You are on page 1of 40

‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫‪250‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫ملخص‬
‫ وتعد النظم‬،‫الحضارة الصينية واحدة من أهم الحضارات اآلسيوية القديمة‬
‫ وعلى الرغم من أنها لم تهتم‬،‫الصينية أعظم ما أنتجه ذلك الفكر البشري‬
‫ لما‬،‫ إال أنها اهتمت بعناية فائقة بكل ما يعد إنسانيا‬،‫نوعا ما بالميتافيزيقا‬
.‫كانت ترى أن اإلنسان هو مركز الكون‬
‫ بل يضاهي‬،‫كونفشيوس هو النموذج األعلى المعبر عن روح هذه الحضارة‬
‫ وفي سبيل الوقوف‬.‫بحياته وفكره نموذج الرجل األعلى الذي رسمته فلسفته‬
‫على حقيقة الترابط الموضوعي بين عناصر الفلسفة والكونفشيوسية ونمطها‬
‫ وما إذا كانت تعتبر أصال فلسفة يستخدم الباحث منهجا تحليليا‬،‫األخالقي‬
.‫في سبيل ذلك‬
Chinese civilization is one of the most important
ancient Asian civilizations , and Chinese systems
considered on of the greatest products of the human
thinking although it didn’t give high consideration to
metaphysics but it gave intensive care to humanities
where it considered the human as the center of universe.
Confucius life and thoughts were a real expression
of the superior man model which illustrated through his
philosophy.
The researcher here is using analytical study to
investigate the objective correlation between Confucius
philosophy elements and its moral style , and if we
basically can consider it as a philosophy.

250
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫مقدمة‬
‫تعد الحضارة الصينية واحدة من أهم الحضارات األسيوية القديمة التي‬
‫ظلت لقرون طويلة تمد الثقافة اإلنسانية بكثير من الذوق والرقي ولذا فإن‬
‫ديدرو قد أصاب كبد الحقيقة حين قال عنهم‪ :‬أولئك قوم يفوقون كل من‬
‫عداهم من األسيويين في قدم عهدهم ‪ ،‬وفي فنونهم ‪ ،‬وعقليتهم ‪ ،‬وحكمتهم ‪،‬‬
‫وحسن سياستهم ‪ ،‬وفي تذوقهم للفلسفة ؛ بل إنهم في رأي بعض المؤلفين‬
‫ليضارعون في هذه األمور كلها أرقى الشعوب األوروبية وأعظمها استنارة‪.‬‬
‫وتعد النظم الصينية أعظم ما أنتجه الفكر البشري لسيطرتها على أهلها‬
‫ونفاذها في قلوبهم ألربعين قرنا من الزمان دون أن يط أر على هذه النظم‬
‫تغيير يذكر سواء في عادات القوم أو لغتهم أو حتى بالنسبة للقوانين ‪،‬‬
‫فالحضارة الصينية بحق أكمل صورة من صور اإلنسانية كما قال الكونت‬
‫كيسرلنج‪.‬‬
‫فالحضارة الصينية رغم أنها لم تهتم نوعا ما بالميتافيزيقا التي تعتبر‬
‫أكثر إشكاليات الفلسفة التقليدية جدال إال أنها اهتمت بعناية فائقة بكل ما يعد‬
‫إنسانيا لما كانت ترى أن اإلنسان هو مركز ذلك الكون واألحق بالبحث‬
‫والتفكير والعناية ‪ ،‬فهي حضارة باحثة عن اإلنسان ‪ ،‬دائمة السعي وراء‬
‫اكتشاف ذلك الكائن العجيب وإبراز مواهبه ومن ثم تنميتها‪.‬‬
‫الفلسفة الصينية فلسفة اجتماعية ‪ ،‬أخالقية ‪ ،‬تحاول الوصول باإلنسان‬
‫ألفضل حياة ممكنة ليحيا حياة طيبة ‪ ،‬ولذا يقول ول ديورنت في قصة‬
‫الحضارة عن دراسة هذه الحضارة‪ :‬إن " دراسة بالد الصين عمال من‬
‫األعمال المجيدة " ‪ ،‬ومن بين صفحات هذه الحضارة كان فكر كونفشيوس‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫أهمية البحث‪:‬‬
‫‪ ‬يوضح هذا البحث جانبا من جوانب الحضارة الصينية متخذا‬
‫األخالق عند كونفشيوس موضوعا له‪.‬‬
‫‪ ‬يبرز هذا البحث الصفات المثلى التي رآها كونفشيوس في الرجل‬
‫المثالي الذي ظل حياته كلها يبحث عمن لديه االستعداد الداخلي‬
‫ليتلقاها عنه‪.‬‬
‫‪ ‬كما أن البحث يحدد األسس األخالقية التي أقام كونفشيوس عليها‬
‫مذهبه‪.‬‬
‫‪ ‬يشرح البحث كيفية تعامل كونفشيوس مع المجتمع الصيني بكل ما‬
‫له وما عليه‪.‬‬
‫أسباب اختيار البحث‪:‬‬
‫تعد الحضارة الصينية بوجه عام والكونفشيوسية بوجه خاص من مواد‬
‫البحث الخصبة في الدراسات اإلنسانية المعاصرة وذلك لحداثة نسبية في‬
‫اكتشاف تاريخها وأفكارها‪ ،‬ولالتصال الواضح في هذه الحضارة بين الماضي‬
‫السحيق والواقع المعاصر ‪ ،‬وللنهضة العلمية التي لحقت األمة الصينية بها‬
‫مؤخ ار ‪ ،‬فأراد الباحث أن يتناول جانبا من هذه الحضارة‪.‬‬
‫إشكاليات البحث‪:‬‬
‫‪ .1‬هل تتسم األخالق الكونفشيوسية بالترابط الموضوعي بين عناصرها؟‬
‫‪ .2‬إذا ما كان ثمة ترابط بين عناصر األخالق الكونفشيوسية ‪ ،‬فهل يمكن‬
‫تحديد األسس التي أقام كونفشيوس عليها نمطه األخالقي؟‬
‫‪ .3‬هل يمكن أن تدل األخالق الكونفشيوسية على مذهب فلسفي أخالقي؟‬

‫‪253‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫المنهج المتبع في البحث‪:‬‬


‫اتبع الباحث في معالجته لموضوع البحث منهجا تحليليا قائما على‬
‫تحليل الفقرات الواردة على لسان كونفشيوس ‪ ،‬وتتبع معالجته للمواقف التي‬
‫تعرض لها في حياته بالتحليل‪.‬‬
‫كما اتبع الباحث منهجا نقديا للنصوص التي ذكر فيها أقوال‬
‫كونفشيوس ‪ ،‬وكذلك التي كتبت عنه‪.‬‬
‫خطة البحث المقترحة‪:‬‬
‫عالج الباحث الموضوع مقسما إياه إلى‪:‬‬
‫مقدمة‬
‫ذكر فيها أهمية البحث ‪ ،‬ثم أسباب اختياره لهذه الموضوع ‪ ،‬ثم‬
‫إشكاليات البحث ‪ ،‬ثم المنهج الذي اتبعه في بحثه ‪ ،‬وأخي ار خطة البحث التي‬
‫تنقسم إلى‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تمهيد‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الفصل األول‪ :‬الرجل األعلى في الفكر الكونفشيوسي‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬طريق الرجل األعلى‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬محبة الحب‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثالث‪ :‬االلتزام بالطقوس والشعائر‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الرابع‪ :‬احترام العائلة‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الخامس‪ :‬االستعداد واالستقامة‪.‬‬
‫‪ ‬تعقيب‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الفصل الثاني‪ :‬االتجاه الخلقي عند كونفشيوس‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬األساس المعرفي لألخالق‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬الوحدة ومحبة الحب‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثالث‪ :‬عالقة الرجل األعلى بالمجتمع‪.‬‬
‫‪ ‬تعقيب‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬خاتمة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬قائمة بأسماء المصادر والمراجع‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬الفهرس‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫تمهيد‬
‫إن مما امتاز به الفكر الصيني القديم نزعته األخالقية واتجاهه إلى‬
‫السلوك اإلنساني لتقويمه ‪ ،‬ولقد كان هدف العقل الصيني أن يخرج هذه القيم‬
‫األخالقية من إطارها النظري إلى حيز الوجود ممثال في التطبيق اإلنساني‬
‫لهذه القيم‪.‬‬
‫وال يعني هذا أن مفكري الصين لم يكن لهم رأي خاص بغير مباحث‬
‫األخالق ‪ ،‬ولكنهم ربما كان لهم رأي سلبي بشأن بعض اإلشكاليات تمثل في‬
‫رفضهم لمناقشة بعض هذه المسائل الفلسفية ؛ إما النقطاع صلتها باإلنسان‬
‫الذي يعد مركز الكون وله األولوية عند الصينيين القدماء في البحث‬
‫والتفكير‪ ،‬وإما ألن بعض هذه اإلشكاليات مما ليس في مقدور اإلنسان إدراكه‬
‫فالبحث فيه بحث فيما ال سبيل للوصول فيه إلى حقيقة‪.‬‬
‫الكونفشيوسة تعتبر من أعظم النزعات الفلسفية عند الصينيين وهي‬
‫نزعة منسوبة إلى مؤسسها " كونج ـ فو ـ دزه أو كونج المعلم كما كان تالميذ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬وموقع هذه‬ ‫كونج ـ تشيو يسمونه في عام ‪ 551‬ق‪.‬م ‪ ،‬في مدينة تشو"‬
‫المدينة اآلن " هو موقع مقاطعة شاتونج ‪ Shatong‬الحالية "(‪.)2‬‬
‫" وتحيط بنشأة الفيلسوف الكثير من األساطير ‪ ،‬ولكنه من بين هذه‬
‫األساطير يمكن التعرف على بعض ما كانت عليه تلك النشأة من ميالد غير‬
‫شرعي في أسرة تنتمي إلى عائلة من أعرق عائالت الصين ؛ من نسل‬
‫اإلمبراطور هوانج ـ دي ‪ ،‬والتي لم تزل حتى يومنا هذا‪.‬‬
‫وكان كونفشيوس قد نشأ في أسرة فقيرة وعمل في طفولته ليساعد‬
‫والدته بعد موت أبيه وهو لم يزل في الثالثة من عمره ‪ ،‬والذي كان في‬

