Professional Documents
Culture Documents
كما أن" المجتمع هو كيان جماعي من البشر بينهم شبكة من التفاعالت والعالقات الدائمة والمستقرة نسبياً ،وتسمح باستمرار
هذا الكيان وبقائه وتجدده في الزمان والمكان " ونرى هنا الحث على التفاعل االجتماعي واالستمرارية والتجدد
والمدرسة طبعا من هذا المنظور ،جزء ال يتجزأ من المجتمع ،بل هي صورة مصغرة للمجتمع ،تحدث فيها مجموعة من
التفاعالت السيكوسوسيولوجية بين مختلف مكوناتها داخل فضاء المؤسسة من جهة ،وبين مكونات المدرسة ومكونات العالم
الخارجي من جهة ثانية ،لذا ،كيف تعرف المدرسة؟ وماهي آليات التفاعل السيكوسوسيولوجي داخل فضاء المدرسة؟
فالمدرسة ،إذن ،تنظيم اجتماعي يتميز بديناميكية متفاعلة وجزء ضروري من المجتمع ،تحوي مناهج وخبرات متنوعة إليصال
المتعلمين إلى أهداف تربوية محددة …
" والمجتمع المدرسي يضم األفراد الذين يعيشون داخل المؤسسات التعليمية ويشتركون معا ً في صفات معينة وتجمعهم مصالح
مشتركة ،تجعلهم يقومون بألوان محددة من التفكير والتفاعل والنشاط ،تستهدف إعداد الناشئة علميا ً ومهنيا ً واجتماعيا ً وفق معايير
وثقافة المجتمع وتؤدي إلى احساسهم باالنتماء والوالء بعضهم لبعض «.
وتعتبر التفاعالت السيكوسوسيولوجية داخل الوسط المدرسي ،تلك العالقات بين األفراد ،سواء كانوا متعلمين
أو أطر إدارية أو تربوية أو أعضاء جمعية اآلباء ،والتي تنبني على عمليات التأثير والتأثر.
ويعتبر المجتمع المدرسي إحدى مكونات البنيات المجتمعية ،فقد عرف تغيرات واضحة أثرت بشكل كبير على
هويته الوطنية ،وقيمه االجتماعية.
تعريف المدرسة
تتباين تعريفات المدرسة وتحدياتها ،بتباين االتجاهات النظرية ،وبتنوع مناهج البحث الموظفة في دراستها ،ويميل أغلب الباحثين
اليوم إلى تعريف المدرسة بوصفها ،نظاما ً اجتماعيا ،وفي إطار ذلك التنوع المدرسي يمكن استعراض مجموعة من التعريفات.
التي تؤكد تارة على بنية المدرسة وتارة أخرى على وظيفتها يعرف فرديناند بویسون المدرسة بأنها :مؤسسة اجتماعية ضرورية
تهدف إلى " ضمان عملية التواصل بين العائلة والدولة من أجل إعداد األجيال الجديدة ،ودمجها في إطار الحياة االجتماعية".
ويعرفها فريدرك هاستن " بأنها نظام معقد من السلوك المنظم ،الذي يهدف إلى تحقيق جملة من الوظائف في إطار النظام
االجتماعي القائم ".وينظر أرنولد كلوس إلى المدرسة بوصفها " نسقا منظما من العقائد والقيم والتقاليد ،وأنماط التفكير والسلوك
التي تتجسد في بنية المدرسة ،وفي أيديولوجيتها الخاصة .ویری شيبمان أن المدرسة شبكة من المراكز واألدوار التي يقوم بها
المعلمون والتالميذ ،حيث يتم اكتساب المعايير التي تحدد لهم أدوارهم المستقبلية في الحياة االجتماعية.
