Professional Documents
Culture Documents
مادة سوسيولوجيا التنظيمات
مادة سوسيولوجيا التنظيمات
شكلت سوسيولوجيا التنظيمات إحدى أهم فروع علم االجتماع التي ظهرت بشكل بارز
األم ريكية. المتحدة الواليات في خصوصا التانية، العالمية الحرب بعد
أواخر القرن التاسع عشر في أعقاب سوسيولوجيا الصناعة الموسومة بتيار “اإلصالح
االجتماعي ”.وقد عرف هذا التخصص الجديد ازدهارا في امريكا عكس أوروبا التي عرفت
تخلفا نسبيا ،ويمكن إرجاع ازدهار س وسيولوجيا التنظيمات في الواليات المتحدة األمريكية إلى
سببين:
السبب األول :ويمكن القول أنه سياسي تاريخي ،بمعنى غياب التوتر االجتماعي الذي
عرفته أوروبا في ال واليات المتحدة األمريكية ( األح زاب ،النقابات ،والحركات العمالية…) ،
وهذا ال يعني غيابه المطلق ،وانما كان عمل هذه التنظيمات فات ار نسبيا مقارنة بأوروبا.
السبب التاني :ظهور دراسات مرتبطة بعلم النفس االجتماعي الذي يركز على الفرد ،وقد
ركزت هذه الد راسات على الحاجيات المرتبطة بالعمل (اإلنارة ،ظروف العمل…) أي
بالعوامل التي تساعد العامل في عمله ،إض افة إلى وجود عقلية براغماتية نفعية في
ويمكن إرجاع التخلف الذي عرفته أوروبا في ميدان سوسيولوجيا التنظيمات إلى سببين
رئيسيين:
السبب األول :هو معرفي أكاديمي ،أي أن معظم الدراسات السوسيولوجية في أوربا كانت
أكاديمية تركز على البحث النظري والمفاهيمي (دوركايم ،فيبر ،ماركس) أي محاولة إرساء
سوسيولوجيا إبستمولوجية معرفية تهم دراسة المجتمع األوربي ،وحتى الد راسات االمبريقية
السبب الثاني :ويمكن القول على أنه سبب تاريخي سياسي .فقد عرفت أوربا تجربة
االجتماعية وفي خضمها الحركات العمالية .وفي دراسة المقاوالت تم التركيز على براديغم
الحركات االجتماعية حيث يطالب من خاللها العمال تحسين ظروف عملهم ،ومن ثم
وقد شكلت الد راسات التي تم إنجازها من قبل فريق البحث بجامعة هارفارد تحت قيادة
االنطالق لنشأة ع لم االجتماع الصناعي عند االنكلوساكسونيين .هذه الدراسات كانت قد
ركزت على األبعاد السيكولوجية وخصوصا المستويات المرتبطة بالحاجات الفردية والنفسية
للعامل من خالل تصور اجتماعي لمدى تأثير الحاجات النفسية وقيمتها في بناء وتشكل
ممارسات وسلوكات العمال في فضاء عملهم .وقد كان لفريق بحث إلتون مايو دور هام في
تقديم تصور نقدي لظاهرة البيروقراطية التي وضع أساسها فيبر وذلك بهدف لفت االنتباه لما
قد تفرزه البيروقراطية الشكلية من أشكال تنظيم كامنة وموازية ،وذلك انطالقا من التركيز
لقد كان لتراكم مجموعة من األطروحات التي أثثت المستوى النظري واالمبريقي لعلم
اجتماع الشغل أو الصناعة( ،أعمال تايلور ،أوليفر شيلدون ،والتون مايو ،ماكس فيبر)…،
القدر الكبير في التأسيس لبراديغم جديد لمقاربة مسألة التنظيمات حيث شهد منتصف القرن
العش رين ظهور تخصص قائم بذاته هو علم اجتماع التنظيمات الذي تجاوز األبعاد التقليدية
من خالل مجموعة من العناصر المركزية لتقديم فهم سوسيولوجي لمختلف التنظيمات سواء
مقارنة بما ثم إثارته من خالل سوسيولوجيا الشغل ،ومن أهم هذه المستويات نجد االندماج
والتكيف ودراسة العالقات الرسمية وغير الرسمية لمختلف التنظيمات وكذلك د راسة عالقات
السلطة واست راتيجيات الفاعلين المتشكلة على خلفية هذه العالقات…وبشكل عام،
فسوسيولوجيا التنظيمات يمكن اعتبارها كدراسة سلوكات األفرد والجماعات التي يمكن
مالحظتها على مستوى اشتغال التنظيمات .إن سوسيولوجيا التنظيمات تهدف إلى تفسير
السلوكات والعالقات المت وافقة أو غير المتوقعة مقارنة بالق واعد التوجيهية .ويعتبر كل من
ماكس فيبر وميشيل كروزيي من أهم علماء االجتماع الذين أسهموا في إغناء هذا الحقل
لقد كان لماكس فيبر من خالل أعماله األثر البالغ في إغناء النقاشات بخصوص اإلهتمام
and Gesellschaftأهم األعمال التي تركها فيبر بخصوص النموذج المثالي للتنظيم
البيروقراطي .ويعتبر االتجاه الفيبيري Weberian Theoryهو االتجاه الذي يشير إلى
أعمال ماكس فيبر في مجال التنظيم االجتماعي واالقتصادي .فمعظم الدراسات الحديثة،
تبقى في عمقها أما تعديالت ألفكار وتصورات فيبر .وقد تناول فيبر تحليل العناصر
البيروقراطية في التنظيمات ،تلك التي تعمل من أجل تحقيق استمرار التنظيم وبقاءه.
