You are on page 1of 16

‫تعريف المادة وأهدافها‬

‫س نحاول على ط ول ه ذه الم ادة "المؤسس ات االجتماعي ة‪ ،‬أن ن زودكم بمجم وع المكتس بات‬
‫النظرية التي أنتجت حول المؤسسات االجتماعية‪ ،‬كما أننا سنقدم لكم مجموعة من المؤسسات‬
‫االجتماعية التي تؤثث فضاءنا االجتماعي‪ ،‬وسنعمل على تبيان الكيفية ال تي تش تغل به ا ه ذه‬
‫المؤسسات مع تحديد أدوارها ووظائفها في إعادة إنتاج األفراد من خالل الثقافة‪.‬‬
‫وضعنا لهذا الدرس مجموعة من الغايات والكفايات التعلمية‪.‬‬
‫اكتساب معرفة علمية حول علم االجتماع بشكل عام والمؤسسات االجتماعية بشكل‬ ‫•‬
‫خاص‪.‬‬
‫اكتساب الحس البحثي‪.‬‬ ‫•‬
‫اكتساب الحس النقدي‪.‬‬ ‫•‬
‫محاور الدرس‪:‬‬
‫تقديم عام‬ ‫‪‬‬
‫تعريف مفهوم المؤسسات االجتماعية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أنواع المؤسسات وخاصياتها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫نظريات حول المؤسسات االجتماعية‬ ‫‪‬‬
‫المؤسسات االجتماعية وإنتاج الثقافة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المؤسسات االجتماعية ودورها في إنتاج المعايير والقيم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫العائلة باعتبارها مؤسسة اجتماعية‬ ‫‪‬‬
‫المدرسة باعتبارها مؤسسة اجتماعية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تقديم عام‪:‬‬
‫مفهوم المؤسسات االجتماعية‪ :‬من المفاهيم التي تتج ذب أط راف تعريفه ا مجموع ة من‬
‫المباحث العلمية والتخصص ات المعرفي ة‪ :‬الت اريخ‪ ،‬والجغرافي ا‪ ،‬وعلم االقتص اد‪ ،‬وعلم‬
‫السياس ة‪ ،‬والفلس فة‪ ،‬وعلم النفس االجتم اعي‪ :‬ولكن م ا يهمن ا نحن باعتبارن ا أس تاذة‬
‫وباحثين طلبة ينتمون إلى ش عبة علم االجتم اع‪ ،‬هي التعريف ات والنقاش ات ال تي أنتجت‬
‫حول المؤسسات االجتماعية في المتن السوسيولوجي واألنثربولوجي‪.‬‬
‫عندما نتحدث عن المؤسسات االجتماعية في أحاديتن ا العادي ة واالعتيادي ة‪ ،‬يتب ادر إلى ذهنن ا‬
‫عدد كبير وأشكال متنوعة من المؤسسات التي تؤثث فضاءنا االجتماعي كالعائلة‪ ،‬والمدرسة‪،‬‬
‫والجامعة‪ ،‬والمستشفيات والثكنات العسكرية‪ ،‬والسجون‪ ،‬والجمعيات والمساجد‪...‬‬
‫ولكن‪ ،‬يستخدم علماء االجتماع مصطلح المؤسسات االجتماعية ليصفوا النظم المعيارية ال تي‬
‫تح دد الس لوك االجتم اعي في خمس ة مج االت حياتي ة أساس ية‪ ،‬يطل ق عليه ا‪ ،‬المؤسس ات‬
‫االجتماعية األساسية وهي‪ :‬مجال نظام القرابة واألسرة‪ ،‬المجال السياسي‪ ،‬مجال االقتصادي‪،‬‬
‫المجال التعليمي (التربية)‪ ،‬وأخيرا المجال الديني‪.‬‬

‫هذه المؤسسات االجتماعية تخترق كل المجتمعات‪ ،‬بمعنى أنه ا ذات ط ابع ك وني‪ ،‬ح تى وإن‬
‫كانت ال تتواجد دائما بصورة واضحة ومستقلة تماما عن بعض ها البعض كم ا ه و الح ال في‬
‫المجتمعات المتقدمة‪ .‬ففي المجتمعات البس يطة من حيث بنيته ا وتركيبته ا أن الوظ ائف ال تي‬
‫تؤديها المؤسسات السابق ذكري يمكن أن تؤديها مؤسسة واحدة وهي األسرة‪.‬‬

‫إن السؤال الذي يطرح نفسه علينا بقوة‪ :‬هو هل تحض ر ه ذه المؤسس ات بنفس الثق ل في ك ل‬
‫المجتمعات وهل تلعب نفس األدوار والوظائف فيها‪.‬‬
‫تبين مجموعة من األبحاث والدراسات السوسيولوجية واألنثربولوجية بأن درجة ت أثير على‬
‫الحي اة االجتماعي ة لألف راد تختل ف من مجتم ع آلخ ر‪ .‬ألن حض ور األس رة‪ ،‬والعش يرة‪،‬‬
‫والقبيل ة‪ ،‬والدول ة‪ ،‬واألح زاب يختل ف من مجتم ع إلى آخ ر‪ ،‬و تتف اوت درج ة ت أثير ه ذه‬
‫المؤسسات على األفراد كلما انتقلن ا من المجتمع ات التقليدي ة إلى المجتمع ات الحديث ة‪ .‬على‬
‫سبيل المثال ال ثقل مؤسسة القبيلة وتأثيرها في المجال السياسي يختل ف من المجتم ع اللي بي‬
‫إلى المجتمع األم ريكي‪ .‬ف أذت ك انت التقاطب ات السياس ية تتش كل في المجتم ع اللي بي على‬
‫القرب القبلي‪ ،‬فإن التقاطبات السياسية في الواليات المتح دة األمريكي ة تتش كل على القراب ة‬
‫األيديولوجية والحزبية‪ .‬وإذا كانت لألسرة والعشيرة في تشكيل الحياة السياسية في المجتمع‬
‫السعودي مثال‪ ،‬فإن مؤسسة األسرة ال تلعب أي دور سياسي في أي مجتمع ديمقراطي‪.‬‬
‫مفهوم المؤسسة االجتماعية‬
‫عندما نتحدث عن المؤسس ة فإنن ا نستحض ر بالدرج ة األولى التنظيم‪ ،‬أي مجم وع القواع د‬
‫ال تي تتحكم في توجهاتن ا العام ة‪ ،‬من خالل مجموع ة من الق وانين التنظيمي ة والعقابي ة‪.‬‬
‫البعض منكم سيتس اءل كي ف يعاقبن ا المجتم ع‪ ،‬وكي ف يض بطنا المجتم ع ويم ارس علين ا‬
‫إكراها‪ .‬يضع المجتمع مجموعة من المعايير والقيم التي تجعلنا نرى األشياء ونتعام ل معه ا‬
‫في إط ار تعارض ات‪ ،‬مثال هن اك مجموع ة من المع ايير المح ددة لس جل الخ ير وهن اك‬
‫مجموعة أخرى محددة لسجل الش ر؛ كم ا أن هن اك قائم ة للس لوكات المس موحة به ا داخ ل‬
‫المجتمع وغير المسموح‪.‬‬
‫تعمل المؤسسات االجتماعية باستمرار على تحقيق توافق اجتماعي بين أفرادها‪ .‬لكن السؤال‬
‫الذي يطرح نفسه‪ :‬هو كيف يمكن أن نحقق توافقا اجتماعيا بين أفراد لهم طموح ات ومص الح‬
‫واستراتيجيات ومشاريع اجتماعية‪ ،‬وأهداف وغايات ووسائل وإمكانيات مختلفة‪.‬‬
‫تحقق المؤسسات االجتماعية التوافق االجتماع بين األفراد‪ ،‬من خالل توفير نسق قيمي موحد‬
‫لدى كل األفراد‪ ،‬هذا النسق القيمي تنتجه األسرة والمؤسس ة الديني ة‪ ،‬أم ا المؤسس ة السياس ية‬
‫فهي تساهم في الحفاظ على النظام الداخلي للمجتمع وذلك باحتكارها للسلطة‪.‬‬