ENSEIGNEMENT/NATIONAL/PEDAGOGIE
دور التفاعالت االجتماعية داخل المؤسسات التعليمية في تدعيم القيم الوطنية
ذ.هشام البوجدراوي14/08/2019 /
/
/0
3
SHARES
استمع للمقال
جديد على وجدة سيتي
بقلم ذ .هشام البوجدراوي
يعد االنتماء للوطن حاجة فردية وضرورة اجتماعية تسعى كل األنظمة والشعوب إلى تحقيقها .وهي تتأثر بالتغيرات التي تعرفها
الساحة السياسية واالقتصادية والثقافية التي يشهدها المجتمع .ويعتبر المجتمع المدرسي إحدى مكونات البنيات المجتمعية،
فقد عرف تغيرات واضحة أثرت بشكل كبير على هويته الوطنية ،وقيمه االجتماعية ،حيث أصبح أكثر انجذابا للثقافة
الغربية في أبسط تجلياتها .ولما كانت المدارس إحدى مؤسسات التنشئة االجتماعية ،ومجاال للتفاعالت السوسيو-ثقافية ،فقد بات
لزاما عليها القيام بأدوارها التربوية في تنشئة جيل ذو هوية وثقافة وطنية.
وتعتبر التفاعالت االجتماعية داخل الوسط المدرسي ،مجاال واسعا للحوار والنقاش والتأثير والتأثر ،كما تعتبر
أداة تربوية يمكن أن تساهم بشكل كبير في نشر الثقافة الوطنية وترسيخ قيم االنتماء للوطن.
وألهمية الموضوع تأتي هذه الورقة لإلجابة على التساؤالت التالية:
ماهي مظاهر االغتراب التي يعيشها المجتمع المدرسي؟
كيف تساهم التفاعالت االجتماعية الموجهة داخل الفضاءات المدرسية في تدعيم القيم الوطنية للمتعلمين؟
تعتبر القيم الوطنية مجموع السلوكات التي تصدر عن الفرد ،والتي من خاللها تتجسد الروابط القوية التي تربطه بوطنه وأفراد
مجتمعه .وتتخذ هذه السلوكات مظاهر متعددة :تتمثل في المشاركة في االحتفال بتخليد األيام الدينية والوطنية ،والحرص على
تطبيق القوانين والحفاظ على ممتلكات الدولة ،والمشاركة في المشاريع التطوعية التي تعود بالنفع على الوطن والمواطنين ،كما
تتمثل أيضا في احترام العادات والتقاليد التي تميز المجتمع المغربي عن غيره.
ومن المالحظات التي يسجلها كل مرتاد للمؤسسات التعليمية ،خالل أوقات دخول و خروج التالميذ ،هو التغير الواضح في
سلوكات المراهقين .فاستعمال بعض المصطلحات من اللغات األجنبية كوسيلة للتواصل بينهم ،ونوعية اللباس المستعمل ،وتسريحة
الشعر الغريبة ،وعدم االمتثال للقوانين المدرسية ،وتخريب تجهيزات المؤسسات التعليمية ،والمشاركة الباهثة في األنشطة الثقافية،
باإلضافة إلى العزوف عن القيام بالخدمات التطوعية كتنظيف مرافق المؤسسة أو القيام بأعمال البستنة كلها مظاهر تجسد بشكل
جلي االبتعاد عن الهوية الوطنية.
فكيف يمكن تدعيم القيم الوطنية داخل الفضاءات المدرسية؟
تعتبر التفاعالت الصفية ،وخصوصا التي تتم خالل حصص مادة االجتماعيات ،من بين الفترات التي تمكن المتعلمين من اكتساب
الكفايات المرتبطة بالقيم الوطنية .وألن العمليات الصفية تتم داخل فضاء القسم ،وفي أوقات محددة ،وتتطلب التمكن من الموارد
الخاصة بالمادة ،واالنضباط وااللتزام بنظام معين وبوضعيات جلوس معينة ،وباستعمال لغة مدرسية خاصة .ولما كان اكتساب
القيم الوطنية يتطلب باإلضافة إلى الحصص الرسمية ،وضع المتعلمين في وضعيات تفاعلية تتجسد فيها الهوية الوطنية كممارسة
وسلوك ،بات لزاما على قيادات المؤسسات التعليمية ومجالسها ،إعطاء مزيد من االهتمام للتفاعالت االجتماعية وتوظيفها داخل
الفضاءات المدرسية ،حتى تصبح وسيلة تربوية تساهم في تطبيع المتعلمين بسلوكات المواطنة وترسخ لديهم الهوية الوطنية.
