Professional Documents
Culture Documents
المقدمة:
لقد كانت الفلسفة من العصر ادلأساوي إىل يومنا ىذا هتتم دبشكلة األخالق ،فتعددت التفسريات ،غري أن
ىذه القيم وإن كانت تعتمد على تفسري الالىويت ادليتافيزيقي يف العصر احلديث قد لقيت العديد من اإلنتقادات
والتقوميات فإىتمت بأهنا ال تتماشى مع غرائز اإلنسان وال حاجاتو ،أي أهنا قيما ال زبدم احلياة وال الطبيعة،
فعلى اإلنسان ذباوزىا ورفضها وإستبداذلا.
فعلى ىذا األساس كانت الفلسفة يف العصر ادلعاصر سبثل منعطفا ىاما يف تاريخ القيم ،وىذا نظرا للدور الذي
لعبتو يف الفكر اإلنساين ،الذي عمل على ىدم وتقويض رلمل طوباوياهتا.
فمثل "فريديريك نيتشو"* منعطفا خاصا يف تاريخ الفلسفة وذلك بشكل عام ،ويف الفلسفة احلديثة وبشكل
خاص ،حيث أن ىذا األخري مل يقدم رؤية تراكمية ،وال تواصل لتطور الوعي الفلسفي الغريب ،فقد غري سباما
وباألخص ما جاء يف القيم األخالقية ،حينما رأى أن قيم احلياة يف احلضارة اإلنسانية تزداد إهنيارا أو إختناقا
بسبب ادلسيحية تربز أخالقيتنا اإلنتقادية ،وعقالنية تكتفي بإضفاء الشرعية على العبودية ،فأصبح اإلنسان طابعا
سبرديا يسعى لتحطيم األوثان.
"فنيتشو" مل يتجو إىل الفلسفة فحسب بل تعداىا إىل الدين واألخالق ،فأعترب مظهرا من مظاىر العبقرية األدلانية،
وذلك من خالل منط فكره الصاعق الذي إنفرد بو ،والنظرية الثاقبة اليت سبيز هبا ،وصلتو الوثيقة بعصره ،وثورتو على
إحنطاط الثقافة األوربية ،وخاصة تلك القيم ادلسيحية اليت كانت سائدة يف ذلك الوقت جعلو حيمل لواء قلب
القيم وىدمها ،إال أن ىذا اذلدم كان من أجل البناء ،فهو سيتوىل من جهة تدمري القيم السائدة ،ومن جهة أخرى
وضع إرادة القوة اليت ىي عمود فلسفتو ،وتبين اإلنسان األعلى الذي ىو سر التفوق على البشر وربقيق ذاتو.
فإحنصر تفكريه على نقد القيم األخالقية والدينية ،وقلب القيم وإستبداذلا.
وعلى ىذا إرتأينا أن ندرس جزءا ىاما من نظريتو يف القيم األخالقية ،من أجل حبث وتقومي ىذا ادلوضوع مت ربديد
اإلشكالية التالية وىي:
*فريديريك نيتشو ( :)1000-1444فيلسوف وشاعر أدلاين ثار على القيم األخالقية ،وىو صاحب فلسفة القوة واإلنسان
األعلى .
أ
المقدمة العامة............................:أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة "نيتشه نموذجا".
إذا إعتبرنا أن نيتشه ناقدا للعصر الذي عاشه ،وألزمة القيم السائدة فيه ،فكيف كان إذا طرحه للقيم؟ وعلى
أي أساس بناها؟ وهل يمكن إعتبار إرادة القوة هي أساس العالقات؟ وهل اإلنسان األعلى هو صانع القيم؟
وما هي اإلنتقادات التي وجهت له؟
وقد تظهر رلموعة من التساؤالت وادلشكالت أثناء الدراسة والتحليل ،اليت سوف نعمل على اإلجابة عنها.
ىذا ادلوضوع ،غعتمدنا يف حبثنا على ادلنهج التحليلي الذي يتالءم وطبيعة العقل اليت سبيل إىل التفكيك والتقسيم
والتبسيط ،وىذا نظرا دلالئمتو ألفكار "فريديريك نيتشو" الذي سبتاز بالغموض والتقنع يف بعض األحيان.
ألجل ذلك ا عتمدنا على خطة تشمل كل جوانب ادلشكلة ،وىي تصميم يقسم البحث إىل مقدمة وثالثة فصول
وخاسبة ،لذا كانت كالتايل:
مقدمة فيها إحاطة بادلوضوع بصفة عامة ،وادلشكلة اليت يطرحها البحث ،مث األسباب والدوافع اليت حركتنا
إلجنازه ،مع ذكر ادلنهج ،واخلطة ،وأىم الصعوبات.
-1الفصل األول الذي عنون "بسياقات سبهيدية للبحث" ويضم مبحثني ،األول ىو سياق مفاىيمي ،أما ادلبحث
الثاين فهو سياق الكرونولوجي.
-2الفصل الثاين عنوانو "القيم يف فلسفة نيتشو" وضم ثالثة مباحث سلصصة لقيم نيتشو من خالل ذباوزه للنسق
األكسيولوجي ،والدعوة لإلنسان األعلى الذي غعتربه صانع القيم ،وإرادة القوة اليت ىي أساس فلسفتو.
-3الفصل الثالث جاء عنوانو "نيتشو والقيم ادلعاصرة" الذي ضم مبحثني ،الذي قمنا فيو بدراسة نيتشو وأزمة
القيم ادلعاصرة ،وقيم ما بعد احلداثة.
وملحق الذي أشرنا فيو إىل نيتشو أي إىل حياتو وأىم مؤلفاتو.
ب
المقدمة العامة............................:أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة "نيتشه نموذجا".
ومن أسباب ودوافع إختيار ىذا ادلوضوع دون ذاك ،يرجع إىل نوعني من األسباب ،ذاتية وموضوعية ،رغم أن
أحدمها مشتق من اآلخر.
فحب اإلطالع على ثقافة الغري ،ىو احلافز الكبري الذي دفعنا إىل دراسة ىذا ادلوضوع ،وكذلك القيم اليت تسود
يف الوطن العريب والعامل اإلسالمي بصفة عامة ،مهد لنا الطريق لدراسة األزمة اليت شهدهتا القيم ادلعاصرة من
خالل ثورة نيتشو.
ىذا عن األسباب الذاتية ،أما ادلوضوعية فيمكن ربديدىا يف إفتقار ادلكتبات اجلزائرية إىل مؤلفات خبصوص
ادلوضوع ،عدا بعض الكتب مثل كتاب ابن ميمون الذي تناول فيو أزمة القيم يف الفلسفة ادلعاصرة.
ومن أجل ربقيق وإجناز ىذا البحث ،قد رجعنا إىل معظم مؤلفات نيتشو ادلرتمجة ،كما اعتمدنا على رلموعة من
ادلراجع اليت ساعدتنا يف فهم ىذا األخري مثل كتاب دولوز "نيتشو والفلسفة" وغريىا من ادلؤلفات باإلضافة إىل
بعض ادلعاجم.
-1سعاد طيباوي ""2016/2015حيث كان عنوان ادلذكرة كالتايل" :نيتشو والعدمية :العامل من التأويل
األنتولوجي إىل التأويل األكسيولوجي" حيث توصلت الباحثة إىل:
-2عبد الكرمي عنيات " "2010/2000وتناول الباحث موضوع "موقف نيتشو من ادليتافيزيقيا" وتوصل ىذا
األخري إىل:
ج
المقدمة العامة............................:أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة "نيتشه نموذجا".
قلة ادلصادر وادلراجع باللغتني الفرنسية والعربية اليت زبدم ىذا ادلوضوع.
صعوبة ترمجة األلفاظ اليت يستعملها نيتشو ترمجة فلسفية ،كوهنا صعبة الفهم.
وآخر ما ميكن قولو يف األخري ،ىو أن نكون وفقنا ولو بشكل صغري يف إجناز ىذه ادلذكرة ،وطورنا قدراتنا يف
عملية البحث.
د
القصل األول :سياقات تمهيدية......................................المبحث األول :سياق مفاهيمي
المبحث األول :سياق مفاهيمي
مقدمة:
إزبذت إشكالية القيم معاف وتعريفات سلتلفة على مدى تاريخ الفكر البشري ولقد أثار ىذا ادلوضوع إنتباه العديد من
ادلفكرين ،سواء كانوا فالسفة أو علماء إجتماع أو رجاؿ دين ،رغم أف ىذا ادلصطلح جل األفكار اليت يثَتىا ترجع إىل ما
قبل احلضارة اليونانية ،لذلك حظيت القيم بأمهية بالغة يف تاريخ الفكر الديٍت والفلسفي الطويل ومها لنا أف نتساءؿ :ما ىي
ادلفاىيم األساسية اليت يتناوذلا ىذا ادلوضوع ؟.
)1القيمة
أ -لغة:
إذ صلد "ابن منظور" يقوؿ أف « :القيمة :واحدة القيم ،وأصلو الواو ألنو يقوـ مقاـ الشيء .والقيمة :شبن الشيء بالتقوًن .ويف
احلديث :قالوا يا رسوؿ اهلل لو قومت لنا ،فقاؿ :اهلل ىو ادلقوـ ،أي لو سعرت لنا ،وىو من قيمة الشيء ،أي حددت لنا
قيمتها »(.)1
أما يف دليل "أكسفور" فالقيمة تعرؼ كالتايل « :ىي خاصية متفردة ،يشًتط إكتشافها نوعا خالصا من الوعي أو عملية
التفكَت وىي متأملة أساسا يف اإلنفعاالت »(.)2
وكذلك يف قاموس "الروس" القيمة valeurىي « :أكثر تداوؿ يف ميداف اإلقتصاد وادلعامالت التجارية ،وىي الفرؽ بُت
الثمن والشراء والبيع ،ومن حيث اجلودة وادلكاف »(.)3
1ابن منظور ،لساف العرب ،دار اجلبل ،بَتوت ،مج ،3ص .500
2تدىوندرتش ،ترصليب احلصادي ،دليل أكسفور للفلسفة ،ادلكتب الوطٍت للبحث والتطوير ،ص .755
3-
Le petit larousse illustré , nuriguy le chàtel, juillet 2008, p1744, paris, France.
2
القصل األول :سياقات تمهيدية......................................المبحث األول :سياق مفاهيمي
القيمة ىي « :يف اللغة القدر ،والثمن وعليو فهي تطلق على كل ما ىو جدير بإىتماـ ادلرء وغاياتو ،أما يف اإلصطالح فهي
قيمة اإلستعماؿ كل ما للشيء يف نظر الشخص الذي يطلبو من قدر وشبن ،غَت أف "آدـ مسيث" يفرؽ بُت القيمة
اإلستهالكية والقيمة التبادلية »(.)1
أما عند "إبراىيم مدكور" ىي « :من حق وخَت وصباؿ وتكوف إما صفة عينية كامنة يف طبيعة األقواؿ وذلك يف ادلعرفة
واألفعاؿ يف األخالؽ,واألشياء يف الفنوف,وعلى ىذا فهي ثابتة ال تتغَت بتغَت الظروؼ وادلالبسات ،وإما صفة جيعلها العقل
على األقواؿ واألفعاؿ واألشياء ،والقيمة هبذا ادلعٌت تعٍت اإلىتماـ لشيء أو إستحسانو ،وىي ذات طابع شخصي »(.)2
«
القيمة قدر قيمتو وىي خاصية ذبعل األشياء مرغوبا فيها ،فالنبالة ذلا قيمة عظمى لدى و "مراد وىبو" يقوؿ أيضا:
اإلستقرائي ،وىذا ادلدلوؿ على ضروب ثالثة قيمة إستعمالية وقيمة تبادلية وادلدلوؿ الرياضي »(.)3
و هبذا فالقيمة تعٍت اإلسقامة لذا نقوؿ الدين القيم ونعٍت بو الدين ادلستقيم لقولو تعاىل «:ذلك دين القيمة »(.)4
فالقيمة عند "ماركس"« إزبذت عدة مفهومات متباينة ،فكانت تعٍت يف نظر علماء اإلقتصاد ادلاركسية »(.)5
أما القيمة عند الالند:تستعمل ىذه الكلمة يف كل مفاىيمها سوؿءا بادلعٌت اجملرد ذو قيمة للشيء من القيمة أبادلعٌت العيٍت
()6
الذي يكوف قيمة وىذا اإلستعماؿ ىو األكثر حداثة وتداوال و ىو يعرب عن صبلة من الفكرة او الشعور األساسي.
ومن ىذا ادلنطلق نقوؿ أف مفهوـ القيمة إزبذ عدة معاين وتعريفات إذ صلده خيتلف مفهومو من فيلسوؼ إىل آخر ومن مفكر
إىل آخر,ونظرا ذلذا اإلختالؼ إرتأينا أف نقدـ حملة بسيطة وتعريفات سلتصرة هبدؼ الوصوؿ إىل ادلعٌت احلقيقي ذلذا ادلصطلح.
فقد ناؿ مفهوـ القيمة اىتماـ العديد من الفالسفة وادلفكرين شلا دفعهم إىل ادلزيد من البحث.
)2القوة:
1صبيل صليبا ،ادلعجم الفلسفي ،دار الكتاب البناين ،بَتوت ،دط ،ج ،2ص .213-212
2إبراىيم مدكور ،ادلعجم الفلسفي ،اذليئة العامة لشؤوف ادلطابع األمَتية ،القاىرة ،دط ،1983 ،ص.151
3مراد وىبو ،ادلعجم الفلسفي ،دار القباء احلديثة ،القاىرة ،دط ،2007 ،ص .506
4سورة البينة،آية .5
5بدوي عبد الرضباف ،ادلوسوعة الفلسفية ،ادلؤسسة العربية للدراسة والنشر ،بَتوت ،ج ،1ط ، 1984 ،1ص .419
6أندريو الالند,موسوعة الالند الفلسفية ,تر:خليل أضبد خليل,منشورات عويدات,بَتوت -باريس,ج,1ط,2001 ,2ص.1523
3
القصل األول :سياقات تمهيدية......................................المبحث األول :سياق مفاهيمي
أ -لغة:
إذ يعرفو "ابن منظور" على أنو «:اخلصلة الواحدة من قوى احلبل أو الطاقة الواحدة من طاقات احلبل أو الوتر .ففي حديث
"أيب عبيدة" :يقاؿ أقويت حبالك وىو حبل مقوي ،وىو أف ترخي قوة وتغَت قوة ،فال يلبث احلبل أف يتقطع »(.)1
"أماد ليل أكسفور" « :فالقوة مفهوـ مركزي يف الفلسفة السياسية ،فهي هبذا تشَت إىل ادلصدر ادلادي والتنظيمي الناذباف عن
اإلقتصاد ،ومن ضمن أعظم ادلنظرين نذكر "توماس ىوبز ،وكارؿ ماركس" ،أما تارخييا منظروا الصراع ىم األكثر عناية دبفهوـ
لقوة ،فهم يروف أف إستمرار الشخص أو اجلماعة ذبتاز على قوة توظف لغاية ما ،خصوصا اليت ركزت على أعماؿ "ميشاؿ
فوكو" »(.)2
أما يف قاموس "الروس" «: forceالقوة ىي كلمة التينية صبع fortisوتعٍت الطاقة واإلستطاعة »(.)3
التعريف الًتكييب للقوة «:القوة بالفرنسية ) (forceوباإلصلليزية ) (forceوىي مشتقة من اللفظ الالتيٍت )(forttudo
وىي القدرة والشدة »(.)4
ب -إصطالحا:
يأخذ مفهوـ القوة يف اإلصطالح عدة معاين منها « :القوة ىي القدرة أو اإلمكاف القائم يف الشيء لإلنتقاؿ إىل شيء آخر،
أي بالقوة ،يف مقابل بالفعل ،لذا رأىّ لوؾ" و"ىيوـ" ىي أو الشيء يقدر على الفعل ،وثانيا ىي شيء قادر على قبوؿ
التغَت »()5أما يف "الالند" فهي «:احلزـ ،قدرة ،شدة ،إكراه طبيعي وخارجي ضرورة تقاومها اإلرادة ،وىي مبدأ الفعل ومكنة
زلركة ،أما ادلعٌت األخالقي :فهي عند " رونو قييو" بوصفها القدرة على تشغيل العقل العملي وىي إحدى الفضائل
األساسية »(.)6
4
القصل األول :سياقات تمهيدية......................................المبحث األول :سياق مفاهيمي
وعند "صبيل صليبا" القوة ىي «:القدرة ،الشدة ،والطاقة ،وضدىا الضعف ،وىي مبدأ الفعل سواءا كاف شعورا وإرادة ،فلذا
يقوؿ "ابن رشد" :اإلستعداد الذي يف الشيء واإلمكاف الذي فيو ألنو يوجد بالفعل ،وىي القهر ادلادي واخلارجي ،وضرورة
ال تستطيع اإلرادة مقاومتها »(.)1
أما ادلعجم الوجيز فنجد عنده القوة تعرؼ كالتايل «:ىي ضد الضعف وىي طاقة من طاقات احلبل وسبكن احليواف من
األعماؿ الشاقة ،وادلؤثر الذي يغَت أو دييل إىل تغيَت حالة سكوف اجلسم أو حالة حركتو بسرعة منتظمة يف خط مستقيم وىي
مبعث النشاط والنمو واحلركة ،وىي صبع قوى وقوات»(.)2
أما القوة عند ابن مذكور يف معجمو الفلسفي صلده يعرفها على أهنا «مصدر احلركة والعمل,ومنو قوة الروح وقوة التفكَت
القوة يف ادلعجم الفلسفي ىي مبدأ التغَت من حيث أنو مبدأ التغَت,وىو ادلنفعل يف القوة اإلنفعالية ,والفاعل يف القوة الفعلية.
والقوة تقاؿ على كل ما ىو يف ذاتو مبدأ احلركة ,وهبذا تنفصل الطبيعة من الصناعة.
والقوة ىي اإلمكاف وعلى ىذا يقوؿ ابن رشد :بأهنا اإلستعداد الذي يف الشيء و اإلمكاف الذي فيو ألف يوجد
بالفعل,فالقوة متقدمة على الفعل بالزماف,وىي متأخرة عنو بالسببية وذلك أف الفعل ىو كماؿ القوة الذي من أجلو وجدت
وىو السبب الغائي ذلا»(.)3
أما ادلعجم الفلسفي إلبراىيم مذكور يعرؼ القوة على أهنا «مصدر احلركة و العمل ,ومنو قوة الروح وقوة اإلرادة وقوة
التفكَت».4فعلى ىذا األساس ىي مبدأ التغَت و اإلمكاف.
)3اإلرادة:
أ -لغة:
5
القصل األول :سياقات تمهيدية......................................المبحث األول :سياق مفاهيمي
فهي عند "ابن منظور" «:من الفعل أراد يريد إرادة ،والريدة إسم من اإلرادة ،ومن ادلشيئة وأصلو الواو ،كقولك :تعاىل وأرده
أي أراده أمن يفعل كذا »(.)1
وىي كذلك يف "أكسفور" «:مسؤولة من أفعاؿ ادلشيئة مثل التخَت وإزباذ القرار ،فقد أكد "كانط" على أمهية أفعاؿ اإلرادة
»(.)2
أما يف قاموس "الروس" :فاإلرادة أي volontéىي «:معرفة ما نريد لنكوف قادرين على بذؿ جهد كبَت للوصوؿ إىل ما
نريد »(.)3
ب -إصطالحا:
أما يف اإلصطالح فهي «:قدرة ادلرء على إزباذ القرار ،فهي نقيض احلتمية ،فالقائلوف حبرية اإلرادة يبنوف موقفهم على أف
الناس مسؤولوف عن أعماذلم »(.)4
وكذلك ىي «:بادلعٌت األىم ىي اإلختيار احلر ،وىي صورة الفعالية الشخصية ،وىي صفة الطابع الكامل يف القوة الكبَتة
نسبيا اليت يتماشى معها الفاعل بالوعي ،أما يف األخالقيات :ىي إستعداد ادلرء للقياـ بأفضل ما عنده ،السيما إذا كانت
قواه أو قدراتو رديئة »(.)5
وأيضا اإلرادة «:تصميم واع على أداء فعل معُت يستلزـ ىدفا ووسائل لتحقيق ىذا اذلدؼ ،لذا يقوؿ "اجلرجاين" اإلرادة صفة
توجب للحي حاال يقع منو الفعل على وجو دوف وجو ،فهي يعقب إعتقاد النفع ،فلذا يرى الرواقيوف بأهنا أساس ادلعرفة
1
ابن منظور ،ادلرجع السابق ،ص .191
6
القصل األول :سياقات تمهيدية......................................المبحث األول :سياق مفاهيمي
والسلوؾ ،وذىب "ديكارت" إىل أنو ال إرادة حيث ال إستطاعة ،أما عند "كانط" ىي أحد مسلماتو,فيذىب ادلثاليوف إىل
أف اإلرادة خاصية مستقلة عن ادلؤثرات والظروؼ اخلارجية ,أما ادلاركسيوف فَتوهناأهنا شبرة ادلعرفة والتجربة والًتبية»(.)1
« اإلرادة عند "نيتشو" معارضة للعقل ،وفلسفتو كلها ضرب من اإلرادة »(.)2
أما "صبيل صليبا" فيقوؿ عنها أهنا «:نزوع النفس وميلها إىل الفعل حبيث حيملها عليو ،فاإلرادة صفة من صفات السجية،
وىي تدؿ على نزعة هنائية مستقرة أو ميل قوي حيمل صاحبو على الفعل وال يشًتط أف يكوف عقيب إعتقاد النفع كما
ذىب إليو ادلعتزلة »(.)3
ويف نظر "عبد الرضباف بدوي" «:ىي قوة نفسية تأسبر بالعقل وتصدر يف أفعاذلا عن بواعث دييلها العقل بأحكامو ،ولكن
اإلرادة عند "شوبنهاور" غَت عاقلة »(.)4
وىي كذلك « التصميم الواعي للشخص على تنفيذ فعل معُت أو أفعاؿ معينة ،وىي صفة توجب للحي حاال يقع منو الفعل
على وجو دوف وجو فهي هبذا عند "اجل رجاين" طلب الشيء أو شوؽ الفاعل إىل الفعل إذا فعلو كف الشوؽ وحصل ادلراد
»(.)5
أما "شلَت" فيعرؼ اإلرادة على أهنا «:لفظ يستخدـ للداللة على مسة سائدة جوىرية يف احلياة اإلنسانية ،ويعٍت هبا اجلانب
الفعاؿ ادلوجود يف طبيعتنا »(.)6
اإلنسان لغةHomme:
«
أصلو إنسياف ألف العرب قالو يف تصغَته أنيسياف و ىو فعلياف من اإلنس ،و األلف فيو فاء الفاعل و إما أفعالف من
نسياف ،حىت قيل أنو مسي إنسانا ألنو عهد إليو فنسي و اإلنساف الذكر و األنثى ،و يطلق على أفراد اجلنس البشري ،ضلو كل
7
القصل األول :سياقات تمهيدية......................................المبحث األول :سياق مفاهيمي
إنساف ألزمناه و إذا كاف مقاـ التعبَت عن اجلمع وكاف اإلنساف عجوال و النسبة إىل اإلنساف إنساين ،كالنفس اإلنسانية و
العقل اإلنساين و الصورة اإلنسانية و القوة و األعماؿ اإلنسانية....و الفرؽ بُت اإلنساف و الرجل عند علماء الشريعة أف
اإلنساف جنس و الرجل نوع كادلرأة ،أما عند ادلناطقة فاإلنساف نوع و احليواف جنس وسواء كاف اإلنساف نوعا من
الرئيسيات».1
كما يقوؿ علماء احليواف أـ كاف ذا مرتبة خاصة سبيزه عن سائر األنواع احليوانية إف بنيتو قريبة من بنية الثديات العالية ،
ووظائفو العضوية شبيهة بوظائفها و الصفات اليت يتميز هبا اإلنساف عن سائر احليوانات ىي انتصاب قامتو وضخامة فخضو
ووزف دماغو وقدرتو على الكالـ و بشرتو العارية من الوبر و رأسو ادلملوء بالشعر وذقنو البارزة و يداه ادلمتدتاف يف إستقامة
ذراعيو ورجاله العموديتاف على ساقيو ....إخل ولإلنساف من حيث ىو كائن حي عدة وظائف كالتغذي اإلحساس ،احلركة
التوليد ودوراف الدـ ،اذلضم ،و اإلنساف عند الفالسفة ىو احليواف الناطق ،احليواف جنسو و الناطق فصلو.