‫خصائص المؤسسات‬
‫الرقابة والضبط االجتماعي‪ :‬بالنسبة لكيدنز ‪ ،GIDDENS‬أن القواعد والمع ايير ال يمكن أن‬
‫تكون فعالة إال إذا ف رض المجتم ع س لطة عقابي ة يع اقب من خالله ا المخ الفين لنظم الس ير‬
‫العام‪.‬‬
‫القهر االجتماعي‪ :‬بمعنى ان األف راد ليس لهم حري ة في االختي ار فهم يخت ارون ويتص رفون‬
‫وفق ما هو موجود‪ .‬بالنسبة لدوركايم ‪ DURKHEIM‬االجتم اعي ه و ك ل ط رق الفع ل‬
‫والتفكير والسلوكات والمعتقدات التي يجدها الف ردة س ابقة ل ه ‪ Préétablies‬وال تي تنق ل ل ه‬
‫عبر التنشئة‪.‬‬
‫اإلن دماج االجتم اعي‪ :‬اإلن دماج االجتم اعي عن د الوظيف يين هي اس تدماج الثقاف ة الموح دة‬
‫وتنظيم السلوكات بشكل الذي يضمن الحفاظ على تماسك االجتماعي‪.‬‬
‫آليات المـأسسة‪:‬‬
‫االستخراج ‪ :Externalisation‬إنتاج التفاعالت االجتماعية للبنيات الرمزي ة ال تي تص بح‬
‫مشتركة بين كل أعضاء المجتمع‪.‬‬
‫الموضوعية ‪ :objectivation‬الس يرورة ال تي من خالله ا يظه ر أن المنت وج المؤسس اتي‬
‫ظاهرة خارجة عن إرادة األفراد وتجعلهم يتقبلون واقعهم على أساس أنه الواقع المشترك‪.‬‬
‫االســــتدخال ‪ : internalisation‬هي العملي ة ال تي من خالل يتم اس تدخال البن اءات‬
‫االجتماعية في وعي الفرد على أنها حقائق‪.‬‬
‫خالصة‬
‫تنتج المؤسس ة االجتماعي ة بالدرج ة األولى نظام ا معياري ا‪ ،‬يعم ل على تحقي ق الحاج ات‬
‫األساسية لألفراد من خالل تصميم نظام معياري يربط األفراد بالمجتمع ويربط القيم بالثقاف ة‪،‬‬
‫ويحدد أنماط التفكير لألفراد وأنماط فعلهم وإحساسهم‪ ،‬كم ا يح دد تص ورات األف راد للوج ود‬
‫والطبيعة‪ ،‬بمعنى أخر يحدد رؤية األفراد للعالم‪ .‬إدن‪ ،‬تق وم ه ذه المؤسس ات بوظ ائف حيوي ة‬
‫وضرورية تضمن حسب التصور الوظيفي استقرار المجتمع وتوازنه‪.‬‬