وتعتبر التفاعالت السيكوسوسيولوجية داخل الوسط المدرسي ،تلك العالقات بين األفراد ،سواء كانوا متعلمين أو
أطر إدارية أو تربوية أو أعضاء جمعية اآلباء ،والتي تنبني على عمليات التأثير والتأثر ،بحيث يصبح سلوك التلميذ
موافقا لقيم ومعتقدات المجتمع المدرسي الذي ينتمي إليه .ولها فترات متعددة تتوزع بين الحصص الرسمية وفترة االستراحة وخالل أنشطة النوادي
التربوية .ولكي تصبح أداة لتدعيم القيم الوطنية لدى التالميذ ،كان لزاما على القيادات والفرق التربوية العمل على توجيهها ،حتى تؤدي دورها في
تغيير العقيدة والثقافة السائدة بين المراهقين ،وجعلها أكثر ارتباطا بالقيم الوطنية.
ويعتبر احترام شخصية المتعلم وتمكينه من جميع حقوقه داخل الفضاءات المدرسية ،من بين السلوكات التي تخلف وقعا طيبا لدى
المتعلمين ،فهي تعتبر مطلبا تنادي به كل الهيئات التالميذية وسلوكا حميدا تسعى المنظمات الحقوقية إلى تحقيقه بالمؤسسات
التعليمية.
وفي مقابل تمكين التالميذ من حقوقهم يجب على المتعلمين االلتزام بالقانون الداخلي للقسم ،والمشاركة في صياغته والحرص على
االلتزام بتطبيقه .وليس مقبوال لجوء بعض التالميذ إلى عدم االمتثال للقوانين المدرسية والعبث بممتلكات المؤسسات التعليمية أو
مرافقها ،كردة فعل لما تعرض له من تعنيف أو سطو على حقوقه.
وحتى ال تتكون لدى المتعلمين ،الذين تم استصدار قرارات تأديبية في حقهم ،قناعات سلبية اتجاه المدارس ،يجب أن يعالج سلوكهم
في إطار احترام المذكرات المنظمة لقرارات المجالس االنضباطية ،وتمكينهم من كافة الحقوق والضمانات التي تتجسد من خاللها
قيم الديمقراطية وحقوق االنسان ،والتي تجعل المتعلم مقتنعا بخطإه ومتقبال لإلجراءات االنضباطية التي تم اتخاذها في حقه.
وتعد فترات تحية العلم الوطني خالل اليوم األول واليوم األخير من األسبوع الدراسي ،مناسبة تتجسد من خاللها قيم الوالء
واالنتماء للوطن .فالوقوف بشكل منتظم حول العلم الوطني ،وترديد النشيد الوطني بما يتضمنه من عبارات التقدير واالجالل ،وما
يحتويه من عبارات التحفيز والحماسة واالعتزال باالنتماء لهذا الوطن ،وما يصاحبه من حركات وإيماءات وتبادل للنظرات
واالبتسامات الحماسية ،يعزز من قيم التضامن والترابط والتالحم واالجماع حول الوحدة الوطنية.
وفي إطار التدبير المشترك للمؤسسات التعليمية ،وتأسيسا لمبادئ المساواة والديمقراطية والحق في المشاركة في اتخاذ القرار.
يجب على القيادات التربوية الحرص على أن تكون للتالميذ تمثيلة في مجلس التدبير ،وأن تتم انطالقا من انتداب تلميذين اثنين عن
كل مستوى دراسي ثم بعد ذلك انتخاب ممثلين اثنين عن كافة الممدرسين .ويجب الحرص كذلك على أن تحظى مالحظات
المتعلمين خالل مداوالت اجتماعات المجلس باالهتمام المطلوب ،ويجب الحرص كذلك على أن يمارس ممثال التالميذ بالمجلس
دورهما االستشاري دون وصاية أو تهميش.
