Professional Documents
Culture Documents
التقليدية
الحديثة
العالقات اإلنسانية
4إدارة التغيير
س ؤال باملنهجي ة م ع التحلي ل في عش رون دقيقة رتبط االهتمام السوس يولوجي بدراس ة التنظيم ات بالمجتمع ات الغربي ة،
خاصة بأوربا وأمريكا الشمالية ،حيث عرف الفكر السوسيولوجي المرتبط بالحقل التنظيمي ازده ارا كب يرا انطالق ا من الب دايات
األولى له خالل مرحلة الثالثينيات من القرن العشرين .هذا االزدهار ترجمته مجموعة من الدراسات ،واألبح اث ،ذات االرتب اط
س واء بعلم االجتم اع أو بعلم النفس االجتم اعي وأيض ا علم النفس ،وفي ه ذا النط اق تبل ورت سوس يولوجيا الش غل والتنظيم ات
والمقاوالت كتخصصات علمية دقيقة حاولت التركيز على اإلنسان الفاعل والعامل كمركز محوري في التنظيم /المقاولة بمختلف
أنواعها وأشكالها .وتعتبر أعمال ماكس فيبر من أهم هذه اإلسهامات وأبرزها على اعتبار أنه أول من قارب الحقل التنظيمي وفق
تصور سوسيولوجي مخالف للتصورات التي كانت سائدة خاصة االقتصادية منها ،وقد استطاع فيبر تجاوزها وتقديم فهم أعم ق؛
بل أغلب األعمال التي جاءت بعده تبقى كمحاوالت لنقد نمودجه وتطويره وهو ما ق ام ب ه ع الم االجتم اع ميش يل ك روزيي على
.سبيل الثال ال الحصر ،وهو ما يسعى هذا المقال إبرازه من خالل إسهاماتهما في سوسيولوجيا التنظيمات
:مقدمة
شكلت سوسيولوجيا التنظيمات إحدى أهم فروع علم االجتماع التي ظهرت بشكل بارز بعد الحرب العالمية التانية ،خصوصا
فسوس يولوجيا التنظيم ات ول دت في الوالي ات المتح دة األمريكي ة في G.Herreros في الواليات المتحدة األمريكية .وحسب
أواخ ر الق رن التاس ع عش ر في أعق اب سوس يولوجيا الص ناعة الموس ومة بتي ار “اإلص الح االجتم اعي” [ .]1وق د ع رف ه ذا
التخصص الجديد ازدهارا في امريكا عكس أوروبا التي عرفت تخلفا نسبيا ،ويمكن إرجاع ازده ار سوس يولوجيا التنظيم ات في
:الواليات المتحدة األمريكية إلى سببين
السبب األول :ويمكن القول أن ه سياس ي ت اريخي ،بمع نى غي اب الت وتر االجتم اعي ال ذي عرفت ه أوروب ا في الوالي ات المتح دة
األمريكية ( األحزاب ،النقابات ،والحركات العمالية…) ،وهذا ال يعني غيابه ا المطل ق ،وإنم ا ك ان عم ل ه ذه التنظيم ات ف اترا
.نسبيا مقارنة بأوروبا
السبب التاني :ظهور دراسات مرتبطة بعلم النفس االجتماعي الذي يركز على الفرد ،وقد ركزت هذه الدراس ات على الحاجي ات
المرتبطة بالعمل (اإلنارة ،ظروف العمل…) أي بالعوامل التي تساعد العامل في عمله ،إضافة إلى وجود عقلية براغماتية نفعي ة
.في الواليات المتحدة األمريكية والثقافة األنجلوساكسونية بشكل عام
:ويمكن إرجاع التخلف الذي عرفته أوروبا في ميدان سوسيولوجيا التنظيمات إلى سببين رئيسيين
السبب األول :هو معرفي أكاديمي ،أي أن معظم الدراسات السوسيولوجية في أورب ا ك انت أكاديمي ة ترك ز على البحث النظ ري
والمفاهيمي (دوركايم ،فيبر ،ماركس) أي محاولة إرساء سوسيولوجيا إبستمولوجية معرفية تهم دراسة المجتمع األوربي ،وح تى
.الدراسات االمبريقية أنجزت لتقعيد المفاهيم السوسيولوجية
السبب الثاني :ويمكن القول على أن ه س بب ت اريخي سياس ي .فق د ع رفت أورب ا تجرب ة سياس ية تمثلت في األح زاب والنقاب ات
والمؤسسات ،مما جعل االهتمام بالحركات االجتماعية وفي خضمها الحركات العمالي ة .وفي دراس ة المق اوالت تم الترك يز على
براديغم الحركات االجتماعية حيث يطالب من خاللها العمال تحسين ظروف عملهم ،ومن ثم أص بحنا أم ام سوس يولوجيا العم ال
.وليس سوسيولوجيا المقاوالت أو التنظيمات
E.وقد شكلت الدراسات التي تم إنجازها من قبل فريق البحث بجامعة هارفارد تحت قيادة عالم النفس االجتماعي األسترالي
نقطة االنطالق لنشأة علم اجتماع الش غل أو علم االجتم اع الص ناعي عن د Oliver Shildon* وأ عمال االنجليزي Mayo
االنكلوساكسونيين .هذه الدراسات كانت قد ركزت على األبعاد السيكولوجية وخصوصا المستويات المرتبط ة بالحاج ات الفردي ة
والنفسية للعامل من خالل تصور اجتماعي لمدى تأثير الحاجات النفسية وقيمتها في بناء وتشكل ممارسات وس لوكات العم ال في
فضاء عملهم .وقد كان لفريق بحث إلتون مايو دور هام في تقديم تصور نق دي لظ اهرة البيروقراطي ة ال تي وض ع أساس ها في بر
وذلك بهدف لفت االنتباه لما قد تفرزه البيروقراطي ة الش كلية من أش كال تنظيم كامن ة وموازي ة ،وذل ك انطالق ا من الترك يز على
