You are on page 1of 27

‫مادة سوسيولوجيا التنظيمات‬

‫الفصل الثاني‪ :‬علم االجتماع‬


‫ذ‪.‬مروان لمدبر‬

‫شكلت سوسيولوجيا التنظيمات إحدى أهم فروع علم االجتماع التي ظهرت بشكل بارز‬

‫األم ريكية‪.‬‬ ‫المتحدة‬ ‫الواليات‬ ‫في‬ ‫خصوصا‬ ‫التانية‪،‬‬ ‫العالمية‬ ‫الحرب‬ ‫بعد‬

‫وحسب ‪ G.Herreros‬فسوسيولوجيا التنظيمات ولدت في ال واليات المتحدة األمريكية في‬

‫أواخر القرن التاسع عشر في أعقاب سوسيولوجيا الصناعة الموسومة بتيار “اإلصالح‬

‫االجتماعي ‪ ”.‬وقد عرف هذا التخصص الجديد ازدهارا في امريكا عكس أوروبا التي عرفت‬

‫تخلفا نسبيا‪ ،‬ويمكن إرجاع ازدهار س وسيولوجيا التنظيمات في الواليات المتحدة األمريكية إلى‬

‫سببين‪:‬‬
‫السبب األول‪ :‬ويمكن القول أنه سياسي تاريخي‪ ،‬بمعنى غياب التوتر االجتماعي الذي‬

‫عرفته أوروبا في ال واليات المتحدة األمريكية ( األح زاب‪ ،‬النقابات‪ ،‬والحركات العمالية…) ‪،‬‬

‫وهذا ال يعني غيابه المطلق‪ ،‬وانما كان عمل هذه التنظيمات فات ار نسبيا مقارنة بأوروبا‪.‬‬

‫السبب التاني‪ :‬ظهور دراسات مرتبطة بعلم النفس االجتماعي الذي يركز على الفرد‪ ،‬وقد‬

‫ركزت هذه الد راسات على الحاجيات المرتبطة بالعمل (اإلنارة‪ ،‬ظروف العمل…) أي‬

‫بالعوامل التي تساعد العامل في عمله‪ ،‬إض افة إلى وجود عقلية براغماتية نفعية في‬

‫الواليات المتحدة األمريكية والثقافة األنجلوساكسونية بشكل عام‪.‬‬

‫ويمكن إرجاع التخلف الذي عرفته أوروبا في ميدان سوسيولوجيا التنظيمات إلى سببين‬

‫رئيسيين‪:‬‬

‫السبب األول ‪:‬هو معرفي أكاديمي‪ ،‬أي أن معظم الدراسات السوسيولوجية في أوربا كانت‬

‫أكاديمية تركز على البحث النظري والمفاهيمي (دوركايم‪ ،‬فيبر‪ ،‬ماركس) أي محاولة إرساء‬

‫سوسيولوجيا إبستمولوجية معرفية تهم دراسة المجتمع األوربي‪ ،‬وحتى الد راسات االمبريقية‬

‫أنجزت لتقعيد المفاهيم السوسيولوجية‪.‬‬

‫السبب الثاني‪ :‬ويمكن القول على أنه سبب تاريخي سياسي‪ .‬فقد عرفت أوربا تجربة‬

‫سياسية تمثلت في األحزاب والنقابات والمؤسسات‪ ،‬مما جعل االهتمام بالحركات‬

‫االجتماعية وفي خضمها الحركات العمالية‪ .‬وفي دراسة المقاوالت تم التركيز على براديغم‬
‫الحركات االجتماعية حيث يطالب من خاللها العمال تحسين ظروف عملهم‪ ،‬ومن ثم‬

‫أصبحنا أمام سوسيولوجيا العمال وليس سوسيولوجيا التنظيمات أو المقاوالت‪.‬‬

‫وقد شكلت الد راسات التي تم إنجازها من قبل فريق البحث بجامعة هارفارد تحت قيادة‬

‫نقطة‬ ‫عالم النفس االجتماعي األسترالي ‪ E. Mayo‬وأعمال االنجليزي ‪O.Shildon‬‬

‫االنطالق لنشأة ع لم االجتماع الصناعي عند االنكلوساكسونيين‪ .‬هذه الدراسات كانت قد‬

‫ركزت على األبعاد السيكولوجية وخصوصا المستويات المرتبطة بالحاجات الفردية والنفسية‬

‫للعامل من خالل تصور اجتماعي لمدى تأثير الحاجات النفسية وقيمتها في بناء وتشكل‬

‫ممارسات وسلوكات العمال في فضاء عملهم‪ .‬وقد كان لفريق بحث إلتون مايو دور هام في‬

‫تقديم تصور نقدي لظاهرة البيروقراطية التي وضع أساسها فيبر وذلك بهدف لفت االنتباه لما‬

‫قد تفرزه البيروقراطية الشكلية من أشكال تنظيم كامنة وموازية‪ ،‬وذلك انطالقا من التركيز‬

‫على مستوى حاجات الفرد في فضاء العمل‪.‬‬

‫لقد كان لتراكم مجموعة من األطروحات التي أثثت المستوى النظري واالمبريقي لعلم‬

‫اجتماع الشغل أو الصناعة‪( ،‬أعمال تايلور‪ ،‬أوليفر شيلدون‪ ،‬والتون مايو‪ ،‬ماكس فيبر‪)…،‬‬

‫القدر الكبير في التأسيس لبراديغم جديد لمقاربة مسألة التنظيمات حيث شهد منتصف القرن‬

‫العش رين ظهور تخصص قائم بذاته هو علم اجتماع التنظيمات الذي تجاوز األبعاد التقليدية‬

‫لعلم اجتماع الشغل‪.‬‬


‫وبخصوص سوسيولوجيا التنظيمات‪ ،‬فقد حاولت تناول مجموعة من اإلشكاالت األساسية‬

‫من خالل مجموعة من العناصر المركزية لتقديم فهم سوسيولوجي لمختلف التنظيمات سواء‬

‫االقتصاد ية أو التنظيمات الحكومية والمستشفيات والجامعات… هذه اإلشكاالت تبقى جديدة‬

‫مقارنة بما ثم إثارته من خالل سوسيولوجيا الشغل‪ ،‬ومن أهم هذه المستويات نجد االندماج‬

‫والتكيف ودراسة العالقات الرسمية وغير الرسمية لمختلف التنظيمات وكذلك د راسة عالقات‬

‫السلطة واست راتيجيات الفاعلين المتشكلة على خلفية هذه العالقات…وبشكل عام‪،‬‬

‫فسوسيولوجيا التنظيمات يمكن اعتبارها كدراسة سلوكات األفرد والجماعات التي يمكن‬

‫مالحظتها على مستوى اشتغال التنظيمات‪ .‬إن سوسيولوجيا التنظيمات تهدف إلى تفسير‬

‫السلوكات والعالقات المت وافقة أو غير المتوقعة مقارنة بالق واعد التوجيهية ‪ .‬ويعتبر كل من‬

‫ماكس فيبر وميشيل كروزيي من أهم علماء االجتماع الذين أسهموا في إغناء هذا الحقل‬

‫السوسيولوجي من خالل تصورهما تجاه التنظيمات‪.‬‬

‫إسهامات ماكس فيبر‪:‬‬

‫لقد كان لماكس فيبر من خالل أعماله األثر البالغ في إغناء النقاشات بخصوص اإلهتمام‬

