا‪ ،‬بل ولشدة هوسهم بالغزو‪ ،‬قال الشيخ‬
‫محمد بن عثيمين‪ ،‬بأنه “لو كنت في جهاد‪ ،‬وكان الحاكم يزني‬
‫كل يوم بمومس في خيمة فعليك إتباعه‪ ،‬حتى لو كان يلوط‬
‫أيضا”‪ ،‬وقد علق أحد الشيوخ المعاصرين في مقابلة مع‬
‫اإلعالمي الكويتي محمد المال أن "ابن باز‪ ،‬واأللباني‪ ،‬وصالح‬
‫الفوزان‪ ،‬وال أي عالم سلفي‪ ،‬ال ينازعون في هذا الكالم البتة"‪.‬‬
‫فممن يستلهم هؤالء الشيوخ وحيهم؟‬

‫وهكذا عن وعاظ السالطين بدأنا نسأل متأملين‪ ،‬وعن مفتين‬


‫القصور باحثين‪ ،‬وعن دعوى المجوس والشرك من التاريخ‬
‫والقرآن محققين‪َ ،‬ي ْو َم ِئٍذ ُتْع َر ُضوَن اَل َت ْخ َفى ِم ْنُك ْم َخ اِفَي ٌة ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬المجوس والشرك عبر الحضارات‬
‫من الناحية التاريخية‪ ،‬لم أجد بداية توثق لوالدة دينا‪ ،‬أو فرقة‪،‬‬
‫أو مذهبا‪ ،‬أو حتى أخوة سرية‪ ،‬تسمى المجوسية‪ ،‬وإنما هي‬
‫حسب التعريف المتداول‪ ،‬وصفا لمجموعة رجال الدين‪،‬‬
‫والعاملين في خدمة المعابد التي كانت منتشرة قديما‪ ،‬كما هي‬
‫في كل عصر‪ ،‬ولكنها ُاعتبرت من أهم سمات ومظاهر‬
‫الحضارات الفرعونية‪ ،‬وما بين النهرين‪ ،‬وصوال إلى شرق‬
‫آسيا‪ ،‬والتي ازدهرت في األلفيات األربعة قبل الميالد‪ .‬وقد‬
‫اشتهر معنى الكاهن في الثقافات القديمة بخادم اإلله‪ ،‬وكذلك‬
‫المعبد ُعرف ببيت اإلله‪ ،‬والذي كان يسمى أيضا "بيت الملك"‬
‫الذي ُخ صص المعبد من أجله‪ ،‬مما يفسر تالزم ظاهرة بناء‬
‫المعابد‪ ،‬مع والدة أنظمة الحكم الملكي واالمبراطوري‪ ،‬ولم‬
‫يفترقا عبر العصور‪ ،‬فكل حاكم يستعبد الناس‪ ،‬إنما يفعل ذلك‬
‫بأمر هللا‪ ،‬وكل ملك هو في الحقيقة الفرعون‪ ،‬الذي تتجلى به‬
‫صورة اإلله في األرض‪.‬‬
‫ومهما تعددت طرق التعبير والمسميات لهذه الطبقة‪ ،‬من‬
‫حضارة ألخرى‪ ،‬بقيت الحقيقة ساطعة ضمن إطار‪ ،‬يتولى‬
‫كهنة المعبد تنظيم تفاصيله‪ ،‬مهمتهم المحافظة على ازدهار‬
‫المزاوجة بين الدين السائد ومصلحة السلطة‪ ،‬وقد ُعرف هؤالء‬
‫المتخصصون في بالد فارس بعصور متأخرة بالمجوس‪ ،‬حيث‬
‫اشتقت التسمية من طبقة "الموغان"‪( ،‬مفردها الموغ) بمعنى‬
‫الساحر‪ ،‬والتي ُاخذت منها الحقا كلمة (‪ ،)magic‬وكان ذلك‬
‫طبيعيا عند الثقافات بدائية المنشأ‪ ،‬ولكن مع ازدهارها‪ ،‬تطور‬
‫السحر معها‪ ،‬ليصبح معتبرا من أهم العلوم الروحية‪ ،‬يحظى‬
‫معها الممارسون المحترفون‪ ،‬احترام القصر والرعية في نفس‬
‫الوقت‪.‬‬
‫فبفضل السحرة‪ ،‬وكهنة المعبد عند المصريين‪ ،‬وتناغما مع‬
‫ظاهرة عبادة الشيطان التي كان لها انتشارا هناك‪ ،‬تحولت‬
‫الديانة التوحيدية القديمة‪ ،‬إلى مذهب "مجوسي" الصبغة‬
‫والثقافة‪ ،‬جعل من فرعون إلها‪ ،‬والذي كان يجلس أيضا على‬
‫قمة هرم الكهنوت‪ ،‬في حين كان يطلق على خدمة المعبد إسم‬
‫"واب"‪.‬‬
‫وبعد تسرب الطقوس الوثنية المصرية‪ ،‬وعبادة العجل‪ ،‬إلى‬
‫الثقافة اليهودية‪ ،‬قام الأحبار‪ ،‬أثناء فترة السبي‪ ،‬وتحت سطوة‬
‫التأثر واإلعجاب بالثقافتين الفارسية والبابلية‪ ،‬ال سيما طقوس‬
‫الشعوذة والسحر‪ ،‬بإكمال اإلنقالب على التعاليم الموسوية‪،‬‬
‫وتحويلها إلى تلمودية المسمى‪ ،‬ولكن مجوسية الجوهر‪ ،‬جعلت‬
‫من الدين‪ ،‬منظومة قومية وعنصرية‪ ،‬وأصبح للكهنة والمعبد‪،‬‬
‫دورا محوريا في تقديس السلطة السياسية‪ ،‬وإدارة الشؤون‬
‫االقتصادية واإلجتماعية‪.‬‬