‫)‪ (1‬ول ديورنت ‪ .‬قصة الحضارة ‪ .‬م ‪ . 4 ، 3‬ج ‪ . 4‬ص‪ . 44‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪.‬‬
‫‪.2441‬‬
‫)‪ (2‬د‪ /‬مدحت دمحم نظيف ‪ .‬األلوهية في الفكر اإلنساني القديم ‪ .‬ص ‪ . 131‬مطابع دار الوثائق ‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫السبعين من عمره حين ولد ذلك الفيلسوف ‪ ،‬وراح يوجد لنفسه وقتا يتعلم فيه‬
‫الرماية والموسيقى رغم ذلك حتى بلغ الثانية‬
‫والعشرين من عمره فبدأ يشتغل بالتعليم ‪ ،‬وكان يتقاضى من التلميذ‬
‫ما يستطيع دفعه مقابل تعليمه ‪ ،‬ووضع منهجا لبرنامجه التعليمي الذي اعتمد‬
‫فيه على نقل علمه مشافهة شأنه في ذلك شأن سقراط ‪ ،‬فعلم تالمذته مختلف‬
‫العلوم والفنون المتاحة في عصره من تاريخ وشعر ‪ ،‬وأداب اللياقة ‪ ،‬وكان قد‬
‫(‪)1‬‬
‫أنجب ابنا وحيدا "‬
‫ولقد تأثر كونفشيوس بواقع المجتمع الصيني وذلك ألنه " عندما شب هذا‬
‫الرجل ووجد الحالة السياسية واالجتماعية في الصين يسودها الظلم‬
‫واالنحالل والكراهية بين الحكام والمحكومين إلى غير ذلك من السلبيات بدأ‬
‫يدعو إلى مبادئ خاصة ‪ ،‬وهذه المبادئ ناتجة عن تأمالت في الشروط‬
‫المطلوبة لمجتمع مثالي " (‪ ،)2‬ولقد قضى كونفشيوس حياته في الدعوة لرأيه‬
‫متنقال من مكان إلى مكان حتى استدعاه دوق جيه إلى " لو " ليقضي فيها‬
‫ما تبقى من حياته التي بلغت تسعة وتسعين عاما ‪ ،‬وقد آثر في ختام حياته‬
‫بـ " لو " أن يعتزل الجموع متفرغا لنشر روائع الكتب الصينية وكتابة تاريخ‬
‫الصينيين‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬ول ديورنت ‪ .‬قصة الحضارة ‪ .‬مرجع سابق ‪ ،‬تلخيص ‪.‬‬
‫)‪ (2‬جون كولر ‪ .‬الفكر الشرقي القديم ‪ .‬ت‪ :‬كامل يوسف حسن ‪ .‬م‪ :‬د‪ /‬إمام عبد الفتاح ‪ .‬المجلس‬
‫الوطني للثقافة والفنون ‪ .‬الكويت ‪1995.‬م ‪ .‬ص‪. 333‬‬

‫‪256‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫الفصل األول‬
‫الرجل األعلى في الفكر الكونفشيوسي‬
‫الرجل النبيل في أكثر عصور البشرية هو ذلك الرجل الذي انحدر من‬
‫نسل عريق وساللة متميزة عن باقي طبقات الشعب الكادحة‪.‬‬
‫لم يكن األمر مختلفا عند الصينيين بل إن كلمة << تشون تزو‬
‫‪ >> Chun tzu‬والتي تعني النبيل " يكاد يكون لها معنى دولي يماثل إلى‬
‫(‪)1‬‬
‫حد ما المعنى األصلي لكلمة << الجنتلمان ‪ >> Gentlman‬عندنا "‬
‫ولكن كنفشيثوس قد " غير استعمال هذه الكلمة تماما ‪ ،‬إذ أكد أن أي‬
‫رجل يمكن أن يكون نبيال بعيدا عن األنانية وعادال وشفيقا‪ .‬ومن ناحية‬
‫(‪)2‬‬
‫بل على‬ ‫أخرى أكد أنه ال يمكن اعتبار اإلنسان نبيال على أساس المنبت "‬
‫أساس من الفضائل التي يتعلمها اإلنسان في تربيته تلك التربية التي " يجب‬
‫(‪)3‬‬
‫في مجالها‪.‬‬ ‫أال تكون هناك تفرقة طبقية "‬
‫فلم يكن طنفشيوس ليرفض راغبا في التعلم قط أيا كان شأنه وأيا كان‬
‫المقابل الذي يدفعه له ؛ ألنه كان راغبا في العثور عن الرجل الذي تكتمل‬
‫فيه كل الفضائل ليصبح الرجل اإلعلى‪.‬‬
‫لقد عمل كنفشيوس على تعليم الناس األخالق ليرتقي بهم ‪ ،‬تلك‬
‫األخالق التي تستمد من ذاتية الفرد من جهة ‪ ،‬ومن العرف العام من جهة‬
‫أخرى ؛ ألن كليهما ال ينفصل عن اآلخر الفرد والمجتمع‪.‬‬

‫)‪ (1‬هـ ‪ .‬ج ‪ .‬كريل ‪ .‬الفكر الصيني من كنفشيوس إلى ماوتسي تونج ‪.‬ت‪ :‬عبد الحميد سليم ‪ .‬مراجعة‬
‫علي أدهم ‪ .‬الهيئة العامة المصرية للكتاب ‪ .‬ص ‪.44‬‬
‫)‪ (2‬المرجع السابق ‪ .‬ص ‪.45‬‬
‫)‪ (3‬المقتطفات األدبية ‪ 33/15 ،‬نقال عن ‪ :‬المرجع السابق ‪ .‬ص ‪.44‬‬

‫‪257‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫المبحث األول‪ :‬طريق الرجل األعلى‪.‬‬


‫لقد أنشأ كونفشيوس مذهبه اإلنساني على فكرة تكوين الرجل المثالي‬
‫بحيث يصبح ذلك الرجل معيار الصالح في كل شيء ‪ ،‬فهو رجل يحزنه أال‬
‫يكون مثاليا يسعى دائما ألن يكون كفؤا فهو يخشى أال يصل إلى الحقيقة‬
‫رغم أنه ال يخشى أن يعيش فقيرا‪.‬‬
‫ولصنع ذلك الرجل فإن ذلك يستدعي مراقبة تكوينه جزءا جزءا ليس‬
‫فقط سماته العقلية ‪ ،‬أو النفسية ‪ ،‬أو حتى الجسمية ‪ ،‬ولكنها مراقبة شاملة‬
‫لكل هذا ‪ ،‬ولذا كان البيت منبت الحكمة الكونفشيوسية وأساسها ‪ ،‬ومن ثم‬
‫يصبح الفرد المنظم في األسرة المنتظمة هو أساس المجتمع الصالح ‪ ،‬واعتبر‬
‫كونفشيوس كل من الذكاء ‪ ،‬والشجاعة ‪ ،‬وحب الخير فضائل البد من‬
‫اجتماعها في اإلنسان األعلى أو الرجل المثالي في الكونفشيوسية‪.‬‬
‫ولكي يصبح الرجل األعلى على ما ينبغي أن يكون البد أن يتحلى‬
‫بـ"أربع فضائل رئيسية تتشعب عنها كل القيم األخالقية التي ينبغي أن يتحلى‬
‫(‪)1‬‬
‫وسيأتي الحديث عن هذه‬ ‫بها الفرد حتى يصل إلى الكمال اإلنساني "‬
‫الفضائل فضيلة في مباحث خاصة‪.‬‬
‫ولقد الحظ الباحث أن هذه الفضائل األربع عملية في معناها ومفادها‬
‫رغم ما تحمله من أسس نظرية إال أن الجانب العملي في األخالق‬
‫الكونفشيوسية إنما هو سر تلك األخالق التي تعتمد على السلوك ‪ ،‬فالمثالية‬
‫الخلقية عند كونفشيوس تتمثل في الرجل الذي " يعمل قبل أن يتكلم ثم يتكلم‬
‫بعدئذ وفق ما عمل "(‪.)2‬‬

‫)‪ (1‬د‪ /‬هالة أبو الفتوح ‪ .‬فلسفة األخالق السياسية ‪ .‬دار القيادة للطباعة والنشر ‪2444 .‬م ‪ .‬ص‪. 15‬‬
‫‪(2)Confucius Analects,XIV,XVIII,2,in legge, jas, Chinese Classics,Vol,1: Life‬‬
‫نقال عن قصة الحضارة‪ .‬ت‪ :‬دمحم بدران‪And Teachings of Confucius..‬‬

‫‪252‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫ومن هذا التقدير للجانب العملي في السلوك ‪ ،‬والطريق الذي يبحث‬


‫عنه كونفشيوس يتضح سر تنقله وتالمذته من مكان إلى آخر ‪ ،‬فمذهبه ليس‬
‫مذهبا مدرسيا ؛ وإنما مبناه على استخراج الحكمة من الحياة والمخالطة ‪،‬‬
‫فال مجال للبحث األكاديمي الخالص ـ إن صح ذلك المعنى بالنسبة‬
‫للصينيين ـ في الوصول إلى الحكمة ‪ ،‬بل القول إنه ال مجال لمعرفة الحكمة‬
‫وتحقيق الكمال بين جدران المعابد والمدارس الكهنوتية عند الصينيين ال يعد‬
‫قوال مرفوضا‪.‬‬
‫لقد اعتبر كونفشيوس أن طريق الوصول إلى الحكمة يكمن في مخالطة‬
‫الجماهير والتفاعل معهم ولذا نجد الشبه كبي ار بين كونفشيوس وسقراط الذي‬
‫كان يعقد محاوراته في األسواق ‪ ،‬على الرغم من اختالف الفيلسوفين في‬
‫نهاية كل منهما فيظهر أن الصين تقبلت فكرة الفلسفة العملية أكثر مما تقبلته‬
‫أثينا األمر الذي أحدث إثر الحكم على سقراط بأن " هرب تلميذه أفالطون‬
‫من أثينا ‪ ،‬وعندما عاد إليها أحجم عن التفلسف في األسواق كما كان يفعل‬
‫أستاذه سقراط ‪ ،‬فأقام مبنى أطلق عليه اسم " األكاديمية " تقوقع فيه ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ال مجال للعزلة المطلقة لمن أراد‬ ‫فانعزلت الفلسفة عن رجل الشارع "‬
‫البحث عن الحقيقة والتأثير بها في الناس تعليما لهم أو ممارسة لها بينهم‬
‫رغم ما قد يكون لهذه العزلة من بريق سيما إذا ما انتشر الظلم وعمت‬
‫الفوضى ‪ ،‬ولكن حتى هذه الظروف القاسية لم تستطع أن تقنع كونفشيوس‬
‫كي يعتزل األحداث‪.‬‬
‫لقد تعرض كونفشيوس لموقف أثبت هذا القول ورفضه للعزلة ‪ ،‬وذلك أثناء‬
‫تنقله مع تالمذته " وبينا كانت هذه الفئة الصغيرة في يوم من األيام تجوس‬
‫خالل " تشي "إذ التقت بشيخين عافت نفسهما مفاسد ذلك العهد ‪ ،‬فاعتزال‬

‫)‪ (1‬د‪ /‬مراد وهبة ‪ .‬مالك الحقيقة المطلقة ‪ .‬ص‪ .234‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫الشئون العامة كما اعتزلها لو ـ دزه ‪ ،‬وآث ار عليها الحياة الزراعية البعيدة عن‬
‫جلبة الحياة العامة وعرف أحد الشيخين كونفشيوس ‪ ،‬والم تزه ـ لو على سيره‬
‫في ركابه ‪ ،‬وقال له‪ :‬إن االضط ارب يجتاح البالد اجتياح السيل الجارف ‪،‬‬
‫ومن ذا الذي يستطيع أن يبدل لكم هذا الحال؟ أليس خي ار لكم أن تتبعوا‬
‫أولئك الذين يعتزلون العالم كله‪ ،‬بدل أن تتبعوا ذلك الذي يخرج من والية إلى‬
‫(‪)1‬‬
‫ورغم أن كونفشيوس قد فكر في هذا األمر طويال إال أنه من‬ ‫والية "‬
‫المؤكد رفضه لتلك النظرة بدليل عدم إقدامه عليها إال عند إحساسه بقرب‬
‫نهايته فآثر الخلوة لينشر " روائع الكتب الصينية وكتابة تاريخ الصين " (‪.)2‬‬