‫السوسيولوجي بالنتظيمات‪ ،‬ويبقى عملة الموسوم ب‪ “ :‬االقتصاد والمجتمع ‪” Wirtschaft‬‬

‫‪ and Gesellschaft‬أهم األعمال التي تركها فيبر بخصوص النموذج المثالي للتنظيم‬

‫البيروقراطي‪ .‬ويعتبر االتجاه الفيبيري ‪Weberian Theory‬هو االتجاه الذي يشير إلى‬

‫أعمال ماكس فيبر في مجال التنظيم االجتماعي واالقتصادي‪ .‬فمعظم الدراسات الحديثة‪،‬‬
‫تبقى في عمقها أما تعديالت ألفكار وتصورات فيبر‪ .‬وقد تناول فيبر تحليل العناصر‬

‫البيروقراطية في التنظيمات‪ ،‬تلك التي تعمل من أجل تحقيق استمرار التنظيم وبقاءه‪.‬‬

‫لقد انطلقت أعمال ماكس فيبر من خ الل تساؤل إشكالي مهم هو‪ :‬ما الذي يصنع فرادة‬

‫المجتمع الحديث؟ وقد أكد فيبر أن العقالنية هي السمه األساسية لهذه المجتمعات‪ .‬ومن هذه‬

‫النقطة جاءت تحليالت فيبر للتنظيمات كفضاء لممارسة السلطة ونشرها لتحقيق المشروعية‬

‫بين الجميع‪ .‬ويرى فيبر أن عملية العقالنية هذه تؤثر في الحياة االقتصادية والقانون واإلدارة‬

‫وأنها تشكل االساس في ظهور ال رأسمالية والبيروقراطية والدولة القائمة على أحكام القانون‪.‬‬

‫وجوهر عملية العقالنية هو النزوع المت زايد للفاعلين االجتماعيين نحو استخدام المعرفة في‬

‫إطار عالقات غير شخصية بهدف تحقيق سيطرة أعظم على العالم المحيط بهم‪.‬‬

‫وقد اقترح فيبر في كتابه االقتصاد والمجتمع عدة أنماط من العالقات االجتماعية داخل‬

‫التنظيم‪ ،‬وخاصة أشكال الهيمنة السياسية‪ .‬إن أشكال الهيمنة في عددها ثالثة‪ :‬الهيمنة‬

‫العقالنية والهيمنة التقليدية والهيمنة الكاريزمية‪ .‬وهذه النمذجة تتأسس على خاصية التحفيز‬

‫التي تقود للطاعة‪ .‬وهذه األنماط هي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬الهيمنة التقليدية‪ :‬تتأسس مشروعية هذا النمط على الصفة المقدسة للتقاليد داخل‬

‫تنظيم معين والهيمنة التقليدية م رتبطة بالمكانة االجتماعية للقائمين على السلطة‪.‬‬

‫وحسب فيبر فهذا النمط من السلطة له ثأثير على المجتمع‪ ،‬يتمثل أساسا في‬

‫إضعاف مواقف وأنشطة األف راد س واء االقتصادية ال واعية أو العقالنية‪ ،‬بمعنى أن‬
‫القائد أو الحاكم الذي يعتمد هذه االمتيازات للتصرف في المجتمع يجعل األفراد‬

‫غير قادرين على القيام بمبادرات اقتصادية ومالية وتجارية …مخافة االصطدام‬

‫بسلطة القائد أو الحاكم‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الهيمنة الكاريزمية‪ :‬يقصد بالكاريزما مجموعة من الصفات والخصائص غير االعتيادية‬

‫التي يتميز بها شخص سواء كانت هذه الصفات حقيقية أو غير حقيقية‪ .‬ويرتبط هذا النمط‬

‫أساسا بقوة شخصية معينة ذات هالة قوية‪ .‬وتقوم سلطة هذا النمط على قوة القائد عبر قدرته‬

‫على اإلقناع وجمع وتجميع الجميع من حوله‪ ،‬وهي مواصفات تفوق مواصفات باقي‬

‫األشخاص العاديين‪ .‬والتاريخ الغربي والشرقي مليء بنماذج كاريزمية واضحة‪ .‬إن مصطلح‬

‫“القائد الكارزمي” ظهر بشكل كبير في العصر الحديث‪ ،‬وحسب فيبر فهذا النوع من القادة‬

‫الكارزميين يظهرون في المجتمعات العقالنية عند مرورها بأزمات‪ ،‬بحيث أن المؤسسات‬

‫السياسية تصبح غير قادرة على القيام بأد وارها ووظائفها‪ ،‬ومن هنا تظهر زعامات إما‬

‫سياسية أو دينية… تدعوا إلى التغيير وضرورة تطوير النظام السياسي بشكل عام‪ .‬ويضيف‬

‫فيبر أن هذا النوع من السلطة غير عقالني وانما انفعالي يعتمد على الثقة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬الهيمنة العقالنية ‪ /‬القانونية‪ :‬يرتبط هذا النموذج داخل أي تنظيم بسلطة القانون الواضح‬

‫والصريح وغير الشخصي‪ .‬إن السلطة العقالنية حسب فيبر تستمد شرعيتها من القانون‬

‫والقواعد والنصوص القانونية…إن السيطرة العقالنية هنا هي من مميزات التنظيمات‬


‫وا لمجتمعات الحديثة‪ .‬والممارس للسلطة في هذه الحالة يستند لهذه القواعد والق وانين غير‬

‫الشخصية‪ ،‬من هنا تكون سلطته محدودة‪.‬‬

‫ويعتقد فيبر أن من أهم األسباب التي ساعدت أوروبا في االنتقال من مرحلة النظام‬

‫االقطاعي إلى مرحلة الدولة ‪-‬االمة في صورتها الديمق راطية بعد مرورها من الملكيات المطلقة‬

‫هو تجريد السلطة من طابعها الشخصي واضفاء الطابع المؤسساتي العقالني‪.‬‬

‫إن فيبر من خالل تقديمه للنماذج السابقة حاول أن يمنحنا أنماطا مثالية والمقصود‬

‫بذلك‪ ،‬مجموعة من البناءات النظ رية الهادفة إلى القيام بمقارنات مع الواقع وكذلك تحليل‬

‫الفوارق‪.‬‬

‫وقد قدم فيبر تصوره بخصوص التنظيمات الحديثة من خالل ما يعرف ب”التنظيم‬

‫البيروقراطي”‪ ،‬وحسب فيبر‪ ،‬فالبيروقراطية هي شكل من أشكال التنظيمات االجتماعية‬

‫الحديثة‪ ،‬بحيث أصبحت هذه الظاهرة تعرف نموا مفرطا سواء في حجمها أو في مجاالت‬

‫اختصاصاتها في المجتمعات الصناعية‪ ،‬س واء في القطاع العام أي إدارة الدولة أو القطاع‬

‫الخاص‪.‬‬

‫وتمثل اإلدارة البيروق راطية النمط الخالص للهيمنة الشرعية‪ ،‬وتندرج السلطة المبنية على‬

‫الكفاءة وليس على األصل االجتماعي‪ ،‬ضمن إطار من وضع تدابير موضوعية غير‬

‫شخصية‪ ،‬وينقسم تنفيذ المهام إلى وظائف متخصصة ذات حدود محددة بشكل منهجي‪.‬‬

‫وتدار المهن بقرائن موضوعية من الكفاءة واألقدمية… وليس عن طريق قرائن فردية…‬
‫ويحدد فيبر أن هذا النمط من التنظيم ليس خاصا باإلدارة العامة‪ ،‬بل يخص أيضا‬