«
وكذلك ىو أحد البشر كاف أو امرأة ،مشتق من اإلنس على وزف فعالف حيث القواـ للبشر إال بإنس بعضهم ببعض
,فاإلنساف عند الصوفية ىوالربزخ بُت الوجوب واإلمكاف وادلرآة اجلامعة بُت صفات القدـ وصفات احلداثة,وىو الواسطةبُت
احلق و اخللق».2
إصطالحا:
»3
. أما عند "صبيل صليبا" صلده يتكلم عن اإلنساف بإعتباره« ىو احليواف الناطق
األخالق:
لغة:
« تقابل كلمة األخالؽ باإلصلليزية ( ،)MORAISو بالفرنسية واإليطالية ( ،)MORALEو ىذه النظائر
األوروبية أخذت من ( )MOSREالالتينية وىي صبع ( ،)MOSومن نظَتهتا اليونانية جاء االسم األخر لألخالؽ
( )ETHICAويف اإلصلليزية ( ،)ETHICSوالفرنسية (.1» )ETHIQUE
8
القصل األول :سياقات تمهيدية......................................المبحث األول :سياق مفاهيمي
األخالق اصطالحا:
« ويعرؼ "الالند" يف معجمو الشهَت "علم األخالؽ"( :)ETHICSىي علم موضوعو احلكم التقوديي القائم على
التمييز بُت اخلَت و الشر».2
« وكذلك تعميم رلموعة القواعد السلوكية اليت ربدد معٌت اخلَت وتستوجب استلزامو وسبيزه عن الشر الواجب تفاديو ،
وىي منظومة قواعد السلوؾ اليت ينبغي على ادلرء إتباعها ليحي وفق طبيعتو احلقيقية و ادلرموقة ،و إذا كانت األخالؽ
تصاغ يف األدياف و اآلداب على شكل مواعظ و حكم ونصائح ،فإهنا يف الفلسفة منظومة منهجية أي بناء منطقي
يشتمل أوال على تصور نظري عن اإلنساف و العامل و ثانيا عن ادلبدأ األساسي حبكم دبوجبو على سلتلف سلوكو يف
شىت ظروؼ احلياة ».3
و«كذلك ىي رلموع القواعد العقلية للحياة الطبيعية ،وىي نظرية اخلَت و الشر أي تقدًن يضبط معايَت خاصة
دبجهودات الفرد».4
الدين لغة:
« الدياف من أمساء عز وجل معناه احلكم القاضي وسئل بعض السلف عن علي بن أيب طالب عليو السالـ فقاؿ:كاف دياف
ىذه األمة بعد نبيها أي قاضيها و حاكمها الدياف :القهار و احلاكم والقاضي وىو فعاؿ من داف الناس أي حفزىم على
الطاعة ».5
إف الداؿ و الياء و النوف يف "دين"أصل واحد إليو ،يرجع إليو فروعو كلها و ىو جزء من اإلنقياد و الذؿ ،فالدين الطاعة
يقاؿ:
9
القصل األول :سياقات تمهيدية......................................المبحث األول :سياق مفاهيمي
« أصحب و انقاد و طاع وقوـ دين أي مطيعوف مناقدوف ،و ادلدينة كأهنا منفعلة يسمى كذلك ألهنا تقاـ فيها طاعة ذوي
األمر ،فقولو جل ثناؤه ":ما كاف ليأخذ أخاه يف دين ادللك إال أف يشاء اهلل "».1فيقاؿ « يف طاعتو ويقاؿ يف حكمو وجاء
الدين يف لساف العرب دبعٌت اجلزاء و احلساب ،ومنو قولو تعاىل":مالك يوـ الدين"» .2وقيل « معناه مالك يوـ اجلزاء ،وقولو
تعاىل":ذلك الدين القيم"».3
وىو كذلك الطاعة و اإلنقياد وإسم جلميع ما يعبد اهلل وادللة ومنو الديانة صبع ديانات ،الدين و العلم يف نظر ادلاديُت
العصريُت نقيضاف ال جيتمعاف و ضداف ال يتفقاف دلاذا ؟ ألهنم قصرو الكوف على احملسوسات و أنكرو ما وراءىا صبلة و
تفصيال فال روح وال خلود و ال مالئكة و ال غَت ىذا من العوامل و تصور الدين على الشكل الذي يروف عليو ادلتدينيُت من
اخللط و اخلبط و البعد عن العقل فلماذا مل حيكموا بتضاد ىذين العاملُت.
« ولكنهم لو أنصفو كما أنصف يف ىذا العصر أكابرىم ووقفوا على ما فتح اهلل تعاىل بو على العامل العصري من احلجج يف
إثبات عامل ما وراء ادلادة ،مث نظروا للدين يف أصلو و ينبوعو وعالئنو بالروح اإلنسانية نظر احلكيم ادلتبصر لعلمو أهنم كانوا يف
أحكامهم األوىل غال مفرطُت و ألصبحوا من أعز أبناء الدين كما أصبح اليوـ كذلك العلماء ادلاديُت ».4
الدين إصطالحا:
« إذا كاف الدين لغة مل خيرج عن معٌت واحد عموما (الطاعة و اخلضوع) فإنو إصطالحا لو تعريفاف ال حصر ذلا وردت على
ألسنة ادلفكرين و العلماء و رجاؿ الدين و ذلك راجع إىل تعقد الديانات السائدة و تشبعها ».5
4وجدي فريد زلمد ،دائرة معارؼ القرف العشرين ،اجمللد الرابع ،دار الفكر ،بَتوت لبناف ،ص.105
10
القصل األول :سياقات تمهيدية......................................المبحث األول :سياق مفاهيمي
«
إف الدين وضع إالىي يدعو أصحاب العقوؿ إىل قبوؿ ما عند الرسوؿ يذكر اجلرجاين :إف الدين و ادللة متحداف بالذات
وسلتلفاف باإلعتبار فإف الشريعة من حيث أهنا تطاع تسمى دينا ،ومن حيث أهنا ذبمع تسمى ملة ومن حيث أهنا يرجع
إليها».1
تسمى مذىبا ،وقيل إف الفرؽ بُت الدين و ادللة و ادلذىب منسوب إىل اهلل تعاىل ،و ادللة منسوبة إىل الرسوؿ (ص)و
ادلذىب منسوب إىل اجملتهد.
ويعرؼ زكي صليب زلمود الدين « :ىو الوحي اإلذلي بنصوصو احملفوظة .ويقوؿ أيضا :أف الدين ىو الذي يقدـ إلينا ادلبادئ
األساسية اليت نسلك على ىداىا و اليت من شأهنا أف تبلور رؤية خاصة وموقفا معينا من الكوف واحلياة بصفة عامة».2
لقد أعطيت للدين يف الثقافة الغربية تعاريف إصطالحية كثَتة فهو يتضمن عموما أحكاما قيمية « :فمن يقوؿ دين يقوؿ
معيارية فالدين لو حجم من القواعد و الطقوس و الشعائر ،وديكن القوؿ بوجو عاـ أف الدين نظاـ إجتماعي يقوـ على وجود
موجود أو قوى فوؽ الطبيعة و تبُت العالقات بُت بٍت اإلنساف و تلك ادلوجودات و ربت أية ثقافة معينة تتشكل ىذه الفكرة
لتصبح منطا أو أمناط إجتماعية أو تنظيما إجتماعيا ،ومثل ىذه األمناط و النظم معروفة بإسم الدين» .3وكذلك ىو رلموعة
من معتقدات و عبادات تؤمن هبا صباعة معينة ،حاجة الفرد و اجملتمع على السواء أساسو الوجداف و للعقل رلاؿ فيو ,يقوؿ
اجلرجاين « :الدين وضع إالىي يدعو أ صحاب العقوؿ غلى قبوؿ ما ىو عند الرسوؿ صلى اهلل عليو و سلم ،الدين و ادللة
متحداف بالذات و باإلعتبار من حيث ذبمع الناس تسمى ملة ،قاؿ الفارايب :الدين و ادللة يكوناف إمسُت مًتادفُت ».4
2مٌت أضبد أبو زيد ،الفكر الدينيعند زكي صليب زلمود ،ادلؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر،بَتوت لبناف ،ط ،1ص.75
3ابراىيم مذكور ،معجم العلوـ اإلجتماعية ،اذليئة العامة للكتاب ،حرؼ الداؿ ،القاىرة ،دط،1975 ،ص.270
4ابراىيم مذكور ،اذليئة العامة للشؤوف و ادلطابع األمَتية ،القاىرة ،1983 ،ص.92
11
القصل األول :سياقات تمهيدية.................................المبحث الثاني:السياق الكرونولوجي
بالرغم من أف حضارات الفكر الشرقي القدًن مل تبحث يف القيم ،إال أننا إذا تتبعنا تاريخ الفكر البشري منذ عهد احلضارات
الشرقية القددية ،إىل وقتنا ىذا متجاوزين يف ذلك مفهوـ القيم كمصطلح جديد يف التاريخ اإلنساين ،وإف كانت إرىاساهتا
تعود إىل قروف سحيقة ،صلد أف كل رلتمع بشري قد عرؼ نوعا من أنواع القيم واألخالؽ ،فلذا ال يوجد رلتمع أو دلة بدوف
قيم « ،لذا يقوؿ "ريناف" :فتاريخ الفلسفة ىو يف حقيقة أمره سجل للتطورات اليت مر هبا الفكر اإلنساين يف سلتلف مراحلو
مع الفلسفة اليونانية »(.)1
وعليو سنحاوؿ دراسة ىذه القيم منذ الفلسفة القددية إىل الفلسفة ادلعاصرة.
-1الفلسفة اليونانية :فالقيم يف الفلسفة اليونانية وإف تعددت زلدداهتا إال أهنا تركزت على إعطاء معاين سامية وحاولت
اإلرتقاء باإلنساف ضلو بلوغ الفضيلة وذبريده من شهوات احلواس ،بغض النظر على ما قدمو الفسطائيُت يف ىذا اجملاؿ.
أ -سقراط:
صلد ىذا األخَت إنتقد الفلسفة الطبيعية ،وحبث عن مذىب إجيايب يف األخالؽ وأعطى أولوية كبَتة لإلنساف ،وإىتم بادلسائل
ادلنهجية ،وىذا يهدؼ للوصوؿ إىل تعريف زلدد للقيم األخالقية ،فالقيمة عنده تتجسد يف العدالة والفضيلة ،فلذا صلده
يرى «:أف ادلعرفة اليت تقوـ عليها الفضيلة ال بد أف تكوف شلكنة »(.)2
وادلعرفة ادلقصودة ىنا ىي معرفة ما ديكن أف زبشاه فتحذر منو ،وما ال زبشاه فتتشجع لإلقداـ عليو لذا يقوؿ « ال فضيلة إال
للمعرفة »(.)3
1زلمد عبد الرضباف مرحبا ،مع الفلسفة اليونانية ،منشورات عويدات ،بَتوت ،لبناف ،ط ،1988 ،1ص .433
2عزت قرضي ،الفلسفة اليونانيو حىت أفالطوف ،الطبع ذات السالسل ،الكويت ،1993 ،ص .135
3أضبد أمُت ،كتاب األخالؽ ،مطبعة دار الكتب ادلصرية ،القاىرة ،ط ،1931 ،3ص .133
12
القصل األول :سياقات تمهيدية.................................المبحث الثاني:السياق الكرونولوجي
صلده يعتقد بأف اإلنساف خَت ،وعليو فاألخالؽ السقرا طية ليست أخالؽ عقلية فقط وإمنا فردية ،وىو صاحب مقولة "اعرؼ
نفسك بنفسك" ،فهو يطمح من خالؿ ىذه ادلقولة إىل أف يؤسس سلوكو احلسن على معرفة اإلنساف احلقيقي.
«
ورأى أف الفضيلة ىي العلم ،وهبذا وجب على اإلنساف أف يعلم ليكوف فاضال ،وعليو فاحلياة األخالقية تتضاءؿ إىل رلرد
النظر والتأمل »(.)1
ب -أفالطون:
فنجد ىذا األخَت يؤسس صبلة أفكاره على الواحد وىو ادلثل األعلى ،وىو اخلَت ادلطلق ،فالقيمة بالنسبة "ألفالطوف" ىي
القيم األخالقية وىي« الفضيلة وليست مرادفة للذة »( ، )2وعليو فالفلسفة عنده ىي فضيلة اإلنساف ،أي العلم اخلَت الذي
يصدر عن علم دبا ىو حق ،وهبذا قسم الفضيلة إىل فلسفية وعادية ،فاألوىل ىي العمل اخلَت الذي أسس على العقل ،أما
الثانية فهي نشأت عن العرؼ« وىي أيضا فضيلة النمل والنحل وضلومها ،فهي تعمل أعماال طلية ال عن علم ،أما الفضيلة
من النوع األوؿ فهي فضيلة الفالسفة ونوابع الناس »(.)3
«
"فأفالطوف" يرى أف اإلنساف دير على الفضيلة العادية مث يرقى منها إىل الفضيلة الفلسفية ،وقسم الفضيلة إىل أربعة وىي
احلكمة والشجاعة والعفة والعدؿ ،وأف اإلنساف قوى ثالثة وىي العاقلة والغاضبة والشهوانية ،وبإعتداؿ ىذه الفضائل ينشأ
العدؿ »( ،)4الذي تتصف بو النفس عند أداء ىذه القوى الثالثة وظائفها.
فالقيم بالنسبة لو اإلرتقاء من مستواه إىل اهلل ،فهو هبذا يرى أف القيم تقيم يف عامل ادلثل ،وجيب أف تتجو ضلوىا فهذا يؤدي
بنا إىل قبوؿ أف للقيمة مستويُت يغرؼ أحدمها اآلخر ،إال أهنما مًتابطُت ،فاخلَت بالنسبة لو ىو القيمة العليا أو قيمة القيم
اليت نبحث عنها ،فال وجود وال كماؿ وال سعادة إال بو ،فيقوؿ "أفالطوف" يف منو اجلمهورية « إف اخلَت فوؽ الوجود شرفا
وقوة »( ،)5وعليو فالوجود احلق إمنا ىو للقيم ،وال سيما األخالقية.
13
القصل األول :سياقات تمهيدية.................................المبحث الثاني:السياق الكرونولوجي
ج -أرسطو:
أما بالنسبة ألرسطو فإننا صلده يعارضو يف ىذا فهو يشَت إىل أفكار جديدة مل يتطرؽ إليها "أفالطوف" ،فهو هبذا مل يقبل
نظرية ادلثل «،ورفض التقسيم الذي وضعو »( ،)1وأف القيمة يف نظره متجسدة يف الواقع ،ذبسد الصورة يف اذليوىل ،فهو هبذا
يرى أنو ال ديكن فصل اذليوىل عن ادلادة ،أي تطابق بُت اذليوىل مع الصورة.
ويرى أيضا أف الوجود وجوداف بالقوة وبالفعل ،فاألثر القيمي بالنسبة لو بناء واقعي ،فالقيمة عنده تبدأ بالواقع وتنتهي إىل
العقل ،وىنا يتلخص تقسيمو لألجناس ولألنواع ،فالقيمة بالنسبة لو تلجأ إىل ىذا الًتتيب تبدأ من الواقع إىل العقل ،فهو
هبذا ينطلق من الواقع لإلرتقاء إىل أف يصل إىل ىيوىل ،فبهذا تتحدد النفس البشرية مع العقل اإلالىي ،فالقيم ىي قيم
األخالؽ والوسط الذىٍت « فالفضيلة اخللقية تعٌت بادلشاعر واألفعاؿ ،ومن ىذه ما قد يكوف فيو تفريط وما قد يكوف فيو
إفراط أما الفضيلة عند "أرسطو" فهي الوسطية بُت حدين كالمها رذيلة »( ،)2فهو هبذا يرى « أف البخل والتبذير مها رذيلتاف
»()3
عن طريق العقل الذي ديكن تتوسطهما فضيلة الكرـ والشجاعة وسط التهور واجلنب ،ويتم ربديد الوسط اإلعتدايل
توحيده بادلعرفة اليت إعتربىا "سقراط" فضيلة ،والثاين طريق أصحاب احلكمة ،فبهذا زبتلف القيم عند "أرسطو"
عن"أفالطوف".
فأرسطو ىنا أقر بثورة جذرية على أخالؽ أفالطوف ورفض السَت يف نفس الطريق الذي حدده ورمسو األستاذ ألنو رأى بأنو
أعظم من األفالطونيُت فمذىبو ىو زلاولة تأسيس مثالية متحررة من نواقص مذىب أفالطوف فقد ركز على إصدار األحكاـ
القيمية ,ورأى اف احملاكاة أدىن من سلوؾ اإلنساف كما حيدث يف الواقع.
ففي اإلصباؿ ديكن تلخيص نظرية أرسطو األخالقية يف أف السلوؾ اإلنساين مطبوع بصفة غائية لذا ذبد كل فرد يسعى لبلوغ
ما يعتقد أنو خَت.
1زلمد فتحي عبد اهلل وعالء عبد ادلتعايل ،دراسات يف الفلسفة اليونانية ،دار احلضارة ،طنطا ،مصر ،ص .122
2زلمد عبد الستار النصار ،دراسات يف فلسفة األخالؽ ،دار القلم ،الكويت ،1982 ،ص .329
3زلمد الطاىر ،علم األخالؽ "النظرية والتطبيق" ،دار ومكتب اذلالؿ ،بَتوت ،لبناف ،1987 ،ص .392
14
القصل األول :سياقات تمهيدية.................................المبحث الثاني:السياق الكرونولوجي
لكن ىذا اخلَت قد يكوف جزئيا,لذا ذبد اإلنساف دبجرد ما يبلغو,يفكر يف خَت أعلى منو ,و كأف اخلَت األوؿ رلرد وسيلة
يستعملها لبلوغ خَت أعلى منو منزلة.
دبعٌت أف كل خَت يلغي خَتا آخر,وىكذا تتدرج سلسلة الغايات إىل أف تصل إىل الفعل الذي ال ديكن أف يكوف وسيلة
ذلدؼ اعلى,وىذا الفعل ىو اذلدؼ األقصى,لذا نسميو السعادة,فهو من مثبيت ومكرسي ىذه الفكرة اليت تقوؿ بأف كل فعل
نقوـ بو لو غاية.
فهم ال يروف لذة معيارا لتحديد القيم األخالقية ،بل يؤكدوف على السلوؾ اجليد ،وىو سلوؾ التقيد بالطبيعة « أي جعل
اإلنساف حبسب ما تقتضيو الطبيعة ،وأف ينظر إىل األحداث بعد ذلك حبسباهنا متساوية فال فرؽ يف الواقع بُت اخلَت والشر،
ما داـ كل شيء ضروري »( ،)1أي دبعٌت التوجو حسب الطبيعة والعمل حسب متطلباهتا ،فهذا يف نظرىم ال حيقق احلياة اليت
أرادوىا ،وإمنا ىو السَت يف حياهتم منسجما مع ادلنهج الذي يريده اإللو.فللذات واألمور بالنسبة للرواقية ،ىي أمور تبعية
للميوؿ اإلنسانية اليت بطبيعتها متجو ضلو اخلَت والسعادة ،فإذا أرضيت ىذه ادليوؿ نشأت السعادة ،وإذا مل ترض نشأ األمل،
فالسعادة هبذا ىي الطمأنينة واإلتزاف األخالقي لنفس رضيت عن ذاهتا ،ورضيت عن األشياء.
فمصدر األمل حسب الرواقية يرجع إىل أفكارنا وأحكامنا على األمور،فهم يقدموف لنا مثاؿ عن األعرج ،فهم يروف أنو يتأمل
إذا اعترب ع اىتو نقصا ،وإذا بدؿ حكمو على ىذا فإنو ال يتأمل ،بل يرضى دبا أراد لو القدر وعليو « فمثال والدؾ جيب عليك
إذا رعايتو واخلضوع لو يف كل أمر ،واحتماؿ ما ينالك منو من شتم ولطم ،إنو سيء اخللق ليس لك أف هتتم دبعرفة ما إذا
كانت الطبيعة قد منحتو أبا طيبا ،وإمنا جيب أف تعرؼ أف ما منحتك إياه إمنا ىو أبوؾ »( ،)2وادلقصود ىنا ىو الرضى دبا
أنت عليو ،وليس دبا تكوف عليو ،فالقيمة ىنا يف الرضى دبا ىو موجود ،وعلى ىذا األساس يتجنب اإلنساف حياة الشقاء.
فعلى ىذا األساس يروف باف اإلستسالـ للعواطف ىو الشر بعينو,والشر يفهمو الرواقي بأنو عدـ العيش دبقتضى الطبيعة
العاقلة,فدعت الرواقية إىل إلغاء الًتاتيب القاسية .
1عبد الرضباف بدوي ،خريف الفكر اليوناين ،شركة الطباعة الفنية ادلتحدة ،القاىرة ،ط ،1980 ،4ص .45
2أندري كريسوف ،ادلشكلة األخالقية والفالسفة ،ترصبة عبد احلليم زلمود وأبو بكر ذكرى ،دار الشعب ،القاىرة ،1975 ،ص .117
15
القصل األول :سياقات تمهيدية.................................المبحث الثاني:السياق الكرونولوجي
-2العصور الوسطى:
إذا كانت الفلسفة يف العصر الوسيط حاولت التوفيق بُت الدين والفلسفة ،فإف القيمة بكل صورىا تأخذ داللة دينية من
حيث البحث يف عالقة الناس باهلل.
-أوغسطين:
لقد حاوؿ "أوغسطُت" إىل اإلعتقاد بأف « اهلل ثابت كامل ،وأف اإلنساف الذي يطلب السعادة إمنا يطلب اهلل ،ألف التحرر
من القلق وبلوغ الرضا لن يأيت إال يف اهلل »( ،)1فلذا القيمة بالداللة األوغسطينية تتمحور يف أساسها بالعالقة بُت الوجود
وادلوجود ،أي العالقة بُت اهلل واإلنساف ،وال شيء يف العامل إال خيضع لو ،وعليو فال تستطيع إكتشاؼ كل كائنو وخَته إال
بقدر حبنا لو « .لذا يقوؿّ أوغسطُت" أف احلياة السعيدة ىي النعيم يف اهلل ،ومن أجل اهلل ،وال شيء غَت ىذه احلياة ديكن أف
يسمى سعيدا »(.)2
كما كتب ىذا األخَت صفحات طويلة من احلس الداخلي الغامض الذي يقود اإلرادة دائما ضلو ىدفها ،فهو هبذا يرى أف
العقل إذا ما قدمنا لو موضوعات كثَتة ومتنوعة وسلتلفة فإهنا تصبح حرة يف أف زبتار ىذا ادلوضوع أو ذاؾ بغَت إكًتاث ،فهي
ربدث مع حدوث الفعل احلر ،وأف ىذه احلرية يف رأيو ىي اخلالص من اخلطيئة ومن العذاب وادلوت ،فهو هبذا ربط القيمة
األخالقية بالفعل اإلرادي ،فاإلرادة ىي ادلسؤولة عن حياة اإلنساف خَتة أو شريرة آشبة أو فاضلة ،فهو هبذا ذباوز األخالؽ
اليونانية ،حُت ربطها باحلركة الداخلية لإلرادة الراسخة يف اهلل الذي ىو الغاية الوحيدة لإلنساف.
فالقانوف األخالقي بالنسبة "ألوغسطُت" ىو الذي يتحد مع عقل اهلل ،أي متحد مع اهلل نفسو ،وىو الفن اإلذلي الذي
حيكم األشياء وبواسطتو خلقت األشياء « ،فهو من خالؿ ىذا يود أف يوحد اإلنساف باهلل عن طريق جاذبية احلب ،ومن
ىذا احلب تشتق صبيع العواطف األخرى اليت تتجو ضلو اهلل ،ورفع نفسو إىل ىذه ادلرتبة يتفتح ويتحوؿ إىل فضائل علوية »(،)3
فادلعرفة إذا وحب اهلل مها الغاية األخالقية وأف القيم يف األخَت ترجع إىل مشكلة اخلَت والشر.
1يوسف كرـ ،تاريخ الفلسفة األوربية يف العصر الوسيط ،دار ادلعارؼ ،مصر ،1119 ،ص .29
2عبد الرضباف بدوي ،فلسفة العصور الوسطى ،وكالة ادلطبوعات ودار القلم ،الكويت ولبناف ،ط ،1989 ،3ص .25
3إينت جيليسوف ،روح الفلسفة ادلسيحية يف العصر الوسيط ،ترصبة إماـ عبد الفتاح إماـ ،مكتبة مدبويل ،الكويت ،ط ،1996 ،3ص.414
16
القصل األول :سياقات تمهيدية.................................المبحث الثاني:السياق الكرونولوجي
-فيلون:
غَت أف القيمة عند "فيلوف" ىي القدرة على معرفة الشر ،والفلسفة عنده ليست إال وسيلة أو عدة إلكتناه احلقيقة الدينية،
واألصل ىو الدين.
إال أف "فيلوف" مل ينكر كل فضل وقيمة للدين الشعيب اليوناين ،فهو يرى بأف القيم األخالقية اليونانية ىي قيم يهودية ،ألف
الفالسفة اليوناف تأثروا تأثَتا كبَتا بالتفكَت اليهودي ،ومن أجل إثبات ىذا ذىب إىل التفسَت الرمزي ،وليس ادلعٌت الظاىري،
فالقيمة بالنسبة لو دينية «،واحلقيقة الدينية ىي األصل يف كل تفكَت وىي اليت تطبع احلقيقة العقلية لديو بطابعها اخلاص
»(.)1
فالفلسفة عنده جيب أف تكوف م ؤدية للخالص ،أي الوصوؿ إىل حالة الالهنائي ،وديكن أف يسلك يف مرحلتُت ،وىي مرحلة
الشك ،ومرحلة التصوؼ.