‫)‪ ،Confucius Analects, legge,82 (1‬نقال عن قصة الحضارة‪ .‬ص‪.41‬‬


‫)‪ (2‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.43‬‬

‫‪260‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬محبة الحب‪.‬‬


‫لقد اهتم كونفشيوس في بحوثه الخلقية بفكرة المطلق رغم أنه لم يكن‬
‫ليخوض في أي إشكاليات تدور حول تحديد ذلك المطلق أو الغير محدود‬
‫حيث يقول تالميذه‪ " :‬الموضوعات التي لم يكن المعلم يخوض فيها هي‬
‫األشياء الغريبة غير المألوفة ‪ ،‬وأعمال القوة ‪ ،‬واالضطراب ‪ ،‬والكائنات‬
‫الروحية "(‪ ، )1‬ولكن هناك اهتمام نوعا ما بالمطلق من خالل رؤيته للمعاني‬
‫والصفات اإلنسانية فنراه ال يتحدث عن أحداث جزئية السيما في معنى الحب‬
‫فهو ال يقصد حب شيء معين وإنما يقصد معناه الموسع المطلق‪.‬‬
‫الرجل األعلى هو الذي تتمثل فيه صفة الحب كاملة دون أن يشوبها‬
‫شيء من كراهية فهو يحب الوجود ألنه ال يجوز أن يكون غير محب ‪،‬‬
‫فاإلنسان جزء من تكوين ذلك الكون فالبد أن ينسجم معه دون اختالف‬
‫أو تضاد ‪ ،‬إنما يتعامل اإلنسان مع الكون من خالل " جين " ‪ jen‬أي حب‬
‫الحب لذاته تلك هي الفضيلة األولى التي ال يمكن لواحد من البشرأن يكون‬
‫إنسانا إال بها‪.‬‬
‫لقد ارتقى كونفشيوس بمعنى الحب ليتحدث عن الحب المطلق وذلك‬
‫عندما يصف الرجل األعلى بأنه يحب الحب لذاته ال لعرض يط أر أمامه‬
‫أو لصورة جزئية ربما ال تعبر عالقة الحب بينها وبين اإلنسان إال عن‬
‫الهوى‪ ،‬أما الرجل الكامل المثالي فهو يحب ألن الحب يجب أن يطلب‬
‫ال لشيء غيره ‪ ،‬ومن ثم فهو يقول‪ " :‬إن مما يجعل البشر إنسانيين هو‬
‫جين‪ ،‬ألن جين هي محبة الحب ‪ ،‬وهي المبدأ المطلق للفعل اإلنساني ‪،‬‬
‫والكائن البشري الحق ال ينحرف عن طريق الجين قط ‪ ،‬ومن هنا كانت‬
‫(‪)2‬‬
‫الحياة من دونها غير جديرة بأن تعاش "‬

‫)‪ (1‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.53،54‬‬


‫)‪ (2‬جون كولر‪ .‬الفكر الشرقي القديم ‪ .‬مرجع سابق ‪ .‬ص‪.351‬‬

‫‪260‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫المبحث الثالث‪ :‬االلتزام بالطقوس والشعائر‪.‬‬


‫لقد كان كونفشيوس حكيما أخالقيا ينأى بنفسه عن كل مباحث‬
‫(‪)1‬‬
‫الميتافيزيقا " ومن المؤكد أنه لم يكن أصال رسوال دينيا أو معلما دينيا "‬
‫لذا فهو لم يتحدث عن المسائل الدينية ‪ ،‬وما من شك في أن تالمذته " كانوا‬
‫يتمنون أن يحل لهم معلمهم مشاكل السماوات ويطلعهم على أسرارها ويقص‬
‫علينا كتاب ليا ـ تزه وهو مغتبط قصة غلمان الشوارع الذين أخذوا يسخرون‬
‫من كونفشيوس حين أقر لهم بعجزه عن هذا السؤال السهل وهو‪ :‬هل الشمس‬
‫أقرب إلى األرض في الصباح حين تبدو أكبر ما تكون أو في منتصف‬
‫(‪)2‬‬
‫ولكن كونفشيوس كان يرى أنه لم يصل بعد‬ ‫النهار حين تشتد ح اررتها "‬
‫إلى فهم ما حوله لكي يبحث فيما ال يراه ولكن كل هذا ال يعني أنه كان‬
‫يرفض الدين وأداء الطقوس بقدر ما يعني أنه كان يقف منه موقفا حياديا ‪،‬‬
‫على األقل في الظاهر‪.‬‬
‫يتحدث بعض الباحثين عن ال أدرية كونفشيوس وأنه لم يك ذا موقف‬
‫واضح وإن كان الباحث يعتقد أن كونفشيوس بموقفه هذا الذي اتخذه قد‬
‫أظهر موقفا واضحا له من الدين برفضه الخوض فيه والحديث عن مسائله ‪،‬‬
‫فكونفشيوس ال يهتم إال باإلنسان ويحاول الوصول به إلى الكمال من خالل‬
‫تخلقه بالمثل العليا المستمدة من التفكير اإلنساني والتزام العلوم والفنون‬
‫الراقية مثل الموسيقى والشعر ‪ ،‬فهو يرفض الدين ويرفض غير المرئي‬
‫باعتباره له وجود حقيقي‪.‬‬
‫ربما يقبل كونفشيوس غير المرئي المعنوي مثل الحب والحق إلى غير‬
‫ذلك ولكنه ال يقبل بفكرة اإلله الحقيقي الوجود " صحيح أن ذكر " السماء "‬

‫)‪ (1‬د‪ /‬مدحت دمحم نظيف ‪ .‬األلوهية في الفكر اإلنساني القديم ‪ .‬مرجع سابق ‪ .‬ص‪.133‬‬
‫)‪ .Giles,H. A.,History of Chinese Literature.69. (2‬نقال عن قصة الحضارة‪ .‬مرجع‬
‫سابق‪ .‬ص‪.54‬‬

‫‪262‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫والصالة كان يرد على لسانه أحيانا ‪ ،‬وأنه كان ينصح أتباعه بأال يغفلوا عن‬
‫(‪)1‬‬
‫ولكن‬ ‫الطقوس والمراسم التقليدية في عبادة األسالف والقرابين القومية "‬
‫ذلك التنبيه منه على تالمذته ال يعدو أن يكون لفتا لهم إلى قوة داخلية‬
‫أخالقية تعني المثل العليا‪.‬‬
‫ويمكن رد ذلك التنبيه على القيام بالطقوس الدينية التقليدية إلى مبدأ‬
‫نادى به في االنسجام والتناغم بين الرجل المثالي وبين الوجود ‪ ،‬فكونفشيوس‬
‫لم يكن ليصطدم مع ثوابت مجتمعه ولكنه يشترك معهم في تكامل ليحصل‬
‫(‪)2‬‬
‫على الوحدة المنشودة كما يقول‪ " :‬إني أبحث عن الوحدة ‪ ،‬الوحدة الشاملة"‬
‫‪ ،‬فالحقيقة الواحدة التي آمن بها كونفشيوس هي اإلنسان فقط وطريقه نحو‬
‫الكمال ‪ ،‬ولذا أمضى حياته كلها في سبيل هذه الفكرة‪.‬‬
‫ولكن كونفشيوس على ما كان موقفه تجاه الدين غير أنه جعل‬
‫(‪)3‬‬
‫الذي يتمثل فيما يعتقده‬ ‫الفضيلة الثانية هي االلتزام بـ " القانون العرفي "‬
‫ويؤديه المجتمع من طقوس تجاه أرواح القدامى ‪ ،‬وذلك ألن " لي " ‪ Li‬هو‬
‫ذلك القانون و " المبدأ الذي جسد من خالله الملوك القدامى شرائع السماء‬
‫ونظموا التعبير عن الطبيعة اإلنسانية ‪ ،‬ومن هنا فإن من يحرز " لي "‬
‫(‪)4‬‬
‫ويبدو من خالل النظر إلى هذه الفضيلة أن‬ ‫يعيش ومن يفقدها يموت "‬
‫كونفشيوس إنما يحافظ على عالقة تالمذته باألرواح ليحفظ لهم عالقتهم‬
‫باإلنسان الموجود بالفعل ‪ ،‬فأرواح القدماء وإقامة الطقوس لها والتي هي‬

‫)‪ Wilhelm, Short History. (1‬نقال عن‪ :‬ول ديورنت‪ .‬قصة ‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.53‬‬
‫)‪ Giles, H. A., History of Chinese Literature . (2‬نقال عن‪ :‬ول ديورنت ‪ .‬قصة الحضارة‪.‬‬
‫مرجع سابق‪ . .‬ج‪ .4‬ص‪54‬‬
‫)‪ (3‬جمال المرزوقي ‪.‬الفكر الشرقي القديم ‪ .‬دار األوقاف العربية ‪ .‬القاهرة ‪ .2441 .‬ص ‪.351‬‬
‫)‪ (4‬جون كولر‪ .‬الفكر الشرقي القديم‪ .‬مرجع سابق ‪ .‬ص‪.351‬‬

‫‪263‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫أساس عبادة الصينيين ال تطلب لذاتها عند كونفشيوس ولكنها تطلب‬


‫ألنها وسيلة لتحقيق الوحدة مع الناس وإمكان تقديم‬
‫الخير لهم ‪ ،‬ولقد " سأله فارشي عن " ماهية الحكمة " قال له‪ :‬إذا‬
‫حرصت على أداء واجبك نحو الناس ‪ ،‬وبعدت كل البعد عن الكائنات‬
‫(‪)1‬‬
‫الروحية مع احترامك إياها أمكن أن تسمي هذه حكمة "‬
‫فاألخالق الكونفشيوسية تعتمد االلتزام بهذه القوانين فضيلة أساسية من‬
‫الفضائل األربع إال أنها تدعو إلى ممارسة هذه الطقوس بغير تعمق في‬
‫معناها أو نظر إلى حقيقتها ‪ ،‬فهي شعائر تمارس ليشعر اإلنسان باتحاده مع‬
‫الوجود من حوله ليس أكثر ‪ ،‬ولكن االنقطاع عنها يمثل الهالك والضياع‪.‬‬
‫" والمعنى األصلي لعبارة << لي ‪ >> Li ،‬هو أن تضحي ‪ ،‬وال يزال‬
‫(‪)2‬‬
‫ولقد استعملها كنفشيوس كداللة على‬ ‫هذا معناها في الصينية الحديثة "‬
‫انه ال يمكنك أن تضحي لألجداد ما لم تستطع التضحية من أجل الناس‬
‫المحيطين بك‪.‬‬

‫)‪ legge,101,VI,20 (1‬نقال عن‪ :‬قصة الحضارة‪ .‬مرجع سابق ‪ .‬ص ‪.53‬‬
‫)‪ (2‬هـ ‪ .‬ج ‪ .‬كريل ‪ .‬الفكر الصيني من كنفشيوس إلى ماوتسي تونج ‪ .‬ص ‪.41‬‬

‫‪264‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫المبحث الرابع‪ :‬احترام العائلة‪.‬‬