‫التنظيمات ال رأسمالية الكبرى‪ .‬وتتصف البيروقراطي ة بنمط إداري وبنمط من التنظيم مؤسس‬

‫على عقلنة األهداف مثلما بدأ تطبيقها مع ‪ F.W.Taylor‬و‪ ، H.Fayol‬هذه العقالنية تمس‬

‫أيضا أشكال الفكر‪ ،‬عبر انطالقة العلوم والتقنيات‪ .‬إن التحول العلماني والتحول التقني للفكر‬

‫يضعان نهاية لعالم األساطير والمعتقدات الدينية‪ .‬وهذا هو معنى الصياغة الجميلة لتعبير‬

‫“نزع السحر عن العالم‪Disenchantment.‬‬

‫وضع فيبر مجموعة من الخصائص‪ ،‬وهي تعتبر في رأيه كمعايير لنجاح أو فشل‬

‫التنظيم‪ ،‬وهذه القواعد تستمد من المجتمع الكلي‪ ،‬أي أن المجتمعات ال رأسمالية وصلت درجة‬

‫من العقالنية بحيث أصبح ال مجال للعواطف والقيم التقليدية‪.‬‬

‫فالنموذج المثالي أو النمط الخالص للسيطرة الشرعية عند فيبر هو التسيير اإلداري‬

‫البيروقراطي‪ .‬وتكون صالحيات من يملك السلطة في هذا التسيير عبارة عن “كفاءات ”‬

‫شرعية س واء كانت هذه الصالحيات نابعة من الملكية أو بموجب انتخابات أو عن ط ريق‬

‫تعيين سابق‪ .‬وتتشكل االدارة المسيرة في صيغتها الخالصة من موظفين فرديين تتوفر فيهم‬

‫مجموعة من المواصفات‪:‬‬

‫أنهم أحرار‪ ،‬وال يخضعون سوى للواجبات الموضوعية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يتوزعون حسب تراتبية للوظيفة الموضوعة بشكل محكم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يتمتعون بكفايات مرتبطة بالوظيفة ومعترف بها‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫إنهم موضوع تعاقد‪ ،‬ولهذا يخضعون مبدئيا إلنتقاء مفتوح‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يتم هذا اإل نتقاء بناء على التأهيل المهني‪ ،‬وهو في الحاالت األكثر عقالنية‪ ،‬تأهيل مهني‬ ‫‪‬‬

‫يتم التحقق منه من خالل االمتحان‪ ،‬وعن طريق الشهادة‪.‬‬

‫تمنح لهم أجور قارة حسب المركز في التسلسل االداري وحسب المسؤولية التي يتحملونها‬ ‫‪‬‬

‫كما يتمتعون بالحق في التعاقد‪(…).‬‬

‫يتصرفون إزاء وظيفتهم كمهنتهم الوحيدة أو الرئيسية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬لهم مسار مهني‪ ،‬ويتسلقون الدرجات تبعا لألقديمة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ويربط فيبر ظهور النموذج البيروقراطي الذي يتميز بالعقالنية والموضوعية إلى‬

‫مجموعة من الظروف االجتماعي ة والثقافية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬ومن بين هذه الع وامل‬

‫نجد‪:‬‬

‫‪ -‬التطور الذي عرفه االقتصاد النقدي‪ ،‬مما أتاح دفع االجور النقدية‬

‫للمنتسبين للتنظيم‪.‬‬

‫‪ -‬ظهور نظام ضريبي وفر لألجهزة البيروقراطية الحكومية االستفادة من‬

‫مداخيل قارة‪.‬‬

‫هنا يشير فيبر على أن مستوى التنظيم البيروق راطي في المجتمعات الحضرية أعلى‬

‫وأكثر تطو ار من نظي راتها غير الحض رية بسبب حضوره في األولى واختفاءه في الثانية‪،‬‬

‫إضافة إلى ما سبق‪ ،‬فتراكم المشاكل ونمو حجم العمل داخل المجتمعات الحديثة كان له دور‬
‫في تشجيع ظهور التنظيم ا لبيروقراطي‪ .‬إن التنظيم البيروقراطي عند فيبر في حالة تمسكه‬

‫ونهجه للق واعد والممارسات واألفعال السابقة (اعتماد الكفاءات والتعاقد والتخصص وتقسيم‬

‫العمل والترقية…) يكون عبارة عن اليات عقالنية تسهم في عملية تحديت المجتمعات‪.‬‬

‫واجهت نظرية ماكس فيبر مجموعة من االنتقادات‪ ،‬ولكن رغم ذلك فتصوره مازال يتم‬

‫اعتماده في تسيير وتدبير مجموعة من التنظيمات س واء الحكومية أو غير الحكومية‪،‬‬

‫الصناعية أو غير الصناعية…‬

‫ما يمكن قوله بخصوص االنتقادات الموجهة لفيبر‪ ،‬أن أغلبها كان مصدره أصحاب‬

‫االتجاه الوظيفي في علم االجتماع‪ ،‬وهذه االنتقادات ت رتبط بالجانب الوظيفي للتنظيم‪ .‬فإذا‬

‫كان فيبر اهتم بموضوع اسهام العناصر التنظيمية المختلفة في تحقيق الفعالية‪ ،‬فإنه بالمقابل‬

‫لم ينجح في إب راز وكشف المعيقات الوظيفية التي تنطوي عليها هذه العناصر‪ .‬وحسب‬

‫ميرتون فالنموذج المثالي يفتقد تلك المالئمة (الموازنة) الالزمة بين الوظيفة والخلل الوظيفي‪.‬‬

‫وبالموازاة مع ذلك‪ ،‬ذهب ‪ Gouldner‬إلى ما أكده ميرتون‪ ،‬حيث أجرى جولدنر دراسة‬

‫امبريقية على أحد المصانع وتوصل أن تمة تناقضا خفيا في النموذج المثالي‪ ،‬ويتمثل‬

‫ذلك في مستويين‪ :‬التسلسل الرئاسي والمعرفة التقنية أي بين االدارة القائمة على الخبرة‬

‫الفنية واألخرى القائمة على النظام واالنضباط‪ ،‬حيث أكد انه في حالة توفر الخاصيتين‪ ،‬فإنه‬

‫من الصعب أن يؤدي التنظيم أنشطته في تكامل وانسجام‪ ،‬بمعنى أن فرص ظهور الصراع‬

‫ستكون كبيرة‪.‬‬
‫وهناك انتقاد شائع يشترك فيه دارسو التنظيمات ذوي االتجاهات المختلفة مؤداه‪ ،‬أن‬

‫نموذج فيبر قد بالغ في تأكيد الج وانب الرسمية والمظاهر النظامية للتنظيم‪ ،‬متجاهال بذلك‬

‫تلك العالقات االجتماعية غير الرسمية التي تنمو في التنظيم والتي تلعب دو ار هاما في‬

‫تحديد طابعه وأدائه لوظائفه‪ .‬ولقد كان فيليب سلزنيك من أ وائل من اهتموا بدراسة هذه النقطة‬

‫في مقالين نظريين هامين كما وجه كل من تشا رلز بيدج نقذه لنموذج فيبر بخصوص‬

‫ديناميات التنظيم‪ ،‬وكذلك اتزيوني وغيره ركزوا نقدهم ألنماط السلطة‪ .‬ومن أهم االنتقادات‬

