Professional Documents
Culture Documents
اإلجابة:
على الرغم من مرور ستة قرون على وفاة العالمة عبد الرحمن ابن خلدون إال أن أعماله بقيت تشغل اهتمام الباحثين
والعلماء المعاصرين ،حيث نوقشت بحوثه في مختلف أقسام ومراكز الجامعات ،وفي كثير من المؤتمرات الدولية ـ نوقشت ـ
نظريات في العلوم االجتماعية ،والعلوم االنسانية ،فأصبح لهذا العالم مدرسة فكرية راسخة وهي الخلدونية في تخصصات
متشعبة يشتغل بإشكاالتها المتعددة علماء ومفكرون من جنسيات متعددة ،ومن أبرز الموسوعيين للفكر الخلدوني وممارسي
الخلدونية هو المفكر الجزائري مالك بن نبي المزداد والمتوفي عام "1905ـ " 1973الذي شدد الدراسات الحضارية وشكل
اضافة معرفية نوعية في الدراسات الخلدونية تاركا لنا تراثا مكمال له في علم االجتماع ،اإلنسان والتراث هذا ما يدفعنا الى
التساؤل :ماهي أهم المرجعيات الفكرية التي اعتمدها مالك بن نبي في فلسفته وفي بناء الفكر االسالمي الحديث ؟ كيف يمكن
أن يساهم فكره في نهوض الدول وبناء الحضارات؟
يعد المفكر مالك بن نبي اكتشاف ومكسب للفكر االسالمي ،أعاد الى األذهان فكرابن خلدون لكن عدله على واقع القرن
العشرين ،فكان سابقا لعصره مثله وطرح أفكار حول الحضارة فلقب بفيلسوف الحضارة ،ومن خالل تحليله العلمي
والوظيفي لمفهوم الحضارة كان أول باحث حاول أن يحدد أبعاد المشكلة ،ويحدد العناصر األساسية في اإلصالح فكان أول
من وضع منهجا محددا في بحث مشكلة المسلمين على أساس علم النفس واالجتماع والتاريخ.
يمكن تصنيف مرجعيات فكر مالك بن نبي الحضاري الى أربعة أصناف رئيسية وهي:
ان منطلق التفكيرعند مالك بن نبي هو الدين حيث استهل تفسيره للحركة التاريخية و قوانينها من اسالكونية من خالل تدبره
و فهمه لمعاني أيات القران الكريم بالدرجة األولى ،اذ أن هناك سننا تتحكم في سير المجتمعات صعودا ونزوال .حيث يدعو
الى التأمل في سنن التاريخ التي ال تغير لها كما أشار في ذلك القران مصداقا لقوله تعالى " :سنة هللا التي قد خلت من قبل
ولن تجد لسنة هللا تبديال " سورة الفتح االية 23
كان شديد الحرص على تنبيه المسلم الى روح البحث عن السنن و القوانين التي تحكم الظواهر البشرية ،فجل استخالص
العبروالدروس التي تساعد على االقالع الحضاري وبعث الهمم
كما كان لتأثير نظرية " تطور الدولة البن خلدون أثر في فكر مالك بن نبي ،خاصة نظريته حول الدورة الحضارية حيث
يعده أول من اكتشف منطق التاريخ ،اذ نعته بالعبقري واعتبره عمدة المؤرخين ،وعده أول استنبط" فكرة الدورة" في
نظريته عن " األجيال الثالث " حيث يقول عن تأثره به " :وما حققه ...ابن خلدون الذي يرجع له الفضل في استنباط قوانين
التاريخ و عالقتها بأوجه نشاط المجتمعات ،وهذا دليل على أن الفكر العربي كان يحمل حاسة القانون و ذوقه".
كما كان لفلسفة التجديد عند محمد اقبال حضورا في مناقشات و كتابات مالك بن نبي ،اذ استهل أحد فصول كتاباته بنصيحة
والد اقبال له أثناء قرائته للقران على لسانه في قوله " :يا بني اقرا القران كما أنه نزل عليك " فإقبال أكد على أهمية االنسان
باعتباره من العناصر الألساسية ن المشكلة لمعادلة الحضارة ،وافقه بن نبي من خالل الحديث عن الجانب الروحي في
االنسان وسار على خطاه في انحراف الخركة االصالحية عن خطها األصلي ،كما خالفه في موقفه القائل بالسرعة الهائلة
التي يتحرك بها االسالم في جانبه الروحي نحو الغرب .