‫يبدو أن هذه الفضيلة جزء من الفضيلة " لي " أو أنها صورة أخرى‬
‫لها‪ ،‬فحين تعد الفضيلة الثانية في األخالق الكونفشيوسية هي احترام القدماء‬
‫وااللتزام برؤيتهم عن السماء " لي " نجد أن الفضيلة الثالثة هي احترام العائلة‬
‫الموجودة وتوقيرها‪.‬‬
‫وتعمل فضيلة " هسياو " ‪ Hsiao‬توقير العائلة على تنمية " جين "‬
‫وغرس المحبة "(‪ )1‬فالحكمة تبدأ من البيت "(‪ )2‬ويجب أن ينشأ الطفل على‬
‫هذا المبدأ الذي يقوي عالقته بمن حوله ليكون بعد ذلك مثاليا ‪ ،‬وال يمكن‬
‫للرجل أن يصبح مثاليا بغير هذا االحترام في األخالق الكونفشيوسية ‪ ،‬ولقد‬
‫سأل تزه ـ لو كونفشيوس عن‪ :‬ما الذي يكون الرجل األعلى؟ فأجاب‪ " :‬أن‬
‫يثقف نفسه بعناية ممزوجة باالحترام " (‪)3‬وال شك أن البيئة االجتماعية هي‬
‫التي تشكل هذا الرجل ليكون األعلى فالبد أن يتخلق الرجل المثالي بال "‬
‫هسياو " لكي يشرف أبويه وعائلته فإن لم يستطع فعلى األقل يجب أال يجلب‬
‫العار لهما‪.‬‬
‫وتعتبر هذه الفضيلة هي األصل العملي في األخالق الكونفشيوسية‬
‫والذي تتمثل من خالله البذور الولى للبرجماتية ‪ ،‬فالرجل األعلى حين يحب‬
‫الحب ويتصرف على أساسه ‪ ،‬ثم يلتزم بكل ما يلتزم به المجتمع من حوله‬
‫فال يتصادم معه فال يبقى إال أن يتصرف على منهج محدد وهذا المنهج‬
‫المحدد عند كونفشيوس هو اعتبار الرجل األعلى بعائلته واحترامه لها‪.‬‬
‫وتتدرج العائلة التي يجب أن يحترمها اإلنسان من أسرته فعائلته ومن‬
‫ثم مجتمعه ‪ ،‬فال يفعل اإلنسان ما هو قبيح في أعينهم أو ما يمكن أن يجلب‬
‫له العقاب ولعائلته العار‪.‬‬

‫)‪ (1‬د‪ /‬هالة أبو الفتوح‪ .‬فلسفة األخالق السياسية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪. 15‬‬
‫)‪ (2‬ول ديورنت‪ .‬قصة الحضارة ‪ .‬ص‪.54‬‬
‫)‪ (3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫المبحث الخامس‪ :‬االستعداد واالستقامة‪.‬‬


‫كما أن " الهسياو " الزم لتطوير " الجين " كذلك اعتبر كونفشيوس‬
‫فضيلة رابعة ضرورية لتطور محبة الحب هذه ‪ ،‬ولقد شدد عليها كونفشيوس‬
‫باعتبار أن االستقامة أو االستعداد الخلقي " يي " ‪ Yi‬هي أساس الترقي‬
‫للوصول إلى الكمال ‪ ،‬وإذا لم يكن ذلك االستعداد فال سبيل إلى الترقي ‪،‬‬
‫فهو يقول‪ :‬إذا لم يكن من عادة المرء أن يقول‪ :‬ماذا أرى في هذا؟ فإني‬
‫ال أستطيع أن أفعل له شيئا " فهذا السؤال دليل على استعداده لتلقي الفضيلة‬
‫الكاملة ولذلك فإن كونفشيوس ال يفتح "باب الحق لمن ال يحرص على‬
‫( ‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وكذلك ال يعين "من ال يعني باإلفصاح عما يكنه في صدره"‬ ‫معرفته"‬
‫ألن الحكمة ال تعطى بالتلقي كاملة ولكن االستعداد واالستقامة الخلقية عند‬
‫شخص هي التي تجعله قاد ار على فهم أكثر الحكمة عن طريق بعض‬
‫الحكمة التي يتلقاها تعليما ‪ ،‬ولقد تحدث كونفشيوس عن هذا االستعداد‬
‫بقوله‪ " :‬إذا ما عرضت ركنا من موضوع ما على إنسان ‪ ،‬ولم يستطع مما‬
‫(‪)3‬‬
‫عرضته عليه أن يعرف الثالثة أركان الباقية فإني ال أعيد عليه درسي "‬
‫ولكن ذلك ال يعني أن هناك بعض الناس ال يمكن أن يستفيدوا من درسه ‪،‬‬
‫فالبد من إفادة ما تتحصل لمن يدرس فليس من السهل " أن نجد إنسانا‬
‫(‪)4‬‬
‫ولكن من‬ ‫واصل الدرس ثالث سنين دون أن يصبح إنسانا صالحا "‬
‫يستطيع أن يواصل الدرس إن لم تكن فيه فضيلة االستعداد واالستقامة ‪ ،‬وإذا‬
‫كان كونفشيوس يقول عن ذلك االستعداد في نفسه " قد يكون في كفر من‬
‫عشر أسر رجل في مثل نبلي وإخالصي ‪ ،‬ولكنه لن يكون مولعا بالعلم‬

‫)‪ (1‬قصة الحضارة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.41‬‬


‫)‪ (2‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.42‬‬
‫)‪Confucius, Analects, VII, xiii (3‬نقال عن‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪42‬‬
‫)‪ Confucius, Analects ,VII ,xii (4‬نقال عن‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.42‬‬

‫‪266‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬
‫(‪)1‬‬
‫فإلى هذه الدرجة وصل استعداد وحب وكونفشيوس ورغم ذلك‬ ‫مثلي"‬
‫يقول‪ " :‬ولكن الرجل األعلى الذي ال يختلف قوله عن فعله هو ما لم أصل‬
‫(‪)2‬‬
‫إليه بعد "‬
‫ال يمكن لإلنسان أن يصل إلى الحكمة والرقي بغير تعلم وهذا التعلم‬
‫البد لكي يكون من وجود استعداد ذاتي يحث اإلنسان على االستقامة ويطرح‬
‫دائما األسئلة على نفسه ليقوم طريقه أم إذا " لم يسائل المرء نفسه باستمرار ‪:‬‬
‫ما الشيء الصواب الذي يؤديه ؟ فإنني [ كنفشيوس ] ال أعرف في الحقيقة‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫ما الذي سيلم به "‬

‫)‪, legge, Life, V, xxvii (1‬نقال عن‪ :‬المرجع السابق ‪ .‬ص ‪.44‬‬
‫)‪ Legge, Life,VII,xxxii (2‬نقال عن‪ :‬قصة الحضارة‪ .‬ص‪.44‬‬
‫)‪ (3‬المقتطفات األدبية ‪ ، 15/15 :‬نقال عن‪ :‬هـ ‪ .‬ج ‪ .‬كريل ‪ ،‬الفكر الصيني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ .‬ص‬
‫‪.44‬‬

‫‪267‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫تعقيب‪:‬‬
‫لقد نظر كنفشيوس إلى األخالق على أنها األساس الذي يجب على‬
‫كل مجتمع أن يقوم عليه ‪ ،‬ونظر إليها على أنها المبحث الحقيقي للمعرفة‬
‫الحقة‪.‬‬
‫اهتم كنفشيوس باألخالق وترك ما عداها من إشكاليات ألن ليس كما‬
‫قد يعتقد أنه ينظر إلى الجزئيات والظواهر فقط ‪ ،‬لكن ألنه إنما يؤمن بالكلي؛‬
‫فهو ينادي بمحبة الحب لذاته ‪ ،‬ويطلب الوحدة الشاملة ليتوافق مع ذلك‬
‫االنسجام بين جزئيات الطبيعة‪.‬‬
‫وقد تبين أن كنفشيوس ال يلتفت أصال إلى االختالف الظاهري بل يعد‬
‫نوعا من التنوع الالزم لحدوث التكامل فال يعترض على طقوس مجتمعه‬
‫وعبادتهم وإنما يدعوة إلى ممارسة هذه الطقوس بإخالص ليس ألنه يؤمن‬
‫بجدواها ‪ ،‬ولكن ألنه يؤمن بوحدة اإلنسان مع أفراد مجتمعه سواء كانوا‬
‫سابقين له وهم األرواح أو معاصرين له وهم العائلة‪.‬‬
‫كما يمكن أن نلخص مذهب كنفشيوس في الفضيلة بأنه يدعو إلى‬
‫الحب بين الناس ليس لما قد يقدمه بعضهم البعض وإنما ألن الحب غاية‬
‫يجب أن تطلب لذاتها‪.‬‬
‫وكنفشيوس ينادي بأن يتعلم الناس بعد أن يختبروا لمعرفة استعدادهم‬
‫لتلقي نوعية معينة من العلوم وذلك ـ على حد قوله ـ لتزول الفوارق بين‬
‫الطبقات ‪ ،‬حتى يتمكن المعلم من العثور على رجل يملك االستعداد ليكون‬
‫الرجل األعلى‪.‬‬
‫من الواضح أن كنفشيوس قد فكر وجرب كثي ار كي يصل إلى ما آمن‬
‫نادى به ‪ ،‬وال ينكر تأثره ببيئة المجتمع الصيني إيجابا و سلبا ‪ ،‬ولكن‬
‫إضافته األخالقية ‪ ،‬ونمطه العملي ‪ ،‬ونزعته اإلنسانية كونوا مذهبا كان من‬
‫القوة بحيث أثر فيمن حوله من مؤيديه ومعارضيه ‪ ،‬وترك مثاال راسخا ظلت‬
‫األجيال تتوارثه من بعده‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫الفصل الثاني‬
‫االتجاه الخلقي عند كونفشيوس‬
‫لقد شكل الفكر الكنفشيوسي مدرسة خاصة ليست كتلك التي عهدتها‬
‫الحضارة الصينية ‪ ،‬وقد كان الناس من جميع الطبقات يسعون ليحصلوا على‬
‫وظيفة هي الطريق الوحيد ـ تقريبا ـ " للوصول إلى الثروة االقتصادية والمكانة‬
‫(‪)1‬‬
‫وذلك عن طريق إجراء اختبارات ‪ ،‬فكانت‬ ‫االجتماعية والسلطة السياسية "‬
‫المدارس لمساعدة مختلف الطبقات على اجتياز االمتحان‪.‬‬
‫لم يكن كنفشيوس ممن يهتمون بذلك فحسب بل كان يهتم بالتربية‬
‫بمعنى‪ " :‬التطور والتثقيف عقليا وأخالقيا لتوسيع المدارك وتقويتها‬
‫وتنظيمها(‪")2‬‬
‫ولقد تميز األسلوب الكنفشيوسي غير التقليدي عن غيره فليست العبرة‬
‫بأن ينال المنصب وإنما العبرة أن يصبح كفؤا لذلك المنصب ‪ ،‬ومن هنا كان‬
‫لالتجاه األخالقي المتأصل في كل جوانب المعرفة الكنفشيوسية أسس أقيم‬
‫عليها هي تلك األسس التي تعهد كنفشيوس غرسها للبناء عليها في نفوس‬
‫تالمذته ومن قبلهم في نفسه‪.‬‬
‫ومن دراسة هذه األسس يمكننا تحديد االتجاه الخلقي الذي سار فيه‬
‫كنفشيوس ليزرع فكرته في نفوس تالميذه ومن ثم ليكتب لها كل ذلك التأثير‬
‫عبر التاريخ والذي تمتد فروعه إلى يومنا هذا في أمة تعد من أعرق األمم‬
‫اإلنسانية‪.‬‬

‫)‪ (1‬هـ ‪ .‬ج ‪ .‬كريل ‪ ،‬الفكر الصيني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ .‬ص‪. 14‬‬
‫)‪ (2‬المرجع السابق ‪ .‬ص ‪. 45‬‬

‫‪269‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫المبحث األول‪ :‬األساس المعرفي لألخالق‬


