You are on page 1of 79

‫الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة ابن خلدون تيارت‬
‫كلية العلوم اإلنسانية والعلوم االجتماعية‬
‫قسم العلوم اإلنسانية‬

‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في الفلسفة‬


‫"تخصص فلسفة عامــة" الموسومة بـ ـ ـ ـ ـ‬

‫أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة‬


‫"نيتشه نموذج ـ ـ ـ ـ ـ ــا"‬

‫بإشراف األستاذ‪:‬‬ ‫من إعداد الطالبين‪:‬‬


‫كرطالي نورالدين‬ ‫‪ ‬دانـــي أحــالم‬
‫‪ ‬عبــروس مليكة‬
‫اللجنة المناقشة‬
‫لكحــل فيصــــــل ‪............................................................‬رئيسا‬
‫كرطالي نورالدين‪....................................................‬مشرفا و مقررا‬
‫بن الناصر الحاجة‪..........................................................‬مناقشا‬

‫السنة الجامعية‪5102/5102 :‬م‬


‫‪0341/0342‬ه‬
‫المقدمة العامة‪............................:‬أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة "نيتشه نموذجا"‪.‬‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫لقد كانت الفلسفة من العصر ادلأساوي إىل يومنا ىذا هتتم دبشكلة األخالق‪ ،‬فتعددت التفسريات‪ ،‬غري أن‬
‫ىذه القيم وإن كانت تعتمد على تفسري الالىويت ادليتافيزيقي يف العصر احلديث قد لقيت العديد من اإلنتقادات‬
‫والتقوميات فإىتمت بأهنا ال تتماشى مع غرائز اإلنسان وال حاجاتو‪ ،‬أي أهنا قيما ال زبدم احلياة وال الطبيعة‪،‬‬
‫فعلى اإلنسان ذباوزىا ورفضها وإستبداذلا‪.‬‬

‫فعلى ىذا األساس كانت الفلسفة يف العصر ادلعاصر سبثل منعطفا ىاما يف تاريخ القيم‪ ،‬وىذا نظرا للدور الذي‬
‫لعبتو يف الفكر اإلنساين‪ ،‬الذي عمل على ىدم وتقويض رلمل طوباوياهتا‪.‬‬

‫فمثل "فريديريك نيتشو"* منعطفا خاصا يف تاريخ الفلسفة وذلك بشكل عام‪ ،‬ويف الفلسفة احلديثة وبشكل‬
‫خاص‪ ،‬حيث أن ىذا األخري مل يقدم رؤية تراكمية‪ ،‬وال تواصل لتطور الوعي الفلسفي الغريب‪ ،‬فقد غري سباما‬
‫وباألخص ما جاء يف القيم األخالقية‪ ،‬حينما رأى أن قيم احلياة يف احلضارة اإلنسانية تزداد إهنيارا أو إختناقا‬
‫بسبب ادلسيحية تربز أخالقيتنا اإلنتقادية‪ ،‬وعقالنية تكتفي بإضفاء الشرعية على العبودية‪ ،‬فأصبح اإلنسان طابعا‬
‫سبرديا يسعى لتحطيم األوثان‪.‬‬

‫"فنيتشو" مل يتجو إىل الفلسفة فحسب بل تعداىا إىل الدين واألخالق‪ ،‬فأعترب مظهرا من مظاىر العبقرية األدلانية‪،‬‬
‫وذلك من خالل منط فكره الصاعق الذي إنفرد بو‪ ،‬والنظرية الثاقبة اليت سبيز هبا‪ ،‬وصلتو الوثيقة بعصره‪ ،‬وثورتو على‬
‫إحنطاط الثقافة األوربية‪ ،‬وخاصة تلك القيم ادلسيحية اليت كانت سائدة يف ذلك الوقت جعلو حيمل لواء قلب‬
‫القيم وىدمها‪ ،‬إال أن ىذا اذلدم كان من أجل البناء‪ ،‬فهو سيتوىل من جهة تدمري القيم السائدة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫وضع إرادة القوة اليت ىي عمود فلسفتو‪ ،‬وتبين اإلنسان األعلى الذي ىو سر التفوق على البشر وربقيق ذاتو‪.‬‬

‫فإحنصر تفكريه على نقد القيم األخالقية والدينية‪ ،‬وقلب القيم وإستبداذلا‪.‬‬

‫وعلى ىذا إرتأينا أن ندرس جزءا ىاما من نظريتو يف القيم األخالقية‪ ،‬من أجل حبث وتقومي ىذا ادلوضوع مت ربديد‬
‫اإلشكالية التالية وىي‪:‬‬

‫‌ *‌فريديريك نيتشو (‪ :)1000-1444‬فيلسوف وشاعر أدلاين ثار على القيم األخالقية‪ ،‬وىو صاحب فلسفة القوة واإلنسان‬
‫األعلى‪‌ .‬‬

‫‌أ‬
‫المقدمة العامة‪............................:‬أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة "نيتشه نموذجا"‪.‬‬

‫إذا إعتبرنا أن نيتشه ناقدا للعصر الذي عاشه‪ ،‬وألزمة القيم السائدة فيه‪ ،‬فكيف كان إذا طرحه للقيم؟ وعلى‬
‫أي أساس بناها؟ وهل يمكن إعتبار إرادة القوة هي أساس العالقات؟ وهل اإلنسان األعلى هو صانع القيم؟‬
‫وما هي اإلنتقادات التي وجهت له؟‬

‫وقد تظهر رلموعة من التساؤالت وادلشكالت أثناء الدراسة والتحليل‪ ،‬اليت سوف نعمل على اإلجابة عنها‪.‬‬

‫ومن أجل دراسة‬

‫ىذا ادلوضوع‪ ،‬غعتمدنا يف حبثنا على ادلنهج التحليلي الذي يتالءم وطبيعة العقل اليت سبيل إىل التفكيك والتقسيم‬
‫والتبسيط‪ ،‬وىذا نظرا دلالئمتو ألفكار "فريديريك نيتشو" الذي سبتاز بالغموض والتقنع يف بعض األحيان‪.‬‬

‫ألجل ذلك ا عتمدنا على خطة تشمل كل جوانب ادلشكلة‪ ،‬وىي تصميم يقسم البحث إىل مقدمة وثالثة فصول‬
‫وخاسبة‪ ،‬لذا كانت كالتايل‪:‬‬

‫مقدمة فيها إحاطة بادلوضوع بصفة عامة‪ ،‬وادلشكلة اليت يطرحها البحث‪ ،‬مث األسباب والدوافع اليت حركتنا‬
‫إلجنازه‪ ،‬مع ذكر ادلنهج‪ ،‬واخلطة‪ ،‬وأىم الصعوبات‪.‬‬

‫أما التحليل فكان يضم الفصول ادلتوازنة قدر اإلمكان‪:‬‬

‫‪ -1‬الفصل األول الذي عنون "بسياقات سبهيدية للبحث" ويضم مبحثني‪ ،‬األول ىو سياق مفاىيمي‪ ،‬أما ادلبحث‬
‫الثاين فهو سياق الكرونولوجي‪.‬‬

‫‪ -2‬الفصل الثاين عنوانو "القيم يف فلسفة نيتشو" وضم ثالثة مباحث سلصصة لقيم نيتشو من خالل ذباوزه للنسق‬
‫األكسيولوجي‪ ،‬والدعوة لإلنسان األعلى الذي غعتربه صانع القيم‪ ،‬وإرادة القوة اليت ىي أساس فلسفتو‪.‬‬

‫‪ -3‬الفصل الثالث جاء عنوانو "نيتشو والقيم ادلعاصرة" الذي ضم مبحثني‪ ،‬الذي قمنا فيو بدراسة نيتشو وأزمة‬
‫القيم ادلعاصرة‪ ،‬وقيم ما بعد احلداثة‪.‬‬

‫اخلاسبة‪ :‬واليت ىي حوصلة دلا كتب وعبارة عن تقومي لنظريتو‪.‬‬

‫وملحق الذي أشرنا فيو إىل نيتشو أي إىل حياتو وأىم مؤلفاتو‪.‬‬

‫‌ب‬
‫المقدمة العامة‪............................:‬أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة "نيتشه نموذجا"‪.‬‬

‫ومن أسباب ودوافع إختيار ىذا ادلوضوع دون ذاك‪ ،‬يرجع إىل نوعني من األسباب‪ ،‬ذاتية وموضوعية‪ ،‬رغم أن‬
‫أحدمها مشتق من اآلخر‪.‬‬

‫فحب اإلطالع على ثقافة الغري‪ ،‬ىو احلافز الكبري الذي دفعنا إىل دراسة ىذا ادلوضوع‪ ،‬وكذلك القيم اليت تسود‬
‫يف الوطن العريب والعامل اإلسالمي بصفة عامة‪ ،‬مهد لنا الطريق لدراسة األزمة اليت شهدهتا القيم ادلعاصرة من‬
‫خالل ثورة نيتشو‪.‬‬

‫ىذا عن األسباب الذاتية‪ ،‬أما ادلوضوعية فيمكن ربديدىا يف إفتقار ادلكتبات اجلزائرية إىل مؤلفات خبصوص‬
‫ادلوضوع‪ ،‬عدا بعض الكتب مثل كتاب ابن ميمون الذي تناول فيو أزمة القيم يف الفلسفة ادلعاصرة‪.‬‬

