You are on page 1of 26

‫"محاضرات علم االجتماع التنظيم"‬

‫اللهم إني أسألك فهم النبيين وحفظ المالئكة المقربين‪ ،‬اللهم اجعل لساني‬
‫عامرا ً بذكرك وقلبي بخشيتك‪ ،‬وسري بطاعتك‪ ،‬إنك على كل شيء قدير‬
‫وحسبنا هللا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫اللهم إني أستودعك ما قرأت وما حفظت‪ ،‬وما تعلمت‪ ،‬فرده عند حاجتي‬
‫إليه‪ ،‬إنك على كل شيء قدير‪ ،‬حسبنا هللا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫المحاضرة األولى‪ :‬علم االجتماع التنظيمي‪ -‬النشأة والمجاالت والمفهومات األساسية‬

‫مقدمة‬
‫سوف نركز في هذه المحاضرة على مناقشة نشأة علم االجتماع التنظيمي وتحديد مجاالت‬
‫اهتمامه األساسية والتي تبلورت من خالل االسهامات البحثية والنظرية لعلماء من مختلف‬
‫التخصصات (االدارة – علم النفس االجتماعي‪ -‬علم االجتماع‪-‬األنثروبولوجيا‪ -‬علماء‬
‫االقتصاد والسياسة) بالواليات المتحدة األمريكية ودول أوروبية ال سيما انجلترا‪ -‬مهد‬
‫الثورة الصناعية‪ -‬وألمانيا وفرنسا وذلك خالل مراحل تطوره من أوائل القرن العشرين‬
‫حتى بداية األلفية الثالثة والجدير بالذكر أن علم االجتماع التنظيمي يتميز بوجود عالقة‬
‫عضوية بين البحث والنظرية بمعنى أن نتائج الدراسات االمبريقية تصبح مقدمات أو‬
‫فروض بحثية توجه سلسلة من الدراسات االمبريقية للتحقق من مدى صدقها ‪ .‬وسوف‬
‫نتناول أيضا ً تعريفا ً لعدد من المفاهيم األساسية في مجال علم االجتماع التنظيمي الذى يأخذ‬
‫مسميات مختلفة في األدبيات الغربية منها التنظيمات المركبة أو التنظيمات البيروقراطية‬
‫أو التنظيمات الرسمية أو التنظيمات كبيرة الحجم‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬نشأة علم االجتماع التنظيمي‬


‫يصعب التحديد الزمنى لنشأة علم االجتماع التنظيمي إال أنه بفعل عمليتي التحضر‬
‫والتصنيع شارك عدد من المتخصصين في مجاالت بحثية مختلفة في إجراء بحوث‬
‫أظهرت اهتماما ً واضحا ً بالتنظيمات التي نشأت وتأثيراتها على الحياه االجتماعية والتزال‬
‫نتائج هذه البحوث منهالً لما تالها من دراسات ورؤى نظرية ومن هذه المداخل الرائدة‬
‫مدرسة االدارة العلمية لفردريك تيلور حيث قدمت هذه المدرسة أساليب اصالحية من‬
‫خالل دراسة الوقت والحركة حيث تبدأ من القاعدة (عمال االنتاج) إلى قمة تنظيم المصنع‬
‫مجال الدراسة وتحديد المهام وترتيب األنشطة بتقسيمها إلى أقسام داخل المصنع وهذه‬
‫المقترحات المهمة ال تزال مجال اهتمام مهندسي الهندسة الصناعية وبحوث العمليات ثم‬
‫يجئ بعد تيلور العالم فايول ممثالً مناظري علم االدارة لينظر إلى تنظيم المصنع من أعلى‬
‫إلى أسفل واضعا ً األسس والركائز التي ينهض عليها التقسيم والتنسيق ألنساق العمل‬
‫المركبة إال أن اسهام فايول كان على مستوى التنظير وليس على المستوى االمبيريقي كما‬
‫هو الحالة بالنسبة لتيلور‪.‬‬
‫وبعد ترجمة أعمال ماكس فيبر لإلنجليزية حدث اهتمام كبير من جانب علماء التنظيم في‬
‫دراستهم للخصائص البيروقراطية التي يتضمنها النمط المثالي للبيروقراطية عند ماكس‬
‫فيبر وازداد االهتمام بالجوانب الرشيد بالتنظيم كما اهتم علماء النفس االجتماعي بالسلوك‬
‫التنظيمى وجماعات العمل غير الرسمية والدوافع الشخصية‪ ،‬وشارك العديد من علماء‬
‫االنثروبولوجيا واالجتماع في دراسة بعض العمليات مثل األنماط غير الرسمية للتعاون‬
‫والصراع بين االدارة والعمال ودراسة التنظيم كنسق اجتماعي مفتوح في عالقة تبادلية مع‬
‫البيئة كإسهامات تالكوت بارسونز وروبرت ميرتون ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫ثانياً‪ :‬تعريف علم االجتماع التنظيمي ومجاالته األساسية‬

‫يعتبر علم االجتماع التنظيمي أحد فروع علم االجتماع الذى يهتم بدراسة وفهم التنظيمات‬
‫االقتصادية (االنتاجية والتجارية والخدمية) وتنظيمات المجتمع المدني غير الهادفة للربح‬
‫(مثل النقابات واألندية واالحزاب السياسية والجمعيات األهلية) بأشكالها المختلفة وأحجامها‬
‫المتباينة وينصب اهتمام علم االجتماع التنظيمي على فهم البناء االجتماعي (الرسمي وغير‬
‫الرسمي) والعمليات مثل التعاون والصراع والتنافس وعملية صنع القرار وديناميته كما‬
‫يعطى قدرا ً متساويا ً من االهتمام بالعالقة المتبادلة بين التنظيم وبيئته الخارجية المحلية أو‬
‫العالمية محاوالً التكيف معها بصورة مستمرة من خالل ميكانزمات داخلية ويطور من‬
‫خصائصه البنائية في ضوء التحوالت التكنولوجية وثورة االتصاالت‪.‬‬

‫ويستعين علم االجتماع التنظيمي بالنظريات السوسيولوجيا وأدوات البحث االجتماعي‬


‫(الكمية والكيفية ) في دراسة القضايا والعمليات التنظيمية اآلتية‬

‫‪ -1‬خصائص البنية االجتماعية للتنظيم في بيئات متباينة‪.‬‬

‫‪2‬ـ جماعات العمل وديناميتها والتنظيم غير الرسمي وخصائصه ووظائفه‪.‬‬

‫‪3‬ـ العمليات االجتماعية من تعاون وصراعات وعنف مؤسسي‪.‬‬

‫‪4‬ـ مشكالت العمل (دوران العمل‪ -‬التغيب عن العمل‪ -‬االغتراب االجتماعي‪ -‬انخفاض‬
‫االنتاجية‪ -‬ضغوط العمل‪ -‬عدم الرضا عن العمل)‪.‬‬

‫‪5‬ـ دراسة القضايا التنظيمية المختلفة مثل‪ :‬المناخ التنظيمي والفاعلية التنظيمية والقضايات‬
‫التنظيمية والثقافة التنظيمية واالنتماء التنظيمي وصناعة القرار والتطور التنظيمي لمواكبة‬
‫المستجدات في سوق العمل المحلى والكوكبي وادارة الصراع‪.‬‬

‫‪6‬ـ التكنولوجيا والتح ول في البنية التنظيمية‪.‬‬

‫‪7‬ـ االدارة االنسانية‪.‬‬

‫‪8‬ـ االنماط المختلفة لعالقات العمل على المستوى الرأسي (عبر المستويات المختلفة‬
‫للسلطة) والمستوى األفقي سواء داخل التنظيم أو بينه واألطراف المعنية في البيئة‬
‫الخارجية‬

‫‪2‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫ثالثاً‪ :‬تعريف المفهومات األساسية‬

‫أ‪ -‬تعريف التنظيم‪ :‬التنظيم في إطار الجودة وخصائصه‪ ،‬التنظيم باعتباره نسقا ً اقتصاديا‪،‬‬
‫التنظيم باعتباره نسقا تعاونيا‪ ،‬التنظيم باعتباره نسقا اقتصاديا وتعاونيا‪ ،‬التنظيم باعتباره‬
‫نسقا ً اجتماعيا مفتوحا‪.‬‬
‫التنظيم في إطار الجودة وخصائصه‪ :‬يعرف التنظيم بصورة مبسطة بأنه بناء اجتماعي‬
‫(رسمي وغير رسمي) يضم مجموعة من األفراد موجهين بصورة منظمة وواعية نحو تحقيق‬
‫هدف محدد أو مجموعة أهداف بعينها وله خصائص بنائية تتمثل في وجود لوائح منظمة‬
‫للعمل وتقسيم العمل وتوزيع األدوار الرسمية على أعضاءه وتدرج هرمى للسلطة ونسق‬
‫لالتصاالت يحدد مسار االوامر والتعليمات وتدفق المعلومات على المستويات الرأسية‬
‫واألفقية وله معايير حاكمة للتعيين والترقية والجزاءات ويتفاعل مع البيئة المحلية والعالمية‬
‫مثل المستشفيات والجامعات والمؤسسات العسكرية وأيضا ً مؤسسات المجتمع المدني‪.‬‬
‫ويمكن تعريف التنظيم في إطار الجودة بأنه نسقا فرعيا في إطار نسق أكبر وهو كذلك‬
‫نسق مفتوح على األنساق األخرى ويتفاعل معها كما يتفاعل مع بيئته الخارجية وله رؤية‬
‫ورسالة وأهداف استراتيجية يحاول أن يحققها وهو يتكون من وحدات وأقسام وإدارات‬
‫توضحه جميعا ً الخريطة التنظيمية الخاصة به كما توضح هذه الخريطة خطوط نسق‬
‫االتصال ومساراته بين هذه االدارات بأقسامها ووحداتها المختلفة وتتسم هذه الخريطة‬
‫بالمرونة لمواكبة المستجدات ومتطلبات سوق العمل من خالل استحداث بعض االدارات‬
‫مثل ادارة تكنولوجيا المعلومات وتنمية الموارد البشرية أو دمج بعض االدارات أو إلغاء‬
‫بعضها‪ .‬كما توجد بالتنظيم منظومة من القيم واألخالقيات والمعايير الحاكمة لسلوك‬
‫األعضاء وتوجيههم في نفس الوقت لتحقيق أهدافه‬
‫ويتسم التنظيم في إطار الجودة بالخصائص االتية‬
‫‪ -1‬وجود خطة استراتيجية تهدف إلى التطوير المستمر والتنافسية لتحقيق الجودة الشاملة من‬
‫خالل آليات تتمثل في تقرير نقاط القوة التي يتميز بها التنظيم مع اقتناص الفرص المتاحة في‬
‫البيئة الخارجية ومحاولة التغلب على نقاط الضعف التي يعانى منها التنظيم مستغالً في ذلك‬
‫نقاط القوة والفرص المتاحة كما يحاول جاهدا ً التكيف مع التهديدات الخارجية أو الحد من‬
‫تأثيرها السلبى عليه بهدف المحافظة على تحقيق أهدافه االستراتيجية واستمرار بقائه ومن ثم‬
‫تتضمن الخطة االستراتيجية للتنظيم الخطط والبرامج لتحقيق األهداف ‪.‬‬
‫‪ -2‬وجود منظومة من اللوائح والقوانين لتحديد معايير التعيين أو االلتحاق أو الترقية‬
‫وكذلك لتنظيم سير العمل ومتابعة وتفعيل المحاسبة كما يتم من خاللها تقييم أداء العاملين‬
‫من خالل تقارير دورية لتحقيق الشفافية والعدالة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -3‬توصيف دقيق وواضح للوظائف والمناصب والمهام التنظيمية‪.‬‬
‫‪ -4‬تعظيم استخدام التكنولوجيا في انجاز المهام التنظيمية وعملية االتصال سواء على‬
‫مستوى وحدات التنظيم وأعضائه أو بينه وبين المؤسسات الخارجية محليا ً وعالميا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫التنظيم باعتباره نسقا ً اقتصاديًا‪ :‬تركز المجموعة األولى من التعريفات على الجوانب‬
‫الرسمية للتنظيم كما تغفل في مضمونها الجوانب غير الرسمية والعالقة المتبادلة بينه وبين‬
‫البيئة المحيطة به واقتصرت هذه التعريفات على الرؤية المجردة للتنظيم كنسق مغلق ال‬
‫يتعرض لضغوط ومؤثرات خارجية‪ .‬من تعريفات هذه المجموعة تعريف كل من فردريك‬
‫تايلور وماكس فيبر وفيما يأتي تعريف ماكس فيبر كنموذج لتعريفات هذه المجموعة –‬