.مستوى حاجات الفرد في فضاء العمل[]2
لقد كان لتراكم مجموع ة من األطروح ات ال تي أثثت المس توى النظ ري واالم بريقي لعلم اجتم اع الش غل أو الص ناعة( ،أعم ال
تايلور ،أوليفر شيلدون ،وإلتون مايو ،ماكس فيبر )…،القدر الكبير في التأسيس ل براديغم جدي د لمقارب ة مس ألة التنظيم ات حيث
شهد منتصف القرن العشرين ظهور تخصص قائم بذاته ه و علم اجتم اع التنظيم ات ال ذي تج اوز األبع اد التقليدي ة لعلم اجتم اع
.الشغل
وبخصوص سوس يولوجيا التنظيم ات ،فق د ح اولت تن اول مجموع ة من اإلش كاالت األساس ية من خالل مجموع ة من العناص ر
المركزية لتقديم فهم سوسيولوجي لمختلف التنظيمات سواء االقتصادية أو التنظيمات الحكومية والمستشفيات والجامعات… ه ذه
اإلشكاالت تبقى جديدة مقارن ة بم ا ثم إثارت ه من خالل سوس يولوجيا الش غل ،ومن أهم ه ذه المس تويات نج د االن دماج والتكي ف
ودراسة العالقات الرسمية وغير الرسمية لمختلف التنظيمات وكذلك دراس ة عالق ات الس لطة واس تراتيجيات الف اعلين المتش كلة
على خلفية هذه العالقات…وبشكل عام ،فسوسيولوجيا التنظيمات يمكن اعتبارها كدراسة سلوكات األفرد والجماعات ال تي يمكن
مالحظتها على مستوى اشتغال التنظيمات .إن سوسيولوجيا التنظيمات تهدف إلى تفسير الس لوكات والعالق ات المتوافق ة أو غ ير
المتوقعة مقارنة بالقواعد التوجيهية[ .]3ويعتبر كل من ماكس فيبر وميشيل كروزيي من أهم علماء االجتماع ال ذين أس هموا في
.إغناء هذا الحقل السوسيولوجي من خالل تصورهما تجاه التنظيمات
من خالل أعمال ه األث ر الب الغ في إغن اء النقاش ات بخص وص Max Weberلقد ك ان لم اكس في بر )1920-1864(
” Wirtschaft and Gesellschaftاإلهتمام السوسيولوجي بالنتظيمات ،ويبقى عملة الموسوم ب“ :االقتصاد والمجتمع
Weberianأهم األعم ال ال تي تركه ا في بر بخص وص النم وذج المث الي للتنظيم الب يروقراطي .ويعت بر االتج اه الفيب يري
هو االتجاه الذي يشير إلى أعمال ماكس فيبر في مجال التنظيم االجتماعي واالقتص ادي .فمعظم الدراس ات الحديث ةTheory ،
تبقى في عمقها أما تعديالت ألفكار وتصورات فيبر .وقد تناول فيبر تحليل العناصر البيروقراطية في التنظيمات ،تلك التي تعم ل
.من أجل تحقيق استمرار التنظيم وبقاءه[]4
لقد انطلقت أعمال ماكس فيبر من خالل تساؤل إشكالي مهم هو :ما الذي يص نع ف رادة المجتم ع الح ديث؟ وق د أك د في بر أن
العقالنية هي السمه األساسية لهذه المجتمعات .ومن هذه النقطة جاءت تحليالت فيبر للتنظيمات كفضاء لممارسة السلطة ونشرها
لتحقيق المشروعية بين الجميع .ويرى فيبر أن عملية العقالنية هذه ت ؤثر في الحي اة االقتص ادية والق انون واإلدارة و أنه ا تش كل
االساس في ظهور الرأسمالية والبيروقراطية والدولة القائمة على أحكام الق انون .وج وهر عملي ة العقالني ة ه و ال نزوع المتزاي د
للفاعلين االجتماعيين نحو استخدام المعرفة في إطار عالقات غير شخصية بهدف تحقيق س يطرة أعظم على الع الم المحي ط بهم[
]5.
وقد اقترح فيبر في كتابه االقتصاد والمجتم ع ع دة أنم اط من العالق ات االجتماعي ة داخ ل التنظيم ،وخاص ة أش كال الهيمن ة
السياسية .إن أشكال الهيمنة في عددها ثالثة :الهيمنة العقالنية والهيمنة التقليدية والهيمنة الكاريزمية .وه ذه النمذج ة تتأس س على
:خاصية التحفيز التي تقود للطاعة[ .]6وهذه األنماط هي
الهيمنة التقليدية :تتأسس مشروعية هذا النمط على الصفة المقدسة للتقاليد داخل تنظيم معين والهيمنة التقليدي ة مرتبط ة بالمكان ة
االجتماعية للقائمين على السلطة .وحسب فيبر فهذا النمط من السلطة له ث أثير على المجتم ع ،يتمث ل أساس ا في إض عاف مواق ف
وأنشطة األفراد سواء االقتص ادية الواعي ة أو العقالني ة ،بمع نى أن القائ د أو الح اكم ال ذي يعتم د ه ذه االمتي ازات للتص رف في
.المجتمع يجعل األفراد غير قادرين على القيام بمبادرات اقتصادية ومالية وتجارية…مخافة االصطدام بسلطة القائد أو الحاكم
ب -الهيمنة الكاريزمية :يقصد بالكاريزما مجموعة من الصفات والخصائص غير االعتيادية التي يتميز بها شخص س واء ك انت
هذه الصفات حقيقية أو غير حقيقية .ويرتبط هذا النمط أساسا بقوة شخصية معينة ذات هالة قوية .وتقوم سلطة هذا النمط على قوة
القائد عبر قدرته على اإلقن اع وجم ع وتجمي ع الجمي ع من حول ه ،وهي مواص فات تف وق مواص فات ب اقي األش خاص الع اديين.