لقد انطلقت أعمال ماكس فيبر من خ الل تساؤل إشكالي مهم هو :ما الذي يصنع فرادة
المجتمع الحديث؟ وقد أكد فيبر أن العقالنية هي السمه األساسية لهذه المجتمعات .ومن هذه
النقطة جاءت تحليالت فيبر للتنظيمات كفضاء لممارسة السلطة ونشرها لتحقيق المشروعية
بين الجميع .ويرى فيبر أن عملية العقالنية هذه تؤثر في الحياة االقتصادية والقانون واإلدارة
وأنها تشكل االساس في ظهور ال رأسمالية والبيروقراطية والدولة القائمة على أحكام القانون.
وجوهر عملية العقالنية هو النزوع المت زايد للفاعلين االجتماعيين نحو استخدام المعرفة في
إطار عالقات غير شخصية بهدف تحقيق سيطرة أعظم على العالم المحيط بهم.
وقد اقترح فيبر في كتابه االقتصاد والمجتمع عدة أنماط من العالقات االجتماعية داخل
التنظيم ،وخاصة أشكال الهيمنة السياسية .إن أشكال الهيمنة في عددها ثالثة :الهيمنة
العقالنية والهيمنة التقليدية والهيمنة الكاريزمية .وهذه النمذجة تتأسس على خاصية التحفيز
أ -الهيمنة التقليدية :تتأسس مشروعية هذا النمط على الصفة المقدسة للتقاليد داخل
تنظيم معين والهيمنة التقليدية م رتبطة بالمكانة االجتماعية للقائمين على السلطة.
وحسب فيبر فهذا النمط من السلطة له ثأثير على المجتمع ،يتمثل أساسا في
إضعاف مواقف وأنشطة األف راد س واء االقتصادية ال واعية أو العقالنية ،بمعنى أن
القائد أو الحاكم الذي يعتمد هذه االمتيازات للتصرف في المجتمع يجعل األفراد
غير قادرين على القيام بمبادرات اقتصادية ومالية وتجارية …مخافة االصطدام
التي يتميز بها شخص سواء كانت هذه الصفات حقيقية أو غير حقيقية .ويرتبط هذا النمط
أساسا بقوة شخصية معينة ذات هالة قوية .وتقوم سلطة هذا النمط على قوة القائد عبر قدرته
على اإلقناع وجمع وتجميع الجميع من حوله ،وهي مواصفات تفوق مواصفات باقي
األشخاص العاديين .والتاريخ الغربي والشرقي مليء بنماذج كاريزمية واضحة .إن مصطلح
“القائد الكارزمي” ظهر بشكل كبير في العصر الحديث ،وحسب فيبر فهذا النوع من القادة
السياسية تصبح غير قادرة على القيام بأد وارها ووظائفها ،ومن هنا تظهر زعامات إما
سياسية أو دينية… تدعوا إلى التغيير وضرورة تطوير النظام السياسي بشكل عام .ويضيف
فيبر أن هذا النوع من السلطة غير عقالني وانما انفعالي يعتمد على الثقة.
ج -الهيمنة العقالنية /القانونية :يرتبط هذا النموذج داخل أي تنظيم بسلطة القانون الواضح
والصريح وغير الشخصي .إن السلطة العقالنية حسب فيبر تستمد شرعيتها من القانون
ويعتقد فيبر أن من أهم األسباب التي ساعدت أوروبا في االنتقال من مرحلة النظام
االقطاعي إلى مرحلة الدولة -االمة في صورتها الديمق راطية بعد مرورها من الملكيات المطلقة
إن فيبر من خالل تقديمه للنماذج السابقة حاول أن يمنحنا أنماطا مثالية والمقصود
بذلك ،مجموعة من البناءات النظ رية الهادفة إلى القيام بمقارنات مع الواقع وكذلك تحليل
الفوارق.
وقد قدم فيبر تصوره بخصوص التنظيمات الحديثة من خالل ما يعرف ب”التنظيم
الحديثة ،بحيث أصبحت هذه الظاهرة تعرف نموا مفرطا سواء في حجمها أو في مجاالت
اختصاصاتها في المجتمعات الصناعية ،س واء في القطاع العام أي إدارة الدولة أو القطاع
الخاص.
وتمثل اإلدارة البيروق راطية النمط الخالص للهيمنة الشرعية ،وتندرج السلطة المبنية على
الكفاءة وليس على األصل االجتماعي ،ضمن إطار من وضع تدابير موضوعية غير
شخصية ،وينقسم تنفيذ المهام إلى وظائف متخصصة ذات حدود محددة بشكل منهجي.
