You are on page 1of 11

‫(‪ 2‬ماستر تنظيم وعمل )‬ ‫محاضرات الحراك المهني واالجتماعي في الجزائر‬

‫‪ ‬الحراك المهني واالجتماعي في الجزائر‪:‬‬

‫إف البحث في موضوع الحراؾ الميني واالجتماعي في الجزائر‪ ،‬ال يمكف تناولو بشكؿ واضح دوف‬

‫إدراجو ضمف السياؽ العاـ لممراحؿ التي مر بيا االقتصاد الوطني ‪ ،‬فمقد عاشت الجزائر ظاىرة الحراؾ‬
‫االجتماعي والميني في ظؿ ظروؼ اقتصادية واجتماعية وديمغرافية صاحبت واقع المؤسسة االقتصادية‬
‫مف مرحمة إلى أخرى وما ترتب عنيا مف مظاىر تارة سمبية وايجابية تارة أخرى‪ ،‬لذلؾ يمكف القوؿ أف ىذه‬
‫الظاىرة ارتبطت أساسا بظاىرتي النمو االقتصادي والنمو الديمغرافي‪ ،‬إذ نعتقد أنو كمما كاف النمو‬
‫االقتصادي مرتفعا والنمو الديموغرافي منخفضا زادت احتماالت الحراؾ الصاعد وأنو كمما كاف النمو‬
‫االقتصادي منخفضا والنمو الديموغرافي مرتفعا زادت احتماالت الحراؾ النازؿ وىكذا ‪.‬‬

‫‪ /1‬الحراك المهني واالجتماعي خالل فترة االحتالل الفرنسي‪:‬‬

‫أ‪ -‬قبيل االحتالل‪:‬‬

‫كما أشرنا سالفا بأنو ال يمكننا تحميؿ ظاىرة الحراؾ الميني واالجتماعي بعيدا عف ظاىرة التنمية‬
‫االقتصادية لممجتمع‪ ،‬وبالتالي ما يمكف قولو بصفة مختصرة حوؿ حالة الجزائر االقتصادية قبؿ االستقالؿ‬
‫ىو أنيا امتداد لسياسة تنموية استعمارية‪ ،‬تحاوؿ مف جية تحويؿ نظرة الشعب الجزائري عف الكفاح بتوفير‬
‫الحاجيات األساسية‪ ،‬ومف جية أخرى دعـ االقتصاد الفرنسي مف ثروات الجزائر الكبيرة الباطنية‬
‫والخارجية‪ ،‬فكؿ االستثمارات كانت تيدؼ إلى تكريس االستعمار‪ ،‬وقد كاف اليدؼ مف وراء ذلؾ تعزيز‬
‫اندماج الجزائر في السوؽ العالمية عف طريؽ االستعمار الكولونيالي‪.‬‬

‫فقد تميز المجتمع الجزائري قبؿ مرحمة االحتالؿ الفرنسي بوجود بنية اجتماعية متميزة ‪ ،‬ذلؾ أف‬
‫الجزائر كانت تتصؼ بأنيا بمد زراعي‪ ،‬إذ كاف اقتصادىا يستند إلى نشاطيف أساسييف ىما ‪ :‬زراعة‬
‫الحبوب وتربية الماشية فقد كاف النشاطاف متشابكيف يدعـ الواحد منيما اآلخر في أغمب المناطؽ‪ ،‬وكانت‬
‫نسبة ىذيف النشاطيف تتغير تبعا لالتجاه شماال أو جنوبا لمبالد‪ ،‬وعميو فقد اتسـ المجتمع الجزائري في ىذه‬
‫المرحمة بمظاىر النمو االقتصادي ‪ ،‬خاصة في قطاع الزراعة حيث كانت الجزائر تعد مف بيف البمداف‬
‫الرائدة في تصدير القمح ألوروبا مما جعميا تقدـ قروضا ومساعدات لفرنسا لذلؾ كاف الواقع االجتماعي‬

