You are on page 1of 10

‫مفهوم المجتمع و الفرد في الفلسفة‬

‫في الفلسفة‪ ،‬هناك نقاش مستمر حول العالقة بين الفرد والمجتمع‪ .‬من جهة‪ ،‬يعتبر الفرد كياًنا مستقًال له حقوقه‬
‫وهويته الخاصة‪ ،‬ومن الجهة األخرى‪ُ ،‬ينظر إلى الفرد باعتباره جزًء ا من النسيج االجتماعي األوسع‪ .‬هذا التوتر‬
‫‪.‬بين الحرية الفردية والمسؤولية االجتماعية هو محور النقاش الفلسفي‬

‫بعض الفالسفة يؤكدون على الجانب الفردي‪ ،‬معتبرين أن الفرد هو الوحدة األساسية للمجتمع وأن حريته وحقوقه‬
‫يجب أن تكون محميٍة ‪ .‬في المقابل‪ ،‬يرى آخرون أن الفرد ال يستطيع أن ينفصل عن سياقه االجتماعي وأن التزاماته‬
‫‪.‬تجاه المجتمع هي جزء ال يتجزأ من هويته‬

‫‪by Ben Hamid‬‬


‫موقف الفيلسوف نوربرت إلياس‬
‫تقدير دور الفرد في المجتمع‬ ‫العالقة الجدلية بين الفرد والمجتمع‬
‫يؤكد الفيلسوف نوربرت إلياس على أهمية دور الفرد في بناء‬ ‫يرفض إلياس التفكير في الفرد والمجتمع كوحدتين منعزلتين‪.‬‬
‫المجتمع وتشكيله‪ .‬فهو يرى أن الفرد ليس مجرد كائن خاضع‬ ‫بدًال من ذلك‪ ،‬يؤكد على العالقة الجدلية والتفاعلية بينهما‪.‬‬
‫للقوى االجتماعية والتاريخية المحيطة به‪ ،‬بل له دور فاعل‬ ‫فالمجتمع يشكل الفرد ويحدد أطره المرجعية‪ ،‬في حين أن‬
‫في إنتاج المعاني والتمثالت واألنماط السلوكية التي تشكل‬ ‫األفراد هم الذين ينتجون المجتمع ويعيدون إنتاجه باستمرار‪.‬‬
‫المجتمع‪ .‬هذا الفهم يمنح األفراد القدرة على التأثير في المحيط‬ ‫هذا التصور يساعد في فهم كيفية تطور المجتمع وتحوالته‬
‫‪.‬االجتماعي والمساهمة في تطويره وتغييره‬ ‫‪.‬عبر الزمن‬

‫علم االجتماع التاريخي‬


‫ُيعتبر إلياس من رواد علم االجتماع التاريخي الذي يركز على دراسة التحوالت والتطورات التاريخية للمجتمعات‪ .‬فهو يرى أن فهم‬
‫الظواهر االجتماعية الراهنة يتطلب دراستها في سياقها التاريخي والثقافي‪ .‬هذا المنظور يساعد في تفسير كيفية تشكل المجتمعات‬
‫‪.‬وتطورها عبر الزمن‬
‫إنجاز مرحلة الفهم (آالستهالل‪ /‬تاطير‬
‫النص ‪/‬القضية و طرح االشكاليات)‬

‫في هذه المرحلة من التحليل الفلسفي‪ ،‬يتم إعداد األرضية المناسبة لدراسة وفهم المفاهيم واألفكار المطروحة‪ .‬يبدأ‬
‫ذلك بعرض اآلستهالل‪ ،‬أي إطالع القارئ على السياق العام والخلفية الفكرية التي تندرج ضمنها النصوص‬
‫واآلراء المدروسة‪ .‬هذا يمهد الطريق لتأطير النص والوقوف على القضايا المحورية المتضمنة فيه‪ ،‬فضال عن‬
‫‪.‬طرح اإلشكاليات والتساؤالت التي يطرحها النص أو التحليل‬