‫المعرفة الفطرية المبنية على االنسجام بين اإلنسان والوجود هي‬
‫المعرفة الحقة عند كونفشيوس ‪ ،‬وهذه المعرفة يولد اإلنسان بها ‪ ،‬ولكنها قد‬
‫تفقد من بعض المولودين إال أنها مما يمكن أن تكتسب بالتعلم والحرص على‬
‫ممارستها ومن ثم يمكن لإلنسان أن يعدل من وضعه إذا كان قد ولد غير‬
‫راق بفطرته ‪ ،‬فيعدل من فطرته تلك عن طريق تعديل معرفته " وكلما زادت‬
‫(‪)1‬‬
‫معارفه كلما زادت مكانته "‬
‫ولقد بنى كونفشيوس أخالقه على أساس معرفي يقتضي البحث في‬
‫ماهية الفرد ألنه األساس لكل فعل سواء كان على نطاق األسرة أو المجتمع‪،‬‬
‫وتحدث عن النفس ألن تلك المعرفة التي يرمي إليها تتعلق بالنفس فالبد من‬
‫معرفة النفس‪.‬‬
‫ويقصد كونفشيوس بمعرفة النفس النفس الكلية ال نفوس الناس‬
‫المختلفة " ألن كونفشيوس ينظر إلى النفس األخالقية واالجتماعية على أنها‬
‫(‪)2‬‬
‫وربما كانت هي نفسها الطاو أو الطريق ‪ ،‬بل إن الباحث‬ ‫هي المطلقة "‬
‫يرجح أن تكون تلك النفس المطلقة هي السماء التي طالما تحدث عنها‬
‫كونفشيوس دون تفصيل ‪ ،‬فالنفس المطلقة هي الخطة التي يسير الكون كله‬
‫على منهجها ‪ ،‬ليست نفسا مفارقة للكون ولكنها األولى التي كان منها ين‬
‫ويانج فقد كان يعتقد أن هذا االنسجام في الكون " تنفيذا إلرادة إلهية مرسوم‬
‫(‪)3‬‬
‫خطتها في منهج السماء "‬

‫)‪ (1‬مجموعة من المؤلفين ‪ .‬تاريخ تطور الفكر الصيني ‪ .‬ت‪ :‬عبد العزيز حمدي عبد العزيز‪ .‬المجلس‬
‫األعلى للثقافة‪ .‬ص ‪.51‬‬
‫)‪ (2‬جون كولر ‪ .‬الفكر الشرقي القديم ‪ .‬ص‪.341‬‬
‫)‪ (3‬د‪ /‬مدحت دمحم نظيف ‪ .‬األلوهية في الفكر اإلنساني القديم ‪ .‬ص‪.144‬‬

‫‪270‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫فكونفشيوس يريد معرفة النفس ‪ ،‬وهو ال يتحدث عن األرواح وفي نفس‬


‫الوقت يأمر باحترامها " إذا حرصت كل الحرص على أداء واجبك نحو‬
‫الناس ‪ ،‬وبعدت كل البعد عن الكائنات الروحية‬
‫(‪)1‬‬
‫وكذلك فعل مع‬ ‫مع احترامك إياها أمكن أن تسمي هذه حكمة "‬
‫السماء ‪ ،‬أفال يكون ذلك دليل على أنه يقصد تلك النفس المطلقة بمعنى‬
‫الوجود غير الطبيعي ويقدمها للناس بما تعارفوا عليه بينهم دون توصيفها‬
‫لهم‪ ،‬ويشير إلى وجوب معرفة النفس‪.‬‬
‫كونفشيوس رغم أنه أقر مبدأ الثورة حين يقول‪ " :‬فإذا أمر الوالد ابنه‬
‫أم ار خطأ وجب عليه أن يقاومه ‪ ،‬وعلى الوزير أن قاوم أمر سيده األعلى في‬
‫(‪)2‬‬
‫فإنه أيضا يكره الفوضى واختالط الحابل بالنابل‬ ‫مثل هذه الحال "‬
‫والتبجح " فالمجتمع يقوم على إطاعة األبناء آباءهم والزوجة زوجها ‪ ،‬فإذا‬
‫(‪)3‬‬
‫ولهذا ال يقدم كونفشيوس على‬ ‫ذهبت الطاعة حلت محلها الفوضى "‬
‫إعالن رأي يؤدي بالمجتمع إلى النزاع الفوضى ولكنه يساير المجتمع فيما‬
‫يمكن مسايرته فيه فهو الذي يشير " بأال تدرس الموضوعات العليا لذي‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬وال يعد‬ ‫المواهب الوسطى‪ ،‬أما الموسيقى فيجب أن تعلم للناس أجمعين "‬
‫ذلك من قبيل الكذب الذي طالما رفضه كونفشيوس ألنه يفقد الثقة بين الرجل‬
‫األعلى والمجتمع ولكنها المداراة ومخاطبة العقول بما تحمله‪.‬‬
‫وفي سبيل معرفة هذه النفس فقد أعطى كونفشيوس تصو ار لتلك‬
‫األسس التي تقوم عليها ومن ثم تقوم بها األخالق ‪ ،‬وهذه األسس هي‪:‬‬

‫)‪ (1‬ول ديورنت‪ .‬قصة الحضارة‪ .‬ص‪.53‬‬


‫)‪ (2‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.44‬‬
‫)‪ (3‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)‪ (4‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.42‬‬

‫‪270‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫‪ ‬األخالق المطلقة‪:‬‬
‫األخالق عند كونفشيوس كلية وضرورية وإنما يبحث اإلنسان في‬
‫طريقه إلى التعلم عن المعيار الذي يقوده إلى هذه الكليات دون خطأ ‪،‬‬
‫وما أشبه هذه النظرة بوجهة النظر اإلغريقية التي نادى بها سقراط وتالمذته‬
‫من بعده حتى كان أرسطو واضع المنطق كآلة للعصمة من الخطأ عند‬
‫البحث عن الحقيقة الكلية‪.‬‬
‫إذا كانت األخالق ضرورية فإن الناس في مساواة عند البحث عنها‬
‫وإدراكها ويتفاضلون فيما بينهم بمعاييرهم الحاكمة ورغباتهم المتحكمة ‪،‬‬
‫أما األخالق فهي مطلقة‪.‬‬
‫‪ ‬التعلم واالكتساب للخير‪:‬‬
‫لقد افترض كونفشيوس أنه قد يولد إنسان بغير تلك الفطرة التي هي‬
‫الكمال والخير ولكنه بالتعلم والممارسة قد يكتسبها فيرتقي وبالتالي فإن‬
‫اإلنسان قد يولد ليس خي ار وال شري ار بالفطرة‪.‬‬
‫وقد ذكر معب ار عن هذا القول برفض كونفشيوس فكرة أن يكون‬
‫اإلنسان خي ار أو شري ار بالفطرة(‪)1‬بصورة قطعية كتاب " لون بو" أو كتاب‬
‫المحاورات " المعروف عند قراء االنكليزية باسم " مجموعة الشذرات "‬
‫(‪)2‬‬
‫وهذا الكتاب أحد‬ ‫أي شذرات كونفشيوس ‪ ،‬كما سماه " لج " ‪" Legge‬‬
‫الشواءات ( كتب الفالسفة ) األربع التي لم يخطها كونفشيوس بيده ولكنها‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬وما دعى الباحث إلى التشكيك في هذا‬ ‫آراؤه " كما تذكرها أتباعه "‬
‫القطع هو إيمان كونفشيوس نفسه بوحدة الوجود وإيمانه بذلك االنسجام الذي‬

‫)‪ (1‬نقلت هذا القطع بالرفض وأيدته ـ من كتاب ‪ Confucius, Analects,2:7‬ـ د‪ /‬هالة أبو الفتوح‪.‬‬
‫فلسفة األخالق والسياسة‪ .‬ص‪.42‬‬
‫)‪ (2‬ول ديورنت‪ .‬قصة الحضارة‪ .‬ص‪.51 ، 54‬‬
‫)‪ (3‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.51‬‬

‫‪272‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫يربط جزئيات الطبيعة ‪ ،‬نعم " لقد أكد أهمية نضال الفرد تأكيدا شديدا ‪ ،‬ولكن‬
‫يبدو أنه كان يأمل أن تقوم السماء ‪ ،‬كما قال‪ " :‬بمساعدة اولئك الذين‬
‫(‪)1‬‬
‫هذه السماء التي يفهم معناها عنده على أنها تدل‬ ‫يساعدون أنفسهم "‪" .‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أو على أنها ـ كما‬ ‫" على قوة أخالقية في الكون ندركها إدراكا غامضا "‬
‫ذهب الباحث قبل قليل ـ الطاو أو النفس المطلقة وال يمكن أن يقول‬
‫كونفشيوس بذلك وينفي وجود فطرة أولى لإلنسان ‪ ،‬ولكنه ـ كما سبقت اإلشارة‬
‫ـ يقول باحتمال ميالد فرد بغير تلك الفطرة مما يجعله محتاجا للتعلم‬
‫واالكتساب‪.‬‬
‫‪ ‬العقل والوجدان‪:‬‬
‫يؤمن كونفشيوس بوجود اتجاهين باطنيين في اإلنسان ‪ ،‬أحدهما‬
‫االتجاه العقلي ‪ ،‬واآلخر االتجاه الوجداني ‪ ،‬وبين هذين االتجاهين نوع من‬
‫التجانس واالنسجام يولد بهما اإلنسان ‪ ،‬ولكنه ما يلبث أن يغلب أحدهما‬
‫على اآلخر بفعل الظروف البيئية مما ينشأ عنه عدم التوازن الداخلي في‬
‫الفرد وبالتالي فهو يؤثر سلبا على المجتمع بشيوع االضطرابات الداخلية وال‬
‫تؤمن معها الفوضى العارمة‪.‬‬
‫ولتالفي ذلك الخلل يجب أن يحرص الرجل األعلى على الموازنة‬
‫بينهما بالتفكير الدائم فيما هو صواب فحين سئل عن " كلمة واحدة يستطيع‬
‫اإلنسان أن يتخذها قاعدة يسير عليها طوال حياته ؟ فأجاب المعلم‪ :‬أليست‬
‫(‪)3‬‬
‫أن يتعامل مع كل شيء بما هو له أهل ‪ ،‬وأال‬ ‫هذه الكلمة هي المبادلة "‬
‫يضع شيئا مكان آخر ولكي يحدث هذا " يضع الرجل العلى نصب عينيه‬
‫تسعة أمور ال ينفك يقلبها في فكره‪ .‬فأما من حيث عيناه فهو يحرص على‬

‫)‪ (1‬د‪ /‬مدحت دمحم نظيف‪ .‬األلوهية في الفكر اإلنساني القديم‪ .‬ص‪.144‬‬
‫)‪ (2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)‪ (3‬ول ديورنت‪ .‬قصة الحضارة‪ .‬ص‪.53‬‬

‫‪273‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫أن يرى بوضوح ‪ ...‬؛ وأما من حيث وجهه فهو يحرص على أن يكون‬
‫بشوشا ظريفا ؛ وأما من حيث سلوكه فهو يحرص على أن يكون وقو ار ؛ وفي‬
‫حديثه يحرص على أن يكون مخلصا ؛ وفي تصريف شئون عمله يحرص‬
‫على أن يبذل فيه عنايته ‪ ،‬وأن يبعث االحترام فيمن معه ؛ وفي األمور التي‬
‫يشك فيها يحرص على أن يسأل غيره من الناس ؛ وإذا غضب فكر فيما قد‬
‫يجره عليه غضبه من الصعاب ؛ وإذا الحت له المكاسب فكر في العدالة‬
‫(‪)1‬‬
‫واالستقامة "‬
‫‪ ‬الرجل األعلى معيار أخالقي‪:‬‬
‫الشك أنه بعد التدرج في التعلم والممارسة من الممكن أن يصل‬
‫اإلنسان إلى درجة الرجل األعلى فمن هنا يصبح معيا ار لنفسه ولآلخرين‬
‫الذين لم يصلوا بعد يقاس به األخالق ‪ ،‬فقد أصبح ذلك " الفرد الذي يريد أن‬
‫يعيش وفقا لقوام اإلنسانية الصحيحة بدون عقاب ‪ ،‬والذي يكره أن يعيش في‬
‫تناقض مع هذه القواعد [ ومن ثم] يمكنه أن يتخذ من نفسه مقياسا‬
‫(‪)2‬‬
‫ألنه قد صار إلى حالة اإللزام الخلقي الكامل هذا اإللزام الذي‬ ‫لألخالق"‬
‫يقود إلى فكرة اإلرادة الخيرة‪.‬‬