وتدار المهن بقرائن موضوعية من الكفاءة واألقدمية… وليس عن طريق قرائن فردية…
ويحدد فيبر أن هذا النمط من التنظيم ليس خاصا باإلدارة العامة ،بل يخص أيضا
التنظيمات ال رأسمالية الكبرى .وتتصف البيروقراطي ة بنمط إداري وبنمط من التنظيم مؤسس
على عقلنة األهداف مثلما بدأ تطبيقها مع F.W.Taylorو ، H.Fayolهذه العقالنية تمس
أيضا أشكال الفكر ،عبر انطالقة العلوم والتقنيات .إن التحول العلماني والتحول التقني للفكر
يضعان نهاية لعالم األساطير والمعتقدات الدينية .وهذا هو معنى الصياغة الجميلة لتعبير
وضع فيبر مجموعة من الخصائص ،وهي تعتبر في رأيه كمعايير لنجاح أو فشل
التنظيم ،وهذه القواعد تستمد من المجتمع الكلي ،أي أن المجتمعات ال رأسمالية وصلت درجة
فالنموذج المثالي أو النمط الخالص للسيطرة الشرعية عند فيبر هو التسيير اإلداري
شرعية س واء كانت هذه الصالحيات نابعة من الملكية أو بموجب انتخابات أو عن ط ريق
تعيين سابق .وتتشكل االدارة المسيرة في صيغتها الخالصة من موظفين فرديين تتوفر فيهم
مجموعة من المواصفات:
يتم هذا اإل نتقاء بناء على التأهيل المهني ،وهو في الحاالت األكثر عقالنية ،تأهيل مهني
تمنح لهم أجور قارة حسب المركز في التسلسل االداري وحسب المسؤولية التي يتحملونها
ويربط فيبر ظهور النموذج البيروقراطي الذي يتميز بالعقالنية والموضوعية إلى
مجموعة من الظروف االجتماعي ة والثقافية والسياسية واالقتصادية ،ومن بين هذه الع وامل
نجد:
-التطور الذي عرفه االقتصاد النقدي ،مما أتاح دفع االجور النقدية
للمنتسبين للتنظيم.
مداخيل قارة.
هنا يشير فيبر على أن مستوى التنظيم البيروق راطي في المجتمعات الحضرية أعلى
وأكثر تطو ار من نظي راتها غير الحض رية بسبب حضوره في األولى واختفاءه في الثانية،
إضافة إلى ما سبق ،فتراكم المشاكل ونمو حجم العمل داخل المجتمعات الحديثة كان له دور
في تشجيع ظهور التنظيم ا لبيروقراطي .إن التنظيم البيروقراطي عند فيبر في حالة تمسكه
ونهجه للق واعد والممارسات واألفعال السابقة (اعتماد الكفاءات والتعاقد والتخصص وتقسيم
العمل والترقية…) يكون عبارة عن اليات عقالنية تسهم في عملية تحديت المجتمعات.
واجهت نظرية ماكس فيبر مجموعة من االنتقادات ،ولكن رغم ذلك فتصوره مازال يتم
ما يمكن قوله بخصوص االنتقادات الموجهة لفيبر ،أن أغلبها كان مصدره أصحاب
االتجاه الوظيفي في علم االجتماع ،وهذه االنتقادات ت رتبط بالجانب الوظيفي للتنظيم .فإذا
كان فيبر اهتم بموضوع اسهام العناصر التنظيمية المختلفة في تحقيق الفعالية ،فإنه بالمقابل
لم ينجح في إب راز وكشف المعيقات الوظيفية التي تنطوي عليها هذه العناصر .وحسب
ميرتون فالنموذج المثالي يفتقد تلك المالئمة (الموازنة) الالزمة بين الوظيفة والخلل الوظيفي.
وبالموازاة مع ذلك ،ذهب Gouldnerإلى ما أكده ميرتون ،حيث أجرى جولدنر دراسة
امبريقية على أحد المصانع وتوصل أن تمة تناقضا خفيا في النموذج المثالي ،ويتمثل
ذلك في مستويين :التسلسل الرئاسي والمعرفة التقنية أي بين االدارة القائمة على الخبرة
الفنية واألخرى القائمة على النظام واالنضباط ،حيث أكد انه في حالة توفر الخاصيتين ،فإنه
من الصعب أن يؤدي التنظيم أنشطته في تكامل وانسجام ،بمعنى أن فرص ظهور الصراع
ستكون كبيرة.
وهناك انتقاد شائع يشترك فيه دارسو التنظيمات ذوي االتجاهات المختلفة مؤداه ،أن
نموذج فيبر قد بالغ في تأكيد الج وانب الرسمية والمظاهر النظامية للتنظيم ،متجاهال بذلك
تلك العالقات االجتماعية غير الرسمية التي تنمو في التنظيم والتي تلعب دو ار هاما في
تحديد طابعه وأدائه لوظائفه .ولقد كان فيليب سلزنيك من أ وائل من اهتموا بدراسة هذه النقطة
في مقالين نظريين هامين كما وجه كل من تشا رلز بيدج نقذه لنموذج فيبر بخصوص
ديناميات التنظيم ،وكذلك اتزيوني وغيره ركزوا نقدهم ألنماط السلطة .ومن أهم االنتقادات
الموجهة لنموذج فيبر ،نجد انتقادات كروزيي والتي كانت نقطة انطالقه لبناء نظريته
خصوصا ما يعرف بنظرية التحليل االست راتيجي إحدى أهم المحا والت في تطوير التحليل
المتعلق بالظاهرة البيروقراطية .وقد قدم كروزيي قبل ذلك انتقادات لمجموعة من النظريات
خاصة منها الكالسيكية (تايلور وفورد وفايول…) وكذلك لمدرسة العالقات االنسانية (مدرسة
هارفارد :أوليفر شيلدون والتون مايو…) .وقد رفض كروزيي كل أشكال الحتمية المطلقة التي
ميزت الفكر التنظيمي .وقد كان لماكس فيبر والوظيفية (ميرتون وبارسونز) وعلوم التنظيم
االمريكية تأثي ار بالغا على ميشيل كروزيي الذي يحاول تجاوز عيوبها ونقائصها النظرية،
فينتقد بالمناسبة م اكس فيبر في اعتقاده في التفوق المطلق للنموذج التسلسلي القانوني
والبيروقراطي ،أما فيما يخص الفعالية ،إذ يبين تحليل الوقائع أنه كلما ساد هذا النموذج كلما
كان التنظيم أقل فعالية .ويمكن تقديم أهم مصادر التحليل االستراتيجي في العناصر أسفله:
ماكس فيبر.