‫بالنسبة لموضوع العالقة بين الفرد والمجتمع‪ ،‬يتم في هذه المرحلة وضع اإلطار العام للنقاش‪ ،‬واستعراض المفاهيم‬
‫األساسية المتعلقة بالفرد والمجتمع من منظور الفلسفة االجتماعية‪ .‬كما يتم صياغة األسئلة المحورية التي ستوجه‬
‫تحليل آراء الفالسفة المدروسة‪ ،‬مثل‪ :‬ما هي طبيعة العالقة بين الفرد والمجتمع؟ هل الفرد تابع للمجتمع أم أن‬
‫المجتمع مجرد مجموع لألفراد؟ كيف ينظر الفالسفة إلى مسألة التفاعل والتأثير المتبادل بين الفرد والمجتمع؟‬
‫إنجاز مرحلة التحليل (االطروحة ‪ /‬تفكيك االطروحة ‪ /‬المفاهيم و‬
‫االساليب الحجاجية لموقف إلياس)‬

‫االطروحة األساسية لنوربرت إلياس‬ ‫‪1‬‬


‫تنطلق اطروحة نوربرت إلياس من فكرة أساسية مفادها أن‬
‫الفرد والمجتمع هما طرفان متالزمان ومتشابكان ال‬
‫ينفصالن‪ .‬فالفرد يتشكل من خالل تفاعله المستمر مع‬ ‫‪2‬‬ ‫تفكيك االطروحة‬
‫المجتمع الذي ينتمي إليه‪ ،‬بينما يساهم المجتمع بدوره في‬ ‫لتفكيك هذه االطروحة‪ ،‬قدم إلياس مفهوم "التحضر" الذي‬
‫صياغة هوية هذا الفرد وشكل سلوكياته‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ال يمكن‬ ‫يشير إلى العملية التاريخية التي من خاللها تتشكل العالقات‬
‫‪.‬فهم الفرد دون فهم السياق االجتماعي الذي ينشأ فيه‬ ‫االجتماعية وأنماط السلوك في المجتمع‪ .‬فالتحضر يعني‬
‫انتقال المجتمع من حالة البساطة والتجانس إلى حالة التعقيد‬
‫والتنوع‪ ،‬مما يؤدي إلى ظهور أنماط سلوكية جديدة تنعكس‬
‫‪.‬على األفراد المنتمين إلى ذلك المجتمع‬
‫المفاهيم واألساليب الحجاجية لموقف إلياس‬ ‫‪3‬‬

‫يستند إلياس في حجاجه إلى مفهوم "المالئمة الوظيفية" الذي‬


‫يشرح كيف يتم تكييف سلوكيات األفراد وفًقا للتطورات‬
‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية التي تطرأ على المجتمع‪.‬‬
‫كما يستخدم إلياس أسلوب "المقارنة التاريخية" إلبراز‬
‫التحوالت التي طرأت على العالقة بين الفرد والمجتمع عبر‬
‫‪.‬مختلف الحقب التاريخية‬
‫إنجاز مرحلة المناقشة (القيمة و الحدود)‬

‫في هذه المرحلة من التحليل الفلسفي‪ ،‬سنناقش القيمة والحدود لموقف الفيلسوف نوربرت إلياس فيما يتعلق بالعالقة‬
‫بين الفرد والمجتمع‪ .‬إلياس يقدم رؤية شمولية تتجاوز نظرية العقد االجتماعي التقليدية‪ ،‬حيث يرى أن الفرد‬
‫والمجتمع ليسا كيانين منفصلين بل متشابكين ومتداخلين بشكل جذري‪ .‬هذه الرؤية الجديدة تثري النقاش الفلسفي‬
‫‪.‬وتوسع آفاق التفكير في هذه القضية المركزية‬

‫ومن قيمة هذا الموقف أنه ينظر إلى العالقة بين الفرد والمجتمع كعملية ديناميكية متطورة عبر الزمن‪ ،‬تتشكل فيها‬
‫الذات الفردية من خالل التفاعل واالنخراط في الحياة االجتماعية‪ .‬كما أنه ينتقد الرؤى الجامدة والثابتة للفرد‬
‫والمجتمع‪ ،‬ويؤكد على أهمية فهم هذه العالقة في سياقها التاريخي والثقافي‪ .‬ومن حدود هذا الموقف أنه قد ينحو إلى‬
‫‪.‬التقليل من دور الفرد وإمكانياته في التأثير على المجتمع والتغيير‪ ،‬بالتركيز الزائد على البعد االجتماعي‬
‫موقف الفيلسوف انتوني غيدنز‬