والت اريخ الغ ربي والش رقي مليء بنم اذج كاريزمي ة واض حة .إن مص طلح “القائ د الك ارزمي” ظه ر بش كل كب ير في العص ر
الحديث ،وحس ب في بر فه ذا الن وع من الق ادة الك ارزميين يظه رون في المجتمع ات العقالني ة عن د مروره ا بأزم ات ،بحيث أن
المؤسسات السياسية تصبح غير قادرة على القيام بأدوارها ووظائفها ،ومن هنا تظهر زعامات إما سياسية أو ديني ة…ت دعوا إلى
التغيير وضرورة تطوير النظام السياسي بشكل عام .ويضيف فيبر أن ه ذا الن وع من الس لطة غ ير عقالني وإنم ا انفع الي يعتم د
.على الثقة
ج -الهيمنة العقالنية / القانونية :يرتبط هذا النم وذج داخ ل أي تنظيم بس لطة الق انون الواض ح والص ريح وغ ير الشخص ي .إن
السلطة العقالنية حسب في بر تس تمد ش رعيتها من الق انون والقواع د والنص وص القانوني ة…إن الس يطرة العقالني ة هن ا هي من
مميزات التنظيمات والمجتمعات الحديثة .والممارس للسلطة في هذه الحالة يستند لهذه القواعد والقوانين غير الشخص ية ،من هن ا
.تكون سلطته محدودة
ويعتقد فيبر أن من أهم األسباب التي ساعدت أوروبا في االنتقال من مرحلة النظ ام االقط اعي إلى مرحل ة الدول ة-االم ة في
صورتها الديمقراطية بعد مرورها من الملكيات المطلقة ه و تجري د الس لطة من طابعه ا الشخص ي وإض فاء الط ابع المؤسس اتي
.العقالني
إن فيبر من خالل تقديمه للنماذج السابقة حاول أن يمنحن ا أنماط ا مثالي ة والمقص ود ب ذلك ،مجموع ة من البن اءات النظري ة
.الهادفة إلى القيام بمقارنات مع الواقع وكذلك تحليل الفوارق
وق د ق دم في بر تص وره بخص وص التنظيم ات الحديث ة من خالل م ا يع رف ب”التنظيم الب يروقراطي” ،وحس ب في بر
فالبيروقراطية* هي شكل من أشكال التنظيمات االجتماعية الحديثة ،بحيث أصبحت هذه الظاهرة تع رف نم وا مفرط ا س واء في
.حجمها أو في مجاالت اختصاصاتها في المجتمعات الصناعية ،سواء في القطاع العام أي إدارة الدولة أو القطاع الخاص
وتمث ل اإلدارة البيروقراطي ة النم ط الخ الص للهيمن ة الش رعية ،وتن درج الس لطة المبني ة على الكف اءة وليس على األص ل
االجتماعي ،ضمن إطار من وضع ت دابير موض وعية غ ير شخص ية ،وينقس م تنفي ذ المه ام إلى وظ ائف متخصص ة ذات ح دود
…محددة بشكل منهجي .وتدار المهن بقرائن موضوعية من الكفاءة واألقدمية… وليس عن طريق قرائن فردية
ويحدد فيبر أن هذا النمط من التنظيم ليس خاصا باإلدارة العامة ،بل يخص أيضا التنظيمات الرأسمالية الكبرى .وتتصف
H.Fayol،و F.W.Taylorالبيروقراطية بنمط إداري وبنمط من التنظيم مؤسس على عقلنة األهداف مثلما ب دأ تطبيقه ا مع
هذه العقالنية تمس أيضا أشكال الفكر ،عبر انطالقة العلوم والتقنيات .إن التحول العلم اني والتح ول التق ني للفك ر يض عان نهاي ة
لع الم األس اطير والمعتق دات الديني ة .وه ذا ه و مع نى الص ياغة الجميل ة لتعب ير “ن زع الس حر عن الع الم”[
]7Disenchantment.
وقد وضع فيبر مجموعة من الخص ائص ،وهي تعت بر في رأي ه كمع ايير لنج اح أو فش ل التنظيم ،وه ذه القواع د تس تمد من
.المجتمع الكلي ،أي أن المجتمعات الرأسمالية وصلت درجة من العقالنية بحيث أصبح ال مجال للعواطف والقيم التقليدية
فالنموذج المثالي أو النمط الخالص للسيطرة الشرعية عند فيبر ه و التس يير اإلداري الب يروقراطي .وتك ون ص الحيات من
يملك السلطة في هذا التسيير عبارة عن “كفاءات” شرعية سواء كانت هذه الصالحيات نابعة من الملكية أو بموجب انتخاب ات أو
:عن طريق تعيين سابق .وتتشكل االدارة المسيرة في صيغتها الخالصة من موظفين فرديين تتوفر فيهم المواصفات التالية
ويرب ط في بر ظه ور النم وذج الب يروقراطي ال ذي يتم يز بالعقالني ة والموض وعية إلى مجموع ة من الظ روف االجتماعي ة
:والثقافية والسياسية واالقتصادية ،ومن بين هذه العوامل نجد
.التطور الذي عرفه االقتصاد النقدي ،مما أتاح دفع االجور النقدية للمنتسبين للتنظيم
.ظهور نظام ضريبي وفر لألجهزة البيروقراطية الحكومية االستفادة من مداخيل قارة
وهنا يش ير في بر على أن مس توى التنظيم الب يروقراطي في المجتمع ات الحض رية أعلى وأك ثر تط ورا من نظيراته ا غ ير
الحض رية بس بب حض وره في األولى واختف اءه في الثاني ة ،إض افة إلى م ا س بق ،ف تراكم المش اكل ونم و حجم العم ل داخ ل
المجتمعات الحديثة كان له دور في تشجيع ظهور التنظيم البيروقراطي .إن التنظيم البيروقراطي عند فيبر في حالة تمسكه ونهجه
للقواعد والممارسات واألفعال السابقة (اعتماد الكفاءات والتعاقد والتخصص وتقسيم العمل والترقية…) يك ون عب ارة عن الي ات
.عقالنية تسهم في عملية تحديت المجتمعات
لقد واجهت نظري ة م اكس في بر مجموع ة من االنتق ادات ،ولكن رغم ذل ك فتص وره م ازال يتم اعتم اده في تس يير وت دبير
…مجموعة من التنظيمات سواء الحكومية أو غير الحكومية ،الصناعية أو غير الصناعية
وما يمكن قوله بخصوص االنتقادات الموجهة لفيبر ،أن أغلبها ك ان مص دره أص حاب االتج اه ال وظيفي في علم االجتم اع ،
وهذه االنتقادات ترتبط بالجانب الوظيفي للتنظيم .ف إذا ك ان في بر اهتم بموض وع اس هام العناص ر التنظيمي ة المختلف ة في تحقي ق
الفعالي ة ،فإن ه بالمقاب ل لم ينجح في إب راز وكش ف المعيق ات الوظيفي ة ال تي تنط وي عليه ا ه ذه العناص ر .وحس ب م يرتون
.فالنموذج المثالي يفتقد تلك المالئمة (الموازنة) الالزمة بين الوظيفة والخلل الوظيفي Merton
إلى ما أك ده م يرتون ،حيث أج رى جول دنر دراس ة امبريقي ة على أح د المص انع Gouldnerوبالموازاة مع ذلك ،ذهب