‫الثقافة باعتبارها منتوجا للمؤسسات االجتماعية‪:‬‬


‫س نحاول في ه ذه الحص ة أن نتط رق إلى أح د أهم منتوج ات المؤسس ات االجتماعي ة وهي‬
‫الثقافة‪ ،‬ه ذا المنت وج ال ذي يعت بر من أهم الموض وعات ال تي تث ير اهتم ام علم اء االجتم اع‬
‫الكالس يكيون منهم والمح دثون‪ ،‬ليتعلم االجتم اع إن لم نق ل إن ه الف رع ال ذي تتأس س علي ه‬
‫مجموعة من الفروع وهو فرع على اجتماع الثقافة‪ .‬هذا الفرع يعنى بالدرج ة األولى بدراس ة‬
‫اإلنسان باعتباره عضوا في مجتمع له ثقافة معينة‪.‬‬
‫إن أول من قدم تعريفا عاما للثقافة ه و ت ايلور‪ Taylor‬في كتاب ه ‪، primitive culture‬‬
‫ال ذي أص در س نة ‪ .1871‬الثقاف ة أو الحض ارة بمعن اه اإلثن وغرافي الواس ع ه و ذل ك الك ل‬
‫المركب الذي يشكل المعارف والمعتقدات والقيم والفن واألخالق واألع راف والق انون‪ ،‬وك ل‬
‫العادات والقدرات التي يكتسبها االنسام باعتباره عضوا داخل المجتمع‪.‬‬
‫نجذ لهذا التعريف امت داد في ع دد من التعريف ات ال تي ق دمت ح ول الثقاف ة فيم ا بع د‪ ،‬ألنه ا‬
‫بالنسبة إلى إميل دوركايهم ‪ Emile Durkheim‬هو كل مرتبط بأنماط التفك ير واالحس اس‬
‫والفعل التي يتم تعلمها ومش اركتها من ط رف العدي د من األش خاص‪ .‬تعم ل على ح دا س واء‬
‫موضوعيا ورمزيا‪ ،‬على تشكيل هؤالء األشخاص إلى مجموعة خاصة ومتم يزة‪ .‬بمع نى أن‬
‫الثقافة تشمل المعرفة واألفكار والفكر وتمتد لتشكل جميع أشكال التعبير عن المشاعر وك ذلك‬
‫القواعد التي تحكم اإلجراءات‪.‬‬
‫الثقافة موجه ة إلى ك ل األنش طة البش رية‪ ،‬س واء ك انت معرفي ة أو عاطفي ة أو ح تى‬ ‫‪‬‬
‫الحسية‪.‬‬
‫الثقافة هي فعل‪ ،‬تعاش قبل أي شيء من طرف أشخاص‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أشكل التفكير واالحساس والفعل يمكن أن تكون أكثر او قل رسمية‪ ،‬وهي اكثر رسمية‬ ‫‪‬‬
‫في مدونة القانون في الص يغ الطقوس ية‪ ،‬االحتف االت‪ ،‬ال بروتوكول المعرف ة العلمي ة‪،‬‬
‫والتكنولوجيا والالهوت‪ .‬وهي أقل رسمية وبدرجات مختلف ة في الفن ون‪ ،‬في الع رف‪،‬‬
‫وفي قطاع ات معين ة من قواع د األدب‪ ،‬وال س يما تل ك ال تي تحكم العالق ات بين‬
‫األشخاص‪.‬‬
‫كلما ق ّل الط ابع الرس مي لط رق التفك ير والش عور والتص رف‪ ،‬كلم ا ك ان ج زء من‬ ‫‪‬‬
‫التفسير والتكيف الشخصي مسمو ًحا به أو حتى مطلوبًا‪.‬‬
‫ثقافة المجتمع العام مشتركة بالضرورة من قبل عدد كبير من الناس‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الثقافة تكتسب وتنتقل من جيل إلى آخر عبر التنشئة االجتماعية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يمكن القول إن الثقافة عند إميل دوركايهم‪ ،‬تعني مجموعة من المعتقدات والمشاعر المشتركة‬
‫التي يتقاس مها أعض اء المجتم ع‪ )...( ،‬ويمكنن ا أن نتح دث هن ا عن وعي جم اعي مش ترك‪،‬‬
‫واألكثر من ذلك تربط األجيال المتعاقبة ببعضها البعض‪.‬‬
‫يتمثل دور الثقاف ة بالنس بة إلى كل ود ليفي ش تراوس ‪ Claude Levi Strauss‬في ترس يخ‬
‫مجموعة من القواعد التي تنظم التبادل‪ ،‬وتفصل المجتمعات البشرية بشكل مستدام عن الحال ة‬
‫الطبيعية‪.‬‬

‫النسبية الثقافية‬

‫"تقوم النسبيّة الثقافيّة على اإلقرار ّ‬


‫بأن فهم الثقاف ات أو الظ واهر الثقافيّ ة وتفس يرها وتقييمه ا‬
‫على وجه سليم‪ ،‬ال يمكن أن يت ّم إال إذا تناولناه ا في عالق ة بالبيئ ة ال تي توج د فيه ا‪ ،‬وال دور‬
‫الذي تنجزه في نسق اجتماعي وثقافي أكبر؛ أي باالنتباه إلى القيم المتّصلة بها وإلى الحاج ات‬
‫التي تلبّيها‪ ...‬وذلك ما يتحقّق وفق الطريق ة ال تي ينظ ر به ا أص حاب ه ذه الثقاف ة نفس ها إلى‬
‫األشياء‪ .‬فال يمكن تقييم ثقاف ة م ا تقييم ا موض وعيّا في ض وء مع ايير أو تقالي د ثقاف ة أخ رى‬
‫مغايرة لها‪ .‬وهذا يع ني غي اب قيم ش املة مطلق ة‪ .‬فك ّل تعب ير أو اعتق اد‪ ،‬اس تنادا إلى النس بيّة‬
‫الثقافيّة‪ ،‬يفقد معناه وصالحيّته‪ ،‬إذا م ا أخرجن اه من س ياق اس تعماله األص لي‪ .‬وترتب ط فك رة‬
‫النسبيّة الثقافيّة بعالم األنثروبولوجيا األمريكي فران ز ب واس ‪ Franz Bois‬وتالمي ذه‪ ،‬وق د‬
‫م ال أنص ار ه ذه الفك رة إلى تأيي د اتّج اه الخصوص يّة التاريخيّ ة ال ذي ينصّ على ض رورة‬
‫االهتمام بالخص ائص المميّ زة لك ّل ثقاف ة‪ ،‬تجنّب ا للوق وع في تعميم ات ونت ائج غ ير ناض جة‬
‫ومفتقرة إلى الموضوعيّة‪ .‬فلك ّل "ثقاف ة أو مجتم ع منطق ه الخ اص وتماس كه ال داخلي الل ذان‬
‫‪1‬‬
‫يمكن في ضوئهما تفسير عاداته ومعتقداته"‪.‬‬

‫إن النسبية الثقافية معناها أن كل المعتقدات والقيم والضوابط األخالقية هي نسبية بالعالقة م ع‬
‫السياق االجتم اعي لألف راد‪ .‬بمع نى أخ ر أن ح تى الخ ير والش ر الل ذين يعت بران الم رجعين‬
‫األساسيين لتصنيف القيم إلى ما هو إيجابي وسلبي‪ ،‬يختلف معناهما من مجتم ع إلى آخ ر‪ .‬م ا‬
‫استنتجناه هو أن المعيار واألخالق والقيم ليست ذات بع د ك وني‪ ،‬هي نس بية‪ ،‬ونس بيتها تع ود‬
‫بالدرجة األولى إلى كونها منتوجات اجتماعية تبنى اجتماعيا‪.‬‬
‫ترمي النسبية الثقافي ة‪ ،‬إلى تبي ان أن ك ل الثقاف ات متس اوية‪ .‬وان تن وع الثقاف ات ال ينبغي أن‬
‫تعطينا االنطباع أن هناك ثقافات صحيحة وأخرى مخطئة‪ .‬ويعتبر ع دد من األنثروبولوج يين‬
‫أن كل الثقافات تعبير على مشروع للوجود اإلنساني وينبغي دراستها بشكل محايد‪.‬‬
‫ترمي النسبية الثقافية إلى دراسة الثقافة في سياقه الذي تنتج فيه‪ .‬بحيث إن ه يمكن تق ييم ثقاف ة‬
‫ما تقييما موضوعيّا في ضوء معايير أو تقاليد ثقافة أخرى مغايرة لها‪ .‬انت ه ذه الخصوص ية‬
‫موجودة فإنها تعود لظروف جغرافية ‪ ،‬تاريخية ‪ ،‬وإجتماعية ‪ ،‬وليس نتيج ة لقابلي ات متم يزة‬
‫متصلة بالتكوين التشريحي أو الفيزيولوجي‪.‬‬