‫ومن أجل ربقيق وإجناز ىذا البحث‪ ،‬قد رجعنا إىل معظم مؤلفات نيتشو ادلرتمجة‪ ،‬كما اعتمدنا على رلموعة من‬
‫ادلراجع اليت ساعدتنا يف فهم ىذا األخري مثل كتاب دولوز "نيتشو والفلسفة" وغريىا من ادلؤلفات باإلضافة إىل‬
‫بعض ادلعاجم‪.‬‬

‫ومن بني الدراسات اليت تناولت ىذا ادلوضوع جند‪:‬‬

‫‪ -1‬سعاد طيباوي "‪"2016/2015‬حيث كان عنوان ادلذكرة كالتايل‪" :‬نيتشو والعدمية‪ :‬العامل من التأويل‬
‫األنتولوجي إىل التأويل األكسيولوجي" حيث توصلت الباحثة إىل‪:‬‬

‫‪ ‬نظرة الفالسفة للمرحلة األسطورية من احلقبة اليونانية‪.‬‬


‫‪ ‬عودة نيتشو للفلسفة اليونانية‪.‬‬
‫‪ ‬ادلثال األعلى مثل قمة إحنطاط الفعل الفلسفي‪.‬‬

‫‪ -2‬عبد الكرمي عنيات "‪ "2010/2000‬وتناول الباحث موضوع "موقف نيتشو من ادليتافيزيقيا" وتوصل ىذا‬
‫األخري إىل‪:‬‬

‫‪ ‬سبجيد نيتشو للعصر ادلأساوي‪.‬‬


‫‪ ‬وقفة نيتشو احلائرة وادلتأدلة دلستقبل أدلانيا وماضي اليونان‪.‬‬
‫‪ ‬احلضارة الغربية مل تبلغ حضارة اليونان بعد‪.‬‬

‫‌ج‬
‫المقدمة العامة‪............................:‬أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة "نيتشه نموذجا"‪.‬‬

‫وقد واجهتنا عدة صعوبات يف إجنازنا ذلذا ادلوضوع نذكر منها‪:‬‬

‫‪ ‬قلة ادلصادر وادلراجع باللغتني الفرنسية والعربية اليت زبدم ىذا ادلوضوع‪.‬‬
‫‪ ‬صعوبة ترمجة األلفاظ اليت يستعملها نيتشو ترمجة فلسفية‪ ،‬كوهنا صعبة الفهم‪.‬‬

‫حيث هندف من خالل ىذا ادلوضع إىل‪:‬‬

‫‪ ‬زلاولة الفهم العلمي وادلوضوعي دلوضوع الدراسة‪.‬‬


‫‪ ‬إيصال فكرة واضحة ودقيقة حول القيم اليت تناوذلا نيتشو‪.‬‬

‫وآخر ما ميكن قولو يف األخري‪ ،‬ىو أن نكون وفقنا ولو بشكل صغري يف إجناز ىذه ادلذكرة‪ ،‬وطورنا قدراتنا يف‬
‫عملية البحث‪.‬‬

‫‌د‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪......................................‬المبحث األول‪ :‬سياق مفاهيمي‬
‫المبحث األول‪ :‬سياق مفاهيمي‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫إزبذت إشكالية القيم معاف وتعريفات سلتلفة على مدى تاريخ الفكر البشري ولقد أثار ىذا ادلوضوع إنتباه العديد من‬
‫ادلفكرين‪ ،‬سواء كانوا فالسفة أو علماء إجتماع أو رجاؿ دين‪ ،‬رغم أف ىذا ادلصطلح جل األفكار اليت يثَتىا ترجع إىل ما‬
‫قبل احلضارة اليونانية‪ ،‬لذلك حظيت القيم بأمهية بالغة يف تاريخ الفكر الديٍت والفلسفي الطويل ومها لنا أف نتساءؿ‪ :‬ما ىي‬
‫ادلفاىيم األساسية اليت يتناوذلا ىذا ادلوضوع ؟‪.‬‬

‫‪ )1‬القيمة‬

‫أ‪ -‬لغة‪:‬‬

‫إذ صلد "ابن منظور" يقوؿ أف‪ « :‬القيمة‪ :‬واحدة القيم‪ ،‬وأصلو الواو ألنو يقوـ مقاـ الشيء‪ .‬والقيمة‪ :‬شبن الشيء بالتقوًن‪ .‬ويف‬
‫احلديث‪ :‬قالوا يا رسوؿ اهلل لو قومت لنا‪ ،‬فقاؿ‪ :‬اهلل ىو ادلقوـ‪ ،‬أي لو سعرت لنا‪ ،‬وىو من قيمة الشيء‪ ،‬أي حددت لنا‬
‫قيمتها »(‪.)1‬‬

‫أما يف دليل "أكسفور" فالقيمة تعرؼ كالتايل‪ « :‬ىي خاصية متفردة‪ ،‬يشًتط إكتشافها نوعا خالصا من الوعي أو عملية‬
‫التفكَت وىي متأملة أساسا يف اإلنفعاالت »(‪.)2‬‬

‫وكذلك يف قاموس "الروس" القيمة ‪ valeur‬ىي‪ « :‬أكثر تداوؿ يف ميداف اإلقتصاد وادلعامالت التجارية‪ ،‬وىي الفرؽ بُت‬
‫الثمن والشراء والبيع‪ ،‬ومن حيث اجلودة وادلكاف »(‪.)3‬‬

‫أما يف اإلصطالح فأخذت مفهوـ القيمة عدة معاين من أمهها‪:‬‬

‫‪ 1‬ابن منظور‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬دار اجلبل‪ ،‬بَتوت‪ ،‬مج ‪ ،3‬ص ‪.500‬‬

‫‪ 2‬تدىوندرتش‪ ،‬ترصليب احلصادي‪ ،‬دليل أكسفور للفلسفة‪ ،‬ادلكتب الوطٍت للبحث والتطوير‪ ،‬ص ‪.755‬‬
‫‪3-‬‬
‫‪Le petit larousse illustré , nuriguy le chàtel, juillet 2008, p1744, paris, France.‬‬

‫‪2‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪......................................‬المبحث األول‪ :‬سياق مفاهيمي‬
‫القيمة ىي‪ « :‬يف اللغة القدر‪ ،‬والثمن وعليو فهي تطلق على كل ما ىو جدير بإىتماـ ادلرء وغاياتو‪ ،‬أما يف اإلصطالح فهي‬
‫قيمة اإلستعماؿ كل ما للشيء يف نظر الشخص الذي يطلبو من قدر وشبن‪ ،‬غَت أف "آدـ مسيث" يفرؽ بُت القيمة‬
‫اإلستهالكية والقيمة التبادلية »(‪.)1‬‬

‫أما عند "إبراىيم مدكور" ىي‪ « :‬من حق وخَت وصباؿ وتكوف إما صفة عينية كامنة يف طبيعة األقواؿ وذلك يف ادلعرفة‬
‫واألفعاؿ يف األخالؽ‪,‬واألشياء يف الفنوف‪,‬وعلى ىذا فهي ثابتة ال تتغَت بتغَت الظروؼ وادلالبسات‪ ،‬وإما صفة جيعلها العقل‬
‫على األقواؿ واألفعاؿ واألشياء‪ ،‬والقيمة هبذا ادلعٌت تعٍت اإلىتماـ لشيء أو إستحسانو‪ ،‬وىي ذات طابع شخصي »(‪.)2‬‬
‫«‬
‫القيمة قدر قيمتو وىي خاصية ذبعل األشياء مرغوبا فيها‪ ،‬فالنبالة ذلا قيمة عظمى لدى‬ ‫و "مراد وىبو" يقوؿ أيضا‪:‬‬
‫اإلستقرائي‪ ،‬وىذا ادلدلوؿ على ضروب ثالثة قيمة إستعمالية وقيمة تبادلية وادلدلوؿ الرياضي »(‪.)3‬‬

‫و هبذا فالقيمة تعٍت اإلسقامة لذا نقوؿ الدين القيم ونعٍت بو الدين ادلستقيم لقولو تعاىل‪ «:‬ذلك دين القيمة »(‪.)4‬‬

‫فالقيمة عند "ماركس"« إزبذت عدة مفهومات متباينة‪ ،‬فكانت تعٍت يف نظر علماء اإلقتصاد ادلاركسية »(‪.)5‬‬

‫أما القيمة عند الالند‪:‬تستعمل ىذه الكلمة يف كل مفاىيمها سوؿءا بادلعٌت اجملرد ذو قيمة للشيء من القيمة أبادلعٌت العيٍت‬
‫(‪)6‬‬
‫الذي يكوف قيمة وىذا اإلستعماؿ ىو األكثر حداثة وتداوال و ىو يعرب عن صبلة من الفكرة او الشعور األساسي‪.‬‬

‫ومن ىذا ادلنطلق نقوؿ أف مفهوـ القيمة إزبذ عدة معاين وتعريفات إذ صلده خيتلف مفهومو من فيلسوؼ إىل آخر ومن مفكر‬
‫إىل آخر‪,‬ونظرا ذلذا اإلختالؼ إرتأينا أف نقدـ حملة بسيطة وتعريفات سلتصرة هبدؼ الوصوؿ إىل ادلعٌت احلقيقي ذلذا ادلصطلح‪.‬‬

