Professional Documents
Culture Documents
يحتل موضوع التجارة الدولية وسياساتها وأهمية العالقات االقتصادية بين الدول مكانة مميزة في علم
االقتصاد .إن كل الدول -مهما كان نظامها السياسي وتنظيمها االقتصادي -تش--ارك في التب--ادل ال--دولي نظ--را
للتوزيع الطبيعي لموارد و الثروات ،اختالف المناخ ،طبيعة التربة ،وم--ا إلى ذل--ك من عوام--ل .مم--ا جع--ل ك--ل
دولة تتميز بموارد وثروات ال تتوفر في البالد األخرى ،وهو م--ا يفس--ر حاج--ة ك--ل دول--ة إلى س--واها ،وأكس--ب
التبادل صبغة الضرورة.
كانت التجارة بين الدول وال تزال تع--د مص--در رف--اه وتنمي--ة ،وم--ع تط--ور التب--ادل التج--اري تن--وعت
أشكال تدخل الدول--ة في إدارة عالقاته--ا التجاري--ة الدولي--ة بتبنيه--ا سياس--ات معين--ة من أج--ل تحقي--ق أه--دافها في
التنمية .وقد اختلفت هذه السياسات بين التحرير و الحماية تبع--ا للظ--روف االقتص--ادية ال--تي تعيش--ها ك--ل دول--ة،
قدرتها التنافسية في األسواق الدولية ،توازن ميزان مدفوعاتها ،ووفقا لما يمر به النمو االقتصادي العالمي.ففي
فترات االنتعاش والنمو سادت سياسات اكثر انفتاح-ا ،أم-ا ف-ترات الكس-اد والرك-ود فتس-ود السياس-ات الحمائي-ة
االنغالقية.
كما مثلت محاوالت تنسيق السياس--ات التجاري--ة الدولي--ة نقط--ة انطالق أعم--ال تكاملي--ة بين ع--دة دول،
نتجت عنها العديد من االتفاقيات الثنائية ،وتوصلت بعض الدول إلى تكوين مناطق للتب--ادل الح--ر وأخ--رى إلى
بناء تكتالت اقتصادية .كما ظهرت عدة اتفاقيات ومنظمات دولية تهدف إلى تحقي-ق نفس الغ-رض .وق--د تس-بب
االختالف ح--ول ه--ذه السياس--ات في نش--وب نزاع--ات ق--د تص--ل إلى الح--رب التجاري--ة .ففي عش--رينيات الق--رن
الماضي ،شهدت التجارة الدولية ازدهارا ملموسا أدى إلى زيادة حجم وقيمة التبادالت الدولية ،غ--ير أن الكس--اد
االقتصادي في الثالثينيات دفع الكثير من الدول إلى تبني سياسات حمائي-ة متع-ددة من بينه-ا التحكم في العمل-ة،
فرض القيود الكمية وزيادة معدالت التعريفة الجمركية .ونتج عن هذا التزاي--د في النزع--ة الحمائي--ة تراجع--ا في
حجم التجارة الدولية وبات واضحا أن االستمرار في انتهاج هذه السياسة من شأنه تعميق األزمة ،وان حماي--ة
النمو والتوازن الدولي يمر حتما عبر تبني نظام جديد للعالق--ات االقتص--ادية والتجاري-ة الدولي-ة واتب-اع سياس-ة
تهدف إلى ترقية التعاون و التبادل الدولي .لذلك ،سعت عدة دول بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من أجل قي--ام
منظمة دولية مهمتها تنظيم السياسات التجارية الدولية ،تسهيل التجارة والحد من اإلجراءات الحمائية.
1
ومع فشل تجسيد مشروع المنظمة الدولية للتجارة المق--ترح في م--ؤتمر هافان--ا ،توص--لت 23دول--ة إلى
إبرام اتفاقية دولية متعددة األط--راف ح--ول التعريف--ة الجمركي--ة والتج--ارة GATTه--دفها التخفيض المتواص--ل
للرسوم الجمركية وإيقاف أي زيادة في اإلج-راءات الحمائي-ة وتش-جيع حري-ة التب-ادل برف--ع ك-ل أن-واع القي-ود
والحواجز التي تعيق التجارة .وبمرور جوالت المفاوضات ،حققت الجات تقدما واضحا في تحرير التجارة.