‫الموجهة لنموذج فيبر‪ ،‬نجد انتقادات كروزيي والتي كانت نقطة انطالقه لبناء نظريته‬

‫الموسومة بالتحليل االستراتيجي‪.‬‬

‫إسهامات كروزيي وفريدبارغ‬

‫شكلت أعمال عالم االجتماع ‪ Michel Crozier‬وزميله ‪Erhard Friedberg‬‬

‫خصوصا ما يعرف بنظرية التحليل االست راتيجي إحدى أهم المحا والت في تطوير التحليل‬

‫المتعلق بالظاهرة البيروقراطية‪ .‬وقد قدم كروزيي قبل ذلك انتقادات لمجموعة من النظريات‬

‫خاصة منها الكالسيكية (تايلور وفورد وفايول…) وكذلك لمدرسة العالقات االنسانية (مدرسة‬

‫هارفارد‪ :‬أوليفر شيلدون والتون مايو…)‪ .‬وقد رفض كروزيي كل أشكال الحتمية المطلقة التي‬

‫ميزت الفكر التنظيمي‪ .‬وقد كان لماكس فيبر والوظيفية (ميرتون وبارسونز) وعلوم التنظيم‬

‫االمريكية تأثي ار بالغا على ميشيل كروزيي الذي يحاول تجاوز عيوبها ونقائصها النظرية‪،‬‬

‫فينتقد بالمناسبة م اكس فيبر في اعتقاده في التفوق المطلق للنموذج التسلسلي القانوني‬
‫والبيروقراطي‪ ،‬أما فيما يخص الفعالية‪ ،‬إذ يبين تحليل الوقائع أنه كلما ساد هذا النموذج كلما‬

‫كان التنظيم أقل فعالية‪ .‬ويمكن تقديم أهم مصادر التحليل االستراتيجي في العناصر أسفله‪:‬‬

‫‪ ‬مدرسة العالقات اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ ‬ماكس فيبر‪.‬‬

‫‪ ‬سوسيولوجيا التنظيم األمريكية‪ :‬أ‪.‬و‪.‬غولنير‪ ،‬بول سيلزنيك‪...‬‬

‫‪ ‬البنيوية الوظيفية‪ :‬ر‪.‬ك‪.‬ميرتون‪ ،‬تالكوت بارسونز‪...‬‬

‫انطلق كروزيي في نظريته التحليل االستراتيجي من محاولة تطوير التحليل المتعلق‬

‫بالظاهرة البيروقراطية‪ .‬وقد قدم كروزيي من قبل ذلك انتقادات لمجموعة من النظريات‪،‬‬

‫خاصة منها الكالسيكية (المدرسة الكالسيكية مع تايلور وفايول وفيبر…)‪ ،‬وكذلك لمدرسة‬

‫العالقات االنسانية (مدرسة هارفارد مع مايو…)‪ .‬وحسب كروزيي فإن اإلنسان في التنظيم ال‬

‫يمكن اعتباره كيد عاملة كما تصورت ذلك نظرية التنظيم العلمي للعمل لفردريك تايلور وال‬

‫كيد وقلب حسب مدرسة العالقات اإلنسانية‪ ،‬إن هذه االتجاهات وغيرها تتناسى‪/‬تغفل فكرة أن‬

‫اإلنسان يملك عقال يفكر به‪ ،‬وله حرية وبمعنى أكثر وضوحا‪،‬إنه عبارة عن فاعل مستقل‬

‫قادر على الحساب والتحكم والتسيير‪ ،‬كما أنه قادر على التأقلم واالبتكار في ظل الظروف‬

‫السائدة وحركية باقي الشركاء ‪ .‬كما وجه كروزيي انتقاده ألنصار االتجاه السلوكي في فهم‬

‫التنظيم‪ .‬وقد أكد ذلك من خالل اعتباره أن التفسيرات التي قدمها السلوكيون تبقى محدودة‬

‫على اعتبار أنهم ركزوا على العالقة الفردية للفاعل في التنظيم‪ ،‬فهم اعتبروا أن األفراد في‬
‫التنظيم يتوفرون على نماذج مثالية للصحة النفسية والعقلية‪ ،‬بمعنى أن تفسير األلعاب‬

‫التنظيمية يتم انطالقا من المستوى النفسي والعقلي فقط‪ .‬هنا يكون أصحاب هذا االتجاه إما‬

‫أمام إهمال لكل التعقيد الذي يميز السلوكات اإلنسانية في التنظيم أو المقاولة‪ ،‬والذي قد تنفي‬

‫حتى أكثر النظ ريات التي تدعي معرفة بالدافعية‪ ،‬هذا إلى جانب التركيز على الفرد وتناسي‬

‫وجود الجماعة‪ .‬إن التحليل اإلست راتيجي يبقى بمثابة انقالب كلي في التصور مقارنة بالتنظيم‬

‫العلمي للعمل )‪ (OST‬واتجاه العالقات االنسانية‪.‬‬

‫لقد رفض كروزيي كل أشكال الحتمية المطلقة التي ميزت الفكر التنظيمي‪ .‬وقدم كروزيي‬

‫أفكاره في عملين أساسيين هما‪:‬‬

‫الظاهرة البيروقراطية ‪.1963‬‬ ‫‪‬‬

‫الفاعل والنسق ‪.1977‬‬ ‫‪‬‬

‫حاول كروزيي تقديم انتقادات للتصور البيروقراطي‪ ،‬بمعنى أن العالقة بين التنظيم والفرد هي‬

‫وليدة لعبة ‪ Jeu‬بين طرفين في التنظيم من خالل الضوابط الرسمية التي يكوم هدفها تنظيم‬

‫سلوكات األفراد مما يخلق عوائق أمام الفاعل‪ ،‬وهذا األخير بهدف تجاوزها يكون أمام ضرورة‬

‫تبني است راتيجيات معينة تختلف من فاعل إلى اخر انطالقا من الكفاءة المعرفية من جهة‬

‫والظروف التنظيمية التي يعيشها الفاعل من جهة أخرى‪.‬‬


‫لقد حاول كروزيي من خالل نظريته التحليل االستراتيجي تقديم تصور جديد يحاول‬

‫دراسة عالقات السلطة داخل التنظيم‪ .‬ويمكن تناول نظرية التحليل االستراتيجي من خالل‬

‫مستويين‪:‬‬

‫مسلمات التحليل االستراتيجي‪.‬‬

‫‪ Philippe Bernoux‬في عمله الموسوم ب ‪:La sociologie des‬‬ ‫حسب‬

‫‪ entreprises‬فنظرية التحليل االستراتيجي تقوم على أربع مسلمات رئيسة‪:‬‬

‫‪ -‬المسلمة األولى‪ :‬التنظيم هو بناء والفاعلون فيه هم من يؤسسون االجابات على االك راهات‬

‫التي يواجهونها…‬

‫‪ -‬المسلمة الثانية‪ :‬حسب كروزيي االفراد داخل التنظيم ال يقبلوا أن يعاملوا كأدوات ووسائل‬

‫بهدف تحقيق أهداف التنظيم‪ ،‬وهذا مفاده ان لكل منهم غاياته وأهدافه الخاصة‪ .‬إن هذا‬

‫الطرح ال يعني حتما أن االهداف الخاصة متناقضة ومتعارضة مع أهداف التنظيم‪.‬‬

‫وحسب بي رنو فإن هذه المسلمة يمكن االستنتاج منها أن أي تنظيم مهما وصلت مراقبته‬

‫واخضاعه ألفعال وسلوكات المنتمين إليه‪ ،‬فإن هذه العقالنية تبقى محدودة وغير مطلقة‪.‬‬