‫‪1‬‬
‫أثناء المرحمة ما قبؿ االحتالؿ الفرنسي يتسـ بازدواج نمط الحياة الحضري والبدوي ‪ ،‬غير أف الحياة‬
‫الريفية ىي الغالبة بحيث أف البمد ريفي مع وجود دائـ لتجمعات سكنية مدينية‪.‬‬
‫لذلؾ فإف الحراؾ الميني واالجتماعي في ىذه الفترة ارتبط بالمكانة االجتماعية أكثر منيا بالمينية وفؽ‬
‫النموذج القبمي السائد آنذاؾ‪ ،‬المبني أساسا عمى الممكية الجماعية لألراضي الزراعية مف خالؿ رفع شعار‬
‫الجد المشترؾ ونشر فكرة القرابة االجتماعية لتعزيز األيديولوجية األبوية وعدـ جواز تقسيـ أرض الجماعة‬
‫القبمية النابع مف إرادة المجموعة في التكيؼ مع المعطيات الطبيعية‪ ،‬كؿ ذلؾ يثبت وجود اجتماعي يتسـ‬
‫بنوع مف الثبات يجعؿ مف الحراؾ االجتماعي والميني يتسـ أيضا بنوع مف الثبات والرتابة‪ ،‬ىذا إلى جانب‬
‫بعض الصناعات الحرفية البسيطة المرتبطة باإلنتاج الزراعي‪ ،‬حيث سادت عالقات إنتاج منسجمة‬
‫تعاونية (غير استغاللية) رغـ تنوع الممكية‪ ،‬أي عموما يمكف القوؿ أنو اقتصاد متطور يتصؼ باالنسجاـ‬
‫و التكامؿ بيف القطاعات و ال توجد فجوة بيف االستيالؾ و اإلنتاج‪.‬‬
‫ومع بداية االحتالؿ الفرنسي عمؿ عمى تحطيـ ىذه البنى االجتماعية‪ ،‬فقد أدت الرغبة في خمؽ‬
‫مستعمرة استيطانية مف منطقة مأىولة فعال بالسكاف إلى سياسة طرد السكاف المحمييف مف أفضؿ‬
‫األراضي الصالحة لمزراعة‪ ،‬وال شؾ أف ىذه العممية أدت إلى تغيرات جوىرية تتعمؽ بنظاـ الممكية‪،‬‬
‫والنظاـ المؤسساتي الذي كاف سائدا‪ ،‬حيث تغيرت عالقة األفراد بممكية األراضي‪ ،‬وانيارت بعض‬
‫المؤسسات القبمية كالزوايا بوصفيا مؤسسة خيرية‪ ،‬مما يعتبر حراكا مينيا واجتماعيا نازال حيث أدى ىذا‬
‫الحراؾ إلى التحوؿ القسري لممكية وسائؿ اإلنتاج والمكانة االجتماعية ألفراد المجتمع الجزائري‪ ،‬حيث‬
‫وتدريجيا أصبح الفالح الجزائري الذي كاف في وقت مف األوقات يممؾ أرضا تمنحو مينة ومكانة‬
‫اجتماعية داخؿ المجتمع‪ ،‬إلى مجرد خماس أو عامال يوميا في ىيئة عبيد عند المعمر‪ ،‬أما أولئؾ الذيف‬
‫كانوا عاجزيف عف التكيؼ مع وضعيـ المادي الجديد نزحوا إلى مناطؽ نائية داخؿ البالد‪ ،‬فمقد كاف ليذه‬
‫اإلجراءات األثر الكبير في التغيير الجذري في بنية الممكية ومف ثـ في التنظيـ االجتماعي لمقبائؿ‬
‫الجزائرية ككؿ‪ ،‬إذ أف عممية التشتيت ىذه اكتممت بواسطة اإلجراءات اإلدارية والقانونية التي جردت الفرد‬
‫الجزائري مف ما يرمز إلى عزتو وكرامتو مما يعتبر حراكا تقيقريا بكؿ معنى الكممة‪.‬‬
‫ب‪ -‬أثناء االحتالل‪:‬‬
‫لقد ترتب عف االحتالؿ الفرنسي في الجزائر خالؿ الفترة (‪ )0851-0721‬تشوىات كبيرة في ىيكؿ‬
‫االقتصاد الجزائري لما قبؿ االحتالؿ‪ ،‬حيث عمؿ االستعمار عمى خمؽ قطاع اقتصادي مزدوج‪ ،‬األوؿ‬
‫قطاع عصري أوروبي متطور يستعمؿ وسائؿ إنتاج متطورة ويستغؿ أجود األراضي وتميز بالتوجو نحو‬

‫‪2‬‬
‫منتجات زراعية صناعية كالحمضيات والكروـ لتصدير الخمور‪ ،‬والثاني قطاع تقميدي ريفي جزائري يغمب‬
‫عميو الطابع الزراعي يستعمؿ وسائؿ إنتاج بدائية ويستغؿ األراضي غير الخصبة عمى سفوح الجباؿ‬
‫والودياف‪ ،‬وقد لعبت الصادرات الزراعية وخاصة تصدير الخمور دو ار أساسيا في نمو االقتصاد‬
‫االستعماري لمج ازئػر‪ ،‬وىذا ما دفع السمطات االستعمارية إلى تركيز وتثبيت ممكية األراضي الزراعية أكثر‬
‫في يد المعمريف خاصة منذ ‪ 0811‬مما أدى إلى أثر انكماشي في توزيع الدخؿ عمى الفرد الجزائري‪ ،‬مما‬
‫زاد في ارتفاع نسب الحراؾ النازؿ مف جية والحراؾ الديموغرافي مف جية أخرى مف خالؿ النزوح الريفي‬
‫بحثا عف لقمة العيش‪ ،‬نتيجة تحويؿ الفائض المنتج في الريؼ الجزائري خارج الج ازئ ػ ػػر مما أدى إلى‬
‫تخمؼ الريؼ وارتفاع نسب البطالة‪ ،‬حيث تقوؿ التقارير آنذاؾ أنو مثال في الفترة ما بيف (‪)0843-0821‬‬
‫ارتفع عدد سكاف المدف مف ‪ 411.111‬ساكف سنة ‪ 0821‬إلى ‪ 1‬مميوف ساكف سنة ‪ ،0851‬ىذا الحراؾ‬
‫الميني واالجتماعي أدى إلى اختالؿ التوازف بيف المدف واألرياؼ والى التبايف في توزيع الدخوؿ كما أف‬
‫أغمب ىؤالء النازحيف كانوا يقطنوف البيوت القصديرية واألكواخ مما يعتبر حراكا تقيريا في المكانة‬
‫االجتماعية‪ ،‬والذي أدى بدوره إلى تفكؾ العالقات االقتصادية (المينية) واالجتماعية لممجتمع الجزائري‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫(‪ 2‬ماستر تنظيم وعمل )‬ ‫محاضرات الحراك المهني واالجتماعي في الجزائر‬

‫‪ /2‬الحراك المهني واالجتماعي بعد االستقالل‪:‬‬

‫كما سبؽ وأف أشرنا أف الحراؾ الميني واالجتماعي يرتبط أساسا بظاىرتي النمو االقتصادي والنمو‬
‫الديمغرافي ‪ ،‬فكمما كاف النمو االقتصادي مرتفعا والنمو الديموغرافي منخفضا زادت احتماالت الحراؾ‬
‫الصاعد واألفقي‪ ،‬وأنو كمما كاف النمو االقتصادي منخفضا والنمو الديموغرافي مرتفعا زادت احتماالت‬
‫الحراؾ النازؿ‪ ،‬فإنو يمكف القوؿ أف الجزائر بعد االستقالؿ قد شيدت الحالتيف المتناقضتيف معا‪ ،‬حيث‬
‫شيدت الفترة الممتدة مف االستقالؿ إلى غاية منتصؼ الثمانينيات حالة النمو االقتصادي متزايد والنمو‬
‫الديموغرافي البطيئ نوعا ما (مرحمة التسيير االشتراكي)‪ ،‬ثـ شيدت الفترة مف متصؼ الثمانينيات حتى‬
‫بداية األلفية الحالية حالة انكماش النمو االقتصادي وتزايد النمو الديموغرافي (استقاللية المؤسسات‬
‫واقتصاد السوؽ) ‪ ،‬لتشيد الفترة الالحقة مف األلفية الحالية نوعا مف االنتعاش االقتصادي الناتج عف ارتفاع‬
‫سعر البتروؿ ونموا الديموغرافيا اتسـ بالثبات نوعا ما (اإلنعاش االقتصادي)‪.‬‬