‫تعريف ماكس فيبر للتنظيم‪:‬‬


‫يعرف التنظيم بالجماعة المتضامنة التي تتصف بعالقات اجتماعية تقوم على قواعد منظمة‬
‫تحدد شروط العضوية كما يتم تقوية النظام الملزم ألفراد الجماعة من خالل الدور الذى‬
‫يقوم به أفراد معينون في وظائف رئاسية وقيادية‪ .‬ويجمع هؤالء جهاز يطلق عليه الجهاز‬
‫اإلداري يتضمن تعريف التنظيم عددا ً من العناصر األساسية التي ضمنها فيبر ما يعرف‬
‫بالنمط المثالي للبيروقراطية‪.‬‬

‫وتعبر ركائز قامت عليها غالبية التعريفات التي تناولت التنظيم بعد ذلك وتتمثل هذه‬
‫العناصر في اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬توجد ضوابط حاكمة لتفاعل الفرد مع التنظيم وللعالقات بين األفراد كما تضع هذه‬
‫الضوابط شروط االلتحاق بالجماعة المتضامنة‪.‬‬
‫‪ -2‬تحدد عضوية الجماعة المتضامنة عددا ً من القواعد ويخضع أفرادها لعملية اختيار وفق‬
‫معايير معينة لخدمة أهداف التنظيم‪.‬‬
‫‪ -3‬وجود حدود واضحة للجماعة المتضامنة‪.‬‬
‫‪ -4‬وجود نظام ملزم يمكن على أساسه التمييز بين الشكل التنظيمي وغيره من االشكال‬
‫االجتماعية األخرى‬
‫‪ -5‬اتصاف التنظيم بتدرج هرمى للسلطة وتقسيم تخصصي للعمل وتأثير االثنين في طرق‬
‫أداء الوظائف والمهام التنظيمية‪.‬‬
‫‪ -6‬قيام أفراد معينين بإصدار األوامر والتعليمات من خالل مناصبهم الرئاسية داخل‬
‫التنظيم مع استخدامهم للسلطة التي تلزم قيام باقي المرؤوسين باتباع وتنفيذ األوامر بما‬
‫يخدم اهداف التنظيم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫التنظيم باعتباره نسقا ً تعاونياً‪ :‬من أمثلة هذه التعريفات تعريف شستر برنارد حيث يعرف‬
‫التنظيم بأنه نسق تعاوني متوازن ينهض على جهود واعية من جانب األفراد تقوم عليها‬
‫المشاركة فيما بينهم بقصد تحقيق هدف معين أو مجموعة أهداف محددة وأن تتحقق‬
‫المشاركة على أساس دوافع األفراد ورغبتهم الذاتية وتعد عملية االتصاالت بالغة األهمية‬
‫لضمان استمرار التنظيم واتصافه بالفاعلية التنظيمية‪.‬‬

‫ويرتكز التعريف السابق للتنظيم عند برنارد على العناصر التالية التي يراها ضرورية‬
‫لوجود التنظيم‪.‬‬
‫‪ -1‬انجاز هدف أو مجموعة من األهداف‪.‬‬
‫‪ -2‬وجود أشخاص كأعضاء للتنظيم لديهم القدرة على تحقيق االتصال بين بعضهم البعض‬
‫ويشتركون في أداء المهام التنظيمية‪.‬‬
‫‪ -3‬بنية صنع القرار وتشتمل على قرارات تنظيمية تقبل تفويضا ً للسلطة وقرارات شخصية‬
‫ال يقبل فيها تفويض السلطة‪.‬‬

‫وعندما نقارن تعريف التنظيم عند برنارد وماكس فيبر نخلص إلى االتفاق الواضح بين‬
‫التعريفين في الكثير من العناصر المشتركة كتحقيق األهداف واتخاذ القرارات ومتابعة‬
‫تنفيذها مع مالحظة ما يلى‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود اختالف بين التعريفين من حيث مجال االهتمام والرؤية النظرية فبينما يركز‬
‫ماكس فيبر على البنية الرسمية للتنظيم يعطى برنارد معظم اهتمامه ألعضاء التنظيم ودور‬
‫الفرد ألنه محور عملية االتصاالت ويتم تحفيزه لألداء وتولى مسئولية اتخاذ القرار وتنفيذه‬
‫من أجل تحقيق أهداف التنظيم‪.‬‬
‫‪ -2‬من المنظور البنائي وجود اختالف في الرؤية التحليلية للبنية التنظيمية بين فيبر‬
‫وبرنارد حيث ركز فيبر اهتمامه على التقسيم النمطي للواجبات والضبط الرشيد لألداء‬
‫والسلطة وأن البنية التنظيمية تأخذ ثالثة أشكال من السلطة تتمثل في السلطة التقليدية‬
‫والسلطة الملهمة والسلطة البيروقراطية وتستمد األخيرة شرعيتها من القوانين بينما اهتم‬
‫برنارد بالجوانب غير الرشيدة في األداء والدافعية للسلوك حيث يتولد لدى الفرد الحافز‬
‫والدافعية للمشاركة واالمتثال في االداء‪.‬‬
‫وقد جاء اهتمام العلماء بالعنصر االنساني بعدما اشارت إلى أهميته نتائج الدراسات التي‬
‫أجراها التون مايو‬

‫‪5‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫التنظيم باعتباره نسقا اقتصاديا تعاونياً‪ :‬اهتمت هذه المجموعة بتعريف التنظيم من خالل‬
‫الجوانب الرسمية وغير الرسمية له باإلضافة إلى تأثير العوامل البيئية على التنظيم مثل‬
‫تعريف التنظيم عند فيليب سيلزنيك ألنه جمع بين تعريفي فيبر وبرنارد في قالب واحد‬
‫فيري سيلزنيك أن التنظيم ليس فقط بناءات اقتصادية أو متكيفة بل يعد نسقا ً اقتصاديا‬
‫تعاونيا ً وقد ساعدت عملية المزج بين التعريفين على اتساع مجال الرؤية التحليلية أمام‬
‫سيلزنيك لدراسة األدوار الرسمية لألفراد المتعاونين وتحليل سماتهم الشخصية وتأثير ذلك‬
‫على القيادة التنظيمية‪.‬‬

‫ومن المنظور التحليلي قام تعريف التنظيم عند سيلزنيك كنسق اقتصادي تعاوني على‬
‫العناصر االساسية التالية‬
‫‪ -1‬اتصاف التنظيم بتدرج السلطة والوظائف التي تربط بينها االتصاالت الرسمية من أجل‬
‫تحقيق مجموعة من األهداف المحددة‪.‬‬
‫‪ -2‬محاولة النسق التنظيمي المحافظة على استمراريته وتحقيق التكاملية بين مكوناته‪.‬‬
‫‪ -3‬ارتباط التكاملية بمدى تعبئة المهارات الفنية واالدارية المتخصصة داخل التنظيم‬
‫وضرورة التنسيق بين الواجبات التنظيمية وتوفر التعليمات الرسمية المنظمة لها‪.‬‬
‫‪ -4‬إن التنظيم كنسق اجتماعي تعاوني تتباين بداخله المصالح بين األفراد وبينه وبين‬
‫مصالح التنظيم من جهة ثانية ومن ثم ال مفر من وجود عالقات غير رسمية لبقاء التنظيم‬
‫والمحافظة على استقراره ‪.‬‬
‫‪ -5‬االهتمام بدور الفرد ومدى المامه باللوائح والتعليمات الرسمية التي تنظم الضبط‬
‫الرسمي واختيار أدواته المالئمة داخل التنظيم للتغلب على المشكالت التي تواجه االدارات‬
‫المختلفة‬

‫‪6‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫التنظيم باعتباره نسقا اجتماعيا مفتوحاً‪ :‬انطلقت تعريفات هذه المجموعة بأن التنظيم نسق‬
‫مفتوح من خالل محصلة األطر التصورية للمدرسة التفاعلية ونتائج المراحل األخيرة من‬
‫دراسات هوثورن حيث جاءت االهتمامات بأيكولوجيا التنظيم من جانب عدد من العلماء‬
‫في مقدمتهم بارسونز وكانز وروبرت كان وقد أعطى هؤالء الرواد في دراستهم للتنظيم‬
‫كنسق اجتماعي خاصا ً بالعالقة المتبادلة بينه وبين بيئته الخارجية وتأثير األخيرة على ما‬
‫يتصف به التنظيم من دينامية وما يحتويه من عمليات ويقوم التعريف الحديث للتنظيم على‬
‫أربعة عناصر تتمثل في التكنولوجيا والفرد والجماعة واستجابة التنظيم للتحديات الداخلية‬
‫والخارجية‪.‬‬

‫تعريف التنظيم عند تالكوت بارسونز‪ :‬رغم أن بارسونز لم يقدم نظرية عن التنظيم إال أن‬
‫اسهاماته الرائعة في دراسة األنساق االجتماعية أضافت الكثير من األبعاد إلى التعريفات‬
‫الكالسيكية للتنظيم فلقد أوضح أن التنظيم نسق اجتماعي له اتجاه أساسي هو تحقيق هدف‬
‫ما أو مجموعة أهداف ومكون من أقسام وادارات بمثابة انساق فرعية لكل منها هدف محدد‬
‫إال أنها تتساند وتتكامل وظيفيا ً لتحقيق الهدف العام للتنظيم وأن هذا الهدف يمثل سمة‬
‫أساسية من سمات التنظيم كما يشمل في الوقت ذاته جانبين أولهما العالقات الخارجية التي‬
‫تشير إلى عالقة التنظيم بالمجتمع وثانيهما البناء الداخلي للتنظيم كنسق اجتماعي يتشكل من‬
‫ثالثة أنساق فرعية‪ :‬النسق االداري والنسق التقني والنسق المؤسسي والتنظيم من ناحية‬
‫كونه نسقا ً اجتماعيا يواجه أربعة متطلبات أساسية هي تحقيق الهدف والتكامل والتكيف‬
‫والمحافظة على النمط ومن ثم يعد التنظيم نسقا ً غير مستقل بل يعتمد على بيئته الخارجية‬
‫في ضمان حيويته ونجاحه ألنه يستمد موارده المادية والبشرية منها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫المحاضرة الثانية‪ :‬تابع علم االجتماع التنظيمي‪ -‬النشأة والمجاالت والمفهومات األساسية‬