‫س نحاول في ه ذه الحص ة أن نرك ز على المس تويات ال تي يمكن أن نلمس فيه ا االختالف‬
‫الثقافي‪ ،‬ولكن من منطلق معرفتنا بأن الثقافة هي منتوج مؤسسات اجتماعية تسعى من خاللها‬
‫إلى خلق نوع من التوافق االجتماعي ما بين األفراد‪.‬‬

‫تختلف الثقافة من فترة مجتمع إلى آخر‪:‬‬

‫إن أكثر ما يجعل الثقافة تختلف من مجتمع إلى آخر هو إختالف البينات والمؤسسات المنتج ة‬
‫لها‪ ،‬ال تعرف المجتمعات شكال أو نمطا واحد من المؤسس ات فح تى األس رة ال تي تعت بر أهم‬
‫المؤسسات االجتماعية وأكثرها انتشار ال تعرف شكل واحد‪ ،‬كم ا أن العالق ات ال تي ينس جها‬

‫(سيمور‪-‬سميث‪ ،2009 ،‬ص‪".)514‬المصدر مؤمنون بال حدود"‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫األفراد فيما بينهم بداخلها تختلف فمن األسرة األميسية إلى األسرة األبيسية مثال تختل ف بيني ة‬
‫األسرة وتركيبتها وتختلف فيها طبيعة العالقات والتراتبيات االجتماعية فيما بين أفرادها‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬بما أن المؤسسات وما تنتجه من قيم ومعتق دات ومع ارف وأخالق وقواع د‪ .....‬يختل ف‬
‫من مجتم ع آلخ ر‪ ،‬من الموض وعي أن تختل ف الثقاف ة بك ل العناص ر ال تي أتى على ذكره ا‬
‫تايلور من مجتمع ألخر‪.‬‬

‫في هذا الصدد‪ ،‬يقول لفي ستراس في كتابه "الع رق والت اريخ"‪ ،‬أن تن وع الثقاف ات اإلنس انية‬
‫هو أكبر في الواقع بكثير وأغنى مما نحن مهيؤن لمعرفته‪.‬‬

‫زمنية إلى فترة زمنية أخرى‪:‬‬

‫تختلف الثقافة داخل المجتمع الواحد من منطقة إلى أخرى‪:‬‬

‫على الرغم من وجود بعض الخضائص العامة ال تي تح دد الثقاف ة بمعناه ا األوس ع والش امل‬
‫داخل مجتم ع معين‪ ،‬إال أن ه ذا ال يع ني ع دم وج ود‪ ،‬اختالف ثق افي ج زئي من منطق ة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬فالثقاف ات المحلي ة ت ترجم الخص ائص التاريخي ة والجغرافي ا لك ل منطق ة على ح دة‪،‬‬
‫فاالنتقال من منطقة إلى أخرى يعني االنتقال من ثقافة إلى أخرى‪.‬‬

‫تختلف الثقافة من فترة حقبة زمنية إلى حقبة زمنيةـ أخرى‪:‬‬

‫يق ول أنت وني غي دنز في كتاب ه علم االجتم اع‪" :‬إن القيم والمعي ير الثقافي ة تختل ف بمض ي‬
‫الزمن‪ .‬والكثير من المعايير التي قد تبدو مألوفة اليوم في كثير من المجتمعات الغربي ة الي وم‪،‬‬
‫مثل العالقات الجنس ية قب ل ال زواج أو المعاش رة الجنس ية دون زواج‪ ،‬هي من األم ور ال تي‬
‫تتناقض مع القيم التي كان يحملها الن اس قب ل ع د عق ود‪ .‬كم ا أن القيم ال تي نس تهدي به ا في‬
‫عالقتنا الحميمي ة ق د تط ورت بش كل ت دريجي وط بيعي عم ا ك انت علي ه قب ل س نوات‪ .‬أم ا‬
‫الحاالت التي يجري فيها تعديل القيم الثقافية وانم اط الس لوك بص ورة قس رية مقص ودة فتل ك‬
‫مسألة أخرى"‪.‬‬
‫ما يمكن استخالصه من خالل ما سبق هو أن الث ابث في الثقاف ة ه و التغ ير المس تمر وال دائم‬
‫والذي يسمح لها بالتجدد‪ ،‬لكل حقبة زمنية قيمها وقوعدها واخالقها الخاصة‪ ،‬وهذا التغيير ق د‬
‫يؤدي إلى قلب جزء من المنظومة األخالقية وإع ادة ت رتيب القيم‪ .‬فم ا ك ان إيجابي ا يمكن أن‬
‫يص بح س لبيا والعكس‪ ،‬وه ذا التغي ير يعكس تغي ير تص ورات األف راد وتمثالتهم وأيض ا‬
‫رهاناتهم االجتماعية‪.‬‬

‫تختلف الثقافة من طبقة إلى طبقة إجتماعية أخرى‪:‬‬

‫أرس ى النظ ام االقتص ادي الرأس مالي نظام ا اجتماعي ا طبقي ا‪ ،‬تختل ف في ه الراس ميالت‬
‫االقتصادية والثقافية واالجتماعية لألفراد‪ .‬هذه الراسميالت المختلفة تجعلنا بش كل موض وعي‬
‫أمام مجتم ع ي تراتب أف راده في طبق ات تنتج التج انس ثق افي‪ .‬ألن اختالف راس ميالت ال تي‬
‫تؤهل األفراد لالنتماء إلى الطبقات الكبرى ال تي يتك ون منه ا المجتم ع وهي الطبق ة الش عبية‬
‫والطبقة المتوسطة والطبقة البورجوازية‪ ،‬يجعلن ا أم ام طبق ات تنتج ثالث ثقاف ات تختل ف من‬
‫حيث المعنى والمبنى‪.‬‬

‫وما ينبغي االنتباه إليه في إطار المجتمعات الطبقية هو أننا أمام مجتمع تراتبي‪ ،‬وأن الثقاف ات‬
‫التي تنتجه ا الطبق ات غ ير متس اوية وال متكافئ ة‪ ،‬وم ا يجعله ا ك ذلك‪ ،‬ه و أن ك ل ثقاف ة هي‬
‫ترجمة للمكانة االقتصادية واالجتماعية للطبقة التي تنتجها‪ .‬والثقافة المهيمن ة داخ ل المجتم ع‬
‫هي دوما ثقافة الطبقة المهيمنة اقتصاديا‪ .‬وال ترجع قوة ثقافة الطبقة البورجوازية (ثقافة أقلي ة‬
‫اجتماعية) وهيمنتها على باقي الثقافات خصوصا تلك التي تنتجها الطبق ة الش عبية ال تي تمث ل‬
‫األغلبي ة االجتماعي ة إلى جوهره ا‪ ،‬ب ل إلى ق درة ه ذه الطبق ة على امتالك واحتك ار وس ائل‬
‫نشرها‪ .‬يشترك كل من ماركس وفيبر‪ ،‬في فكرة مفادها أن‪ " :‬القوة النسبية الخاصة لمختلف‬
‫الثقافات‪ ،‬ترجع الى القوة االجتماعية النسبية الخاصة بالجماعات التي تسندها"‪.‬‬