‫أما موقف الفيلسوف الكبير انتوني غيدنز فهو مختلف تماًم ا عن نوربرت إلياس‪ .‬فبينما ركز إلياس على العالقة بين‬
‫الفرد والمجتمع من حيث االنضباط والقواعد االجتماعية التي تقيد الفرد‪ ،‬نجد غيدنز ينظر إلى هذه العالقة من‬
‫زاوية أخرى‪ .‬فهو يرى أن الفرد والمجتمع ليسا كيانين منفصلين‪ ،‬بل هما متشابكان ومتداخالن بعمق‪ ،‬وأن الفرد‬
‫‪.‬هو في الحقيقة جزء من النسيج االجتماعي وليس خارًجا عنه‬

‫ويؤكد غيدنز على مفهوم "التفاعل المتبادل" بين الفرد والمجتمع‪ ،‬فالمجتمع ال يسبق الفرد وال يأتي بعده‪ ،‬بل هما‬
‫متالزمان ويشكالن وجهين لعملة واحدة‪ .‬فالفرد من خالل أفعاله وممارساته اليومية يساهم في صياغة وتشكيل‬
‫المجتمع‪ ،‬وفي المقابل فإن المجتمع وقيمه ومؤسساته تؤثر بشكل كبير على شخصية الفرد وسلوكياته‪ .‬وبذلك‬
‫‪.‬ترفض نظرية غيدنز التصور الكالسيكي للعالقة بين الفرد والمجتمع باعتبارها عالقة جدلية وتفاعلية‬
‫إنجاز مرحلة الفهم‬
‫مرحلة الفهم تقوم على عدة خطوات أساسية إلدراك القضية المطروحة وتأطير النص‪ .‬أوًال‪ ،‬يأتي االستهالل بتقديم المفاهيم األساسية وإطار البحث‪ .‬يتم في هذه‬
‫المرحلة استكشاف الخلفية النظرية والفكرية للموضوع‪ ،‬وتحديد القضايا واإلشكاليات الرئيسية المطروحة‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬يأتي تأطير النص من خالل تحليل هيكليته‬
‫‪.‬وأبعاده الفلسفية واالجتماعية والتاريخية‪ .‬في األخير‪ ،‬تحديد القضية المركزية واألسئلة األساسية التي سيتم التطرق إليها في مراحل التحليل والمناقشة‬

‫بالنسبة لموضوع العالقة بين الفرد والمجتمع‪ ،‬فإن هذه المرحلة تتضمن تعريف المفاهيم األساسية كالفرد والمجتمع والعالقة بينهما‪ ،‬والتنقيب في التراث الفلسفي‬
‫حول هذه اإلشكالية‪ .‬كما يتم طرح التساؤالت األساسية حول طبيعة هذه العالقة وإشكالياتها المختلفة‪ ،‬كالفردانية والتبعية‪ ،‬وإلى أي مدى يحدد المجتمع هوية الفرد‬
‫‪.‬وسلوكه‬
‫إنجاز مرحلة التحليل (االطروحة ‪ /‬تفكيك االطروحة ‪ /‬المفاهيم و‬
‫االساليب الحجاجية لموقف انتوني غيدنز)‬