‫تابع تحديد المفهومات األساسية‪:‬‬


‫البيروقراطية‪:‬‬
‫تعرف البيروقراطية بالبناء الرسمي ‪ Formal Structure‬الذي يتصف بالتباين العالي‪،‬‬
‫ويتم تنظيمه بكفاءة باستخدام القواعد الرسمية‪ ،‬وبخبرة متميزة تقوم على التدريب ويتم‬
‫تنسيق األنشطة بينها من خالل تدرج السلطة واألوامر‪ .‬ويتصف هذا النمط الخالص من‬
‫التنظيمات الرسمية بمركزية السلطة ‪ ،Centralization of Authority‬وينهض على‬
‫النظام‪ ،‬والرشادة‪ ،‬والمعرفة المهنية‪ ،‬واألساليب الشخصية‪ ،‬وتعد البيروقراطية مفهوما‬
‫تجريديا ً ال يتحقق في واقع البناء التنظيمي بشكل كامل بمعنى أنه ال يوجد تنظيم رسمي تام‬
‫الكفاءة أو الرشادة‪.‬‬

‫وتتألف البنية الرسمية للتنظيم من شكل هرمي تمثل فئة العمال قاعدته الضخمة وتمثل قمته‬
‫اإلدارة العليا للتنظيم‪ .‬وبين القمة والقاع توجد مستويات عديدة تشكل البنية اإلشرافية التي‬
‫تعد في الوقت ذاته النسق األساسي للمكانة‪ ،‬الذي يضم عاملين بحيث أن كل من يوجد‬
‫داخل مستوى معين يشارك أقرانه مكانة وظيفية واحدة‪ .‬ويرتبط هذا البناء من قمته إلى‬
‫قاعدته بسلسلة من العالقات بين الرئيس والمرؤوس في العمل وتمثل االتصاالت الرأسية‬
‫من القمة المتجهة إلى أسفل‪ ،‬خطوط السلطة ‪ Lines of Authority‬ومن خاللها‪ ،‬توجه‬
‫اإلدارة العليا التنظيم ككل وتسيطر عليه وإلى جانب الهيراركية اإلشرافية وخطوط‬
‫السلطة‪ ،‬يوجد تقسيم رأسي للوحدات األساسية مؤلفة من جماعات تمثل وحدات فرعية‬
‫تنقسم إليها البنية التنظيمية‪ .‬وتظهر هذه الوحدات في الخريطة التنظيمية للتنظيم ولكل منها‬
‫وظيفة واسم يدل على طبيعة نشاطاتها‪ .‬مثل إدارة المشتريات‪ ،‬وإدارة اإلنتاج‪ ،‬وإدارة‬
‫الموارد البشرية‪ ،‬وإدارة الصيانة وهكذا‪.‬‬

‫أما الخريطة التنظيمية فعبارة عن هيكل يضم اإلدارات واألقسام ويحدد طرق االتصال‬
‫بينها‪ ،‬على أن يكفل التعاون عند بذل الجهود المشتركة لتحقيق أهداف التنظيم‪ .‬ومن ثم ال‬
‫نجد في الخريطة التنظيمية أفرادا بل وحدات رئيسية تأخذ مسميات متباينة لتعكس تباين‬
‫األنشطة داخل التنظيم‪ ،‬وقد تنقسم الوحدات الرئيسية إلى وحدات تابعة أصغر حجما مثل‬
‫األقسام ‪ Departments‬وكلما ازداد عدد المستويات اإلشرافية في الخريطة التنظيمية دل‬
‫ذلك على زيادة تعقيد ‪ Complexity‬البنية التنظيمية‪ .‬وتتدرج خطوط السلطة من أعلى‬
‫إلى أسفل وخالل هذا االتجاه تتشعب هذه الخطوط عند كل مستوى من مستويات السلطة‬
‫حتى تصل إلى عامل الماكينة‪ .‬أما االتجاه الرأسي العكسي أي من أسفل إلى أعلى أو من‬
‫المرؤوس إلى رؤسائهم فليست خطوط سلطة بل خطوط اتصال ‪Communication‬‬
‫‪ Lines‬لنقل المعلومات ورفع التقارير‪ ،‬والمقترحات‪ .‬ويعد االتصال ظاهرة اساسية‬
‫للتنظيم ألنها الوسيلة التي تربط بين األقسام واإلدارات وبين الرؤساء والمرؤوسين‪ .‬وأيضا ً‬
‫قد تشتمل البنية الرسمية للسلطة داخل التنظيم على بنية فرعية للسلطة أو أكثر‪ ،‬تبعا ً لدرجة‬
‫تعقيد البنية التنظيمية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫التنظيم غير الرسمي‬
‫ينشأ بصورة تلقائية حيث تتدخل عوامل كثيرة في تواجده وتفاعله مع التنظيم الرسمي في‬
‫شكل تكاملي يصف البنية االجتماعية للتنظيم‪ .‬وال تقتصر نشأة الجماعات غير الرسمية‬
‫على مستوى تنظيمي معين بل تنشا داخل المستويات التنظيمية للبنية االجتماعية للمصنع‪.‬‬
‫فمثالً على مستوى اإلدارة‪ ،‬تنشأ جماعة الرفقاء ‪ The Peer Group‬بين األفراد من‬
‫موظفي الشؤون اإلدارية أو الحسابات حيث يجمعهم مكان واحد هو المكتب ويتماثلون فيما‬
‫بينهم من حيث المنصب الوظيفي‪ ،‬ومدة الخبرة‪ ،‬والتخصص في العمل‪ ،‬ومن خالل‬
‫عالقاتهم الرسمية في العمل وتفاعلهم اليومي والعالقات المباشرة قد تكون جماعة الرفقاء‪.‬‬
‫مثال آخر‪ ،‬تنشأ جماعات عمل غير رسمية أو (شلل) في مواقع العمل داخل التنظيم بفعل‬
‫التماثل في بعض الخصائص االقتصادية واالجتماعية مثل التماثل في النوع‪ ،‬والمستوى‬
‫التعليمي‪ ،‬ومعايير ثقافية يحملها العامل معه من المجتمع الخارجي إلى موقع العمل‪.‬‬

‫وتنشأ الجماعة غير الرسمية كرد فعل طبيعي لعدم التطابق بين مصالح الفرد ومصالح‬
‫التنظيم الرسمي وأهدافه‪ .‬وألن الفرد ال يستطيع أن يحقق كل ما يصبو إليه مع حاجته‬
‫الماسة للعمل‪ ،‬يسعى الفرد إلى محاولة التكيف مع األوضاع القائمة وطبيعة العمل داخل‬
‫التنظيم في الوقت ذاته يسعي الفرد إلي أن يعوض إحساسه بعدم تحقيق أهدافه الخاصة من‬
‫خالل التفاعل مع عدد من زمالئه في العمل وتجمعهم به خصائص ثقافية وديموغرافية‬
‫معينة في شكل جماعة غير رسمية‬

‫وتتشكل الجماعات غير الرسمية على المستويين األفقي والرأسي‪ ،‬وعلى المستوى الرأسي‬
‫قد تنشأ هذه الجماعات بين موظفي اإلدارة من اإلناث‪ ،‬حيث يلعب متغير النوع دورا مؤثرا‬
‫في تشكيل هذه الجماعات‪ .‬ومن أشكال هذه الجماعات ما يوجد في فئة السكرتارية المتناثرة‬
‫عبر المستويات اإلدارية المختلفة‪ .‬فقد تنشأ جماعة غير رسمية تضم فتاتين أو أكثر من‬
‫المشتغالت بأعمال السكرتارية‪ .‬ويكون جميع أعضاء الجماعة غير الرسمية من الفتيات‪.‬‬
‫بالمثل قد تنشأ هذه الجماعة في االتجاه الرأسي بحيث تتألف عضويتها من مشرف العمال‬
‫وعدد من العمال تحت إشرافه‪ .‬بينما على المستوى األفقي تتعدد أشكال جماعات العمل‬
‫غير الرسمية عدد كل مستوى تنظيمي وقد تتباين في أهدافها وفي عدد أعضائها‪ .‬ويتراوح‬
‫عدد أعضاء الجماعة غير الرسمية من فردين أو أكثر إال إنها ال تكون كبيرة الحجم عادة‪،‬‬
‫وتتصف بالعالقات المباشرة وجها ً لوجه ‪.Face to Face relations‬‬

‫‪9‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫ويتسم التنظيم غير الرسمي بخصائص محددة هي‪:‬‬

‫القيادة ‪ Leadership‬غير الرسمية‪ :‬يمنحها أفرادها لفرد من بينهم يختارونه وهو‬


‫الذي يبادر بالتفاعل معهم‪ ،‬وتكون القيادة تلقائية وقابلة للتغيير وفق مطالب أفراد‬
‫الجماعة غير الرسمية ‪.‬‬

‫يتصف التنظيم غير الرسمي بثقافة فرعية ممثلة بالمعتقدات والمعايير والقيم كقواعد‬
‫تنظم سلوك أفراد الجماعة‪ ،‬وتحدد شروط العضوية وحدود العالقات مع المستويات‬
‫التنظيمية األخرى ومع أعضاء الجماعة ذاتها‪ .‬ويسعى أفراد الجماعة غير الرسمية‬
‫للحفاظ على الثقافة الفرعية واالعتزاز بها‪ ،‬واستخدام الوسائل التي تكفل لها الحماية ‪.‬‬

‫يتصف التنظيم غير الرسمي بأساليب للضبط وأساليب للثواب والعقاب‪ .‬فمن نماذج‬
‫أساليب الثواب‪ ،‬المدح والثناء في حالة التزام عضو الجماعة غير الرسمية بمعاييرها‬
‫وتقاليدها وعدم إفشاء أسرارها‪ .‬بينما يتخذ العقاب أشكاالً متعددة كالسخرية‪،‬‬
‫واإلهمال لكل من ال يحترم معايير الجماعة ويلتزم بها‪ .‬وقد يصل حد العقاب إلى‬
‫الضرب والتهديد والنبذ ‪.‬‬