‫فقد ناؿ مفهوـ القيمة اىتماـ العديد من الفالسفة وادلفكرين شلا دفعهم إىل ادلزيد من البحث‪.‬‬

‫‪ )2‬القوة‪:‬‬

‫‪ 1‬صبيل صليبا‪ ،‬ادلعجم الفلسفي‪ ،‬دار الكتاب البناين‪ ،‬بَتوت‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.213-212‬‬
‫‪ 2‬إبراىيم مدكور‪ ،‬ادلعجم الفلسفي‪ ،‬اذليئة العامة لشؤوف ادلطابع األمَتية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،1983 ،‬ص‪.151‬‬
‫‪ 3‬مراد وىبو‪ ،‬ادلعجم الفلسفي‪ ،‬دار القباء احلديثة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،2007 ،‬ص ‪.506‬‬
‫‪ 4‬سورة البينة‪،‬آية ‪.5‬‬
‫‪ 5‬بدوي عبد الرضباف‪ ،‬ادلوسوعة الفلسفية‪ ،‬ادلؤسسة العربية للدراسة والنشر‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ج ‪ ،1‬ط ‪ ، 1984 ،1‬ص ‪.419‬‬
‫‪6‬أندريو الالند‪,‬موسوعة الالند الفلسفية ‪,‬تر‪:‬خليل أضبد خليل‪,‬منشورات عويدات‪,‬بَتوت‪ -‬باريس‪,‬ج‪,1‬ط‪,2001 ,2‬ص‪.1523‬‬

‫‪3‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪......................................‬المبحث األول‪ :‬سياق مفاهيمي‬
‫أ‪ -‬لغة‪:‬‬

‫إذ يعرفو "ابن منظور" على أنو‪ «:‬اخلصلة الواحدة من قوى احلبل أو الطاقة الواحدة من طاقات احلبل أو الوتر‪ .‬ففي حديث‬
‫"أيب عبيدة"‪ :‬يقاؿ أقويت حبالك وىو حبل مقوي‪ ،‬وىو أف ترخي قوة وتغَت قوة‪ ،‬فال يلبث احلبل أف يتقطع »(‪.)1‬‬

‫"أماد ليل أكسفور"‪ « :‬فالقوة مفهوـ مركزي يف الفلسفة السياسية‪ ،‬فهي هبذا تشَت إىل ادلصدر ادلادي والتنظيمي الناذباف عن‬
‫اإلقتصاد‪ ،‬ومن ضمن أعظم ادلنظرين نذكر "توماس ىوبز‪ ،‬وكارؿ ماركس"‪ ،‬أما تارخييا منظروا الصراع ىم األكثر عناية دبفهوـ‬
‫لقوة‪ ،‬فهم يروف أف إستمرار الشخص أو اجلماعة ذبتاز على قوة توظف لغاية ما‪ ،‬خصوصا اليت ركزت على أعماؿ "ميشاؿ‬
‫فوكو" »(‪.)2‬‬

‫أما يف قاموس "الروس" ‪ «: force‬القوة ىي كلمة التينية صبع ‪ fortis‬وتعٍت الطاقة واإلستطاعة »(‪.)3‬‬

‫التعريف الًتكييب للقوة‪ «:‬القوة بالفرنسية )‪ (force‬وباإلصلليزية )‪ (force‬وىي مشتقة من اللفظ الالتيٍت )‪(forttudo‬‬
‫وىي القدرة والشدة »(‪.)4‬‬

‫ب‪ -‬إصطالحا‪:‬‬

‫يأخذ مفهوـ القوة يف اإلصطالح عدة معاين منها‪ « :‬القوة ىي القدرة أو اإلمكاف القائم يف الشيء لإلنتقاؿ إىل شيء آخر‪،‬‬
‫أي بالقوة‪ ،‬يف مقابل بالفعل‪ ،‬لذا رأىّ لوؾ" و"ىيوـ" ىي أو الشيء يقدر على الفعل‪ ،‬وثانيا ىي شيء قادر على قبوؿ‬
‫التغَت »(‪)5‬أما يف "الالند" فهي‪ «:‬احلزـ‪ ،‬قدرة‪ ،‬شدة‪ ،‬إكراه طبيعي وخارجي ضرورة تقاومها اإلرادة‪ ،‬وىي مبدأ الفعل ومكنة‬
‫زلركة ‪ ،‬أما ادلعٌت األخالقي‪ :‬فهي عند " رونو قييو" بوصفها القدرة على تشغيل العقل العملي وىي إحدى الفضائل‬
‫األساسية »(‪.)6‬‬

‫‪ 1‬ابن منظور‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.207‬‬


‫‪ 2‬تدىوندرتش‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.750‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Le petit larousse illustré , op cit, p343.‬‬
‫‪ 4‬صبيل صليبا‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪ 5‬عبد الرضباف بدوي‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.239-238‬‬
‫‪ 6‬أندريو الالند‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.445‬‬

‫‪4‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪......................................‬المبحث األول‪ :‬سياق مفاهيمي‬
‫وعند "صبيل صليبا" القوة ىي‪ «:‬القدرة‪ ،‬الشدة‪ ،‬والطاقة‪ ،‬وضدىا الضعف‪ ،‬وىي مبدأ الفعل سواءا كاف شعورا وإرادة‪ ،‬فلذا‬
‫يقوؿ "ابن رشد"‪ :‬اإلستعداد الذي يف الشيء واإلمكاف الذي فيو ألنو يوجد بالفعل‪ ،‬وىي القهر ادلادي واخلارجي‪ ،‬وضرورة‬
‫ال تستطيع اإلرادة مقاومتها »(‪.)1‬‬

‫أما ادلعجم الوجيز فنجد عنده القوة تعرؼ كالتايل‪ «:‬ىي ضد الضعف وىي طاقة من طاقات احلبل وسبكن احليواف من‬
‫األعماؿ الشاقة‪ ،‬وادلؤثر الذي يغَت أو دييل إىل تغيَت حالة سكوف اجلسم أو حالة حركتو بسرعة منتظمة يف خط مستقيم وىي‬
‫مبعث النشاط والنمو واحلركة‪ ،‬وىي صبع قوى وقوات»(‪.)2‬‬

‫أما القوة عند ابن مذكور يف معجمو الفلسفي صلده يعرفها على أهنا «مصدر احلركة والعمل‪,‬ومنو قوة الروح وقوة التفكَت‬

‫القوة يف ادلعجم الفلسفي ىي مبدأ التغَت من حيث أنو مبدأ التغَت‪,‬وىو ادلنفعل يف القوة اإلنفعالية ‪,‬والفاعل يف القوة الفعلية‪.‬‬

‫والقوة تقاؿ على كل ما ىو يف ذاتو مبدأ احلركة ‪ ,‬وهبذا تنفصل الطبيعة من الصناعة‪.‬‬

‫والقوة ىي اإلمكاف وعلى ىذا يقوؿ ابن رشد ‪:‬بأهنا اإلستعداد الذي يف الشيء و اإلمكاف الذي فيو ألف يوجد‬
‫بالفعل‪,‬فالقوة متقدمة على الفعل بالزماف‪,‬وىي متأخرة عنو بالسببية وذلك أف الفعل ىو كماؿ القوة الذي من أجلو وجدت‬
‫وىو السبب الغائي ذلا»(‪.)3‬‬

‫أما ادلعجم الفلسفي إلبراىيم مذكور يعرؼ القوة على أهنا «مصدر احلركة و العمل ‪,‬ومنو قوة الروح وقوة اإلرادة وقوة‬
‫التفكَت»‪.4‬فعلى ىذا األساس ىي مبدأ التغَت و اإلمكاف‪.‬‬

‫‪ )3‬اإلرادة‪:‬‬

‫أ‪ -‬لغة‪:‬‬

‫‪ 1‬صبيل صليبا‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.203-202‬‬


‫‪ 2‬ابراىيم مذكور‪ ,‬ادلعجم الوجيز‪ ،‬رلمع اللغة العربية‪ ،‬مصر‪ ،2005 ،‬ص‪.522‬‬
‫‪3‬مراد وىبة‪,‬ادلرجع السابق‪,‬ص‪.501‬‬
‫‪4‬ابراىيم مذكور‪,‬ادلرجع السابق ‪,‬ص‪149‬‬

‫‪5‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪......................................‬المبحث األول‪ :‬سياق مفاهيمي‬
‫فهي عند "ابن منظور"‪ «:‬من الفعل أراد يريد إرادة‪ ،‬والريدة إسم من اإلرادة‪ ،‬ومن ادلشيئة وأصلو الواو‪ ،‬كقولك‪ :‬تعاىل وأرده‬
‫أي أراده أمن يفعل كذا »(‪.)1‬‬

‫وىي كذلك يف "أكسفور"‪ «:‬مسؤولة من أفعاؿ ادلشيئة مثل التخَت وإزباذ القرار‪ ،‬فقد أكد "كانط" على أمهية أفعاؿ اإلرادة‬
‫»(‪.)2‬‬