لق--د ش--هد الرب--ع األخ--ير من الق--رن الماض--ي تط--ورات مهم--ة على المس--توى االقتص--ادي ،حيث أدت
التغيرات الحاصلة إلى عولمة االقتصاد وشموليته ،وأع-ادت العدي-د من ال-دول النظ-ر في تنظيمه-ا االقتص-ادي
بمنح السوق دورا أكبر ،وتوجهت نحو الخوصصة .و شهدت الفترة أيضا تحول االقتص--اديات االش--تراكية إلى
االقتصاد الحر ،كما تميزت بميل الدول إلى تشكيل أقطاب وتكتالت اقتصادية إقليمية و جهوية ك--برى من أج--ل
المنافسة وفرض الوجود على الساحة الدولية .ولعل من أهم األحداث االقتصادية في نهاية الماضي التط--ورات
التي عرفتها ، GATTفبعدما كانت تس--ير تج--ارة الس--لع ،أدرجت في جول--ة مفوض--اتها الجدي--دة المنطلق--ة في
االرغواي سنة 1986ملفات جديدة كملف الخدمات وملف الملكي--ة الفكري--ة .وت--وجت الجول--ة بإنش--اء المنظم--ة
العالمية للتجارة.
ومنذ ذلك التاريخ ،أخذت الدول الباحثة عن مكان لها ضمن التبادالت العالمي--ة في االنض--مام إلى ه--ذه
المنظمة من اجل االندماج في االقتصاد العالمي والتص--دي لتح-ديات العولم-ة .وعملت على مالءم-ة اقتص--ادها
وتجارتها مع ما تقتضيه العولمة وشروط االنضمام إلى المنظم-ة العالمي-ة للتج-ارة .كم-ا س-عت نفس ال-دول في
نفس الوقت إلى تنسيق سياساتها التجارية و االقتصادية بإقامة التجمعات و التكتالت االقتصادية الجهوي--ة.ح--تى
ترفع تن مستوى رفاهيتها.
ولم تبق الجزائر في معزل عن التح--والت ال--تي ش--هدها النظ--ام االقتص--ادي والتج--اري ال--دولي ،بحكم
موقعها االستراتيجي في شمال إفريقيا وقربها من االتحاد األوروبي وتوسطها بلدان المغرب الغربي مما يخول
لها لعب دور فعال على المستوى اإلقليمي و الجهوي ،ولكون االقتص-اد الجزائ-ري ـ نظ-را لطبيعت-ه الهيكلي-ة ـ
متفتح على الخارج ،يحتل فيه القطاع الخارجي مكانة مرموقة .فلقد أدى ضعف القاعدة اإلنتاجية الوطنية غ--داة
االستقالل إلى االعتماد على الواردات ،فالقطاع الصناعي لم يكن يشمل س--وى بعض الوح--دات الص--غيرة ،ل--ذا
اعتمد على القطاع الخارجي في التجه--يز والتم--وين .كم--ا أدى تراج--ع أداء القط--اع ال--زراعي إلى اللج--وء إلى
االستيراد لتلبية حاجات السكان المتزايدة.
لقد أدى اتباع اختيارات مذهبية واستراتيجية معينة في سياسة التنمية في الجزائ-ر بالدول-ة إلى الت-دخل
في القطاع االقتصادي عموما ومنه القطاع الخارجي ،وقد تطورت السياسة التجاري--ة الجزائري--ة ع--بر مراح--ل
إلى الوصول إلى مرحلة اإلصالحات ثم التحضير لالنضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة وما يتطلبه ذل--ك من
تعديالت على السياسة التجارية.