وتوصل أن تمة تناقضا خفيا في النموذج المثالي ،ويتمثل ذلك في مستويين :التسلس ل الرئاس ي والمعرف ة التقني ة أي بين االدارة
القائمة على الخبرة الفنية واألخرى القائمة على النظام واالنضباط ،حيث أكد انه في حالة توفر الخاصيتين ،فإن ه من الص عب أن
يؤدي التنظيم أنشطته في تكامل وانسجام ،بمعنى أن فرص ظهور الصراع ستكون كبيرة
وهناك انتقاد شائع يشترك فيه دارسو التنظيمات ذوي االتجاهات المختلفة مؤداه ،أن نموذج فيبر قد ب الغ في تأكي د الج وانب
الرسمية والمظاهر النظامية للتنظيم ،متجاهال بذلك تل ك العالق ات االجتماعي ة غ ير الرس مية ال تي تنم و في التنظيم وال تي تلعب
من أوائ ل من اهتم وا بدراس ة ه ذه النقط ة في Selznickدورا هاما في تحديد طابعه وأدائه لوظائفه .ولقد كان فيليب س لزنيك
نقذه لنموذج فيبر بخصوص ديناميات التنظيم ،و ك ذلك اتزي وني Pageمقالين نظريين هامين* كما وجه كل من تشارلز بيدج
كلهم رك زوا نق دهم ألنم اط الس لطة…[ .]9ومن أهم Andreski واندريس كي Martindale ومارتن ديلEtzioni
االنتق ادات الموجه ة لنم وذج في بر ،نج د انتق ادات ك روزيي وال تي ك انت نقط ة انطالق ه لبن اء نظريت ه الموس ومة بالتحلي ل
.االستراتيجي
خصوصا ما يعرف بنظرية التحلي ل االس تراتيجي إح دى أهم Michel-Crozier(1912)،شكلت أعمال عالم االجتماع
المحاوالت في تطوير التحليل المتعلق بالظ اهرة البيروقراطي ة .وق د ق دم ك روزيي قب ل ذل ك انتق ادات لمجموع ة من النظري ات
خاصة منها الكالسيكية (تايلور وفورد وفايول…) وكذلك لمدرسة العالقات االنسانية (مدرسة هارف ارد:أوليف ر ش يلدون وإلت ون
مايو…) .وقد رفض كروزيي كل أشكال الحتمية المطلقة التي ميزت الفكر التنظيمي .وقد كان لماكس في بر والوظيفي ة (م يرتون
وبارسونز) وعلوم التنظيم االمريكية تأثيرا بالغا على ميش يل ك روزيي ال ذي يح اول تج اوز عيوبه ا ونقائص ها النظري ة ،فينتق د
بالمناسبة ماكس فيبر في اعتقاده في التفوق المطلق للنموذج التسلسلي القانوني والبيروقراطي ،أم ا فيم ا يخص الفعالي ة ،إذ ي بين
تحليل الوقائع أن ه كلم ا س اد ه ذا النم وذج كلم ا ك ان التنظيم أق ل فعالية[ .]10ويمكن تق ديم أهم مص ادر التحلي ل االس تراتيجي[
]11:في العناصر أسفله
انطلق كروزيي في نظريته التحليل االس تراتيجي من محاول ة تط وير التحلي ل المتعل ق بالظ اهرة البيروقراطي ة .وق د ق دم
ك روزيي من قب ل ذل ك انتق ادات لمجموع ة من النظري ات ،خاص ة منه ا الكالس يكية (المدرس ة الكالس يكية م ع ت ايلور وف ايول
وفيبر…) ،وكذلك لمدرسة العالقات االنسانية (مدرسة هارفارد مع مايو…) .وحسب كروزيي ف إن اإلنس ان في التنظيم ال يمكن
اعتب اره كي د عامل ة كم ا تص ورت ذل ك نظري ة التنظيم العلمي للعم ل لفردري ك ت ايلور وال كي د وقلب حس ب مدرس ة العالق ات
اإلنسانية ،إن هذه االتجاهات وغيرها تتناسى/تغفل فكرة أن اإلنسان يملك عقال يفكر ب ه ،ول ه حري ة وبمع نى أك ثر وض وحا،إن ه
عبارة عن فاعل مس تقل ق ادر على الحس اب والتحكم والتس يير ،كم ا أن ه ق ادر على الت أقلم واالبتك ار في ظ ل الظ روف الس ائدة
وحركية باقي الشركاء[ .]12كما وجه كروزيي انتقاده ألنصار االتجاه السلوكي في فهم التنظيم .وقد أك د ذل ك من خالل اعتب اره
أن التفسيرات التي قدمها السلوكيون تبقى محدودة على اعتبار أنهم ركزوا على العالقة الفردي ة للفاع ل في التنظيم ،فهم اعت بروا
أن األفراد في التنظيم يتوفرون على نماذج مثالية للصحة النفس ية والعقلي ة ،بمع نى أن تفس ير األلع اب التنظيمي ة يتم انطالق ا من
المستوى النفسي والعقلي فقط ،وهنا يكون أصحاب هذا االتجاه إم ا أم ام إهم ال لك ل التعقي د ال ذي يم يز الس لوكات اإلنس انية في
التنظيم أو المقاولة ،والذي قد تنفي حتى أكثر النظريات التي تدعي معرفة بالدافعية ،هذا إلى ج انب الترك يز على الف رد وتناس ي
واتج اه )(OSTوجود الجماعة[ .]13إن التحليل اإلستراتيجي يبقى بمثابة انقالب كلي في التصور مقارنة ب التنظيم العلمي للعمل
.العالقات االنسانية[]14
:لقد رفض كروزيي كل أشكال الحتمية المطلقة التي ميزت الفكر التنظيمي .وقدم كروزيي أفكاره في عملين أساسيين هما
.الظاهرة البيروقراطية 1963
.الفاعل والنسق 1977
إن كروزيي من خالل مقاربته أو تصوره الجديد لعالق ة الف رد ب التنظيم ح اول التوفي ق بين االتج اهين الب ارزين في تفس ير
:السلوك االجتماعي
االتجاه األول :والذي يفسر السلوكات االجتماعية انطالقا من الحتمية الفردية ،بمعنى تأثير التاريخ الشخصي كالوسط االجتم اعي
Habitus.الهابتوس Bourdieuالعائلي والطبقي في سلوكات وأفعال الفرد؛ وهو ما يمكن اختصاره في مفهوم
االتجاه الثاني :وهو ما يعرف باتجاه النزعة السوسيولوجية ويمثله إ .دوركايم؛ ه ذا التوج ه يح دد الف رد في ي د ال وعي الجمعي،
…وينفي على الفرد القدرة على االختيار وتبني القرارات واإلبداع
إن كروزيي هنا حاول التوفيق بين هذين التصورين مقدما في خضم ذلك انتقادات للتصور البيروقراطي ،بمعنى أن العالق ة
بين ط رفين في التنظيم من خالل الض وابط الرس مية ال تي يك وم ه دفها تنظيم س لوكات Jeuبين التنظيم والفرد هي ولي دة لعبة
األفراد مما يخلق عوائق أمام الفاعل ،وهذا األخير بهدف تجاوزها يكون أمام ضرورة تبني استراتيجيات معينة تختلف من فاع ل
.إلى اخر انطالقا من الكفاءة المعرفية من جهة والظروف التنظيمية التي يعيشها الفاعل من جهة أخرى
لقد حاول كروزيي من خالل نظريته التحليل االستراتيجي تقديم تصور جديد يحاول دراسة عالقات الس لطة داخ ل التنظيم .
