Professional Documents
Culture Documents
حتى لو كانت االستعماالت لمفهوم المؤسسة تمتاز باالختالف والتنوع واالنتشار في كثير من املجاالت
من والمقاربات النظرية ،يبقى مفهوم المؤسسة مرتبطا ضمنيا ومتأثرا بأصوله الدوركايمية ،وانطالقا
هذا املحتوى الضمني للمؤسسة تصبح هذه األخيرة جزءا أساسيا من الجسم االجتماعي الذي يعد بنية
اجتماعية أو نسقا من العالقات االجتماعية لها ش يء نسبي من الثبات في الزمن ولها القدرة على فرض
اإلكراه على أفراد املجتمع.
هذا التعريف الشامل للمؤسسة يظهر مبدأين مترابطين ) (corrélatifsنجدهما في العلوم االجتماعية:
المبدأ األول :هو أن المؤسسة توصف وتعبر بطريقة خاصة عن عملية إدماج المعايير االجتماعية المرتبطة
بمجموعة من أعمال ونشطات وتوجيهات وسلوكيات اجتماعية موجهة نحو غايات (أهداف) معينة.
المبدأ الثاني :هو أن هذا التعريف للمؤسسة يسجل وجودها في إطار القواعد االجتماعية المعتمدة
والمقبولة اجتماعيا في البيئة االجتماعية التي نشأت فيها المؤسسة.
هذا التصور وهذه الطريقة في التعامل مع المؤسسة يعتبر من المقاربات الكلية )(démarches holistiques
التي تركز أساسا على التوزيع املجالي ) (répartition spatialeللقوى الجماعية بغرض معرفة العالقات
المفصلية ) (articulationsبين األجزاء والكل ،وهي المؤسسة.
أ -علم اجتماع األفعال االجتماعية ايميل دوركايم أي أن المؤسسة لها وجود مستقل وخاص بها:
إن مفهوم المؤسسة في تصور دوركايم غير منفصل عن تصوره لمفهوم "اجتماعي" ) (socialخاصة وأنه
يعتبر املجتمع تعبيرا أو تجسدا لمظاهر الكل ،فكرة دوركايم أنه يشبه ما هو اجتماعي بوسط أو بيئة ضبطها
يرجع إلى ترابط أجزائها أو مكوناتها ،ويبقى في تصور دوركايم مبدأ استباقية الكل قبل اإلشارة إلى األجزاء
سواء كانوا أفرادا أو أحداثا متفرقة ،فيصبح املجتمع تركيبة وترتيبات متداخلة ملجموعة من المؤسسات
).(E.Durkhem,1991.p.11
لتدعيم ما هو "اجتماعي" استلهم دوركايم ولجأ إلى أعمال كلود برنارد ) (Claude Bernardالذي كان طموحه
إلى كل وظائف العلمي تعميم النتائج اإلمبريقية التي حصل عليها في أعماله على الكائنات البيولوجية
العضوية ،فأراد دوركايم أن يأخذ هذا كمثال للوظائف االجتماعية ،وهذا بطريقه ضمنية غير معلنه وهذا
في بدايات علم االجتماع ،بالتركيز على هذا التصور البيولوجي يوضح دوركم علنيا العالقة بين الفرد واملجتمع
وفي نفس الوقت العالقة العامة بين الجزء بالكل ،ومن ثم عالقة الحرية الفردية بالحتمية الجماعية.
يمكن أن نقول أن نظرة دوركايم إلى املجتمع هي نظرة عضوية) (organicisteويستخلص من هذا وعلى
صعيد الذكاء العلمي المطلوب لمعرفه الواقع االجتماعي .أن بداية كل عمل اجتماعي ) (socialيجب البحث
غير ممكن تعريف الفرد خارج عنه في الوسط الداخلي للمجتمع المتكون من أشياء وأفراد ،ولهذا يصبح
اإلطار االجتماعي وخارج الضمير الجمعي ) (conscience collectiveالذي يشكل مرجعياته في كل الحاالت
ودائما ) (E.Durkheim.1919.p.111المبدأ الذي ركز عليه دوركايم هو أولوية الكل على األجزاء ويعني هذا
على السلوكات الفردية. أولويات البيئة االجتماعية
مفهوم المؤسسة ينبع من الميزة والخاصية العلمية للعلوم االجتماعية أكثر من هذا فهو يعتبر الموضوع
"الطبيعي" لعلم االجتماع ألن المؤسسة تجسد موضوعية املجتمع ،ويمكن تعريف المؤسسة على أنها كل
المعتقدات وأنماط السلوك المنتجة واملختارة من طرف الجماعة ،ومن ثم يمكن تعريف علم االجتماع
من بعلم المؤسسات أصولها أداؤها ووظائفها ) (E.Durkheim.1919.p.111يعتبر دوركايم المؤسسة
المواضيع األساسية التي يجب أن تدرس ألن هذا الكيان )(entitéيمكن التعبير عنه بمستوى عالي من
الموضوعية ،وألنها لها قابلية كبيرة في أن تكون موضوعية ،إضافة إلى هذا فالمؤسسة تعكس أحادية البعد
البشري ،ووجود المؤسسة ككائن اجتماعي له األولوية على األفراد ،وتكرس معظم المؤسسات الفرق
الواضح بين املجتمعات البشرية واملجتمعات الحيوانية ،هذا التصور للمؤسسة عند دوركايم يترجم الفكرة
االساسية عنده أن اإلرادة الفردية ال تكفي إلظهار وتفسير ما هي القواعد والقوانين التي تحكم نظامية بعض
الظواهر كاالنتحار مثال ،كل هذه السلوكات الفردية تحكمها قوى غير ذاتية .يعني أن هذه القوى موجودة
خارج اإلرادة الفردية ،ويمكن إرجاعها إلى تقاليد وتصورات جماعية وهكذا يصبح الرأي العام مؤشرا له
ألنها تعكس التصورات الجماعية التي داللة سوسيولوجية عالية وناجعة لقوة المؤسسات االجتماعية
تعبر عن واقع املجتمع في وقت معين تاريخه.