‫في هذا الص دد‪ ،‬يرى بي ير بوردي و أن المدرس ة هي إح دى الوس ائل ال تي تنش ر به ا الطبق ة‬
‫المهيمنة ثقافتها‪ ،‬ألن المدرسة في نظره تجعل من الثقافة المهيمن ة‪ ،‬الثقاف ة الش رعية الوحي دة‬
‫وتصرفها إلى مجموعة من القيم التي يسعى الجميع إلى تبنيها وإعادة إنتاجها‪ .‬وي بين بوردي و‬
‫في كتابه "التمايز االجتم اعي" أن ال ذوق ليس فطري ا ب ل ه و بن اء ثق افي واختالف األذواق‬
‫يعكس التفاوتات االجتماعية‪ .‬ألن ذوق الطبقة المهيمنة يفرض نفس ه ب القوة واإلمكان ات ال تي‬
‫تمتلكها هذه الطبقة‪ .‬يترجم ذوق الطبقة المهيمنة إلى سلوكات ثقافية ذات دالالت رمزية تتمثل‬
‫في التردد على المسرح والمتحف وتملك التحف‪...‬‬

‫تختلف الثقافة حسب الفئة العمرية‪:‬‬

‫يرى أنتوني غيدنز في كتابه علم االجتماع‪" ،‬أن الثقافة تلعب دورا محوري ا‪ ،‬في الحف اظ على‬
‫القيم والمعايير في المجتم ع‪ ،‬غ ير أنه ا تفس ح المج ال ك ذلك لالبتك ار والتغي ير‪ .‬إن الثقاف ات‬
‫الفرعية والثقافات المضادة التي ت رفض القيم والمع ايير الس ائدة في المجتم ع ق د تش جع على‬
‫ظه ور اآلراء واالتجاه ات ال تي تط رح ب دائل للثقاف ة المهيمن ة‪ .‬والحرك ات االجتماعي ة‬
‫والجماعات التي تشترك في المواقف أو في أسلوب الحياة تمثل ق وة فاعل ة م ؤثرة دافع ة إلى‬
‫التغيير في المجتمعات‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن الثقافات الفرعية تتيح للن اس الحري ة للتعب ير‬
‫على آرائهم والسعي إلى تحقيق متطلبات فئات عمرية مختلفة‪.‬‬

‫يلعب الشباب دوما أدوارا أساسية في التغيير الثقافي‪ ،‬ألنهم ينتجون دائما نظام ا ثقافي ا مخالف ا‬
‫كليا أو جزئيا للثقافة العامة‪ ،‬ويمكن لمس ثقافتهم في اللباس والموسيقى والفن بشكل عام‪ .‬وفي‬
‫رغبتهم في الظهور بمظهر‪ ،‬يخالف المألوف والسائد اجتماعيا‪.‬‬
‫تعتبر مؤسسة العائلة من أهم المؤسس ات االجتماعي ة نظ را لمجم وع الوظ ائف ال تي تؤديه ا‬
‫داخل المجتم ع‪ ،‬وهي كغيره ا من المؤسس ات االجتماعي ة تتغ ير من حيث ش كلها ووظائفه ا‬
‫وعالقاتها وحجمها عبر الزمان‪ .‬وأهميتها تتجلى في تعدد وظائفها وتن وع مهامه ا‪ ،‬فهي كم ا‬
‫يرى جون س ورال ‪John Searl‬تق وم بمه ام متع ددة داخ ل المجتم ع من بينه ا‪ :‬اإلنج اب‪،‬‬
‫ﻭﺗﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻨﺴﻞ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬حماية أعضائها ورعايتهم‪ ،‬امداد أعضائها بالمكانة‬
‫االجتماعية‪...‬‬
‫تتكون األسرة في مارتين سيغالن ‪ Martine Segalen‬في كتابها علم اجتماع األسرة ‪Soci‬‬
‫‪ ologie de la famille‬فإن األسرة تتكون من أفراد مرتبطين إم بالتحالف ‪ alliance ‬أو‬
‫النسب ‪ filiation‬أو بالتبني‪ . l’adoption‬تظم األسرة في شكلها التقليدي أفرادا تجمع بينهم‬
‫قرابة دموية أو اجتماعية وتعيش في مكان مشترك‪.‬‬
‫اهتمت السوسيولوجيا منذ نش أتها باألس رة نظ را ألهمي ة وظائفه ا باعتباره ا مؤسس ة أولي ة‬
‫تطبع وجود العديد من المجتمعات‪ ،‬ونظرا أيضا للتح والت ال تي لحقت بش كلها ووظائفه ا في‬
‫‪Introduction à‬‬ ‫المجتمعات الحديثة‪ .‬ويعتبر نص إميل دوركايهم مدخل إلى سوسيولوجيا العائلة‬
‫‪ la sociologie de la famille‬من أهم النصوص المؤسسة في ميدان سوسيولوجيا العائلة‪ .‬باإلضافة‬
‫إلى نص م اركس وإنجل ز "أص ل العائل ة‪ ،‬الدول ة والملكي ة الخاص ة" ‪l’origine de la‬‬
‫‪ .famille, l’etat et propriété privé‬وما يزال االهتمام بمؤسسة العائلة قائما على يومنا‬
‫داخل السوسيولوجيا الحديثة خصوص ا م ع بي ير تلك وت بارس ونز‪ ،‬وبي ير بوردي و‪ ،‬وس رج‬
‫بوغام وغيرهم‪...‬‬
‫شدد إميل دوركايم في التركيز في دراسته لألسرة على أربعة جوانب أساسية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الجانب األول‪ :‬دراسة ش بكة القراب ة المؤسس ة على القراب ة الدموي ة‪ ،‬وذل ك ب التركيز على طبيع ة‬
‫مختلف العالقات التي ينسجها مع أصوله (بآبائه) وأصول زوجته (بآبائها)‪ ،‬وأيض ا على الكيفي ة ال تي‬
‫يتم بها تدبير هاته العالقات داخل األسرة‪.‬‬
‫الجانب الثــاني‪ :‬التركيز على موق ع األطف ال نظ ام القراب ة وطبيع ة العالق ات ال تي ينس جونها م ع‬
‫أقربائهم من جهة األب ومن جهة األم‪.‬‬
‫الجـانب الثـالث‪ :‬يـدعو فيـه إميـل دوركـايم إلى التركـيز على عالقـة الـزوجين‪ ،‬ومالحظـة مجمـل‬
‫التغيرات التي تلحق بها‪ .‬ما يحاول إميل دورك ايهم الترك يز علي ه ه و مجم ل العوام ل ال تي يمكن أن‬
‫تؤثر على عالقتهما كزوجين (رجل أمرأة) من البداية إلى النهاية‪ .‬والتركيز كذلك على التغيرات التي‬
‫تلحق بهما كفردين‪.‬‬
‫الجــانب الربع‪ :‬الترك يز على مجم ل الص راعات ال تي تنش ب بين أف راد األس رة‪ ،‬وخاص ة بين‬
‫الزوجين‪ ،‬ألن هذه العالقة مع مضي الوقت تنحو نحو هيمنة أحد الطرفين على اآلخر‪.‬‬
‫"يرى تلكوت بارسونز أن محورية األسرة في الحياة االجتماعي ة تتث ل في لعبه ا ل دورين أساس يين‬
‫يتمثالن بالدرحة األولى فيما أسماه بالتتشئة االجتماعيى األولية"‪ ،‬و"تحقيق االس تقرار في الشخص ية‪،‬‬
‫فالتنشئة االجتماعية األولية هي العملية التي يتعلم بها األطفال المعايير الثقافية للمجتمع الذي يول ودون‬
‫وينشؤون فيه‪ .‬وحيث إن هذه العملي ة تج ري خالل الس نين األولى من حي اة الف رد‪ ،‬ف إن العائل ة نمث ل‬
‫الساحى الرئيسية التي تتم فيها تنمية الشخصية البش رية‪ .‬ويش ير اس تقرار الشخص ية إلى ال دور تلعب ه‬
‫األسرة في مستعد األفراد البالعين من أفراد العائلة من الوجهة العاطفية‪ .‬يرى الوظيفي ون بش كل ع ام‬
‫أن للعائل ة دورا حارج ا وخط يرا في اس تفرار شخص ية أبنائه ا الب الغين في المجتمع ات الص ناعية‪.‬‬
‫(مقتطف من علم االجتماع‪ :‬أنتوني غيدنز‪ ،‬ص ‪.)258‬‬