‫وأما المسيحية الكاثوليكية‪ ،‬نرى على األغلب‪ ،‬دور القيصر‬


‫وقساوسة روما‪ ،‬بإختزال تعاليم المسيح السماوية‪ ،‬بطبقية‬
‫كهنوتية‪ ،‬مع أن قسطنطين نفسه‪ ،‬والذي تم تعميده على فراش‬
‫موته‪ ،‬ال أحد يعرف‪ ،‬إن بقي مخلًصا للوثنية‪ ،‬ال سيما مع وجود‬
‫شكوك بتحوله للمسيحية‪ ،‬كوسيلة لخدمة المصالح السياسية‪،‬‬
‫وللحفاظ على تماسك اإلمبراطورية‪ .‬وفي محاولة السلطة‪،‬‬
‫تسهيل التحول من الوثنية إلى المسيحية‪ ،‬قام القساوسة بتكييف‬
‫بعض الطقوس والممارسات الوثنية‪ ،‬لتكون أكثر قبواًل ضمن‬
‫السياق الديني‪ .‬ومع األيام‪ ،‬بدأ دور الكهنوت المسيحي يتطور‪،‬‬
‫ويأخذ مكانة مركزية في الحياة الدينية واالجتماعية‬
‫لإلمبراطورية‪.‬‬
‫فهل نستبعد أن يحذو فقهاء السلطان األموي سابقيهم‪ ،‬حذو‬
‫النعل بالنعل‪ ،‬وفي تمام الموافقة مع نبوءة الرسول الكريم في‬
‫المُلك العضوض‪ ،‬وإن ُنسب إليه زورا‪ ،‬ما يشرعن طاعة‬
‫الحكام الفجرة "ما أقاُموا ِفيُك ُم الَّصالَة"‪ ،‬وتبرير الحكم الجبري‬
‫في تحريم الخروج على السلطان‪ ،‬حتى لو كان شيطان‪ ،‬كما‬
‫أخرج مسلم في صحيحه ‪ " :‬يكون بعدي أئمة ال يهتدون‬
‫بهداي وال يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب‬
‫الشياطين في جثمان إنس‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬كيف أصنع يا رسول هللا‬
‫إن أدركت ذلك؟ قال‪ :‬تسمع وتطيع لألمير وإن ضرب ظهرك‬
‫وأخذ مالك فاسمع وأطع"‪ .‬وقال فقهاء السلطان تعليال لذلك‪ ،‬أنه‬
‫دليل على وجوب طاعة األئمة وإن ظلموا‪ ،‬مع أن اإلمام أبو‬
‫حنيفة أفتى بالخروج على السلطان الجائر‪ ،‬فضال عن تسابق‬
‫العديد من علماء السلف والخلف‪ ،‬بتفضيل العادل الكافر على‬
‫المسلم الظالم‪ ،‬بل أقول أن اإلسالم أولى بذلك الحاكم العادل‪،‬‬
‫وأما من ظلم‪ ،‬فالكفر أولى به‪ ،‬حتى لو قام آناء الليل وأطراف‬
‫النهار‪.‬‬