‫‪ -‬المسلمة الثالثة‪ :‬الفاعل داخل التنظيم يتمتع بنوع من الحرية‪ ،‬وهذه األخيرة تمنح له درجة‬

‫من االستقاللية عن التنظيم مما يمكنه من الحصول على قدرة االختيار في أن يسهم‬

‫ويشارك أو العكس من ذلك‪ ،‬حتى وان كان مفروض عليه المشاركة‪ .‬االستقاللية هنا‬

‫تعطيه إمكانية تحديد مستوى المشاركة؛ فالتنظيم يسعى إلى الحد من درجة هذه االستقاللية‬
‫والفاعل يحاول انطالقا من ما يتوفر عليه من قدرات أن يعزز هذه االستقاللية أو على‬

‫االقل أن يحافظ عليها‪.‬‬

‫‪ -‬المسلمة ال رابعة‪ :‬يعتبر كروزيي أن االست راتيجية التي يختارها الفاعلين‪ ،‬س واء في عالقتهم‬

‫ببعضهم البعض أو في عالقتهم بالتنظيم تتميز بالعقالنية إال أن هذه العقالنية محدودة‬

‫وذلك راجع بطبيعة الحال إلى وجود استراتيجيات أخرى مضادة‪ ،‬إضافة إلى ع وائق السياق‬

‫المتعددة‪ .‬وهنا ال يمكن ألي فاعل مهما كانت له القدرة أن يجد الوقت والوسائل التي‬

‫تمكنه من التوصل إلى حل عقالني أو أمثل بهدف تحقيق أهدافه‪ .‬وهنا يكون هذا الفاعل‬

‫أمام حل مرضي نسبيا أو أمام الحل األقل ضرار بالنسبة إليه في ظل الحواجز‬

‫واإلمكانيات التي يحتكم إليها‪.‬‬

‫وا لى جانب هذه المسلمات‪ ،‬اعتمد كروزيي على جهاز مفاهيمي بمثابة اإلطار النظرى‬

‫والمنهجي األساسي لبسط وتدعيم نظ ريته في فهم وتحليل الحقل التنظيمي سوسيولوجيا‪ ،‬ومن‬

‫هنا فإن فهم نظريته هذه يتطلب ضرورة تحديد وعرض أهم المفاهيم األساس‪:‬‬

‫الفاعل ‪ Acteur:‬التنظيم أو الم قاولة تتفاعل داخله مجموعة من العناصر‪ ،‬الفاعلين‬

‫االجتماعيين‪ .‬والفاعل قد يكون فردا أو جماعة‪ .‬وهذا الفاعل يتبنى استراتيجية معينة بهدف‬

‫توفير أكبر الحظوظ المكنة للربح والمنافع الذاتية‪ .‬االستراتيجية ال تكون بالضرورة واضحة‬

‫وواعية ضمن الفرد ويتم شرحها من بعد ما يمر الفاعل للممارسة‪.‬‬


‫ترتبط هذه االست راتيجة بعقالنية محدودة ومتعددة باختالف الوضعيات التي يتموضع فيها‬

‫الفاعل االجتماعي‪ ،‬فداخل المقاولة يتحدد الفاعل االجتماعي من خالل تفاعله مع اآلخر‪،‬‬

‫وقد يتكتل وا في فاعل اجتماعي واحد بهدف تحقيق هدف معين وحسب وضعية معينة‪ ،‬لكن‬

‫بعد تحقيق هدف هذا الفاعل‪ ،‬يتفكك من جديد ليعطي فاعلين اجتماعيين كل مستقل وكل له‬

‫رهاناته الفردية‪ ،‬واالستراتيجية تتحقق عبر الوضعية واإلك راهات ثم العقالنية ‪ .‬تبقى استراتيجية‬

‫الفاعل حسب كروزيي كل تصرف ذو معنى حتى لو لم يكن مرغوبا فيه‪ ،‬أو كان مصدره من‬

‫الفاعل عن غير وعي‪.‬‬

‫السلطة‪ Pouvoir :‬تعد السلطة من المفاهيم األساس عند كروزيي‪ ،‬وهي ال تأتي من‬

‫الموقع الهرمي الذي يحتله الفاعل‪ ،‬بل انطالقا من التصورات والتمثالت التي يصبها‬

‫األفراد على هذا الفرد‪ ،‬وليس ما يخوله القانون من الحق في إعطاء األوامر في‬

‫اإلدارات‪ .‬إنها نسق ي حدد العالقات بين العمال واإلدارة وهي القد رة على التأثير‪ ،‬إن‬

‫السلطة هنا ليست صفة بل إنها عالقة تبادل يتم التفاوض بخصوصها‪ .‬إن السلطة‬

‫كمفهوم عند كروزيي تبقى عنص ار أساسيا في التحليل السوسيولوجي الكروزيي‪ ،‬وهذا ما‬

‫نجده بار از عند الرجوع إلى أعماله‪ ،‬خاصة منها مؤلفه الموسوم بالظاهرة البيروقراطية‬

‫وأيضا مؤلفه الفاعل والنسق‪ .‬وحسب كروزيي فالسلطة تشمل أو تستلزم دائما إمكانية‬

‫أن بعض األف راد أو المجموعات لهم قدرة التحكم في أفراد أو مجموعات أخرى؛ وهذا‬

‫التحكم يقصد به الدخول معهم في عالقة‪ ،‬وهذه األخيرة تتطور في خضمها سلطة‬
‫الب عض على البعض األخر‪ .‬إن السلطة عند كرزيي ليست صفة‪ /‬ميزة يتسم بها‬

‫الفاعلون‪ ،‬ولكنها عالقة تبادل تتأسس انطالقا من التفاوض بين شخصين على اإلقل‪.‬‬

‫يحدد كروزيي أربعة مصادر للسلطة وهي‪:‬‬

‫الخبرة التقنية والمعرفة والمهارات؛ وتعتبر الخبرة مهارة يتم التفاوض من أجلها؛ في بداية‬ ‫‪‬‬

‫القرن العشرين‪ ،‬كان العمال المؤهلون يمتلكون سلطة فعلية على زمالئهم وعلى المؤسسة‬

‫كلها‪ ،‬وذلك جراء مها راتهم التقنية التي جعلت منهم مصدر قوة في المؤسسات اإلنتجية‬

‫الكبرى‪ .‬لكن "تايلر" في تنظيمه العلمي للشغل" فطن إلى هذه السلطة التقنية والرمزية التي‬

‫يحتك رها العمال في المؤسسات فجردهم من هذه سلطة ووضعها في خلية المهندسين"‪ ،‬ومن‬

‫ثمة استطاع تايلر أن يحصر هذه السلطة في يد الخب راء تحت مصوغات سيادة "التنظيم‬

‫العقالني أو العلمي للشغل"‪.‬‬

‫التحكم في المعلومات والمعطيات ووسائل التواصل؛‬ ‫‪‬‬

‫التحكم في القواعد وتوزيع الوسائل؛‬ ‫‪‬‬

‫التحكم في العالقات مع المحيط الخارجي الذي تتفاعل معه المؤسسة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مناطق الظل ‪ Zone d’incertitude:‬هي المصدر الذي يستمد منه الفاعل سلطته‬

‫على اآلخرين‪ .‬فالجانب الرسمي داخل التنظيم ال يستطيع أن يقنن ويهيكل كل الجزئيات‬