‫أما يف قاموس "الروس"‪ :‬فاإلرادة أي ‪ volonté‬ىي‪ «:‬معرفة ما نريد لنكوف قادرين على بذؿ جهد كبَت للوصوؿ إىل ما‬
‫نريد »(‪.)3‬‬

‫ب‪ -‬إصطالحا‪:‬‬

‫أما يف اإلصطالح فهي‪ «:‬قدرة ادلرء على إزباذ القرار‪ ،‬فهي نقيض احلتمية‪ ،‬فالقائلوف حبرية اإلرادة يبنوف موقفهم على أف‬
‫الناس مسؤولوف عن أعماذلم »(‪.)4‬‬

‫وكذلك ىي‪ «:‬بادلعٌت األىم ىي اإلختيار احلر‪ ،‬وىي صورة الفعالية الشخصية‪ ،‬وىي صفة الطابع الكامل يف القوة الكبَتة‬
‫نسبيا اليت يتماشى معها الفاعل بالوعي‪ ،‬أما يف األخالقيات‪ :‬ىي إستعداد ادلرء للقياـ بأفضل ما عنده‪ ،‬السيما إذا كانت‬
‫قواه أو قدراتو رديئة »(‪.)5‬‬

‫وأيضا اإلرادة‪ «:‬تصميم واع على أداء فعل معُت يستلزـ ىدفا ووسائل لتحقيق ىذا اذلدؼ‪ ،‬لذا يقوؿ "اجلرجاين" اإلرادة صفة‬
‫توجب للحي حاال يقع منو الفعل على وجو دوف وجو‪ ،‬فهي يعقب إعتقاد النفع‪ ،‬فلذا يرى الرواقيوف بأهنا أساس ادلعرفة‬

‫‪1‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬

‫‪- 2‬تدىوندرتش‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬


‫‪3‬‬
‫; ‪Le petit larousse illustré , op cit, p610‬‬
‫‪ 4‬مراد وىبو‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪. 39‬‬

‫أندري الالند‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.1563‬‬


‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪......................................‬المبحث األول‪ :‬سياق مفاهيمي‬
‫والسلوؾ‪ ،‬وذىب "ديكارت" إىل أنو ال إرادة حيث ال إستطاعة‪ ،‬أما عند "كانط" ىي أحد مسلماتو‪,‬فيذىب ادلثاليوف إىل‬
‫أف اإلرادة خاصية مستقلة عن ادلؤثرات والظروؼ اخلارجية ‪,‬أما ادلاركسيوف فَتوهناأهنا شبرة ادلعرفة والتجربة والًتبية»(‪.)1‬‬

‫« اإلرادة عند "نيتشو" معارضة للعقل‪ ،‬وفلسفتو كلها ضرب من اإلرادة »(‪.)2‬‬

‫أما "صبيل صليبا" فيقوؿ عنها أهنا‪ «:‬نزوع النفس وميلها إىل الفعل حبيث حيملها عليو‪ ،‬فاإلرادة صفة من صفات السجية‪،‬‬
‫وىي تدؿ على نزعة هنائية مستقرة أو ميل قوي حيمل صاحبو على الفعل وال يشًتط أف يكوف عقيب إعتقاد النفع كما‬
‫ذىب إليو ادلعتزلة »(‪.)3‬‬

‫ويف نظر "عبد الرضباف بدوي"‪ «:‬ىي قوة نفسية تأسبر بالعقل وتصدر يف أفعاذلا عن بواعث دييلها العقل بأحكامو‪ ،‬ولكن‬
‫اإلرادة عند "شوبنهاور" غَت عاقلة »(‪.)4‬‬

‫وىي كذلك « التصميم الواعي للشخص على تنفيذ فعل معُت أو أفعاؿ معينة‪ ،‬وىي صفة توجب للحي حاال يقع منو الفعل‬
‫على وجو دوف وجو فهي هبذا عند "اجل رجاين" طلب الشيء أو شوؽ الفاعل إىل الفعل إذا فعلو كف الشوؽ وحصل ادلراد‬
‫»(‪.)5‬‬

‫أما "شلَت" فيعرؼ اإلرادة على أهنا‪ «:‬لفظ يستخدـ للداللة على مسة سائدة جوىرية يف احلياة اإلنسانية‪ ،‬ويعٍت هبا اجلانب‬
‫الفعاؿ ادلوجود يف طبيعتنا »(‪.)6‬‬

‫اإلنسان لغة‪Homme:‬‬
‫«‬
‫أصلو إنسياف ألف العرب قالو يف تصغَته أنيسياف و ىو فعلياف من اإلنس‪ ،‬و األلف فيو فاء الفاعل و إما أفعالف من‬
‫نسياف‪ ،‬حىت قيل أنو مسي إنسانا ألنو عهد إليو فنسي و اإلنساف الذكر و األنثى‪ ،‬و يطلق على أفراد اجلنس البشري‪ ،‬ضلو كل‬

‫‪ 1‬إبراىيم مذكور‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.7‬‬


‫‪ 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ 3‬صبيل صليبا‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.60-59‬‬
‫‪ 4‬بدوي عبد الرضباف‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ 5‬جالؿ الدين سعيد‪ ،‬معجم ادلصطلحات والشواىد الفلسفية‪ ،‬دار اجلنوب للنشر‪ ،‬تونس‪ ،2004 ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ 6‬بدوي عبد الرضباف‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪7‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪......................................‬المبحث األول‪ :‬سياق مفاهيمي‬
‫إنساف ألزمناه و إذا كاف مقاـ التعبَت عن اجلمع وكاف اإلنساف عجوال و النسبة إىل اإلنساف إنساين ‪،‬كالنفس اإلنسانية و‬
‫العقل اإلنساين و الصورة اإلنسانية و القوة و األعماؿ اإلنسانية‪....‬و الفرؽ بُت اإلنساف و الرجل عند علماء الشريعة أف‬
‫اإلنساف جنس و الرجل نوع كادلرأة‪ ،‬أما عند ادلناطقة فاإلنساف نوع و احليواف جنس وسواء كاف اإلنساف نوعا من‬
‫الرئيسيات»‪.1‬‬

‫كما يقوؿ علماء احليواف أـ كاف ذا مرتبة خاصة سبيزه عن سائر األنواع احليوانية إف بنيتو قريبة من بنية الثديات العالية ‪،‬‬
‫ووظائفو العضوية شبيهة بوظائفها و الصفات اليت يتميز هبا اإلنساف عن سائر احليوانات ىي انتصاب قامتو وضخامة فخضو‬
‫ووزف دماغو وقدرتو على الكالـ و بشرتو العارية من الوبر و رأسو ادلملوء بالشعر وذقنو البارزة و يداه ادلمتدتاف يف إستقامة‬
‫ذراعيو ورجاله العموديتاف على ساقيو ‪....‬إخل ولإلنساف من حيث ىو كائن حي عدة وظائف كالتغذي اإلحساس‪ ،‬احلركة‬
‫التوليد ودوراف الدـ‪ ،‬اذلضم‪ ،‬و اإلنساف عند الفالسفة ىو احليواف الناطق ‪ ،‬احليواف جنسو و الناطق فصلو‪.‬‬
‫«‬
‫وكذلك ىو أحد البشر كاف أو امرأة ‪ ،‬مشتق من اإلنس على وزف فعالف حيث القواـ للبشر إال بإنس بعضهم ببعض‬
‫‪,‬فاإلنساف عند الصوفية ىوالربزخ بُت الوجوب واإلمكاف وادلرآة اجلامعة بُت صفات القدـ وصفات احلداثة‪,‬وىو الواسطةبُت‬
‫احلق و اخللق»‪.2‬‬

‫إصطالحا‪:‬‬
‫»‪3‬‬
‫‪.‬‬ ‫أما عند "صبيل صليبا" صلده يتكلم عن اإلنساف بإعتباره« ىو احليواف الناطق‬

‫األخالق‪:‬‬

‫لغة‪:‬‬

‫« تقابل كلمة األخالؽ باإلصلليزية (‪ ،)MORAIS‬و بالفرنسية واإليطالية (‪ ،)MORALE‬و ىذه النظائر‬

‫األوروبية أخذت من (‪ )MOSRE‬الالتينية وىي صبع (‪ ،)MOS‬ومن نظَتهتا اليونانية جاء االسم األخر لألخالؽ‬
‫(‪ )ETHICA‬ويف اإلصلليزية (‪ ،)ETHICS‬والفرنسية (‪.1» )ETHIQUE‬‬

‫‪ 1‬ابن منظور‪،‬لساف العرب‪،‬دار الصالوف للطبع والنشر و التأليف ج‪،1‬ص ‪.14‬‬


‫‪ 2‬ادلرجع نفسو‪،‬ص‪.15‬‬
‫‪ 3‬صليبا صبيل‪ ،‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.241‬‬

‫‪8‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪......................................‬المبحث األول‪ :‬سياق مفاهيمي‬
‫األخالق اصطالحا‪:‬‬

‫« ويعرؼ "الالند" يف معجمو الشهَت "علم األخالؽ"(‪ :)ETHICS‬ىي علم موضوعو احلكم التقوديي القائم على‬
‫التمييز بُت اخلَت و الشر»‪.2‬‬