‫وهذه تجربة في الحقيقة‪ ،‬تتكرر في كل عصر يشهد صراعا‬
‫بين الحكمة اإللهية‪ ،‬والحكام المتألهين‪ ،‬يكون الغلبة فيه‬
‫لسلطان القوة‪ ،‬يتوَّج باختطاف الدين وإعادة تشكيله‪ ،‬ال سيما‬
‫مع توظيف سياسة تفرقة الدين الواحد إلى شيع متعددة‪ ،‬يُسهِّل‬
‫سيادة السلطة عليها‪ ،‬ألن المسألة الروحية كانت‪ ،‬وال زالت‪،‬‬
‫بضاعة في موضع التنافس األبدي بين قوتي الخير والشر‪.‬‬
‫وبالنظر إلى كل هذه المعطيات التاريخية‪ ،‬والتي توثق أسبقية‬
‫سيادة "الثقافة" المجوسية‪ ،‬على ظهور الديانة الزردشتية‪ ،‬التي‬
‫ُو لدت في فارس قبل ما يقارب من ثالثة آالف سنة‪ ،‬لم يكن‬
‫مستغربا‪ ،‬أن يكون "الموغان" أول من يقف في وجه‬
‫زرادشت‪ ،‬ودعوته التوحيدية‪ ،‬إلى أن طغت مع األيام سلطة‬
‫المعبد بنكهتها الطقوسية‪ ،‬والمعززة لسلطان الملك‪ ،‬على‬
‫حساب األسس الزردشتية بجوهرها الروحي واألخالقي‪ ،‬حتى‬
‫بدأ مسمى ذلك التيار المجوسي‪ ،‬وتدريجيا‪ ،‬يأخذ محل الدين‬
‫الزردشتي‪ ،‬وخصوصا مع ظهور مذاهب‪ ،‬كالمزدكية‬
‫والمانوية في مراحل الحقة‪ ،‬انحرفت عن الدين األم‪ ،‬وساهمت‬
‫في إضعافه وتشويه معالمه‪ ،‬حتى غدت المجوسية‬
‫والزرداشتية في الثقافة المتوارثة‪ ،‬كما لو كانا دينا واحدا‪ ،‬وما‬
‫هما كذلك؛ فاألولى ممارسة شيطانية‪ ،‬والثانية عقيدة إلهية‪،‬‬
‫بنفس الطريقة التي ال يجوز فيها الخلط بين الحركة‬
‫الصهيونية‪ ،‬األقرب إلى الفرعونية‪ ،‬والديانة اليهودية‬
‫الموسوية‪ ،‬فهما غير مرتبطان أبدا‪ ،‬مهما بدت المظاهر‬
‫ساطعة‪ .‬وكما أعطت اليونان بسقراطها‪ ،‬اسم الفلسفة لمريدي‬
‫ومحبي الحكمة‪ ،‬إنسانية األصل والمنبع‪ ،‬أعطت فارس لطبقة‬
‫كهنة المعبد الزردشتي إسم المجوس‪ ،‬مع أن الحكمة لم تكن‬
‫يوما حكرا على اليونان‪ ،‬وال المجوسية كانت اختراعا فارسيا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المجوس والشرك في القرآن الكريم‬