2
طرح اإلشكال -1
بالنظر إلى التطورات الحاصلة في االقتص--اد الوط--ني ،وب--النظر إلى المحي--ط ال--دولي المط--الب ب--أكثر
انفتاح في التبادل الدولي ،يحق لنا أن نطرح اإلشكال التالي ونتساءل:
كيف يمكن للجزائر أن تندمج في النظام التجاري العالمي ،وتكيف سياس تها التجاري ة ومقتض يات
االندماج من دون اإلخالل بالبنية االقتصادية الوطنية ؟
وحتى نستوفي اإلجابة عن هذا التساؤل الجوهري ،علينا أوال اإلجابة عن األسئلة الفرعية التالية:
-ما هي مبررات مشاركة الدولة في التبادل الدولي؟
-ما أشكال تدخل الدولة في إدارة القطاع الخارجي؟
-ما هي حقيقة النظام التجاري العالمي ،وما هي متطلبات االندماج فيه؟
-ما هي المراحل التي مرت بها السياسة التجارية الجزائرية؟ وم--اذا عملت الجزائ--ر من اج--ل االن--دماج
في النظام العالمي للتجارة؟
فرضيات البحث: -2
لإلجابة على اإلشكال المطروح قمنا بصياغة الفرضيات التالية والتي تعتبر اكثر اإلجابات احتماال:
-التبادل الدولي سلوك عقالني يجد تفسيره في النظرية االقتصادية.
-تطورت السياسة التجارية الجزائرية في مرحلة م-ا قب-ل التحري-ر واالنفت-اح وفق-ا لمقتض--يات المراح-ل
التي مر بها االقتصاد الجزائري
-عملت المنظمات الدولية على تسريع اإلصالحات في السياس--ة التجاري--ة الجزائري--ة وتحري--ر التج--ارة
الخارجية.
-تكييف السياسة التجارية وفقا لمقتضيات االنضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة من دون اتخ--اذ ت--دابير
داخلية من شانه اإلضرار واإلخالل باالقتصاد الوطني.
-االندماج في النظام االقتصادي و التجاري العالمي يتطلب إعادة تأهيل االقتصاد الوطني.
-االندماج اإلقليمي والجهوي خطوة مهمة نحو االندماج في النظام التجاري العالمي .
أهمية البحث: -3
يكتسب هذا البحث أهميته من أهمية كل من:
-قطاع التجارة في االقتصاد الجزائري.
-انضمام الجزائر للمنظمة العالمية للتجارة واالندماج في نظام التجارة العالمي
-المكانة التي اصبح يحتلها موضوع السياسات التجارية في االقتصاد العالمي.
-مكانة القطاع الخارجي في كل االقتصاديات الوطنية.
3
هذا مع اعترافنا كون البحث ال يمثل إضافة في صميم المعرفة العلمية ،وإنما يكتسب قيمت--ه العلمي--ة في
مجال البحث العلمي من كونه يسلط الضوء على موضوع حديث متصل مباشرة بالوضع االقتص--ادي الوط--ني
و العالمي.
أسباب اختيار البحث: -4
توجد عدة أسباب دفعتنا الختيار البحث في هذا الموضوع دون غيره من المواضيع ،وعلى رأسها
تخصص الباحث وميله الطبيعي للبحث في كل ما يتعلق بالتجارة الدولية و االقتصاد الدولي ،ويرتب--ط ه--ذا في
آن واحد بطبيعة التخصص الذي بدأ من السنة األولى جامعي في فرع التجارة الدولي--ة وعملن--ا الي--ومي كوكي--ل
لدى الجمارك .أضف إلى ذلك:
ـ الشعور بأهمية الموضوع وما يثيره من جدل في مختلف األوساط ( العلمية،الرسمية،السياسية وحتى
الشعبية).
ـ الحرص على دراسة قطاع التجارة الخارجية لما له من أهمية في االقتصاد الجزائري .
ـ إمكانية وخصوبة البحث في الموضوع.
