You are on page 1of 3

‫المحور األول‪ :‬المؤسسة‪ ..

‬المفهوم والخصائص‬

‫المحاضرة األولى‪ :‬المفهوم السوسيولوجي والخصائص‬

‫‪ .1‬المفهوم‬
‫إن تحديد مفهوم سوسيولوجي مناسب للمؤسسة لن يكون ممكنا‪ ،‬معرفيا‪ ،‬بمعزل عن‬
‫النظريات والمقاربات المختلفة التي حاولت إبراز طبيعتها السوسيولوجية وخصائصها‬
‫وسيرها‪ ،..‬وهذا ما سيساعد على أخذ مسافة من التعريفات التقنية واالقتصادية والقانونية‬
‫التي سبقت التعريف السوسيولوجي‪ ،‬لكن دون تجاوز أيا من أبعاد حقيقتها تلك‪ ،‬على اعتبار‬
‫أنها وجدت باألساس ومنذ البداية لتحقيق أهداف اقتصادية وعقالنية‪ ،‬وبالنظر ألسبقية هذه‬
‫التعريفات على التعريف السوسيولوجي كذلك‪ ،‬وهذا ما جعل السوسيولوجيا تستفيد من‬
‫الكثير من األدوات النظرية والتحليلية باالستعارة المباشرة لمفاهيم وافتراضات ونظريات‬
‫بعض هذه العلوم‪ .‬هذا ما نالحظه عمليا وبيداغوجيا على األقل بالنسبة لمضامين عدة‬
‫مشتركة بين سوسيولوجيا العمل والتنظيم‪ ،‬واإلدارة والمناجمنت واالقتصاد‪ ،..‬وإن كان لكل‬
‫علم بالنهاية خصائصه وخصوصيته في ذلك‪.‬‬
‫يشير الكثير من الباحثين والمؤلفين في ميدان سوسيولوجيا المؤسسة والتنظيم إلى أن‬
‫المؤسسة تم تعريفها تاريخيا انطالقا من اختزالية مخلة بحقيقتها العلمية والواقعية‪ ،‬في‬
‫البداية خاصة‪ ،‬وهذا ما تم العمل‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬على تجاوزه فيما بعد مع توسع الدراسات‬
‫السوسيولوجية المتخصصة وتنوع مواضيعها ومقارباتها‪.‬‬
‫لقد تم وصف المؤسسة‪ ،‬كما يشير إلى ذلك فيليب بيرنو‪ ،‬بكونها تجمعا من األفراد‬
‫الذين يشكلونها‪ ،‬وقد جرى التركيز‪ ،‬حسبه‪ ،‬هنا على دراسة جوانب قريبة من البسيكولوجيا‪،‬‬
‫الجوانب اإلنسانية أو السلوكية‪ ،‬العقد االجتماعي بين الفرد والنسق‪ ،‬الفردانية واإلكراهات‪،‬‬
‫موضوع الدافعية‪ ،..‬وبوصفها كذلك نموذجا بيروقراطيا عقالنيا وهنا يمكننا أن نتكلم تحديدا‬
‫عن نظرية فيبر عن البيروقراطية كما نتبين ذلك من خالل نموذجه المثالي البيروقراطي‪.‬‬
‫وبوصفها كذلك نسقا منتجا من طرف الفاعلين‪ ،‬ونشير هنا إلى موضوع تقسيم العمل‬
‫والتضامن والتفاوض‪ ،‬إشكالية السلطة كما في التحليل االستراتيجي لكروزيي‪ ،‬الهيكلة من‬
‫خالل تشكيل القواعد‪ ،‬موضوع الشبكات االجتماعية كما لدى ميشال كالون وبرينو التور‪،‬‬
‫واإلبداع لدى نوربرت ألتر‪ .‬وبوصفها كذلك نسق رابط اجتماعي‪ ،‬ويتم التطرق هنا إلى‬
‫مسألة الثقة كأساس للتضامن‪ ،‬الهوية وعالقتها بتشكيل الرابط االجتماعي‪ ،‬االستمرارية‬
‫ودور القواعد في ذلك والثقافة سانسوليو خاصة‪ ،‬المؤسسة كنسق من االتفاقات‬
‫والتوافقات‪..‬‬