فإدراؾ ادلرء لذاتو ،جيب أف يكوف نقطة بدء ،وحينما يبحث يف ذاتو جيد أنو قابل للكثَت من األغالط « ،وكل ما نصل إليو
من إقتناعات بأف اللذات اإلنسانية فانية متناىية ،كلها نقصى ،وكلها شر »( ،)2وىذا يعٍت أنو ال قيمة ألي شيء موجود ،شلا
يدفعنا إىل البحث عن وسيلة للخالص ،وال يكوف ذلك إال بالتشيو باهلل ،ويتم ذلك بالتصوؼ « ،فغاية النفس عنده إمنا
الوصوؿ إىل اهلل واإلربادية ،وىذه الغاية ال تتحقق إال بادلعرفة الناقصة جدا ،وادلعرفة اليت ترقى سلم الوسطاء ،وادلعرفة اليت
تدرؾ اللوغوس ،أما الدرجة األخَتة فهي ادلعرفة اليت تدرؾ اهلل ذاتو »( ،)3وهبذا فالنفس الراغبة يف إدراؾ احلقيقة ديكنها أف
تسرع يف صعود سلم الوسطاء ،وذلك من خالؿ إكثار العبادة الباطنية ،وىذا التطهَت ال يتم إال إذا أدرؾ اإلنساف بطالت
عامل احملسوسات ،أي أنو عامل زائل ،ويرى "فيلوف" أيضا أف اهلل يظهر مباشرة أماـ اإلنساف ،وذلك عن طريق التجربة
الصوفية ،فهو هبذا ال حيتاج إال وسائط ،وىذه التجربة الصوفية حسبو تتم عن طريق اجملاىدة ،مث العلم واللطف ،وىذا ىو
الذي يؤدي باإلنساف إىل الطمأنينة ادلطلقة ،وىو ما يسعى إىل ربقيقو الفيلسوؼ.
1نظر :عبد الرضباف بدوي ،ادلوسوعة الفلسفية ،ادلرجع السابق ،ص .227
2نظر :مصطفى النشار ،مدرسة اإلسكندرية "الفلسفة بُت الًتاث الشرقي والفلسفة اليونانية" ،دار ادلعارؼ ،القاىرة ،ط ،1990 ،1ص
.69
3ادلرجع نفسو ،ص .70
17
القصل األول :سياقات تمهيدية.................................المبحث الثاني:السياق الكرونولوجي
-المعتزلة:
« لقد سبسك ادلعتزلة بالقوؿ أف العقل قادر على فهم النصوص القرآنية »( ،)1فمصدر القيمة األخالقية هبذا ىو العقل ،ألف
اإلنساف كاف يعرؼ اخلَت والشر قبل رليء الشرع ،فهم هبذا اىتموا دبسألة القبح يف األفعاؿ ،فاخلَت بالنسبة ذلم ليس خَتا
ألف اهلل أمر بو ،وليس الشر شرا ألف اهلل هنى عنو ،ولكن اخلَت خَت يف ذاتو والشر يف ذاتو ،فهما هبذا قيمتاف أخالقيتاف
مطلقتاف.
فادلعتزلة ترى أف اإلنساف كاف يدرؾ اخلَت والشر بعقلو قبل ورود الشرع ،فكاف ضمَته هبذا يرتاح للشجاعة والكرـ ،وينزعج
من اجلنب واخليانة « ،فهم هبذا يؤكدوف على حرية اإلنساف ،وىذا ما صلده يتفق مع ما جاء يف القرآف نفسو ،حيث يؤكد
القرآف الكرًن حرفيا بأف كل نفس مسؤولة عما تأتيو من أفعاؿ »(.)2
فإقباؿ الناس على سبيل ادلثاؿ على التعاليم اليت جاء هبا الدين اإلسالمي ،كأكرب دليل على أهنا كانت تتفق مع ما يف عقلو
من قيم أخالقية ،ولو مل تكن كذلك دلا تقبلها اإلنساف ،كما أننا صلد أف الشرع مل حيكم يف صبيع ادلسائل اليت اعًتضت حياة
اإلنسا ف ،بل صلد ادلشرع يلجأ إىل العقل من أجل إدراؾ األمور اليت مل يفصل فيها النص « ،حيث أوؿ ادلعتزلة اآليات
القرآنية الدالة على التشخيص أو ذبسيم تأويال عقليا بنفي دالالهتا ادلادية »(.)3
إال أف ىذا يتعدى أمور القياس ،فهم يروف أف العقل اإلنساين يتعدى أمور ليس ذلا أصل تقاس عليو ،فالقيمة هبذا ادلعٌت
تأخذ داللة دينية عقلية.
ب -األشاعرة:
يف حُت أننا صلد األشاعرة تعارض ادلعتزلة يف مسألة القبح ،فهم هبذا ذباوزوا ادلعتزلة يف ىذا ،فالقيمة بالنسبة ذلم متجسدة يف
الشرع ،فاحلسن عندىم ىو ما أمر بو الشرع والقبح ما هنى عنو ،بل مها إعتباريُت فالقتل قد يكوف حسنا ،إذا كاف دفاعا عن
1زلمد علي أبو رياف وعباس زلمد حسن سليماف ،مدخل لدراسة الفلسفة اإلسالمية ،دار ادلعرفة اجلامعية ،دط ،ص .151
2ىن ري كورباف وحسُت نصر ،ترصبة نصَت مروى وحسن قيملي ،تاريخ الفلسفة اإلسالمية "منذ الينابيع حىت وفاة ابن رشد"،1198 ،
عويدات للنشر والطباعة مع دارغاليمار ،بَتوت ،باريس ،ط ،1998 ،2ص .1888
3رشيد البندر ،مذىب ادلعتزلة من الكالـ إىل الفلسفة ،دار النبوغ والنشر والتوزيع ،لبنالف ،ط ،1994 ،1ص .55
18
القصل األول :سياقات تمهيدية.................................المبحث الثاني:السياق الكرونولوجي
الشر وقبحا إذا كاف إعتد اءا على الضعيف ،فهما هبذا يتبدالف حسب الظروؼ ،فالناس يستحسنوف ويستقبحوف تبعا
للشرائع ،فاهلل بالنسبة ذلم ىو الذي حدد اخلَت والشر دبعٌت « أف اهلل تعاىل يتدخل بإستمرار يف أفعاؿ يف كل حركة من
حركاهتم ،تدخال مباشرا حبيث ال ديكن أف تكوف حرية لإلنساف »(.)1
والقوؿ بعكس ىذا ،أو دبا قالت بو ادلعتزلة فهو إنكار إلرادة اهلل ،وعلى ىذا صلد األشاعرة يروف أف ادلشرع يعود دوما إىل
القرآف والسنة إلستخالص األحكاـ منها ،فاإلنساف هبذا ليس قادر على أف حيكم على اخلَت بأنو خَت ،أو على الشر بأنو
شر.
وأف القوؿ حسب األشاعرة بأف أحكاـ الشرع تتحقق على العقل فهو إنكار لقدرة اهلل ادلطلقة.
فعلى ىذا صلدىم يعتربوف أف الشرع أو الدين ىو مصدر القيم األخالقية حيث « نادوا بإعطاء القيمة ادلطلقة للنص احلريف
كما ورد أثناء التنزيل ،وعلى الرجوع إىل أحاديث الصحابة »(.)2
وعلى ىذا صلد أف القيمة عند األشاع رة زبتلف عن ادلعتزلة ،وإرجاع األمور إىل العقل ،ىو القوؿ بأف اهلل غَت سلتار يف
أحكامو ،بل مقيد يف تشريعو لألحكاـ.
إف القيم يف الواقع اإلسالمي أخذت منحى ديٍت وذلك من منطلق إعتمادىا على الكتب الدينية وتأويل األشياء واألفعاؿ
دينيا فأصحاب اإلذباه اإلسالمي وعلى رأسهم ادلعتزلة,يروف أف القيم األخالقية ليست من صنع اإلنساف وال البشر فهي
صادرة عن االلو فاهلل ىو الذي حيدد لنا قيمة اخلَت والشر,وما على اإلنساف أف ينقاد ذلا.
فرغم التباين الذي شهدتو الفلسفة اإلسالمية إال أهنا ترى وتعطي للشرع أولوية كبَتة يف حياتنا,وىذا األخَت ىو الذي حيدد
لنا سلوكاتنا ويقومها.
-3الفلسفة الحديثة:
إذا كانت الفلسفة يف العصر الوسيط حاولت التوفيق بُت العقل والدين ،فإف الفلسفة يف العصر احلديث أخذت عموما
بادلعرفة كأساس لبحثها ،أي التحرر من النمط التقليدي يف الفكر.
1زلمد علي أبو رياف وعباس زلمد حسن سليماف ،ادلرجع السابق ،ص .195
2
ىنري كورباف وحسُت نصر ،ادلرجع السابق ،ص .190
19
القصل األول :سياقات تمهيدية.................................المبحث الثاني:السياق الكرونولوجي
فقد أشار "ديكارت" إىل أف القيمة القصوى تتصل بادلعرفة وبالطريقة اليت تصاغ هبا باللجوء إىل فكرة اإللو الكامل ،وسنجد
"سبينوزا"يشَت إىل إعتبار أف القيمة ىي اليت تكمن يف ادلبدأ الذي يتعلق بو الوجود بادلعرفة « ،وعليو فالقيمة عند "ديكارت
وسبينوزا وليبنتز" تابعة للوجود بكيفية أو أخرى عكس "كانط" »(.)1
-كانط:
إف القيمة يف فلسفة "كانط" مستقلة عن الوجود ،عكس الذين يعطوف للعقل قيمة ،والذين كاف الوجود موضوع دراستهم،
فاألخالؽ بالنسبة ذلم كانت تابعة للتصور الوجودي ،بإعتباره األساس.
إال أف ىذا األخَت أنكر قوذلم ،وذىب إىل القوؿ بأف اإلنساف ال يعرؼ من وجود األشياء سوى الظواىر ،أما األخالؽ
واجلماؿ فهي أحكاـ تفرض علينا اخلضوع.
فمعارفنا يف نظره ربتوي على مادة وصورة ،فادلادة ىي اليت تعطينا األشياء أما الصورة فإمنا تكوف جزءا من بنية الذات ،وقد
ميز بينهما يف ادلعرفة حيث رأى أف لكل نوع من أنواع ادلعرفة اليت ىي احلساسة والفهم والعقل معطيات ادلستقلة عن
التجربة ،وىذه ادلعطيات ىي اليت ربدد لنا قيمتو.
« فالعقل العملي اخلالص ،وادلراد بو الفهم ،ىو الذي يوجو حياة اإلنساف األخالقية بواسطة الضمَت ،وىو الذي يأمرنا على
إحًتاـ القانوف »( ،)2ألف أمر الضمَت لو عالقة بالعمل.
فه و يؤسس األخالؽ على الواقع إذ الواقع مشتت,واألخالؽ تريد قوانُت ومبادئ موحدة,فالواقع متغَت واألخالؽ تسعى إىل
الثبات,فعلى ىذا األساس رأى ادينويل كانط أف الواقع نسيب و األخالؽ هتدؼ إلو ما ىو مطلق.
ومن ىنا يضع كانط فكرة اإلنساف بوجو عاـ زلل فكرة مالحظة األفراد من الناس,ويضع تصور اإلنساف العاقل زلل مالحظة
الطبيعة اإلنسانية.
فرأى اف اإلرادة اخلَتة ىي وحدىا اليت ديكن أف تعد يف ذاهتا خَتا أو خَتا مطلقا.
- 1الربيع ميموف ،نظرية القيم يف الفكر ادلعاصر بُت النسبية وادلطلقية ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،1980 ،ص 87
2نظر :زكي صليب زلمود ،قصة الفلسفة احلديثة ،جلنة التأليف والًتصبة والنشر ،القاىرة ،1936 ،ص .297
20
القصل األول :سياقات تمهيدية.................................المبحث الثاني:السياق الكرونولوجي
فاإلعًتاؼ بقيمة ىذا األخَت ،وبواق ع األمر اإللزامي ،ىذا يؤدي بنا اإلعًتاؼ بواقع احلريةػ ،فاحلرية ىي العلة الوجودية للقانوف
األخالقي ،وىو علة ادلعرفة « وىكذا تصبح األوامر األخالقية ادلطلقة شلكنة ،ألف فكرة احلرية ذبعلٍت عضوا يف عامل معقوؿ
»(.)1
ويقيم "كانط" األخالؽ أو الواجب على ثالثة مبادئ عقلية متكاملة وثابتة :وجود اهلل ،وخلود الروح واإلرادة احلرة ،ألنو ال
معٌت لسلوؾ خَت خَت من دوف األخذ أوال ،إلو حي مطلق يراقب األعماؿ ،وبدوف اإلدياف خبلود الروح اليت تستحق اجلزاء،
ودوف إرادة تتحمل عواقب أعماذلا عند اإلقتضاء.
وما حيدد ىذه اإلرادة اليت يقوـ عليها الواجب ليس أي مضموف بل ىو السَتورة اخلالصة للقانوف.
ولذلك فاألوامر نوعُت كما يالحظ "كانط" ،شرطية مقيدة و مطلقة قطعية ،فهي تلزـ ادلرء بإتباع وسائل ضرورية إلدراؾ
غايات منشودة كأف يقوؿ لو قائل « إذا أردت النجاح كن رلتهدا ،أما الثانية فهي مستقلة عن غاية كن رلتهدا ،وعليو فإف
القيمة توجد فقط عندما يفعل شخص عن إحساس »(.)2
فبهذا فالقيمة مستقلة عن الوجود ،والعقل العملي ىو الذي جيعل العقل األخالقي خاضعا لتشريع عاـ.
-4الفلسفة المعاصرة:
إذا كانت القيم يف الفلسفة احلديثة قد تباينت ،فإهنا عموما يف فلسفة ادلعاصرة تتأسس على الفردانية أي الذاتية ،وكذلك
على اإلرادة اإلنسانية فهي هبذا إرتبطت حبل مشكالت الواقع اإلنساين.
صلد ىذا األخَت يشَت يف فلسفتو إىل القيم اإلنسانية من أجل إثبات الوجود ،مكينونة اإلنساف حسبو تفرض على ىذا األخَت
ربمل مسؤوليتو يف اإلختيار ،ألنو كائن واعي بذاتو وما الذي حيدث يف العامل إمنا ىو ناتج عن أزمة يف القيم عربت عنو
1إمانواؿ كانت ،تأسيس ميتافيزيق األخالؽ ،ترصبة عبد الغفار مكاوي ،منشورات اجلنب ،أدلانيا ،ط ،2002 ،1ص .162
2برترند راسل ،تاريخ الفلسفة الغربية "الفلسفة احلديثة" ،ترصبة زلمد فتحي الشنيطي ،مطابع اذليئة ادلصرية العامة للكتاب ،اإلسكندرية،
،1988ص .323
21
القصل األول :سياقات تمهيدية.................................المبحث الثاني:السياق الكرونولوجي
أحداث العرب العادلية الثانية ،اليت إنتصرت فيها القيم ادلادية على القيم اإلنسانية ،وىذا ما دفعنا إىل إعادة اإلعتبار لإلنساف
من حيث ىو موجود وكذلك من حيث ربقيق ماىيتو.
وعليو "فسارتر" يؤكد على أف احلرية ىي األساس الوحيد للقيم ،ألف اإلنساف زلكوـ عليو باحلرية ويقوؿ يف ىذا السياؽ « إف
احلرية ىي األساس الوحيد للقيم ،وال يوجد شيء مطلقا يربر قبويل ذلذا السلم للقيم أو ذاؾ »(.)1
وبناءا على ىذا فإننا صلد "سارتر" يف تأسيسو للقيم متأثرا "ببوتاغورس" ،الذي ربط القيم بالذات ،غَت أف اإلختالؼ
احلاصل ىو أف ذات "سارتر" مشروطة بالوعي وباحلرية وادلسؤولية « فاإلنساف زلكوـ عليو باحلرية حيمل على كتفو عبء
العامل كلو ،فهو مسؤوؿ عن العامل ،ومسؤوؿ عن نفسو بإعتباره لونا من الوجود »(.)2
دبعٌت أهنا مرتبطة بعامل األشياء وعامل الذات ،اليت تسعى إىل ربقيق ماىيتها يف الوجود ،فالوجود عنده ىو الذات وىو وجود
اإلنساف ،وعليو فالوجود يسبق ادلاىية بالنسبة لإلنساف" ،فسارتر" من خالؿ ىذا حياوؿ أف يوصل فكرة ،وىي أف أحكامو ال
تقبل مراجعة سلطة أخرى ذلا ،ولكنها تقبل مراجعيت بإصدار أحكاـ جديدة ألف احلرية ىي األساس ادلطلق لكل ما يصدر
مٍت ،فالقيمة العليا ىي اليت ربكم وتصدر أو تقبل أو ترفض ،فاحلرية عند "سارتر" ىي كل شيء يف اإلنساف ألهنا حقيقة
فالوجود حسبو ينكشف لإلنساف من خالؿ الغثياف والقلق « ألف ادلوجودات البشرية وحدىا ىي اليت سبلك اخليارات ذات
ادلضامُت األخالقية »( .)3وعليو فلسفتو تتطلع إىل العقل والسعادة وادلطلق.
فالسَتة الفكرية الوجودية لسارتر كانت ذلا حدود إنسانية زلسوبة منذ بداية اإلنطالقة الفكرية فالوجود ىو أساس فلسفتو
بصفة عامة والفلسف لة األخالقية بصفو خاصة فهو يرى أف القيم اإلنسانية من صنع ىذا الوجود باعتباره جزءا من ىذا
الوجود,فماداـ اإلنساف مرتبط بالوجود,فال بد أف تكوف قيمو األخالقية ناذبة عن الوجود.
فسارتر يقف عند ىذا احلد,فهو ال يتجاوزه إىل أي دراسة ميتافيزيقية,باعتبار ادليتافيزيقا تفسَتا للوجود لذلك اقتصرت فلسفتو
على إقامة أنطلوجيا ال تقوـ على تفسَت سابق عليها.
22
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة .............المبحث األول :نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي
أفالطون:
«
لقد تابع أفالطون أستاذه سقراط ابستمولوجيا و أخالقيا ،ففي ادلعرفة فصل بُت ادلعرفة الظنية باحملسوسات و ادلاىيات
ادلفارقة للمادة "ادلثل" ،و من ىنا عد اخلَت أمسى ادلثل و ىو عنده مصدر الوجود و الكمال سلالفا بذلك سقراط إذ أنو جتاوز
ادلاىيات ادلتحققة يف ادلوجودات احملسوسة إىل ما مساه بادلثل».1
«
و ألفالطون دور كبَت يف إبطال اإلجتاه السوفسطائي الذي أقام األخالقية على الوجدان إذ إستهدف أفالطون جعل
القانون األخالقي عاما للناس يف كل عصر و عصر ،وال يتيسر ىذا إال بإقامتو على أمسى جانب مشًتك يف طبائع البشر و
نعٍت بو العقل ،وزاد خطوة عن موقف أستاذه اجتاه السوفسطائية ،فرأى أن الفعل اخللقي يتضمن جزاءه يف باطنو و أن
اإلنسان الفاضل يؤدي الفعل اخلَت لذاتو باعتباره غاية يف نفسو ،وأبطل بذلك ادلذىب السوفسطائي ،الذي وضع غاية
أخالقية خارجها ورىن اخلَتية باللذة اليت تنجم عنها».2
«
وأعترب أفالطون كأستاذه سقراط أن النفس أمسى من اجلسد ،فهي احلاصلة على الوجود احلقيقي وما وجود اجلسد إال
وجودا ثانويا وغَت مؤكد وىو الذي ػلمل قواىا الروحية النبيلة ويوجهها وجهة غَت أخالقية ،ألنو مصدر الشرور و األثام وذلذا
فإن النفس تشقى هبذا الوجود األرضي ،وتعود فتحاول اإلنطالق من زلبسها لتصعد إىل العامل ادلعقول».3
«
وكان خصما لدودا للسوفسطائيُت القائلُت باللذة وإن عالمة العدالة ىي سيادة األقوى وإذعان األضعف لو ،وإن اجلميع
يبتغون السعادة فال ضرورة للخضوع ألي قانون ،ألنو يكفي أن يتعهد اإلنسان يف نفسو أقوى الشهوات حىت تتحقق العدالة
و الفضيلة و السعادة ،إذ على الشخص أن يستخدم ذكاءه وشجاعتو إلرضاء شهوتو مهما بلغت من قوة».4
« ومنو نقول أن رد أفالطون يف أنو جاء بالشهوات ىو يف احلقيقة تعهد آالم يف النفس ،ال هتدأ فتصبح حياة الشهوات موتا
متكررا ،مثل ذلك األجرب الذي ال يفتأ ػلس حاجتو حلك جلده فيحك بقوة فتزيد قوتو ،و يقضي حاجتو يف ىذا العذاب.
بينما احلكيم ىو الذي يتقيد حبياة اإلعتدال ،و دلا كان إىتمام أفالطون بالفرد ككائن إجتماعي أيضا يعيشو يف ظل نظام
24
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة .............المبحث األول :نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي
سياسي معُت ،فإن األخالق إرتبطت عنده بالسياسة ،ولذا فإن احلكيم يف السياسة بوجو خاص غلب عليو اإلعتدال وضبط
شهواتو قبل حكمو على األخرين و إال فسد حالو وحاذلم».1
« وردا على حياة اللذة اليت تصورىا أتباع ادلذىب السوفسطائي ،فإن أفالطون يرى على العكس أن خفة اإلنفعال وضعف
اللذة و األمل ىي مسة احلياة الفاضلة ،وىي ألذ حياة ،بينما حياة الرذيلة ىي اليت تتسم باألمل الذي يغلب و يدوم».2
والفضائل عند أفالطون أربعة «،ثالثة منها تدبر قوى النفس وىي »:3
وقد رمز أفالطون بقوى النفس الثالث ،أي الغضبية و الشهوانية و العقلية بالعربة ذات اجلوادين فهما مبثابة القوتُت الغضبية
والشهوانية ،أما احلوذي الذي يشد أعنة اجلوادين فهو يرمز إىل القوة الناطقة.
«
فإذا ما حتققت الفضائل الثالث ،حتقق فيها التناسب و النظام و يسمي أفالطون حالة التناسب ىذه العدالة ،وىي
الفضيلة الرابعة ،وإذا كان على ادلستوى الفردي عند أفالطون ىو التوازن الصحيح بُت القوى الثالث ،فإنو يصبح إجتماعي
أداء الوظيفة ادلناسبة يف اجملتمع ،إن العدل واحلكمة علا الفضيلتان الرئيسيتان عند أفالطون ،وعلا مىت بلغا أمسى صورعلا،
تضمنت إحداعلا األخرى با لتبادل فالنفس احلكيمة ىي بالضرورة تلك اليت تعمل فيها كل القوى بإتساق و إنسجام وال
يكون عملها ىذا كامال ما مل تكن القوة الناطقة ادلهيمنة حكيما حقا».4
25
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة .............المبحث األول :نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي
«
وإذا ما حتققت التوازن أي "العدالة" بُت قوى النفس وفضائلها حتقق للنفس سعادهتا ،وىي حالة باطنية عقلية أخالقية
يظهر فيها فيل النفس وصحتها وسيطرة اجلزء اإلذلي فيها على الشهوات ورغبات اجلسد ،وىذا ىو الوضع الذي ينبغي أن
يكون عليو اإلنسان».1
«
إن أفالطون يؤكد أن الفضيلة أي"احلكمة" يكمن فيها خَت اإلنسان وسعادتو لبيان كذب السوفسطائيُت الذين ينادون
بطلب اللذة استجابة لنداء الطبيعية ،إن دليل كذهبم أن الطبيعة ال تدعو إىل أن يعمل اإلنسان على دمار نفسو وذلذا فهو ال
يكتفي بتفويض دعائم أرائهم بل يذىب إىل ضرورة فرض أنوع العقوبات على ادلنحرفُت إىل الرذيلة».2
«
يظهر تأثر افالطون بادلذىب الفيثاغوري يف تصورره للجسم بأنو مصدر شقاء النفس وأصل رتيع الشرور ،فهي سجن
النفس وما نعتو من اإلنطالق إىل العامل األعلى ،وال خالص ذلا إال بالتطهر واجملاىدة ،وىكذا تنتهي األخالق عنده إىل نوع
من الزىد و النسك».3
أوغسطين:
«
يعد ادلبدأ األخالقي القائم على ثنائية الروح و اجلسد ادلقوم األساسي يف تصورات أوغسطُت ،فرببطو اخلَت و الشر
باجلسد ،فقد فتح األفق أمام شلارسة مزدوجة ومنقسمة على ذاهتا ،حبيث أفضى ذلك يف هناية األمر إىل تقسيم العامل إىل
قسمُت متعارضُت ،قسم يستدم شرعيتو من الروح وآخر من اجلسد».4
« وىذان القسمان يقف وراءعلا نوعان من احلب ،حب الروح وحب اجلسد ،يقول أوغسطُت:حبان يصنعان دولتُت:حب
الذات لدرجة احتقار اهلل يصنع الدولة األرضية ،وحب اهلل لدرجة احتقار الذات يصنع ادلدينة ادلقدسة ،قانوهنا أبدي،
وزعيمها ادلسيح وىي تستميل كل ادلواطنُت من كل األمم وتشكل رلتمعا من ادلبعدين من الناس ،جلميع اللغات دون أن هتتم
باالختالفات ،اليت ؽلكن أن توجد بسبب األخالق أو العادات و القوانُت أو ادلؤسسات ،ىدفها حفظ السالم األرضي». 5
26
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة .............المبحث األول :نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي
ومن ىنا نقول أن قضية مدينة اهلل تثَت رلموعة من اإلشكاليات األخالقية والالىوتية ،وبناءا على تصورات أوغسطُت اليت
وردت يف الكتاب باالسم نفسو نرى أنو نظم العالقة يف العصور الوسطى بُت الكنيسة والدولة ،فذلك إظلا ألنو اعترب الكنيسة
ىي مدينة اهلل والدولة ىي مدينة األرض ،فالفصل إذ يقوم مبدأ أخالقي ادلبدأ القائل بثنائية اخلَت والشر.