‫يرى األنثروبولوجي الفرنسي ليفي ستروس ‪ ،Lévi Strauss‬في تصدير كتاب "تاريخ العائلة"‬
‫‪ Histoire de la famille‬أن هناك طريقتان مختلفتين لتق ديم األس رة‪ ،‬في ش كلين مختلفين عائل ة‬
‫العموديين ‪ la famille des verticaux‬وعائلة األفقيين ‪.horizontaux‬‬
‫يرى أص حاب التي ار العم ودي في المجتم ع أن ك ل الع ائالت األولي ة‪ ،‬تتك ون من رج ل وام رأة‬
‫وأطفالهم‪ .‬ويقولون إن أولوية األسرة األولي ة‪ ،‬تق وم على أس اس بيول وجي ونفس ي‪ .‬إنه ا واق ع يبت دئ‬
‫باالنجذاب بين الجنسين‪ ،‬المدفوع من جهة بغريزة واحدة إلى التكاثر‪ ،‬ومن جهة ثاني ة بغري زة تش جع‬
‫األم على إطعام أطفالها وتربيتهم ‪ ،‬إلخ‪ .‬إن األسرة األولية‪ ،‬التي تأسست على الض روريات الطبيعي ة‪،‬‬
‫س تكون هي الن واة الص لبة‪ ،‬وقطع ة المقاوم ة لجمي ع المنظم ات االجتماعي ة‪ .‬ه ذا التي ار يمثل ه ع الم‬
‫األنثروبولوجي راد كليف براون ‪ ، RadcliffBrown‬الذي ركز في دراساته لبنية العائلة على األبوة‬
‫والنسب باعتبارهم ا "البيان ات األساس ية" ال تي تض من اس تمراريتها بمض ي ال وقت‪ .‬تعت بر األس رة‬
‫مؤسسة‪ ،‬تترجم ال والء الخطي ال ذي يرب ط األجي ال فيم ا بينه ا‪ .‬والمص در‪ ،‬األساس ي لبن اء مش اعر‬
‫األفراد‪ ،‬تتحد العائلة من خالل الحب واالهتمام والواجب‪.‬‬
‫يركز أصخاب التيار األفقي على اللحمة بدالً من "الخيط"‪ .‬بالنسبة لهم ‪ ،‬يتكون المجتم ع من‬
‫"عائالت بيولوجية" ‪ familles biologiques‬تتفكك بشكل دائم من أجل إنتاج عائلة جديدة‪.‬‬
‫تأتي كل عائلة جديدة في الواقع من اتحاد عائلتين أخريين‪ ،‬وبالتالي من "تفككهم ا"‪ :‬والمع نى‬
‫من ذل ك أن تأس يس عائل ة‪ ،‬يتم من خالل ب تر ف ردين من ع ائلتين أخري تين‪ .‬وبالت الي ف إن‬
‫المجتمع وفقا لهذا التيار‪ ،‬مكون من األنساب ومن شبكات التحالف‪.2‬‬

‫ثم هناك وظيفة أخرى لم يتم االهتمام به ا من ط رف السوس يولوجيين األوائ ل وهي الوظيف ة‬
‫العاطفية‪ .‬ألن األسرة في شكلها الحديث اليوم هي المصدر الرئيسي لإلشباع العاطفي لألف راد‬
‫بداخلها‪ .‬وقد أصبحت هذه الوظيفة من المالمح المميزة لألسرة الحضرية الحديثة‪.‬‬
‫العائلة إذن هي شكل من أشكال التنظيم االجتماعي الذي يتميز بسيادة القيم العائلية‪ ،‬التي تؤكد‬
‫تبعية المصالح الفردية إلى المصالح العائلية‪ ،‬ويتميز ه ذا التنظيم باعتق اد أعض ائه أن ال والء‬
‫العائلي بشكل تراتبي‪ ،‬والعون المتبادل ه و م ا يض من اس تقرار العائل ة واس تمرارها‪ .‬محم د‬
‫عاطف قاموس علم االجتماع‬
‫أنواع العائالت‬