‫أ‪ -‬الحراك المهني واالجتماعي خالل مرحمة التسيير االشتراكي‪:‬‬

‫لقد ساىمت الوضعية االقتصادية واالجتماعية العسيرة والخانقة والتبعية شبو الكمية لالقتصاد الفرنسي‬
‫التي خمفيا االحتالؿ الفرنسي مثمما ذكرنا سالفا‪ ،‬في عجز شبو تاـ لمدولة الجزائرية المستقمة‪ ،‬حيث خمؼ‬
‫االحتالؿ دما ار كبي ار في البنى التحتية نتيجة حرب التحرير‪ ،‬باإلضافة إلى أكثر مف تسعيف مف المائة مف‬
‫البطاليف‪ ،‬ومثمو مف اليد العاممة غير المؤىمة‪ ،‬وكذا المشرديف والالجئيف واأليتاـ وىذا سياسة االستيطانية‬
‫لمدة ‪021‬سنة كاممة‪ ،‬أماـ ىذا الواقع كاف عمى الحكومة الجزائرية المستقمة الدخوؿ في ما سمي أنذلؾ‬
‫بمرحمة البناء والتشييد إلعادة اإلعمار‪ ،‬وكاف اليدؼ منيا محو اآلثار التي خمفيا االحتالؿ مف خالؿ‬
‫انتياج سياسة المخططات التنموية مع األخذ بعيف االعتبار البعد االجتماعي في التخطيط االقتصادي‪،‬‬
‫فتـ االعتماد عمى التصنيع واالستثمار المكثؼ لغرض توفير فرص عمؿ متزايدة‪.‬‬

‫وعرفت ىذه السياسة بالتسيير االشتراكي ولعؿ أىـ ما يشار إليو في ىذه التجربة ىو ذلؾ التوجو الذي‬
‫يدعو إلى الممكية الجماعية لوسائؿ اإلنتاج‪ ،‬واالشتراكية ‪ socialisme‬نظاـ اقتصادي اجتماعي يقوـ‬
‫عمى الممكية االجتماعية لوسائؿ اإلنتاج األساسية‪ ،‬مف أجؿ تمبية حاجات المجتمع عمى الوجو األمثؿ‪.‬‬
‫والقاعدة االقتصادية األساسية في ىذا النظاـ ىي إلغاء التقسيـ الطبقي في المجتمع والغاء استغالؿ‬

‫‪4‬‬
‫اإلنساف لإلنساف‪ ،‬بيدؼ تحقيؽ العدؿ والمساواة بيف أفراد المجتمع‪ .‬وقد تعددت المذاىب والنظريات التي‬
‫تناولت الفكر االشتراكي‪ ،‬إال أف النظرية الماركسية المينينية وحدىا ىي التي نقمت ىذا الفكر إلى الواقع‬
‫وكانت األساس الذي قامت عميو أنظمة اشتراكية سادت بمداناً عدة في القرف العشريف‪ ،‬ولذلؾ فإف البحث‬
‫في أسس النظاـ االشتراكي ومرتكزاتو يعني في جوىره وجية نظر الماركسية المينينية إلى ىذا الموضوع‪.‬‬

‫كما يستمد ىذه األسس مف واقع التجارب االشتراكية خاصة تجربة االتحاد السوفياتي باعتباره أوؿ دولة‬
‫تنجح في إقامة نظاـ اقتصادي اشتراكي‪ ،‬وتجربة الصيف الشعبية‪ ،‬كما ساىـ "لينيف" و "ماوتسي تونج" في‬
‫إرساء بعض الدعائـ الفكرية لمنظاـ االقتصادي االشتراكي‪.‬‬