«
البد أن دتثل دلدينة اخلَت ادلطلق مدينة اهلل ،البد أن تذوب رمزيا فيها ،وإال الشر سيظل قائما ،ألن حب اهلل يف خطر
وىذه احلجة مل تزل قائمة يف أذىان الكثَتين الرازحُت حتت ثقل الالىوت الديٍت الضيق يف كثَت من الديانات». 1
«
أراد أوغسطُت أن ينظم األسس األخالقية والنظرية للدفاع عن ادلسيحية ضد خصومها الوثنيُت وضد السلطات الدنيوية،
فأفضى ذلك إىل بناء قواعد الالىوت الكنسي ،ويقوم دفاعو على أنواع من اإلقرار بالتعارض الفعال بُت الروح واجلسد ،فيما
أن اإلنسان يتكون منهما ،كما ىو شائع يف الفكر القدًن ذي األسس الثنائية ،لذلك فإن االىتمام بالعنصر األول يقود إىل
شللكة نقية صافية و االىتمام بالعنصر الثاين سيؤدي إىل شللكة مدنسة باللذة وادلتعة». 2
ومن ىذا فإن صحت ىذه ادلقدمة النظرية ،وأخذ هبا كمسلمة فال بد كما ىو األمر يف حالة أوغسطُت من التسليم بأن
شللكة األرض ىي مواطن الشرور ،وأن شللكة السماء ىي احملضن احلقيقي للخَت ،واحلق والعدل والسالم ،ودلا كانت الكنيسة
ىي السلطة القيمة الشرعية على الروح ،وادلسؤولة عنها ،فهي مثال مدينة اهلل يف األرض ،وألن تاريخ الصراع اإلنساين
يكشف أنو تعارض بُت مبادئ أخالقية سامية ومتع دنيوية خاصة ،فإن الفوز يف هناية ادلطاف البد أن يكون لتلك ادلبادئ
اخلَتة ،البد أن تنتصر مدينة اهلل ،وذلك لن يكون إال عرب شلارسة قهرية دائمة دلتع النفس ولذاهتا وشرورىا وغاياهتا الذاتية،
ألن كل ذلك ىو الذي ؽلد ادلدينة األرضية قوهتا.
« ينبغي إذا قهر الذات دائما ،لكي تضعف ركائز مدينة األرض ،وبادلقابل غلب تغذية الروح لكي تتقوى ركائز مدينة اهلل،
ويعيد أوغسطُت تركيب التاريخ ،ليعثر على أمثلة توافق خالصاتو ،أقرب األمثلة لديو ىو صراع ادلسيحية مع الوثنية ،فمدينة
اهلل ىذه البد من تأصيل تارؼلها وحتديد مسؤولياهتا وتنظيم عالقاهتا وبعد ذلك تعميمها ظلوذجا عادليا شامال لكل األمم
والشعوب بزعامة ادلسيح الذي ىو نوع من عقل اهلل وكلمتو ،والن كل فعل عند أوغسطُت البد أن يكون خَتا أو شريرا،
وألنو ال ؽلكن أن يصدر شر عن خَت ،فمدينة اهلل ادلسيحية ادلتصلة باهلل عرب ادلسيح ال ؽلكن أن تعرف الشرور».3
27
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة .............المبحث األول :نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي
« إن مدينة اخلَت األبدية اليت وجدت ذلا دتثيال يف الكنيسة اليت كلما اتسعت فهذا يعٍت مشول العامل باخلَت ،بعبارة أخرى
بالكنيسة ؽلكن حتويل العامل إىل مدينة اهلل ،ىذا التسلسل القائم بادلبدأ األخالقي بوصفو مقدمة صحيحة ،سيؤدي إىل
التسليم بكل ما يتصل مبدينة اهلل ،وبادلقابل البد من إقصاء احملاوالت مهما كانت لظهور ادلدينة األرضية ادلعارضة ،ال ؽلكن
السماح أبدا يف ضوء ىذا ادلبدأ ألي فعل يهدف إىل إنشاء مدينة أخرى».1
ومنو نقول أن أوغسطُت يربط فكرة مدينة اهلل مببدأ أخالقي لو صلة مباشرة بثنائية اخلَت و الشر ،وىو اخلطيئة واخلالص،
ويذىب إىل أن آدم قبل السقوط كانت لو إرادة حرة وكان يف مستطاعو أن ؽلتنع عن اقًتاف اخلطيئة ،لكن عندما أكل
التفاحة ىو وحواء دخلهما الفساد الذي انتقل منهما إىل خلفهما كلية ومل يعد أحد من ىذا اخللف يستطيع بقوتو اخلاصة
أن ؽلتنع عن اخلطيئة ،فال سبيل أمام الناس إىل حياة الفضيلة إال برزتة اهلل ،ودلا كان البشر رتيعهم ورثو اخلطيئة عن آدم،
فقد خفت اللعنة األبدية عليهم ،ألن اجلميع حسب أوغسطُت أشرارا.
« لكن اهلل ؼلتار برزتتو فريقا شلن ناذلم التعميد ،فيذىب هبم إىل اجلنة ،وىؤالء ىم ادلرضي عنهم ،لكنهم ال يذىبون إىل اجلنة
ألهنم خَتون ،فأبناء آدم رتيعهم فاجرون واهلل وحده القادر أن يرفع الفجور عمن ؼلتاره لذلك إن الرزتة قاصرة على من
رضي اهلل عنهم ،وال ؽلكن العثور على علة خالص ىذا الفريق و لعنة ذاك ،فاألمر منوط باختيار إالىي زلض اللعنة برىان
على عدالة اهلل ،واخلالص برىان على رزتتو».2
ومنو نستخلص من ىذه الفكرة أن الشر وجد مبعصية آدم ،إذ تفرق الناس بعد ذلك إىل طوائف وقسموا إىل رلموعتُت:فئة
حتب ذاهتا إىل حد امتهان اهلل ،أي أهنا طورت حبا نرجسيا مرضيا مبالغا فيو ،كان نتيجة أدت إىل احتقار اهلل ،وفئة أخرى
انصرفت إىل حب اهلل إىل بلغت فيها أهنا احتقرت ذاهتا ،أفلحت يف أن تركب فضاء يناسب رؤيتها ونوع حبها ،فكانت
ادلدينة األرضية مدينة الدنس و الشرور واخلطايا ،فيما صلحت الثانية يف بناء مدينة مساوية مقدسة وطاىرة .
«
فنيتشو ػلاول من خالل ىذه القراءة ألفالطون و أوغسطُت أي الفلسفة اليونانية و ادلسيحية إنكار األخالق وذلك من
خالل إنكار البواعث األخالقية اليت يستخدمها الناس اليت تقف حقا وراء أفعاذلم ،على ىذا األساس صلده يقول":أنا إذن
28
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة .............المبحث األول :نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي
أنكر األخالق كما أنكر اخليمياء" ،فيعٍت هبذا اإلنكار ىو إنكار الفرضيات اليت ارتكزوا عليها و آمنوا هبا ،كما أنكر الال
أخالقية».1
« فاألخالق إذن منافية للطبيعة ومتعارضة مع الواقع ،مضادة للحقيقة الفعلية ومن أجل ىذا البد من القضاء عليها وحتطيم
قيمها ادلتواضع عليها و ىذا ما يسمى بالالأخالقية عند نيتشو أو ال أخالقية نيتشو فهو يود من ىذا أن نغَت طريقتنا يف
النظر إىل األمور لنتوصل يف هناية ادلطاف ،و رمبا يف مرحلة متأخرة جدا إىل يف الشعور».2
« يرى نيتشو أن نظرية أفالطون يف األخالق جتمع عناصر سقراطية ،فهو ال ؽلثل ظلوذجا صافيا ،وحىت يف شخصيتو تتداخل
اخلطوط ادلميزة دلسافة ىَتاقليطس ادللكية ،إن أفالطون يتسم بكونو أول اذلجناء الكبار ،وىذا مدون يف شخصيتو كما يف
فلسفتو». 3
« وىنا يتجسد إضلراف الفكر الذي مل ؽلل شوبنهاور من صب لعناتو و غضبو عليو فلسفة جترؤ على وضع األخالق نفسها
يف عامل الظواىر وليس فقط ضمن الظواىر بالتقليل من شأهنا بل كذلك ضمن األوىام ادلعتربة».4
« يف حُت أنو كذلك إعًتض نيتشو على ادلسيحية ،ألهنا ىي السبب دلا أمساه أخالق العبيد ،وعنده ادلسيحية منحلة ومفعمة
بالعناصر ادلفسدة والعفنة ،ومنكرة لقيمة الكربياء واإلختالف وادلسؤولية العظمى والنزعة احليوانية الرائعة ،وغرائز احلرب وتأيل
العاطفة و الثأر والغضب والشهوانية وادلغامرة،كلها عناصر خَت تقول عنها ادلسيحية إهنا شر».5
« لقد كانت ادلسيحية منذ بدايتها ،بشكل جذري وقاطع امشئزاز من احلياة و ضجرا منها ،وإن كانت قد أخفت ذلك و
زبنتو بزينة اإلؽلان حبياة أخرى.حبياة أفضل ،كراىية الدنيا ،وصب اللعنة ،على األحاسيس واخلوف من اجلمال ،إن رغبة
29
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة .............المبحث األول :نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي
ادلسيحية ادلطلقة يف اإلعًتاف بالقيم األخالقية فقط ،على أنو أخطر شكل من أشكال إرادة االضلطاط ادلمكنة وأكثر
إقالقا».1
« إن احلملة اليت شنها نيتشو على ادلسيحية ،ىي أعتق زتلة يف تاريخ ادلسيحية كلو وال يعادذلا عنفا وضرورة ،ومن ىجومو
على ادلسيحية توسع نيتشو ليشمل روح األديان رتيعا ،وأصنام العصر بكافة أشكاذلا وأصنافها ،والقيم وادلثل العليا السائدة
بكل تياراهتا واجتاىاهتا ،فلم يسلم من معقول ىدمو شيء ،ومل يفلت من مطرقة فحطيمو مذىب أو نظام أخالقي دون أن
يعرف يف ىذه العملية رزتة أو مهادنة».2
« ويعيب نيتشو على األخالق ادلسيحية ،أهنا حطمت كل فكرة من جتاوز اإلنسان لذاتو ،أي وضعتو يف راحة داخلية ،رضى
عن نفسو كلها تعد بالنسبة للعظمة اإلنسانية أسوء أنواع تنازل اإلنسان عن حقوقو ،إذ ال وجود للعظمة إال يف احلرية اليت
يبٍت هبا اإلنسان لنفسو مصَتا جديرا بو».3
الدين:
« لقد كان نيتشو ينتقد القيم الدينية ،كما تظهر لو يف النصرانية اليت كان كرىو ذلا شديدا ،ألهنا يف نظره أسوأ اإلغراءات و
األكاذيب ،وألهنا اجلرؽلة الرئيسية ضد احلياة ،إهنا قيم تتجاىل الطبيعة ،وتنكر القيم احلقيقية كلها ،ولذلك فرسوذلا دجال يف
نظره ،وقساوستها مضللون ،وأما اهلل ففرض ختميٍت ،إن اإلرادة تعتق ولقد أبعدتٍت عن اهلل واآلذلة ،ألنو ال ؽلكن خلق شيء
لو كانت آذلة ،ولو كانت آذلة فكيف أحتمل أن ال أكون إلو؟ إذن ،إنو ال توجد آذلة».4
«
إن الفضائل الدينية ىي فضائل قوة وليست فضائل ضعف ،فحب اآلخرين والعفو عن األعداء ورفض العنف صفات
تدعوا إليها أخالقيات تزين عموم الناس فالقسوة والكربياء الوقحة واألنانية وتقديس القوة ،كره الضعفاء غايات ال تشرف
اإلنسان ،وذلذا نرى نيتشو يهدم أكثر شلا يبٍت حُت يدعو إليها ».5
30
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة .............المبحث األول :نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي
إن نيتشو ال يؤمن باهلل ويعتربه فرضا ولكنو ال يؤمن أيضا باحلقيقة ألن اإلؽلان باحلقيقة ينهار ويزول إذا اختل اإلؽلان باهلل فاهلل
الصادق ،كما يقول ديكارت :ىو الذي ؽلنح احلقيقة معناىا ،وغلعل البحث عنها مشروعا فاتنا على الرغم شلا نتكبده فيو
من متاعب ألنو مشروع يقربنا منو و يغنينا ويثري وجودنا ،مبا أن نيتشو ينكر وجود اهلل ،ففلسفتو فيما يتعلق باحلقيقة ال
ؽلكن أن تكون سوى نسبية أو بررتاتية خالصة تقربو من السوفسطائيُت اليونانيُت وال سيما بروتاغوراس .
« إن نيتشو ينكر ادلعتقدات الدينية رتيعا ،باسم الفلسفة التارؼلية اليت تفسر مظاىر الروح الدينية من عقائد وأساطَت على أهنا
من نتاج الظروف البيولوجية و االجتماعية والنفسية اليت يتم فيها التطور التارؼلي وليست ىناك يف رلال ىذه النظرة حقيقة
مطلقة ألن كل شيء مرده بصورة تامة ودون أي باقي إىل ظروف إنسانية تصنع حدا لكل إدعاء بادلوضوعية ،وىكذا ينهار
ادلطلق عند نيتشو بصورة أساسية وحامسة ،وهتبط احلقيقة من مساءىا ادليتافيزيقية وادلنطقية لتتخذ مكاهنا يف الصعيد النفسي
واألخالقي».1
«
ويفهم نيتشو العقلية الدينية على أهنا نقيض العقلية العلمية ،فاألوىل تفسر كل شيء من خالل قوى وإرادات واعية،
والثانية كل شيء طبيعيا ،أي على ضلو مستمد من منطق احلوادث ذاهتا,ال من تشبيو حوادث الطبيعة مبا غلري داخل الذات
اإلنسانية الواعية ،وهبذا ينظر نيتشو إىل األلوىية بوصفها عقبة حتول دون توكيد اإلنسان لذاتو ،ومن مث فإنو يسعى إىل إعادة
الثقة لإلنسان ».2
إن مبادئ الدين واألخالق التقليدية مبادئ ال تدحض ،ألهنا تطلب من كل إنسان جتاوزا لذاتو وتدعوه إىل أن يصَت إنسانا
أعلى بوعيو دلسؤولياتو ،فاألخالق التقليدية دؽلقراطية ،ولكنها تدعوا كل إنسان إىل األستقراطية الروحية ،ولذلك فهي ادلدخل
احلقيقي إىل حياة العظمة.
يقول نيتشو" «:يسيء الراىب استعمال اسم اهلل ،فهو يسمي سيادة اهلل احلالة اليت يكون فيها الراىب ،ىو الذي يصنع القيم
ويثبتها" ،وىذا معٌت كون األخالق سوء تفاىم ، un malentenduوإذا كان من الالزم عدم تصديق الداعية األخالقي
وعدم أخذ ما يقولو يف حرفيتو ،فألن األخالق ال توجد إال على مستوى الكالم ،ىي تضليل مضاعف ،أي تضليل اآلخر
وتضليل الذات وتأويل مزيف للواقع ،ذلذا يستعمل نيتشو الفيلولوجيا إلضعاف اإلنكار الذي دتثلو األخالق كخطاب
1كامل فؤاد ،أعالم الفكر الفلسفي ادلعاصر ،دار اجليل ،بَتوت ،لبنان ،ط،9993 ،9493 ،9ص.987
31
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة .............المبحث األول :نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي
كاذب ،مبا ىي قول"ال" للحياة وإنكار للغرائز واجلسد ،وىذا اإلنكار واقع احلياة ،الذي ىو يف حقيقتو إشباع ملتو ومكتوم
لدوافع غَت معلنة ».1
«
يتدخل مستوى اللغة أيضا ،فيجعل من األخالق خطابا لإلنكار ،ذلك ألن الغريزة ال للعقل ىي اليت تنكر احلياة لكي
تكتمل وتتحقق اكتمال وحتققها ،فما يدفع رجا ل األخالق ليست ىي غرائز األخالق ،ألن ىذه غَت موجودة أصال ،بل
غرائز حياة منحطة دتت تررتتها إىل صيغ أخالقية ،ىكذا يتم يف خطاب األخالق إنكار للرغبة ادلتحققة ،فتبدو األخالق يف
الوقت ذاتو كتربير ،إن األخالق كتأويل مزيف وكتسمية مقلوبة ،تتشكل كعملية للًترتة ،وكل تررتة ».2
ومنو نقول أن كل تررتة تنطوي يف نظر نيتشو على نوع من اخليانة دلوضوعها ،فاخلطاب األخالقي يف نظر نيتشو أو كما ػللو
لنيتشو تسميتو باخلطاب ادلنحط ،décadentبقلب أمساء األقوياء ويزيفها وذلذا فهو مبثابة تررتة خائنة مبا ىي غَت سللصة
لنص الواقع.
«كما تناول نيتشو أيضا قضية "موت اإللو" ،قد يظن ادلرء يف بادئ األمر أن قضية "موت اإللو"ىي قضية مألوفة ،حيث
يذىب ادلسيحيون احملافظون إىل أن عدم وجود إلو يعٍت ضرورة غياب القيم األخالقية اجملردة ،ويرد معتنقو الفلسفة اإلنسانية
العلمانية باستياء زاعمُت أن وجود إلو ليس لو أي عالقة مبدى صحة األحكام األخالقية اليت نتخذىا ،يتفق نيتشو مع
ادلؤمنُت بوجود إلو يف زعمهم أن موت اإللو عالمة على هناية التجرد كسمة للقيم األخالقية ،ولكن ؼلتلف معهم من خالل
رفضو اختاذ ذلك سببا لإلؽلان بوجود إلو ».3
« إن "موت اإللو" ،ىو رليء العدمية ،وتعٍت أن القيم العليا قد انتفضت قيمتها ،وأنو مل يعد ذتة جواب على السؤال دلاذا؟
كما تعٍت فقد التفسَت األخالقي و األنطولوجي للوجود يف ادليتافيزيقا الغربية قوتو ادللزمة ،وعلى ذلك فال نعٍت كلمة
"اإللو"قوة دينية على اإلطالق وإظلا يشَت قناع كلمة"اإللو" إىل العالقة بُت الفكرة األنطولوجية وادلثل األخالقي األعلى،
فنيتشو يتحدث عن إلو الفالسفة ،وكفاحو موجو ضد أنطولوجية أخالقية ،ويبدو أن ىدفو ىو قلب القيم "األنطولوجية
التقليدية" وحترير ادلوجود من األنطولوجية األخالقية ».4
1أندلسي زلمد ،نيتشو وسياسة الفلسفة ،دار توبقال للنشر ،ادلغرب ،ط ،2006 ،9ص.955
2ادلرجع نفسو ،ص .956
3د.صفاء عبد السالم علي جعفر ،زلاولة جديدة لقراءة فريدريك نيتشو ،دار ادلعرفة اجلامعية ،اإلسكندرية ،2009 ،ص.452
4ادلرجع نفسو ،ص.453
32
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة .............المبحث األول :نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي
يدعو نيتشو إىل براءة جديدة يف احلياة وإىل إعادة تقوًن القيم ،إذا كانت األخالقية التقليدية تعادي احلياة ،فإن اخلروج عليها
أو الالأخالقية ىي السبيل إىل حتقيق أعظم قوة لإلنسانية ،وال يعٍت اخلروج عن األخالق نيتشو سوى العثور على معٌت آجر
جديد لألخالق يفوق ادلعٌت القدًن ويعلو عليو ،فيضع اإلنسان األعلى تقوؽلا جديدا يعلو على التقوؽلات ادلوروثة ،ويصبح
العلو فوق "الشفقة" من أىم مساتو.
فهذه القراءة الفلسفية لنيتشو ىي زلاولة لتقوًن وقراءة تاريخ الفلسفة قراءة قيمية ,فهو يرى أن الفعل ىو الذي ؼللق لنا
القيمة,فهو من خالل ىذه القراءة ػلاول ان يعطي حلياة اإلنسان معٌت وذلك من خالل تقوًن القيم وجتاوزىا,حبيث أن احلياة
الروحانية تتجاوز احلياة الطبيعية.
لذا يعترب مذىب إرادة القوة عند نيتشو ىو يف حد ذاتو جتاوز أكسيولوجي,وىذا من منطلق ان اإلنسان ىو يف حد ذاتو يقوم
فاختذ للفعل القيمي صورا عدة.
فنيتشو من خالل ىذا التجاوز ػلاول التحرر من الالىوت واإلنفصال عن الًتاث القيمي والالىويت ادلسيحي.
فدفع نيتشو من خالل موقفو العدائي من القيم التقليدية أي القيم الدينية اليهوديةو ادلسيحية,للتساؤل والبحث من جديد
عن األساس احلقيقي الذي ػلب ان يسند إليو القيم,بل اراد أن ػلطم بنيان كل القيم ادلتعارف عليها حىت يف زمنو ,وذلك
من خالل فتح اجملال أمام النذر و التجديد ,وىذا ما أراد أن ؼلربنا بو نيتشو يف كتابو "ما وراء اخلَت و الشر " ,من خالل
إعادة طرح و صياغة موضوع القيم,فادلشكل مل يطرح من قبل,لقد كنا سباقُت إىل إدراكو ,وإىل تقريره ولدينا الشجاعة
دلعاجلتو ألن ذتة سلاطر تًتصد عملنا ,و رمبا ال توجد سلاطر أكثر من تلك(.)1
فهذا ىو ادلنطلق الذي عمل بو نيتشو,وذلك باحلفر و التنقيب و إعادة الًتتيب ,فعلى ىذا األساس دعا اإلنسان إىل
التساؤل من حُت إىل آخر عن سبب وجوده,ألن اإلنسان ال يتطور إال بثقة مرحلية يف احلياة.
فإستشكال نيتشو للقيم مرتبط ببحثو عن احلقيقة اليت يراىا موضوعا للمعرفة اليت تستند إىل علم التاريخ و علم النفس وتارة
أخرى إىل فقو اللغة.
فهذا احلفر و إعادة التقوًن كان يريد منو نيتشو تشييد لوحة قيم تستند أن تكون لكل إنسان و للمتفوقُت خاصة.
1نيتشو,ما وراء اخلَت و الشر,تر,:ادلؤسسة الوطنية لإلتصال و النشر واإلشهار,لبنان ,ط ,2003 ,9ص.92-99
33
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ..... ........................المبحث الثاني :اإلنسان ،القيم.
مبا أن القوة ليست ىي البنية الوحيدة لألخالق ،فعلى اإلنسان أن يتجو إىل البحث عن أفضل وأقوى األفراد وىذا من أجل
النهوض باإلنسانية للوصول إىل اإلنسان األعلى ،وذلك عن طريق حتسُت النوع ورفع قوتو وقدرتو فإذا أردنا حسب "نيتشو"
أن طللق اإلنسان األعلى ،فعلينا أن نشرف على الًتبية وأن ال ندع األمر يف يد الطبيعة أي الفوضى ،ألن طبيعة احلياة
تعارض أفذاذ الرجال وىي أقسى ما تكون على أفضل األفراد.
«
وأن يتخذ لنفسو ىدفا شاقا وكبَتا يتناىف مع أىداف اآلخرين ،وذلك عن طريق سلك كل ادلخاطر يف سبيل الوصول إىل
ىدفو ،ىذا ىو اذلدف األمسى لبلوغ النبل والوصول إىل مرتبة اإلنسان األعلى »(.)1
فاإلنسان األعلى الذي رمسو "نيتشو" البد أن يكون مستندا إىل منطق القوة ،ألن ليس ىناك شيء يف احلياة ذو قيمة وأمسى
ما عدا القوة ،لذلك صلده ؽلجد ذلك اإلنسان األعلى الذي ىو بالنسبة لو ىو الذي تصدر رتيع أفعالو عن إرادة القوة.
«
فلذا دعا على لسان "زرادشت" إىل سيادة السوبرمان وصوره يف صورة أشبو بنصف إاله يعيش على األرض ،وحاول أن
ؼللق السوبرمان من أروع صفات اإلنسان »(.)2
فمحور الدائرة يف فلسفة "نيتشو" ىو إغلاد إنسان يتفوق على اإلنسانية ،لذلك تراه يهزأ من رتيع األفراد الذين عهدىم
الت اريخ عظماء ،ألن العظماء حبسب "نيتشو" مل يولد بعد ،وأنو ال يوجد رجل يف ىذا الزمان يتفوق على ذاتو ،فما بوسع
الناس إال أن يتشوقوا إىل إخراج ىذا اإلنسان من ساللتهم يف األزمان ادلستقبلية.