‫« وكذلك تعميم رلموعة القواعد السلوكية اليت ربدد معٌت اخلَت وتستوجب استلزامو وسبيزه عن الشر الواجب تفاديو ‪،‬‬
‫وىي منظومة قواعد السلوؾ اليت ينبغي على ادلرء إتباعها ليحي وفق طبيعتو احلقيقية و ادلرموقة‪ ،‬و إذا كانت األخالؽ‬
‫تصاغ يف األدياف و اآلداب على شكل مواعظ و حكم ونصائح‪ ،‬فإهنا يف الفلسفة منظومة منهجية أي بناء منطقي‬
‫يشتمل أوال على تصور نظري عن اإلنساف و العامل و ثانيا عن ادلبدأ األساسي حبكم دبوجبو على سلتلف سلوكو يف‬
‫شىت ظروؼ احلياة »‪.3‬‬

‫و«كذلك ىي رلموع القواعد العقلية للحياة الطبيعية‪ ،‬وىي نظرية اخلَت و الشر أي تقدًن يضبط معايَت خاصة‬
‫دبجهودات الفرد»‪.4‬‬

‫الدين لغة‪:‬‬

‫« الدياف من أمساء عز وجل معناه احلكم القاضي وسئل بعض السلف عن علي بن أيب طالب عليو السالـ فقاؿ‪:‬كاف دياف‬
‫ىذه األمة بعد نبيها أي قاضيها و حاكمها الدياف‪ :‬القهار و احلاكم والقاضي وىو فعاؿ من داف الناس أي حفزىم على‬
‫الطاعة »‪.5‬‬

‫إف الداؿ و الياء و النوف يف "دين"أصل واحد إليو‪ ،‬يرجع إليو فروعو كلها و ىو جزء من اإلنقياد و الذؿ‪ ،‬فالدين الطاعة‬
‫يقاؿ‪:‬‬

‫‪ 1‬ابن منطور ‪،‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.190‬‬


‫‪2‬‬
‫‪A. lande ,voc,tic,de la philosofie,puf paris , 15ed 1985.‬‬
‫‪ 3‬صليبا صبيل‪ ،‬ادلعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الكتاب اللبناين ‪،‬مكتبة ادلدرسة‪ ،‬بَتوت‪،1982 ،‬ص ص ‪.59-49‬‬
‫‪ 4‬وىبة مراد‪ ،‬ادلرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪ 5‬ابن منظور‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.1468‬‬

‫‪9‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪......................................‬المبحث األول‪ :‬سياق مفاهيمي‬
‫« أصحب و انقاد و طاع وقوـ دين أي مطيعوف مناقدوف‪ ،‬و ادلدينة كأهنا منفعلة يسمى كذلك ألهنا تقاـ فيها طاعة ذوي‬
‫األمر‪ ،‬فقولو جل ثناؤه ‪":‬ما كاف ليأخذ أخاه يف دين ادللك إال أف يشاء اهلل "»‪.1‬فيقاؿ « يف طاعتو ويقاؿ يف حكمو وجاء‬
‫الدين يف لساف العرب دبعٌت اجلزاء و احلساب‪ ،‬ومنو قولو تعاىل‪":‬مالك يوـ الدين"»‪ .2‬وقيل « معناه مالك يوـ اجلزاء‪ ،‬وقولو‬
‫تعاىل‪":‬ذلك الدين القيم"»‪.3‬‬

‫وىو كذلك الطاعة و اإلنقياد وإسم جلميع ما يعبد اهلل وادللة ومنو الديانة صبع ديانات‪ ،‬الدين و العلم يف نظر ادلاديُت‬
‫العصريُت نقيضاف ال جيتمعاف و ضداف ال يتفقاف دلاذا ؟ ألهنم قصرو الكوف على احملسوسات و أنكرو ما وراءىا صبلة و‬
‫تفصيال فال روح وال خلود و ال مالئكة و ال غَت ىذا من العوامل و تصور الدين على الشكل الذي يروف عليو ادلتدينيُت من‬
‫اخللط و اخلبط و البعد عن العقل فلماذا مل حيكموا بتضاد ىذين العاملُت‪.‬‬
‫« ولكنهم لو أنصفو كما أنصف يف ىذا العصر أكابرىم ووقفوا على ما فتح اهلل تعاىل بو على العامل العصري من احلجج يف‬
‫إثبات عامل ما وراء ادلادة ‪،‬مث نظروا للدين يف أصلو و ينبوعو وعالئنو بالروح اإلنسانية نظر احلكيم ادلتبصر لعلمو أهنم كانوا يف‬
‫أحكامهم األوىل غال مفرطُت و ألصبحوا من أعز أبناء الدين كما أصبح اليوـ كذلك العلماء ادلاديُت »‪.4‬‬
‫الدين إصطالحا‪:‬‬

‫« إذا كاف الدين لغة مل خيرج عن معٌت واحد عموما (الطاعة و اخلضوع) فإنو إصطالحا لو تعريفاف ال حصر ذلا وردت على‬
‫ألسنة ادلفكرين و العلماء و رجاؿ الدين و ذلك راجع إىل تعقد الديانات السائدة و تشبعها »‪.5‬‬

‫الدين في الثقافة العربية اإلسالمية ‪:‬‬

‫‪ 1‬سورة يوسف‪ :‬األية ‪.76‬‬

‫‪ 2‬سورة الفاربة‪ :‬األية ‪.04‬‬

‫‪ 3‬سورة يوسف‪ :‬األية ‪.40‬‬

‫‪ 4‬وجدي فريد زلمد‪ ،‬دائرة معارؼ القرف العشرين‪ ،‬اجمللد الرابع‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بَتوت لبناف‪ ،‬ص‪.105‬‬

‫‪ 5‬وجدي فريد زلمد‪ ،‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.108‬‬

‫‪10‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪......................................‬المبحث األول‪ :‬سياق مفاهيمي‬
‫«‬
‫إف الدين وضع إالىي يدعو أصحاب العقوؿ إىل قبوؿ ما عند الرسوؿ يذكر اجلرجاين‪ :‬إف الدين و ادللة متحداف بالذات‬
‫وسلتلفاف باإلعتبار فإف الشريعة من حيث أهنا تطاع تسمى دينا‪ ،‬ومن حيث أهنا ذبمع تسمى ملة ومن حيث أهنا يرجع‬
‫إليها»‪.1‬‬

‫تسمى مذىبا‪ ،‬وقيل إف الفرؽ بُت الدين و ادللة و ادلذىب منسوب إىل اهلل تعاىل ‪ ،‬و ادللة منسوبة إىل الرسوؿ (ص)و‬
‫ادلذىب منسوب إىل اجملتهد‪.‬‬

‫ويعرؼ زكي صليب زلمود الدين‪ « :‬ىو الوحي اإلذلي بنصوصو احملفوظة ‪ .‬ويقوؿ أيضا ‪:‬أف الدين ىو الذي يقدـ إلينا ادلبادئ‬
‫األساسية اليت نسلك على ىداىا و اليت من شأهنا أف تبلور رؤية خاصة وموقفا معينا من الكوف واحلياة بصفة عامة»‪.2‬‬

‫ب‪:‬الدين في الثقافة الغربية‪:‬‬

‫لقد أعطيت للدين يف الثقافة الغربية تعاريف إصطالحية كثَتة فهو يتضمن عموما أحكاما قيمية‪ « :‬فمن يقوؿ دين يقوؿ‬
‫معيارية فالدين لو حجم من القواعد و الطقوس و الشعائر‪ ،‬وديكن القوؿ بوجو عاـ أف الدين نظاـ إجتماعي يقوـ على وجود‬
‫موجود أو قوى فوؽ الطبيعة و تبُت العالقات بُت بٍت اإلنساف و تلك ادلوجودات و ربت أية ثقافة معينة تتشكل ىذه الفكرة‬
‫لتصبح منطا أو أمناط إجتماعية أو تنظيما إجتماعيا ‪ ،‬ومثل ىذه األمناط و النظم معروفة بإسم الدين»‪ .3‬وكذلك ىو رلموعة‬
‫من معتقدات و عبادات تؤمن هبا صباعة معينة‪ ،‬حاجة الفرد و اجملتمع على السواء أساسو الوجداف و للعقل رلاؿ فيو ‪,‬يقوؿ‬
‫اجلرجاين‪ « :‬الدين وضع إالىي يدعو أ صحاب العقوؿ غلى قبوؿ ما ىو عند الرسوؿ صلى اهلل عليو و سلم ‪ ،‬الدين و ادللة‬
‫متحداف بالذات و باإلعتبار من حيث ذبمع الناس تسمى ملة ‪،‬قاؿ الفارايب ‪ :‬الدين و ادللة يكوناف إمسُت مًتادفُت »‪.4‬‬

‫‪ 1‬اجلرجاين الشريف ‪،‬كتاب التعريفات ‪ ،‬مكتبة لبناف‪ ،‬دط‪ ،1978 ،‬ص‪.78‬‬

‫‪ 2‬مٌت أضبد أبو زيد‪ ،‬الفكر الدينيعند زكي صليب زلمود‪ ،‬ادلؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر‪،‬بَتوت لبناف‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.75‬‬

‫‪ 3‬ابراىيم مذكور ‪ ،‬معجم العلوـ اإلجتماعية‪ ،‬اذليئة العامة للكتاب‪ ،‬حرؼ الداؿ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪،1975 ،‬ص‪.270‬‬