‫يتصف التنظيم غير الرسمي بنمط من االتصاالت يختلف عنه داخل التنظيم الرسمي‬
‫من حيث الشكل واالتجاهات‪ .‬وإذا كانت االتصاالت الرسمية تستخدم وسائل متعددة‬
‫كالمكاتبات والمعلومات المنقولة بالكمبيوتر‪ ،‬والتليفون‪ ،‬واالتصال المباشر‪ ،‬فإن‬
‫االتصاالت داخل التنظيم غير الرسمي تأخذ أشكاالً خاصة كاللقاءات السرية‪ ،‬ونشر‬
‫الشائعات وأن الشخص الذي يمثل مركز االتصاالت داخل الجماعة هو صاحب‬
‫المكانة األعلى الممنوحة له من جماعته‪ .‬وتتمثل وظائف االتصال داخل التنظيم غير‬
‫الرسمي في السعي بنائه سلبا ً وإيجاباً‪ ،‬كالقرارات اإلدارية والخطط والتعليمات‬
‫الخاصة باألجور أو ساعات العمل‪ ،‬أو إدخال تقنية متطورة على العملية الصناعية‪،‬‬
‫وذلك حتى تستطيع الجماعة غير الرسمية أن تتخذ موقفا ً أو أسلوبا للتعامل مع هذه‬
‫القرارات بما ال يضر بمصالح أفراد الجماعة‪ .‬ويكون نشر المعلومة سريعا ً داخل‬
‫شبكة االتصال غير الرسمية‪ .‬ويعتبر هذا األسلوب مفيدا ً في تحقيق الترابط والتماسك‬
‫داخل التنظيم غير الرسمي‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫التنظيم االفتراضي‬

‫في بدايات القرن الواحد والعشرين‪ ،‬ظهرت ما يعرف بالتنظيمات االفتراضية ‪Virtual‬‬
‫‪ organizations‬حول العالم نتيجة للزيادة الكونية للمشروعات االقتصادية واألسواق‪.‬‬
‫ويمكن وصف هذا النوع من التنظيمات بانها مشروعات اإلدارة باألهداف‪ .‬وتتكون هذه‬
‫التنظيمات من أعضاء ينتمون إلى مناطق جغرافية مشتتة ومتباعدة حول العالم ويستخدم‬
‫هؤالء األفراد تكنولوجيا المعلومات )‪ Information Technology (IT‬واالتصاالت‬
‫والتنسيق فيما بينهم‪ ،‬ومع التقدم الهائل في تقنيات المعلومات واالتصاالت الرقمية ستزداد‬
‫أهمية دور التنظيمات االفتراضية في االقتصاد الكوني‪ .‬وليس أدل على هذا التوقع من أن‬
‫الفترة ما بين نهاية القرن العشرين ومطلع األلفية الثالثة تشهد انتشارا ً للتنظيمات‬
‫االفتراضية في مجاالت صناعة المعلومات واالتصاالت في المجتمعات المتقدمة على وجه‬
‫الخصوص وقد تكون التنظيمات االفتراضية لتحقيق أهداف مشروع ما وبعد االنتهاء منه‬
‫تتوقف شبكة االتصاالت بين الوكاالت المسئولة عن تنفيذ المشروع للعمل في مشروعات‬
‫أخرى‪.‬‬

‫وال يتم العمل داخل مكاتب فيزيقية تقليدية ‪ -‬كما هو الحال في التنظيمات البيروقراطية‬
‫وإنما يتم استخدام اإلنترنت وتقنية المعلومات وما يعرف بمحطات العمل ‪Work‬‬
‫‪ stations‬وتتسم التنظيمات االفتراضية بالخصائص اآلتية‪:‬‬

‫ـ أن تتشارك التنظيمات االفتراضية في الرؤية و الهدف و برتوكوالت التنسيق فيما بينها‪.‬‬

‫ـ أن يعتمد العمل علي فرق عمل افتراضية ‪ Virtual work teams‬إلنجاز األنشطة‬
‫بأسلوب يتصف بالشمولية والتكامل ‪.‬‬

‫ـ يتم التشغيل والتوزيع للمعلومة في الوقت المناسب عبر شبكة اإلنترنت ‪.‬‬

‫ـ قد تتنوع الشركات في المنتجات داخل شبكة العالقات‪ ،‬وكمثال شركات متخصصة في‬
‫التصميم وأخرى في التصنيع والثالثة في التسويق‪.‬‬

‫ـ تقوم العالقات البيئية للشركات عبر الشبكة اإللكترونية على االعتماد وليست االستقاللية‬
‫كما كانت عليه من قبل وأن تبنى هذه العالقات‪ ،‬الشبكية على درجة عالية من الصدق‬
‫والشفافية ‪.‬‬

‫ـ تتصف بناءات التنظيمات االفتراضية بالمرونة التي تجعلها دائما ً ولحظيا ً تستجيب‬
‫لمتطلبات السوق والفرص المتاحة ‪.‬‬

‫ـ ضرورة التعريف الواضح للعمليات وأدوار العمل‪ .‬إن تنظيمات وتتحقق من خالل‬
‫وضوح الهدف الذي يجعل المشاركون جزءا ً من الرؤية ‪. The vision‬‬

‫‪11‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫القيادة التنظيمية‬
‫تُعد القيادة التنظيمية ‪ Organizational Leadership‬عملية التأثير على اآلخرين من أجل‬
‫تنفيذ األهداف التنظيمية‪ .‬وتختلف القيادة عن اإلدارة‪ ،‬حيث إن األخيرة تشتمل على التخطيط‬
‫والتنظيم والتنسيق والضبط وفقا ً للقواعد الرسمية والقوانين واللوائح المعمول بها داخل‬
‫التنظيم‪ .‬ويمكن للمدير أن يمارس هذه الوظائف من خالل المكتب‪ .‬أما القيادة فهي عملية يتم‬
‫من خاللها التأثير على األفراد باألسلوب الذي يجعلهم ينجزون مهام التنظيم بفاعلية‪ .‬ومن ثم‬
‫ال يعمل القائد في فراغ وإنما من خالل تفاعالت مع أعضاء التنظيم ‪.‬‬

‫ويوجد نوعان أساسيان من القادة ‪:‬‬

‫)‪ (1‬قائد يركز على إنجاز المهام التنظيمية ‪ The Task Centered Leader‬مع إغفال‬
‫الجوانب اإلنسانية في تعامله مع المرؤوسين وال يهتم بآرائهم ويعرف هذا األسلوب من القيادة‬
‫باألوتوقراطي ‪. Autocratic Leadership‬‬

‫)‪ (2‬يركز األسلوب الثاني من القيادة على األفراد ‪The People Centered Leader.‬‬
‫حيث يهتم القائد بالعالقات اإلنسانية ويستمد قوته من مرؤوسيه الذين يشاركوه في اتخاذ‬
‫القرارات ويتسم أسلوبه بالمرونة‪.‬‬

‫هذان األسلوبان من القيادة يمثالن القيادة النموذجية أما واقع الممارسة الفعلية داخل البيئة‬
‫التنظيمية فتشير إلى أن القيادة تكون خليطا ً بينهما وحسب طبيعة الموقف‪ .‬في هذا الصدد أكد‬
‫بعض الباحثين أن فهم أسلوب القيادة التنظيمية يتشكل ‪ -‬وعلى حسب رؤية فرد فيدلر ‪Fred‬‬
‫‪ Fiedler‬ـ وفقا ً لـ‪ )1( :‬عالقة القائد بمرؤوسيه‪ )2( ،‬القوة الممنوحة لمنصب القائد‪.‬‬

‫أما عن مصادر القوة والنفوذ التي يتمتع بها القائد داخل التنظيم قد حددها فرينش وريفن‬
‫‪French and Raven‬في ستة مصادر هي‪:‬‬

‫‪1‬ـ القوة الشرعية ‪ Legitimate Power.‬ويقصد بها القوة المستندة على سند قانوني وهي‬
‫سلطة رسمية تستمد شرعيتها من المركز الرسمي داخل التنظيم ‪.‬‬

‫‪2‬ـ قوة المكافآت ‪ Reward Power‬ويكون مصدرها توقعات الفرد بما يتوقع حصوله على‬
‫مكافأة مادية أو معنوية نظير قيامه بمهامه على الوجه المطلوب واالمتثال ألوامر القائد ‪.‬‬

‫‪3‬ـ قوة العقاب ‪ Coercive Power‬وتكون مرتبطة بتوقعات الفرد فيما سيتعرض اله من‬
‫عقوبات عندما يقصر في تأدية واجباته أو عدم امتثاله ألوامر القائد‪.‬‬

‫‪ - 4‬قوة الخبرة ‪ ، Expert Power‬التي تستند إلى ما يمتلكه القائد من قدرات مهنية وإدارية‬
‫في مجال عمله ‪.‬‬

‫‪ - 5‬القوة المبنية على امتالك القائد للمعلومات ‪ Information Power‬وسيطرته عليها‬


‫وتعظيم االستفادة منها في اتخاذ القرارات أو في صياغة الخطط المستقبلية‪.‬‬

‫‪ - 6‬قوة اإلعجاب واالقتداء ‪ Referent Power‬وهي القوة المستندة إلى إعجاب المرؤوسين‬
‫بالقائد‪ ،‬نظرا ً لما يتمتع به من خصائص ‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫وهناك أساليب قياسية للقيادة تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫األسلوب الفردي في القيادة‪ .‬حيث يعد الفرد هو مركز اتخاذ القرار‪ .‬ويطلق على هذا النوع من‬
‫القيادة‪ :‬القيادة األتوقراطية ‪Autocratic Leadership‬‬

‫القيادة الديموقراطية ‪ Democratic Leadership‬حيث يصدر القائد أوامره على أساس‬


‫مشاركة مرؤوسيه معه في اتخاذ هذه األوامر ‪.‬‬

‫األسلوب المتساهل ‪ Loose Leadership‬في القيادة‪ .‬ويعتمد هذا األسلوب على التساهل‬
‫والتهاون وعدم الحسم‪.‬‬

‫الثقافة التنظيمية‬
‫يمكن القول إن بداية االهتمام بدراسة الثقافة التنظيمية كان في عقد الستينات من القرن‬
‫العشرين ويرجع الفضل في إثارة هذه القضية إلى إسهام عالمي االجتماع األمريكيين ترينس‬
‫ديل ‪ Terrence Deal‬واآلن كيندي ‪ Allan Kennedy‬بإصدار مؤلف يحمل عنوان ‪The‬‬
‫‪ Equivalent Corporate Culture‬في عام ‪ 1۹82‬جاء استخدام تعريف الثقافة التنظيمية‬
‫مماثالً لتعريف المناخ التنظيمي‪ Organizational Climate‬في مناقشات علماء االجتماع‬
‫منذ بداية الستينيات ولم يؤخذ مفهوم الثقافة التنظيمية بعده الحق في األدبيات اإلدارية إال في‬
‫بداية الثمانينات وذلك عندما اهتم عدد كبير من الباحثين اإلداريين بشرح هذا المفهوم وكيفية‬
‫استخدامه لمواجه المشكالت االدارية والعمل على حلها‪.‬‬

‫وفي النموذج الوظيفي يكون التعامل مع الثقافة التنظيمية بداللة محتوى القيم والمعايير‬
‫المشتركة داخل التنظيم والتنظيم وثقافته يتشكالن وبشكل مستمر بواسطة البيئة المحيطة‬
‫بهما في عملية ال تنتهي من التكيف‪.‬‬