بالظاهرة البيروقراطية .وقد قدم كروزيي من قبل ذلك انتقادات لمجموعة من النظريات،
خاصة منها الكالسيكية (المدرسة الكالسيكية مع تايلور وفايول وفيبر…) ،وكذلك لمدرسة
العالقات االنسانية (مدرسة هارفارد مع مايو…) .وحسب كروزيي فإن اإلنسان في التنظيم ال
يمكن اعتباره كيد عاملة كما تصورت ذلك نظرية التنظيم العلمي للعمل لفردريك تايلور وال
كيد وقلب حسب مدرسة العالقات اإلنسانية ،إن هذه االتجاهات وغيرها تتناسى/تغفل فكرة أن
اإلنسان يملك عقال يفكر به ،وله حرية وبمعنى أكثر وضوحا،إنه عبارة عن فاعل مستقل
قادر على الحساب والتحكم والتسيير ،كما أنه قادر على التأقلم واالبتكار في ظل الظروف
السائدة وحركية باقي الشركاء .كما وجه كروزيي انتقاده ألنصار االتجاه السلوكي في فهم
التنظيم .وقد أكد ذلك من خالل اعتباره أن التفسيرات التي قدمها السلوكيون تبقى محدودة
على اعتبار أنهم ركزوا على العالقة الفردية للفاعل في التنظيم ،فهم اعتبروا أن األفراد في
التنظيم يتوفرون على نماذج مثالية للصحة النفسية والعقلية ،بمعنى أن تفسير األلعاب
التنظيمية يتم انطالقا من المستوى النفسي والعقلي فقط .هنا يكون أصحاب هذا االتجاه إما
أمام إهمال لكل التعقيد الذي يميز السلوكات اإلنسانية في التنظيم أو المقاولة ،والذي قد تنفي
حتى أكثر النظ ريات التي تدعي معرفة بالدافعية ،هذا إلى جانب التركيز على الفرد وتناسي
وجود الجماعة .إن التحليل اإلست راتيجي يبقى بمثابة انقالب كلي في التصور مقارنة بالتنظيم
لقد رفض كروزيي كل أشكال الحتمية المطلقة التي ميزت الفكر التنظيمي .وقدم كروزيي
حاول كروزيي تقديم انتقادات للتصور البيروقراطي ،بمعنى أن العالقة بين التنظيم والفرد هي
وليدة لعبة Jeuبين طرفين في التنظيم من خالل الضوابط الرسمية التي يكوم هدفها تنظيم
سلوكات األفراد مما يخلق عوائق أمام الفاعل ،وهذا األخير بهدف تجاوزها يكون أمام ضرورة
تبني است راتيجيات معينة تختلف من فاعل إلى اخر انطالقا من الكفاءة المعرفية من جهة
دراسة عالقات السلطة داخل التنظيم .ويمكن تناول نظرية التحليل االستراتيجي من خالل
مستويين:
-المسلمة األولى :التنظيم هو بناء والفاعلون فيه هم من يؤسسون االجابات على االك راهات
التي يواجهونها…
-المسلمة الثانية :حسب كروزيي االفراد داخل التنظيم ال يقبلوا أن يعاملوا كأدوات ووسائل
بهدف تحقيق أهداف التنظيم ،وهذا مفاده ان لكل منهم غاياته وأهدافه الخاصة .إن هذا
وحسب بي رنو فإن هذه المسلمة يمكن االستنتاج منها أن أي تنظيم مهما وصلت مراقبته
واخضاعه ألفعال وسلوكات المنتمين إليه ،فإن هذه العقالنية تبقى محدودة وغير مطلقة.