ومن بين األجهزة التي يجب على المؤسسات التعليمية الحرص على تأسيسها وتأطيرها بداية كل موسم دراسي ،جهاز الشرطة
المدرسية .والذي يسهر على تطبيق النظام الداخلي للمؤسسات التعليمية خالل فترات االستراحة .كما يهتم بتأمين سالمة التالميذ
داخل فضاء المدارس ،وتنظيم تواجدهم بها .كما يسهر كذلك على المحافظة على ممتلكات وتجهيزات المؤسسة من اإلتالف الذي
من ممكن أن تتعرض إليه.
وتعتبر أنشطة النوادي التربوي مجاال واسعا للتفاعالت االجتماعية ولتنمية المهارات الحياتية وفرصة لممارسة السلوكات
المواطنة :كالمشاركة في تخليد المناسبات الوطنية وما تحمله من دالالت االنتماء والتعلق بالقيم الوطنية ورموز الوحدة الترابية،
وتنظيم االنتخابات التأسيسة للنوادي التربوية ،والمصادقة على نظام األساسي وااللتزام بتطبيق بنوده ،والمشاركة في األعمال
التطوعية التي تنظمها مختلف النوادي التربوية ،باإلضافة إلى المشاركة في الندوات والمحاضرات واإلشراف على تأطيرها
وتنظيمها.
إن نماذج وضعيات التفاعل االجتماعي التي أشرنا إليها سابقا ،وما تحمله من معاني التعاون ،والتضامن ،والتمكين ،والمشاركة،
والديمقراطية ،وحقوق االنسان ،تتولد عنها ردود أفعال إيجابية اتجاه المؤسسات التربوية وأيضا اتجاه مؤسسات الدولة ،تتوزع بين
القبول واالرتباط والحب والشعور باالنتماء .ولما كانت المدارس نظاما اجتماعيا مصغرا يمارس فيه التالميذ القيم الوطنية بكل
تجلياتها ويسعى إلى إعداد المتعلمين لالندماج االيجابي بالمجتمع ،تكونت لدى األفراد قيم المواطنة واالنتماء وترسخت لديهم الهوية
الوطنية سلوكا وممارسة.
خاتمة
تقوم األطر اإلدارية والتربوية داخل المؤسسات التعليمية بمجهودات جبارة من أجل ترسيخ قيم المواطنة لدى المتعلمين .ورغم
المضايقات والمشاكل التي يتعرضون لها خالل ممارستهم لمهامهم ،وجب عليهم الحرص على تبني سلوكات إيجابية اتجاه التالميذ،
تتمثل في قيم الحوار واالنصات واحترام اآلخر .ولن يكتمل الدور الذي تلعبه المدارس إال بإشراك األسرة ،من خالل تمثيلية جمعية
اآلباء ،في اإلعداد لألنشطة والبرامج التربوية الهادفة .ولن تتحقق أهداف النوادي التربوية من دون ضمان المشاركة الواسعة
للتالميذ في بناء غاياتها ،ومن دون تخصيص حيز زمني أسبوعي للقاءات والندوات واألنشطة التربوية.
تنتـمي ديناميـة الجمـاعة وقياسـها (السوسيومترية) والتواصـل البيداغـوجي إلى حقـل سيكوسوسيولوجيا التربيـة .فمـاذا نعنـي
بسيكوسوسيولوجية التربيـة Psychosociologie de l éducation؟ هي مقاربة الظاهـرة التربوية ،تعتمد على مفاهيـم
ومبـادئ ومناهـج السيكوسوسيولوجيا (علم النفس االجتماعي) الذي يكاد يجمع الكل على موضوعه .يقول موريس روكالن M.
" :Reuchlinهو دراسة التفاعالت بين الفرد والجماعات التي ينتمي إليها" .وبالرغم من أن البعض يتجاوز هذا التعريف إلى
التفاعالت بين الجماعات ذاتها ،إال أن الغالبية أصبحت اآلن تكاد تستقر على اعتبار السيكوسوسيولوجيا تتمحور حول ظاهرة
التفاعل داخل الجماعات.