‫واالشتراكية مصطمح يعبر عف نظاـ اقتصادي اجتماعي يقوـ عمى إيديولوجيا تقوؿ أف الجماىير العاممة‬
‫مف الشعوب ىي التي يجب أف تمتمؾ وسائؿ اإلنتاج‪ ،‬كما قد تكوف إشراؾ طبقة قميمة أو طبقة واسعة في‬
‫تقاسـ ثروات الوطف‪ ،‬وىو ما عرؼ بالقطاع العاـ في الجزائر الذي استمد توجياتو ومحاوره انطالقا مف‬
‫بياف نوفمبر ‪0843‬ـ وتأكيدا مف مؤتمر الصوماـ عاـ ‪0845‬ـ ووصوال المؤتمر طرابمس‪ ،0851‬فقد‬
‫نظرت الدولة الجزائرية آنذاؾ إلى القطاع العاـ كمحور مركزي لمسياسة االقتصادية‪ ،‬وأداة رئيسية إلحداث‬
‫تحوؿ اجتماعي‪ ،‬وتحقيؽ التوازف الجيوي‪ ،‬وخمؽ مناصب عمؿ‪ ،‬لذلؾ عرفت بمرحمة التشغيؿ الواسع نظ ار‬
‫لكوف معظـ المناصب كانت ال تتطمب تأىيال خاصا‪ ،‬وقد سمحت ىذه السياسة المنتيجة باستحداث‬
‫عشرات اآلالؼ المناصب كنتيجة لمنشاط االستثماري الياـ‪ ،‬ففي سنة‪ 1962‬وغداة االستقالؿ غادر حوالي‬
‫‪900‬ألؼ فرنسي الجزائر‪ ،‬مما ترؾ مناصب شغؿ شاغرة آنذاؾ‪ ،‬والجزائر لـ تكف تتحكـ إال في ‪300‬ألؼ‬
‫بيف إطار وعامؿ مؤىؿ‪ ،‬لكف استطاعت الجزائر تشغيؿ حوالي‪ 17000‬بطاؿ إلى غاية سنة‪ ،0853‬حيث‬
‫ارتفع معدؿ التشغيؿ في ىذه الفترة إلى حوالي ‪ ،%71‬ألف أىداؼ التنمية آنذاؾ ىو ضرورة القضاء عمى‬
‫البطالة وتمكيف كؿ مواطف مف حقو في العمؿ‪ ،‬وىو ما يعتبر حراكا مينيا واجتماعيا ايجابيا حيث تحرؾ‬
‫وانتقؿ فيو عدد كبير مف المواطنيف مف حالة البطالة إلى حالة الشغؿ مف خالؿ سياسة التشغيؿ الواسع‪،‬‬
‫وىذا يعتبر حراكا صاعدا‪ ،‬حيث أصبحت الجزائر ورشة مفتوحة الستقباؿ اليد العاممة ألف العرض كاف‬
‫أكثر مف الطمب‪ ،‬فاكت ظت الورشات والمصانع بالعماؿ وىذا خمؽ حراكا ديناميكيا غير مسبوؽ‪ ،‬ونتج عف‬
‫ىذا الواقع شجع بدوره حراكا اجتماعيا آخر وىو النزوح الريفي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫كما أف مبادئ االشتراكية تنص عمى أف العامؿ منتج ومسيير في نفس الوقت‪ ،‬وىذا يعني إتاحة‬
‫الفرصة لمعامؿ الجزائري لتسيير المؤسسة التي يعمؿ بيا‪ ،‬وذلؾ مف خالؿ ممثمييـ في الييئات المنتخبة‬
‫لتسيير المؤسسات‪،‬أدى إلى الحراؾ الميني لمعامؿ في التسمسؿ اليرمي لممؤسسة مف جية‪ ،‬وفي المكانة‬
‫االجتماعية مف جية أخرى‪ ،‬كما دفعت وفرت مناصب العمؿ في ىذه الفترة إلى تزايد معدالت دوراف‬
‫العمؿ لـ يسبؽ ليا مثيؿ‪ ،‬والذي يعتبر بدوره حراكا مينيا أفقيا حيث كثر تجواؿ اليد العاممة مف مؤسسة‬
‫ألخرى سعيا وراء األجر المرتفع‪ ،‬كما ساىـ النمو االقتصادي المرتفع إلى رفاه أفراد المجتمع كشكؿ مف‬
‫أشكاؿ الحراؾ الميني واالجتماعي الصاعد مف حالة البؤس والحرماف فترة االحتالؿ إلى الرفاىة فترة‬
‫التسيير االشتراكي نتيجة التوجو االجتماعي لممؤسسات االقتصادية‪.‬‬

‫إال أنو وبسبب ىذا التوجو االجتماعي لممؤسسات واالىتماـ المتزايد بالنشاطات االجتماعية لمعماؿ‪،‬‬
‫وسوء الفيـ الذي وقع فيو العماؿ لمتسيير االشتراكي جعؿ المؤسسات االقتصادية تسير نحو تمبية رغبات‬
‫العماؿ عمى حساب تحقيؽ األىداؼ الحقيقية لممؤسسة‪ ،‬أدى إلى بروز اختالالت عديد داخؿ المؤسسات‬
‫االقتصادية‪ ،‬وىناؾ مف يرى أف ىذه االضطرابات الداخمية والتي تعود إلى سبب رئيسي وىو ضعؼ تنظيـ‬
‫التسيير االشتراكي لممؤسسات‪ ،‬عمما أف تقارير الندوة الوطنية األولى والثانية(‪)0864-0863‬‬
‫والثالثة‪ ، 0868‬وكذا تصريحات المسؤوليف آنذاؾ ثبت أف المؤسسة المسيرة اشتراكيا عرفت مشاكؿ جدية‬
‫ساىمت في ارتفاع نزاعات داخؿ المؤسسات والتي أدت إلى تعطؿ في عممية اإلنتاج‪ ،‬بحيث لـ توضح‬
‫طبيعة العالقات بيف مجمس العماؿ ومجمس اإلدارة مف جية‪ ،‬وبيف مجمس العماؿ وباقي الييئات األخرى‬
‫في المؤسسة‪ ،‬ويعتبر الفراغ القانوني السائد آنذاؾ أدى إلى نشوء نزاعات وعدـ تفاىـ بيف ىذه اليياكؿ‬
‫وىو ما يمكف اعتباره حراؾ اجتماعي وميني نازال أو سمبي‪.‬‬

‫ويمكف أف نمخص أىـ الصعوبات التي واجيت التسيير االشتراكي لممؤسسات إلى‪9‬‬

‫‪.1‬نظام تسيير الموارد البشرية‪ 9‬ما مف شؾ أف العامؿ البشري في المؤسسة االقتصادية ىو عامؿ‬
‫أساسي وحاسـ في مصير المؤسسة‪ ،‬وذلؾ مف حيث تحقيؽ ألىدافيا واستمرار نشاطيا‪.‬‬
‫‪-‬وعميو فنظاـ التوظيؼ واألجور والمناصب وغيرىا‪ ،‬في المؤسسة يستوجب تسيي ار وتحكما مقبوال إال أف‬
‫المؤسسة االقتصادية آنذاؾ لـ تكف كذلؾ ‪ ،‬فقد وقع المسؤولوف في أخطاء وتصرفات غير عقالنية ويعود‬
‫ىذا إلى سوء التحكـ في نظاـ الموارد البشرية‪ ،‬ويبرز ىذا في صعوبة تحديد المنصب وصعوبة تصنيؼ‬
‫وتقييـ العماؿ‪ .‬فقد افتقرت المؤسسة االقتصادية لسمـ المناصب‪ ،‬والسمـ الوطني لممناصب النموذجية لـ‬
‫يصدر إال في ‪ ،0867‬إذ جاء في فترة متأخرة‪ ،‬ولـ يتـ تطبيقو إال بعد ىذا التاريخ‪ ،‬ومنو كانت العشوائية‬
‫في تحديد المناصب واألجور‪ ،‬وعدـ ربطيا بمؤشرات تقنية عف نشاط ومردودية المؤسسة‪ ،‬مما خمؽ فوارؽ‬
‫كبيرة بيف المؤسسات لنفس المناصب وداخؿ نفس المؤسسة في أحياف أخرى‪ ،‬وىو ما كاف لو أثر سمبي‬