-المسلمة الثالثة :الفاعل داخل التنظيم يتمتع بنوع من الحرية ،وهذه األخيرة تمنح له درجة
من االستقاللية عن التنظيم مما يمكنه من الحصول على قدرة االختيار في أن يسهم
ويشارك أو العكس من ذلك ،حتى وان كان مفروض عليه المشاركة .االستقاللية هنا
تعطيه إمكانية تحديد مستوى المشاركة؛ فالتنظيم يسعى إلى الحد من درجة هذه االستقاللية
والفاعل يحاول انطالقا من ما يتوفر عليه من قدرات أن يعزز هذه االستقاللية أو على
-المسلمة ال رابعة :يعتبر كروزيي أن االست راتيجية التي يختارها الفاعلين ،س واء في عالقتهم
ببعضهم البعض أو في عالقتهم بالتنظيم تتميز بالعقالنية إال أن هذه العقالنية محدودة
وذلك راجع بطبيعة الحال إلى وجود استراتيجيات أخرى مضادة ،إضافة إلى ع وائق السياق
المتعددة .وهنا ال يمكن ألي فاعل مهما كانت له القدرة أن يجد الوقت والوسائل التي
تمكنه من التوصل إلى حل عقالني أو أمثل بهدف تحقيق أهدافه .وهنا يكون هذا الفاعل
أمام حل مرضي نسبيا أو أمام الحل األقل ضرار بالنسبة إليه في ظل الحواجز
وا لى جانب هذه المسلمات ،اعتمد كروزيي على جهاز مفاهيمي بمثابة اإلطار النظرى
والمنهجي األساسي لبسط وتدعيم نظ ريته في فهم وتحليل الحقل التنظيمي سوسيولوجيا ،ومن
هنا فإن فهم نظريته هذه يتطلب ضرورة تحديد وعرض أهم المفاهيم األساس:
االجتماعيين .والفاعل قد يكون فردا أو جماعة .وهذا الفاعل يتبنى استراتيجية معينة بهدف
توفير أكبر الحظوظ المكنة للربح والمنافع الذاتية .االستراتيجية ال تكون بالضرورة واضحة
الفاعل االجتماعي ،فداخل المقاولة يتحدد الفاعل االجتماعي من خالل تفاعله مع اآلخر،
وقد يتكتل وا في فاعل اجتماعي واحد بهدف تحقيق هدف معين وحسب وضعية معينة ،لكن
بعد تحقيق هدف هذا الفاعل ،يتفكك من جديد ليعطي فاعلين اجتماعيين كل مستقل وكل له
رهاناته الفردية ،واالستراتيجية تتحقق عبر الوضعية واإلك راهات ثم العقالنية .تبقى استراتيجية
الفاعل حسب كروزيي كل تصرف ذو معنى حتى لو لم يكن مرغوبا فيه ،أو كان مصدره من
السلطة Pouvoir :تعد السلطة من المفاهيم األساس عند كروزيي ،وهي ال تأتي من
الموقع الهرمي الذي يحتله الفاعل ،بل انطالقا من التصورات والتمثالت التي يصبها
األفراد على هذا الفرد ،وليس ما يخوله القانون من الحق في إعطاء األوامر في
اإلدارات .إنها نسق ي حدد العالقات بين العمال واإلدارة وهي القد رة على التأثير ،إن
السلطة هنا ليست صفة بل إنها عالقة تبادل يتم التفاوض بخصوصها .إن السلطة
كمفهوم عند كروزيي تبقى عنص ار أساسيا في التحليل السوسيولوجي الكروزيي ،وهذا ما
نجده بار از عند الرجوع إلى أعماله ،خاصة منها مؤلفه الموسوم بالظاهرة البيروقراطية
وأيضا مؤلفه الفاعل والنسق .وحسب كروزيي فالسلطة تشمل أو تستلزم دائما إمكانية
أن بعض األف راد أو المجموعات لهم قدرة التحكم في أفراد أو مجموعات أخرى؛ وهذا
التحكم يقصد به الدخول معهم في عالقة ،وهذه األخيرة تتطور في خضمها سلطة
الب عض على البعض األخر .إن السلطة عند كرزيي ليست صفة /ميزة يتسم بها
الفاعلون ،ولكنها عالقة تبادل تتأسس انطالقا من التفاوض بين شخصين على اإلقل.
الخبرة التقنية والمعرفة والمهارات؛ وتعتبر الخبرة مهارة يتم التفاوض من أجلها؛ في بداية
القرن العشرين ،كان العمال المؤهلون يمتلكون سلطة فعلية على زمالئهم وعلى المؤسسة
كلها ،وذلك جراء مها راتهم التقنية التي جعلت منهم مصدر قوة في المؤسسات اإلنتجية
الكبرى .لكن "تايلر" في تنظيمه العلمي للشغل" فطن إلى هذه السلطة التقنية والرمزية التي
يحتك رها العمال في المؤسسات فجردهم من هذه سلطة ووضعها في خلية المهندسين" ،ومن
ثمة استطاع تايلر أن يحصر هذه السلطة في يد الخب راء تحت مصوغات سيادة "التنظيم
مناطق الظل Zone d’incertitude:هي المصدر الذي يستمد منه الفاعل سلطته
على اآلخرين .فالجانب الرسمي داخل التنظيم ال يستطيع أن يقنن ويهيكل كل الجزئيات
والتفاصيل بهدف الحد من درجة حرية الفاعل وتقويض استقالليته ،وهذا يجعل التنظيم
يترك ف راغا أو منفذا يعمل العامل على استغالله في بناء است راتيجية معينة ،إما هجومية أو
دفاعية .إن هذا االستغالل لمناطق الظل من قبل فاعل معين يمنحه األسبقية عن باقي
األطراف المتفاعلة معه في تلك العالقة التبعية التي تجمعهم ببعضهم البعض داخل
المجال التنظيمي ،وتصبح بالنسبة إليه مصد ار للسلطة ،وتزيد أهمية منطقة الظل وتنقص
حسب درجة تبعية األف راد االخرين إليه وحسب درجة سلطته عليهم وكذلك من عدم قدرة
تخضع التنظيمات وبصفة مستمرة بكثافة لمشاكل ت رتبط بمناطق الظل )عدم اليقين( على
مستويات عدة :قد تتعلق بالمستويات التقنية أو االقتصادية أو المالية أو بتدبير الموارد
البشرية ...؛ والفاعل الذي يستطيع أن يضبط هذه القضايا المرتبطة بمناطق الظل ،من خالل
مؤهالته أو شبكة العالقات التواصلية ،ويمكنه أيضا أن يتوقع حدوثها فإنه يمتلك موردا مهما
للسلطة .إن"عدم اليقين" يوجد دائما على جميع المستويات ،مخوال بذلك استقاللية أكثر
للفاعلين .فعدم اليقين يظل في حد ذاته غير معرف بالتعيين .وعليه ،يتم الحديث في معظم
األحيان عن "مناطق ظل" ،حيث سيقع أو يمكن أن يقع أي شيء .تفترض القواعد الشكلية
ومختلف الضوابط في التنظيمات توقع اإلجابات اإلجرائية لمشاكل يمكن توقعها وتحدد ـ
القواعد ـ سلوكي ات األف راد للوصول إلى الهدف النهائي ،أي إنتاج سلعة معنية أو تقديم
خدمات معينة .لكن بالرغم من الحرص الشديد في صياغة القواعد والضوابط التنظيمية،
وتحديد المهمات وترتيبها ،فإنه ال يمكن توقع كل المشاكل الممكن حصولها في المؤسسة.