‫‪ 4‬ابراىيم مذكور‪ ،‬اذليئة العامة للشؤوف و ادلطابع األمَتية‪ ،‬القاىرة‪ ،1983 ،‬ص‪.92‬‬

‫‪11‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪.................................‬المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي‬

‫المبحث الثاني‪ :‬السياق الكرونولوجي‪.‬‬

‫بالرغم من أف حضارات الفكر الشرقي القدًن مل تبحث يف القيم‪ ،‬إال أننا إذا تتبعنا تاريخ الفكر البشري منذ عهد احلضارات‬
‫الشرقية القددية‪ ،‬إىل وقتنا ىذا متجاوزين يف ذلك مفهوـ القيم كمصطلح جديد يف التاريخ اإلنساين‪ ،‬وإف كانت إرىاساهتا‬
‫تعود إىل قروف سحيقة‪ ،‬صلد أف كل رلتمع بشري قد عرؼ نوعا من أنواع القيم واألخالؽ‪ ،‬فلذا ال يوجد رلتمع أو دلة بدوف‬
‫قيم‪ « ،‬لذا يقوؿ "ريناف"‪ :‬فتاريخ الفلسفة ىو يف حقيقة أمره سجل للتطورات اليت مر هبا الفكر اإلنساين يف سلتلف مراحلو‬
‫مع الفلسفة اليونانية »(‪.)1‬‬

‫وعليو سنحاوؿ دراسة ىذه القيم منذ الفلسفة القددية إىل الفلسفة ادلعاصرة‪.‬‬

‫التطور الكرونولوجي لمفهوم القيم‪:‬‬

‫‪ -1‬الفلسفة اليونانية‪ :‬فالقيم يف الفلسفة اليونانية وإف تعددت زلدداهتا إال أهنا تركزت على إعطاء معاين سامية وحاولت‬
‫اإلرتقاء باإلنساف ضلو بلوغ الفضيلة وذبريده من شهوات احلواس‪ ،‬بغض النظر على ما قدمو الفسطائيُت يف ىذا اجملاؿ‪.‬‬

‫أ‪ -‬سقراط‪:‬‬

‫صلد ىذا األخَت إنتقد الفلسفة الطبيعية‪ ،‬وحبث عن مذىب إجيايب يف األخالؽ وأعطى أولوية كبَتة لإلنساف‪ ،‬وإىتم بادلسائل‬
‫ادلنهجية‪ ،‬وىذا يهدؼ للوصوؿ إىل تعريف زلدد للقيم األخالقية‪ ،‬فالقيمة عنده تتجسد يف العدالة والفضيلة‪ ،‬فلذا صلده‬
‫يرى‪ «:‬أف ادلعرفة اليت تقوـ عليها الفضيلة ال بد أف تكوف شلكنة »(‪.)2‬‬

‫وادلعرفة ادلقصودة ىنا ىي معرفة ما ديكن أف زبشاه فتحذر منو‪ ،‬وما ال زبشاه فتتشجع لإلقداـ عليو لذا يقوؿ « ال فضيلة إال‬
‫للمعرفة »(‪.)3‬‬

‫‪ 1‬زلمد عبد الرضباف مرحبا‪ ،‬مع الفلسفة اليونانية‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬ط‪ ،1988 ،1‬ص ‪.433‬‬
‫‪ 2‬عزت قرضي‪ ،‬الفلسفة اليونانيو حىت أفالطوف‪ ،‬الطبع ذات السالسل‪ ،‬الكويت‪ ،1993 ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪ 3‬أضبد أمُت‪ ،‬كتاب األخالؽ‪ ،‬مطبعة دار الكتب ادلصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ ،1931 ،3‬ص ‪.133‬‬

‫‪12‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪.................................‬المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي‬

‫صلده يعتقد بأف اإلنساف خَت‪ ،‬وعليو فاألخالؽ السقرا طية ليست أخالؽ عقلية فقط وإمنا فردية‪ ،‬وىو صاحب مقولة "اعرؼ‬
‫نفسك بنفسك"‪ ،‬فهو يطمح من خالؿ ىذه ادلقولة إىل أف يؤسس سلوكو احلسن على معرفة اإلنساف احلقيقي‪.‬‬
‫«‬
‫ورأى أف الفضيلة ىي العلم‪ ،‬وهبذا وجب على اإلنساف أف يعلم ليكوف فاضال‪ ،‬وعليو فاحلياة األخالقية تتضاءؿ إىل رلرد‬
‫النظر والتأمل »(‪.)1‬‬

‫ب‪ -‬أفالطون‪:‬‬

‫فنجد ىذا األخَت يؤسس صبلة أفكاره على الواحد وىو ادلثل األعلى‪ ،‬وىو اخلَت ادلطلق‪ ،‬فالقيمة بالنسبة "ألفالطوف" ىي‬
‫القيم األخالقية وىي« الفضيلة وليست مرادفة للذة »(‪ ، )2‬وعليو فالفلسفة عنده ىي فضيلة اإلنساف‪ ،‬أي العلم اخلَت الذي‬
‫يصدر عن علم دبا ىو حق‪ ،‬وهبذا قسم الفضيلة إىل فلسفية وعادية‪ ،‬فاألوىل ىي العمل اخلَت الذي أسس على العقل‪ ،‬أما‬
‫الثانية فهي نشأت عن العرؼ« وىي أيضا فضيلة النمل والنحل وضلومها‪ ،‬فهي تعمل أعماال طلية ال عن علم‪ ،‬أما الفضيلة‬
‫من النوع األوؿ فهي فضيلة الفالسفة ونوابع الناس »(‪.)3‬‬
‫«‬
‫"فأفالطوف" يرى أف اإلنساف دير على الفضيلة العادية مث يرقى منها إىل الفضيلة الفلسفية‪ ،‬وقسم الفضيلة إىل أربعة وىي‬
‫احلكمة والشجاعة والعفة والعدؿ‪ ،‬وأف اإلنساف قوى ثالثة وىي العاقلة والغاضبة والشهوانية‪ ،‬وبإعتداؿ ىذه الفضائل ينشأ‬
‫العدؿ »(‪ ،)4‬الذي تتصف بو النفس عند أداء ىذه القوى الثالثة وظائفها‪.‬‬

‫فالقيم بالنسبة لو اإلرتقاء من مستواه إىل اهلل‪ ،‬فهو هبذا يرى أف القيم تقيم يف عامل ادلثل‪ ،‬وجيب أف تتجو ضلوىا فهذا يؤدي‬
‫بنا إىل قبوؿ أف للقيمة مستويُت يغرؼ أحدمها اآلخر‪ ،‬إال أهنما مًتابطُت‪ ،‬فاخلَت بالنسبة لو ىو القيمة العليا أو قيمة القيم‬
‫اليت نبحث عنها‪ ،‬فال وجود وال كماؿ وال سعادة إال بو‪ ،‬فيقوؿ "أفالطوف" يف منو اجلمهورية « إف اخلَت فوؽ الوجود شرفا‬
‫وقوة »(‪ ،)5‬وعليو فالوجود احلق إمنا ىو للقيم‪ ،‬وال سيما األخالقية‪.‬‬

‫‪ 1‬أضبد أمُت‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬


‫‪ 2‬أضبد أمُت وزكي صليب زلمود‪ ،‬قصة الفلسفة اليونانية‪ ،‬مطبعة جلنة التأليف والنشر‪ ،1936 ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ 3‬نظر‪ :‬يوسف كرـ‪ ،‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬مطبعة التأليف والنشر‪ ،‬مصر‪ ،1936 ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ 4‬أضبد أمُت‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪ 5‬أفالطوف‪ ،‬اجلمهورية‪ ،‬ترصبة فؤاد زكريا‪ ،‬الكتاب العريب‪ ،‬القتهرة‪ ،1982 ،‬ص ‪.329‬‬

‫‪13‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪.................................‬المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي‬

‫ج‪ -‬أرسطو‪:‬‬

‫أما بالنسبة ألرسطو فإننا صلده يعارضو يف ىذا فهو يشَت إىل أفكار جديدة مل يتطرؽ إليها "أفالطوف"‪ ،‬فهو هبذا مل يقبل‬
‫نظرية ادلثل‪ «،‬ورفض التقسيم الذي وضعو »(‪ ،)1‬وأف القيمة يف نظره متجسدة يف الواقع‪ ،‬ذبسد الصورة يف اذليوىل‪ ،‬فهو هبذا‬
‫يرى أنو ال ديكن فصل اذليوىل عن ادلادة‪ ،‬أي تطابق بُت اذليوىل مع الصورة‪.‬‬