‫ويُعرف شاين الثقافة التنظيمية بأنها نمط من الفروض األساسية التي توجدها جماعة ما أو‬
‫تنميها من خالل عملية التعلم‪ ،‬بحيث تتواءم مع مشكالتها في مجال تحقيق التكيف الخارجي‬
‫والتكامل الداخلي‪ .‬مع ضرورة تعليمها لألفراد الجدد باعتبار هذا ضرورة حيوية وأسلوبا ً‬
‫صحيحا ً في إكساب هؤالء الجدد الفكر ذاته تجاه هذه المشكالت‪.‬‬
‫كما أن الثقافة ليست السلوك المرئي على مسرح األحداث داخل التنظيم‪ ،‬الذي يسمح ألي فرد‬
‫بمالحظته‪ .‬إضافة إلى أن الثقافة ليست الفلسفة أو نسق القيم التي يشكلها أو يضعها مؤسسو‬
‫التنظيم في تشريعات بل تمتد هذه الفروض إلى ما وراء هذا كله إلى حيث القيم التي تحدد‬
‫أنماط السلوك وكل ما يمكن رؤيته وسماعه واإلحساس به ابتدا ًء من التخطيط الهندسي للتنظيم‬
‫والمكتب وتوحيد الزي‪ .‬وتعرف الثقافة التنظيمية بالقيم ‪ values‬األساسية والمعتقدات‬
‫‪ Beliefs‬التي تتبناها المنظمة التي يلتزم بها العاملون في سلوكياتهم وتوجه هذه السلوكيات‬
‫في المواقف االجتماعية المختلفة وتحكم عالقاتهم داخل المنظمة وخارجها‪ .‬لتكون بمثابة‬
‫معايير تحدد ما هو مرغوب أو غير مرغوب من السلوك وما هو صحيح وما هو خطا‬
‫وتشتمل أيضا ً على الفلسفة التي تحكم سياستها تجاه العاملين والعمالء والطريقة التي يتم بها‬
‫إنجاز المهام واالفتراضات والمعتقدات التي يتشارك في االلتفات حولها أعضاء المنظمة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫وتُعد الثقافة التنظيمية ميزة تميز المنظمة عن غيرها من المنظمات وفي الوقت ذاته تعتبر‬
‫مكملة للجوانب الرسمية والممثلة في اللوائح واإلجراءات والتعليمات وليست بديلة عنها‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فإن سلوكيات العاملين تعتبر ‪ -‬على حد قول شاين ‪ )1۹۹2( -‬انعكاسا واضحا‬
‫للثقافة التنظيمية‪ .‬ويجب المواءمة أو التنسيق بين جوهر الثقافة (القيم والمعتقدات) والقواعد‬
‫والممارسات اليومية لألنشطة بها العاملون‪.‬‬

‫وقسم شاين الثقافة التنظيمية إلى ثالثة مستويات هي‪:‬‬

‫‪- 1‬الثقافة االصطناعية‪ :‬وتكون من صنع اإلنسان وذات مكونات ثالثة ‪:‬‬

‫أ‪ -‬الثقافة الظاهرة‪ :‬وتشمل كل ما يمكن رؤيته وسماعه واإلحساس به کالزی وتخطيط‬
‫المنشأة والمكاتب ‪.‬‬

‫ب‪ -‬المنتجات المرئية وهي اللغة‪ ،‬والتقنية‪ ،‬والمنتجات‪ ،‬والحكايات‪ ،‬واألخالقيات‪،‬‬


‫والمظهر العام في اللبس‪ ،‬والمسميات الوظيفية ‪.‬‬

‫ج‪ -‬ما يسهل مالحظته‪ :‬ويصعب تحديد هذا المستوى من الثقافة؛ نظرا ألنه يتصف بالتنوع‬
‫الشديد والكم الضخم من المكونات الرمزية التي يصعب فهمها وتفسيرها ‪.‬‬

‫‪- 2‬القيم االعتناقية‪ :‬والمعبر عنها باستراتيجيات الوعي‪ ،‬واألهداف والفلسفات‪.‬‬

‫وتتأسس هذه القيم من خالل القيادة التنظيمية باعتبارها مصدرا ً أساسيا ً وأوليا ً لنقل هذه القيم‬
‫الجماعات العمل من خالل عملية التعلم‪ ،‬ومن ثم يتم اكتساب القيم األصيلة وتتحقق‬
‫المصداقية االجتماعية عندما يحرص الجميع على اكتساب هذه القيم من خالل عملية التعلم‬
‫ومحاكاتهم للقادة ‪.‬‬

‫‪ - 3‬مستوى القيم الجوهرية األساسية )‪ :(Core values‬وتشير الثقافة عند هذا المستوى‬
‫إلى ما يأتي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬ما يجب عليهم االهتمام به ‪.‬‬

‫ب‪ -‬اإللمام بمعنى األشياء المحيطة بهم ‪.‬‬

‫ج‪ -‬أن يتفاعلوا شعوريا مع المواقف المتعددة ‪.‬‬

‫د‪ -‬أن األفعال التي يؤدونها يجب أن تشبع حاجاتهم وعالقاتهم االجتماعية وأنشطتهم‬
‫بصورة مستقرة ومستمرة‬

‫‪14‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫المحاضرة الثالثة‪ :‬االتجاهات الكالسيكية في دراسة التنظيم‬
‫المقدمة‬
‫نتناول في هذه المحاضرة النظريات الكالسيكية والكالسيكية المتطورة في دراستها للتنظيم‪ ،‬مع إشارة‬
‫خاصة إلى نماذج من الدراسات الرائدة‬

‫أوالً‪ :‬المداخل الكالسيكية في دراسة التنظيم‬

‫نظرية اإلدارة العلمية في دراسة التنظيم (فردريك تيلور)‬

‫اقترنت حركة اإلدارة العلمية بفردريك تيلور (‪ )1۹11‬وتوصف بنظرية اآللة ألنها أغفلت أدمية الفرد أو‬
‫العامل اإلنساني داخل التنظيم‪ ،‬واعتبرت الفرد كاآللة من منظور اقتصادي محض يقوم على استغالل‬
‫أقصى طاقة فيزيقية لديه في العمل‪ .‬ويتحقق االستغالل األمثل لهذه الطاقة من خالل تصميم اآللة ليكون‬
‫بالكيفية التي تحقق هذا االستغالل‪ .‬لذلك اهتم تيلور وأتباعه بدراسة الوقت والحركة‪ .‬ووضع أفضل فنون‬
‫الحركة الفيزيقية لأللة ذاتها لتحقيق االستغالل األمثل للطاقة الفيزيقية من الفرد‪.‬‬

‫وتنهض نظرية اإلدارة العلمية عند تيلور على المبادئ االتية‪:‬‬

‫‪1‬ـ تجريد الفرد في موقع العمل من كل إحساس باالستقاللية ‪ Autonomy‬أو المشاركة بالرأي في‬
‫العملية اإلنتاجية‪ .‬ويتحدد أداء الواجب التنظيمي للفرد (العامل) بثالث ممارسات تعتمد على ما تلقاه من‬
‫تدريبات مسبقة على أدائها والممارسات الثالث لدور العامل هي‪( :‬أ) المتابعة الفنية لسير العمليات‬
‫اإلنتاجية بواسطة اآللة ومن خالل الجداول الخاصة بذلك‪( .‬ب) التعرف على ما ترسله اآللة من إشارات‬
‫أو عالمات أثناء تشغيل المادة الخام‪ ،‬والتصرف حيالها وفق ما تعلمه العامل وتدرب عليه‪( .‬ج) القيام‬
‫بتغذية ‪ Feedback‬اآللة قبل بدء مرحلة التشغيل األولي وعقب انتهاء كل مرحلة او عملية تشغيل ‪.‬‬

‫‪2‬ـ االمتثال الكامل من جانب العمال ألوامر اإلدارة وتعليماتها‪.‬‬

‫‪3‬ـ ربط الحوافز والمكاسب المادية التي يجنيها العامل باإلنتاج‪ ،‬وأن الفرد قد يترك العمل إذا ما تهيأت له‬
‫ظروف مادية أفضل‪ .‬ولكي يضمن التنظيم بقاءه واستمراره‪ ،‬يلزم أن يجد ‪ -‬قدر االستطاعة ‪ -‬من فرص‬
‫إقامة عالقات إنسانية في موقع العمل‪ ،‬مع االلتزام بفكرة الحتمية التقنية ‪Determinism Technological‬‬
‫كضرورة لبقاء التنظيم االجتماعي‪ .‬لذلك أوصت نظرية اإلدارة العلمية بضرورة التحكم في جوانب العالقة‬
‫االعتمادية بين الواجب التنظيمي والفرد المكلف به من خالل مقترحات خاصة بترتيبات إدارية ونظم مالية‬
‫لألجور والحوافز‪ .‬وأن يكون للتنظيم بنية فوقية تتصف بتدرج هرمی للسلطة تنهض على تصميم يحقق‬
‫التنسيق بين العناصر المسئولة عن أداء العمل مع الربط فيما بينها ومقاومة التباينات المتوقع حدوثها بين‬
‫العناصر بعضها البعض‪ ،‬ومقاومة قنوات الربط االجتماعية التي قد يحدثها األفراد فيما بينهم‪.‬‬

‫‪4‬ـ قيام التنظيم على األعمال والمهام الرسمية ويعتبر المركز ‪ Position‬داخل التنظيم الوحدة األساسية‬
‫للتنظيم ‪.‬‬

‫‪5‬ـ ضرورة أن يتكيف األفراد مع متطلبات التنظيم‪ ،‬ويتم االستغناء عن كل من لم يستطع تلبية تلك‬
‫المتطلبات ‪.‬‬

‫‪6‬ـ اختيار القيادات التنظيمية من خالل المنافسة القائمة على الجدارة واالستحقاق‪ .‬واتجاه األوامر‬
‫والتعليمات من أعلى إلى أسفل للعامل دون أن ترجع عكسياً‪ .‬وتعتبر التقارير الخاصة بإنجاز‬
‫العمل‪ ،‬الشكل األوحد لالتصال الرأسي من أسفل إلى أعلى‪.‬‬

‫‪7‬ـ التخصص وتقسيم العمل مرتبطان برفع الكفاءة اإلنتاجية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫ولكي نُجمل األسس السابقة نقول إنها تعتبر الفرد كاآللة حيث ارتبط بنظرية اإلدارة العلمية‬
‫بمصطلح "الرجل االقتصادي "‪" "Economic man‬وهو اصطالح يغفل تماما ً البُعد اإلنساني‬
‫للشخصية بينما يركز على البُعد الفيزيقي بشكل كامل‪.‬‬

‫نقد الرؤية الكالسيكية في اإلدارة‪:‬‬

‫قدم رواد المدرسة الكالسيكية في اإلدارة مقترحات عديدة هدفها تحقيق المستوي األمثل من‬
‫اإلنتاجية والكفاءة التنظيمية‪ .‬وتتمثل القضايا محور االهتمام الرئيسي في النظرية اإلدارية في‪:‬‬
‫التخصص وتقسيم العمل‪ ،‬والتدرج الهرمي للسلطة التنظيمية‪ ،‬وتفويض السلطة‪ ،‬ونطاق الضبط‪،‬‬
‫وترتيب الوحدات الفرعية التي يتألف منها التنظيم‪.‬‬

‫وتواجه النظرية الكالسيكية في اإلدارة انتقادات في جوانب كثيرة من أهمها‪:‬‬

‫تجاهل عوامل خارجية مؤثرة عند الحديث عن الكفاية واإلنتاجية مثل العمالة التنظيمية ومدى‬
‫توافرها في البيئة الخارجية‪ ،‬والقيود المفروضة من قبل تشريعات العمل واتفاقيات النقابات‬
‫العمالية ‪.‬‬