‫والتفاصيل بهدف الحد من درجة حرية الفاعل وتقويض استقالليته‪ ،‬وهذا يجعل التنظيم‬

‫يترك ف راغا أو منفذا يعمل العامل على استغالله في بناء است راتيجية معينة‪ ،‬إما هجومية أو‬
‫دفاعية‪ .‬إن هذا االستغالل لمناطق الظل من قبل فاعل معين يمنحه األسبقية عن باقي‬

‫األطراف المتفاعلة معه في تلك العالقة التبعية التي تجمعهم ببعضهم البعض داخل‬

‫المجال التنظيمي‪ ،‬وتصبح بالنسبة إليه مصد ار للسلطة‪ ،‬وتزيد أهمية منطقة الظل وتنقص‬

‫حسب درجة تبعية األف راد االخرين إليه وحسب درجة سلطته عليهم وكذلك من عدم قدرة‬

‫هؤالء على االستغناء عليه أو على الكفاءة والقدرة التي يمتلكها‪.‬‬

‫تخضع التنظيمات وبصفة مستمرة بكثافة لمشاكل ت رتبط بمناطق الظل )عدم اليقين( على‬

‫مستويات عدة‪ :‬قد تتعلق بالمستويات التقنية أو االقتصادية أو المالية أو بتدبير الموارد‬

‫البشرية‪ ...‬؛ والفاعل الذي يستطيع أن يضبط هذه القضايا المرتبطة بمناطق الظل‪ ،‬من خالل‬

‫مؤهالته أو شبكة العالقات التواصلية‪ ،‬ويمكنه أيضا أن يتوقع حدوثها فإنه يمتلك موردا مهما‬

‫للسلطة‪ .‬إن"عدم اليقين" يوجد دائما على جميع المستويات‪ ،‬مخوال بذلك استقاللية أكثر‬

‫للفاعلين‪ .‬فعدم اليقين يظل في حد ذاته غير معرف بالتعيين‪ .‬وعليه‪ ،‬يتم الحديث في معظم‬

‫األحيان عن "مناطق ظل"‪ ،‬حيث سيقع أو يمكن أن يقع أي شيء‪ .‬تفترض القواعد الشكلية‬

‫ومختلف الضوابط في التنظيمات توقع اإلجابات اإلجرائية لمشاكل يمكن توقعها وتحدد ـ‬

‫القواعد ـ سلوكي ات األف راد للوصول إلى الهدف النهائي‪ ،‬أي إنتاج سلعة معنية أو تقديم‬

‫خدمات معينة‪ .‬لكن بالرغم من الحرص الشديد في صياغة القواعد والضوابط التنظيمية‪،‬‬

‫وتحديد المهمات وترتيبها‪ ،‬فإنه ال يمكن توقع كل المشاكل الممكن حصولها في المؤسسة‪.‬‬

‫وانطالقا من هذا‪ ،‬يظل دائما في كل التنظيمات مناطق غير معرفة أو غير محددة بوضوح‪،‬‬
‫حيث يوجد "نقص" في التفكير العقالني‪.‬أو توجد مناطق غير معرفة نتيجة نقص في القواعد‬

‫أو الضوابط‪ .‬ويسمي "ميشال كروزييه" هذه المناطق "بمناطق الظل" إنها المناطق التي تكون‬

‫فيها أنشطة ال فاعلين وتنسيقها غير واضحتين بالدقة المرجوة‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬حيث ال تكون‬

‫القواعد الشكلية غير دقيقة‪ .‬وتتميز هذه المناطق بالنسبة إلى الفاعلين بكونها فضاءات تقل‬

‫فيها الضغوطات واإلكراهات‪ ،‬ويستفيد الفاعلون بهامش كبير للحرية‪ ،‬حيث يوظفونه من‬

‫أجل فرض قواعد جديدة تميزهم في تأدية أنشطتهم‪ .‬وحسب "فريدبيرغ" )‪ ( E.Friedberg‬إن‬

‫الفاعلين يجدون دائما مجاال للحرية الذي ال يمكن تقنينه‪ ،‬فيستغلونه أفضل استغالل لتحقيق‬

‫إستراتيجيتهم‪.‬‬

‫كما يسعى الفاعلون لمراقبة "مناطق الظل" التي ت نشأ فيها عالقات السلطة‪ .‬وتبعا لغياب‬

‫القواعد حول ذات المناطق أو عدم وضوحها وضوحا تاما‪ ،‬تنتج بالنسبة للبعض حسب‬

‫وضعيتهم في التنظيم وصالحياتهم هوامش إضافية للح رية؛ أما بالنسبة إلى ا لبعض اآلخر‬

‫تترتب إك راهات جديدة ومن ثمة تقليص من هامش الح رية المعتاد‪ .‬وعن هذه االختالفات‬

‫وتتمخض عنها أيضا مشاكل في إنجاز األنشطة والتنسيق بينها‪.‬‬ ‫تنشأ موارد للسلطة‪،‬‬

‫ونتيجة للمشاكل التي قد تواجههم‪ ،‬يجب على الفاعلين إيجاد حل وال باعتبارها حصيلة ت وافقات‬

‫حول ذات المشاكل‪ .‬وتعد السيطرة على "مناطق الظل" هذه مهمة نظ ار لكون توفر "سلطة ال‬

‫شكلية" بالنسبة إلى ا لذي يستطيع استثمارها لمصالحه وتعزيز نفوذه في المؤسسة‪ .‬كما أنها‬

‫توفر للفاعل هامشا جديدا من الحرية وموارد جديدة للتفاوض‪.‬‬


‫تخضع كل المقاوالت وبصفة دائمة لمناطق "عدم اليقين" تختلف أهميتها وحدتها حسب‬

‫الظروف؛ وقد تتعلق ذات المناطق الظل بظروف تقنية أو مالية أوم وارد بش رية أو تجارية أو‬

‫غياب معطيات إ لخ‪ .‬وكل فرد استطاع أن يسيطر على "مناطق الظل" انطالقا من مها راته‬

‫وشبكة العالقات الت واصلية ‪ ،‬فإنه يحرز على م وارد مهمة للسلطة داخل المؤسسة‪ .‬وتصبح‬

‫سلوكاته غير متوقعة‪ .‬يوجد إذن "عدم اليقين" دائما في المؤسسة‪،‬وعلى جميع المستويات؛‬

‫وهذا ما يعطي بالضبط هامش المناورة للفاعلين‪ .‬و"عدم اليقين" ال يمكن بطبيعته التعريف‬

‫به‪ ،‬ومن ثمة‪ ،‬نفضل الحديث وعن "مناطق ظل"‪ ،‬عن مجاالت أو أماكن من المحتمل أن‬

‫يقع فيها شيء ما‪.‬‬

‫النسق الفعلي لألفعال ‪Système d’action concret‬‬

‫كل تنظيم يتكون من مجموعة معينة من الفاعلين‪ ،‬وهؤالء الفاعلين يعملون على هيكلة‬

‫وتنظيم عالقاتهم إما عن طريق الت رابط المتبادل‪ ،‬واما عن طريق التفاعل المتبادل‪ ،‬وهذا‬

‫يحدث في الوضعية المستقرة للتنظيم‪ .‬وهنا يكون النسق الملموس لألفعال هو تلك الكيفية‬

‫التي يهيكل بها الكيان البشري في التنظيم باعتبارهم فاعلين اجتماعيين عالقاتهم الداخلية‪،‬‬