وانطالقا من هذا ،يظل دائما في كل التنظيمات مناطق غير معرفة أو غير محددة بوضوح،
حيث يوجد "نقص" في التفكير العقالني.أو توجد مناطق غير معرفة نتيجة نقص في القواعد
أو الضوابط .ويسمي "ميشال كروزييه" هذه المناطق "بمناطق الظل" إنها المناطق التي تكون
فيها أنشطة ال فاعلين وتنسيقها غير واضحتين بالدقة المرجوة .بمعنى آخر ،حيث ال تكون
القواعد الشكلية غير دقيقة .وتتميز هذه المناطق بالنسبة إلى الفاعلين بكونها فضاءات تقل
فيها الضغوطات واإلكراهات ،ويستفيد الفاعلون بهامش كبير للحرية ،حيث يوظفونه من
أجل فرض قواعد جديدة تميزهم في تأدية أنشطتهم .وحسب "فريدبيرغ" ) ( E.Friedbergإن
الفاعلين يجدون دائما مجاال للحرية الذي ال يمكن تقنينه ،فيستغلونه أفضل استغالل لتحقيق
إستراتيجيتهم.
كما يسعى الفاعلون لمراقبة "مناطق الظل" التي ت نشأ فيها عالقات السلطة .وتبعا لغياب
القواعد حول ذات المناطق أو عدم وضوحها وضوحا تاما ،تنتج بالنسبة للبعض حسب
وضعيتهم في التنظيم وصالحياتهم هوامش إضافية للح رية؛ أما بالنسبة إلى ا لبعض اآلخر
تترتب إك راهات جديدة ومن ثمة تقليص من هامش الح رية المعتاد .وعن هذه االختالفات
وتتمخض عنها أيضا مشاكل في إنجاز األنشطة والتنسيق بينها. تنشأ موارد للسلطة،
ونتيجة للمشاكل التي قد تواجههم ،يجب على الفاعلين إيجاد حل وال باعتبارها حصيلة ت وافقات
حول ذات المشاكل .وتعد السيطرة على "مناطق الظل" هذه مهمة نظ ار لكون توفر "سلطة ال
شكلية" بالنسبة إلى ا لذي يستطيع استثمارها لمصالحه وتعزيز نفوذه في المؤسسة .كما أنها
الظروف؛ وقد تتعلق ذات المناطق الظل بظروف تقنية أو مالية أوم وارد بش رية أو تجارية أو
غياب معطيات إ لخ .وكل فرد استطاع أن يسيطر على "مناطق الظل" انطالقا من مها راته
وشبكة العالقات الت واصلية ،فإنه يحرز على م وارد مهمة للسلطة داخل المؤسسة .وتصبح
سلوكاته غير متوقعة .يوجد إذن "عدم اليقين" دائما في المؤسسة،وعلى جميع المستويات؛
وهذا ما يعطي بالضبط هامش المناورة للفاعلين .و"عدم اليقين" ال يمكن بطبيعته التعريف
به ،ومن ثمة ،نفضل الحديث وعن "مناطق ظل" ،عن مجاالت أو أماكن من المحتمل أن
كل تنظيم يتكون من مجموعة معينة من الفاعلين ،وهؤالء الفاعلين يعملون على هيكلة
وتنظيم عالقاتهم إما عن طريق الت رابط المتبادل ،واما عن طريق التفاعل المتبادل ،وهذا
يحدث في الوضعية المستقرة للتنظيم .وهنا يكون النسق الملموس لألفعال هو تلك الكيفية
التي يهيكل بها الكيان البشري في التنظيم باعتبارهم فاعلين اجتماعيين عالقاتهم الداخلية،
بمعنى أخر :الط ريقة التي ينظم بها الفاعلون نسق عالقاتهم التفاعلية بهدف مجابهة ومعالجة
مختلف اإلشكاالت التدبيرية والتسييرية واالنتاجية… ،وه ؤالء الفاعلين حين قيامهم بذلك ،ال
يكون وفق صورة حيادية وجردة ولكن وفق أهدافهم التي تكون ضمنيا أو علنيا متوافقة مع
غايات التنظيم .وهذا النسق الفعلي لألفعال يشمل بدوره نسقين فرعيين هها:
أ -النسق الفرعي لضبط العالقات Le système de régulation des
relationsم جموع القواعد والضوابط التي يتم إنتاجها من قبل االف راد داخل