‫ويرى أيضا أف الوجود وجوداف بالقوة وبالفعل‪ ،‬فاألثر القيمي بالنسبة لو بناء واقعي‪ ،‬فالقيمة عنده تبدأ بالواقع وتنتهي إىل‬
‫العقل‪ ،‬وىنا يتلخص تقسيمو لألجناس ولألنواع‪ ،‬فالقيمة بالنسبة لو تلجأ إىل ىذا الًتتيب تبدأ من الواقع إىل العقل‪ ،‬فهو‬
‫هبذا ينطلق من الواقع لإلرتقاء إىل أف يصل إىل ىيوىل‪ ،‬فبهذا تتحدد النفس البشرية مع العقل اإلالىي‪ ،‬فالقيم ىي قيم‬
‫األخالؽ والوسط الذىٍت « فالفضيلة اخللقية تعٌت بادلشاعر واألفعاؿ‪ ،‬ومن ىذه ما قد يكوف فيو تفريط وما قد يكوف فيو‬
‫إفراط أما الفضيلة عند "أرسطو" فهي الوسطية بُت حدين كالمها رذيلة »(‪ ،)2‬فهو هبذا يرى « أف البخل والتبذير مها رذيلتاف‬
‫»(‪)3‬‬
‫عن طريق العقل الذي ديكن‬ ‫تتوسطهما فضيلة الكرـ والشجاعة وسط التهور واجلنب‪ ،‬ويتم ربديد الوسط اإلعتدايل‬
‫توحيده بادلعرفة اليت إعتربىا "سقراط" فضيلة‪ ،‬والثاين طريق أصحاب احلكمة‪ ،‬فبهذا زبتلف القيم عند "أرسطو"‬
‫عن"أفالطوف"‪.‬‬

‫فأرسطو ىنا أقر بثورة جذرية على أخالؽ أفالطوف ورفض السَت يف نفس الطريق الذي حدده ورمسو األستاذ ألنو رأى بأنو‬
‫أعظم من األفالطونيُت فمذىبو ىو زلاولة تأسيس مثالية متحررة من نواقص مذىب أفالطوف فقد ركز على إصدار األحكاـ‬
‫القيمية ‪,‬ورأى اف احملاكاة أدىن من سلوؾ اإلنساف كما حيدث يف الواقع‪.‬‬

‫ففي اإلصباؿ ديكن تلخيص نظرية أرسطو األخالقية يف أف السلوؾ اإلنساين مطبوع بصفة غائية لذا ذبد كل فرد يسعى لبلوغ‬
‫ما يعتقد أنو خَت‪.‬‬

‫‪ 1‬زلمد فتحي عبد اهلل وعالء عبد ادلتعايل‪ ،‬دراسات يف الفلسفة اليونانية‪ ،‬دار احلضارة‪ ،‬طنطا‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ 2‬زلمد عبد الستار النصار‪ ،‬دراسات يف فلسفة األخالؽ‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪ ،1982 ،‬ص ‪.329‬‬
‫‪ 3‬زلمد الطاىر‪ ،‬علم األخالؽ "النظرية والتطبيق"‪ ،‬دار ومكتب اذلالؿ‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،1987 ،‬ص ‪.392‬‬

‫‪14‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪.................................‬المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي‬

‫لكن ىذا اخلَت قد يكوف جزئيا‪,‬لذا ذبد اإلنساف دبجرد ما يبلغو‪,‬يفكر يف خَت أعلى منو ‪,‬و كأف اخلَت األوؿ رلرد وسيلة‬
‫يستعملها لبلوغ خَت أعلى منو منزلة‪.‬‬

‫دبعٌت أف كل خَت يلغي خَتا آخر‪,‬وىكذا تتدرج سلسلة الغايات إىل أف تصل إىل الفعل الذي ال ديكن أف يكوف وسيلة‬
‫ذلدؼ اعلى‪,‬وىذا الفعل ىو اذلدؼ األقصى‪,‬لذا نسميو السعادة‪,‬فهو من مثبيت ومكرسي ىذه الفكرة اليت تقوؿ بأف كل فعل‬
‫نقوـ بو لو غاية‪.‬‬

‫د‪ -‬المدرسة الرواقية‪:‬‬

‫فهم ال يروف لذة معيارا لتحديد القيم األخالقية‪ ،‬بل يؤكدوف على السلوؾ اجليد‪ ،‬وىو سلوؾ التقيد بالطبيعة « أي جعل‬
‫اإلنساف حبسب ما تقتضيو الطبيعة‪ ،‬وأف ينظر إىل األحداث بعد ذلك حبسباهنا متساوية فال فرؽ يف الواقع بُت اخلَت والشر‪،‬‬
‫ما داـ كل شيء ضروري »(‪ ،)1‬أي دبعٌت التوجو حسب الطبيعة والعمل حسب متطلباهتا‪ ،‬فهذا يف نظرىم ال حيقق احلياة اليت‬
‫أرادوىا‪ ،‬وإمنا ىو السَت يف حياهتم منسجما مع ادلنهج الذي يريده اإللو‪.‬فللذات واألمور بالنسبة للرواقية‪ ،‬ىي أمور تبعية‬
‫للميوؿ اإلنسانية اليت بطبيعتها متجو ضلو اخلَت والسعادة‪ ،‬فإذا أرضيت ىذه ادليوؿ نشأت السعادة‪ ،‬وإذا مل ترض نشأ األمل‪،‬‬
‫فالسعادة هبذا ىي الطمأنينة واإلتزاف األخالقي لنفس رضيت عن ذاهتا‪ ،‬ورضيت عن األشياء‪.‬‬

‫فمصدر األمل حسب الرواقية يرجع إىل أفكارنا وأحكامنا على األمور‪،‬فهم يقدموف لنا مثاؿ عن األعرج‪ ،‬فهم يروف أنو يتأمل‬
‫إذا اعترب ع اىتو نقصا‪ ،‬وإذا بدؿ حكمو على ىذا فإنو ال يتأمل‪ ،‬بل يرضى دبا أراد لو القدر وعليو « فمثال والدؾ جيب عليك‬
‫إذا رعايتو واخلضوع لو يف كل أمر‪ ،‬واحتماؿ ما ينالك منو من شتم ولطم‪ ،‬إنو سيء اخللق ليس لك أف هتتم دبعرفة ما إذا‬
‫كانت الطبيعة قد منحتو أبا طيبا‪ ،‬وإمنا جيب أف تعرؼ أف ما منحتك إياه إمنا ىو أبوؾ »(‪ ،)2‬وادلقصود ىنا ىو الرضى دبا‬
‫أنت عليو‪ ،‬وليس دبا تكوف عليو‪ ،‬فالقيمة ىنا يف الرضى دبا ىو موجود‪ ،‬وعلى ىذا األساس يتجنب اإلنساف حياة الشقاء‪.‬‬

‫فعلى ىذا األساس يروف باف اإلستسالـ للعواطف ىو الشر بعينو‪,‬والشر يفهمو الرواقي بأنو عدـ العيش دبقتضى الطبيعة‬
‫العاقلة‪,‬فدعت الرواقية إىل إلغاء الًتاتيب القاسية ‪.‬‬

‫‪1‬عبد الرضباف بدوي‪ ،‬خريف الفكر اليوناين‪ ،‬شركة الطباعة الفنية ادلتحدة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ ،1980 ،4‬ص ‪.45‬‬

‫‪2‬أندري كريسوف‪ ،‬ادلشكلة األخالقية والفالسفة‪ ،‬ترصبة عبد احلليم زلمود وأبو بكر ذكرى‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬القاىرة‪ ،1975 ،‬ص ‪.117‬‬

‫‪15‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪.................................‬المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي‬

‫‪ -2‬العصور الوسطى‪:‬‬

‫إذا كانت الفلسفة يف العصر الوسيط حاولت التوفيق بُت الدين والفلسفة‪ ،‬فإف القيمة بكل صورىا تأخذ داللة دينية من‬
‫حيث البحث يف عالقة الناس باهلل‪.‬‬

‫أ‪ -‬فلسفة مسيحية‪:‬‬

‫‪ -‬أوغسطين‪:‬‬

‫لقد حاوؿ "أوغسطُت" إىل اإلعتقاد بأف « اهلل ثابت كامل‪ ،‬وأف اإلنساف الذي يطلب السعادة إمنا يطلب اهلل‪ ،‬ألف التحرر‬
‫من القلق وبلوغ الرضا لن يأيت إال يف اهلل »(‪ ،)1‬فلذا القيمة بالداللة األوغسطينية تتمحور يف أساسها بالعالقة بُت الوجود‬
‫وادلوجود‪ ،‬أي العالقة بُت اهلل واإلنساف‪ ،‬وال شيء يف العامل إال خيضع لو‪ ،‬وعليو فال تستطيع إكتشاؼ كل كائنو وخَته إال‬
‫بقدر حبنا لو‪ « .‬لذا يقوؿّ أوغسطُت" أف احلياة السعيدة ىي النعيم يف اهلل‪ ،‬ومن أجل اهلل‪ ،‬وال شيء غَت ىذه احلياة ديكن أف‬
‫يسمى سعيدا »(‪.)2‬‬

‫كما كتب ىذا األخَت صفحات طويلة من احلس الداخلي الغامض الذي يقود اإلرادة دائما ضلو ىدفها‪ ،‬فهو هبذا يرى أف‬
‫العقل إذا ما قدمنا لو موضوعات كثَتة ومتنوعة وسلتلفة فإهنا تصبح حرة يف أف زبتار ىذا ادلوضوع أو ذاؾ بغَت إكًتاث‪ ،‬فهي‬
‫ربدث مع حدوث الفعل احلر‪ ،‬وأف ىذه احلرية يف رأيو ىي اخلالص من اخلطيئة ومن العذاب وادلوت‪ ،‬فهو هبذا ربط القيمة‬
‫األخالقية بالفعل اإلرادي‪ ،‬فاإلرادة ىي ادلسؤولة عن حياة اإلنساف خَتة أو شريرة آشبة أو فاضلة‪ ،‬فهو هبذا ذباوز األخالؽ‬
‫اليونانية‪ ،‬حُت ربطها باحلركة الداخلية لإلرادة الراسخة يف اهلل الذي ىو الغاية الوحيدة لإلنساف‪.‬‬