‫)‪ (1‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.59‬‬


‫)‪ (2‬د‪ /‬مدحت دمحم نظيف‪ .‬األلوهية في الفكر اإلنساني القديم‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.139‬‬

‫‪274‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الوحدة ومحبة الحب‪.‬‬


‫لقد تحدث كونفشيوس عن الطريق الذي يجب أن يسلكه الرجل الباحث‬
‫عن الكمال من وجهة نظر صينية مفادها القول بوحدة الوجود ‪ ،‬فاتخذ‬
‫كونفشيوس من الوحدة مطلبا للكمال ولكنه أضاف نظرته الخاصة والتي‬
‫تهدف إلى القول بأن الوجود لم يك مجرد ظهور تصادف حدوثه ‪ ،‬ولكن‬
‫الوجود يحتوي على جزئياته الطبيعية وهي " مشتملة على االنسجام التام‬
‫(‪)1‬‬
‫وأن اإلنسان البد أن‬ ‫الذي هو سر جمالها وتقدمها وصالحيتها للوجود "‬
‫يعمل على وفق ذلك االنسجام الكوني بحيث ال ينحرف عن الطريق " الطاو‬
‫" ‪ Tao‬لقد " غير كونفشيسوس من معنى ذلك االصطالح نوعا ما حيث‬
‫كان يعنى به طريق السلوك سواء كان صالحا أم طالحا ‪ ،‬أو طريق الحكمة‬
‫(‪)2‬‬
‫ولقد عبر مفهوم الطاو عند " الطاوية " عن موجد‬ ‫عند الوـتس "‬
‫الموجودات أي السماء أو األصل المتفرع عنه الموجب أو الضوء " يانج "‬
‫‪ ، Yong‬والسالب أو الظل " ين " ‪ " Yin‬وهو المفهوم الذي يتفق مع المفهوم‬
‫العام للطاو عند الصينيين "(‪.)3‬‬
‫ولكن ذلك المفهوم عند كونفشيوس قد تغير ليصبح اإليمان بالمبادئ‬
‫(‪)4‬‬
‫‪،‬‬ ‫والمثل العليا لإلنسانية فالطاو عند كونفشيوس لم تكن"مطلقا كونيا "‬
‫ولكنه يدل على الوسطية والسبيل الذي ال يختلف الناس في صالحه فـ"الرجل‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ ،‬إنه الطريق الذي يجب أن‬ ‫األعلى يلتزم الطريق الوسط في كل شيء"‬
‫يسلكه اإلنسان ليتحد مع الوجود ويتآلف معه في انسجام ال يكره انحراف‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص‪ ، 141‬وهامشها‪.‬‬


‫)‪ (2‬انظر‪ :‬الوتسو‪ .‬الطاو‪ .‬ت‪ :‬محسن فرجاني‪ .‬ص‪.21‬‬
‫)‪ (3‬د‪ /‬مدحت دمحم نظيف‪ .‬األلوهية ف ي الفكر اإلنساني القديم‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.141‬‬
‫)‪ (4‬ول ديورنت‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ج‪.4‬ص‪54‬‬
‫)‪ (5‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.53‬‬

‫‪275‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫ولهذه الوسطية معيار عند كونفشيوس يقيس اإلنسان به فعله وقوله فـ‬
‫" الرجل األعلى يتحرك بحيث تكون حركاته في جميع األجيال طريقا عاما ‪،‬‬
‫ويكون سلوكه بحيث تتخذه جميع األجيال قانونا عاما ‪ ،‬ويتكلم بحيث تكون‬
‫(‪)1‬‬
‫وهو " يحرص على‬ ‫ألفاظه في جميع األجيال مقاييس عامة لقيم األلفاظ "‬
‫(‪)2‬‬
‫أال يكون فيما يقوله شيء غير صحيح "‬
‫فالفعل اإلنساني قيمته عند كونفشيوس يخالف االتجاه الغائي " وهو‬
‫الذي يستمد القيمة الخلقية للفعل من نتيجته الحاصلة عنه ‪ ،‬والتي هي سابقة‬
‫في ذهن الشخص على وجود الفعل لكنها متأخرة عن الفعل في الوقوع ‪،‬‬
‫ويتدرج تحت هذا االتجاه أصحاب مذهب اللذة كالسوفسطائيين والقورينائيين‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬ولكنه يتوافق مع اتجاه‬ ‫واألبيقوريين وما تفرع عن هذه المذاهب من آراء "‬
‫الدوافع والبواعث الذي يجعل قيمة الفعل الخلقي في ذاته وليست خارجة عنه‪.‬‬
‫وتلك القيمة الذاتية للفعل التي عبر عنها سقراط بمعرفة الحق والخير‬
‫والجمال(‪ ،)4‬وعبر عنها أفالطون بنظريته الشهيرة في المثل(‪ ،)5‬كما عبر‬
‫عنها أرسطو في مذهبه الغائي بالخير الذي هو طريق السعادة(‪ ،)4‬فإن‬
‫كونفشيوس عبر عنها بالطريق " الطاو " اإلنساني الذي يحوي المثل العليا‬
‫والطاو عند كونفشيوس وسطية بين كل شيء ‪ ،‬ووحدة بين اإلنسان والوجود‪،‬‬
‫فاإلنسان يجب أن يحب نفسه لذا فهو يكره أال يذكر بعد الموت ‪ ،‬وكذلك‬

‫)‪ (1‬المرجع السابق‪.‬ص‪.51‬‬


‫)‪ (2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)‪ (3‬د‪ /‬دمحم السيد الجليند‪ .‬قضية الخير والشر في الفكر اإلسالمي‪ .‬ص‪ .14‬ط‪ .2‬مطبعة‬
‫الحلبي‪1931.‬م‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر‪ :‬د‪ /‬توفيق الط ويل‪ .‬الفلسفة الخلقية ‪ ،‬وانظر أيضا‪:‬د‪ /‬حربي عباس عطيتو‪ .‬مالمح الفكر‬
‫الفلسفي عند اليونان‪ .‬دار المعرفة الجامعية‪.‬‬
‫)‪ (5‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر‪ :‬أرسطو‪ .‬األخالق النيقوماخية‪ .‬ص‪.143‬‬

‫‪276‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫يحب عائلته لذا فهو يكره أن يجلب العار لهم بفعله غير الالئق ‪ ،‬وبالتالي‬
‫يجب أن يحب اآلخرين بمثل ما أحب نفسه ‪ ،‬وهنا لن يخطئ في أفعاله التي‬
‫يريد بها النفع ودفع الضرر وكلمته في ذلك " حب لآلخرين ما تحبه‬
‫(‪)1‬‬
‫" وبهذا الحب يتحقق " جين " المحبة ومن ثم يتحقق الخير‬ ‫لنفسك‬
‫والصالح والسعادة للجميع لحدوث االنسجام‪.‬‬

‫)‪ (1‬تسي تشينخ‪ .‬إنجيل الحكمة الطاوية في الصين‪ .‬الوتسو‪ :‬الطاو‪ .‬ص‪144‬‬

‫‪277‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫المبحث الثالث‪ :‬عالقة الرجل األعلى بالمجتمع‪.‬‬


‫لقد عاش كونفشيوس " يأمل أن تتاح له فرصة يلي فيها من أمر‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬ولكنه في نفس الوقت‬ ‫الصين والية بحيث يتزعم حركة اإلصالح والسلم "‬
‫رفض عرض دوق وي أن يوليه رياسة حكومته ؛ " ألنه لم تعجبه مبادئ‬
‫(‪)2‬‬
‫الدوق "‬
‫(‪)3‬‬
‫في مدينة جونج ـ دو‬ ‫وهو الذي قبل أن " يكون كبير القضاة "‬
‫بوالية لو ‪ ،‬ولكنه استقال " من منصبه وهو كاره ‪ ،‬وغادر لو "(‪ )4‬حينما‬
‫انغمس دوق لو في الملذات مغفال عن نصيحة كونفشيوس بأن يكون قدوة‬
‫صالحة ؛ ألنه المبدأ األول من مبادئ الحكم الصالح‪ ،‬فقال‪ :‬تزه ـ لو له‪":‬‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ ،‬لقد كان مبدؤه‪ :‬أن " الحكومة الظالمة‬ ‫أيها المعلم لقد آن لك أن ترحل "‬
‫أشد وحشية من النمر " (‪ )4‬وال يمكن أن تكون الحكومة صالحة إال إذا وضع‬
‫كل شيء في موضعه وكذلك كل شخص بحيث"يكون األمير أميرا‪ ،‬والوزير‬
‫(‪)1‬‬
‫ويبدو أن ذلك الكمال ووضع كل شيء في‬ ‫وزيرا‪ ،‬واألب أبا‪ ،‬واالبن ابنا"‬
‫موضعه قد أصبح في آخر حياة كونفشيوس مجرد وهم ال يمكن تحقيقه‬
‫أو على األقل لم يجده كونفشيوس مطلقا في حياته‬
‫حيث قال‪ " :‬إنه لم ير قط إنسانا يحب الفضيلة بقدر ما يحب‬
‫(‪)3‬‬
‫"‬ ‫الجمال‬

‫)‪ (1‬ول ديورنت‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.41‬‬


‫)‪ Legge,83 (2‬نقال عن قصة الحضارة‪ .‬ص‪.41‬‬
‫)‪ (3‬ول ديورنت‪ .‬قصة الحضارة‪ .‬ص‪.44‬‬
‫)‪ (4‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.41‬‬
‫)‪ (5‬المرجع السابق‪.‬ص‪.41‬‬
‫)‪ Legge, Life, XII, xi (4‬نقال عن‪ :‬قصة الحضارة‪ .‬ص‪.45‬‬
‫)‪ (1‬ول ديورنت‪ .‬قصة الحضارة‪ .‬ص‪.45‬‬
‫)‪ Legge, Life ,IX, xvii (3‬نقال عن‪ :‬قصة الحضارة‪ .‬ص‪.41‬‬

‫‪272‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫يبدو من كل ذلك أن كونفشيوس كان يتعامل مع المجتمع من جهتيه‬