لتأثر بالمصادر الغربية في فكره :خاصة بالفيلسوف فريديرك نتشه حيث انطلق في تفسيره للدورة الحضارية للمجتمعات من
مقولته الشهيرة" :ن انه من السنن األزلية أن يعيد التاريخ نفسه كما تعيد الشمس كرتها من نقطة االنقالب " ان الزمان عنده
مجرد سلسلة غير متناهية من أحداث تعود مرة أخرى ،أي انه اعتبر حركة الزمان دائرة مستمرة يجعل الخلود أمر ال
يحتمل مطلقا .كما تأثر بالفيلسوف االلماني اشبنخلرفي تفسيره لحركة التاريخ ،ويقول بأن الحضارة قابلة لدورة زمنية
وخاصة من المرحلة الثالثة من دورتها السقوط ،كما شهد فكر المؤرخ أرنولد توينبي حضورا واسعا في فكر مالك بن نبي
الذي اهتم ببحث السنن و القوانين التي ساعدت كيانات حضارية على القيام و االزدهارو تحقيق العمران عبر التاريخ باتباعه
منهجا مقارنا بين الحضارات ،فنظريته الحضارية ألهمت فكره خاصة "دورة الحضارات "
دور التكوين العلمي في فكره " :كثيرا ما يوظف بن نبي المعارف العلمية في بناء نسقه الفكري اذ يقترح في كتابه "شروط
النهضة " أن العالم االسالمي اذا اراد أن يجتاز مرحلته الحالية الخروج من الحضارة ليدخل في مهمة تركيب الحضارة كما
فعل اليابان ،ما عليه اال أن يقتبس من العالم الكيماوي طريقته ،فهو يحلل أوال المنتجات ثم يقوم بعملية تركيب ووفق هذا
التسلسل التحليلي رسم لنا بن نبي معادلة الحضارة في الصيغة التحليلية االتية :ناتج الحضارة يساوي انسان تراب وقت ،كما
تناولها من الناحية السوسيوسيكولوجية حينما جعل منطقها الروح وكيف تتحكم هذه األخيرة في الغرائز وتصل شبكة
العالقات االجتماعية الى قمة كثافتها ،وتكون الفعالية االنسانيه أقوى ،فهذه الشبكة تعد معيارا لصحة المجتمع أو مرضه ،
عغندما يرتخي يةتوتر خيوطها ،تصبح عاجزة عن القيام بالنشاط المشترك بصورة فعالة وذلك داللة على أن المجتمع ماض
الى نهايته.
التجربة األسيوية كان لها حضورا قويا في فكره كذلك حيث استشهد بتجارب المجتمعات االسيوية في بناء مشروعه
النهضوي و الحضاري في بيان دور االنسان وفعاليته للتغيير وخاصة التجربة اليابانية منذ عهد الميجي التي استثمرت في
االنسان وربحت الوقت في بلد ال يفتقر الى الكثير من الثروات الباطنية التي تزخر به المنطقة العربية االسالمية .
أسهم فكر مالك بن نبي في ارساء المبادئ واألسس التي نبني بها حضارة من خالل تحليله العميق الذي أثمر الى الوصول
الى وضع الناتج الحضاري الذي يساوي مجموع" االنسان والتراب "والوقت " دعى األمة الى العمل فنحن نعيش في ركود
فكري ،وال يوجد مجهودات اجتماعية لبناء الصالح العام اذ فقدت الصالت االجتماعية .اذن يجب أن نحل هذه المشاكل من
خالل هذه المعادلة مع المركب العضوي هو الفكرة الدينية أو المبدأ األخالقي ،سلط الضوء على اعادة تربية األجيال باعطاء
قيمة للوقت كأثمن ثورة نملكها ،فأعطى أمثلة على عدة دول نهضت من جديد فتجربة ألمانيا مثال عندما خصصت ساعتين
عمل لخدمة األمة ساعدت البالد على النهوض من جديد وكذلك التجربة اليابانية.
وحسب رأيي الشخصي فاني أقول :ما أحوجنا الى منهج وفكر بن نبي في زمننا هذا؟ لبالدنا الجزائر وألمتنا االسالمية التي
أصبحت في ركود وتخلف يغيب عنها منطق الفكرة والعمل وكذا انحطاط في حميع المجاالت مع غياب األخالق واهدار
الوقت .
ان قيمة أفكار هذا المفكر تظهر جليا في ماليزيا ،هذا البلد الذي نهض من جديد ،حيث ركز رئيسها محمد ماهاطيرعلى
كتاب" شروط النهضة "أهمها فكرة التعايش حيث اهتم بها لبناء بلده ،كذلك كتاب" ميالد مجتمع" أي كيف نبني أو ننطلق
بمجتمع جديد لديه أفكار متناسقة و ابداعية تليق بكل الزائرين وكل الشعوب تطبيقا لنظرية مالك بن نبي وهي اليوم تحتل
مكانة مهمة وتطورا واضحا في جميع المجاالت وهو أكبر تجسيد لدور وقيمة فكرمالك بن نبي في النهوض بأي أمة.
ختاما يمكن القول إن مالك ابن نبي وضع لنا المبادئ والمنطلقات األساسية وكذا المناهج التي تمكننا بالنهوض
بفكرنا الجزائري خاصة ،وقد دعانا لكي نكون مبدعين ال ناقلين ،فاعلين ال مفعولين ،مفكرين ال آليين نجتر
المعارف ،فعل الرغم من أنه تأثر بمرجعيات غربية اال انه اضفى عليه ابداعه الذاتي تحت مضلة الدين اإلسالمي
لذلك فهو مصدر ثمين في النمو ببالدنا وامتنا وتحسين حياتنا ومناهجنا التربوية والفكرية.