You are on page 1of 4

‫‪ .

I‬من سوسيولوجية الشغل إلى سوسيولوجية المقاوالت‬

‫‪ -1‬األحداث‪ ،‬الفاعلين‪ ،‬المؤسسات‪ ،‬األفكار‬

‫علم اجتماع أنشطة اإلنتاج أي الشغل هو كذلك علم رأى النور في فرنسا إبان تكوين علم االجتماع مستقل‬
‫عن الفلسفة أي في غضون نهاية الحرب العالمية الثانية‪.‬‬

‫كان أول من افتتح الدراسات السوسيولوجية في مجال الشغل هو جورج فرايدمان‪ .‬بعد هذا‪ ،‬شهد المجال‬
‫تطورا بقصد رصد التغيرات‪ ،‬فتمخض عن ذلك باراديكم سويوتقني يفسر اإلنتاج من زاويتي النظام‬
‫التقني و النظام االجتماعي ‪.‬بمعنى آخر‪ ،‬التفاعل بين التقني و األحداث والفاعلين و النظريات هو الذي‬
‫يحدد زاوية التحليل‪ .‬أي أن النظرية التي اختارها الباحث لتأطير بحثه باإلضافة إلى الحدث من داخل‬
‫التنظيم الذي جلب انتباهه والفاعلين الين كانوا محور هذا الحدث؛ كل هذه العناصر زاوية التحليل‪.‬‬

‫اهتم المؤسسون أوال بعلم اجتماع الشغل‪ ،‬ثم تاله علم اجتماع التنظيمات‪ ،‬فعلم اجتماع المقاولة‪ .‬لم تكن‬
‫المقاولة لتصبح موضوع دراسة السوسيولوجيا لو لم يعتبرها الدارسون مستقلة عن اإلكراهات‬
‫االقتصادية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬التقنية والمجتمعية؛ بل اعتبروا لعب الفاعلين هو المحدد األكبر إلشكاالت المقاولة‪.‬‬

‫‪ -2‬علم اجتماع الشغل‬

‫حتى السبعينات القرن الماضي‪ ،‬كانت الدراسات حول اإلنتاج يغلب عليها علم اجتماع الشغل‪ .‬في هذه‬
‫الحقبة بدأ يظهر علم االجتماع التنظيمات الذي تبعه فيما بعد علم االجتماع المقاولة‪ .‬في حقبة السبعينات‬
‫تلك التي تزامنت مع بروز ما يسمى علم االجتماع األنشطة اإلنتاجية لم يدرس الشغل من خالل المقاولة‬
‫التي كان حظها هو التجاهل‪ ،‬بل تم تناول موضوع الشغل عبر العالقات المهنية (التفاوض) أو عبر‬
‫اإلطار الوظيفي‪.‬‬

‫أول موسوعة حول سوسيولوجية الشغل ظهرت سنة ‪ 1962‬وخصص المحور الرابع فيها للمقاولة عبر‬
‫موضوع "السلطة و القرار داخل المقاولة"‪ .‬تمت معالجة الموضوع من طرف أحد علماء االجتماع‬
‫الكبار وهو أالن توران وكانت المعالجة بأدوات المدرسة الوظيفية‪ .‬هذا يعني أن فكرة المقاولة المستقلة‬
‫القادرة على بناء رابط اجتماعي بين مكوناتها لم تسلك طريقها بعد‪ ،‬إذ ال يتم تصور المقاولة إال كمكان‬
‫تبلور االضطرابات التي يعرفها المجتمع ككل‪ .‬في هذه الحقبة‪ ،‬ظهر تيار آخر يهتم بدراسة الطبقات‬
‫العمالية من خالل وسائل اشتغال نظريات مستوحاة من المدرسة الماركسية‪.‬‬
‫بداية الثمانينيات‪ ،‬ستتغير النظرة تحت تأثير التغيرات االقتصادية‪ :‬ارتفاع ثمن البترول‪ ،‬تسارع المبادالت‬
‫االقتصادية‪ ،‬صعود اليابان ودول جنوب‪-‬شرق آسيا‪ .‬هذه التغيرات أدت في فرنسا مثال إلى الوعي من‬
‫طرف النقابات‪ ،‬وأرباب المقاوالت والدولة على أن سلوكات العمال يمكن لها أن تمس بالصناعة‬
‫والضبط االجتماعي وفي أداء المقاوالت ‪.‬فكان هناك اتفاق وتوافق ضمني لتثمين المقاولة عبر السياسات‬
‫االقتصادية للدولة؛ فتم االهتمام بالبعد االقتصادي للمقاولة عبر السياسات الضريبية‪ ،‬وعبرتمكين‬
‫المقاوالت من تحديد سياستها الخاصة باألجور‪ ،‬واألسعار‪ .‬أحداث أخرى ساهمت في بروز المقاولة‬
‫كتطور الطبقة العاملة‪ ،‬البطالة وهجر النقابات‪.‬‬