‫على السواء ‪ ،‬فال هو من هؤالء المربين الذين يؤمنون بوجوب التغيير من‬
‫القاعدة فقط ‪ ،‬وال هو من الثوار الذين يؤمنون بوجوب التغيير من القمة فقط‪،‬‬
‫ولكنه يتعامل مع المجتمع بطرفيه ؛ فالفرد الصالح يتعهد بالتربية من صغره‬
‫ليكون صالحا وليكون كفؤا لما قد يتقلده من مناصب فهو يقول‪ " :‬لست أبالي‬
‫مطلقا إذا لم أشغل منصبا كبي ار ‪ ،‬وإنما الذي أعني به أن أجعل نفسي خليقا‬
‫بذلك المنصب الكبير ‪ ،‬وليس يهمني أن الناس ال يعرفونني ؛ ولكنني أعمل‬
‫(‪)1‬‬
‫فهو الرجل الذي يسعى إلى‬ ‫على أن أكون خليقا بأن يعرفني الناس "‬
‫الكمال المنشود ليحقق االنسجام والتواؤم مع ما يجب أن يسعي إليه ليتقلده‬
‫من مناصب ‪ " ،‬فالرجل األعلى يحزنه نقص كفايته وال يحزنه‪ ...‬أال يعرفه‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم‬ ‫الناس " وهو مع هذا " يكره أن يفكر في أال يذكر اسمه بعد الموت"‬
‫يقبل ذلك الرجل األعلى أي منصب يرى أنه يمكن أن يحقق ذلك الصالح‬
‫المنشود‪.‬‬
‫والمنصب الذي يتقلده الرجل األعلى ال ينبغي أن يطلب لذاته وإنما‬
‫يطلب لما وراءه من خير للناس فإذا شعر الحكيم بأن اإلصالح بات صعبا‬
‫في منصبه تركه على الفور ‪ ،‬لقد كان كل ما يهم كونفشيوس في الجانب‬
‫السياسي هو المجتمع وعالقة الرجل األعلى به ‪ " ،‬فنزعة كونفشيوس نزعة‬
‫اجتماعية أخالقية بحتة وكانت له عدة مواقف تبرز نزعته نحو المحافظة‬
‫(‪)3‬‬
‫على الجانب السياسي من هذه المواقف "‬
‫ويالحظ أن كونفشيوس حينما تناول األوضاع االجتماعية في الصين‬
‫في محاولة لوضع حد ذلك الفساد المتفشي في أرجاء البالد كان يتناول هذه‬
‫الجوانب من وجهة أخالقية حيث يجب على اإلنسان الفرد أن يتحلى‬

‫)‪ Legge, Life, IV, xiv (1‬نقالعن‪ :‬قصة الحضارة ‪ .‬ص ‪. 45‬‬
‫)‪ Doctrine of the Mean, XV, xviii-xx (2‬نقال عن قصة الحضارة‪ .‬ص‪.51‬‬
‫)‪ (3‬تاريخ تطور الفكر الصيني ‪ ،‬مجموعة‪ .‬ت‪ :‬عبد العزيز حمدي عبد العزيز‪ .‬المجلس األعلى‬
‫للثقافة‪ .‬ط أولى‪ .2441.‬ص‪54،51‬‬

‫‪279‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫بالفضيلة أوال وقد " سعى إلى تحديده ألسمى القيم األخالقية التي البد أن‬
‫(‪)1‬‬
‫تتوفر لدى كل إنسان ـ وهذه القيم تسمى بواجبات اإلنسان العشرـ"‬
‫فإذا ما كان ذلك الفرد حاكما فإن الفضائل األساسية التي سبق‬
‫الحديث عنها في الفصل األول يجب أن تظهر فيه جلية واضحة ‪ " ،‬فيحافظ‬
‫الحاكم على نظام الدولة القديم كتطبيق سياسي للفضيلة " لي " ‪ ، Li‬كما أن‬
‫الحاكم يتصرف في شئون الحكم عن طريق أكفأ العناصر الموجودة في‬
‫الدولة وهو المبدأ الذي جعله كونفشيوس أساس الحكومة الصالحة وال يخفى‬
‫أنه تطبيق سياسي للفضيلة " يي " ‪ Yi‬ليصبح كل متصرف في شأن من‬
‫شئون الحكم مستعدا له فتحدث االستقامة االجتماعية ‪ ،‬ثم يجب على الحاكم‬
‫أن يكون مستعينا في كل أموره بالفضيلة ألنه يريد الصالح وال يطلب سواه‬
‫كي يذكر دائما بالخير دون أن يجلب فعله المشين العار السمه وعائلته إلى‬
‫األبد وذلك تطبيق سياسي للفضيلة " هسياو " ‪ ، Hsiao‬وفي ذلك كله‬
‫تطبيق لـ " جين " ‪.)2(" Jen‬‬
‫إن كونفشيوس حين يتحدث عن قوانين الحكومة وقواعد المجتمع‬
‫ونظمه ال يتحدث عن قوانين مكتوبة تتلى عند تنفيذ الحكم ‪ ،‬ولكنه يتحدث‬
‫عن قوانين للضمير الفردي ومن ثم للضمير العام ‪ ،‬ال يقصد كونفشيوس أن‬
‫يمتنع الناس عن الشر ألن فاعله يعاقب ‪ ،‬ولكنهم يمتنعون ألن فاعل الشري‬
‫سيواجه بعاصفة داخلية من نفسه وخارجية من مجتمعة تلقي عليه وعلى‬
‫ذكره من بعده وابل من الخزي والعار ‪ ،‬فـترجع عند كونفشيوس " مشكالت‬
‫(‪)3‬‬
‫التي تسن‬ ‫الشعب التي ينتج عنها إفساد الدولة إلى السلطة الحاكمة "‬
‫القوانين نظريا ولكنها ال تستمدها من الفضيلة التي يجب أن تنشئ الناس‬
‫عليها ‪ ،‬ويبين ذلك الموقف " ما أبداه كونفشيوس من اعتراض عندما علم أن‬

‫)‪ (1‬د‪ /‬هالة أبو الفتوح‪ .‬فلسفة األخالق السياسية مرجع سابق‪ . .‬ص ‪.141‬‬
‫)‪ (2‬انظر معناه‪ :‬د‪ /‬إمام عبد الفتاح إمام‪ .‬األخالق والسياسة‪ .‬ص‪،143،144‬المجلس األعلى‬
‫للثقافة‪2441.‬م‪.‬‬
‫)‪ (3‬جمال المرزوقي‪ .‬الفكر الشرقي القديم‪ .‬ص‪ .245‬دار األوقاف العربية‪ .‬القاهرة‪ .‬ط أولى‪2441.‬م‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫مملكة جين قد سطرت قانونها الجنائي فوق طنجرة برونزية ليتمكن الشعب‬
‫(‪)1‬‬
‫هكذا يجب أن تكون‬ ‫من قراءة القانون ومعرفة العقوبة ليكون الردع "‬
‫القوانين‪.‬‬
‫ولكن كونفشيوس لم يتمكن أبدا من أن يصنع ذلك المجتمع ‪ ،‬وال أن‬
‫يجد ذلك األمير الذي شاركه أفالطون في البحث الدائم عنه فيما بعد ‪،‬‬
‫وقضى حياته في النهاية " محطم اآلمال ‪ ،‬قال‪ :‬لم ينهض حاكم ذكي الفؤاد‬
‫(‪)2‬‬
‫رغم أن أفكاره كانت أفكا ار‬ ‫ليتخذني أستاذا له ‪ ،‬وها قد حانت منيتي "‬
‫عملية ال نظرية في أغلبها‪.‬‬
‫لم يعرف عن كنفشيوس قط أنه ألقى محاضرة عامة ذلك ألنه كان "‬
‫يزدري دائما ازدراء واضحا‪ :‬الفصاحة واللغة المنمقة ‪ ...‬وعلى الرغم من ذلك‬
‫فالبد وأنه كان متحدثا مقنعا بصورة غير عادية ‪ ،‬سواء لفرد واحد‬
‫(‪)3‬‬
‫فالبد أنه دافع عن مبادئه بكل ما أوتي من قوة‬ ‫أو لمجموعة صغيرة "‬
‫ثورية‪ ،‬ولكنها الثورية العاقلة التي تؤمن بخلود الكلمة وتأثيرها‪.‬‬
‫عالقة الكلمة بالمجتمع عند كنفشيوس إنما هي تعبير عن الفعل‬
‫الصادر عن الرجل األعلى ‪ ،‬فال يمكن أن يكون للكلمة تأثير ما لم تسبق‬
‫بعمل ؛ ألن من يتكلم قبل أن يعمل إنما هو رجل يعبر خالص التعبير عن‬
‫النفاق والكذب‪.‬‬

‫)‪ (1‬تاريخ تطور الفكر الصيني ‪ ،‬مجموعة‪ .‬ص‪.54.‬مرجع سابق‪.‬‬


‫)‪ (2‬هـ ‪ .‬ج ‪ .‬ويلز‪ .‬موجز تاريخ العالم‪ .‬ص‪133‬ت‪ :‬عبد العزيز توفيق جاويد‪ .‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪.‬‬
‫)‪ (3‬هـ ‪ .‬ج ‪ .‬كريل ‪ .‬الفكر الصيني ‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.45‬‬

‫‪220‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫تعقيب‪:‬‬
‫يعتبر كونفشيوس من الفالسفة الذين ينتمون في تحديدهم للمعيار‬
‫الخلقي إلى أصحاب المعيار العقلي حيث ذهب إلى تفسير المبادئ‬
‫األخالقية بالعقل ‪ ،‬وجعل غايتها عقلية‪.‬‬
‫وأهم خصائص هذا المعيار في ذلك االتجاه‪ :‬أن القيم األخالقية عامة‬
‫ليست جزئية ‪ ،‬ضرورية وليست عرضية جائزة ‪ ،‬واضحة بذاتها ال تحتاج‬
‫إلى برهان وال تحمل تناقض ‪ ،‬ولكنها تحتاج إلى تعلم الكتسابها وممارسة‬
‫لتطويرها‪.‬‬
‫يؤمن كونفشيوس بتأثير البيئة اإليجابي أو السلبي على اإلنسان لذا‬
‫فهو ينادي بالتفكر والتأمل والرياضة لكي يقوي اإلنسان الجوانب اإليجابية‬
‫في ذلك التأثير ويضعف الجوانب السلبية‪.‬‬
‫الفطرة عند كونفشيوس إن لم تكن خيرة فعلى األقل ليست شريرة أيضا‪،‬‬
‫فال مجال لعدم المساواة بين الناس بالنظر إلى النسب أو أصل الخلقة‬
‫أوالعرق ‪ ،‬ألنهم إذا ما كانوا كلهم يستطيعون تحصيل الفضيلة فإن الفرق‬
‫بينهم يكمن في إرادة اإلنسان أن يرتقي بالمعرفة والتعلم أم ال‪.‬‬
‫لألخالق عند كونفشيوس جانبان‪ :‬نظري ‪ ،‬وعملي ولقد كان الجانب‬
‫العملي أساس فلسفته الخلقية ‪ ،‬وأما الجانب النظري فقد استمده من تجربته‬
‫فهو لم يكن أبدا مدرسا أكاديميا‪.‬‬
‫يؤمن كنفشيوس بالفرد ‪ ،‬ولكنه يؤمن أيضا بالمجتمع ‪ ،‬كما أنه يؤمن‬
‫بالثورة على الباطل ‪ ،‬ولكنه يكره الفوضى واالنحالل ‪ ،‬فهو مفكرر متزن‬
‫يعمل على تقوية العقل دون أن يهمل أبدا الوجدان العاطفي‪.‬‬
‫آمن كنفشيوس بنفسه إيمانا مطلقا ظهر ندما كان يعارضه قومه فكان‬
‫يقول‪ :‬ولكن السماء تفهمني ‪ ،‬األمر الذي ال يدل على أنه آمن باإلله بقدر‬
‫ما يدل على أنه آمن بنفسه التي تستمد المعرفة من النفس الكلية التي منها‬
‫كان العالم بوحدته المطلقة ‪ ،‬تلك الوحدة التي بحث عنها كنفشيوس لينسجم‬
‫معها في تيارها الالنهائي عن طريق االلتزام بالطاو أو الطريق‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫خاتمـــة‬
‫ضمن الباحث هذه الخاتمة اإلجابة على األسئلة التي طرحها البحث‬
‫في مقدمته‪.‬‬
‫لقد أعطي كونفشيوس إجابة مؤكدة قيما يتعلق بالسؤال األول حين‬
‫أفصح عن نسق أخالقي شامل حدد فيه فضائل الرجل األعلى وكيفية ترقي‬
‫اإلنسان ليصل إلى هذه المرتبة‪.‬‬
‫رغم أن كونفشيوس لم يكن يدون مذهبه على أساس منهجي إال أنه‬
‫كمعلم وضع منهجا تعليميا لتالمذته فمن الواضح أنه تأثر بذلك حيث يمكن‬
‫استخالص عناصر فلسفته من جملة مواقفه ومن أقواله التي حرص ـ فيما‬
‫يظهر ـ كل الحرص على أن تكون قاطعة صريحة ‪ ،‬كونفشيوس لم يكن‬
‫ليعطي الحلول كاملة ألن الحكمة غير قابلة للتلقين كلها ولكن يكفيه أن‬
‫القدر الذي حدده لنفسه من الردود ليكون فيه إجابته يظهر أنه لم يكن من‬
‫محبي الغموض والتقعير‪.‬‬
‫وحتى ال أدرية كونفشيوس ـ المزعومة ـ بشأن األرواح والميتافيزيقا‬
‫بشكل عام كانت إجاباته واضحة سواء بالنسبة لمن حكم عليها باال أدرية‬
‫أو من حكم عليها بالكفر بهذه المباحث ‪ ،‬فقد كان كونفشيوس يرفض‬
‫الحديث عن هذه المسائل بكل وضوح‪.‬‬
‫لم يغفل كونفشيوس أي جانب من الجوانب اإلنسانية فهو يتحدث عن‬
‫عقل اإلنسان ووجدانه ‪ ،‬ويتحدث عن أعماله وغاياته ‪ ،‬وال يغفل الحديث عن‬
‫بدنه وسماته الشكلية ‪ ،‬ثم يتحد عن عالقة اإلنسان بمجتمعه ‪ ،‬ومن قبل ذلك‬
‫كيفية تحصيل المعرفة وبالتالي األخالق ‪ ،‬وكيفية العمل بها‪.‬‬
‫ويح ــرص كونفش ــيوس ك ــل الح ــرص عل ــى أن يك ــون منظوم ــة متكامل ــة‬
‫محلهــا اإلنســان ‪ ،‬مــن هنــا فــإن الباحــث يســتخلص مــن بحثــه أن النــاس أمــام‬
‫مــذهب كونفشــيوس األخالقــي إنمــا هــم أمــا مــذهب متـرابط بكــل موضــوعاته ال‬