ثانية ،وفي عالقتهم بعملهم أو موضوعاتهم اليومية من جهة ثالثة .فمثال إذا
وقع عطل في آلة من اآلالت ماذا يفعل العامل المكلف من أجل مواجهة
أو بمسؤول العامل المعني؟… إلخ إذن هناك نسق من القواعد والقوانين
مهما كانت جزئية وغير مشكلة بصورة رسمية ،فهي تعمل على ضبط
العالقة بين الفاعلين المت واجدين داخل المنظمة وهذا ما يطلق عليه بالنسق
نسق التحالفات Système des alliances :وهو النسق الذي يحكم ب-
التحالفات بين الفاعلين داخل التنظيم ،بحيث في هذا الشكل من العالقات فإن
الفاعل المعين من أجل قضية معينة فإنه يعرف جيدا من هو الحليف أو
الحلفاء الذين سيساندونه ،فإن التحالفات داخ ل المؤسسة مي زتها األساسية أنها
ظرفية وم رتبطة بقضية محددة وعلى أساسها يتم تحديد كيف أن المجموعة
لكون أنها معرضة دائما لعدد كبير من حاالت االرتياب والحلول المقترحة
لهذه االرتيابات ليست بديهية أو مبرمجة مسبقا مما يجعل الفاعلين يتجابهون
ويتنازعون بسببها لفرض الحلول التي ي راها كل فاعل (سواء كان فردا أو
است راتيجياتهم الخاص ة سواء للمحافظة على وضعياتهم في التنظيم كما هي أو
لتعظيمها .أما الذي يفرق بين النسق الفرعي األول عن النسق الفرعي الثاني
هو أن نسق التحالفات يتميز بالظرفية ويكون عادة مرتبط بحاالت خاصة
وطارئة ،أما نسق ضبط العالقات يتميز بالديمومة ويقوم بتنظيم وهيكلة
كروزيي وفريدبارغ لمفهوم النسق الفعلي لألفعال بأنه يرتكز فقط على الق واعد
والض وابط التي تحكم قواعد اللعبة االستراتيجية في التنظيم وتتميز باالستق رار
والت رابط المتبادل على خلفية الفوضى الظاهرة في العالقات االست راتيجية بن
الفاعلين -سواء كانوا أفرادا أو مجموعات -المتواجدين في حقل تنظيمي
معين.
القدرة على ترشيد الم وارد المادية والفكرية لبلوغ أهداف معينة .وليس هناك عقالنية
وحيدة؛ ألن هناك وسائل واست راتيجيات متعددة لتوظيف الم وارد بغية الوصول إلي الغايات
وتحقيق النتائج .وحسب Marchو Simonفاإلنسان تبنى نمط تفكير أحادي الجانب
للوصول إلى الحد األقصى للفائد والمكاسب وحل أمثل لجميع المشاكل بطريقة خطية يتبعها
الفرد دون أن يترك المجال للت فكير .وهذا النموذج في التفكير والعقلنة خاطئ في نظر
كروزيي ووفريدبارغ ،إذ أن حرية وأهداف وعقالنية وحاجيات ومشاعر الفاعلين تبنى اجتماعيا
وليست معطيات مجردة ،كما أن الفاعلين ال يمتلكون سوى ح رية محدودة وعقالنيتهم أيضا
محدودة.
إذن ،فاإلشكال ال يتعلق بالتفكير أو بالتفسير ،لكن يتعلق بإست راتيجية البحث التي تسمح
بمعرفة الظروف المادية والبنيوية واإلنسانية لل ظرفية التي تحت وتعرف هذه الحرية وهذه
العقالنية ،ومنه معنى السلوكات المالحظة في ال واقع .أي فهم الظرفية التي تحدد تصرف
وسلوك واست راتيجية وعقالنية الفاعلين االجتماعيين والتي ال تالحظ كوقائع عينية في ال واقع
المعاش.
التنظيمOrganisation :
التنظيم ال يمكن تعريفه كأنه جماعة من األفراد ،إنه الفضاء الذي تنسج فيه عالقات
السلطة ،وعالقات التفاعل بين التأثير والتأثر ،التسويق والتبادل التجاري والحساب (ترشيد
الموارد(.