:ويمكن تناول نظرية التحليل االستراتيجي من خالل مستويين
فنظرية التحليل االستراتيجي:La sociologie des entreprises في عمله الموسوم ب Ph. Bernoux حسب
:تقوم على أربع مسلمات أساسية
…المسلمة األولى :التنظيم هو بناء والفاعلون فيه هم من يؤسسون االجابات على االكراهات التي يواجهونها
المسلمة الثانية :حسب كروزيي إن االفراد داخل التنظيم ال يقبلوا أن يعاملوا كأدوات ووسائل بهدف تحقيق أه داف التنظيم ،وه ذا
مفاده أن لكل منهم غاياته وأهدافه الخاصة .إن هذا الطرح ال يعني حتما أن االه داف الخاص ة متناقض ة ومتعارض ة م ع أه داف
التنظيم .وحسب بيرنو فإن هذه المسلمة يمكن االس تنتاج منه ا أن أي تنظيم مهم ا وص لت مراقبت ه وإخض اعه ألفع ال وس لوكات
.المنتمين إليه ،فإن هذه العقالنية تبقى محدودة وغير مطلقة
المسلمة الثالثة :إن الفاعل داخل التنظيم يتمتع بن وع من الحري ة ،وه ذه األخ يرة تمنح ل ه درج ة من االس تقاللية عن التنظيم مم ا
يمكنه من الحصول على قدرة االختيار في أن يسهم ويش ارك أو العكس من ذل ك ،ح تى وإن ك ان مف روض علي ه المش اركة .إن
االستقاللية هنا تعطيه إمكانية تحديد مستوى المشاركة؛ فالتنظيم يسعى إلى الحد من درجة هذه االستقاللية والفاعل يحاول انطالقا
.من ما يتوفر عليه من قدرات أن يعزز هذه االستقاللية أو على االقل أن يحافظ عليها
المسلمة الرابع ة :يعت بر ك روزيي أن االس تراتيجية ال تي يختاره ا الف اعلين ،س واء في عالقتهم ببعض هم البعض أو في عالقتهم
بالتنظيم تتميز بالعقالنية إال أن هذه العقالنية محدودة وذلك راجع بطبيعة الحال إلى وجود اس تراتيجيات أخ رى مض ادة ،إض افة
إلى عوائق السياق المتعددة .وهنا ال يمكن ألي فاعل مهما كانت له القدرة أن يجد ال وقت والوس ائل ال تي تمكن ه من التوص ل إلى
حل عقالني أو أمثل بهدف تحقيق أهدافه .وهنا يكون هذا الفاعل أمام حل مرضي نسبيا أو أمام الحل األقل ضرار بالنسبة إليه في
.ظل الحواجز واإلمكانيات التي يحتكم إليها[]15
وإلى جانب هذه المسلمات ،اعتمد كروزيي على جهاز مفاهيمي بمثاب ة اإلط ار النظ رى والمنهجي األساس ي لبس ط وت دعيم
نظريته في فهم وتحليل الحقل التنظيمي سوسيولوجيا ،ومن هنا فإن فهم نظريته هذه يتطلب ضرورة تحديد وعرض أهم المف اهيم
:األساسية
التنظيم أو المقاولة تتفاعل داخله مجموعة من العناص ر ،الف اعلين االجتم اعيين .والفاع ل ق د يك ون ف ردا أو Acteur: الفاعل
جماعة .وهذا الفاعل يتبنى استراتيجية معينة بهدف توفير أك بر الحظ وظ المكن ة لل ربح والمن افع الذاتي ة .االس تراتيجية ال تك ون
.بالضرورة واضحة وواعية ضمن الفرد ويتم شرحها من بعد ما يمر الفاعل للممارسة
إن هذه االستراتيجة ترتبط بعقالنية محدودة ومتعددة ب اختالف الوض عيات ال تي يتموض ع فيه ا الفاع ل االجتم اعي ،ف داخل
المقاولة يتحدد الفاعل االجتماعي من خالل تفاعله مع اآلخر ،وق د يتكتل وا في فاع ل اجتم اعي واح د به دف تحقي ق ه دف معين
وحسب وضعية معينة ،لكن بعد تحقيق هدف هذا الفاعل ،يتفكك من جديد ليعطي فاعلين اجتماعيين كل مس تقل وك ل ل ه رهانات ه
الفردية ،واالستراتيجية تتحق ق ع بر الوض عية واإلكراه ات ثم العقالنية[ .]16إن اس تراتيجية الفاع ل حس ب ك روزيي تبقى ك ل
.تصرف ذو معنى حتى لو لم يكن مرغوبا فيه ،أو كان مصدره من الفاعل عن غير وعي
تعد السلطة من المفاهيم األساسية عند كروزيي ،وهي ال تأتي من الموقع الهرمي الذي يحتل ه الفاع ل ،ب لPouvoir : السلطة
انطالقا من التصورات والتمثالت التي يصبها األفراد على هذا الفرد ،وليس ما يخول ه الق انون من الح ق في إعط اء األوام ر في
اإلدارات .إنها نسق يحدد العالقات بين العمال واإلدارة وهي القدرة على التأثير ،إن السلطة هنا ليست صفة بل إنها عالق ة تب ادل
يتم التفاوض بخصوصها .إن السلطة كمفهوم عند كروزيي تبقى عنصرا أساسيا في التحليل السوسيولوجي الك روزيي ،وه ذا م ا
نجده بارزا عند الرجوع إلى أعماله ،خاصة منها مؤلفه الموسوم بالظاهرة البيروقراطية وأيضا مؤلف ه الفاع ل والنس ق .وحس ب
كروزيي فالسلطة تشمل أو تستلزم دائما إمكانية أن بعض األفراد أو المجموعات لهم قدرة التحكم في أفراد أو مجموعات أخرى؛
وهذا التحكم يقصد به الدخول معهم في عالقة ،وهذه األخيرة تتطور في خض مها س لطة البعض على البعض األخ ر .إن الس لطة
عند كرزيي ليست صفة /ميزة يتسم بها الفاعلون ،ولكنه ا عالق ة تب ادل تتأس س انطالق ا من التف اوض بين شخص ين على اإلقل[
]17.