‫بمعنى أخر‪ :‬الط ريقة التي ينظم بها الفاعلون نسق عالقاتهم التفاعلية بهدف مجابهة ومعالجة‬

‫مختلف اإلشكاالت التدبيرية والتسييرية واالنتاجية… ‪ ،‬وه ؤالء الفاعلين حين قيامهم بذلك‪ ،‬ال‬

‫يكون وفق صورة حيادية وجردة ولكن وفق أهدافهم التي تكون ضمنيا أو علنيا متوافقة مع‬

‫غايات التنظيم‪ .‬وهذا النسق الفعلي لألفعال يشمل بدوره نسقين فرعيين هها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬النسق الفرعي لضبط العالقات ‪Le système de régulation des‬‬

‫‪ relations‬م جموع القواعد والضوابط التي يتم إنتاجها من قبل االف راد داخل‬

‫التنظيم‪ ،‬وهدفها حل ومعالجة المشاكل اليومية للتنظيم من جهة أولى‪،‬‬

‫وتوجيه ومعيرة سلوكاتهم وأفعالهم في عالقاتهم ببعضهم البعض من جهة‬

‫ثانية‪ ،‬وفي عالقتهم بعملهم أو موضوعاتهم اليومية من جهة ثالثة‪ .‬فمثال إذا‬

‫وقع عطل في آلة من اآلالت ماذا يفعل العامل المكلف من أجل مواجهة‬

‫هذه اإلشكالية اإلنتاجية‪ ،‬هل يتصل بمسئوله المباشر؟ أو بالعون المعني؟‬

‫أو بمسؤول العامل المعني؟… إلخ إذن هناك نسق من القواعد والقوانين‬

‫مهما كانت جزئية وغير مشكلة بصورة رسمية‪ ،‬فهي تعمل على ضبط‬

‫العالقة بين الفاعلين المت واجدين داخل المنظمة وهذا ما يطلق عليه بالنسق‬

‫الفرعي لضبط العالقات‪.‬‬

‫نسق التحالفات ‪ Système des alliances :‬وهو النسق الذي يحكم‬ ‫ب‪-‬‬

‫التحالفات بين الفاعلين داخل التنظيم‪ ،‬بحيث في هذا الشكل من العالقات فإن‬

‫الفاعل المعين من أجل قضية معينة فإنه يعرف جيدا من هو الحليف أو‬

‫الحلفاء الذين سيساندونه‪ ،‬فإن التحالفات داخ ل المؤسسة مي زتها األساسية أنها‬

‫ظرفية وم رتبطة بقضية محددة وعلى أساسها يتم تحديد كيف أن المجموعة‬

‫تعالج قضاياها المطروحة عليها‪ ،‬انطالقا من أهدافها الخاصة وأهداف‬


‫المجموعة المنتمية إليها‪ .‬فالنسق الفرعي للتحالفات ضروري في المؤسسة‪،‬‬

‫لكون أنها معرضة دائما لعدد كبير من حاالت االرتياب والحلول المقترحة‬

‫لهذه االرتيابات ليست بديهية أو مبرمجة مسبقا مما يجعل الفاعلين يتجابهون‬

‫ويتنازعون بسببها لفرض الحلول التي ي راها كل فاعل (سواء كان فردا أو‬

‫مجموعة) بأنها هي المناسبة‪ ،‬وذلك كما قلنا مع األخذ بعين االعتبار‬

‫است راتيجياتهم الخاص ة سواء للمحافظة على وضعياتهم في التنظيم كما هي أو‬

‫لتعظيمها‪ .‬أما الذي يفرق بين النسق الفرعي األول عن النسق الفرعي الثاني‬

‫هو أن نسق التحالفات يتميز بالظرفية ويكون عادة مرتبط بحاالت خاصة‬

‫وطارئة‪ ،‬أما نسق ضبط العالقات يتميز بالديمومة ويقوم بتنظيم وهيكلة‬

‫العالقا ت المستقرة والمنتظمة‪ .‬أما عن المحتوى الذي يعطيه كل من‬

‫كروزيي وفريدبارغ لمفهوم النسق الفعلي لألفعال بأنه يرتكز فقط على الق واعد‬

‫والض وابط التي تحكم قواعد اللعبة االستراتيجية في التنظيم وتتميز باالستق رار‬

‫النسبي أي أن النسق الفعلي لألفعال هو مطابق أو يشتمل فقط على النسق‬

‫الفرعي لضبط العالقات أو كما ترى دبيرفيل بياتريس وآخرون “ أن النسق‬

‫الفعلي لألفعال عند كروزيي وفريدبارغ يعني وجود حد أدنى من االنتظام‬

‫والت رابط المتبادل على خلفية الفوضى الظاهرة في العالقات االست راتيجية بن‬
‫الفاعلين ‪-‬سواء كانوا أفرادا أو مجموعات ‪ -‬المتواجدين في حقل تنظيمي‬

‫معين‪.‬‬

‫العقالنية ‪Rationalité‬‬ ‫‪‬‬

‫القدرة على ترشيد الم وارد المادية والفكرية لبلوغ أهداف معينة‪ .‬وليس هناك عقالنية‬

‫وحيدة؛ ألن هناك وسائل واست راتيجيات متعددة لتوظيف الم وارد بغية الوصول إلي الغايات‬

‫وتحقيق النتائج‪ .‬وحسب ‪ March‬و ‪ Simon‬فاإلنسان تبنى نمط تفكير أحادي الجانب‬

‫للوصول إلى الحد األقصى للفائد والمكاسب وحل أمثل لجميع المشاكل بطريقة خطية يتبعها‬

‫الفرد دون أن يترك المجال للت فكير‪ .‬وهذا النموذج في التفكير والعقلنة خاطئ في نظر‬

‫كروزيي ووفريدبارغ ‪ ،‬إذ أن حرية وأهداف وعقالنية وحاجيات ومشاعر الفاعلين تبنى اجتماعيا‬

‫وليست معطيات مجردة‪ ،‬كما أن الفاعلين ال يمتلكون سوى ح رية محدودة وعقالنيتهم أيضا‬

‫محدودة‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬فاإلشكال ال يتعلق بالتفكير أو بالتفسير‪ ،‬لكن يتعلق بإست راتيجية البحث التي تسمح‬

‫بمعرفة الظروف المادية والبنيوية واإلنسانية لل ظرفية التي تحت وتعرف هذه الحرية وهذه‬

‫العقالنية‪ ،‬ومنه معنى السلوكات المالحظة في ال واقع‪ .‬أي فهم الظرفية التي تحدد تصرف‬

‫وسلوك واست راتيجية وعقالنية الفاعلين االجتماعيين والتي ال تالحظ كوقائع عينية في ال واقع‬

‫المعاش‪.‬‬
‫التنظيم‪Organisation :‬‬

‫التنظيم ال يمكن تعريفه كأنه جماعة من األفراد‪ ،‬إنه الفضاء الذي تنسج فيه عالقات‬

‫السلطة‪ ،‬وعالقات التفاعل بين التأثير والتأثر‪ ،‬التسويق والتبادل التجاري والحساب (ترشيد‬

‫الموارد(‪.‬‬

‫التنظيمات‪ /‬المقاوالت ليست آليات ضغط واك راه كما تظهر لمنتقديها‪ ،‬فعالقات الصراع‬

‫والتن افر ليست موجودة وفق مخطط قبلي‪ ،‬والمقاولة ليست محبولة على الص راع لكنها تشكل‬