‫‪6‬‬
‫عمى سير اإلنتاج في المؤسسات وبروز نزاعات وخالفات مع اإلدارة‪ ،‬إضافة إلى حركة عالية سريعة بيف‬
‫الفروع أو القطاعات سعيا وراء األجور المرتفعة‪.‬‬

‫‪-‬أما العنصر الثاني الذي يمثؿ صعوبة تقييـ األفراد‪ ،‬وربط مناصب العماؿ بالخطة الوطنية لمتنمية‬
‫وتوجيياتيا‪ ،‬وبالجانب االجتماعي والسياسي‪ .‬حيث لـ تكف سياسة التشغيؿ تخضع لمبادئ عقالنية‬
‫اقتصادية سواء مف حيث العدد والنوعية‪ ،‬وعدـ خضوع نظاـ التشغيؿ واألجور إلى القواعد العممية‬
‫واإلدارية التي تتميز بالعقالنية وربطيا بوضعية المؤسسة‪.‬‬
‫‪-‬باإلضافة إلى عدـ تحسيس مسيري المؤسسات العمومية بالدور الرئيسي لممؤسسة و المتمثؿ في خمؽ‬
‫الثروة و النمو‪ ،‬واىماؿ لمفيوـ المردودية واالىتماـ بمراقبة التدفقات المالية لممؤسسات العمومية بغض‬
‫النظر عف نتائجيا‪ ،‬واالختالؿ الدائـ في مالية المؤسسات العمومية و ذلؾ بسبب ارتفاع األعباء المختمفة‬
‫وارتفاع مصاريؼ المستخدميف التي تمتص مف ‪ %40‬إلى‪% 81‬مف نفقات االستغالؿ‪ ،‬و ىذا ما أدى‬
‫إلى ارتفاع تكمفة اإلنتاج باإلضافة إلى ارتفاع التكاليؼ اإلضافية لالستثمارات و الناتجة عف التأخر في‬
‫اإلنجاز‪.‬‬
‫‪-‬مركزية اتخاذ القرار الناجـ عف التدخؿ المباشر لممديريات المركزية‪ ،‬مما نتج عنو بطء عممية اتخاذ‬
‫القرار لتعدد الجيات المكمفة باتخاذه‪ ،‬وىذا أدى إلى كثرة االجتماعات ونقص فعالتيا‪.‬‬
‫‪-‬ضعؼ المستوى العممي لمعديد مف المسيريف الذيف ترقوا عف طريؽ األقدمية‪ ،‬مما غمب عمى عمميـ‬
‫استغالؿ المصب واحتكار المعمومة واتخاذ القرار‪.‬‬
‫‪-‬أما بالنسبة لممثمي العماؿ فقد تميز معظميـ بغياب الخبرة التسييرية‪ ،‬مما جعؿ مساىمتيـ في التسيير‬
‫شكمية بؿ معرقمة لمعممية في بعض األحياف‪ ،‬مما أدى إلى كثرة األخطاء التسييرية‪ .‬ىذا وكاف وصوؿ‬
‫المعمومة ليؤالء الممثميف وصوال متأخ ار مما جعميـ عمى ىامش األحداث داخؿ المؤسسة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى غموض دور ىؤالء الممثميف وعدـ وضوح صالحياتيـ‪ ،‬واستغالؿ بعضيـ لممنصب لتمبية‬
‫مطالبيـ الخاصة عمى حساب مطالب العماؿ‪.‬‬
‫‪-‬وبالنسبة لالنعكاسات القيمية عمى سموكيات العماؿ فقد انتشرت ذىنية البايميؾ الناتجة عف الفيـ الخطأ‬
‫لمعنى المشاركة والتعاوف والممكية الجماعية لوسائؿ اإلنتاج‪ ،‬ىذا باإلضافة لمظاىر التسيب واإلىماؿ‬
‫والركوف إلى الكسؿ فاألمف الميني والخدمات واالمتيازات الممنوحة لمعامؿ جعمو وكأنو يعمؿ في ممكو‬
‫الخاص‪ ،‬ألف المؤسسة حسبو ممؾ لمدولة وليس مف حؽ أحد مراقبتو واجباره عمى األداء‪ ،‬ودعـ ىذا‬
‫السموؾ عدـ وجود قواعد وآليات لمعاقبة المتياونيف واستحالت طردىـ لصيغة التوظيؼ الدائـ وفمسفة‬
‫االشتراكية‪.‬‬
‫‪ -‬الجياد الذىني والبدني والميني الناجـ عف غياب نظاـ حوافز يكافأ المجديف‪ ،‬أو يعاقب المتسيبيف مما‬
‫أدى إلى نقص الدافعية لمعمؿ لتساوي تقييـ المجد مع الميمؿ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪-‬برزت ظاىرة اإلتكالية في المؤسسات واىماؿ ممتمكات الدولة وغياب االنضباط و الصرامة كعدـ إنجاز‬
‫المشاريع في آجاليا المحددة و عدـ االستخداـ األمثؿ لمطاقات و اإلمكانيات المادية والبشرية المتوفرة‪ ،‬و‬
‫تفشي أسموب التبذير والالمباالة والتيرب مف المسؤوليات‪.‬‬