‫مع اعتبار ما تعنيه كلمة المجوس في العرف التاريخي‪ ،‬نجد‬


‫لهذه الطبقة إشارات قرآنية عديدة‪ ،‬مع أنها لم ترد حرفيا‬
‫سوى مرة واحدة‪ِ" :‬إَّن اَّلِذيَن آَم ُنوا َو اَّلِذيَن َهاُدوا َو الَّص اِبِئيَن‬
‫َو الَّن َص اَر ٰى َو اْلَمُج وَس َو اَّلِذيَن َأْش َر ُك وا ِإَّن الَّلـَه َي ْف ِص ُل َبْي َن ُهْم‬
‫َيْو َم اْلِقَي اَم ِةۚ ِإَّن الَّلـَه َع َلٰى ُك ِّل َش ْي ٍء َش ِه يٌد ﴿‪ ﴾١٧‬سورة‬
‫الحج"‪ ،‬حيث نرى األمر بترك الفتوى بشأن إيمان األفراد‬
‫والجماعات إلى هللا الخالق‪ ،‬المطلع وحده على القلوب‬
‫وسرها‪ ،‬وبذلك يكون له وحده حق الفصل فيما ُاختِلف بين‬
‫الناس‪ ،‬والذين تم تصنيفهم إلى ست فئات‪ ،‬في نفس درجة‬
‫التكافؤ‪ ،‬من حيث المبدأ‪ ،‬وعدم جواز المفاضلة بينهم‪ ،‬برغم‬
‫كل ما يمكن أن يحمله هذا التوجيه من استنكار‪ ،‬لوضع الذين‬
‫آمنوا والذين أشركوا بنفس السلة‪ ،‬تساؤل في إجابته ما يفتح‬
‫بعضًا من األبواب الموصدة‪ ،‬في وجه كل من يجرؤ على‬
‫محاولة تفكيك اللغزية الدينية؛ فأين الذين كفروا والمنافقين‬
‫والفاسقين‪ ،‬ومن يقابلهم من الصالحين والمتقين‪ ،‬ولماذا لم‬
‫ُيشار إلى المسلمين؟‬

‫وفي موقع آخر (ومكرر) من كتاب هللا‪ُ ،‬اعيد ذكر الفئات‬


‫األربع األولى‪ ،‬دون األخيرتين‪ِ" :‬إَّن اَّلِذيَن آَم ُنوا َو اَّلِذيَن‬
‫َهاُدوا َو الَّن َص اَر ٰى َو الَّص اِبِئيَن َم ْن آَم َن ِبالَّلـِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخِر‬
‫َو َع ِم َل َص اِلًح ا َفَلُهْم َأْج ُر ُه ْم ِع نَد َر ِّب ِه ْم َو اَل َخ ْو ٌف َع َلْي ِه ْم َو اَل‬
‫ُه ْم َيْح َز ُنوَن ﴿‪ ﴾٦٢‬سورة البقرة"‪ .‬وليس من المبالغة القول‬
‫أن هذه اآلية‪ ،‬وعند ضمها إلى مقصود اآلية األخرى أعاله‪،‬‬
‫هي من أهم ما ُيستَح ق النظر إليه‪ ،‬في سياق بحوث الطائفية‬
‫الدينية‪ ،‬وما يمكن أن تعنيه من حقيقة صارخة في واقع‬
‫تعريف للدين الحق‪ ،‬في سياق من‬ ‫ٍ‬ ‫الناس‪ ،‬تفضي إلى بلورة‬
‫العالمية‪ ،‬وعلى أسس قرآنية أصيلة‪ ،‬ضاعت مقاصدها‪ ،‬تحت‬
‫ركام الموروث الطاغي على الثقافة المذهبية‪ ،‬بين جميع‬
‫الفرق والمعتقدات‪ ،‬وإال كيف نفسر إعطاء المجموعات‬
‫األربع‪ ،‬قابلية مشروطة للنجاة يوم القيامة‪ ،‬دون أي تميزٍ‬
‫لطائفة على أخرى؟ في حين تركت مجموعتي المجوس‬
‫والذين أشركوا‪ ،‬في ساحة من العراء‪ ،‬يلفهما الغموض حول‬
‫سوء المصير!‬