‫كل هذه األمور واألحداث أدت إلى تغيير البراديكم‪ ،‬أي كيفية التفكير في موضوع المقاولة خصوصا بعد‬
‫أن صدر سنة ‪ 1977‬للكتاب الذي يؤسس لعلم اجتماع التنظيمات وهو كتاب" الفاعل والنسق" لميشيل‬
‫كروزيي وإرارد فريدبيرك‪.‬‬

‫‪ -3‬علم اجتماع التنظيمات‬

‫بدأ انتشار براديكم سوسيولوجية التنظيمات منذ صدور كتاب "الظاهرة البيروقراطية"سنة ‪ 1963‬لكاتبه‬
‫ميشيل كروزيي صاحب كتاب " الفاعل و النسق" الذي نشر في ‪ 1977‬والذي يسعى إلى تثبيت بارديكم‬
‫سوسيولوجية التنظيمات‪ .‬الكتاب األول سيطر عليه التفسير الثقافي للظاهرة البيروقراطية‪ ،‬بينما الكتاب‬
‫الثاني يعترف أكثر ويركز على استقاللية الفاعلين‪ .‬إذ خلص إلى ان البناء التنظيمي هو نتيجة لتفاعل‬
‫الفاعلين‪.‬‬

‫تجنب كروزيي في ميدانه المعمل أو الورش حتى ال يضطر الستخدام سوسيولوجية الشغل وحدد‬
‫موضوعه في "مقاولة اإلنتاج" ليعمل مقاربات نظرية قريبة من بحوث األمريكان خصوصا مارش‬
‫وسايمن وسيلزنيك ‪...‬‬

‫في سنة ‪ 1972‬أصدر فريدبيرك كتاب مكمل لمقاربة سويولوجية التنظيمات بعنوان "التحليل‬
‫السوسيولوجي للتنظيمات"‪ .‬في نهاية المسار‪ ،‬هذه الكتب "الظاهرة البيروقراطية" (‪" ،)1963‬التحليل‬
‫السوسيولوجي للتنظيمات" (‪ ،)1972‬و"الفاعل والنسق" (‪ )1977‬هي التي أسست لسوسيولوجية‬
‫التنظيمات التي تعتمد التحليل اإلستراتجي الذي يتبنى النموذج العقالني ‪ .‬التحليل االستراتجي ينطلق من‬
‫انتقاد الطيلورية التي دق ناقوس نهايتها في فترة السبعينات‪ ،‬فبدأ مسؤولوا التنظيمات من مدراء‬
‫وأصحاب رؤوس األموال في البحث عن بديل‪ .‬هذا البديل وجد ضالته في سوسيولوجية التنظيمات وفي‬
‫تحليلها االستراتجي الذي يتبنى مفاهيم من قبيل استقاللية الفاعل‪ ،‬تعدد النماذج التنظيمية‪" ،‬الال يقين"‬
‫وكذلك مفهوم "العقالنية المحدودة"‪.‬‬

‫كان لسوسيولوجية التنظيمات تأثيرا كبيرا في وقت كانت مسألة تنافسية المقاولة وإكراهات المنافسة‬
‫كبيرين‪.‬‬