كل تنظيم يتكون من مجموعة معينة من الفاعلين ،وهؤالء الفاعلين يعملون على هيكلة وتنظيم عالقاتهم إم ا عن طري ق
الترابط المتبادل ،وإما عن طريق التفاع ل المتب ادل ،وه ذا يح دث في الوض عية المس تقرة للتنظيم .وهن ا يك ون النس ق الملم وس
لألفعال هو تلك الكيفية التي يهيكل بها الكيان البشري في التنظيم باعتبارهم فاعلين اجتم اعيين عالق اتهم الداخلي ة ،بمع نى أخ ر:
الطريق ة ال تي ينظم به ا الف اعلون نس ق عالق اتهم التفاعلي ة به دف مجابه ة ومعالج ة مختل ف اإلش كاالت التدبيري ة والتس ييرية
واالنتاجية… ،وهؤالء الفاعلين حين قيامهم بذلك ،ال يكون وفق صورة حيادية وجردة ولكن وفق أهدافهم ال تي تك ون ض منيا أو
:علنيا متوافقة مع غايات التنظيم .وهذا النسق الفعلي لألفعال يشمل بدوره نسقين فرعيين هها
مجموع القواعد والض وابط Le système de régulation des relations :النسق الفرعي لضبط العالقات
التي يتم إنتاجها من قبل االفراد داخل التنظيم ،وه دفها ح ل ومعالج ة المش اكل اليومي ة للتنظيم من جه ة أولى ،وتوجي ه ومع يرة
سلوكاتهم وأفعالهم في عالقاتهم ببعضهم البعض من جهة ثانية ،وفي عالقتهم بعملهم أو موضوعاتهم اليومية من جهة ثالثة .فمثال
إذا وقع عطل في آلة من اآلالت ماذا يفعل العامل المكلف من أجل مواجهة هذه اإلشكالية اإلنتاجية ،هل يتصل بمسئوله المباش ر؟
أو بالعون المعني؟ أو بمسؤول العامل المعني؟… إلخ إذن هن اك نس ق من القواع د والق وانين مهم ا ك انت جزئي ة وغ ير مش كلة
بصورة رسمية ،فهي تعمل على ضبط العالقة بين الفاعلين المتواجدين داخل المنظمة وهذا ما يطلق عليه بالنسق الفرعي لض بط
.العالقات
وهو النسق الذي يحكم التحالفات بين الفاعلين داخل التنظيم ،بحيث في Système des alliances :ب-نسق التحالفات
هذا الشكل من العالقات فإن الفاعل المعين من أجل قضية معينة فإنه يعرف جيدا من هو الحليف أو الحلفاء الذين سيساندونه ،فإن
التحالفات داخل المؤسسة ميزتها األساسية أنها ظرفية ومرتبطة بقضية محددة وعلى أساسها يتم تحديد كيف أن المجموعة تع الج
قضاياها المطروحة عليها ،انطالقا من أهدافها الخاصة وأهداف المجموعة المنتمية إليها .فالنسق الفرعي للتحالفات ضروري في
والحلول المقترحة لهذه االرتياب ات ليس ت Incertitudesالمؤسسة ،لكون أنها معرضة دائما لعدد كبير من حاالت االرتياب
بديهية أو مبرمجة مسبقا مما يجعل الفاعلين يتجابهون و يتنازعون بسببها لفرض الحلول التي يراها كل فاع ل (س واء ك ان ف ردا
أو مجموعة) بأنها هي المناسبة ،وذلك كما قلنا مع األخذ بعين االعتبار استراتيجياتهم الخاص ة س واء للمحافظ ة على وض عياتهم
في التنظيم كما هي أو لتعظيمها .أما الذي يفرق بين النسق الفرعي األول عن النسق الفرعي الثاني هو أن نس ق التحالف ات يتم يز
بالظرفية ويكون عادة مرتبط بحاالت خاصة وطارئة ،أما نسق ضبط العالقات يتم يز بالديموم ة ويق وم بتنظيم وهيكل ة العالق ات
لمفهوم النسق Friedbergوفريدبارغ M. Crozier المستقرة والمنتظمة .أما عن المحتوى الذي يعطيه كل من كروزيي
الفعلي لألفعال بأنه يرتك ز فق ط على القواع د والض وابط ال تي تحكم قواع د اللعب ة االس تراتيجية في التنظيم وتتم يز باالس تقرار
Le système deالنسبي أي أن النسق الفعلي لألفعال ه و مط ابق أو يش تمل فق ط على النس ق الف رعي لض بط العالق ات
وآخرون “أن النسق الفعلي Dauberville Béatrice أو كما ترى دبيرفيل بياتريسrégulation des relations
على خلفي ة Interdépendanceلألفعال عند كروزيي وفريدبارغ يع ني وج ود ح د أدنى من االنتظ ام والتراب ط المتب ادل
الفوضى الظاهرة في العالقات االستراتيجية بن الفاعلين -سواء كانوا أفرادا أو مجموع ات -المتواج دين في حق ل تنظيمي معين[
]19.