‫و لم يُقصد بفئة الذين أشركوا‪ ،‬كما يبدو لي‪ ،‬نفس طائفة‬


‫المشركين‪ ،‬التي ارتبط عنوانها تاريخيا بتعدد اآللهة‪ ،‬وعبادة‬
‫النصب واألصنام الحجرية‪ ،‬ألن القرآن الكريم حسم الحكم‬
‫ببطالن عبادة األوثان وأصحابها (َو ِإْذ َقاَل ِإْبَر اِهيُم َأِلِبيِه آَز َر‬
‫َأَتَّت ِخُذ َأْص َن اًم ا آِلَه ًة ۖ ِإِّن ي َأَر اَك َو َقْو َم َك ِفي َض اَل ٍل ُم ِبيٍن ) فهذه‬
‫الصنمية النمطية‪ ،‬تجلت بمواقف معاندة ال ريب فيها‪ ،‬وصوال‬
‫إلى قشرية من التوافق الزائف‪ ،‬يفضح إيمانا "أعرابيا" خاويا‬
‫ْت‬ ‫َن‬ ‫اَّل‬ ‫َه‬ ‫َٰل‬
‫(َح َّتٰى ِإَذ ا َأْد َر َك ُه اْلَغ َر ُق َقاَل آَم نُت َأَّن ُه اَل ِإ ِإ ا ِذي آَم ِبِه‬
‫َّل‬
‫َب ُنو ِإْس َر اِئيَل َو َأَن ا ِمَن اْلُمْس ِلِميَن )‪.‬‬

‫وقد أريد لهذا المثال من اإلستسالم‪ ،‬أن يرسم خيطا مبينا‪،‬‬


‫يفصل توجهين في تمام التناقض‪ ،‬وإن امتنعت رؤيته على‬
‫أشباح المؤمنين (َو َج اَو ْز َن ا ِبَب ِني ِإْس َر اِئيَل اْلَبْح َر َفَأَت ْو ا َع َلٰى‬
‫َقْو ٍم َيْع ُك ُفوَن َع َلٰى َأْص َن اٍم َلُهْم ۚ َقاُلوا َي ا ُم وَس ى اْج َع ْل َلَن ا ِإَٰل ًه ا‬
‫َك َم ا َلُهْم آِلَه ٌة ۚ َقاَل ِإَّنُك ْم َقْو ٌم َت ْج َه ُلوَن ) فهؤالء‪ ،‬وبالرغم من‬
‫كل المعجزات الباهرات التي ُتِو جت بفتح البحر‪ ،‬وإحياء‬
‫األموات‪ ،‬ال زالوا في غيبوبة عن اإلستبصار خارج محدودية‬
‫الحواس‪ ،‬فمرة قالوا (َي ا ُم وَس ى َلْن ُنْؤ ِمَن َلَك َح َّت ى َن َر ى َهللا‬
‫َج ْهَر ًة) وأخرى سألوا تحديا (َي ا ِع يَس ى اْب َن َمْر َي َم َه ْل َيْس َت ِط يُع‬
‫َر ُّب َك َأْن ُيَنِّز َل َع َلْي َن ا َم اِئَد ًة ِمَن الَّس َم اِء ) وصوال إلى تلبسهم‬
‫بغاية الوهم‪ ،‬والمتجلي في تعلٍق باألمل المستحيل (َو َلَت ِج َد َّن ُهْم‬
‫َأْح َر َص الَّن اِس َع َلٰى َح َي اٍة َو ِمَن اَّلِذيَن َأْش َر ُك واۚ َيَو ُّد َأَح ُدُه ْم َلْو‬
‫ُيَعَّمُر َأْلَف َس َن ٍة)‪.‬‬
‫ومع توسع الدعوة النبوية المحمدية‪ ،‬أخذت ثقافة عبادة‬
‫النصب الحجرية‪ ،‬طريقها تدريجيا نحو الإنقراض‪ ،‬ولكن‬
‫الشرك حافظ على ازدهاره بتغيير جلده‪ ،‬ليصبح آفةً للذين‬
‫آمنوا (َو َم ا ُيْؤ ِمُن َأْك َث ُر ُه ْم ِباِهلل ِإاَّل َو ُه ْم ُم ْش ِر ُك وَن ) وإال‪ ،‬لماذا‬
‫ُيسَت نكر منهم أفعاال من هذه (َو ِإَذ ا َر َأْو ا ِتَج اَر ًة َأْو َلْهًو ا اْن َف ُّض وا‬
‫ِإَلْيَه ا َو َت َر ُك وَك َقاِئًم ا ُقْل َم ا ِع ْن َد ِهللا َخ ْيٌر ِمَن اللْه ِو َو ِمَن‬
‫الِّت َج اَر ِة َو ُهللا َخ ْيُر الَّر اِز ِقيَن )؟ تلك هي قصة أشباه المؤمنين‪،‬‬
‫وقد تجلى منهم مظهرا مخففا من اإليمان‪ ،‬ضمن دائرة من‬
‫الرمادية‪ ،‬يتداخل بها إيمان عبيد األهواء (َأَفَر َأْي َت َم ِن اَّتَخ َذ‬
‫ِإَلَه ُه َه َو اُه) بإيمان عبيد األسياد (َأاَل ِهَّلِل الِّد يُن اْلَخ اِلُص ۚ ‬
‫َو اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا ِمن ُدوِنِه َأْو ِلَي اَء َم ا َن ْع ُبُدُه ْم ِإاَّل ِلُيَقِّر ُبوَن ا ِإَلى ِهَّللا‬
‫ُز ْلَف ٰى ِإَّن َهَّللا َيْح ُك ُم َبْي َن ُهْم ِفي َم ا ُه ْم ِفيِه َي ْخ َت ِلُفوَن ) ويأتي ترك‬
‫الحكم هنا‪ ،‬في تمام اإلنسجام مع اآلية ‪ 17‬من سورة الحج‬
‫سابقة الذكر‪.‬‬