‫تتأثر التخصصية داخل أي تنظيم بالثقافة العامة للبيئة المحيطة به‪ .‬وهذا ما لم تتعرض له النظرية‬
‫اإلدارية ‪.‬‬

‫تجاهل دوافع األفراد ومشاعرهم في كل مستويات العمالة التنظيمية‪ ،‬على افتراض أن العمال‬
‫يمثلون امتدادا ً للماكينات التي يعملون عليها وأنهم مجرد أدوات ينفذون العمل المطلوب منهم وفق‬
‫تعليمات مفصلة وواضحة من قبل المستويات اإلشرافية ‪.‬‬

‫وجود نمط رسمي متدرج من السلطة يبدأ من أعلي مستوى إداري عبر مستويات إشرافية متتالية‬
‫وفي هذا تجاهل للقيادات غير الرسمية‪.‬‬

‫تنهض النظرية الكالسيكية لإلدارة على رؤية التنظيم باعتبارها نسقا ً مغلقاً‪ ،‬ومن ثم فإن اإلطار‬
‫التصوري لها يشوبه الكثير من نقاط الضعف التي تتصف بها مداخل النسق المغلق‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫ثانيًا‪ :‬المداخل الكالسيكية المتطورة والحديثة في دراسة التنظيم‬

‫ظهرت المداخل الكالسيكية المتطورة لإلدارة في دراسة التنظيم ابتداء من أواخر‬


‫الثالثينات وحتى مطلع النصف الثاني من القرن العشرين‪ ،‬من خالل االنتقادات التي‬
‫واجهت النظريات الكالسيكية‪ ،‬ونتائج الدراسات الميدانية التي دعمت تلك االنتقادات من‬
‫جانب المختصين من علماء اإلدارة بدراسة التنظيم‪ .‬فباإلضافة إلى ما أسفرت عنه نتائج‬
‫التجربة الروسية التي أشرنا إليها من فشل الحتمية التقنية كشفت نتائج دراسات هوثورن‬
‫والتي نشرت في عام ‪ 1۹3۹‬عن أهمية تأثير البُعد اإلنساني على اإلنتاجية والذي أغفلته‬
‫نظرية اإلدارة العلمية‪.‬‬

‫أيضا ً من المؤثرات المهمة في تحديد مجاالت اهتمام النظريات الكالسيكية ظهور ترجمات‬
‫ألعمال ماكس فيبر ‪ Max Weber‬حول البيروقراطية ‪ Bureaucracy‬من خالل نمطه‬
‫المثالي الذي يتناول خصائصها البنائية والسلطة التنظيمية واألدوار والمناصب الوظيفية‬
‫داخل التنظيم وأهدافه‪.‬‬

‫تأسيسا ً على ما سبق‪ ،‬يمكن القول إن المزج بين نتائج الدراسات الميدانية والتطور الذي‬
‫طرأ على الرؤية النظرية في دراسة التنظيم قد أحدث نقلة مؤثرة في الفكر اإلداري‪ .‬فبعد‬
‫أن كان اهتمام نظرية تيلور قاصرا ً على البُعد االقتصادي في موقع العمل‪ ،‬اهتمت‬
‫النظريات الكالسيكية المتطورة لإلدارة بالبُعد االقتصادي واإلنساني معا ً واالستفادة من‬
‫إسهامات كل من ماكس فيبر ونظرية تيلور في زيادة االهتمام بالبنية اإلدارية للتنظيم مع‬
‫إعطاء قدر من االهتمام بالمؤثرات البيئية على التنظيم‪ ،‬التي أغفلتها النظريات الكالسيكية‪،‬‬
‫إال أن هذا االهتمام كان محدودا ً جدا ً كما جاءت المعالجة للعالقة بين التنظيم والبيئة من‬
‫قبيل الوصيف دون التعمق أو التحليل المتأني لتلك العالقة وتتمثل النظريات الكالسيكية‬
‫المتطورة في دراسة التنظيم بإسهامات ابروزي ‪ ،)1۹52( Abruzzi‬ومينار وآخرين‪.‬‬
‫‪ ،)1۹48( Maynar et. Al‬وشو )‪Show (1952). (Lupton, 1976: 190‬‬

‫وإذا كان لنا أن نعقب على مجال اهتمامات النظريات الكالسيكية والكالسيكية المتطورة في‬
‫دراسة التنظيم‪ ،‬فنقول إنها حاولت دراسة البنية التنظيمية وعمليات التنظيم كمتغيرين‬
‫مستقلين يمكن تفسيرهما من خالل مداخل إدارية تركزت على المديرين وخبراتهم‬
‫وسلوكهم وقراراتهم‪ .‬ومن الناحية المنهجية نقول إن نمط دراسة الحالة كان األكثر شيوعا ً‬
‫والتركيز على التنظيم مع إغفال عالقته بالبيئة الخارجية واتخاذ الوضع التنظيمي كوحدة‬
‫أساسية للتحليل‪.‬‬

‫أن النظريات الكالسيكية وما اتصفت به من قصور من حيث محدودية المعالجة النظرية‬
‫للتنظيم باعتباره يعمل في بيئة إستاتيكية‪ ،‬فإن تلك النظريات أفسح مجاالً رحبا ً لمداخل‬
‫نظرية الحقة تناولت التنظيم بشكل أكثر واقعية وعمقا ً في تحليالتها ومعالجاتها‪ ،‬وهذا ما‬
‫تتصف به النظريات اإلدارية الحديثة في دراسات التنظيمات ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫يمكن تصنيف النظريات اإلدارية الحديثة في دراسة التنظيم وفق الرؤية التحليلية لعالقته‬
‫المتبادلة بالبيئة إلى مجموعتين‪.‬‬

‫تعمقت المجموعة األولى من النظريات الحديثة منذ بداية الخمسينات وأوائل الستينات‪ ،‬في‬
‫دراسة الجوانب الداخلية للتنظيم وعالقاتها بالبيئة المحيطة‪ .‬وتحديد أفضل أداة منهجية‬
‫مالئمة لدراسة هذه العالقة المتبادلة بين التنظيم والبيئة وتأثيرها على العمليات التنظيمية‪.‬‬
‫ويبرز في هذا الصدد إسهامات إميري وتريست)‪ ، Emry and Trist (1965‬دراسة دل‬
‫)‪W. R. Dill (1958‬وال تزال اهتمامات علماء اإلدارة المحدثين حول العوامل البيئية‬
‫المحتملة ذات التأثير على التنظيم وعملياته‪ ،‬قائمة إلى وقتنا الراهن‪.‬‬

‫وتتداخل زمنيا ً المجموعة الثانية مع المجموعة األولى السابقة من نظريات اإلدارة الحديثة في‬
‫دراسة التنظيمات‪ .‬فقد اهتمت نظريات المجموعة الثانية بدراسة التأثير المتغير من جانب‬
‫التنظيم على البيئة‪ ،‬حيث لعبت نتائج العديد من الدراسات اإلمبيريقية الدور الرئيس في ظهور‬
‫االتجاه التحليلي لعالقة التنظيم بالبيئة‪ .‬ومن أوائل تلك الدراسات دراسة هرش ‪Hirsh‬‬
‫(‪ )1۹7۰‬لعدد من التنظيمات الصناعية وستجلر‪ )1۹71( Stigler‬على تنظيمات حكومية‪،‬‬
‫ودراسة بتز ‪ )1۹77( Pittz‬وكشفت تلك الدراسات عن عوامل بيئية وليدة ظروف معينة أو‬
‫طارئة‪.‬‬

‫)‪ (1‬مدرسة العالقات اإلنسانية ودراسة التنظيم‪:‬‬

‫مدرسة ألتون مايو وتجارب هورثورن‪( :‬يتبع هذا المصنع شركة وسترن الكتريك ‪Western‬‬
‫‪ Electric‬في شيكاغو وتتبع الشركة بدورها لمؤسسة بل ‪ Bell‬الهاتف والتلغراف‪ .‬وتحظي تلك المؤسسة بتقدير‬
‫كبير من األمريكيين لما تقدمه من خدمات)‬

‫لم يبدأ إلتون مايو أبحاثه الميدانية في مصنع هوثورن‪ .‬بل قام بأبحاث سابقة في مصنع‬
‫نسيج في مدينة فيالديلفيا وذلك في عام ‪ .1۹23‬وكان الهدف الرئيس من إجراء األبحاث‬
‫محاولة دراسة مشكالت دوران العمل‪ ،‬وزيادة معدل تنقل العمال‪ ،‬ثم تقديم حلول مناسبة‬
‫للحد من تلك المشكالت‪ .‬وخرجت الدراسة بتوصيات مهمة تتعلق بالعمال كضرورة‬
‫االهتمام برفع روحهم المعنوية‪ ،‬وأن تتخلل ساعات العمل اليومي فترات راحة للعمال مع‬
‫وضع نظام للحوافز المالية لتشجيعهم على زيادة اإلنتاج‪ ،‬وقد أمكن التغلب على مشكالت‬
‫العمل وزيادة اإلنتاجية إثر وضع توصيات مايو موضع التنفيذ‪.‬‬

‫وتعتبر نتائج دراسة مصنع النسيج ومنهج ألتون مايو في دراسة مشكالت العمل بمثابة‬
‫انطالقة فكرية مهدت لنقد الفرضيات السائدة الخاصة ببيئة العمل‪ ،‬سواء من جانب علماء‬
‫علم النفس التطبيقي في الصناعة‪ ،‬أو من جانب اإلدارة العلمية عند تيلور‪ ،‬التي قننت آليا ً‬
‫شروط تقدير كفاية العامل وكيفية دراستها‪ ،‬بعد أن كان تقدير الكفاية وفقا ً لشروط‬
‫وحسابات معينة للوقت الضائع في العمل من جراء سوء تنظيم موقعه‪.‬‬

‫وسوء أحوال موقع العمل من حيث توزيع اإلضاءة وسوء التهوية‪ ،‬ونقص التدفئة وارتفاع‬
‫نسبة الرطوبة‪ ،‬وتأثير ذلك كله في خلق مشكالت نفسية وجسدية للعمال كانت مجاالً‬
‫لتجارب علم النفس التطبيقي في الصناعة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫أيضا ً كان لنجاح توصيات دراسة مصنع النسيج في التغلب على مشكالت العمل وزيادة‬
‫اإلنتاجية‪ ،‬فضالً عن المنهج العلمي الذي اتبعه مايو ‪ -‬كباحث أكاديمي ‪ -‬األثر األكبر في‬
‫بداية تجاربه على مصنع هوثورن عقب التجارب التي حاولت دراسة تأثير اإلضاءة‬
‫وتوزيعها في موقع العمل على إنتاجية العامل وأدائه في العمل‪.‬‬

‫أهمية تجارب هوثورن في تطوير نظرية التنظيم ‪:‬‬

‫تأتي أهمية دراسات هوثورن كمنطلق رئيسي ومصدر أساسي لمدرسة العالقات‬
‫اإلنسانية خاصة ولنظرية التنظيم عامة لالعتبارات التالية ‪:‬‬

‫ـ تعد دراسات هوثورن األولى من نوعها التي تم إجراؤها في بيئة عمل داخل التنظيمات ‪.‬‬