‫االطروحة األساسية‬ ‫‪1‬‬


‫وفًقا النتوني غيدنز‪ ،‬يرى أن العالقة بين الفرد والمجتمع‬
‫ليست واحدية االتجاه‪ ،‬بل هي عالقة تفاعلية متبادلة‪ .‬فالفرد‬
‫ليس مجرد منتج للمجتمع‪ ،‬بل هو أيًضا فاعل في تشكيل‬ ‫‪2‬‬ ‫تفكيك االطروحة‬
‫وإنتاج هذا المجتمع‪ .‬كما أن المجتمع ليس كياًنا ثابًتا‪ ،‬بل هو‬ ‫غيدنز ُيفكك هذه االطروحة من خالل مفهومه للـ "التفاعل‬
‫‪.‬مستمر في التغير والتطور بفعل نشاط األفراد وتفاعالتهم‬ ‫االجتماعي"‪ ،‬الذي يرى فيه عملية ديناميكية متبادلة بين‬
‫الفرد والبنى االجتماعية‪ .‬فاألفراد ليسوا مجرد منفذين سلبيين‬
‫للقواعد واألنظمة االجتماعية‪ ،‬بل هم أيًضا قادرون على‬
‫‪.‬إعادة إنتاجها وتغييرها من خالل ممارساتهم اليومية‬
‫المفاهيم واألساليب الحجاجية‬ ‫‪3‬‬
‫غيدنز يستخدم مفاهيم مثل "الممارسة االجتماعية"‪،‬‬
‫و"المعرفة المحلية"‪ ،‬و"التأطير" لتدعيم اطروحته‪ .‬كما يعتمد‬
‫على أساليب حجاجية تتمثل في التمثيالت والتفسيرات‬
‫السببية والمقارنات لتوضيح موقفه بشكل دقيق وموضوعي‪.‬‬
‫وهذا ما يعكس نظرة غيدنز المتوازنة للعالقة بين الفرد‬
‫‪.‬والمجتمع‬
‫إنجاز مرحلة المناقشة (القيمة و الحدود)‬

‫في هذه المرحلة المهمة‪ ،‬نناقش بعمق القيم والحدود المتعلقة بموقف الفيلسوف انتوني غيدنز حول العالقة بين الفرد‬
‫والمجتمع‪ .‬نستكشف النقاط الرئيسية التي تشكل قوة هذا الموقف الفلسفي وكذلك الحدود واالنتقادات الممكنة التي قد‬
‫‪.‬ترد عليه‬

‫من القيم البارزة في نظرية غيدنز هي إبراز دور الفرد في بناء المجتمع وتشكيله‪ ،‬وتأكيده على مفهوم "الفاعلية"‬
‫والقدرة على التغيير والتحول‪ .‬كما أنه يرى أن العالقة بين الفرد والمجتمع ليست أحادية االتجاه بل تفاعلية‪ ،‬حيث‬
‫‪.‬يشكل الفرد المجتمع والمجتمع يشكل الفرد في عملية متبادلة‬

‫من الحدود واالنتقادات التي قد توجه لهذا الموقف هو أنه ربما يبالغ في تقدير قدرة الفرد على التغيير والتحول‪ ،‬وأنه‬
‫قد ال يأخذ بعين االعتبار القوى االجتماعية والثقافية القوية التي تشكل سلوك الفرد وتحد من فاعليته‪ .‬كما أن تركيزه‬
‫‪.‬على التفاعل المتبادل بين الفرد والمجتمع قد يغفل عن الصراعات والتناقضات الحقيقية التي قد تنشأ بينهما‬
‫االستنتاج‬
‫في الختام‪ ،‬يمكننا استخالص عدد من النتائج المهمة من دراسة هذا الموضوع‪ .‬لقد رأينا كيف ينظر كل من‬
‫نوربرت إلياس وأنتوني غيدنز إلى العالقة المعقدة بين الفرد والمجتمع‪ ،‬وكيف اختلفت تحليالتهما وتوصياتهما‪.‬‬
‫بينما رأى إلياس أن األفراد خاضعون للقيود االجتماعية والتقاليد التي يعيشون فيها‪ ،‬اعتبر غيدنز أن األفراد لديهم‬
‫‪.‬القدرة على التفاعل النشط مع المجتمع والتأثير فيه‬

‫هذا االختالف في الرؤية يعكس أيًضا اختالف المنطلقات والمقاربات الفلسفية بين الباحثين‪ .‬وهذا ما يؤكد على أن‬
‫موضوع العالقة بين الفرد والمجتمع هو قضية معقدة ال تخضع لتفسير أحادي الجانب‪ ،‬وأنه من المفيد االطالع‬
‫على مختلف اآلراء والمقاربات للحصول على رؤية شاملة للموضوع‪ .‬في النهاية‪ ،‬تبقى هذه القضية محل نقاش‬
‫‪.‬وجدل مستمر في الفلسفة والعلوم االجتماعية‬

You might also like