‫‪2‬‬
‫‪Claude Lévi-Strauss, préface à André Burguière, Christiane Klapisch-Suber, Martine Segalen, Françoise‬‬
‫‪Zonabend (dir.). 1994. Histoire de la famille. 1. Mondes lointains, Paris, Librairie générale française (première‬‬
‫‪édition : Paris, Armand Colin, 1986), p. 9 et suivantes. Toutes les citations qui suivent sont extraites de cette‬‬
‫‪préface.‬‬
‫‪ -‬العائلة الممتدة‪ :‬هي المؤسسة االجتماعية التي تضم مجموعة من األسر تنتمي على األق ل ثالث ة‬
‫أجيال مختلفة الجد واألب والحفيد‪ ،‬يقطنون بمنزل واحد‪ ،‬ويتشاركون في عمليتي اإلنتاج واالستهالك‪.‬‬
‫ويمكن لهده المؤسسة أن تكون أمس ية بمع نى أن الم رأة هي ال تي تم ارس الس لطة ب داخلها أو أبيس ية‬
‫بمعنى أن األب هو ال ذي يمتل ك الس لطة‪ .‬لكن المش ترك بينهم ا ه و أن الس لطة تتمرك ز دائم ا في ي د‬
‫األعضاء األكبر سننا‪.‬‬

‫‪ -‬األسر متعددة األنويةـ‪ :‬هي شكل من أشكال األسرة التي يمكن أن نج دها في المجتمع ات المركب ة‬
‫التي لم تتخلى بشكل كام ل عن طابعه ا التقلي دي ولم تنتق ل بش كل كام ل للحداث ة‪ ،‬بمع نى أن األس رة‬
‫ب داخلها م ا بأس رة ممت دة وم ا هي بأس رة نووي ة‪ .‬ويتش كل ه ذا الن وع من األس ر نتيج ة تج اور ب نى‬
‫اجتم اعي تنتمي إلى س جالت مختلف ة (التقلي دي الح داثي األص ولي)‪ ،‬ونتيج ة أيض ا لس ير أعض اء‬
‫المجتمع وعيشهم على إيقاعان متعددة تنتمي إلى أزمنة متعددة‪ ،‬هي األسر التي توج د في المجتمع ات‬
‫التي يعيش زمن الحداثة و التقدم فيها إلى جانب زمن التقليد و األصولية‪.‬‬

‫‪ -‬األسرة النووية‪ ،‬هذا الشكل من األسر تشكل في إطار التغيرات التي عرفتها المجتمع ات الحديث ة‬
‫بشكل أساسي المجتمعات منذ نهاية القرن ‪ .18‬تتكون ه ذه األس رة من زوج وزوج ة وأطف ال‪ ،‬ويمكن‬
‫أن تتشكل بال زواج‪ ،‬ويمكن أن يكون األطفال بداخلها بالتبني‪ ،‬يتميز ه ذا الش كل األس ري عن س ابقيه‬
‫بقدرتها على االستقالل المكاني والمادي والعاطفي واألخالقي عن باقي األس ر‪ .‬وإن أك ثر م ا يميزه ا‬
‫هو قوة العالقات االجتماعية ال تي ينس جها األف راد فيم ا بينهم ب داخلها م ا بين أعض ائها ويرج ع ذل ك‬
‫بالدرجة األولى إلى وجود سجل مشترك من العواطف‪ .‬باإلض افة إلى ك ل ه ذا ي رى السوس يولوجي‬
‫فرانسوا دي سينجلي ‪ ،François de Singly‬أن األسرة المعاصرة هي الفضاء ال ذي "يحق ق فيه ا‬
‫األف راد ذواتهم"‪ ،‬بحيث يمكن لألف راد أن ينس حبوا منه ا في اللحظ ة ال تي ي رون بأنه ا لم تع د تحق ق‬
‫التوافق المطلوب لالستمرار أو سعادتهم ‪ 3،‬ألن بني ة األس رة الحديث ة تس مح لألف راد ب االنفالت من‬
‫ضغط المؤسسة في بعدها التقليدي‪ ،‬على عكس بنية األسرة ا لتقليدية المقيدة لحرية األفراد‪.‬‬
‫خصائص العائلة التقليدية‬
‫‪3‬‬
‫‪François de Singly, Sociologie de la famille contemporaine, Paris, Editions Nathan, 1993‬‬
‫إن أكثر من يميز العائلة التقليدية ليس فقط شكلها وحجمها‪ ،‬بل مجموع الوظائف ال تي تؤديه ا‬
‫داخل المجتم ع فهي في ال وقت نفس ه وحــدة إنتاجيــة ألن أعض ائها كال حس ب س نه وموقع ه‬
‫بداخلها يزاولون أنشطة اقتصادية وينتجون بش كل مش ترك‪ ،‬وحــدة اســهالكية ألن أعض اءها‬
‫يستهلكون ما ينتجون ه بش كل مش ترك؛ وحــدة تضــامنيةـ ألن بين أعض ائها ت اريخ من العيش‬
‫المشترك باالضافة إلى وجود روابط قرابية وعاطفية؛ وحدة ممتــدة ألن تض م بينه ا أعض اء‬
‫ينتمون على األقل إلى ثالث ة أجي ال تجم ع بينهم قراب ة داموي ة وت نزع إلى ال زواج ال داخلي‪،‬‬
‫وحدة أبوية تتمركز فيها السلطة بيد األب الذي يسيطر الموارد والخ يرات ويتحكم في عملي ة‬
‫تدبيرها وتوزيعها؛ وحدة هرمية ينسج أعضاءها فيما بينهم عالق ات غ ير متكافئ ة‪ ،‬والتك افؤ‬
‫فيها يبنى على أساس الجنس (ذكر‪ ،‬أنثى) والسن‪.‬‬

‫خصائص العائلة العربية‪:‬ـ‬

‫يرى حليم بركات في كتابه "المجتمع العربي المعاصر"‪ ،‬أن العائلة العربية على شكل الت الي‬
‫(ما سأقدمه مقتطفات من هذا الكتاب المرجو العودة إليه)‪:‬‬

‫العائلة العربية وحدة اجتماعية إنتاجية‬

‫تشكل العائلة العربية‪ ،‬تقليديا‪ ،‬وحدة إنتاجية اقتصادية اجتماعي ة أساس ية‪ ،‬تف ترض في أعض ائها‬
‫التعاون معا واالعتما على بعض هم البعض في جمي ع المج االت‪ ،‬وك ل حس ب قدرات ه وعم ره‬
‫وجنسه‪ ،‬من أجل تأمين معيشتها وتحسين أوضاعها ومكانتها في المجتم ع‪ .‬ص حيح أن العص بية‬
‫العائلية مبنية على رابطة الدم‪ ،‬إال أن هذه الرابطة مبنية في األساس على وحدة الملكية والتكامل‬
‫العضوي أو وحدة اإلنتاج واالستهالك والدفاع عن المصالح‪ ،‬أو كونها مركزا للنشاط اإلنس اني‪،‬‬
‫وعلى تقسيم العمل والتخصص حسب الجنس والعمر‪ ،‬وعلى التواكل االقتصادي‪.‬‬