‫ـ يرجع إلى دراسات هوثورن الفضل في اكتشاف جماعة العمل ‪The Working‬‬
‫‪ Group‬داخل التنظيم الصناعي ‪.‬‬

‫ـ تقديم تصور جديد للمصنع كتنظيم اجتماعي‪ .‬وقد وضح ذلك من خالل ما تم نشره من‬
‫نتائج لدراسات هوثورن في مؤلفين أولهما لديسكون وروثلز برجر والثاني أللتون مايو‬
‫وقد تضمن المؤلفان نتائج تجارب هوثورن‪ ،‬والرؤية المتطورة للنظرية االجتماعية عالوة‬
‫على الرؤى الفلسفية المتنوعة ذات الصلة بالنتائج‪.‬‬

‫ـ تعد دراسات هوثورن األولى من نوعها من حيث البحث الهادف إلى تغيير الممارسات‬
‫اإلدارية القائمة‪ .‬فقد أسفرت نتائج تلك الدراسات عن وجود فجوة كبيرة بين العمال‬
‫واإلدارة وما يحدث من جراء تلك االنعزالية من مشكالت في االتصاالت الرأسية (ألعلى‬
‫وألسفل) عبر التدرج الهرمي للمستويات التنظيمية‪.‬‬

‫ـ منذ تجارب هوثورن‪ ،‬بدأ اهتمام علماء النفس في الواليات المتحدة األمريكية بدراسة‬
‫العالقات االجتماعية بين أعضاء الجماعة وبنيتها وثقافتها وحجمها فضالً عن دراسات‬
‫معنويات واحتياجات األفراد‪.‬‬

‫ويبرز في هذا الصدد إسهامات مدرسة علم النفس الكالسيكية المتطورة فيما قدمته من‬
‫تجارب ودراسات حول الفعل وما يرتبط به من مفهومات الدقة في تطبيق المنهج اإلجرائي‬
‫عند إجراء التجارب النفسية‪ .‬ويرى بعض الباحثين أن مدرسة علم النفس التنظيمي تمثل‬
‫في جوهرها متطورة للعالقات اإلنسانية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫نقد مدرسة العالقات اإلنسانية‪:‬‬

‫‪ - 1‬لم تشير إسهامات مدرسة العالقات اإلنسانية إلى وجود صراع مصالح حقيقي بين األفراد‬
‫وصاحب العمل‪ .‬ومن ثم فإن ما قدمته تلك المدرسة من عالج لمشكالت التنظيم لم يكن بالقدر‬
‫الشامل للمشتغلين باإلدارة ‪.‬‬

‫‪ - 2‬ان االنطالقات األساسية لمدرسة العالقات اإلنسانية ممثلة بإسهامات مايو ومساعديه قد‬
‫اهتمت ببعض جوانب قضية حاجة الفرد لالنتماء‪ ،‬بينما أغفلت باقي الجوانب المهمة التي‬
‫تعتبر دعائم لبنية الدوافع‬

‫‪ -3‬انصب اهتمام مدرسة العالقات اإلنسانية على دراسة العنصر اإلنساني في العمل وأغفلت‬
‫الجانب الرسمي للتنظيم‪.‬‬

‫‪ - 4‬رغم إجراء الكثير من دراسات العالقات اإلنسانية على الجماعات غير الرسمية فال توجد‬
‫سوى دراسات محدودة حاولت اإلجابة على تساؤل عن مدى عمومية أو انتشار هذه‬
‫الجماعات وأهميتها الحقيقية‪ .‬وجدير بنا التنويه إلى أن هذا القصور بدأ في االنحسار خالل‬
‫فترة الثمانينات وبخاصة من جانب علماء اإلدارة واالجتماع‪ ،‬نتيجة إلجراء مزيد من‬
‫الدراسات حول أشكال متنوعة من الجماعات الرسمية وغير الرسمية داخل التنظيم الرسمي‬
‫ومن خارجه ‪.‬‬

‫‪ -5‬التحيز الواضح من جانب علماء النفس االجتماعيين لدراسة الجوانب النفسية االجتماعية‬
‫دون توفر أدوات بحثية لدراسة التنظيم ككل‪ ،‬ومن ثم ال تتصف إسهامات هؤالء بالتكاملية‬
‫التي تحقق نظرية عامة اجتماعية نفسية في دراسة التنظيم وينتقد علماء الصراع مدرسة‬
‫العالقات اإلنسانية من حيث رؤيتها للتنظيم كبيئة تتصف بالسالم والتناغم الداخلي بين مكوناته‬
‫إذا ما تحقق للجماعات غير الرسمية اإلحساس باالنتمائية‬

‫)‪ (2‬ماكس فيبر والنمط المثالي للبيروقراطية‪:‬‬

‫وتكمن أهمية أعمال فيبر في تجاوزها لألساليب التي كانت متبعة في دراسة البيروقراطية وما‬
‫يرتبط بها من تعريفات‪ .‬إذ أضاف فيبر إليها بُعدا ً سوسيولوجيا ً مهماً‪ ،‬فضالً عن تجاوزه‬
‫ألسلوب الوثائق وارتباط البيروقراطية بالخدمات المدنية‪ ،‬إذ استخدم فيبر أسلوبا ً آخر يقوم‬
‫على المسح التاريخي للبيروقراطية عبر العصور الوسطى والحديثة‪ .‬وأسفر االستقراء‬
‫التاريخي المعتمد على المقارنة عن دالالت أشارت إلى توجه المجتمعات الحديثة نحو اكتساب‬
‫الخصائص البيروقراطية ‪ .Bureaucratization‬كما مكن هذا األسلوب ماكس فيبر أن‬
‫يصوغ نموذجا ً وظيفيا ً ‪ A Functional model‬يقوم على قاعدة ثنائية االرتكاز‪ :‬الرشادة‬
‫والقانون‪ ،Legal Rational base‬ويربط في الوقت ذاته بين الخصائص البنائية والكفاءة‬
‫‪ .Efficiency‬ويمكن تصنيف المداخل البنائية المنطلقة من نمط ماكس فيبر إلى مجموعتين‪:‬‬

‫‪- 1‬مداخل ودراسات امبيريقية تهتم بالتنظيم من الجانب الرسمي‬

‫‪- 2‬مداخل ودراسات امبيريقية ترك اهتمامها على النمط المثالي للبيروقراطية‬

‫‪20‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫وفهم هذا النموذج يجب أن يكون ضمن تفسيرات فيبر للقوة ‪ ، Power‬والسيادة‬
‫‪ ،Dominance‬ويقترن هذا النموذج باسم ماكس فيبر ويعرف بالنمط المثالي‬
‫للبيروقراطية ‪. Ideal type of bureaucracy‬‬

‫ينطلق النمط المثالي للبيروقراطية عند فيبر من مفهومي السلطة والشرعية ويصنف فيبر‬
‫السلطة إلى أنماط ثالثة أساسية يستند كل منها على أسس معينة للشرعية‪ ،‬وذلك على النحو‬
‫التالي ‪:‬‬

‫‪1‬ـ السلطة الملهمة ‪ ، Charismatic Authority‬ويستمد هذ النمط شرعيته من‬


‫الخصائص غير العادية التي يتصف بها القائد أو الحاكم‪ ،‬ويطيع األفراد أوامر القائد الملهم‬
‫العتقادهم وإيمانهم به نظرا ً لتميزه عنهم بهذه الخصائص‪.‬‬

‫‪2‬ـ السلطة التقليدية ‪ ، Traditional Authority‬وتستمد شرعيتها من قدسية العادات‬


‫والتقاليد‪ ،‬ويرث القائد مكانته‪ ،‬ويبدي األفراد والتابعين والءهم له وحقه في ممارسته‬
‫للسلطة عليهم ‪.‬‬

‫‪3‬ـ السلطة القانونية ‪ ، legal Authority‬وتستمد شرعيتها من القواعد والقوانين‬


‫الموضوعية ‪.‬‬

‫ويرى اميتاي إتزيونی ‪ A. Etzioni‬صعوبة وضع حدود فاصلة بين األنماط الثالثة في‬
‫الممارسة الفعلية للسلطة‪ ،‬كما توجد بعض أشكال من التنظيمات شبه تقليدية أو شبه‬
‫بيروقراطية تتواجد فيها هذه األنماط مجتمعة‪ ،‬كما هو الحال في مصر الفرعونية‬
‫وإمبراطورية الصين‪ .‬في الوقت ذاته يضيف إتزيوني أن أي شكل بيروقراطي يكون‬
‫عرضه للتحول من نمط بيروقراطي للسلطة إلى نمط كاريزمی‪ ،‬كتنظيمات الجيش التي‬
‫تتسم بالبيروقراطية وقت السلم‪ ،‬بينما تتسم أثناء الحرب بخصائص قائدها ومدى تحكمه‬
‫وسيطرته على أفراده‪ ،‬وقد تنخفض درجة البيروقراطية أو تتالشي‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫المحاضرة الرابعة‪ :‬تابع االتجاهات الكالسيكية في دراسة التنظيم‬

‫االختبار االمبيريقي للنمط المثالي للبيروقراطية‬

‫‪ - 1‬دراسة ستانلي أودي )‪:(1959‬‬

‫من خالل ما أثاره ألفن جولدنر من تساؤالت حول مدى صالحية األخذ بعمومية‬
‫تطبيق النمط المثالي‪ .‬أشار إلى عدم األخذ بذلك‪ ،‬وأنه ليس شرطا ً أن تتوفر جميع‬
‫خصائص هذا النمط في كل بنية تنظيمية‪ ،‬وإن النمط المثالي بمقياس يتألف من عدة‬
‫عناصر‪.‬‬

‫وضمن هذا اإلطار وفي محاولة علمية جادة قام ستانلي أودی (‪ )1۹5۹‬بدراسة‬
‫أجراها على عدد كبير من التنظيمات الرسمية في ‪ 15۰‬مجتمع غير صناعي‪ ،‬في‬
‫محاولة لالختبار اإلمبيريقي لمفهوم البيروقراطية‪ ،‬كما تعكسها األبعاد التي يتضمنها‬
‫نمط فيبر‪ ،‬واستخدم أودي سبع خصائص للبيروقراطية قسمها إلى عناصر‬
‫بيروقراطية ‪ ، Bureaucratic‬وأخرى رشيدة ‪ ، Rational‬وقام بدراسة‬
‫االرتباطات بينها‪ .‬ثم درس كل خاصية من الخصائص السبع من منظور ثنائية‬
‫الظهور أو االختفاء بين تنظيم وآخر‪.‬‬

‫وتوصل أودي من تحليل نتائج دراسته إلى عدم االتفاق في تواجد تلك الخصائص‬
‫بشكل ثابت في مختلف األشكال التنظيمية‪ .‬واتفق مع ما أشار إليه جولدنر من‬
‫افتراض وجود البيروقراطية على متصل مع افتراض ظهور بعض أبعادها األساسية‬
‫واختفاء البعض اآلخر من تنظيم آلخر‪ .‬وأن ينظر إلى البيروقراطية كشكل تنظيمي‬
‫يتصف بعدد من األبعاد‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫‪ - 2‬دراسة ريتشارد هال (‪)1۹۹۳‬‬