‫‪.1‬النظام اإلنتاجي‪ 9‬تعتبر إذف ىذه المرحمة مرحمة البناء و اإلنجاز‪ ،‬ففييا حظيت التنمية الصناعية‬
‫باألولوية و األىمية الخاصة التي استأثرت بحصة األسد مف قيمة االستثمارات و تـ فييا تأميـ المحروقات‬
‫التي أصبحت عائداتيا المموؿ الرئيسي لمتنمية الصناعية‪ ،‬والكنز الثميف الذي تتسابؽ الشركات األجنبية‬
‫لمحصوؿ عميو‪ ،‬ف تمييز المؤسسة االقتصادية العمومية بوجود آالت ومعدات ذات تكنولوجيا عالية‪ ،‬حسب‬
‫اإلستراتيجية المخططة لمتنمية‪ ،‬إضافة إلى عماؿ واطارات مكونة في الجزائر وأخرى مكونة في الخارج‪.‬‬
‫لكف رغـ ذلؾ فاف الجياز اإلنتاجي لـ يكف في مستوى ىذه اإلمكانيات‪ ،‬فقد سجؿ خمؿ في التكامؿ‬
‫االقتصادي بيف الصناعات مما جعؿ ىذه األخيرة تشكو مف نقص قطع الغيار والمواد األولية‪ ،‬وظير ىذا‬
‫في االرتباط الوثيؽ بيف مختمؼ وحدات المؤسسة والتعقيدات التي تتـ بو‪ ،‬يجعؿ توقؼ أحدىا يتسبب في‬
‫توقؼ كؿ المركب الصناعي‪ ،‬إذ فقداف أو نقص قطعة غيار بسيطة آللة يكفي لتوقيؼ مركب بأكممو‪.‬‬
‫‪-‬زيادة عمى ذلؾ فاف االستعانة ببرامج ليست معدة مف عمؽ و خصوصيات المجتمع الجزائري الثقافية‬
‫والقيمية األمر الذي أثر عمى فعالية المشروع التنموي في الجزائر منذ بدايتو‪ ،‬كؿ ىذا جعؿ المؤسسة‬
‫العمومية ال ترقى إلى مستوى الطموحات المنتظرة‪ ،‬فالمؤسسات العمومية التي كاف ينتظر منيا أف تبمغ‬
‫مستوى النضج في بداية الثمانينات لـ تقـ بالدور الموكؿ إلييا مما دفع بالدولة إلى ضرورة فتح سجؿ‬
‫اإلصالحات مع بداية الثمانينات ‪.‬‬
‫‪-‬كما أف سوء فيـ التسيير االشتراكي لممؤسسات وتوجيياتو جعؿ المؤسسة تتجو إلى تمبية الحاجات‬
‫االجتماعية لمعماؿ‪ ،‬ابتداء مف التعاونيات االستيالكية‪ ،‬ومحو األمية‪ ،‬والصحة‪...‬وانتياء بدور الحضانة‬
‫والمخيمات الصيفية ألبناء العماؿ‪ .‬مما أدى إلى ارتفاع نسبة األجور والنفقات مف رقـ األعماؿ‪ ،‬التي قد‬
‫تصؿ أحيانا إلى ‪ ،% 41‬مع ارتفاع األعباء االجتماعية‪ ،‬وانخفاض مردودية العامؿ النعداـ العالقة بيف‬
‫العمؿ المقدـ واألجر المتحصؿ عميو‪.‬‬
‫‪ -‬عدـ لعب العماؿ الدور المنتظر منيـ‪ ،‬والسبب يعود إلى انتشار األمية بينيـ‪ ،‬أو يعود لنقص في‬
‫التكويف الصناعي(ثقافة صناعية)‪ ،‬أو نقص فيـ األىداؼ التي جاء مف أجميا التسيير االشتراكي‬
‫لممؤسسات‪ ،‬كما نشير أف ىذه الفترة بالذات عرفت نزوحا ريفيا مف جية‪ ،‬باحثة عمى أجر أكبر مف‬
‫أجور الزراعة في األرياؼ‪ ،‬واجيو ارتفاع األسعار في السنوات األخيرة مف تطبيؽ التسيير االشتراكي‬
‫لممؤسسات (‪0866‬ػ‪ )0868‬مف جية أخرى‪ .‬مما صعد مف االضطرابات واإلضرابات العمالية مطالبة‬
‫رفع األجور‪.‬‬
‫وىذا ما عجؿ بالدخوؿ في مرحمة تصحيح االشتراكية والتي عرفت بمرحمة إعادة الييكمة‪ ،‬والتي كانت‬
‫تيدؼ إلى محاولة التحسيف الكمي والنوعي إلنتاج المؤسسات مع تحديد مياـ كؿ مؤسسة وتكييؼ مجاؿ‬

‫‪8‬‬
‫نشاطيا مع األىداؼ الموكمة ليا‪ ،‬مف خالؿ إعادة النظر في حجـ المؤسسات االقتصادية مع تطبيؽ مبدأ‬
‫الالمركزية وذلؾ بتحويؿ المقرات االجتماعية مف العاصمة إلى داخؿ الوطف مع تقريبيا مف مراكز‬
‫اإلنتاج‪ ،‬مع خمؽ مؤسسات محمية وجيوية مختصة‪ ،‬وكذا إصالح منيجية اإلدارة والتسيير مف خالؿ‬
‫إعطاء حرية المبادرة واتخاذ القرار‪ ،‬ومراقبة عدد العماؿ مف خالؿ تنظيـ عممية التوظيؼ وتأطير سياسة‬
‫األجور لمقضاء عمى ظاىرة دوراف العمؿ‪ ،‬وىي بدورىا مرحمة أخرى مف الحراؾ االجتماعي والميني تمثؿ‬
‫أساسا في الييكمة العضوية لممؤسسات مف خالؿ تقسيميا إلى مؤسسات فرعية موزعة عبر مختمؼ‬
‫مناطؽ الوطف‪ ،‬مما خمؽ حركية تنموية عبر استحداث مناطؽ صناعية جديدة‪ ،‬مما عمؿ عمى استحداث‬
‫مناصب شغؿ جديدة أفقيا ورأسيا أي منفذيف واطارات ومسيريف وىو ما يمكف اعتباره حراؾ اجتماعي‬
‫وميني صاعدا أو ايجابي‪.‬‬