‫العائلة العربية عائلة أبوية‬

‫تتصف العائلة العربية ببنيها الهرمية‪ ،‬الطبقي ة‪ ،‬فيحت ل األب رأس اله رم‪ ،‬ويك ون تقس يم العم ل‬
‫والنفوذ والمكانة على أس اس الجنس والعم ر‪ .‬نتن اول هن ا الص فة األبوي ة ومن ثم دوني ة النس اء‬
‫والصغار‪ .‬ونحاول أن نفهم كل ذلك في إطار دور العائلة كوحدة اجتماعية اقتصادية يت ولى فيه ا‬
‫األب دور المنتج والمال ك وتعت بر بقي ة أف راد األس رة عي اال‪ .‬فق د احت ل األب مرك ز الس لطة‬
‫والمسؤولية نتيجة االنقسام العالم إلى عالمين‪ :‬عالم يك افح في ه الرج ال في س بيل ت أمين ال رزق‪،‬‬
‫وع الم خ اص داخ ل ال بيت تم ارس في ه النس اء المهم ات المنزلي ة من انج اب وطهي وتنش ئة‬
‫األطفال‪ .‬كما حرم العالم الع ام على النس اؤ‪ ،‬اعت بر من العيب على الرج ال أن يمكث ؤا في ع الم‬
‫البيت الخاص طويال أثناء العمل أو بعده‪.‬‬

‫إن األب التقليدي يحتل قم ة ه رم الس لطة في العائل ة فيتوج ه على أفراده ا ب األوامر والنص ائح‬
‫واالرش ادات والتهدي دات‪ ،‬بينم ا يتوجه ون إلي ه باالس تجابه والتأكي د على الطاع ة واالح ترام‬
‫وبالتقارير والطلبات والتوسالت واالسترحامات‪ .‬يحتل األب هذا المنصب باسم خير العائلة‬

‫العائلة العربية هرمية على أساس الجنس والعمر‬

‫كنا قد تناولنا في الفصل السابق ظاهرة اضطهاد الفقير‪ ،‬ونتناول هن ا ظ اهرتي اض طهاد الم رأة‬
‫الطفل‪ ،‬فالعائلة العربية منظمة في بنيتها تنظيما طبقيا هرميا على أساس دونية النساء والص غار‬
‫وسيطرة الرجال والكبار‪.‬‬

‫دو نية النساء‪:‬‬

‫يتفق الباحثون والمراقبون العاديون على ان المرأن تحت ل موقع ا دوني ا في بني ة العائل ة العربي ة‬
‫القديمة منها والمعاصرة‪ .‬أما فيما يتعلق بتفس ير ه ذه الدوني ة وموق ف الب احثين منه ا ف إن هن اك‬
‫تيارات محافظة وتحررية‪:‬‬

‫هناك تيار يقول أن الدين‪ ،‬أو االسالن بكالم ادق‪ ،‬سوى بين الرج ل والم رأة‪ ،‬وأن دوني ة الم رأة‬
‫تعود ألسباب اجتماعية واقتصادية وثقافية أو لسوء تفسير الدين‪ .‬تؤكد الكاتب ة المص رية أمين ة‬
‫السعيد أن اإلسالم جاء بمثابة أضخم ثورة اجتماعية في تاريخ األوضاع النس ائية‪ .‬ونج د من بين‬
‫أصحاب هذا التيار أيضا‪ ،‬الذي يقول بمس اواة الرج ل ب المرأة في اإلس الم من بع ترفون ببعض‬
‫الفروقات ولكنهم يسوغونها أو يجدون مبررات لها‪ .‬فقد اعتبر محمد عبده أن اإلسالم ساوى بين‬
‫الرجل والمرأة في الحقوق والوجبات ولكنه قدم عليه درج ة‪ ،‬وع رف درج ة بانه ا تع ني القي ادة‬
‫والرياسة التي تقتضبها ضرورات توزيع العمل في الحياة االجتماعية‪....‬‬

‫التيارات التحررية يمكن تقسيمها إلى ما هو ليبرالي ومنها ما هو راديكالي ثوري‪ .‬منهم من يقر‬
‫بإمكانية إحداث تغيير في وضعية المرأة من داخل البنية‪ ،‬في حين التيار الراديك الي ي رى أن ه ال‬
‫تغيير في ظل بقاء نظام بطريركي يستخدم الدين كأداة لتبرير الوضعية الدونية للمرأة‪....‬‬

‫دونية الصغار‪:‬‬

‫تقوم بنية العائلة الهرمية على أس اس الجنس فالص غار تفلي ديا عي ال على الكب ار وت وجب عليهم‬
‫الطاعة شبه المطلقة في عالقة سلطوية‪ .‬ويتم التواصل تقليديا بين الكبار والصغار ليس أفقي ا ب ل‬
‫عمودي ا‪ ،‬فيتخ ذ من ف وق إلىتحت ط ابع األوام ر والتبلي غ وتوجي ه التعليم ات والتلقين والمن ع‬
‫والتحذير والتخويف والتهديد والتوبيخ والتنديد والتخجيل واالستهزاؤ واالذالل والش تم والتح ريم‬
‫وتولي د الش عور بال ذنب والقل ق‪...‬إلخ‪ .‬وق د يق ترن ه ذا التواص ل من ف وق إلى تحت بالعق اب‬
‫والحرمان والغضب والصفع واالخضاع وكسر "األنف" أو "الشوكة" او العنفوان‪ .‬أما التواصل‬
‫من تحت إلى ف وق فيتخ ذ ط ابع ال ترجي واالص غاء ورف ع التق ارير واالنص ياغ واالس ترحام‬
‫والتذلل واالستعالم والترديد والتجاوب واالستجابة مقترنا بالبكاء والكبت والص مت واالنس حاب‬
‫واحناء الرأس والمراقبة الذاتية واخف اء األس رار والمش اكل والتكتم والتخفي والتحجج والمك ر‬
‫والمسايرة واألستغابة والحذر اإلحساس بالذنب والقلق والخ وف والرض وخ‪ ...‬إلخ‪ .‬وي أتي ك ل‬
‫ذلك نتيجة لعالقات االستبداد التي تعتمد فلسفة تربوية تقوم على الترهيب وال ترغيب وليس على‬
‫االقناع‪.‬‬

You might also like