‫وبذلك يكون الشرك المنسوب إلى فئة "الذين أشركوا"‪ ،‬قيمة‬


‫معنوية ال حرفية‪ ،‬وباطنية ال ظاهرية‪ ،‬ولكن فيها ما يكفي من‬
‫السلبية‪ ،‬ما يعيب ويجرح في منهاج أي من المدعين لإليمان‪،‬‬
‫أو الزاعمين للتدين من الفئات األربع األولى‪ ،‬وصوال إلى‬
‫عدميته (َو ِمَن الَّن اِس َم ن َي ُقوُل آَم َّن ا ِباِهَّلل َو ِباْلَيْو ِم اآْل ِخِر َو َم ا‬
‫ُهم ِبُم ْؤ ِمِنيَن ) فيكون وضع الذين أشركوا ضمن الفئات‬
‫الستة‪ ،‬يهدف إلى دفع اإلنتباه نحو الحقيقة‪ ،‬التي تجعل من‬
‫اإليمان‪ ،‬تجربة حسية عميقة ومتفاعلة‪ ،‬تعبر عن لسان‬
‫الحال‪ ،‬وليس مجرد قول شهادتين أو ثالثة‪ ،‬تعبيرا عن حال‬
‫اللسان (َأَح ِس َب الَّن اُس َأْن ُيْت َر ُك وا َأْن َي ُقوُلوا آَم َّن ا َو ُه ْم ال‬
‫ُيْف َتُنوَن * َو َلَق ْد َفَتَّن ا اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِه ْم ۖ َفَلَيْع َلَم َّن ُهَّللا اَّلِذيَن‬
‫َص َد ُقوا َو َلَيْع َلَم َّن اْل َك اِذ ِبيَن )‪.‬‬

‫وفي ذلك نكون قد وصلنا إلى تمام المواجهة والتصادم‪ ،‬مع‬


‫معضلة الغموض الديني‪ ،‬واستحالة حسم الموقف اإليماني‬
‫للمخاَط بين بدعوته‪ ،‬بل ودليٌل يمكن استخالصه‪ ،‬لمن يريد‬
‫اإلستبصار بحقيقة "الدين عند هللا" الذي ال ُيقبل غيره؛ ضمن‬
‫إطار يتجاوز الشكليات التي تظهر في األقوال والطقوس‪،‬‬
‫وإن كانت طوائفنا ومذاهبنا ال ُتعرف إال بها‪ ،‬وخصوصا أن‬
‫الغالبية المطلقة من األتباع‪ ،‬هم في الحقيقة‪ ،‬مجرد وارثين‬
‫لمعتقد اآلباء واألجداد‪ ،‬فلماذا تتوقع طائفة أن تكون أقرب الى‬
‫الحقيقة من غيرها‪ ،‬على أساس مذموم من صميم القرآن؟‬