‫وفي المقابؿ أفز ىذا التصحيح وضعية تشغيؿ جديدة تمثمت في انخفاض نسبة التوظيؼ خاصة في‬
‫قطاع البناء األشغاؿ الكبرى بسبب انتياء مرحمة التشييد ودخوؿ مرحمة التصنيع الفعمي‪ ،‬ومنو برزت‬
‫مشكمة التأىيؿ والكفاءة وىذا يعني تغير في تركيبة مناصب العمؿ‪ ،‬فقد بدأ التخمي تدريجيا عمى أولوية‬
‫التصنيع‪ ،‬في المشروع التنموي لفائدة قطاع البناء واألشغاؿ العمومية الذي أصبح يساىـ بأكبر معدالت‬
‫التشغيؿ‪ ،‬وقطاع اإلدارة الذي تمكف مف االحتفاظ بقدرة التشغيؿ ثابتة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫(‪ 2‬ماستر تنظيم وعمل )‬ ‫محاضرات الحراك المهني واالجتماعي في الجزائر‬

‫ب‪ -‬الحراك المهني واالجتماعي خالل مرحمة استقاللية المؤسسات واقتصاد السوق‪:‬‬

‫وىنا دخمت الجزائر حراكا مينيا واجتماعيا جديدا وىي مرحمة حالة االنكماش في النمو االقتصادي‬
‫وتزايد في النمو الديموغرافي‪ ،‬فمقد أفرز االنييار المفاجئ ألسعار النفط خالؿ سنة ‪ 1986‬تداعيات كبيرة‬
‫عمى البناء االجتماعي لممجتمع الجزائري ليشمؿ جميع المستويات‪ ،‬إذ ظيرت األزمة االقتصادية في‬
‫الجزائر والتي نتج عنيا عدة مشاكؿ‪ ،‬وىنا بدأت ظاىرة الحراؾ الميني النازؿ تطرح بحدة إذ تراجعت‬
‫معدالت التشغيؿ بشكؿ كبير‪ ،‬إذ ارتفع عدد العاطميف عف العمؿ مف‪ 830‬ألؼ عاطؿ سنة ‪1986‬إلى‬
‫‪ 4.033.000‬عاطؿ سنة ‪ ،1989‬أي تضاعؼ أربعة مرات خالؿ فترة ثالث سنوات مما يؤكد عمى‬
‫االنخفاض المستمر لخمؽ مناصب الشغؿ‪ ،‬االرتفاع المستمر لمحراؾ السمبي النازؿ‪ ،‬وكؿ ذلؾ راجع أساسا‬
‫إلى إعادة ىيكمة المؤسسات آنذاؾ واالعتماد عمى قطاعات خدمية أكثر منيا إنتاجية‪ ،‬وقد زاد في تأزـ‬
‫الوضع تزايد طالبي العمؿ مع ارتفاع نسب النمو الديمغرافي‪ ،‬وبمغ ذروتو مع أحداث أكتوبر ‪ 0877‬والتي‬
‫تمثمت في انفجار شعبي بشعارات تندد ببيروقراطية اإلدارة وسموكات بعض المسيريف ذوي النفوذ‪ ،‬وكذلؾ‬
‫نقص الطمب عمى اليد العاممة وارتفاع البطالة‪ ،‬وىذه األحداث أدت إلى تسارع كبير في اإلصالحات‬
‫االقتصادية‪ ،‬وأماـ ىذه الوضعية قررت الجزائر الدخوؿ في إصالحات اقتصادية جديدة عرفت باستقاللية‬
‫المؤسسات قصد إعطاء دفع جديد لمتنمية الوطنية‪.‬‬

‫وقد تمثؿ ىذا الحراؾ الميني واالجتماعي النازؿ في حالة التراجع الكبير في مناصب العمؿ والمكانة‬
‫االجتماعية‪ ،‬ألف المؤسسات االقتصادية أصبحت بموجب قوانيف االستقاللية مطالبة بتقميص عدد العماؿ‬
‫لترشيد النفقات المالية وعقمنة المورد البشري‪ ،‬وبذلؾ برزت ظاىرة تسريح العماؿ حيث بمغ عدد المسرحيف‬
‫إلى سنة ‪ 0883‬حوالي ‪ 251.111‬مسرح‪ ،‬إف ظاىرة فقداف مناصب العمؿ بصفة ال إرادية وألسباب‬
‫اقتصادية‪ ،‬تطورت بشكؿ سريع منذ صدور المنظومة التشريعية الجديدة‪ ،‬والتي قننت عممية تقميص العماؿ‬
‫ضمف مخططات التقويـ الداخمي لممؤسسات االقتصادية العمومية‪ ،‬ونشير ىنا إلى أف المقصود مف‬
‫التسريح الجماعي لمعماؿ بفصؿ أكثر مف عامميف دفعة واحدة أو وفؽ جدوؿ زمني محدد بصفة متالحقة‬
‫نظ ار ألسباب اقتصادية‪ ،‬وىذا ما انعكس عمى األوضاع االجتماعية وانتشار البطالة وتقميص الدخؿ‬
‫الفردي‪ ،‬كما ارتفعت معدالت اإلضرابات احتجاجا عمى ق اررات التسريح داخؿ المؤسسات‪.‬‬
‫وأماـ ىذه األسباب أخذت السمطة تفكر جدياً في البحث عف البديؿ لتفادي المشاكؿ التي وقعت فييا‬
‫في السابؽ‪ ،‬ومف ىنا بدأت التمييدات إلدخاؿ المؤسسات العمومية ضمف اقتصاد مفتوح عمى العالـ فبدأ‬
‫التحضير القتصاد السوؽ‪ ،‬عف طريؽ تغيير القوانيف السابقة وترؾ األسعار تتحدد عف طريؽ العرض‬
‫والطمب تدريجياً‪ ،‬والتخمي عف النظاـ االشتراكي بالتخمي عف أمالؾ الدولة لصالح المواطنيف‪ ،‬مف خالؿ‬
‫إصدار بعض القوانيف الميمة التي تحدد مستقبؿ المؤسسة العمومية االقتصادية‪ ،‬وذلؾ بفتح المجاؿ أماـ‬