التنظيمات /المقاوالت ليست آليات ضغط واك راه كما تظهر لمنتقديها ،فعالقات الصراع
والتن افر ليست موجودة وفق مخطط قبلي ،والمقاولة ليست محبولة على الص راع لكنها تشكل
ذلك الفضاء الذي يتم فيه التعبير عن التناقضات والرهانات المختلفة ،لكن في ذلك الوقت
هناك تنسيق بين األفراد .إن التنظيم ال يمكن تعريفه تعريفا ماديا كتحديد عيني ،بل هو شيء
يبنى اجتماعيا وبه رهانات مختلفة ،ومظاهر للتنسيق…إن كروزيي وفريدبارغ يعتبران أن
التنظيم ظاهرة سوسيولوجية ،وهو بناء اجتماعي يوجد ويتغير فقط لكون أنه يستطيع االستناد
إلى ألعاب تمكنه من االندماج مع است راتيجيات الفاعلين به ،كما أنه يضمن للمشاركين
حسب كروزيي التنظيم ال يستطيع أن يشتغل كآلة ولن يستطيع ذلك أبدا ،فمردوديته لها
عالقة بكفاءة الكل االنساني المكون له فيما يتعلق بتنسيق األنشطة بطريقة عقالنية وهذا
مرتبط بتطور التكنولوجيا ولكن مرتبط أساسا بالشكل الذي يكون فيه األفراد قادرين على
إن إسهامات م .كروزيي في حقل سوسيولوجيا التنظيمات تبقى ذات عمق سوسيولوجي هام.
لقد اسهم التحليل االست راتيجي النسقي بال شك في تجديد سوسيولوجيا التنظيم انطالقا من
مفهوم عالقات السلطة ،غير أنه بصفة عامة ،يتغاضى عن مصادر التفاوت في عالقات
السلطة ومعنى ذلك أنه ال يتطرق إلى المحددات االجتماعية واالقتصادية والسياسية
والسيكولوجية والديمغرافية وغيرها ،لهذا التفاوت في عالقات السلطة .وبتعبير اخر يتجه
تحليل التنظيم االجتماعي للن زاعات ولعال قات السلطة إلى االلتفاف حول نفسه دون مرجعية
للع وامل الخارجية .يقول كروزيي وف ريدبارغ إن “ القوة والث راء والسمعة والسلطة ،وباختصار كل
موارد يكتسبها أ والئك أو هؤالء ال تتدخل إال حين تمنح حرية فعل أكبر” .ولكن من أين تأتي
هذه الم وارد التي يكتسبها ه ؤالء وه ؤالء؟ هل تظهر في عالقة السلطة أم سابقة لها؟ يعترف
الكاتبان بأنهما يدركان “ التفاوت الهيكلي الذي يميز إمكانيات الفعل المتعددة لمختلف
بيار رول ) (P.Rolleحين يقول أن“ :الورشة ما هي إال بلورة نشاطات ضمن نسق
يتجاوزها إلى حد بعيد جدا ،والذي يرسم الشروط األساسية للتفاعالت التي نالحظها فيه،
نسق ال يمكن للمنظم تجاهله حتى وان لم يستطع تحويله” .وعلى هذا األساس تقوم الفكرة
القائلة بإمكانية وجود تسلسل هرمي لعالقات سلطة تحددها ع وامل خارجية عنها ،وذلك ما ال
يأخده تحليل كروزيي بالحسبان (..).ومن االنتقادات الموجهة لكروزيي أنه ركز
على اللعب في التنظيم ومناطق الظل كمصادر للسلطة مع إغفال م وارد خارجية مثل رأس
المال والقوى البوليسية واالنتماء الطبقي والطائفي أو كذلك التأثير الشخصي من طابع مادي
وعموما ،يلقى التحليل اإلست راتيجي بذلك بعض الصعوبات في إحداث نقلة من
السوسيولوجيا الج زئية إلى تحليل المجتمع بصفة عامة ،ذلك أن المجموعات االتصالية التي
أسسها ،من الفرد إلى االجتماعي غير موجودة بهذه الصف ة .وبتعبير اخر ال يمكن اختزال
االجتماعي في التنظيمي وحده الذي يخفي االرتياب مصدر السلطة ،إذ من المؤكد وجود
قوى من طبيعة أخرى تــعبر االجتماعي ،وعلى هذا األساس نتساءل عن ما إذا لم تمثل
في الخت ام ،يرى سانسوليو أن التحليل االست راتيجي يحول الفاعل إلى نوع من اإلنسان
االستراتيجي يشكل الحساب والمساومة وبالتالي العقالنية أهم صفاته .يمتاز الفاعلون بقابلية
اإلستبدال ،كما يظهر الفاعل الجماعي من جهة أخرى بمثابة مركب متجانس من األفراد
المتماثلين ،وحسب الكاتب ذاته تكمن “ صعوبة هذا التحليل النسقي في الحقيقة في أخد
التمثالت الفكرية وثقافات وقيم ومعايير واديولوجيات باالعتبار(…) أن ال تفسر دوما وكلية
حتمية األفراد من خالل الثقافة الموروثة والعنف الرمزي الذي تمارسه الثقافات المهيمنة
وتعقيد األلعاب العالئقية في تنظ يم ،فثمة مالحظة قوة استقاللية األثر التنظيمي الذي يؤكد
عليه الكاتب باستم رار .ولكن هل لهذا السبب تكون لعبة السلطة )(jeux de pouvoir
مستقلة عن عالم التمثالت والقيم والمآرب؟ أال يمثل الفكر أيضا قوة ووساطة ال غنى عنها
بين الواقع المدرك والفعل؟ إن الحديث عن الث قافة بصفتها قدرة متدخلة في األلعاب
في العالقة ،لكننا نندهش لكون الكاتب بقي كتوما حول المشكل ال رئيسي للتمثالت واألفكار