فاإلنسان األعلى أو ادلتفوق ىو الذي يتميز بصفات مل تظهر ومل توجد على األرض بعد ،ألن يوم الظهور مل يزل بعيدا،
وليس نوعا إنسانيا جديدا «،فادلتفوق ليس زلصورا بعرق معُت ،فكل إنسان يف نظره مدعو إىل ختطي ذاتو والتفوق ،ولن
يكون ىذا التفوق إمرأة بإعتبارىا ال تصلح للسياسة ولن تساوي الرجل ،فهو وحيد وىو ىدف البشرية وحلمها السعيد ،وىو
1ديورانت ويل ،قصة الفلسفة من أفالطون إىل جون ديوي ،تررتة فتح اهلل زلمد ادلشعشع ،مكتبة ادلعارف ،بَتوت ،ط ،9972 ،2ص
.592
2نصر زلمد عبد ادلعز ،يف النظريات والنظم السياسية ،دار ابلنهضة العربية للطباعة والنشر ،ص .923
34
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ..... ........................المبحث الثاني :اإلنسان ،القيم.
ويضيف أيضا أنو من السخيف السماح ألفذاذ الرجال الزواج من اخلادمات واخلياطات ونساء األزياء عن طريق احلب ،ألن
"شوبنهاور" كان على خطأ حُت ظن أن احلب عامل من عوامل حتسُت النسل ،فاحلب يعمي البصَتة ويفقد احلكمة،
فلنًتكو دلثالة الرجال ،وأن يتزوج خَت الرجال خَت النساء.
فهو هبذا يفرض على الناس القيم فرضا ،وما عليهم إال طاعتو ،فهو ادلشرع أو السيد ،وىو إنسان يفرض قيمو وإرادتو بالقوة.
فاإلنسان األعلى أو السوبرمان ىو الذي يعلن موت اهلل ،ويرفض كل عامل خفي ،ليحتفظ بالعامل الدنيوي وباحلياة « ،فخلق
القيم يصدر يف ىذا العامل ،وينتهي ألجلو وألجل احلياة اإلنسانية »( ،)2فهو هبذا يقول نعم لكل الوجود ألنو يتحكم
بادلوجود ،وػلقق حريتو من خالل ىذا الوجود.
وىذا إن دل إظلا يدل على دتسكو باألرض والوفاء ذلا ،وىذا ما أراده "نيتشو" وذلك إنطالقا شلا عرب عنو على لسان
"زرادشت" من خالل خطبو.
وأىم ادليزات اليت يتميز هبا اإلنسان األعلى حسب "نيتشو" ىو التحلي أو الشعور بادلسؤولية أمام نفسو واآلخرين ،وذلك
إنطالقا من قوتو اليت تشجعو على القيام باألعمال وادلخاطر من أجل اإلرتقاء باحلياة والسَت يف طريق العالء والتقدم هبا ،ألن
كل األعمال من شأهنا أن تتكرر مرات ومرات ،كما أهنا تعود .ذلك شلا غلعلو يتحمل نظرية العود األبدي ،ألهنا من واجبو
ضلو احلياة ،كما أنو يتمتع بالصحة والثراء ،كما يتصف أيضا بالكربياء وىو الشعور بأن لو احلق يف حتديد قيمو ،فهو الذي
يعرف بأن األشياء حظيت بالشرف والقيمة ،وىو الذي ال ؼلتار لنفسو حياة الراحة واذلدوء والسالم ،فهو الذي يعيش حياة
احلرب والعدوان.
1قمَت يوحٌت ،نيتشو النيب ادلتفوق ،منشورات دار ادلشرق ،بَتوت ،دون ط ،9985 ،ص .23
2بييار ىرب سوفرين ،زراديشت نيتشو ،تررتة أسامة احلاج ،ادلؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بَتوت ،9994 ،ص .82
35
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ..... ........................المبحث الثاني :اإلنسان ،القيم.
"فنيتشو" من خالل ىذا اإلنسان يشرع قيم جديدة ،ويعلو مبستوى اإلنسانية ويرتقي هبا إىل « خلق نوع جديد ليس من
اإلنسانية ،وإظلا شلن ىو فوق اإلنسانية »( ، )1ليبدع منو إنسان مستقبل ،وغلعلو مشروع احلفاظ على األرض واإلرتقاء
باإلنسان.
فهو الذي « ؽلكن إستالده وؽلثل معٌت القيمة بالنسبة إىل اآلخرين يف نفس الوقت »( ،)2فهذا النوع من اإلنسانية يف نظر
"نيتشو" قد ظهر يف ادلاضي كحدث سعيد ،عكس احليوان اإلنساين ادلريض ادلسيحي الذي نشأ عن الفزع والقلق واخلوف.
فاإلنسان األعلى ليس حيوان أعلى أو وحش ،وإظلا ىو ادلفكر الذي يقاوم العدمية ،وخالق القيم اجلديدة والذي تتحكم فيو
القوة اخلالقة يف الطبيعة اإلنسانية ،فهو صاحب الروح احلرة ،فهو الذي ال يستبعد اإلحتماالت وباب اإلمكان موجود دائما
فهو الطفل الالعب.
"فنيتشو" من خالل ىذا ػلاول إعطاء القيم تراتيب جديدة ،والقيام بتحويل جذري ذلا ،وذلك إنطالقا من والدة إنسان
جديد وىو اإلنسان األمسى الذي يويل لقيم احلياة أعلية كبَتة ،فهو يستبدل القيم اإلالىية بقيم إنسانية من صنع اإلنسان
وإنتاجو.
فلبناء سلم القيم غلب اإلنتقال من العدمية السلبية إىل العدمية الفاعلة واليت غايتها اإلنسان األعلى ،الذي يرى أن ىذا
العامل مبٍت على حاجاتو النفسية اخلاصة ناتج عن إرادة ال تغادر ىذا األرض وىي يف صلة هبذا الزمن ،اليت تستبدل األخالق
القدؽلة ،بقيم جديدة واليت ىي من صنع الفاعل البشري اجلديد.
« "فنيتشو" ػلتار للتبشَت بنموذج اإلنسان األعلى النيب "زرادشت" لكن مبنطلق ؼلالف دتاما تعاليم "زرادشت" التارؼلي ،ىذا
التبشَت يأيت مقرونا بالعودة األبدية وإرادة القوة ،وذلك للصلة الوطيدة »(.)3
إذن ىذا اللفظ الذي عرب عنو "نيتشو" أي اإلنسان األعلى ليس باجلديد ،فهو موجود قبلو يف كتابات الساخرين اليونان،
"فنيتشو" يلجأ إىل "زرادشت" كرمز أو قناع لو ،لتخطي اإلنسان احلديث الذي روضتو الكنيسة وحطمت إرادتو وقوتو ،واليت
كانت أخالقو تتناىف دتاما مع غرائز احلياة ،لذلك أراد أن يشرع قيم جديدة اليت ظلوذجها اإلنسان األعلى الذي ىو يف صلة
مع األرض.
1بدوي عبد الرزتان ،خالصة الفكر األوريب ،وكالة ادلطبوعات ،الكويت ،ط ،9985 ،5ص.623
2صفا عبد السالم علي جعفر ،زلاولة جديدة لقراءة فريديريش نيتشو ،ادلرجع السابق,ص.994
3عبد الرزاق بلعقروز ،نيتشو ومهمة الفلسفة ،الدار العربية لعلوم الناشرون ،اجلزائر ،ط ،2090 ،9ص .207
36
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ..... ........................المبحث الثاني :اإلنسان ،القيم.
«
"فنيتشو" حُت ربط اإلنسان األعلى بإنسان التطورية الداروينية ليس على سبيل التطابق ،بل بإعتبار اإلنسان األعلى ىو
إنسان ولده مفعول التطور واإلنتخاب الطبيعي القائم على أساس الصدفة والتحول التلقائي »( ،)1فاذلدف احلقيقي من ىذا
الربط ليس الوقوف عند إنسان الداروينية ،بل كرمز غايتو تكريس الًتاتب اإلجتماعي ،ألن مقياس القيمة الوحيد ىو إرادة
القوة ،كما يرى أيضا أنو يف حتدي دائم مع النفس البشرية وزلاولة اإلرتقاء هبا ،فهو يف تعارض دائم مع اإلنسان احلديث
ألنو يتقيد باألخالق ادلورثة « اليت سجنتو بُت قضبان أفكار فضيعة ،فإمتأل حقدا على غرائز احلياة »( ،)2واليت امتثل ذلا
باإلضافة إىل تعارضو مع معايَت تقوًن اخلَت والشر.
فهو العقل احلر الذي يفرض ذاتو وأنانيتو ،وال أخالق لو إال اليت ختدم حاجاتو ومتطلباتو.
أما فيما ؼلص زلت قري اجلسد فَتى أهنم ساخطون على األرض واحلياة ،ألهنم ضعفاء ومرضى وؽلتازون باجلهل و بضعف
اإلرادة ألن ىذا النقص يدفع هبم إىل البحث عن السعادة ،فيصبح العقل مصدر احلقيقة والقيم ،وأداة اإلنسان للتحرر من
العامل احملسوس ،غَت أن ىذا عند "نيتشو" ىو داللة على اإلضلطاط.
ىذا ما دفعو إىل تقديس اجلسد ،ألنو صوت األقوياء ذو اجلسد السليم وادلعاىف ،ألهنم يتمتعون بإرادة القوة بإعتبارىا أساس
احلياة ،وبقدرات اجلسد ألهنم األكثر صدق وصفاء ،فهو مصدر القيم واإلرادة واإلبداع ،فالسوبرمان يثبت مصَت إىل األبد،
مادامت احلياة تعود كل يوم فهي ال متناىية.
«
فالغاية من اإلنسانية إذا ىي خلق ىذا اإلنسان األعلى ومن أجل ىذا كان البد للقيم اجلديدة اليت نضعها أن تكون عاملة
على إغلاد ىذا النوع »(.)3
«
"فنيتشو" يعلي من شأن الفرد الذي ال يضع نفسو يف خدمة أىداف ال شخصية ،وإظلا يرى ىدف ومعٌت وجوده يف ذاتو
»(.)4
فقيمو وفضائلو تنبعث من ذاتو ،وعزه وسلطانو علا منطلق صراعو ،فهذا ىو اإلنسان الذي يصنعو "نيتشو" والذي يكيفو
حسب إرادة قوانُت الطبيعة ،فهو سيد وخالق فضائلو.
37
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ..... ........................المبحث الثاني :اإلنسان ،القيم.
فعلى العقل اإلنساين أن غلتاز ثالث حتوالت كي يتمكن من اإللتقاء مع ذاتو »( ،)1وىي رموز التحزل تتجسد يف «
التحوالت الثالثة أي حتول الفكر ،كيف حتول رتال واجلمل أسدا واألسد يف النهاية طفال ،فاجلمل ىو الوجود حسب منظور
العظمة وىو اإلنسان التكرًن العظيم ،والذي ينحي أمام سلطان إاله أمام تفوق القانون األخالقي ،وىو إنسان غلسد وػلمل
زتلو الكبَت طائعا لذا يقول "نيتشو" «:يفتش العقل السليم على أثقل األزتال ،فينسخ كاجلمل ظهره متوقعا رفع خَت زتل
إليو ،إن العقل السليم ينادي األبطال قائال :أي زتل ىو الثقل ألرفعو فتغبط »( ،)2ىذا ىو اإلنسان الواقع حتت وطأة
التعايل ،ىو إنسان ادلثالية ويريد أن يطبق وصايا ثقيلة قاسية.
« ا إلنسان شيء البد جتاوزه ،لعل ىذه العبارة ىي األكثر ترديدا عند نيتشو وىي الفكرة ادلركزية يف فلسفتو ،وىذا ما جعلو
يتطلع إىل تلك ادلفاىيم اليت تعرب عن الفلسفة اإلنسانية ،لكن بأدوات ميزتو عن سلفو وخلفو شلن تعاطوا مع اإلنسان
وفلسفتو ،وإن أىم ما ميز نيتشو ىو رفض التعاطي باإلنسان ومعو على قاعدة القيم واألخالق التقليدية ،بل جتاوز ذلك إىل
إبداع مصفوفة أخالقية خاصة بو ،فاإلنسان ال بد من جتاوزه ىو إنسان القيم البالية,إنسان ادليتافيزيقية والالعقالنية وعلى
ىذا اإلنسان استندت فلسفتو على قلب القيم»).)3
وهبذا نقول أنو ال يع ٍت إحالل السالب عوضا عن ادلوجب أو العكس ,يعٍت صراحة ىدم األصنام و عقلنة األخالق ،كي
تكون أخالق خارجة ومرتبطة عن ىذا اإلنسان و بو وعلى ىذا األساس أسقط نيتشو مفاىيم عديدة من فلسفتو بشكل
عام ،وما ؼلص اإلنسان واإلنسانية بشكل خاص ،ومن ىذه ادلفاىيم:اهلل ،الروح ،الفضيلة ،احلقيقة ،وغَتىا كي ؼلتزل
ادلفاىيم احملددة ذلذا اإلنسان ذاتو.
«
يبتدئ نيتشو فلسفتو حول اإلنسان ،وهبذه اإلشكالية أيضا يكون قد المس اجلانب اإلبداعي يف فن حفظ الذات ،فن
إيثار النفس ،وبالتايل فإن اخلطر يكمن يف تعرف ادلرء على ذاتو بالنظر إىل تلك ادل همة أن يصبح ادلرء (ما ىو) يفًتض أن
يكون لديو أدىن دراية ب(ما ىو) ،ومن وجهة النظر ىذه تغدوا حىت األعمال الغَت صائبة اليت حتدث يف احلياة ذات معٌت و
قيمة ،وكذلك ال يعترب نيتشو ىؤالء ادلزعومُت والذين ساعلوا ومازالوا يساعلون بسنن األخالق والقيم احملددة لإلنسان ،حىت
38
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ..... ........................المبحث الثاني :اإلنسان ،القيم.
يف عداد البشر ،فيقول:فهم يف نظري نفايات البشرية ،ونتاج للمرض وغرائز االنتقام ،إهنم كائنات فضيعة ومضرة وغَت قابلة
يف جوىرىا للعالج ،غايتها االنتقام من احلياة ».1
ويطالب نيتشو نفسو بأن يكون نقيضا ذلذا النوع ،وأنو رغم اعتدالو يف بعض األوقات,حسب تعبَته ،إال أن ذلك أنتج منو
كائنا ؼلطر من األمراض و يف ىذا يقول:عبثا سيحاول أي كان أن يستنشق لدي أثر للتعصب ،كما أن يعثر ادلرء لدي على
شيء من ىيئات الغرور أو االنتفاخ احلماسي فالتفخيم الذي يضفى على اذليأة ال ينتمي حبال إىل العظمة ،ومن كان حباجة
إىل اختاذ ىيأة فهو مزيف.
« فنيتشو مل يعرف يف شلارستو للمهمات الصعبة من طريقة أخرى غَت اللعب وبأقل تكلف وببسمة غَت متجهمة و دون نربة
شديدة يف احللق ».2
«
واإلنسان احلق عند نيتشو ىو ذاك اإلنسان الذي ال يدعو إىل العفة ،فالعفة حسب وصفو حتريض عمومي معاكس
للطبيعة،كما اعترب حتقَت احلياة اجلنسية ،ارتباط ىذه احلياة بفكرة "الدنس" ىي جرؽلة يف حق احلياة ،وإذا ما اعتربت خطيئة
من قبل ادلثاليُت فاخلطيئة عند نيتشو ىي ادلثالية ذاهتا ،فاإلنسان ىو اإلنسان احلر و اإلنسان احلر ىو من ؽللك عقال حرا،
أي عقال زلرر استعاد دتلكو بذاتو,ومنو فاإلنسان ادلستقيم ىو اإلنسان الذي يعي نفسو كنقيض ألكاذيب أالف السنُت،
وليس من اليسَت الوصول ذلذه اإلستقامة ».3
ومن ىذا نقول أن اإلنسان األرقى عند نيتشو ىو اإلنسان الذي ؽلثل الواقع كما ىو وؽلتلك ما يكفي القوة ذلذا الغرض،
اإلنسان األرقى ليس غريبا عن ىذا الواقع وليس بعيدا عنو ىو ذاتو ،وىو مزال ػلمل بداخلو كل فضاعاتو و إشكاالتو،
فبهذه الكيفية فقط ؽلكن لإلنسان أن يكون عظمة ،واإلنسان األكثر حقارة ىو ذاك الذي مل يعد قادرا على احتقار نفسو
واألزتق ىو الذي ما يزال متعثرا يف حجر أو بشر ،واإلنسان القادر على العطاء ىو الذي مازال ػلمل شيئا من الفوضى .
«
يرى نيتشو أن اإلؽلان ليس كما يعرب عنو حاليا ،أي أن ادلؤمن ليس ىو ذاك اإلنسان الذي ينتهي بو األمر إىل قناعة
أساسية مفادىا بأنو ال بد أن دتلى عليو أوامر من اخلارج ،وبادلقابل فهو يرى اإلؽلان على أنو ذاك التصور وتلك الرغبة بالقدرة
39
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ..... ........................المبحث الثاني :اإلنسان ،القيم.
على استقاللية القرار ،أي حرية إرادة مبوجبها يوذع عقل كل إؽلان وكل رغبة يف اليقُت ويكون ذاك اإلنسان قد امتلك دربو
اخلاصة يف احلفاظ على توازنو مثل ىذا اإلنسان ،يقول نيتشو:سيكون مؤمنا حرا ومنعتقا ».1
« إنسان نيتشو ىو إنسان العقل ،إنسان اخلَت والشر كما يراعلا العقل وتقييم اخلَت والشر عليو أن يكون تقييما أرضيا وليس
فوق أرضي ،وىو بذلك يضع اإلنسان وألول مرة يف تاريخ البشرية بكلياتو وتناقضاتو موضعا إنسانيا وزليطا إياه بأخالق
جديدة وقيم ومثل إنسانية أرضية ،ىذه األخالق وتلك ادلثل ادلشروطة ليس فقط بتصاحلها مع العقل ،بل اشًتط أن تكون
نتاجو أيضا ونتاج تداعياتو ادلوضوعية ».2
فاإلنسان ىو منتج قيمو,وواىب القيم بالنسبة إليو,أي مانح ادلعاين لألشياء فهو صانع ادلبادئ واألخالق,وىوزلدد اخلَت
والشر واجلمال.
فتحديد قيمة اخلَت والشر واجلمال والقبح مرتبطة يف عمقها الضروري مبستوى اإلنسان الفكري واإلجتماعي والطبقي العام
وبيئتو الثقافية,حيث يعيش و يفكر ويصارع.
فاخلَت قيمة يفرضها اإلنسان بالقوة اليت حبوزتو,فاإلنسان ىو القادر على شلارستها فرضا و اختيارا ليس فقط كمبدأ وقيمة
رلردة.
ىكذا نظر نيتشو إىل اإلنسان ،وىكذا عرفتو فلسفتو اخلاصة,انطلق منو وانتمى إليو انتماءا خاصا ،انتماءا إنسانيا متفردا،
خارجا بذلك عن ادلثل والقيم واألخالق (ما قبل نيتشو),واليت ػلبذ أن يسميها بالقيم ادلنحطة ،فإنسانية نيتشو إنسانية تكفر
بالشفقة وتناىض العواطف التجميلية الكاذبة وادلخادعة وىو بذلك يرفض أن تكون أخالق اإلنسان مستمدة من ادلاوراء،
وأن يدعي ىذا اإلنسان إمتالكو للحقيقة كما أكد على نسبيتها وىذا ما دفعو إىل تفويض القيم حينا وقلبها أحيانا أخرى
كما دفعو ذلك إىل إطالق دعوة "ىدم األصنام"يف كل العصور ادلاضية وادلستقبلية.
1نيتشو ،يف جينيالوجيل األخالق ،تررتة:فتحي ادلسكيٍت ،دار سيناترا ،تونس ،ط ،2090 ،9ص .293
2نيتشو ،أفول األصنام،ادلصر السابق ,ص.97
40
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ...........................المبحث الثالث :إرادة القوة والقيمة
مبا أن الفيلسوف األدلاين "فريديريك نيتشو "9900-9844اشتهر بنظريتو يف القوة اليت جعلها أساسا يف كل العالقات
اليت أراد من خالذلا أن ػلدث إنقالبا يف القيم الفكرية والفنية وكل ما يؤمن بو اإلنسان ،خالية من كل ما يعرقل فاعليتو وػلد
من إنطالقو ،نفسر يف تفكَت "نيتشو" ثالثة مراحل:
-1المرحلة الرومنتكية :وىي ادلرحلة اليت تأثر فيها "بشوبنها" وادلوسيقار "فاغنز".
-2المرحلة الوضعية النقدية :وفيها يبدوا تأثره بادلنهج العلمي ،ويف ىذه ادلرحلة صلده يقدم أعنف اإلنتقادات للقيم
اإلنسانية احلديثة.
-3المرحلة الصوفية الخالصة :ويظهر ذلك يف كتابو "ىكذا تكلم زرادشت" والذي يغلب فيو األسلوب الصويف
ادلتدفق.
«
تأثر "نيتشو" بادلنهج التجرييب ،وبدى ذلك زاضحا يف نظريتو لألخالق اليت يريد أن تكون خالصة من كل تطرف مثايل،
أي ربطها بعامل آخر ،فاألخالق يف نظره غلب أن تكون واقعية مرتبطة هبذه األرض »(.)1
فكتاب ميالد ادلأساة "لنيتشو" ،حاول من خاللو أن يفسر ادلغزى الباطٍت للحياة اليونانية واألدب كما يراه ،فادلغزى ادلراد ىنا
ىو الصراع بُت إرادة احلياة األصلية عند "شوبنهاور" واليت حوذلا "نيتشو" إىل تأكيد سار ومندفع الغرائز ساذجة ال ختضع
لقانون ،وىنا يظهر تأثره "بشوبنهاور" وذلك بقبولو لفلسفتو يف مالزلها ادلثالية واإلرادية ،من حيث أن العامل ىو األساس،
ومن حيث أنو دتثل فهو ثانوي ،كما قبل رأيو يف الفن بوجو عام .فبدأ "نيتشو" يف ذلك الكتاب بتأكيد إرادة القوة "بأمر
شوبنهاور وبإنكاره" إرادة احلياة ،فهو من خالل ىذا يريد « من احملدثُت أن يقوموا بإحياء التأكيد اليوناين القدًن ،لإلرادة اليت
يكون فيها اإلبداع الفٍت فعاال ،ويكون ال ناس أقوياء وأشداء ،وال يستغرقون يف التأمل رلرد ،أو يف إحسان مسيحي وزىد إىل
حد أهنم يفقدون فعاليتهم ويدب فيهم اإلضلالل والفساد »( ،)2أما كتاب "العامل كإرادة وتصور" "لشوبنهاور" ،أعجب
"نيتشو" ،شلا دفعو إىل إعتناق مذىبو ،فأقبل على الفلسفة ووجدىا أهنا تنظر يف اإلنسان والعامل مباشرة ،يف حُت أن األدب
9عدنان رزيقة ،الكايف يف الفلسفة ،دار الرػلانة للكتاب ،جسور للنشر والتوزيع ،2006 ،ص .339-338
2
وليام كان رايت ،تاريخ الفلسفة احلديثة ،تررتة زلمود سيد أزتد ،اجمللس األعلى للثقافة ،ط ،2005 ،2ص .375-374
41
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ...........................المبحث الثالث :إرادة القوة والقيمة
يظهرنا على العامل واإلنسان من خالل ما كتب ،وما إن دب فيو ادلرض حىت ثار عليو وعلى تشاؤم "شوبنهاور" ،وإعتنق
مبدأ احلياة ،فقبل األمل كإمتحان ورياضة روحية ،وأنكر على ادلريض أن يكون متشائما « ،ومنذ ذلك حُت إضلصر تفكَته يف
نقطتُت :إحداعلا نقد القيم األخالقية والدينية ،واألخرى قلب القيم أو بعكسها بوضع إرادة القوة يف احملل األول »( ،)1فنظرة
"نيتشو" إلرادة القوة نظرة ختتلف عن سابقيو ،إذ يعتربىا أهنا موجودة يف كل كائن حي ،فال يسعو إال أن يبذل قصار جهده
« ليمتلك مزيدا من القوة واإلقتدار من خالل حركة تطورية ضلو األفضل »(.)2
فهو هبذا يرى بأن اإلرادة صفة إنسانية وؽلكن حىت أن تكون صفة للكون ،فهو من خالل ىذا يثبت مشول إرادة القوة
للموجودات كلها ،ويثبت أهنا ماىية الكون ،وماىية رتيع ادلوجودات ،وعلى ىذا غلب أن نعتربىا ادلعيار الذي غلب أن نرجع
عليو أحكامنا وتقوؽلنا ذلا ،فاألشياء يف نظره ال توجد ذلا قيمة يف حد ذاهتا ،إظلا قيمتها ناجتة عن فعل إرادة القوة اليت يعرب هبا
اإلنسان على أفعالو وغرائزه.
"فنيتشو" يف كتابو "إرادة القوة" يرى بأن كل ميل أو نزوع ،أو حركة أو ظلو يف الكائن ،ىو صراع ضد ما يعيق إرادة القوة
كفاية يف أن تتقدم وتزداد القوة ،لذا صلده يرى أن إرادة القوة ليست حلفظ الفرد أو اجلنس ،وال للبحث عن السعادة واللذة،
وال إىل جتنب األمل ،فهما من ادلصطلحات البسيطة والظواىر الثانوية ،فما يريده اإلنسان ىو ما يريده أصغر جزء يف اجلسم
احلي أال وىو زيادة يف القوة »( )3وىذا من أجل حشد القوى وتنميتها هبدف السيادة والسيطرة.