‫كما يمكننا تعريف المؤسسة سوسيولوجيا انطالقا من مقاربة التعلم التنظيمي‪ ،‬وهنا‬
‫ينظر إليها بوصفها مكانا للتعلم والتضامن أو التعاضد‪ .‬وهنا نجد بيرنو يتطرق لموضوعات‬
‫التغير بين االستمرارية والتجديد‪ ،‬والتغير والتحليل االستراتيجي‪ ،‬التغير والثقافة‪ ،‬والتغير‬
‫بوصفه تعلما‪ ،‬دور التمثالت‪ ،..‬كما يمكن النظر كذلك إلى المؤسسة من خالل منطق‬
‫األفعال من خالل موضوعات تشكل منطق األفعال‪ ،‬منطق الفاعلين ومنطق األفعال‪..‬‬
‫ومقاربة المأسسة‪.‬‬
‫عموما لقد تأخر كثيرا علماء االجتماع في دراسة المؤسسة من خالل مفهوم‬
‫سوسيولوجي مناسب في أبعاده التحليلية التي يشار إليها اآلن‪ ،‬أي باختالفها عن المقاربات‬
‫السابقة بما فيها المقاربات السوسيولوجية القريبة لكن المختزلة مثل سوسيولوجيا العمل‬
‫والتنظيم‪ .‬وحتى عندما أصبحت موضوعا مهما للسوسيولوجيا بدفع من تطورات معرفية‪،‬‬
‫ومن تطورات وإكراهات مجتمعية اقتصادية وسياسية باألساس‪ ،‬كانت هناك مقاربات‬
‫متعددة ومختلفة أحيانا على مستوى النظر والتحليل‪ ،‬لكننا نعرف اليوم أن كل ذلك يشكل‬
‫معا ثراء معرفيا مهما لدراسة هذا الموضوع من جوانب مختلفة وتحليله بأبعاد أكثر علمية‬
‫وواقعية وأكثر ثراء‪.‬‬
‫على هذا األساس يمكن اعتبار المؤسسة إذن ككيان اقتصادي‪ ،‬اجتماعي‪ ،‬سياسي‪،‬‬
‫ثقافي‪ ..‬مكان للتنشئة اجتماعية‪ ،‬فضاء عالقات وعقلنة وتوافقات واستراتيجيات‪..‬هكذا‬
‫أصبحت موضوع تعريف سوسيولوجي ثري باألبعاد التحليلية‪ ،‬لكن وبالرغم من ذلك ال‬
‫يمكن‪ ،‬حسب كريستيان تيدروز‪ ،‬اختزالها إلى مجرد مفهوم سوسيولوجي وإنما ينبغي النظر‬
‫إليها انطالقا من كونها واقع مجتمعي ملموس وفاعل له موقعه المؤثر على عدة مستويات‪،‬‬
‫أي ككيان كامل باستقاللية واضحة‪ ،‬ووجود وأدوار مجتمعية وتاريخية‪ (..‬انظر كتابه‬
‫سوسيولوجيا المؤسسة)‪.‬‬
‫يمكننا أن نخلص بهذا إلى القول إن أي تعريف قد ال يعتبر مناسبا ما لم يتطرق إلى‬
‫بعدين تعريفيين مهمين‪:‬‬
‫‪ .‬أحدهما على صلة بكونها واقعا مجتمعيا‪،‬‬
‫‪ .‬واألخر بكونها موضوعا للمعرفة‪ ،‬تحديدا موضوعا للسوسيولوجيا لكن بنظرة أشمل‬
‫وأعمق‪ ،‬بأدوات نظرية ومنهجية مناسبة وإن كانت في بعضها مشتركة مع علوم أخرى‪،‬‬
‫وبالرغم من أن ذلك يحتاج كذلك‪ ،‬من وجهة نظر نقدية‪ ،‬إلى الكثير من العمل والتطوير‬
‫والنقاش بالنظر لحداثة الموضوع نسبيا‪.‬‬
‫هكذا وفضال عن هذه المفاهيم المختلفة المنطلقات التي يمكنها أن تتكامل مع المفهوم‬
‫السوسيولوجي في إنتاج مفهوم موسع هذا من جهة‪ ،‬و تأسيسا على نقد صفتي اإلختزالية‬
‫واألداتية اللتين لم تسمحا باستيعاب معرفي مناسب ألشكال التطور الذاتي والموضوعي‬