أهداف البحث: -5
يهدف هذا البحث إلى اإلجابة على اإلشكالية المطروحة وعلى األسئلة الفرعية ،ويرمي إلى تحقيق
األهداف التالية:
ـ عرض محت--وى وحقيق--ة النظ--ام التج--اري الع--المي ،وه--ذا بع--رض أسس--ه الفكري--ة والتنظيمي--ة ع--بر
التطرق إلى المنظمة العالمية للتجارة.
ـ فحص السياس-ة التجاري-ة الجزائري-ة وم-دى تطابقه-ا م-ع مقتض--يات االن-دماج في المنظم-ة العالمي-ة
التجارة.
ـ تقصي آفاق اندماج الجزائر في النظام التجاري العالمي.
حدود البحث: -6
يعد اندماج االقتصاديات الوطنية في النظ--ام التج--اري الع--المي موض--وعا شاس--عا نظ--را لك--ثرة ال--دول
الطالبة وخصوصية كل منها ،لذا قررنا تناوله من زاوي--ة السياس--ة التجاري--ة وح--ددنا الجزائ--ر كإط--ار مك--اني
للبحث .كما ركزنا على تجارة السلع دون من غيرها أن--واع التج--ارة ك--ون المب--ادالت الجزائري--ة في األن--واع
األخرى ال تزال غير متطورة.
صعوبات البحث: -7
إن التعرض للبحث في هذا الموضوع عرضنا لصعوبات عدة نذكر منها:
-قلة وتضارب وندرة المصادر فيما يخص الجزائر ،وغياب جهة بإمكانها إعطائنا إجاب--ات وافي--ة
عن التساؤالت التي كنا نطرحها كون المفاوضات مع المنظمة العالمية في مراحلها األولى.
-غياب التفاصيل و المالحق فيما يخص االتفاق مع االتحاد األوربي.
4
المنهج المستخدم في البحث: -8
اقتضت طبيعة البحث وموضوعه التعامل مع عدة مناهج منه--ا الوص--في ،التحليلي و الت--اريخي .ل--ذا
اتبعن--ا منهج--ا وص--فيا عن--د اس--تعرا ض--نا األس--اس النظ--ري والخلفي--ات المذهبي--ة لك--ل من نظري--ات التج--ارة
الخارجي--ة ،السياس--ة التجاري--ة والسياس--ة التجاري--ة الجزائري--ة .كم--ا اس--تخدمنا المنهج التحليلي في الفص--ول
والمباحث التي تن--اولت آث--ار أدوات السياس--ة التجاري--ة على االقتص--اديات المختلف--ة ،وتحلي--ل وتق--ييم السياس--ة
التجارية الجزائرية واالتفاقات المبرمة مع الدول المغاربية أو االتحاد األوربي .واعتمدنا المنهج التاريخي في
الفصول والمباحث التي تناولت عرض التطورات التي مر به--ا النظ--ام التج--اري ال--دولي للوص--ول إلى النظ--ام
العالمي للتجارة ،وحين قمنا بتتبع مختلف المراحل التي مرت بها السياسة التجارية الجزائرية.
وقد اس--تخدمنا األدوات ا لمس--تعملة في أي تحلي--ل اقتص--ادي كأفك--ار الم--دارس االقتص--ادية المختلف--ة،
المنحنيات البيانية ،الجداول ،القوانين ،االتفاقات......الخ.
5
أما الفصل الخ--امس واألخ--ير فتن--اول موض--وع انض--مام الجزائ--ر إلى المنظم--ة العالمي--ة واالن--دماج في
النظ--ام الع--المي للنج--ارة حيث خص--ص لدراس--ة حال--ة الجزائ--ر وتم في--ه فحص السياس--ة التجاري--ة الجزائري--ة
ومحاولة استشراف آثار االنضمام .
وفي األخير نرجو أن نك--ون ق--د وفقن--ا الختي--ار ودراس--ة موض--وع البحث ،وم--ع اعترافن--ا بقص--ورنا
فحسبنا أننا حاولنا وأخلصنا الجهد والنية .وهللا الموفق.
6