فدعوة "نيتشو" إىل إرادة القوة كانت هتدف إىل حتفيز أبناء شعبو األدلان إىل أن يكونوا من النخبة ،وذلك من خالل أخالق
القوة ،بإعتباره كان ػللم دائما إىل إقامة حضارة قوية تسيطر على العامل بأسره ،وىذا ما نلمسو يف مقولتو « :ليس غاية إرادة
اإلقتدار لذة أو معرفتو احلقيقية أو حتقيقو للخَت على تعلمو الفلسفات واألديان ،بل ىدفها األبعد ىو اإلستيالء والسيادة
والقيادة »( ،)4فاإلرادة بالنسبة لو ىي الدافع لكل فعل ولكل فكر ،فالغاية من ىذه اإلرادة ىو احلفاظ على الذات وتنمية
الشعور باحلياة وبالقدرة على عيشها ،ورجح القوة والقدرة لذا صلده يعترب ىذا العامل عامل من القوة جبار ،وىو عامل إرادة
اإلقتدار ،فهو يقصد من ىذا أن العامل قوة خارقة ال بداية وال إنتهاء ،فهي حاضرة يف كل مكان ،فهي هبذا يف إستمرار،
فالعامل عامل إرادة قوة ،وال شيء سوى ذلك.
1يوسف كرم ،تاريخ الفلسفة احلديثة ،دار ادلعارف ،مصر ،ط ،9966 ،2ص .407-406
2كمال البكاري ،ميتافيزيقا اإلرادة ،دار الفكر العريب ،بَتوت ،ط ،2000 ،9ص.95
3ادلرجع نفسو ،ص .900
4زكريا فؤاد ،نيتشو ،دار ادلعارف ،مصر ،ط ،2ص .998
42
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ...........................المبحث الثالث :إرادة القوة والقيمة
ومن ىذا ادلنطلق إستطاع "نيتشو" أن يقلب القيم القدؽلة ،وإستبداذلا بقيم جديدة تشكلت وفق مبدأ إرادة القوة ،فاخلَت قيمة
يفرضها اإلنسان بالقوة اليت حبوزتو ،قوة اإلنسان القادر على شلارستها فرضا وإختيارا ،فهو هبذا يركز على مفهوم القوة
واذليمنة ،اليت يعٍت هبا "نيتشو" القدرة القصوى يف فرض ادلعٌت ادلراد ،وحتقيق القيم ادلرغوب فيها فرضا.
ذلذا يتحدث "نيتشو" عن أخالق العبيد ،بإعتبارىا نتاج إنسان منحط وضعيف ،ال قدرة لو على تغيَت واقع حياتو وقدره
احملتوم ،فهو هبذا إنسان عادي ،إستلم للموروث القيمي القائم ،فهو يطلب دوما البقاء منسجما مع الثوابت الطبيعية
التقليدية ،رافضا أي تغيَت بواقعو ادلنحط .بواقع قيمي أرقى وسلتلف ،فهو متشجع حسب "نيتشو" بإرادة الضعف « فإرادة
القوة عند "نيتشو" ىي ماىية احلياة ،فهي ترتبط إرتباط وثيق بفكرة العود األبدي »( ،)1ففكرة العود األبدي تستلزم إعادة
تقوًن القيم ،ألن القوة الدافع الالزم لتحقيق التفوق على الذات والعلو هبا.
فمبدأ إرادة القوة عند "نيتشو" ىو سر احلياة ،لذلك يقول «:ليس الوجود إال حياة ،وليست احلياة إال إرادة ،ولبست اإلرادة
إال إرادة القوة »(.)2
فاألخالق السليمة حسبو تسودىا غريزة من غرائز احلياة ،ىذا ما دفعو إىل القول بأن أخالق فالسفة اإلغريق إنطالقا من
"أفالطون" زلددة بدوافع مرضية ،وىذا أيضا ينطبق على أخالق ادلسيحية اليت ىي إمتداد ووريثة لألخالق األفالطونية ،فهي
تقوم على سوء فهم ألهنم يرغمون اإلنسان على مقاومة غرائزه ،وما دامت احلياة تسلك منحٌت تصاعدي.
« وأن السعادة تساوي الغرائز »( ، )3فإن كل ىذا كان دافع كبَت بالنسبة "لنيتشو" لقلب القيم ،وزلاولة بناء قيم جديدة تتوافق
«
مع الطبيعة.ألن التحدث عن القيم إظلا ىو التحدث عن وجهة نظر احلياة نفسها ،فاحلياة ىي اليت تقوم فعلى ىذا صلده
يدعوا من خالل ىذا إىل أن نويل إلرادة اخلداع وادلصلحة الذاتية والرغبة قيمة أعلى وأكثر أساسية »( ،)4فعلى اإلنسان أن
يعيش وفق احلياة بإعتبارىا تقديرا وتفضيال ،وظلما وزلدودية وإرادة ،فالفلسفة ىي الغريزة الطاغية ،وىي إرادة القدرة كما
صلده أيضا يدعوا الفيزيولوجيُت إىل إعادة النظر يف حسباهنم أن الغريزة ىي احلفاظ على الذات ىي األساسية للكائن احلي،
43
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ...........................المبحث الثالث :إرادة القوة والقيمة
«
فهو إنتقد ىذا وقال أن احلي يريد أن تنطلق إرادتو ،عكس ما قالوه فعلى اإلنسان أن ينصاغ دلا يريده وعلى ىذا قال:
تساءلت عن علة األمور وعن القوة اليت ترغم احلي على اإلنقياد والتحكم فتجعلو خاضعا حىت إذا حكم ،ولعلي توصلت
إىل سر قلب احلياة إىل الصميم ( ).......ىناك أمور كثَتة يراىا احلي أرفع من احلياة نفسها ،وما كان يرى أشياء أفضل من
احلياة ،لو مل تكن ىناك إرادة القوة ( ، )1(»)........وعلى ىذا فهي ادلبدأ العام والشامل بالنسبة جلميع األشياء ،فاحلياة ىي
ادلفهوم ادلركزي الذي تدور حولو رتيع التصورات ،فإرادة القوة ىي اليت تعطي وجهة نظر إجتاه احلياة ،فاحلياة ىي اليت حتملنا
على وض ع القيم ،واحلياة ىي اليت تقوم من خاللنا أحكام قيمية عن احلياة ،سواء أكانت معها أو ضدىا ،وذلك من خالل
إرادة السلطة واإلقتدار ،وىي إرادة خلق العامل.
فاألخالق ال تكتشف إال مع تقييم يستهدف القوة واإلقتدار وىو نفسو احلياة اليت تعطي عند األقوياء ،عكس الضعفاء
الذين ال ؽللكون قيم.
وىذا يؤدي إىل صراع قوي داخل التنظيمات اإلجتماعية ،شلا يؤدي إىل إنتصار القوي األكثر قوة وإقتدار يف خلق القيم
وإجبار الضعيف على تقبلها.
فالقطب الرئيسي يف اجملتمع أي القوي حبكم موضعو اآلمر والناىي ،ىو الذي يثبت فعال أن التقوؽلات ىي مبثابة تسميات
تطلقها الفئة العليا يف اجملتمع ،عكس الضعيف الذي ال ؽللك إال أن يقلد أو ػلاكي األصل.
«
والبحث أن أصل األخالق البد أن يتم بالتوغل يف نوع من األصل ادلتواضع والنضال احلقود ،واإلرادةات اليت تتضارب يف
«
صراع مستمر ومكروه »( ،)2فادلنهج اجلينالوجي حسب "نيتشو" ىو الذي يكشف عن إختالف اإلرادات وادلعاين القيمية،
فما تريده اإلرادة ىو إثبات إختالفها من خالل عالقتها مع إرادة أخرى ،حيث جتعل من إختالفها موضوع إثبات »( ،)3ألن
إرادة األقوى ختلق القيم ،يف حُت أن إرادة الضعيف تعكس ىذه القيم ،حيث تثبت إختالفها عن األوىل ،لكن بناءا عليها
وإنطالقا من القيم اليت جتسده يف الواقع.
ففي كتابو "جينالوجيا األخالق" رأى صواب أفكاره ،وبثقة مستقبلية ،فهو يدعوا من خالل ىذا إىل الفوضى األخالقية
واإلجتماعية لكي يتحرر ،إنطالقا من األنانية وحب الذات.
44
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ...........................المبحث الثالث :إرادة القوة والقيمة
فهو يرى أن اإلرادة ىي اليت ختلق ىذه األخ الق ،إىال أن ىذه األخالق مل تأيت من طبقة السفهاء ،بل من خالل النبالء أي
الصاحل والقوي وادلبارز ،وعليو فالقيم األخالقية من خلق الطبقة القوية وليست الضعيفة.
فاخلَت والشر عبارات فقدت كل معانيها ،وعلى اإلنسان أن يعيد النظر فيها ،ألننا نفعل الشر كي نضمن بقاءنا ،ونسلم بأن
اإلساءة عن قصد أخالقية ،حُت يتعلق األمر بوجودنا أو أمننا ،فهو من خالل ىذا يؤكد على الذاتية واألنانية وادلنفعة.
وعلى ىذا يتخذ "نيتشو" من إرادة القوة مبدأ لسن قيمو األخالقية ،وأساسا لتوكيد احلياة وتقوؽلها ،السيما أن احلياة ىي
ادلبدأ الذي من أحلو تقوم إرادة القوة مبنح العامل واألشياء مدلوالهتا ،فحيثما تتغَت شروط احلياة والوجود تتغَت القيمة تبعا ذلا.
«
وعلى ىذا النحو ختضع اإلرادة الفردية حسب "ىوبز" أو تستند إىل القيم والقواعد اليت يسنها مسبقا القانون اخللقي،
ومبوجبها فقط تنال حقوقها اإلجتماعية يف إطار اإلرادة اجلماعية »( ،)1ىكذا يتأسس قيما مضى تصور إرادة القوة إنطالقا
من جتاىل فعل اإلرادة كخلق قيم جديدة.
فالشيء الذي يعطي األشياء واألفعال قيمتها ،ويأخذ ادلقام األول يف منظور "نيتشو" ىو إرادة اإلثبات أي إرادة قول نعم
للحياة وخلق الذات بالذات ،ىذه اإلرادة ىي اإلرادة اخلالقة ،وىي مبثابة التعبَت عن صميم إرادة القوة ألهنا ينبوع مستمر
من اخللق ادلتواصل ،فهي حتمل يف طياهتا اليقُت.
فهذه اإلرادة ىي أساس مبدأ القيم ،فليس لإلنسان قيمة غَتىا تستند إليو ،وال من قدرة ليحدد بذاتو القيم «،فال ينسب لو
من قيمة غَت اليت يعًتف لو هبا أو اليت غلعل غَت يعًتفون لو هبا »( ،)2فهي الشكل األول ذلذه الرغبات ،وىذه الرغبات
ليست إال حتوالت لتلك اإلرادة ،فهي مبدأ طبيعة الكائنات ،فهي توجد لدى الضعيف والقوي ،النبيل والوضيع ،السيد
والعبد ،فهي يف شكل تراتييب لذا يقول "نيتشو" عن ذلك « .....لقد تيقنت وجود إرادة القوة يف كل حُت ،ورأيت اخلاضعُت
أنفسهم يطمعون إىل السيادة ألن يف إرادة اخلاضع مبدأ سادة القوي على الضعيف ،فإرادة اخلاضع تطمح إىل السيادة أيضا
لتتحكم فيمن ىو أضعف منها »(.)3
وهبذا فإن كل إرادة جتعل من كل موجود يتمايز ويتفاضل عن غَته ،فهي ال تظهر إال بواسطة الكفاح ،فهي تبحث عن كل
مقاوم ،وكلما كثرت ادلقاومة زادت قيمة األخالق ،فاألخالق اجلديدة جتعل من إرادة القوة مبدأ ذلا ،فهي ادلعيار الذي ضلتكم
45
الفصل الثاني :نيتشه والقيم المعاصرة ...........................المبحث الثالث :إرادة القوة والقيمة
إليو يف حكمنا وتقوؽلنا لألمور ،وهبذا فادلعٌت األخالقي ىو إرادة القوة ،ألن الذين وضعوا ىذه القيم والقائلون باخلَت والشر،
لو مل تكن ذلم إرادة القوة دلا تأثروا هبذا ودلا كانت ذلم قيم أخالقية.
فال غلري اخللق واإلبداع إال بتهدًن القيم القدؽلة ،فهذا التدمَت ىو الشرط األساسي ليقف اإلنسان مشرعا للقيم فوق ركام
األلواح القدؽلة البالية.
فخالق القيم ىو مبثابة احلصاد الذي يقتلع القيم من جذورىا ،يف نظر اجلميع ألنو يستهزئ باخلَت والشر ،فليس اخلَت والشر
إال مفاىيم بالية وخياالت عبارة ،فمبدعوا القيم يرفضون اإلضلصار يف األوامر والنواىي ،ألهنا حتد من حريتهم ،وتزج هبم يف
سجن ادلفاىيم األخالقية «،فادلفاىيم األخالقية تفهم من خالل السعي ادلتواصل يف إمتالك احلياة والعلو هبا »(.)1
فاإلرادة اإلثباتية ىي اليت حترك ادلبدعُت الذين يتجسد معو القيم األخالقية ،فهو اجلديد الذي يقًتحو "نيتشو" أي إرادة
القوة ،بإعتبارىا جوىر الوجود وأساس احلياة ،فهي قوة عمياء تعطي لنفسها األولوية ،وال تطلب غاية غَت ذاهتا ،فهي مفتاح
القيم اجلديدة ألهنا تندمج يف عامل مل ختلقو ،وىو عامل ال ظللكو إال عن طريق تصوره ودتثلو.
وعلى ىذا وضع "نيتشو" نصب عينيو ادلشروع ادلتعايل للقيم وىو إرادة اإلقتدار يف الوجود ،وحسب تصور ىذا الفيلسوف
غلب أن تزول ىذه القيم ،وتقلب وتسود قيم مضادة ذلا تقوم على اإلؽلان بإرادة اإلقتدار كمبدأ واجب بكل القيم مبا ينهي
إرادة اإلقتدلر يف اإلنسان كقيمة ،وجتعل من اإلنسان يبتدع فيما مبوجبها يتعاىل على ذاتو ويتفوق على إنسانيتو ،وأما
بالنسبة دلا يضعفها أو يعيقها فهو خال من القيمة بل مناف لقيم احلق «،فالغاية من إرادة اإلقتدار ىي ادلزيد من القدرة،
»()2
وذلك من أل القيادة والسيادة وإمتالك كل وسائل التطور والتقدم ،وكل وسائل اإلبداع
ويف األخَت صلد نيتشو يركز كثَتا يف كتاباتو الفلسفية على مفهوم القوة واذليمنة الذي يعٍت بو القدرة القسوة على فرض ادلعٌت
ادلراد وحتقيق القيم ادلرغوب فيها فرضا,ذلذا حتدث نيتشو عن أخالق العبيد و اعتربىا نتاج انسان منحط وضعيف ال قدرة لو
على تغيَت واقع حياتو وقدره احملتوم باعتباره كائن بشري استسلم للموروث القيمي القائم و رفض أي تغيَت أو تبديل لواقعو
ادلنحط بواقع قيمي ارقى وسلتلف فهو متشبع بإرادة الضعف.
46
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة...................المبحث األول :نيتشه وأزمة القيم المعاصرة
لقد أحدث "نيتشو" ثورة يف تارؼلو حينما قسم التاريخ إىل قرون مظلمة قبلو ،وقرون النور بعده ،وىذا راجع إىل
تفكَته الذي إرتبط بعصره سباما ،فال ؽلكن لنا أن نفهم أي حلظة درجة من التاريخ ،إال برجوعنا إىل تفكَته،
فوجو أعنف اإلنتقادات إىل عصره ،فكانت فلسفتو كلها ضبلة على عصره وقرنو.
فلذا صلده يعرب عن عصره "دبوت اإللو" حينما قال «:ضلن الذين قتلتناه حينما قلنا مات اهلل »( ،)1فهذا اإلعالن
عن موت اإللو اعتربه "نيتشو" كرمز دلوت احلضارة الغربية ،أي موت اإللو على صليب ،الذي كان يعٍت بو
إنتهاء ادلسيحية لذا صلده يقول «:أنو مل يعد ىناك من إاله وال وجود للخطيئة وسللص ،وأن اإلرادة احلرة والنظام
األخالقي للحياة أكاذيب »(.)2
فاإللو عند "نيتشو" كان يقصد بو العامل ادلتسامي أي العامل ادلتجاوز لعادلنا الذي تنبع منو القيم واألفكار ادلثالية
ادلطلقة.
"فنيتشو" عندما قال أن اإللو مات كان يود من ىذا ادلوت ىو موت الفكرة ادلتجاوزة وادلفارقة للمادة ،أي
مركزية ادلتجاوزة وادلفارقة للمادة اليت تعطي للكون سباسكا ،بإعتبار ادلسيحية من أرذل ادلخلوقات اليت كان
يعرفها ،وىي يف حد ذاهتا سوء فهم بسيكولوجي للذات ،فهي هناية احلتمية للميتافيزيقا اليت كانت تسود يف
احلضارة الغربية ،اليت كانت تستند إىل التفكَت ادلثايل والالىوت للقيم ،ىذا ما دفع "نيتشو" إىل نقد تلك القيم
وذباوزىا وإعتبارىا وىم ،ألن كل إدعاء حسب وجهة نظره بأن ىناك مركزية تنبثق منها القيم األخالقية ،ىو
إدعاء زائف ال ؽلكن لنا تبنيو ألنو تولد من عجز اإلرادة اخلالقة ،لذا صلده يقول «:بأن العامل سار حىت اآلن
على أوىام ،وإعتمد على قيم باطلة.
48
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة...................المبحث األول :نيتشه وأزمة القيم المعاصرة
فكانت النتيجة ىي إنتهائو إىل ىذا ادلصَت احملزن ،أما ضلن فلن تيأس من عالجها ،بل نتخذىا دافعا يدفعنا إىل
زبليص اإلنسانية منها ،وشىت طريق واسع دلستقبل اإلنسانية زاىر عظيم »(.)1
كما تطرق أيضا إىل ادلطلق فقال أنو ال ؽلكن لنا أن نعترب القيم اليت كانت تسود يف احلضارة األوربية قيم
مطلقة ،ألن القيم تتغَت بتغَت الزمان وادلكان ،فال اخلَت ؽلكن أن يكون خَتا وال الشر ؽلكن أن يكون شرا ،أي
ما إعتربتو أنا خَتا قد يعتربه غَتي شرا والعكس صحيح.
فكل ما يدرك ىو من األمور ادلادية ،وكل ادلدركات ادلادية ىي نسبية ،وأما بالنسبة للقيم فيقول عن القيم
ادليتافيزيقية أهنا غَت موجودة ،وإن وجدت فإهنا ال زبرج عن اإلنسان ،فهي إنسانية إىل أقصى حد.
فكانت ضبلتو ىذا ىي دبثابة ربديد دلستقبل اإلنسانية عن طريق البحث عن مصدر القيم ،وإعادة تقوؽلها
فتحرر العقل من كل ما ورثو ،إال أن "نيتشو" مل يكن عقالين ألنو رفضو وإعتربه مبدأ مضاد للحياة يعرقل
الطبيعة اإلنسانية ،فتجو تفكَته إىل الالمعقول ،فقدم هبذا العصر خدمات جليلة ،فلم يعد العقل قوة مضادة
للطبيعة تعلوا على الواقع ،فظهرت النزعة الفردية واألستقراطية اليت كانت نتاج للعصر الذي عاش ،فلمسنا من
خالل ىذا نفورا من الوضع الذي يسود «،الذي أرغمو على التحليق بفكره بعيدا عنو ،وألن مطرقتو اليت ىدم
هبا أصنام العصر خَت معرب عن صيحة اإلحتجاج األوىل الالزمة لكل تطور عقلي سليم »( ،)2وعلى ىذا
األساس نرى أن ادلادية طاغية بشكل كبَت يف الفكر األورويب الغريب ادلعاصر ألن ادلادة ىي اإللو الذي إعًتفت
بو الوضعية ودعت إىل عبادتو واإلؽلان بو.
« فتأثر "نيتشو" ذاتو بالتقدم العلمي تأثرا كبَتا ،بل إن إحدى فًتات تفكَته الفلسفي يطلق عليها عادة اسم
"الفًتة الوضعية" فأعجب بادلنهج التجرييب »( ،)3إال أن ىذه الوضعية السائدة يف عصره ساعلت بشكل كبَت يف
49
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة...................المبحث األول :نيتشه وأزمة القيم المعاصرة
تقدم اآللة شلا أثرت على جوانب احلياة ،فإرتقت العلوم الطبيعية بشكل كبَت ،إال أن ىذه الوضعية السائدة مل
تكن ترضيو فثار عليها ونقدىا ،وذلك من خالل زلاولتها أن تعطي للمبادئ األخالقية صورة علمية.
على ىذا األساس صلده يدعوا إىل اإلنسان األعلى الذي إعتربه أساسا لفلسفتو القيمية ،الذي وضعو كبديل
عن اإللو ،واعتربه نصف إاله يعيش يف األرض ،فالقيم احلقيقية ىي اليت ستتولد نتيجة إزالة ضالل اإللو الذي
يعٍت إختفاء ادلركزية الثابتة ادلتجاوزة لإلطار ادلادي الذي ستتعادل فيو األشياء .ألن شبة ىناك مبدأ كامن يف
الطبيعة ،ويتجلى يف شكل قوة اليت تنظم حياتنا وتقومها « وذلك بعد إحداثو كمفهوم مضاد هلل ،ألن كلمة
طبيعي جعلت مًتادفة مع مذموم أو مستنكر »(.)1
وىذه القوى ىي يف تناحر وصراع الذي ليس لو مركزية واضحة ،فهذا الصراع ىو الذي نادى بو "نيتشو"ألنو
صراع ربكمو الصدىف والفوضى وال ثبات فيو للمطلقيات ،وىذا هبدف البقاء لألفضل.
"فنيتشو" ىنا صلده من خالل ىذا يدعوا إىل مبدأ التوجو إىل اإلنسان واإلنفصال عن اإللو ،ألن العامل كما
يظن ىو بال مركزية ،واإلنسان ىو جزء من الطبيعة ،وما دام جزء منها فال ؽلكن لو أن يتجاوزىا ،ألن منظومتو
األخالقية تنبثق منها ،فهي ال تتجاوز ادلادة ألنو جزء من حركة ادلادة ،فهو خاضع ذلا «،وعلى ىذا فاألخالق
الواقعية ستكون متعلقة هبذه األرض ،وسوف تتخلى عن كل تطرف مثايل يربط األخالق بعامل آخر »(،)2
وعلى ىذا ظهرت ما يسمى بالدنيوية والعلمنة ،وهناية الالىوت ،وىي عالمات لواقع علماين الذي مل يعد فيو
اإلؽلان بوجود اإللو ،فقد أصبح ىذا شأنا شخصيا ينتمي إىل احلياة فكرس حياتو للحملة عليها ،وذلك من
منطلق أهنا ال تستوعب تفكَته.
فنمت اآللة ظلوا عظيما مل يشهد لو مثيل ،فنتجت عنها احلرب العادلية األوىل ،فوصلت ادلدنية نتيجة ذلذا إىل
حالة من الشك واإلضلالل ،فلم غلد الناس ذلذا أو باألحرى حلياهتم من معٌت وغاية ،فصدموا بكل القيم اليت
50
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة...................المبحث األول :نيتشه وأزمة القيم المعاصرة
إعتنقوىا وإعتربوىا أساسا حلياهتم «،فإنتهوا هبذا إىل الروح اإلنكارية أو العدمية وىي إنكار مطلق لكل القيم
»(.)1
فإنتقدىا "نيتشو" ورأى أن العدمية يف أوروبا ىي يف بداياهتا ،غَت أهنا سوف تسود يف أوروبا وتصبح ضرورة من
ضروريات تطور احلضارة.
فهذه العدمية اليت كانت موجودة ،فقط كانت بالنسبة "لنيتشو" سبثل القيم العليا ،اليت مل تعد موجودة ،فهي يف
تزعزع تام ،وأنو مل تعد ىناك غاية للوجود ،إال أن أوروبا حسب "نيتشو" يف حالة إنكار للمطلق وذلك من
خالل إنكارىا للوجود الواقعي ،فكان التشاؤم وإنكار احلياة علا السائدان على التفكَت والنظرة إىل الوجود وىذا
ىو الدليل على اإلنتقال إىل مراحل وأحوال جديدة يف الواقع.
يف حُت أن بعض الباحثُت والفالسفة يرون يف فلسفة "نيتشو" إسباقا للرباغماتية وذلك راجع إىل اإلشًتاك يف
نقد األسس ادليتافيزيقية وضبلتهما على العقل اخلالص وإخضاع القيم للوجود كان دبثابة العامل ادلشًتك بينهما.