‫وهكذا يلحق بفئة المجوس‪ ،‬نفس المنطق الموصوف في‬


‫الفقرتين األخيرتين للذين أشركوا‪ ،‬كونهما ذكرتا مرادفتين‪،‬‬
‫ولكن بفارق ينبغي توضيحه؛ فالشرك عام عنوانه عبادة‬
‫األهواء‪ ،‬ويكون المجوس تبعا لذلك‪ ،‬عنوانا خاصا يصف‬
‫عبادة األسياد‪.‬‬
‫ومن ذلك يمكننا القول أن الفئات الستة سابقة الذكر‪ ،‬هي في‬
‫الأصل أربعة فقط‪:‬‬

‫‪ ‬الذين آمنوا (وهم الذين قالوا آمنا بمحمد من السنة والشيعة‬


‫واألباضية وغيرهم)‪.‬‬
‫‪ ‬الذين هادوا (وهم الموسويين من غير اليهود المحكوم‬
‫بفسادهم)‪.‬‬
‫‪ ‬النصارى (وهم الموحدين وإن قالوا بفلسفة التثليث‪ ،‬دون‬
‫َم ن كفر ِم ن القائلين ِإَّن َهللا َث اِلُث َث اَل َث ٍة)‪.‬‬
‫‪ ‬الصابئين (منظومة الصابئين أراها مظلة تتسع لكل‬
‫المؤمنين خارج إطار فرق أهل الكتاب الثالث السابقة‪،‬‬
‫ومنهم الصابئة المندائية والزردشتية والهندوسية والبوذية‬
‫والماوية وغيرها)‪.‬‬

‫فعندما يصدق اإليمان باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬عند األفراد‬


‫المنتسبين لهذه المنظومات التوحيدية األربعة‪ ،‬ويصلح عملهم‬
‫بعين الحق‪ ،‬يكونوا من المهتدين بالنور اإللهي‪ ،‬ولكن ليس‬
‫قبل سير هؤالء الصالحون‪ ،‬الذين أسلموا وجوههم للخالق‬
‫الحق‪ ،‬والمتجلي بكل موقٍف أرضي حق‪ ،‬في صراط الذين‬
‫أنعم الرحمن عليهم‪ ،‬وعبر محطاٍت من مواقع اإلسراء‬
‫الرمادية‪ ،‬األشد غموضا‪ ،‬نحو األكثر انفتاحا‪ ،‬وصوال إلى‬
‫معراج المتقين بآفاق أعلى‪ُ ،‬تقِّر ب من كمال النور‪ ،‬واللقاء‪،‬‬
‫حيث المأوى والمنتهى المنشود‪ ،‬وإال يكون السقوط تلقائيا في‬
‫ُسبل الضالل‪ ،‬ومنزلقات الظالم‪ ،‬تدحرجا عبر دركات‬
‫الفاسقين والمنافقين‪ ،‬ومن مواقع الرمادية األكثر ظلمًة ‪،‬‬
‫وظلمًا‪ ،‬وصوال إلى مقام الذين كفروا اَل ُيَفَّت ُر َع ْن ُهْم َو ُه ْم ِفيِه‬
‫ُمْب ِلُسوَن ‪ .‬ونخلص إلى تصنيف جميع الخاسرين في سياق‬
‫المنظومة الفرعونية‪ ،‬وعبادة الشيطان‪ ،‬ضمن عنوانين‬
‫عريضين‪:‬‬
‫‪ ‬الذين أشركوا وهم الضالين‬
‫‪ ‬المجوس وهم المغضوب عليهم‬
‫مع أن هذه الفئة األخيرة‪ ،‬قد خصصت مهبطا حصريا‪ ،‬لمن‬
‫فسد من شيوخ الإفتاء والوعظ الديني‪ ،‬بل وعموم كهنة المعابد‪،‬‬
‫وذوي األلقاب الموازية كالمستشارين والوزراء‪ ،‬فضال عن‬
‫النخب النافذة في النواحي األكاديمية واإلعالمية‪ ،‬وغيرهم من‬
‫ذوي المواقع المقربة من السلطان الفاسد‪ ،‬مما يعطينا مؤشرات‬
‫تلمح إلى توسيع الوجود المجوسي في القرآن الكريم‪ ،‬يتجاوز‬
‫حرفية اإلسم‪ ،‬ليشمل كل من ينطبق عليه هذه المواصفات‬
‫"الهامانية" المسخرة في خدمة السالطين‪ ،‬ال سيما تلك اآليات‬
‫التي أسهبت في تفصيل دور السحرة (واإلعالميين) في تأليه‬
‫فرعون‪ ،‬ومعهم شعراء (ومؤلفين ونشطاء) يتبعهم الغاوون‪،‬‬
‫وفي أودية الملوك يهيمون‪.‬‬
‫وبعبارات أخرى‪ ،‬يمكن القول أن "التمجس" قيمة تتقاطع مع‬
‫الوصف المشار إلى الشرك العام‪ ،‬ولكن بخصوصية‪ ،‬يتم فيها‬
‫تسخير رجال دين ونخب‪ ،‬هم بنظر العوام والمقلدين‪ ،‬جسرا‬
‫مفترضا يربط بين العابد والمعبود‪ ،‬أو بابا ُيطرق للمعرفة‬
‫والتنوير‪ ،‬يتم إعادة توظيفهم‪ ،‬ليلعبوا دورا شيطانيا‪ ،‬يكونوا فيه‬
‫واسطة بين المواطن والسلطة السياسية المهيمنة‪ ،‬تتمحور‬
‫مهمتها في اختزال الطاعة اإللهية‪ ،‬بالوالء المطلق للحاكم‪ ،‬وما‬
‫يمثله من أجندات‪ ،‬والذي سيصبح في هذه الحالة جبارا‪ ،‬يُعبد‬
‫من دون هللا‪ ،‬ال سيما مع وجود من يشرعن له كل ممارسة‬
‫فاسدة‪ ،‬ضمن إطار من القدر المحتوم‪ ،‬وبفتاوى ومقاالت‪ ،‬يتم‬
‫تفصيلها في سياقات من الضرورات الوطنية‪ ،‬كاإلقتصادية‬
‫والسياسية مثال‪ ،‬أو غير ذلك من المسوغات الأمنية والقومية؛‬
‫فعملية قلب الحقائق‪ ،‬أو إعادة توجيهها بما يرضي األهواء‬
‫واألسياد‪ ،‬تعتبر دروبا من السحر‪ ،‬ومهنة تتطلب اإلبداع في‬
‫التمويه‪ ،‬وإحترافية لممارسة اإلفك والشعوذة‪ ،‬مما يفسر ذلك‬
‫الترابط العضوي بين فقهاء السلطان وسلطة الخالفة‪ ،‬دون‬
‫السماح لضبابية األسماء‪ ،‬ورمادية الصفات‪ ،‬أن تضلنا عن‬
‫تشخيص هوية المضلين المجوس‪ ،‬المبحوث عنهم في هذا‬
‫المقال‪.‬‬

‫ومن ذلك نخلص إلى رؤية المجوسية‪ ،‬ظاهرة الزمت إفساد‬


‫اإلنسان لألديان‪ ،‬في كل زمان ومكان‪ ،‬وإن كان ال بد من‬
‫إسقاط هذا المسمى على فئة بعينها في هذه األيام‪ ،‬فإن الشيوخ‬
‫والقساوسة‪ ،‬وغيرهم من النخب الذين وقفوا في الجانب‬
‫الخاطئ‪ ،‬من عدالة القضية الفلسطينية‪ ،‬والمظلومية الغزية‪ ،‬هم‬
‫بعين الحق األعلى‪ ،‬والمنطق األسمى‪ ،‬مجوس هذا العصر‬
‫بإمتياز‪.‬‬

You might also like