Rationalitéالعقالنية[]20
الق درة على ترش يد الم وارد المادي ة والفكري ة لبل وغ أه داف معين ة .وليس هن اك عقالني ة وحي دة؛ ألن هن اك وس ائل
فاإلنسان تبنى Simonو March واستراتيجيات متعددة لتوظيف الموارد بغية الوصول إلي الغايات وتحقيق النتائج .وحسب
نمط تفكير أحادي الجانب للوصول إلى الحد األقصى للفائد والمكاسب وحل أمثل لجميع المشاكل بطريقة خطية يتبعها الف رد دون
إذ أن حرية وأه داف Friedberg،و Crozierأن يترك المجال للتفكير .وهذا النموذج في التفكير و العقلنة خاطئ في نظر
وعقالنية وحاجيات ومشاعر الفاعلين تبنى اجتماعيا وليست معطيات مجردة ،كما أن الفاعلين ال يمتلك ون س وى حري ة مح دودة
.وعقالنيتهم أيضا محدودة
إذن ،فاإلشكال ال يتعلق بالتفكير أو بالتفسير ،لكن يتعلق بإستراتيجية البحث التي تسمح بمعرفة الظروف المادية والبنيوية
واإلنسانية للظرفية التي تحت وتعرف هذه الحرية وهذه العقالنية ،ومنه معنى الس لوكات المالحظ ة في الواق ع .أي فهم الظرفي ة
.التي تحدد تصرف وسلوك وإستراتيجية وعقالنية الفاعلين االجتماعيين والتي ال تالحظ كوقائع عينية في الواقع المعاش
Organisation :التنظيم
التنظيم ال يمكن تعريفه كأنه جماعة من األفراد ،إن ه الفض اء ال ذي تنس ج في ه عالق ات الس لطة ،وعالق ات التفاع ل بين
.التأثير والتأثر ،التسويق والتبادل التجاري والحساب (ترشيد الموارد)
إن التنظيمات /المقاوالت ليست آليات الضغط واإلكراه كما تظهر لمنتقديها ،فعالقات الصراع والتن افر ليس ت موج ودة
وفق مخطط قبلي ،والمقاولة ليست محبولة على الصراع لكنها تشكل ذلك الفضاء الذي يتم فيه التعبير عن التناقضات والرهان ات
المختلفة ،لكن في ذلك الوقت هناك تنسيق بين األفراد .إن التنظيم ال يمكن تعريفه تعريفا ماديا كتحديد عيني ،ب ل ه و ش يء يب نى
اجتماعيا وبه رهانات مختلفة ،ومظاهر للتنسيق[…]21إن كروزيي وفريدبارغ يعتبران أن التنظيم ظ اهرة سوس يولوجية ،وه و
بناء اجتماعي يوجد ويتغير فقط لكون أنه يستطيع االستناد إلى ألعاب تمكنه من االندماج مع اس تراتيجيات الف اعلين ب ه ،كم ا أن ه
.يضمن للمشاركين استقالليتهم كفاعلين أحرار ومتعاونيين[]22
إن التنظيم حسب كروزيي ال يستطيع أن يشتغل كآلة ولن يس تطيع ذل ك أب دا ،فمردوديت ه له ا عالق ة بكف اءة الك ل االنس اني
المكون له فيما يتعلق بتنسيق األنشطة بطريقة عقالنية وهذا مرتبط بتطور التكنولوجيا ولكن مرتبط أساسا بالشكل الذي يكون فيه
.األفراد قادرين على ممارسة اللعب ،أي بمعنى لعبة التعاون فيما بينهم[]23
إن الجهاز المفاهيمي للتحليل االستراتيجي يتميز بتعدده وتنوعه ،وهو ما يستدعي المهتم به ان يض طلع على أعم ال مختلف ة
عند كروزيي وفريدبارغ ،هذه االضطالع الكامل والشامل هو الكفيل بإعطاء تصور أولي للعمق السوسيولوجي في هذه النظري ة
.والوقوف على التجديد الذي قدمته في محاولة فهم غرائب الواقع االجتماعي للحقل التنظيمي وفق تصور سوسيولوجي
إن إسهامات م .كروزيي في حقل سوسيولوجيا التنظيمات تبقى ذات عمق سوسيولوجي هام .لقد اسهم التحلي ل االس تراتيجي
النسقي بال شك في تجديد سوسيولوجيا التنظيم انطالقا من مفهوم عالقات السلطة ،غير أن ه بص فة عام ة ،يتغاض ى عن مص ادر
التف اوت في عالق ات الس لطة ومع نى ذل ك أن ه ال يتط رق إلى المح ددات االجتماعي ة واالقتص ادية والسياس ية والس يكولوجية
والديمغرافية وغيرها ،لهذا التفاوت في عالقات السلطة .وبتعبير اخر يتجه تحليل التنظيم االجتماعي للنزاعات ولعالقات الس لطة
إلى االلتفاف ح ول نفس ه دون مرجعي ة للعوام ل الخارجي ة .يق ول ك روزيي وفري دبارغ إن “الق وة وال ثراء والس معة والس لطة،
وباختصار كل موارد يكتسبها أوالئك أو هؤالء ال تتدخل إال حين تمنح حرية فعل أك بر” .ولكن من أين ت أتي ه ذه الم وارد ال تي
يكتسبها هؤالء وهؤالء؟ هل تظهر في عالقة السلطة أم سابقة لها؟ يعترف الكاتبان بأنهم ا ي دركان “التف اوت الهيكلي ال ذي يم يز
إمكانيات الفعل المتعددة لمختلف “الالعبين” داخل التنظيم” ال كنهما ال يوليان له االعتبار في نموذجيهما؛ وذلك ما يالحظه بي ار
حين يقول أن“ :الورشة ما هي إال بل ورة نش اطات ض من نس ق يتجاوزه ا إلى ح د بعي د ج دا ،وال ذي يرس م ) (P.Rolleرول
الشروط األساسية للتفاعالت التي نالحظها فيه ،نسق ال يمكن للمنظم تجاهله ح تى وإن لم يس تطع تحويل ه” .وعلى ه ذا األس اس
تقوم الفكرة القائلة بإمكانية وجود تسلسل هرمي لعالقات سلطة تحددها عوامل خارجية عنها ،وذلك ما ال يأخ ده تحلي ل ك روزيي
بالحسبان[ .)..(]24ومن االنتقادات الموجهة لك روزيي أن ه رك ز على اللعب في التنظيم ومن اطق الظ ل كمص ادر للس لطة م ع
إغفال موارد خارجية مثل رأس المال والقوى البوليسية واالنتماء الطبقي والط ائفي أو ك ذلك الت أثير الشخص ي من ط ابع م ادي
Sansaulieu.وسيكولوجي ،وهذا ما دهب إليه
وعموما ،يلقى التحليل اإلستراتيجي بذلك بعض الصعوبات في إحداث نقل ة من السوس يولوجيا الجزئي ة إلى تحلي ل المجتم ع
بصفة عامة ،ذلك أن المجموعات االتصالية التي أسسها ،من الفرد إلى االجتم اعي غ ير موج ودة به ذه الص فة .وبتعب ير اخ ر ال
يمكن اختزال االجتماعي في التنظيمي وحده الذي يخفي االرتياب مصدر الس لطة ،إذ من المؤك د وج ود ق وى من طبيع ة أخ رى
تــعبر االجتماعي ،وعلى هذا األساس نتساءل عن ما إذا لم تمثل الرغبة في وصف كل الحاالت االجتماعية بشبكة تحلي ل واح دة
خطرا؟
في الخت ام ،ي رى سانس وليو أن التحلي ل االس تراتيجي يح ول الفاع ل إلى ن وع من اإلنس ان االس تراتيجي يش كل الحس اب
والمساومة وبالتالي العقالنية أهم صفاته .يمتاز الفاعلون بقابلية اإلستبدال ،كم ا يظه ر الفاع ل الجم اعي من جه ة أخ رى بمثاب ة