‫ذلك الفضاء الذي يتم فيه التعبير عن التناقضات والرهانات المختلفة‪ ،‬لكن في ذلك الوقت‬

‫هناك تنسيق بين األفراد‪ .‬إن التنظيم ال يمكن تعريفه تعريفا ماديا كتحديد عيني‪ ،‬بل هو شيء‬

‫يبنى اجتماعيا وبه رهانات مختلفة‪ ،‬ومظاهر للتنسيق…إن كروزيي وفريدبارغ يعتبران أن‬

‫التنظيم ظاهرة سوسيولوجية‪ ،‬وهو بناء اجتماعي يوجد ويتغير فقط لكون أنه يستطيع االستناد‬

‫إلى ألعاب تمكنه من االندماج مع است راتيجيات الفاعلين به‪ ،‬كما أنه يضمن للمشاركين‬

‫استقالليتهم كفاعلين أحرار ومتعاونيين‪.‬‬

‫حسب كروزيي التنظيم ال يستطيع أن يشتغل كآلة ولن يستطيع ذلك أبدا‪ ،‬فمردوديته لها‬

‫عالقة بكفاءة الكل االنساني المكون له فيما يتعلق بتنسيق األنشطة بطريقة عقالنية وهذا‬

‫مرتبط بتطور التكنولوجيا ولكن مرتبط أساسا بالشكل الذي يكون فيه األفراد قادرين على‬

‫ممارسة اللعب‪ ،‬أي بمعنى لعبة التعاون فيما بينهم‪.‬‬


‫بعض التصورات النقدية‬

‫إن إسهامات م‪ .‬كروزيي في حقل سوسيولوجيا التنظيمات تبقى ذات عمق سوسيولوجي هام‪.‬‬

‫لقد اسهم التحليل االست راتيجي النسقي بال شك في تجديد سوسيولوجيا التنظيم انطالقا من‬

‫مفهوم عالقات السلطة‪ ،‬غير أنه بصفة عامة‪ ،‬يتغاضى عن مصادر التفاوت في عالقات‬

‫السلطة ومعنى ذلك أنه ال يتطرق إلى المحددات االجتماعية واالقتصادية والسياسية‬

‫والسيكولوجية والديمغرافية وغيرها‪ ،‬لهذا التفاوت في عالقات السلطة‪ .‬وبتعبير اخر يتجه‬

‫تحليل التنظيم االجتماعي للن زاعات ولعال قات السلطة إلى االلتفاف حول نفسه دون مرجعية‬

‫للع وامل الخارجية‪ .‬يقول كروزيي وف ريدبارغ إن “ القوة والث راء والسمعة والسلطة‪ ،‬وباختصار كل‬

‫موارد يكتسبها أ والئك أو هؤالء ال تتدخل إال حين تمنح حرية فعل أكبر”‪ .‬ولكن من أين تأتي‬

‫هذه الم وارد التي يكتسبها ه ؤالء وه ؤالء؟ هل تظهر في عالقة السلطة أم سابقة لها؟ يعترف‬

‫الكاتبان بأنهما يدركان “ التفاوت الهيكلي الذي يميز إمكانيات الفعل المتعددة لمختلف‬

‫“الالعبين” داخل التنظيم” ال كنهما ال يوليان له االعتبار في نموذجيهما؛ وذلك ما يالحظه‬

‫بيار رول )‪ (P.Rolle‬حين يقول أن‪“ :‬الورشة ما هي إال بلورة نشاطات ضمن نسق‬

‫يتجاوزها إلى حد بعيد جدا‪ ،‬والذي يرسم الشروط األساسية للتفاعالت التي نالحظها فيه‪،‬‬

‫نسق ال يمكن للمنظم تجاهله حتى وان لم يستطع تحويله”‪ .‬وعلى هذا األساس تقوم الفكرة‬

‫القائلة بإمكانية وجود تسلسل هرمي لعالقات سلطة تحددها ع وامل خارجية عنها‪ ،‬وذلك ما ال‬

‫يأخده تحليل كروزيي بالحسبان ‪ (..).‬ومن االنتقادات الموجهة لكروزيي أنه ركز‬
‫على اللعب في التنظيم ومناطق الظل كمصادر للسلطة مع إغفال م وارد خارجية مثل رأس‬

‫المال والقوى البوليسية واالنتماء الطبقي والطائفي أو كذلك التأثير الشخصي من طابع مادي‬

‫وسيكولوجي‪ ،‬وهذا ما دهب إليه سانسوليو )‪.(R.Sansaulieu‬‬

‫وعموما‪ ،‬يلقى التحليل اإلست راتيجي بذلك بعض الصعوبات في إحداث نقلة من‬

‫السوسيولوجيا الج زئية إلى تحليل المجتمع بصفة عامة‪ ،‬ذلك أن المجموعات االتصالية التي‬

‫أسسها‪ ،‬من الفرد إلى االجتماعي غير موجودة بهذه الصف ة‪ .‬وبتعبير اخر ال يمكن اختزال‬

‫االجتماعي في التنظيمي وحده الذي يخفي االرتياب مصدر السلطة‪ ،‬إذ من المؤكد وجود‬

‫قوى من طبيعة أخرى تــعبر االجتماعي‪ ،‬وعلى هذا األساس نتساءل عن ما إذا لم تمثل‬

‫الرغبة في وصف كل الحاالت االجتماعية بشبكة تحليل واحدة خطرا؟‬

‫في الخت ام‪ ،‬يرى سانسوليو أن التحليل االست راتيجي يحول الفاعل إلى نوع من اإلنسان‬

‫االستراتيجي يشكل الحساب والمساومة وبالتالي العقالنية أهم صفاته‪ .‬يمتاز الفاعلون بقابلية‬

‫اإلستبدال‪ ،‬كما يظهر الفاعل الجماعي من جهة أخرى بمثابة مركب متجانس من األفراد‬

‫المتماثلين‪ ،‬وحسب الكاتب ذاته تكمن “ صعوبة هذا التحليل النسقي في الحقيقة في أخد‬

‫التمثالت الفكرية وثقافات وقيم ومعايير واديولوجيات باالعتبار(…) أن ال تفسر دوما وكلية‬

‫حتمية األفراد من خالل الثقافة الموروثة والعنف الرمزي الذي تمارسه الثقافات المهيمنة‬

‫وتعقيد األلعاب العالئقية في تنظ يم‪ ،‬فثمة مالحظة قوة استقاللية األثر التنظيمي الذي يؤكد‬

‫عليه الكاتب باستم رار‪ .‬ولكن هل لهذا السبب تكون لعبة السلطة )‪(jeux de pouvoir‬‬
‫مستقلة عن عالم التمثالت والقيم والمآرب؟ أال يمثل الفكر أيضا قوة ووساطة ال غنى عنها‬

‫بين الواقع المدرك والفعل؟ إن الحديث عن الث قافة بصفتها قدرة متدخلة في األلعاب‬

‫االستراتيجية هو بالتأكيد ط ريقة لنقد الحثمية الثقافوية )‪ (culturalisme‬لتعزيز فكرة الحرية‬

‫في العالقة‪ ،‬لكننا نندهش لكون الكاتب بقي كتوما حول المشكل ال رئيسي للتمثالت واألفكار‬

‫والثقافات باعتبارها بعدا انسانيا عميقا في كل العالقات‪ ،‬حتى االستراتيجية مهنا‪.‬‬

You might also like