باإلضافة إىل أن "نيتشو" نظريتو يف احلقيقة تشبو سباما نظرية الرباغماتية ،فاحلقائق يف نظره ىي من صنع
اإلنسان ،ومقياس صحتها يرجع حسب رأيو إىل النفع أو الصالحية.
على ىذا األساس يقول بأن تغَت القيم واحلقائق بتغَت ادلواقف واآلراء وكل ما يصلح.
فاحلقيقة والقيم األخالقية ىنا بالنسبة لو وللرباغماتية نسبية وىذا ما دفعو إىل الدفاع عنها عندما إختفت
ادلطلقية.
من ىذا ادلنطلق صلده يؤكد على أن القيم ىي ما ينفع احلياة ،وعلى ىذا فاحلياة ىي أساس القيم األخالقية
واحلقيقة.
بدوي عبد الرضبان ،خالصة الفكر األوريب ،ادلرجع السابق ،ص .22 1
51
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة...................المبحث األول :نيتشه وأزمة القيم المعاصرة
أما فيما ؼلص الوجودية فإننا صلد صلة وثيقة ذبمع بُت "نيتشو" وبُت الوجودية ،وذلك من خالل التماثل الذي
صلذه يف حياتو وتفكَته « ففلسفتو التوكيدية ىي اليت تقول نعم للوجود واحلياة »(.)1
فكذلك فهمو لإلنسان يقربو سباما من الوجودية ،ألن وجود اإلنسان يسبق ادلاىية ،فهو الذي ؼللق ذاتو بذاتو،
و كذلك صلده يتجاوز ماىيتو من خالل فكرة إرادة القوة وفكرة اإلنسان األعلى وفكرة العود األبدي اليت
ػلاول فيها اإلنسان السيطرة على الزمان ،وذلك إنطالقا من التحرر من قيد ادلاضي.
كما أن فكرة موت اإللو ىي خَت معرب عن التقارب الذي يوجد بُت "نيتشو" والفلسفة الوجودية ،وذلك يف
التجاوز وزلاولة التعايل.
«
غَت أن ىذا األخَت ال ينتسب إليها فهو ىزة أو دبثابة احملطم الذي حاول ذباوز كل ما إشتاح الفلسفة الغربية
فهو مفكرا ناقدا بشكل أساسي ،يسعى رلهوده الفكري كلو عرب تفكيكو للتحديدات األساسية والثابتة للفكر
الغريب »( ،)2فهو هبذا دخل يف صراع مع عصره.
فتأثره بعصره كان تأثرا عميقا,وخاصة يف أدلانيا و فرنسا «فتنبؤات نيتشو وحملاتو الثاقبة تتفق على أعجب ضلو
شلكن مع النتائج اليت وصل إليها التحليل النفسي بعد كثَت من العناء».3
غَت أن برتراند راسل ربدث يف كتابو "تاريخ الفلسفة الغربية"وقال:أنو ينبغي أن نسلم بتنبؤات نيتشو
للمستقبل,فقد ثبتت إىل حد كبَت أهنا أقرب من الصواب لتنبؤات الليبَتاليُت واإلشًتاكيُت.
1زلمد أندلسي ،نيتشو وسياسة الفلسفة ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء "ادلغرب" ،ط ،2116 ،1ص .19
2ادلرجع نفسو ،ص .18
3فؤاد كامل,أعمال الفكر ادلعاصر,ادلرجع السابق,ص.192
52
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة...................المبحث األول :نيتشه وأزمة القيم المعاصرة
أما فؤاد زكريا يف كتابو "القيم",ربدث عن نيتشو,فرأى أن لنيتشو فضل كبَت يف فتح سبل التجديد يف فهمنا
العقلي للعامل وسلوكنا فيو,وذلك من منطلق سبجيده للقدرات اإلنسانية القادرة على اخللق واإلبداع.
كما أن ىذا األخَت لو دور كبَت يف إزاحة كل ما يعيق فعالية اإلنسان من عقبات.
يف حُت كارل ياسربز يقول «:إننا ال نستطيع أن صلد يف اي مكان عنده حقيقة ثابتة,والواقع أنو ال يهدينا إىل
الطريق وال يعلمنا إعتقادا ما وال يضعنا على أرض صلبة,بل ىو ال يًتكنا نسًتيح قط,وال يكل من تعذيبنا و
ىو يطردنا من كل مأوى نلجأ إليو,وىو ؽلزق كل قناع.1».....
فكارل يسربز يعٍت هبذا القول أنو ال وجود للحقيقة الثابتة فكل شيء موجود يف العامل ىو نسيب,ةهبذا يوافق ما
تنبأ حينما قادنا إىل أن نكتشف ما نعرفو,وما ال نعرفو,وما ؽلكن ان نعرفو ,وما ال ؽلكن أن نعرفو,فهو بذلك
ومن كل ىذا يريد أن يوصلنا إىل أن الشيء احلقيقي الوحيد ىو ما ينبثق من أعمالنا اخلاصة.
«كما بدأ الفكر يتساءل عن معٌت التقدم ومعٌت احلياة نتيجة لألزمات االجتماعية ادلالزمة للحضارة ادلعاصرة،
فكثَت من ادلفكرين الغربيُت يرون أن رجوع الفكر الغريب إىل األخالق أصبح مسألة حياة أو موت ،خطر
األسلحة النووية والكيماوية ،التلوث...اخل,ىذه ادلظاىر كلها تدفع البشرية ضلو الفناء ،لذلك أصبح تقييم
التقدم حالة ضرورية للمفكرين يف الغرب».2
إال أن ىذا ال يكفي حلل األزمة يف نظر نيتشو ،فالفلسفة األخالقية يف الغرب ىي بدورىا انعكاس ألزمة
احلضارة ،وىنا تطرح مشكلة مصدر القيم الضرورية لتجاوز األزمة الشاملة للحضارة الغربية ،فالفلسفية
53
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة...................المبحث األول :نيتشه وأزمة القيم المعاصرة
األخالقية واالجتماعية اليت يسعى الغرب عن طريقها حلل األزمة ىي فلسفة تفصل األخالق عن التعايل،
ولذلك فكونية ىذه القيم اليت تطرحها الفلسفة الغربية ىي كونية مزيفة,والقيم وادلفاىيم اليت تطرحها ىذه
الفلسفة ىي يف كثَت من جوانبها رلرد انعكاس لألزمة.
« لقد أنتجت أزمة القيم يف احلضارة الغربية فكرا متأزما ،بدال من أن ىذا الفكر حل لألزمة أصبح يف كثَت من
جوانبو رلرد انعكاس ذلا فظهرت النفعية وادلاركسية والربصباتية مث فلسفة نيتشو والفلسفة الوجودية ،كل ىذه
ادلذاىب قد فقدت العنصرين اجلوىريُت اللذين تتميز هبما الفلسفة ،ادلوقف النقدي وقوة التجاوز ،ذباوز الواقع
لتغيَته ،فالفلسفة تتميز بادلوقف النقدي الذي ؽلنحها قوة التجاوز ،ذباوز الواقع الفاسد لتصور واقع أحسن
منو ».1
« لقد وصل نيتشو يف نقده إىل مستوى النقد اجلذري الذي تتميز بو الفلسفة ،إال أن ىذا الفيلسوف بدال من
أن يقوم بصياغة فلسفة بناءة وذات نظرة مستقبلية ،صاغ فلسفة سلبية تقضي على إنسانية اإلنسان باسم
اإلنسان ،تربير الواقعي باسم ادلعقول وتربير ادلعقول باسم الواقعي ،ففلسفة نيتشو ىي يف احلقيقة امتداد دلقولة
ىيغل "كل واقعي معقول وكل معقول واقعي"».2
«
لقد انتقد نيتشو بصورة جذرية الفكر الغريب خاصة القيم األخالقية ،وتساءل عن مصَت اإلنسان عن غاية
احلياة اإلنسانية ،ولكنو بسبب انقطاع فلسفتو عن الغيب ،بقي منحصرا ضمن معطيات الفكر الغريب ،فادلثل
األعلى الذي تصوره نيتشو ىو اإلنسان األعلى ،وليس ىذا ادلثل األعلى إال رد فعل لألخالق ادلسيحية كما
ذبسدت يف الكنيسة فنيتشو أعاد النظر يف القيم األخالقية ولكنو انتهى إىل قيم ضد القيم».3
1
alain touraine, op cit ,p25.
2فنك اويغن ،فلسفة نيتشو ،ترصبة:إلياس بدوي ،مؤسسة الوحدة للطباعة و النشر والتوزيع ،دمشق،1974 ،ص.55
3فنك اويغن ،ادلرجع نفسو ،ص.57
54
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة...................المبحث األول :نيتشه وأزمة القيم المعاصرة
زمنو زمن األفكار اليت سبقت نستنتج أن احلل ال يؤخذ من الواقع ،إن الواقع كما يتجلى يف الفلسفة الغربية من
حيث ىي انعكاس للظروف ،إن الواقع ال يستطيع أن يقدم احلل ألزمة القيم,فالواقع فاسد واألدوات الفكرية
اليت تستمد منو ستكون غَت صاحلة ىي ،فالفلسفة الغربية اصطدمت بالعجز نتيجة لواقعيتها ىذه ،وىذا ال
يعٍت أن الواقعية يف حد ذاهتا غَت صاحلة ،وذلا نتائج سلبية يف رلال التنظَت األخالقي و االجتماعي ،إن النقص
ال يكمن يف الواقعية بل يف صورة ادلوقف من الواقع ،فادلذاىب األخالقية كالنفعية و الربصباتية بدال من
االنطالق من الواقع لتغيَته حجزت القيم األخالقية داخل ىذا الواقع ،وىذا تناقض ،يف حُت أن القيم
األخالقية تعرب عما غلب أن يكون مصدرا للقيم األخالقية.
«
إن اجملتمع الغريب انتقل من عصر التدين إىل عصر اإلنسانية (النزعة اإلنسانية) فالغرب فصل وجوده عن اهلل
واعتمد على اإلنسان كمصدر للقيم ،غَت أن النزعة اإلنسانية استنفذت طاقتها ،ألهنا نظرت إىل اإلنسان رلردا
من بعده الروحي ،وىذا ما جعلها ال تتصور إال أىدافا جد نسبية,أي ما ىي إال مثال عليا تكرارية ،إن فصل
اإلنسان عن الغيب وعن اهلل قضى على النزعة اإلنسانية كمذىب فلسفي وأخالقي يسعى إىل حل أزمة القيم
يف احلضارة الغربية ».1
« إن الفلسفة الغربية أصبحت يف أزمة بعد انقطاعها عن الدين ،وبعد أزمة النزعة اإلنسانية ،فالفلسفة الغربية
يف نظر نيتشو ىي يف أزمة نتيجة استبدال اهلل باإلنسان كإلو مزيف ،كمثل أعلى مزيف ،وليس ىناك أي سلرج
من ىذه األزمة يف الفكر الغريب ،فالواقع قد كشف أوىام ادلاركسية اليت حاولت أن ربل مشكلة اإلنسانية
بصورة هنائية ».2
1عبد السالم علي جعفر ،زلاولة جديدة لقراءة نيتشو ،ادلرجع السابق ،ص.198
2ادلرجع نفسو ،ص.211
55
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة...................المبحث األول :نيتشه وأزمة القيم المعاصرة
ومن ىذه األفكار نستنتج إن ذباوز أزمة القيم يف نظر نيتشو ال يتحقق عن طريق الفلسفة كرؤية مت ربديدىا
من موقع وضعي ال يتجاوز عالقة الفكر بالواقع ،إن حل أزمة احلضارة ادلعاصرة يتم عن طريق الدين أي عن
طريق الطرح الفلسفي للرؤية الدينية ،عن طريق فلسفة سبت صياغتها داخل عالقة الفكر بالغيب وبالواقع ،وىذا
ما جعل فلسفة نيتشو تتمتع بقوة إنتقادية إىل أقصى حد شلكن ،وىي قوة انتقادية جعلت ىذه الفلسفة فلسفة
الرفض.
56
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة ..........................المبحث الثاني :قيم ما بعد الحداثة
إن من يتناول الفكر الغريب ادلعاصر غلد نفسو يف مفًتق طريقُت ،أحدعلا يقودنا إىل التقليد القاري ادلوصوف
بالًتكييب و اآلخر يفضي بنا إىل التقليد االصللوسكسوين ،وكما أنو للفلسفة القارية أقطاهبا الكبار مثل فريدريك
نيتشو و مارتن ىيدغر ،وكذلك صلد دافيد ىيوم ولود فينغ فتغنشتاين خَت من مثل الفلسفة االصللوسكسونية ،
لكن اإلشكالية اليت طرحت يف ىذه األطروحة ،ىو ىل انتقلنا بالفعل من عصر احلداثة إىل عصر ما بعد
احلداثة؟ وإذا انتقلنا ،فهل دبقدورنا ربديد الظروف و العوامل اليت قادتنا إىل ىذا التحول؟ .
«
تقتضي الدراسة الفلسفية إلشكالية احلداثة أن نستلهم سلتلف التحليالت اليت تناولتها قصد القيام بتنميط
احلداثة ،فإذا كان ديكارت ىو أول من صاغ مبدأ الذاتية ،وال يبنتز ىو أول من عرض مبدأ العقالنية ،فإن
العدمية مرتبطة باسم نيتشو ويقصد هبذا أتنو ال قيمة للقيم ».1
« وعلى غرار مارتن ىيدغر ،صلد نيتشو ىو اآلخر يعادي احلداثة ،فقد ربدث ىذا األخَت عن اكفهرار احلداثة،
وعن عتمة احلداثة وإظالم احلداثة مرددا يف ذلك عبارات مثل مرض االضلطاط الذايت و الذي سعى نيتشو إىل
ذباوزىا ،أما ما بعد احلداثة فيقصد هبا اشتماذلا على عدد ادلقاربات النظرية نذكر من بينها النزعة البنيوية و
التفكيكية و الفلسفة ما بعد التحليلية ،ويعترب مفهوم العدمية مفهوم جوىري يف كتابات نيتشو استعملو ليدل
بو على األزمة اليت اجتازىا العامل احلديث حينها أخذ يفقد قيمو الراسخة ».2
كما يعترب « نيتشو من ادلبشرين دبرحلة ما بعد احلداثة ويظهر ذلك بوضوح يف كتابو "إنساين إنساين جدا" .يرى
نيتشو أننا طلرج حقا من احلداثة بفضل ىذه النتيجة العدمية فلئن تالشى كل أساس لالعتقاد بأساس ال
بالواقع ،وال باحث أو دارس لفكر "ما بعد احلداثة",ؽلكنو غض الطرف عن أعمال ىذا األخَت صاحب مقولة
"موت اإللو" -تعاىل اهلل عما يصفون -ألنو كان من أوائل ادلفكرين الذين تصدوا بقوة دلشروع احلداثة الغريب
1زلمد الشيخ ،ياسر الطائري :مقاربات يف احلداثة وما بعد احلداثة ،دار الطليعة للطباعة و النشر ،بَتوت ط ،1996 ،1ص.8
2ادلرجع نفسو ،ص.14
57
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة ..........................المبحث الثاني :قيم ما بعد الحداثة
وميتافيزيقا أطروحتو ،حيث قدم سلسلة من األعمال اليت أثرت على نظرة الفكر الغريب ككل دلنهج احلداثيُت
كأحد ادلتقدمُت األساسيُت لنظرية ما بعد احلداثة ،ما جعلو عالمة فارقة بُت تارخُت ».1
« من الصعب فصل العدمية عن نيتشو ،فقد كانت أفكاره تدشن لعهد جديد تنتهي عنده كل الثوابت و القيم
و ادلعتقدات الدينية و األخالقية وادليتافيزيقية ،فالعدمية وفقا لرؤيتو تنفي إرادة اإلنسان وذبعل منو كائن عادي
بُت الكائنات ،ال ميزة لو وليس مسؤوال عما يفعل ألنو بال إرادة ،لقد توبع النقد النيتشاوي للحداثة يف ىذين
االذباىُت ،الباحث ادلرتاب الذي يسعى إىل الكشف عن اضلراف إرادة القوة و الطالب ادليتافيزيقي الذي
يطالب دبعرفة خاصة ،ويعيد رسم تكوين فلسفة الذات ».2
«مل تشرع احلداثة الغربية يف تلمس الوعي بذاهتا ،إال بعد انقضاء ما يقارب ثالث قرون على انطالق دينميتها
يف أوروبا الغربية ،أي ابتداء من القرن 18الذي عرف بعصر األنوار أو التنوير ،عصر انتصار قيم احلرية والعدالة
والدؽلقراطية واالنفتاح أي عصر انفتاح الفكر الفلسفي ،الذي ػلاول جادا تعرية واستبانت هتافت ادلؤسسة
الكنسية وتفويض وتفكيك أخالقيات ادليتافيزيقا وما ربمل يف طياهتا من أساطَت وخرافات اليت تكبل التفكَت
اإلنساين األورويب و تقيد عقلو ».3
على الرغم من القيم اليت غرسها فالسفة األنوار خبصوص التحرر وادلواطنة و ادلساواة و الدؽلقراطية وحقوق
اإلنسان وفضال عن تكريس مقاييس العقل و العلم والنقد ،فقد قام الفكر الفلسفي الغريب بتغييب كل
الكلمات اإلنسانية الطبيعية األخرى من أىواء وخيال العتبارىا مصدر للخطأ وعنصر مشوشا عن ادلعرفة
احلقة.
1جينايت فاتيمو ،هناية احلداثة الفلسفات العدمية و التفسَتية ،ترصبة:فاطمة اجليوشي ،منشورات وزارة الثقافة ،دمشق ،دط،1998 ،
ص.178
2يورغن ىابرماس ،القول الفلسفي للحداثة ،ترصبة:فاطمة اجليوشي منشورات وزارة الثقافة ،دط ،1995 ،ص.119
3زلمد نور الدين أفاية ،احلداثة و التواصل يف الفلسفة النقدية ادلعاصرة ،إفريقيا الشرق ،بَتوت لبنان ،ط ،1998 ،2ص.117
58
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة ..........................المبحث الثاني :قيم ما بعد الحداثة
« لكن يف نظر نيتشو اقًتنت احلداثة بالتجليات األساسية النتصار العقل األدايت وسلطتو ،شلا أدى إىل الشطط
يف استعمال العقل والدعوة إىل حياة ميالة إىل التجريد ونافية كل ما من شأنو يذكرىا بالرغبات اجلسدية و
النوازع الطبيعية ،الشيء الذي أدى باحلداثة إىل ولوج مرحلة األزمة و التوتر وأن احلداثة ال ؽلكن أن تواصل
مسَتهتا بدون أزمات ألهنا زبتزن يف ثناياىا احتماالت األزمة ،وتبدو وكأهنا عناصر مؤسسة للحداثة ».1
«
بديهي ،طرح سؤال احلداثة لصيق بتاريخ األفكار الغربية إىل درجة أن ىناك من يعترب احلداثة مرادفة للفكر
الغريب ،وتعبَتا عن شيء جلي على قيمو وتصوراتو ،وعن موقفو من العديد من القضايا احلساسة احمليطة بو،
فغموض مفهوم احلداثة يؤثر على داللة مفهوم ما بعد احلداثة ،فَتد ىذا ادلفهوم غامضا رخويا بسبب استناده
إىل احلداثة و إنبنائو عليها ».2
ومن ىذا نقول أن فكرة احلداثة كمفهوم عائم وفضفاض ،ترفض كل تعريف ،أي كل ربديد وكمشروع ضخم
مرتبط ارتباطا وثيقا بالسياق الثقايف للغرب أي بالعقالنية الغربية حبيث ال ينظر إىل ذبارب اآلخرين إال بصورة
مستنسخة لنماذج الغرب ،شلا جعل احلداثة عبارة عن ظلوذج كوين ال يعمل اآلخرون إال على إعادة إنتاج
عناصره ،فالتحديث مع التغريب كما يقال.
« وىذا ما يفسر كون الفكر الغريب عاد يف ادلرحلة الثانية إىل مرحلة ادلراجعة و التصحيح إىل إخضاع ادلطلقات
السابقة للنقد ،فمارست النقد الذايت حىت تستطيع ادلسار و تثبيت األصول والسَت بالفكر احلداثي إىل طريق
النجاة ،ىكذا نشأت نرجسية العقل الغريب التواقة إىل إرادة السيطرة وإرادة القوة ،بل إن الرغبة اجلازلة واجلارفة
إىل اذليمنة تقوده وتوجهو مع عدم امتالك الشجاعة الكاملة لإلعالن أن ال وجود لعقل شامل ».3
59
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة ..........................المبحث الثاني :قيم ما بعد الحداثة
أما بالنسبة إىل ادلقاربات النقدية اليت وجهت إىل احلداثة ما ىي يف الواقع إال زلاولة لتكريس مشروع احلداثة
ذاتو بسبب انغالقها على ذاهتا وعدم فتحها أفاق مشروع آخر زلتمل ،وحىت تستطيع أن تنعم بالدؽلومة و
االستمرارية وأن تبقى معاصرة . contemporaineكما يقول "بودريار.
«كما صلد "ىابرماس"حُت أقدم على نقد احلداثة ،باعتبارىا مل تستغل كل إمكانياهتا استغالال تاما فإنو يقر بأن
احلداثة مشروع مل يكتمل بعد,إنو ذبدد مستمر و سَتورة ال متناىية ،ونالحظ كذلك "أودماركفارد" يذوذ على
احلداثة بقوة ،حيث يرى أنو عندما ندعو إىل ترك احلداثة فإننا ندعو إىل ترك مكتسبات عصر التنوير ،ومن ىنا
يقول:كفانا من اخلطابات الًتىيبية وادلأسبية,وػلث على احملافظة على مكتسبات عصر التنوير بتنبيو نظرية
التوازنات االجتماعية ،اليت ؽلكن أن نطلق عليها "نظرية التعويض" ،دبعٌت أن التوازن والتكافؤ والتقليص من
حدة الصراع بُت األطراف مبدأ احلكم من العالقة بُت النزاعات الفلسفية يف كل عصر ».1
«كما أن ىناك من الفالسفة من وقف موقفا ووسطا ،فشبو احلداثة بالعملة إذ ىي ذات وجهُت
متعارضُت:وجو إغلايب ،ووجو سليب ،فالوجو األول يتجلى يف ظهور العقالنية وسيادة قيمها يف جل مظاىر
احلياة العصرية ،وأما الوجو الثاين فيتمثل يف هتميش كل ما ؽلس بصلة من الرغبات اجلسدية واألىواء واخليال
وادلتخيل والنوازع الطبيعية ،ىكذا تبقى األزمة مطروحة وبإحلاح ستظل تستمر وتتعمق ،كما أن عناصر جديدة
ستحاول الدخول يف خضمها وتعديلها ».2
«
لقد برز يف تاريخ الفكر الغريب مفهوم ما بعد احلداثة ,الذي يعد من ادلصطلحات األكثر إلتباسا وإيثارة
حيث اختلف حولو النقاد والدارسون نذرا لتعدد مفاىيمو ومدلوالتو من ناقد إىل آخر.
فهناك من ػلدد مصدره ويربطو بادلؤرخ الربيطاين "توينيب" ،1959الذي جعلو يدل على عالقات ثالث ميزت
الفكر واجملتمع الغربيُت وىي:الالعقالنية ،الفوضوية و التشويش ،وبعد ذلك نقل ىذا ادلصطلح إىل رلاالت
60
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة ..........................المبحث الثاني :قيم ما بعد الحداثة
متعددة كمجال العمارة ،الرقص ادلسرح التصوير السينما و ادلوسيقى ،ورلال النقد األديب للتأسيس على
تسطح احلركة احلداثية ،وىكذا يأيت ىذا ادلفهوم غامضا فضفاضا بسبب استناده إىل مفهوم احلداثة وبسبب
توظيفو وإطالقو على أمور إىل احلد الذي يصَت معو فاقدا للمعٌت ».1
فقد اعتمدت فلسفة ما بعد احلداثة على التشكيك والقويض والعدمية وذلك باعتبارىا فلسفة التفكيك
والتقويض والتحطيم أي ادلقوالت ادلركزية الكربى اليت ىيمنت على الثقافة الغربية من أفالطون إىل يومنا ىذا.
ففالسفة ما بعد احلداثة اعتمدو على التناص و الالنظام و الالانسجام بل ىم حاولوا النظر يف الكثَت من
ادلسلمات وادلقوالت ادلركزية اليت تعارف واعتمد عليها الفكر الغريب,فتزعزعت صبيع ادلفاىيم التقليدية
والقيم.فعملت ىذه الفلسفات جبهد كبَت على ربرير اإلنسان من ادلقوالت ادلركزية اليت ربكمت فيو ويف الثقافة
الغربية ألمد طويل فلسفيا وأنطلوجيا ولسانيا مع زبليصو من ادلثولوجيا الغربية القائمة على اذليمنة و اإلستغالل
واإلستالب والتعليب والتغريب.