حتى لو كانت المؤسسات في مستويات مختلفة من السلطة واإلكراه فهي ليست مستقلة عن أفعال
الفاعلين ،وكذلك عملية إدماج المعايير الخاصة بخلق المؤسسة أي بعملية التأسيس تبرز تناقضا على
مستوى الفرد الذي يظهر سلوك الخضوع للمؤسسة وفي نفس الوقت استقاللية تجاه اإلكراه الذي يصدر
التي تعطي منها ،وهذا ما يمكن في النهاية المؤسسة من التغيير ويصبح هذا التناقض من األسباب
للمؤسسة فرص التغيير.
-مواصفات المؤسسة:
المؤسسات وأشكال وبناءات منظمة حسب قوالب قانونية واتفاقات وتقاليد تظهر من خاللها طرق
جماعية في الفعل والتفكير الموجهان نحو تفعيل غاية اجتماعية ما ،يمكن القول أن التنوع في شكل
وتنظيم المؤسسات غير منتهي ،فنجد المؤسسات في بناءات القرابة ،كما نجد أشكاال أخرى للمؤسسات
في ميادين الدين ،الثقافات اللغوية ،التقاليد الموسيقية) (V.Tournay.2011.p14بعد مالحظة هذا التنوع
في المؤسسات ورغم القاسم المشترك الذي يحكمها لم يحاول دوركايم وال مارسيل ماوس وال فكوني بعده
أن يضع معايير ترتيبية وتصنيفية لهذا التنوع ).(P.Fauconnet et M.Mauss ;1971.p.11
يركز دوركايم على أن المؤسسة لها حياة مستقلة خارج ضمائر األفراد الذين هم تحت تأثيرها وإكراهها ،هذا
يعني أن األشكال والتنظيمات االجتماعية ومن بينها المؤسسة تسبق األفراد الذين يسعون دائما إلى االمتثال
أن العضو)(l’organe إلكراهاتها وفي بعض األحيان إلى مقاومتها .يضيف دوركايم امتدادا إلى هذه الفكرة
مستقل عن الوظيفة ) (la fonctionألن األسباب التي وضعت هذا العضو تبقى مستقلة على االستعماالت
والوظائف الممكن تأديتها من طرف هذا العضو.
فيستنتج دوركايم أن تحليل الظاهرة أو الفعل االجتماعي يتطلب البحث في بطريقه مستقلة عن األسباب
الحقيقية لهذه الظاهرة أو الفعل االجتماعي من جهة أخرى.
خالصة
بعد النظر في مفهوم المؤسسة وصلنا إلى نتيجة وهي الخصوبة الهائلة التي يمتلكها هذا المفهوم
والذي جند مجهودات معرفية كبيرة وفي كل مرة لم نتمكن من تثبيته على فكرة نهائية ،واستعمال هذا
المفهوم من طرف اختصاصات أكاديمية مختلفة ومتداخلة لم يفرغ هذا المفهوم من الجداالت المتعلقة
به وال من قدراته التعبيرية والمعرفية إضافة إل مشكلة تداخل المعارف التي جاءت من جهات علمية عديدة
فالواقع المؤسساتي نفسه أصبح له قابلية للقراءات املختلفة وهذا بسبب التجارب املجتمعية والتفطن
ومن القضايا التي ال تزال عالقة فيما يخص مفهوم المؤسسة قضية عالقة المؤسسة بالمنظمة
وكالهما فيه ش يء من األخرى أي كل مؤسسة فيها من المنظمة أو " التنظيم" وكل منظمة فيها ش يء من
المؤسسة أو " التأسيس" وفي األخير نقول أن هذا العمل يحتاج إلى وقفة معرفية أخرى نحاول فيها قراءة أو
قراءات لهذه الوقائع والمعارف المتداخلة والمترابطة ،وهذا العمل سنقوم به في عروض ومداخالت آنية.