‫‪11‬‬
‫القطاع الخاص‪ ،‬وبالتالي يعني مفيوـ الخوصصة في المشرع الجزائري حسب األستاذ" بوكرامي "رئيس‬
‫بورصة الجزائر بأنيا‪ :‬التخمي عف التأميـ وتحويؿ الممكية العمومية إلى القطاع الخاص الوطني أو‬
‫األجنبي‪ ،‬كما تعني المنافسة وديناميكية السوؽ التي تشمؿ كؿ المتعامميف‪ .‬فيي عبارة عف كؿ معاممة‬
‫تؤدي إلى تحويؿ تسيير مؤسسة عمومية إلى أشخاص طبيعييف أو معنوييف تابعيف لمقانوف الخاص‪ ،‬وذلؾ‬
‫بواسطة صيغ تعاقدية يجب أف تحدد كيفية تحديد تحويؿ التسيير وشروطو وممارستو"‪ ،‬وبالتالي ىي‬
‫مجموعة مف السياسات المتكاممة التي تستيدؼ اعتماد أكبر عمى آليات السوؽ ومبادرات القطاع الخاص‬
‫و المنافسة مف أجؿ تحقيؽ أىداؼ التنمية و العدالة االجتماعية ومواكبة النظاـ العالمي الجديد‪.‬‬
‫إال أف عممية خوصصة المؤسسات العمومية لـ تكف باألمر السيؿ والييف كما يبدو لمكثير‪ ،‬ألنيا تالقي‬
‫صعوبات متعددة قد تعرقؿ عممية تطبيقيا ومف أىـ ىذه العراقيؿ مف الناحية االجتماعية الخوؼ مف فقداف‬
‫الوظائؼ والبطالة‪ ،‬فالعمالة في القطاع العاـ ال تقاس في كثير مف األحياف بمقاييس الكفاءة عمى العكس‬
‫تماما في القطاع الخاص ‪ ،‬فمعايير اإلدارة الجديدة عند تحويؿ الممكية تفرض تسريح العماؿ وتعديؿ‬
‫االمتيازات والمكانة االجتماعية لمعامؿ‪ ،‬لذا رفضت الطبقة العاممة ىذه الفكرة والتي ترى أف مستقبميا‬
‫مرىوف ببقاء الممكية العامة‪ ،‬ألف كممة خوصصة أصبحت تعني لمكثير عممية مرادفة لمبطالة وفقداف‬
‫لممنصب والمكانة االجتماعية‪ ،‬حيث تصاحبيا في كثير مف األحياف إقاالت بالجممة لمعماؿ‪ ،‬فاألمف‬
‫الوظيفي واالطمئناف حوؿ منصب العمؿ الذي كاف ينعـ بو العماؿ في المؤسسات العمومية االقتصادية‬
‫مرحمة االشتراكية لف يجد لو مكانة في الخوصصة‪ ،‬ألف أرباب العمؿ ال يقبموف إطالقا فائض في العمالة‪،‬‬
‫وىو ما يمثؿ أكبر حاجز في وجو برنامج الخوصصة‪ ،‬فالمؤسسات العمومية سابقا لعبت دو ار اجتماعيا‬
‫ميما ولمدة طويمة خاصة في ميداف إحداث مناصب العمؿ‪ ،‬والرفاه العمالي وىذا راجع لسياسات التشغيؿ‬
‫السابقة والتي كانت ال تراعي المعايير االقتصادية والكفاءة المينية بؿ تخضع لمعايير االجتماعية وىذا ما‬
‫تترجمو العمالة الزائدة والتي تفوؽ الطاقات النظرية لممؤسسة‪.‬‬
‫وبالمقابؿ خمقت ىذه المرحمة أيضا حراكا مينيا واجتماعيا ايجابيا حيث أف الخوصصة أدت إلى‬
‫المنافسة بيف المؤسسات االقتصادية الخاصة‪ ،‬مما أدى إلى تحسيف كـ وكيؼ السمع والخدمات المقدمة‪،‬‬
‫باإلضافة النخفاض ممحوظ لألسعار بتحرير السوؽ داخميا وخارجيا‪ ،‬كما أدى بيع أصوؿ المؤسسات‬
‫العمومية إلى توفير عائدات مالية معتبرة أضيفت إلى خزينة الدولة‪ ،‬وتـ توظيؼ ىذه العائدات في مشاريع‬
‫أخرى ميمة تدعـ االقتصاد وتخمؽ مناصب عمؿ جديدة‪ ،‬كما أف الخوؼ مف فقداف مناصب العمؿ أدى‬
‫بالعماؿ إلى زيادة نشاطيـ وفعاليتيـ في تقديـ أحسف الخدمات واألداء‪ ،‬مما خمؽ حركية جديدة ساىمت‬
‫في بمورة ذىنية عمؿ أكثر عقالنية‪.‬‬
‫كما يؤدي تطبيؽ برنامج الخوصصة في حاالت عديدة إلى ظيور نسبة محدودة مف المجتمع تتميز‬
‫بدخؿ نقدي عاؿ‪ ،‬مما يؤدي إلى حدوث تفاوت واضح في دخوؿ أفراد المجتمع‪ ،‬وينعكس بالتالي عمى‬
‫المكانة االجتماعية لألفراد كحراؾ اجتماعي نازؿ‪.‬‬

‫‪11‬‬

You might also like