مركب متجانس من األفراد المتماثلين ،وحس ب الك اتب ذات ه تكمن “ص عوبة ه ذا التحلي ل النس قي في الحقيق ة في أخ د التمثالت
الفكرية وثقافات وقيم ومعايير واديولوجيات باالعتب ار(…) أن ال تفس ر دوم ا وكلي ة حتمي ة األف راد من خالل الثقاف ة الموروث ة
والعنف الرمزي الذي تمارسه الثقافات المهيمنة وتعقيد األلعاب العالئقية في تنظيم ،فثمة مالحظ ة ق وة اس تقاللية األث ر التنظيمي
مستقلة عن عالم التمثالت ) (jeux de pouvoirالذي يؤكد عليه الكاتب باستمرار .ولكن هل لهذا السبب تكون لعبة السلطة
والقيم والمآرب؟ أال يمثل الفكر أيضا قوة ووساطة ال غنى عنها بين الواقع المدرك والفعل؟ إن الحديث عن الثقاف ة بص فتها ق درة
لتعزيز فكرة الحرية في العالق ة (culturalisme) ،متدخلة في األلعاب االستراتيجية هو بالتأكيد طريقة لنقد الحثمية الثقافوية
لكننا نندهش لكون الكاتب بقي كتوما حول المشكل الرئيس ي للتمثالت واألفك ار والثقاف ات باعتباره ا بع دا انس انيا عميق ا في ك ل
.العالقات ،حتى االستراتيجية مهنا”[]25
إن تتبع إسهامات سوسيولوجيا التنظيات سواء عند فيبر أو عند كروزيي يبقى أمرا من الصعب اإلحاطة ب ه في مق ال معين ،
وه ذا يفتح المج ال للمزي د من البحث النظ ري وض رورة التقعي د المف اهيمي من جه ة ،وض رورة مس ائلة واقعن ا التنظيمي
والمقاوالتي من خالل مدى صدقية هذه البناءات النظرية ونجاعتها في تفكيك البنيات االجتماعية والثقافي ة والسياس ية لمؤسس اتنا
ب الرغم من أن أغلب ه ذه النظري ات ظه رت في ابس تيمي مرتب ط بالمجتمع ات الص ناعية .إن سوس يولوجيا التنظيم ات عام ة،
وإسهامات فيبر وكروزيي من بعده ،تبقى تخصصا ونقاشا مبررا ،خاص ة في ظ ل الوض ع ال ذي يتم يز ب ه الحق ل التنظيمي في
.مجتمعاتنا
:قائمة المراجع
:المراجع العربية
.السيد الحسيني :النظرية االجتماعية ودراسة التنظيم ،دار المعارف ،الطبعة الرابعة1983 ،
بن عيسى محمد المهدي :ثقافة المؤسسة :دراسة ميدانية للمؤسسة االقتص ادية العمومي ة في الجزائ ر ،أطروح ة دكت وراه في علم
.االجتماع ،جامعة الجزائر2005-2004 ،
جان بي ار دوران و روب ير فاي ل :علم االجتم اع المعاص ر ،ترجم ة ميل ود ط واهري ،ابن الن ديم للنش ر والتوزي ع ودار الرواف د
.الثقافية-ناشرون ،الجزائر ،الطبعة األولى2012 ،
جون سكوت وجوردون مارشال :موسوعة علم االجتماع ،ترجمة أحمد زايد واخرون ،المركز القومي للترجمة ،الطبع ة الثاني ة،
2011.
فيليب كابان وجان فرانسوا دورتيه :علم االجتماع :من النظريات الكبرى إلى الشؤون اليومية ،أعالم وتواريخ وتي ارات ،ترجم ة
.إياس حسن ،دار الفرقد ،الطبعة األولى2010 ،
.لحبيب معمري :التنظيم في النظرية السوسيولوجية ،منشورات ما بعد الحداثة ،الطبعة االولى2009 ،
.محمد على محمد وآخرون :دراسات في علم االجتماع واالنتروبولوجيا ،دار المعارف ،الطبعة األولى ،مصر1975 ،
:المراجع األجنبية
Claude Louche : Psychologie sociale des organisations، éditions Armand Colin، 2
édition، Paris،
Jean-pierre Durand ، Robert Weil : Sociologie contemporaine، Edition VIGOT-3
édition revue et augmenté، Paris، 2006
Gilles Herreros : Au-delà de la sociologie des organisations، Sciences sociales et
intervention، éditons érès،
Crozier، E.Friedberg : L’acteur et le système، éditions du seuil، 1977.
crozier، E.Freidberg : L’acteur et le système، éditions du seuil، Paris، 1981.
Crozier : Le phénomène bureaucratique، éditions du seuil، 1963Michel De Coster،
François Pichalt : Traité de sociologie du travail، De Boeck Université، 2édition، Paris،
1988.
Michel Foudriat : Sociologie des organisations، édition PEASON Education، 2
éditions،
Philippe Bernoux : La sociologie des entreprises، éditions du seuil،
Raymond Aron : Les étapes de la pensée sociologique، Editions Gallimard،
[1]– Gilles Herreros : Au-delà de la sociologie des organisations، Sciences sociales et
intervention، Editons érès، 2008، p: 35.
من رواد مدرسة العالقات اإلنسانية ومن االوائل الذين قدموا نقدا لفكر المدرس ة Oliver Shildonيعتبر أوليفر شيلدون.*-
.الكالسيكية وإلعمال تايلور خاصة وذلك من خالل عمله الموسوم ب :فلسفة اإلدارة 1923
محمد على محمد وأخرون :دراسات في علم االجتماع واألنتروبولوجيا ،دار المعارف ،الطبع ة األولى ،مص ر ،1975 ،ص– :
]4[.322
جون سكوت وجوردون مارشال :موسوعة علم االجتماع ،ترجمة أحمد زايد وآخرون ،المركز القومي للترجمة ،الطبع ة –[5]
.الثانية ،2011 ،ص407 :
Bureauالبروقراطية :استعمل هذا المفهوم من قبل مجموعة من الباحثين والمفكرين والبيروقراطية كلمة مكون ة من ش قين* -
وتعني الحكم -السلطة ،أي سلطة المكاتب .وقد اختلفت المعاني المقدمة لمفه وم البيروقراطي ة حيث أن Cratieوتعني المكتب و
كارل ماركس استعمل هذا المفهوم بمعنى سلبي ،إذ يربطها بالهيمنة الطبقية التي تمثل في الدور الذي تلعبه الدول ة كجه از طبقي
بمفه وم البيروقراطي ة في تحليل ه لنظ ام Alexis De Tocqueville يخدم مصالح طبقة معينة…إضافة إلى ماركس اهتم
الديمقراطية في الواليات المتحدة االمريكية من خالل المعيقات الوظيفية والمخاطر ال ني تواج ه وته دد االدارة ال تي تتم يز بق در
…كبير من الديمقراطية
فيليب كابان وجان فرانسوا دورتيه :علم االجتماع :من النظريات الكبرى إلى الشؤون اليومية ،أعالم وتواريخ وتي ارات[7] – ،
.ترجمة إياس حسن ،دار الفرقد ،الطبعة األولى ،2010 ،ص49 :