‫اللذان فرضتهما سلسلة تغيرات وإكراهات متالحقة خاصة سنوات السبعينات فصاعدا‪،‬‬
‫الثمانينات تحديدا والتسعينات وبداية األلفينات من جهة أخرى‪ ،‬فقد جاء المفهوم‬
‫السوسيولوجي الموسع متأخرا لكن أكثر ثراء وشمولية‪ ،‬بحيث أصبحت العلوم المختلفة‬
‫تستدمج في تعريفاتها للمؤسسة مجموعة األبعاد السوسيولوجية المهمة‪ ،‬وهذا ما يمكننا أن‬
‫نالحظه كذلك من خالل األعمال المنشورة على األقل والدراسات المختلفة‪ .‬فنجد مثال‬
‫دراسة اقتصادية أو إدارية‪ ..‬تتضمن أبعادا تحليلية سوسيولوجية في خطتها‪ ،‬ونفس الشيء‬
‫بالنسبة لخطط التكوين مثال على المستوى العملي وخطط التسيير‪..‬‬
‫يمكن إجمال كل هذه التصورات والمفاهيم في ما أورده كريستيان تيدروز في كتابه‬
‫سوسيولوجيا المؤسسة كما يلي‪:‬‬
‫" للمؤسسة في العلوم االجتماعية عدة أوجه‪ ،‬إنها نسق قواعد‪ ،‬مكان للفعل الجمعي‪ ،‬أين‬
‫يتأسس الصراع الصناعي والمفاوضات الجمعية كما اعتاد علماء االجتماع في كتاباتهم‪.‬‬
‫وبالنسبة لالقتصاديين‪ ،‬هي مكان ربط اقتصادي بين عوامل العمل والرأسمال‪ ،‬ولدى‬
‫المؤرخين تعتبر كمكان للذاكرة‪ ،‬وفي علوم التسيير هي المكان الذي تتحدد فيه‬
‫االستراتيجيات فيما يتصل بالفرص أو بإكراهات السوق‪ .‬إنها فضاء طقوسي شعائري‬
‫حسب تصور عالم اإلثنولوجيا‪ ،‬وكعقد مجتمعي بين أشخاص يحركهم مؤثر اجتماعي حسب‬
‫القانوني‪.‬‬
‫يحدد كريستيان تيدروز في كتابه المذكور من الصفحة ‪ 9‬إلى ‪ 10‬مجموعة من‬
‫الخصائص العامة التي يمكن من خاللها تعريف المؤسسة‪:‬‬
‫‪ -‬بوصفها تنتج سلعا وخدمات وتبيعها‪،‬‬
‫‪ -‬بوصفها مركزا للحسابات والربح‪ ،‬ويتعلق األمر هنا بحسابات التشغيل واالستعمال‪،..‬‬
‫‪ -‬يتميز نشاطها باالستمرارية والثبات‪ ،‬أي أن كل نشاط ال يتمتع باالستمرارية والثبات ال‬
‫يمكن تسميته بمؤسسة‪،‬‬
‫‪ -‬بوصفها مكانا للعمل الفردي أو الجماعي المدفوع‪ ..‬أين تتشكل عالقات جمعية وأفعال‬
‫مستقرة على مستوى من التنظيم والتنسيق المدفوعين بتوزيع هيراركي للسلطة وقواعد‬
‫اللعبة‪..‬‬
‫‪ -‬تتميز بكونها ممأسسة بمجموعة من القواعد والمعايير الشرعية‪ ،‬والتي تعطيها صفة‬
‫المؤسسة المجتمعية‪ ،‬الضابطة والموجهة داخليا بما يحدد سيرها وعالقاتها‪..‬وبقوانين تحدد‬
‫إطارا عاما لذلك وفي عالقتها بمحيطها ومسؤولياتها المختلفة‪..‬‬
‫‪ -‬توصف المؤسسة بأنها مركز مستقل التخاذ القرار فيما يخصها تحديدا‪ ،‬وفيما يخص‬
‫الوسط الذي تشتغل داخله‪ ..‬يعني ذلك أن قراراتها تتخذها بنفسها وال تملى عليها من‬
‫الخارج‪ ،‬وهذا ما يميزها عن كيانات مشابهة لكنها تتلقى أوامرها من وصاية معينة‬
‫كالوزارة مثال‪ ،‬حال الجامعة مثال‪.‬‬

You might also like