‫‪223‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫تشذ جزئية فيه عن األخرى ‪ ،‬وال يرى الناظر في األخالق الكونفشيوسية شيئا‬
‫مــن تنــاقض ‪ ،‬وذلــك فيــه مــا فيــه م ـن داللــة علــى أن ذلــك الرجــل كــان مثــاال‬
‫للص ـ ــدق الب ـ ــاطني والخ ـ ــارجي بحي ـ ــث ال يختل ـ ــف قول ـ ــه م ـ ــن ح ـ ــين آلخ ـ ــر ‪،‬‬
‫وال يتناقض فعل له مع فعل آخر‪.‬‬
‫إن النمط األخالقي عند كونفشيوس يتخذ شكال هرميا رباعيا قمته‬
‫الوحدة والتناسق وتحصيل االنسجام ‪ ،‬وجوانبه فضائل أربع‪ :‬محبة الحب ‪،‬‬
‫االلتزام بالقيم العامة ‪ ،‬واالحترام المتبادل للعائلة ‪ ،‬واالستعداد الذاتي مع‬
‫استقامة المنهج ‪ ،‬وقاعدته الفطرة اإلنسانية التي هي عين الطريق " الطاو "‬
‫أو أوامر السماء " النفس المطلقة "‪.‬‬
‫والحيز المكاني لتلك األخالق الكونفشيوسية يشمل الجنس البشري‬
‫بأكمله ويظهر في المبادلة والتعامل مع الغير ‪ ،‬والحيز الزماني مطلق ال حد‬
‫له ألن تلك األخالق مطلقة كلية‪.‬‬
‫على الرغم من أن كونفشيوس لم يفصل القول في كثير من‬
‫اإلشكاليات الفلسفية فإن مذهبه وفكره يمكن أن يعتب ار نسقا فلسفيا متكامال ؛‬
‫ألن كونفشيوس يتحدث عن كل تعامل إنساني مع الوجود حتى تعامله مع‬
‫الميتافيزيقا قد حدده‪.‬‬
‫ليست العبرة من الفلسفة أن تجد الحل الكامل ولكن العبرة منها أن‬
‫تضع برهانا لكل حكم افترضت صحته ‪ ،‬وإذا كان الباحثون قد اعتبروا ما‬
‫تحدث عنه فالسفة اإلغريق من أمور ال برهان عليها فلسفة ‪ ،‬فإن‬
‫كونفشيوس هو األولى بنسبته إلى الفلسفة ألنه رفض أن يحكم على شيء‬
‫ال برهان له به ‪ ،‬فلم يتورط في حديث ما يأتي الناس من بعده ليعتبروه‬
‫أساطير األولين ‪ ،‬ولكنه كل ما تحدث به كان قد مارسه عمليا‪.‬‬
‫لم يك كونفشيوس نبيا فلم يتحدث عن أمور ال تعرف إال بالوحي من‬
‫تلقاء نفسه ‪ ،‬ولعدم البرهان على خطأ ما مارسه الناس في عصره من طقوس‬

‫‪224‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫لم يرفضها أو يستهجنها لمجرد الرفض واالعتراض كما أنه لم يثبتها لعدم‬
‫الدليل‪.‬‬
‫ولم يك كونفشيوس خبي ار تجريبيا في مجال الطبيعة فلم يتحدث عن‬
‫الظواهر العرضية بل هو يرفض اإلجابة عن أسئلة عداإلجابة عنها األطفال‬
‫في عصره من البديهيات وتحمل السخرية والطعن عليه بنفس واثقة أكثر‬
‫منها راضية ال يريد أن يخبط خبط عشواء‪.‬‬
‫ورغم ذلك فإن بذور المنهج التجريبي نجدها في الفلسفة الكونفشيوسية‬
‫حيث ال يجب أن يتكلم اإلنسان إال بعد أن يعمل فيتكلم بما عمل‪.‬‬
‫لقد كان لكونفشيوس قوة نفسية جبارة ؛ فلم تعرف نفسه أبدا الشك‬
‫المطلق كهؤالء الذين دمروا عقول الكثيرين وسموا رغم هذا بالفالسفة ‪ ،‬مع‬
‫أن كونفشيوس يصرح بأن الكثير مما حوله لم يدركه بعد‪.‬‬
‫لقد كان الشك عند كونفشيوس شكا منهجيا نوعا ما فهو يفكر في كل‬
‫اتهام يرمى به ‪ ،‬ويعمل دائما على السير في طريق الطاو دون انحراف ‪،‬‬
‫وال يضيره أبدا أن يعدل من مساره فها هو يرفض المنصب تارة ويقبله تارة‬
‫أخرى ‪ ،‬يجوب الواليات بحثا عن الوالية ‪ ،‬ولكنه نفسه يقدم على االستقالة ‪،‬‬
‫وكله ثقة في أن الحق المطلق أو السماء تساعد هؤالء الذين يحاولون‬
‫مساعدة أنفسهم‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬


‫رتبت المراجع ترتيبا أبجديا‪.‬‬
‫‪ .1‬أرسطو‪.‬‬
‫الترجمة العربية‪ .‬األخالق النيقوماخية‪.‬ت‪ :‬إسحق بن حنين ‪ ،‬حققه‬
‫وشرحه وقدمه د‪ /‬عبد الرحمن بدوي‪ .‬وانظر أيضا‪ :‬ت‪ :‬أحمد لطفي السيد ‪.‬‬
‫دار الكتب العربية ‪ .‬القاهرة ‪1429 .‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬د‪ /‬إمام عبد الفتاح إمام‪.‬‬
‫األخالق السياسية‪ .‬المجلس األعلى للثقافة‪2441.‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬د‪ /‬توفيق الطويل‪.‬‬
‫األخالق والسياسة‪ .‬األسكندرية‪ .‬ط ‪1949‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬جمال المرزوقي ‪.‬‬
‫الفكر الشرقي القديم ‪ .‬دار األوقاف العربية ‪ .‬القاهرة ‪.2441 .‬‬
‫‪ .5‬جون كولر ‪.‬‬
‫الفكر الشرقي القديم ‪ .‬ت‪ :‬كامل يوسف حسن ‪ .‬م‪ :‬د‪ /‬إمام عبد الفتاح‬
‫‪ .‬المجلس الوطني للثقافة والفنون ‪ .‬الكويت ‪1995.‬م ‪.‬‬
‫‪ .6‬حربي عباس عطيتو‪.‬‬
‫مالمح الفكر الفلسفي عند اليونان‪ .‬دار المعرفة الجامعية‪.‬‬
‫‪ .7‬الوتسو‪.‬‬
‫الطاو‪ .‬ت‪ :‬محسن فرجاني‪.‬‬
‫‪ .3‬مجموعة من المؤلفين ‪.‬‬
‫شانج يويوان ـ يوجين جي ـ صون كاي ـ تاي ‪ ،‬تاريخ تطور الفكر‬
‫الصيني ‪ .‬ت‪ :‬عبد العزيز حمدي عبد العزيز‪ .‬المجلس األعلى للثقافة‪.‬ط‪:‬‬
‫األولى‪2444 .‬م‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫الرجل األعلى واألساس اخللقي عند كونفشيوس دراسة حتليلية نقدية‬

‫‪ .9‬د‪ /‬دمحم السيد الجليند‪.‬‬


‫ط‪ .2‬مطبعة‬ ‫قضية الخير والشر في الفكر اإلسالمي‪.‬‬
‫الحلبي‪1931.‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬د‪ /‬مدحت دمحم نظيف ‪.‬‬
‫األلوهية في الفكر اإلنساني القديم ‪ .‬مطابع دار الوثائق‪.‬‬
‫‪2443/2441‬‬
‫د‪ /‬مراد وهبة ‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫مالك الحقيقة المطلقة ‪ .‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪1999.‬م‪.‬‬
‫د‪ /‬هالة أبو الفتوح ‪.‬‬ ‫‪.12‬‬
‫فلسفة األخالق السياسية ‪ .‬دار القيادة للطباعة والنشر‪2444.‬م‪.‬‬
‫هـ ‪ .‬ج ‪ .‬كريل ‪.‬‬ ‫‪.13‬‬
‫الفكر الصيني من كنفشيوس إلى ماوتسي تونج ‪.‬ت‪ :‬عبد الحميد سليم‬
‫‪ .‬م‪ :‬علي أدهم ‪ .‬الهيئة العامة المصرية للكتاب‪1993 .‬م‪.‬‬
‫هـ ‪ .‬ج ‪ .‬ويلز‪.‬‬ ‫‪.14‬‬
‫موجز تاريخ العالم‪ .‬عبد العزيز توفيق جاويد‪ .‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪2441.‬م‪.‬‬
‫ول ديورنت‬ ‫‪.15‬‬
‫قصة الحضارة ‪ .‬ت‪ :‬د‪ /‬زكي نجيب محمود ‪ ،‬ودمحم بدران‪ .‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب ‪.2441 .‬‬

‫‪227‬‬
‫لعام ‪2002‬م‬ ‫–‬ ‫جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات بكفر الشيخ‬

‫‪222‬‬

You might also like