‫‪ -4‬سوسيولوجية المقاولة‬

‫إن ظهور هذا االختصاص الجديد كان نتيجة للقطيعة التي حدثت في العالقة التقليدية التي كانت تربط‬
‫المقاولة كمؤسسة بالمجتمع‪ .‬تتجلى مالمح هذه القطيعة في نهاية الطبقة العاملة‪ ،‬بروز طبقات جديدة من‬
‫األجراء‪ ،‬مسيرين و مدراء من طينة أخرى‪...‬؛ هذه الدينامية الجديدة‪ ،‬واكبها ظهور مكاتب دراسات‬
‫تعني بالشأن المقاوالتي‪ ،‬ثم بروز تقارب بين المقاولة والجامعة والعلوم اإلنسانية‪ .‬دون أن ننسى ظهور‬
‫هويات أخرى‪.‬‬

‫من العوامل التي ساهمت كذلك في هذه القطيعة نجد تكاثر المقاوالت الصغرى التي أصبحت أكثر عددا‬
‫ونوعا من المقاوالت الكبرى ذات التنظيم البيروقراطي‪ .‬وبالتالي أصبحت الحاجة ملحة إلى أدوات أخرى‬
‫من التحليل (= سوسيولوجية المقاولة)‪ ،‬إذ أن سوسيولوجية التنظيمات لوحدها غير كافية‪ ،‬ألن أدوات‬
‫البحث ومفاهيم هذه السوسيولوجية (السلطة‪ ،‬النسق‪ ،‬العقالنية المحدودة‪ )...‬رأت النور في التنظيمات‬
‫الكبرى وأصبحت ال تصلح‪ ،‬حسب محللين كثر‪ ،‬لتحليل المقاوالت الصغيرة‪ .‬هذا‪ ،‬مع العلم أن المقاولة‬
‫الصغرى هي األكثر في النسيج االقتصادي لكل الدول‪ .‬والمقاولة الصغرى لها صفات أخرى‪ :‬أجراء‬
‫قليلون‪ ،‬عمال عرضيون‪ ،‬مناولة بعض وظائف المقاولة لشركات أخرى ( كالمحاسبة‪ ،‬األمن‪،‬النظافة‪،)...‬‬
‫حدود منتقلة‪ ،‬التشبيك‪...‬‬

‫هذا ال يلغي كلية وسائل التحليل االستراتجي الذي أتت به مقاربة سوسيولوجية التنظيمات ألن مفاهيم هذه‬
‫السوسيولوجية ( الفاعل‪ ،‬السلطة‪ )...‬يمكن من دراسة التنظيمات بشكل أوضح‪ ،‬والمقاولة‪ ،‬في نهاية‬
‫المطاف‪ ،‬هي تنظيم‪ .‬العامل الثاني الذي يجعل من سوسيولوجية التنظيمات مهمة لفهم المقاولة هو‬
‫النموذج االستراتتجي الذي تتبناه هذه السوسيولوجية‪ ،‬والذي كان بمثابة الباب الذي دخلت منه نظرية‬
‫الفاعل الذي يعد المسلك العام للتحليل ودراسة المقاولة‪.‬‬

‫ظهور تمثالت جديدة في مجال المقاولة يجعلها معرضة للتغير الدائم‪ .‬اختالف التمثالت لعالقات السلطة‪،‬‬
‫وكذا للمنتوج (الجودة)‪ ،‬للعالقات بين مختلف المصالح المكونة للمقاولة الواحدة‪ ،‬لتأثير النتائج والتقارير‬
‫المالية ‪ ...‬؛ كل هذه األحداث تؤدي إلى تمثل التراتبية‪ ،‬المنتوج‪ ،‬المهنة‪ ،‬العالقات بين الزمالء تمثال‬
‫جديدا‪.‬‬

‫إلى جا نب هذا ظهرت أدوات نظرية جديدة جاءت بمفاهيم أخرى‪ :‬الهوية‪ ،‬الرموز‪ ،‬االتقافات‪ ،‬الشبكات‪،‬‬
‫الثقافة‪...‬؛ هذه المفاهيم تتناسب واألسئلة التي يطرحها الفاعلون داخل المقاولة‪ ،‬و تستند على اإلجابة‬
‫عليها‪.‬‬

You might also like