وذلك باعتمادىم عن طريق التسلح دبجموعة من اآلليات الفكرية وادلنهجية كالتشكيك يف األفكار والقيم
الثقافية الغربية و فضح أوىامها اإليديولوجية وتعرية خطاباهتا وأفكارىا وقيمها األخالقية ادلبنية على السلطة و
العنف والقوة,يف حُت أن فلسفة ما بعد احلداثة جاءت كرد فعل على التمييز العرقي و اللوين و اجلنسي والثقايف
والطبقي واحلضاري
ىناك العديد من الفالسفة يعرفون بفالسفة االختالف أو فالسفة الصوت أمثال:ميشال فوكو ،وجاك دريدا
وجيل دولوز « ،تتلخص أطروحتهم يف الرفض التام لشعار التنوير واعتباره رلرد وىم ليس إال ،يدعو فوكو إىل
تطوير أظلاط جديدة من السلوك والتفكَت والرغبة ،أظلاط تنبٍت على التعدد والتنوع ويتجلى ىذا التصور يف
تفكيك فوكو دبيكانيزمات السلطة اليت اعتربىا ال هنائية ».2
1بيًت بروكر ،احلداثة وما بعد احلداثة ،ترصبة:د.عبد الوىاب علوب منشورات اجملمع الثقايف ،االمارات العربية ادلتحدة ،ط،1995 ،1
ص.16
2ادلرجع نفسو ،ص.219
61
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة ..........................المبحث الثاني :قيم ما بعد الحداثة
نلمس من خالل ىذا التيار الفلسفي نزعة ضلو النفي ما بعد احلداثي مثل مصطلحات :التشتيت
،dispersionالتفكيك ،déconstructionالالإستمرارية ،discontinuitاالختالف différence
،االنفصال.disjonction
« ىناك أفكار جديدة فارضة وجودىا بقوة ،ربت يافضة ما بعد احلداثة كمفهوم جديد وكمشروع حضاري
كوين ،وكبديل حقيقي للسابق الذي ترىل كأرجل صنم نيتشو ،ويتسم خطاب ما بعد احلداثة بلغة مشحونة
بالغرائب والعجائب ،كما تطغى عليو مالمح كوارث الدنيا وفواجعها ،لقد سبيز ىذا العصر باألعلية اليت صارت
ربظى هبا ادلعرفة يف احلياة ادلعاصرة ،واليت جعلت منها بدال من اإلنتاج ادلادي أي االقتصاد ،القوة الرئيسية
للتطور والتقدم ،حيث أصبح االقتصاد تابع يتوىل من خاللو مهمة إشباع احلاجات اجلديدة للثقافة ».1
«
أما بالنسبة للفيلسوف جان "فرانسو ليوتار"فهو يرى أن علم "بعد التحديث" أو ما بعد احلداثة ىو تتبع
األىداف التقنية والتجارية لألداء األمثل ،وىو تعبَت أوجده تقدم تكنولوجي جديد غلعل من ادلعلومات كما
أساسيا ،إال أن ىذا النظام التكنوقراطي يتعارض مع واقع ذبرييب يشكك يف مثل العامل العادي ،وما يطلق عليو
"ليوتار"باسم نشاط ادلغالطة ادلستخدم يف التربير الغَت منطقي أو ادلتناقض ،يؤدي إىل اقتحام رلاىل ادلعارف
احلديثة ،وىكذا يظهر مصدر جديد للشرعية بتم استثماره يف أظلاط قصصية أكثر تواضعا ،وحسب تعبَت
"ليوتار" إن "ما بعد احلديث يعد بال شك جزءا من احلديث" ».2
ومن ىذا القول نستنتج أن "ليوتار"ومعو نزعة التفكيك برمتها قد اعترب بنوع غَت زلوري أن ما بعد احلداثة
يتوافق مع التعددية يف العناصر اإلجتماعية ،ومع كل ما ىو زللي ومؤقت وبراصبايت ،وال تتقرر أحكامو
السياسية أو األخالقية سلفا ،زمن ناحية أخرى,تبدو أراءه وكأهنا نوعا رومانسيا من الفوضوية ،تركز على
البالغة وهتمل التحول اإلجتماعي ادلادي.
62
الفصل الثالث :نيتشه والقيم المعاصرة ..........................المبحث الثاني :قيم ما بعد الحداثة
ومن ىذا نستخلص أن عصر ما بعد احلداثة جاء كنفي وذباوز ألطروحة احلداثة ،فقامت بتعريتها واستجالء
مكامن ضعفها حىت أوصلتها إىل االحتضار فأعلنت "موت احلداثة" إلعطاء ادلشروعية ألطروحتها الفلسفية
الغربية اليت رباول إصباغها بالصبغة الكونية,ألهنا توجد يف وضعية متقدمة تسمح ذلا بتجاوز اآلخرين وتفرض
عليهم بطريقة أو بأخرى ضرورة العودة إليها,و االقتباس من اصلازاهتا ادلتعددة وادلتنوعة اليت ال تنضب ،شتان ما
بُت عامل يئن ربت وطأة احلاجة مل ػلقق بعد ادلكتسبات البيولوجية ،ال زال يكافح من أجل البقاء ،وعامل يرفل
يف النعيم يسمى بعامل الرفاه ،ػلاول إعادة النظر يف اإلرىاب الذي مارسو على الطبيعة والبيئة ،واإلنسان يعي
جيدا أنو يعيش مرحلة تارؼلية دينامية تتميز بتحول صاروخي ،تتجو باحلضارة اإلنسانية إىل الزوال والتالشي
وباإلنسانية صبعاء إىل الفناء.
إال أن لفلسفة ما بعد احلدثة عيوب خطَتة رغم مزاياىا,ومن أىم ىذه العيوب:
«-نظرية عبثية زفوضوية وعدمية وتقويضية تساىم يف تثبيت االنظمة اإلستبدادية والقمعية والتنكيلية.
63
الخاتمة العامة........................................:أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة "نيتشه نموذجا".
الخاتمة:
خالصة القول:
أن فلسفة "نيتشو"قد عانت الكثري من النقد و االستهجان ،حيث اعتربىا بعض الفالسفة و ادلفكرين قصيدة شعرية أكثر
منها فلسفة ،فنظامو األخالقي كان فيو غلو كبري ،حبيث أنو ال داعي إىل حث الرجال ألن يكونوا أشد قسوة وأكثر شرا
وليس من اإلنصاف أن نشكو من األخالق سالح يف يد الضعيف يستخدمها للحد من قوة القوي ،و الواقع أن األقوياء مل
يتأثروا باألخالق كثريا بل استخدموىا استخداما يتناسب مع منفعتهم ،وكذلك اإلنسان األعلى الذي اعتربه نيتشو مستقبل
ال ميكن اللحاق بو أبدا واحلقيقة الوحيدة اليت تبقى وسط ىذا الدما الذي يصيب احلقائق وادلذاىب مجيعا ىي تلك اليت
تؤكد أن يف اإلنسان اندفاعا ووثبة حنو ممكن يفلت منو إفالتا ،ظ ف إىل ذلك أن اخلطأ األكرب الذي وقع فيو "نيتشو" –على
حد تعبري ىؤالء الفالسفة -أنو تصور أن اإلرادة اإلذلية تقف عائقا يف سبيل حرية اإلرادة اإلنسانية ومن مث استبعاد ىذه
اإلرادة متاما من األخالق اليت يقدمها كبديل عن األخالق التقليدية ،وبإلغاء ىذه اإلرادة اإلذلية من األخالق عند "نيتشو"
تصبح حرية اإلرادة اإلنسانية بال معىن على اإلطالق ،ويفقد العامل كل معانيو و حتل العدمية ،كما يعتق أيضا نيتشو أن فكرة
العود األبدي ىبطت عليو يف ظروف تشبو ظروف الوحي أو اإلذلام ،ومن مث فإنو يراىا جديدة كل اجلدة رغم تعمقو لتاريخ
الفكر اليوناين ،وحقيقة األمر أهنا فكرة قدمية قال هبا الفيتاغوريون من قبل و اجلدة اليت أضافها نيتشو عليها حماولة تربير على
األسس العلمية السائدة يف عصره ،ومن النتائج األخالقية لفكرة العود األبدي ىو أنو يضفي صفة اخللود على احلياة اليت
يقدسها نيتشو كل التقديس وعلى كل حلظة من حلظاهتا ،وقبولنا للحياة وحبنا للمصري ،ال عن استسالم وإمنا عن حب
لكل أىواذلا وتقلباهتا واحتمال لكل ما فيها من آالم وشدائد ،حبيث شعارنا ىو غش حيث ترغب يف احلياة ثانية.
67
الخاتمة العامة........................................:أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة "نيتشه نموذجا".
إذن رغم النقد و اإلستهجان الذي وجو إىل "نيتشو" فإنو يبقى طودا راسخا يف الفكر ادلعاصر ،واستطاعت فلسفتو أن
حتتفظ بسحرىا وجاذبيتها اليت عرفت هبا حىت اليوم ،كما جند أن العديد من ادلفكرين والفالسفة تأثروا بفلسفة "نيتشو" ،فقد
كان ملهما للكثري من الكتاب العظماء يف القرن العشرين ،مثل:توماس مان ،وأندريو مالرو ،جان بول سارتر ،ألبري كامو،
والواقع أن "نيتشو يبغي من إرادة القوة قلب لوح القيم ،حتويل كل القيم القدمية إىل قيم جديدة ،نسق أخالق القطيع من
التافهني والضعفاء ،وإقامة أخالق األسياد حنو آفاق احلياة الربيئة,
68
المالحق
يف أواسط القرن التاسع عشر ولد "فريديريك نيتشو" ،يف ريكن وىي بلدة تقع قرب ليتسج بتاريخ ،1844/10/15ينحدر
من أسرة دينيةفأبواه من وسط أغلب أفراده شغلوا مناصب دينية ،إلتحق عام 1844مبدرسة بفورتا وبعد 6سنوات غادرىا
ليتجو إىل جامعة بون ،وبعدىا إىل ليتسج متأثرا بأستاذه يف اللغويات "ريتشل" ،حينها بدأ يتبلور ميلو إىل دراسة اللغويات
واآلداب الكالسيكية منصرفا بذلك عن دراسة الالىوت ،بعد إنتهاء دراستو اجلامعية ،أختري أستاذ لفقو اللغة يف جامعة
بازل ،عرفت حياتو الفكرية من خالل إنتاجاتو وأعمالو الفكرية ،تنقالت وتطورات عديدة فإىل جانب قلة جناحو يف مرحلة
األستاذية اجلامعية ،مل يلقة أول كتابو "ميالد املأساة من روح املوسيقى" إىتماما كبريا ،كما ألف كتابو "خواطر يف غري أواهنا"
لتأثره ببعض معاصريو من أمثال (شوبنهاور ،فاغنر).
بعدىا يكن عن ذلك التأثر ليبدأ مرحلة التأليف العقلي النقدي متوجها إىل كل قيم ومقومات العصر من خالل "إنسان
مفرط يف إنسانيتو" جبزأيو األول سنة ،1876والثاين سنة ،1879وبعد سنة واحدة كتب "الفجر" ،وسنة 1882أظهر
كتابو "العلم املرح" و"ىكذا تكلم زرادشت" ما بني ،1885-1883و"مبعزل عن اخلري والشر سنة 1885أيضا ،وكذا
"أصل األخالق وفصلها سنة .1887
ومن خالل مجيع تلك السنوات حضر نيتشو لتدوين خالصة فلسفتو بطريقة منظمة يف مؤلف كبري نشر بعد وفاتو حتت إسم
" إرادة القوة" وكان كتابو "ىو ذا اإلنسان" آخر ما طوى بو تارخيو الفكري ،وبعد صراع طويل خاضو نيتشو مع املرض إنتهى
بو املطاف إىل اجلنون ،تةيف يف .1900/8/25
70
قائمة المصادر والمراجع
اآليات القرآنية:
-1المصادر:
أ-باللغة العربية:
-1أفالطون ،يف الفضيلة( ،حماورة مينون) ،ترمجة:عزت القرين ،دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع ،القاىرة.2001 ،
-3إمانويل كانت ،تأسيس ميتافيزيق األخالق ،ترمجة عبد الغفار مكاوي ،منشورات اجلنب ،أدلانيا ،ط.2002 ،1
برترند راسل ،تاريخ الفلسفة الغربية "الفلسفة احلديثة" ،ترمجة حممد فتحي الشنيطي ،مطابع اذليئة ادلصرية العامة للكتاب،
اإلسكندرية.1988 ،
-4نيتشو ،أفول األصنام ،ترمجة:حسان بورقية ،حممد الناجي ،افريقيا الشرق ،ط .1996 ،1
-5نيتشو ،الفلسفة يف العصر ادلأساوي اإلغريقي ،ترمجة:ميشال فوكو ،ادلؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع،بًنوت
لبنان ،ط.1993 ،2
-6نيتشو ،إنسان مفرط يف إنسانيتو ،ترمجة حممد الناجي ،إفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،اجلزء األول.1998 ،
-8نيتشو ،يف جينيالوجيا األخالق ،ترمجة:فتحي ادلسكيين ،دار سيناترا ،تونس ،ط.2010 ،1
-9نيتشو ،ميالد الرتاجيديا ،ترمجة:حممد الناجي ،إفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،ادلغرب ،د ط.2011 ،
-10نيتشو ،نقيض ادلسيح ،ترمجة على مصباح ،منشورات اجلمل ،بًنوت ،لبنان ،دط.2011 ،
-11نيتشو ،ىكذا تكلم زرادلشت ،ترمجة :فليكس فارس ،اإلسكندرية ،مطبعة جريدة البصًن،دط.1938 ,
-12نيتشو ،ىو ذا اإلنسان ،عن األدلانية :علي مصباح ،منشورات اجلمل,دط,دت.
-13نيتشو,ما وراء اخلًن و الشر,تر,:ادلؤسسة الوطنية لإلتصال و النشر واإلشهار,لبنان ,ط2003 ,1
قائمة المصادر والمراجع
-2المراجع:
-1أمحد أمٌن وزكي جنيب حممود ،قصة الفلسفة اليونانية ،مطبعة جلنة التأليف والنشر.1936 ،
-2أمحد أمٌن ،كتاب األخالق ،مطبعة دار الكتب ادلصرية ،القاىرة ،ط.1931 ،3
-3أندري كريسون ،ادلشكلة األخالقية والفالسفة ،ترمجة عبد احلليم حممود وأبو بكر ذكرى ،دار الشعب ،القاىرة.1975 ،
-4أندلسي حممد ،نيتشو وسياسة الفلسفة ،دار توبقال للنشر ،ادلغرب ،ط.2006 ،1
-5إينت جيليسون ،روح الفلسفة ادلسيحية يف العصر الوسيط ،ترمجة إمام عبد الفتاح إمام ،مكتبة مدبويل ،الكويت ،ط،3
.1996
-6بدوي عبد الرمحان ،خالصة الفكر األوريب ،وكالة ادلطبوعات ،الكويت ،ط.1985 ،5
-7بيرت بروكر ،احلداثة وما بعد احلداثة ،ترمجة:د.عبد الوىاب علوب منشورات اجملمع الثقايف ،االمارات العربية ادلتحدة،
ط.1995 ،1
-8بييار ىرب سوفرين ،زراديشت نيتشو ،ترمجة أسامة احلاج ،ادلؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بًنوت.1994 ،
-9تلنز مايكل ،نيتشو مقدمة قصًنة جدا ،ترمجة:مروة عبد السالم ،مؤسسة ىنداوي للتعليم و الثقافة ،مصر ،ط،1
.2015
-10اجلرجاين الشريف ،كتاب التعريفات ،مكتبة لبنان ،دط.1978 ،
-11جون ماكوري ،الوجودية ،ترمجة إميام عبد الفتاح إميام ،سلسلة كتب ثقافية شهرية ،الكويت.1978 ،
-12جيل دولوز ،نيتشو والفلسفة ،ترمجة أسامة احلاج ،ادلؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بًنوت ،دط.1993 ،
-13جينايت فاتيمو ،هناية احلداثة الفلسفات العدمية و التفسًنية ،ترمجة:فاطمة اجليوشي ،منشورات وزارة الثقافة ،دمشق،
دط.1998 ،
-14د.رأفت غنمي الشيخ ،فلسفة التاريخ ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،القاىرة ،د ط.1981،
قائمة المصادر والمراجع
-15ديورانت ويل ،قصة الفلسفة من أفالطون إىل جون ديوي ،ترمجة فتح اهلل حممد ادلشعشع ،مكتبة ادلعارف ،بًنوت،
ط.1972 ،2
-16الربيع ميمون ،نظرية القيم يف الفكر ادلعاصر بٌن النسبية و ادلطلقية ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،اجلزائر.
-17الربيع ميمون ،نظرية القيم يف الفكر ادلعاصر بٌن النسبية وادلطلقية ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،اجلزائر.1980 ،
-18رشيد البندر ،مذىب ادلعتزلة من الكالم إىل الفلسفة ،دار النبوغ والنشر والتوزيع ،لبنالن ،ط.1994 ،1
-19رودولف شتايينر ،نيتشو مكافحا ضد عصره ،ترمجة حسن صقر ،دار احلصاد ،سوريا ،ط.1998 ،1
-21كي جنيب حممود ،قصة الفلسفة احلديثة ،جلنة التأليف والرتمجة والنشر ،القاىرة.1936 ،
-22سدجويك ،اجململ يف علم األخالق ،ترمجة:توفيق الطويل ،دار الثقافة باألسكندرية ،ج ،1ط.1949 ،1
-23صفاء عبد السالم علي جعفر ،حماولة جديدة لقراءة فريديريش نيتشو ،دار ادلعرفة اجلامعية.1999 ،
-24صفاء عبد السالم علي جعفر ،حماولة جديدة لقراءة فريدريك نيتشو ،دار ادلعرفة اجلامعية ،اإلسكندرية.2001 ،
-25عبد الرمحان بدوي ،خريف الفكر اليوناين ،شركة الطباعة الفنية ادلتحدة ،القاىرة ،ط.1980 ،4
-26عبد الرمحان بدوي ،فلسفة العصور الوسطى ،وكالة ادلطبوعات ودار القلم ،الكويت ولبنان ،ط.1989 ،3
-27عبد الرزاق بلعقروز ،نيتشو ومهمة الفلسفة ،الدار العربية لعلوم الناشرون ،اجلزائر ،ط.2010 ،1
-28عدنان رزيقة ،الكايف يف الفلسفة ،دار الرحيانة للكتاب ،جسور للنشر والتوزيع.2006 ،
-29عزت قرضي ،الفلسفة اليونانية حىت أفالطون ،الطبع ذات السالسل ،الكويت.1993 ،
-30فنك اويغن ،فلسفة نيتشو ،ترمجة:إلياس بدوي ،مؤسسة الوحدة للطباعة و النشر والتوزيع ،دمشق.1974 ،
-31فؤاد كامل ،أعالم الفكر ادلعاصر ،دار اجليل ،بًنوت ،لبنان ،ط.1993 ،1
-32فيليب تودي سارتر ،ترمجة إميام عبد الفتاح إميام ،اجمللس األعلى للثقافة /مصر.
-33قمًن يوحىن ،نيتشو النيب ادلتفوق ،منشورات دار ادلشرق ،بًنوت ،دون ط.1985 ،
قائمة المصادر والمراجع
-34كامل فؤاد ،أعالم الفكر الفلسفي ادلعاصر ،دار اجليل ،بًنوت ،لبنان ،ط.1993 ،1413 ،1
-36كمال البكاري ،ميتافيزيق اإلرادة ،دار الفكر العريب ،بًنوت ،ط.2000 ،1
-37حممد اخلطيب ،الفكر اإلغريقي ،منشورات دار عالء الدين ،مكتبة االسكندرية ،دمشق ،ط.1999 ،1
-38حممد الشيخ ،ياسر الطائري :مقاربات يف احلداثة وما بعد احلداثة ،دار الطليعة للطباعة و النشر ،بًنوت ط،1
.1996
-39حممد الطاىر ،علم األخالق "النظرية والتطبيق" ،دار ومكتب اذلالل ،بًنوت ،لبنان.1987 ،
-40حممد أندلوسي ،نيتشو وسياسة الفلسفة ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء "ادلغرب" ،ط.2006 ،1
-41حممد عبد الرمحان مرحبا ،مع الفلسفة اليونانية ،منشورات عويدات ،بًنوت ،لبنان ،ط.1988 ،1
-42حممد عبد الستار النصار ،دراسات يف فلسفة األخالق ،دار القلم ،الكويت.1982 ،
-43حممد علي أبو ريان وعباس حممد حسن سليمان ،مدخل لدراسة الفلسفة اإلسالمية ،دار ادلعرفة اجلامعية ،دط.
-44حممد فتحي عبد اهلل وعالء عبد ادلتعايل ،دراسات يف الفلسفة اليونانية ،دار احلضارة ،طنطا ،مصر.
-45حممد نور الدين أفاية ،احلداثة و التواصل يف الفلسفة النقدية ادلعاصرة ،إفريقيا الشرق ،بًنوت لبنان ،ط.1998 ،2
-46مصطفى النشار ،مدرسة اإلسكندرية "الفلسفة بٌن الرتاث الشرقي والفلسفة اليونانية" ،دار ادلعارف ،القاىرة ،ط،1
.1990
-47مىن أمحد أبو زيد ،الفكر الديين عند زكي جنيب حممود ،ادلؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر،بًنوت لبنان ،ط.1
-48حممد عبد ادلعز ،يف النظريات والنظم السياسية ،دار ابلنهضة العربية للطباعة والنشر.
-49ىنري كوربان وحسٌن نصر ،ترمجة نصًن مروى وحسن قيملي ،تاريخ الفلسفة اإلسالمية "منذ الينابيع حىت وفاة ابن
رشد" .78 ،1198 ،عويدات للنشر والطباعة مع دارغاليمار ،بًنوت ،باريس ،ط.1998 ،2
-50وجدي فريد حممد ،دائرة معارف القرن العشرين ،اجمللد الرابع ،دار الفكر ،بًنوت لبنان.
-51وليام كان رايت ،تاريخ الفلسفة احلديثة ،ترمجة حممود سيد أمحد ،اجمللس األعلى للثقافة ،ط.2005 ،2
قائمة المصادر والمراجع
-52يورغن ىابرماس ،القول الفلسفي للحداثة ،ترمجة:فاطمة اجليوشي منشورات وزارة الثقافة ،دط.1995 ،
-53يوسف كرم ،تاريخ الفلسفة األوربية يف العصر الوسيط ،دار ادلعارف ،مصر.1119 ،
-54يوسف كرم ،تاريخ الفلسفة احلديثة ،دار ادلعارف ،مصر ،ط.1966 ،2
باللغة الفرنسية. :
1-alain touraine,critique de la modernité,fagaid,pois.
2-thihel serres :eclairssenent entetiens ailec,bruno yatown ,francois,1992.
-3المعاجم والموسوعات:
أ-باللغة العربية:
-1ابراىيم مذكور ،معجم العلوم اإلجتماعية ،اذليئة العامة للكتاب ،حرف الدال ،القاىرة ،دط.1975 ،
-2ابراىيم مذكور ،اذليئة العامة للشؤون و ادلطابع األمًنية ،القاىرة.1983 ،
-5بدوي عبد الرمحان ،ادلوسوعة الفلسفية ،ادلؤسسة العربية للدراسة والنشر ،بًنوت ،ج ،1ط .1984 ،1
-6بدوي عبد الرمحان ،موسوعة الفلسفة ،ج.2
-7تدىوندرتش ،ترجنيب احلصادي ،دليل أكسفور للفلسفة ،ادلكتب الوطين للبحث والتطوير.
-8جالل الدين سعيد ،معجم ادلصطلحات والشواىد الفلسفية ،دار اجلنوب للنشر ،تونس.2004 ،
-9صليبا مجيل ،ادلعجم الفلسفي ،ج ،1دار الكتاب اللبناين ،مكتبة ادلدرسة ،بًنوت.1982 ،
-10صليبا مجيل ،ادلعجم الفلسفي ،دار الكتاب البناين ،بًنوت ،دط ،ج.2
:ب)باللغة الفرنسية
1- A. lande ,voc,tic,de la philosofie,puf paris , 15ed 1985.
2- Le petit larousse illustré , nuriguy le chàtel, juillet 2008, p1744, paris,
France.
فهرس األعالم
الصفحة الشخصية
ص (-33-33-37-33-33-33-33-32-7 نيتشه
-34-33-37-33-33-33-33-34-34-34
)34-33-33-37-33-33-33-33-34
ص ()3-4 آدم سميث
ص ()3-4 كارل ماكس
ص ()3-3-4-3-4 ابن منظور
ص ()7-3-4 توماس هوبس
ص ( )33-3 ميشال فوكا
ص ()3 جون لوك
ص ()33-3 دافيد هيوم
ص ()3-3 آندري الالند
ص ()3 رونوفييه
ص ()44 زكي نجيب محمود
ص ()43 رينان
ص ()43-43 سقراط
ص ()33-47-43-43-43 أفالطون
ص ()43-43 أرسطو
ص ()34-34-43-47 أوغسطين
ص ()43 فيلون
ص ()43 المعتزلة
ص()44 األشاعرة
ص()33-33-44 ديكارت
ص()44 باروخ سبينوزا
ص()33-44 اليب نيتز
ص()44-44-7-3 إيمانويل كانط
ص(43 جون بول سارتر
نيمتش
زراديتش
هيراغليش
ص (-7 شوبن هاور
فهرس األعالم
بروتاغورس
فاغنر
هيقل
فينغنششيان
مارن هايدوغر
تونيبي
جاك دريدا
جيل دولون
فهرس الموضوعات
تشكر
إهداء
مقدمة ........................................................................................أ