‫إن االتجاه التحليلي المتميز ألودي في محاولة دراسة الخصائص البيروقراطية كأبعاد يمكن‬
‫قياسها كان موضع اهتمام كبير لدى عالم االجتماع األمريكي ريتشارد هال الذي طور هذه الرؤية‬
‫في محاولة التقييم اإلمبيريقي لنمط فيبر‪ .‬واستخلص مقياسا ً يعتمد على العالقات االرتباطية بين‬
‫الخصائص البيروقراطية كأبعاد يمكن قياس مدى ارتباطها من عدمه من خالل استخدام‬
‫المعامالت اإلحصائية‪.‬‬

‫الهدف العام للدراسة‪:‬‬

‫تهدف دراسة هال إلى اختبار خصائص النمط المثالي للبيروقراطية وأبعاد التنظيم التي تعد أبعادا‬
‫بيروقراطية من خالل قياس الدرجة التي توجد عليها داخل تنظيمات متباينة بالواليات المتحدة‬
‫األمريكية ولتحقيق هذا الهدف‪ ،‬اختار هال ست خصائص شائعة داخل التنظيمات منها خمس‬
‫خصائص بيروقراطية وخاصية واحدة رشيدة هي المؤهالت الفنية‪ ،‬وهذه األبعاد هي ‪:‬‬

‫تقسيم العمل القائم على التخصص الوظيفي‪.‬‬

‫تدرج محدد للسلطة ‪.‬‬

‫نسق القواعد الذي يغطي مجال الحقوق والواجبات للشاغلين للمناصب الرسمية‪.‬‬

‫نسق األساليب التي تتعامل مع أوضاع العمل‪.‬‬

‫العالقات بين األفراد تتسم بأنها عالقات غير شخصية‪.‬‬

‫الترقي واختيار العمالة المعتمدان على الجدارة الفنية ‪.‬‬

‫تتمثل أهمية دراسة هال في محاولته قياس درجة البيروقراطية للتنظيمات من خالل تصميم‬
‫مقياس فرعي لكل خاصية من الخصائص الست‪ .‬ويتضمن كل مقياس فرعي لألبعاد‬
‫البيروقراطية عشرة بنود‪ ،‬بينما يحتوي المقياس السادس على اثنى عشر بندا ً لقياس البُعد الرشيد‪.‬‬
‫ولقياس الخصائص الفعلية للبنية التنظيمية بدقة كبيرة في عالقتها باألبعاد البيروقراطية‪ ،‬قامت‬
‫الدراسة على فرضية أساسية مفادها أن البيروقراطية عادة ما تتواجد بدرجات متفاوتة بالنظر إلى‬
‫كل بُعد من األبعاد الستة في المقياس على حده‪ ،‬وأن التنظيمات التي تتصف بدرجة عالية في أي‬
‫بُعد ليس ضروريا ً أن يكون هذا حالها عند بعد آخر من أبعاد المقياس‪ .‬وتم تصميم مقياس درجة‬
‫البيروقراطية على أساس اختيار المبحوث إلحدى اإلجابات المناسبة على مقياس ليكرت‬
‫‪.Likert Scale‬‬

‫مجال الدراسة‪ :‬تم اختيار عينة عمدية تضم عشرة تنظيمات متباينة فيما بينها من حيث الحجم‪،‬‬
‫والهدف‪ ،‬وال ِقدم‪ /‬الحداثة‪ ،‬وذلك لدراسة مدى تأثير تلك التباينات في درجة البيروقراطية وتباينها‬
‫من تنظيم آلخر‪ .‬وتراوح الحجم التنظيمي داخل عينة الدراسة من ‪ 65‬إلى ‪ 3۰۹6‬مشتغل‪ .‬كما‬
‫تراوحت درجة حداثة أو قِدم التنظيمات من أربع سنوات إلى ‪ 36‬سنة من الممارسة التنظيمية‬
‫المستمرة‪ .‬فيما يختص بالعينة البحثية‪ ،‬تم اختيار األفراد بطريقة عشوائية من العاملين داخل‬
‫التنظيمات‪ .‬وضمت العينة من اإلدارة والعمال‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫روزابيث كانتر ومدخل دراسة القوة ‪ -‬الفرصة ‪:‬‬

‫يركز المدخل البنائي عند كانتر على بنية التنظيم بوصفه نسقا ً كلياً‪ .‬فالتنظيمات‬
‫المركبة بخصائصها المختلفة تشكل بوضوح مختلف جوانب حياة العمل لألفراد‪.‬‬
‫ومن ثم كان تركيز هذا المدخل على فحص وتفهم البيئة التنظيمية‪ ،‬التي تعتبر أكثر‬
‫تعقيدا ً فيما تختص ببناءات القوة الفرص المتاحة‪ ،‬ويقوم هذا المدخل على خمس‬
‫فرضيات أساسية هي ‪:‬‬

‫أن يفهم العمل في ضوء األنساق التنظيمية التي تتضمن عمليات تقسيم العمل‬
‫بأنماطها الحديثة‪ .‬وأن تفهم التنظيمات من خالل دراسة كيفية قيام األفراد باستثمار‬
‫خبراتهم في إدارة شئون أعمالهم داخل هذه التنظيمات‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن دراسة وتحليل‬
‫العمل وحده ال يكفي دون األخذ في االعتبار تفهم إستراتيجية توزيع التنظيم للفرص‬
‫والقوة عبر التدرج الهرمي للسلطة التنظيمية ‪.‬‬

‫يعكس السلوك التنظيمي ما يحمله األفراد من مشاعر وما يمكن أن يتصفوا به من‬
‫مكانة في مواقع العمل‪ .‬ففي داخل النسق الرسمي للتنظيم يحظى بعض األفراد بمكانة‬
‫رفيعة تخولها لهم األعمال المتميزة التي تسند إليهم إدارتها ويكونوا ضمن بناءات‬
‫القوة‪ .‬ومثل هؤالء األفراد يتمتعون بنوع من االستقالل الذاتي المتكيف غير مقيد‬
‫بضوابط رشيدة مثل المفروضة على المرؤوسين‪.‬‬

‫إن البناءات التنظيمية ال تمتلك قدرة التحكم في سلوك األفراد بمقدار قدرتها على‬
‫تحديد االختيارات المسموح بها رسميا لمواجهة متطلبات التنظيم‪.‬‬

‫يتصل السلوك التنظيمي مباشرة بالواجبات الرسمية ضمن عملية تقسيم العمل‬
‫التنظيمي‪ .‬وكما يذكر ولبرت مور ‪ W. Moore‬فإن بيئة العمل التي يتعرض لها‬
‫الفرد تعتبر من أفضل المؤشرات المحدودة لسلوكه ذكرا ً كان أم أنثى‪ .‬كذلك فإن‬
‫العمل الرسمي وتدرج السلطة التنظيمية يعتمدان على عملية توازن القوة في‬
‫العالقات بينهما‪.‬‬

‫إن افتراض العالقة بين الواجب‪ /‬الوظيفة الرسمية‪ ،‬والوضع الرسمي واالستجابات‬
‫السلوكية‪ ،‬قد يقود إلى االهتمام بالكفاءات‪ .‬وأن ارتباط الفرصة بالكفاءة يعكس عدم‬
‫التساوي بين الوظائف المختلفة داخل التنظيم‪ .‬بمعنى آخر أن الفرصة ال تكون متاحة‬
‫لكل الوظائف بالتساوي‪.‬‬

‫يتضح من الفرضيات الخمس التي قام عليها المدخل البنائي عند كانتر أنها تركزت‬
‫على بعض الخصائص البنائية التي تؤثر على سلوك ودوافع األفراد داخل البنية‬
‫التنظيمية‪ ،‬وتضمن هذا المدخل ثالث خصائص أساسية هي بناء الفرصة‪ ،‬القوة‪،‬‬
‫والنسبة النوعية للعمالة التنظيمية على أساس تباين النوع (ذكورا ً وإناثاً)‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫لطيفه الراجح‬
‫وفيما يلي يمكن أن نحدد القضايا الرئيسية التي ناقشها المدخل البنائي عند كانتر من‬
‫خالل دراستها للمتغيرات الثالثة التي ذكرناها وكيف أنها تفسر أوضاع المرأة‬
‫والرجل داخل التنظيمات الرسمية ‪:‬‬

‫‪ -1‬يتحدد المدى المتاح للفرص أمام الفرد داخل التنظيم بعوامل بنائية مثل معدالت‬
‫الحراك التي تفرزها وظائف معينة‪ ،‬وسيرة الحياة التنظيمية‪ ،‬والتعاقب في المراكز‬
‫التنظيمية المختلفة‪ ،‬والمهارات‪ ،‬واالستعداد للتحدي والمنافسة‪ ،‬والحوافز المادية‬
‫والمعنوية‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد أظهرت دراسة كانتر أن المرأة تفوق الرجل في شغلها للوظائف‬
‫محدودة الفرص‪ .‬ومن ثم تواجه المرأة صعوبات في الحراك داخل التنظيم بغية‬
‫الوصول إلى المناصب اإلدارية العليا‪ .‬ويرجع سبب االنخفاض النسبي لطموحات‬
‫المرأة بالنسبة لنظائرها من الرجال إلى اشتغالها بالوظائف قليلة الحراك التي ال‬
‫تخول لها السلطة والسيطرة والمكانة الوظيفية المرموقة‪.‬‬

‫‪ -2‬لما كان للقوة تعريفات عدة في أدبيات علم االجتماع‪ ،‬وأن التنظيمات المركبة‬
‫بناءات للقوة والفرصة معاً‪ ،‬فقد استخدمت كانتر مفهوم القوة الذي يعني االستعداد‬
‫والقدرة على إنجاز األفعال والواجبات وتحريك المصادر والحصول على ما يلزم‬
‫الفرد بما يحقق إنجاز األهداف‪ .‬وركزت على تناولها لمفهوم القوة من منظور التنظيم‬
‫ككل أكثر من كونها قوة على مستوى األفراد‪ .‬واهتمت بالفرصة التي يتيحها العمل‬
‫لألنشطة المتميزة‪ .‬ومن هذا المفهوم صنفت كانتر الوظائف إلى مجموعتين‪ :‬األولى‬
‫تضم الوظائف عديمة القوة ‪ Powerlessness‬أي التي ال تحقق لشاغلها قوة‬
‫تنظيمية‪ .‬وال يقدم هذا الصنف من الوظائف سوى فرص قليلة للحراك الوظيفي‪.‬‬
‫وتضم المجموعة الثانية الوظائف التي تضفي القوة على شاغلها‪ .‬وتتصف تلك‬
‫الوظائف بالفرص العديدة للترقي والحراك‪.‬‬

‫‪ -3‬رغم ازدياد أعداد النساء المشتغالت في التنظيمات المركبة أي كبيرة الحجم إال‬
‫أن نسبتهن تعد منخفضة جدا ً في المستويات اإلدارية العليا‪ ،‬إذا ما قورنت سواء‬
‫بنسبتهن في العمالة الكلية أو بنسبة الرجال في المستويات اإلدارية‪ .‬ويرجع هذا‬
‫االنخفاض ‪ -‬في تفسيرات المدخل البنائی ‪ -‬إلى القيود التنظيمية المحددة للسلوك‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫لطيفه الراجح‬

You might also like