‫فالقانوف األخالقي بالنسبة "ألوغسطُت" ىو الذي يتحد مع عقل اهلل‪ ،‬أي متحد مع اهلل نفسو‪ ،‬وىو الفن اإلذلي الذي‬
‫حيكم األشياء وبواسطتو خلقت األشياء‪ « ،‬فهو من خالؿ ىذا يود أف يوحد اإلنساف باهلل عن طريق جاذبية احلب‪ ،‬ومن‬
‫ىذا احلب تشتق صبيع العواطف األخرى اليت تتجو ضلو اهلل‪ ،‬ورفع نفسو إىل ىذه ادلرتبة يتفتح ويتحوؿ إىل فضائل علوية »(‪،)3‬‬
‫فادلعرفة إذا وحب اهلل مها الغاية األخالقية وأف القيم يف األخَت ترجع إىل مشكلة اخلَت والشر‪.‬‬

‫‪ 1‬يوسف كرـ‪ ،‬تاريخ الفلسفة األوربية يف العصر الوسيط‪ ،‬دار ادلعارؼ‪ ،‬مصر‪ ،1119 ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ 2‬عبد الرضباف بدوي‪ ،‬فلسفة العصور الوسطى‪ ،‬وكالة ادلطبوعات ودار القلم‪ ،‬الكويت ولبناف‪ ،‬ط‪ ،1989 ،3‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 3‬إينت جيليسوف‪ ،‬روح الفلسفة ادلسيحية يف العصر الوسيط‪ ،‬ترصبة إماـ عبد الفتاح إماـ‪ ،‬مكتبة مدبويل‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ ،1996 ،3‬ص‪.414‬‬

‫‪16‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪.................................‬المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي‬

‫ب‪ -‬فلسفة يهودية‪:‬‬

‫‪ -‬فيلون‪:‬‬

‫غَت أف القيمة عند "فيلوف" ىي القدرة على معرفة الشر‪ ،‬والفلسفة عنده ليست إال وسيلة أو عدة إلكتناه احلقيقة الدينية‪،‬‬
‫واألصل ىو الدين‪.‬‬

‫إال أف "فيلوف" مل ينكر كل فضل وقيمة للدين الشعيب اليوناين‪ ،‬فهو يرى بأف القيم األخالقية اليونانية ىي قيم يهودية‪ ،‬ألف‬
‫الفالسفة اليوناف تأثروا تأثَتا كبَتا بالتفكَت اليهودي‪ ،‬ومن أجل إثبات ىذا ذىب إىل التفسَت الرمزي‪ ،‬وليس ادلعٌت الظاىري‪،‬‬
‫فالقيمة بالنسبة لو دينية‪ «،‬واحلقيقة الدينية ىي األصل يف كل تفكَت وىي اليت تطبع احلقيقة العقلية لديو بطابعها اخلاص‬
‫»(‪.)1‬‬

‫فالفلسفة عنده جيب أف تكوف م ؤدية للخالص‪ ،‬أي الوصوؿ إىل حالة الالهنائي‪ ،‬وديكن أف يسلك يف مرحلتُت‪ ،‬وىي مرحلة‬
‫الشك‪ ،‬ومرحلة التصوؼ‪.‬‬

‫فإدراؾ ادلرء لذاتو‪ ،‬جيب أف يكوف نقطة بدء‪ ،‬وحينما يبحث يف ذاتو جيد أنو قابل للكثَت من األغالط‪ « ،‬وكل ما نصل إليو‬
‫من إقتناعات بأف اللذات اإلنسانية فانية متناىية‪ ،‬كلها نقصى‪ ،‬وكلها شر »(‪ ،)2‬وىذا يعٍت أنو ال قيمة ألي شيء موجود‪ ،‬شلا‬
‫يدفعنا إىل البحث عن وسيلة للخالص‪ ،‬وال يكوف ذلك إال بالتشيو باهلل‪ ،‬ويتم ذلك بالتصوؼ‪ « ،‬فغاية النفس عنده إمنا‬
‫الوصوؿ إىل اهلل واإلربادية‪ ،‬وىذه الغاية ال تتحقق إال بادلعرفة الناقصة جدا‪ ،‬وادلعرفة اليت ترقى سلم الوسطاء‪ ،‬وادلعرفة اليت‬
‫تدرؾ اللوغوس‪ ،‬أما الدرجة األخَتة فهي ادلعرفة اليت تدرؾ اهلل ذاتو »(‪ ،)3‬وهبذا فالنفس الراغبة يف إدراؾ احلقيقة ديكنها أف‬
‫تسرع يف صعود سلم الوسطاء‪ ،‬وذلك من خالؿ إكثار العبادة الباطنية‪ ،‬وىذا التطهَت ال يتم إال إذا أدرؾ اإلنساف بطالت‬
‫عامل احملسوسات‪ ،‬أي أنو عامل زائل‪ ،‬ويرى "فيلوف" أيضا أف اهلل يظهر مباشرة أماـ اإلنساف‪ ،‬وذلك عن طريق التجربة‬
‫الصوفية‪ ،‬فهو هبذا ال حيتاج إال وسائط‪ ،‬وىذه التجربة الصوفية حسبو تتم عن طريق اجملاىدة‪ ،‬مث العلم واللطف‪ ،‬وىذا ىو‬
‫الذي يؤدي باإلنساف إىل الطمأنينة ادلطلقة‪ ،‬وىو ما يسعى إىل ربقيقو الفيلسوؼ‪.‬‬

‫‪1‬نظر‪ :‬عبد الرضباف بدوي‪ ،‬ادلوسوعة الفلسفية‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫‪ 2‬نظر‪ :‬مصطفى النشار‪ ،‬مدرسة اإلسكندرية "الفلسفة بُت الًتاث الشرقي والفلسفة اليونانية" ‪ ،‬دار ادلعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ ،1990 ،1‬ص‬
‫‪.69‬‬
‫‪ 3‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.70‬‬

‫‪17‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪.................................‬المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي‬

‫ج‪ -‬الفلسفة اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ -‬المعتزلة‪:‬‬

‫« لقد سبسك ادلعتزلة بالقوؿ أف العقل قادر على فهم النصوص القرآنية »(‪ ،)1‬فمصدر القيمة األخالقية هبذا ىو العقل‪ ،‬ألف‬
‫اإلنساف كاف يعرؼ اخلَت والشر قبل رليء الشرع‪ ،‬فهم هبذا اىتموا دبسألة القبح يف األفعاؿ‪ ،‬فاخلَت بالنسبة ذلم ليس خَتا‬
‫ألف اهلل أمر بو‪ ،‬وليس الشر شرا ألف اهلل هنى عنو‪ ،‬ولكن اخلَت خَت يف ذاتو والشر يف ذاتو‪ ،‬فهما هبذا قيمتاف أخالقيتاف‬
‫مطلقتاف‪.‬‬

‫فادلعتزلة ترى أف اإلنساف كاف يدرؾ اخلَت والشر بعقلو قبل ورود الشرع‪ ،‬فكاف ضمَته هبذا يرتاح للشجاعة والكرـ‪ ،‬وينزعج‬
‫من اجلنب واخليانة‪ « ،‬فهم هبذا يؤكدوف على حرية اإلنساف‪ ،‬وىذا ما صلده يتفق مع ما جاء يف القرآف نفسو‪ ،‬حيث يؤكد‬
‫القرآف الكرًن حرفيا بأف كل نفس مسؤولة عما تأتيو من أفعاؿ »(‪.)2‬‬

‫فإقباؿ الناس على سبيل ادلثاؿ على التعاليم اليت جاء هبا الدين اإلسالمي‪ ،‬كأكرب دليل على أهنا كانت تتفق مع ما يف عقلو‬
‫من قيم أخالقية‪ ،‬ولو مل تكن كذلك دلا تقبلها اإلنساف‪ ،‬كما أننا صلد أف الشرع مل حيكم يف صبيع ادلسائل اليت اعًتضت حياة‬
‫اإلنسا ف‪ ،‬بل صلد ادلشرع يلجأ إىل العقل من أجل إدراؾ األمور اليت مل يفصل فيها النص‪ « ،‬حيث أوؿ ادلعتزلة اآليات‬
‫القرآنية الدالة على التشخيص أو ذبسيم تأويال عقليا بنفي دالالهتا ادلادية »(‪.)3‬‬

‫إال أف ىذا يتعدى أمور القياس‪ ،‬فهم يروف أف العقل اإلنساين يتعدى أمور ليس ذلا أصل تقاس عليو‪ ،‬فالقيمة هبذا ادلعٌت‬
‫تأخذ داللة دينية عقلية‪.‬‬

‫ب‪ -‬األشاعرة‪:‬‬

‫يف حُت أننا صلد األشاعرة تعارض ادلعتزلة يف مسألة القبح‪ ،‬فهم هبذا ذباوزوا ادلعتزلة يف ىذا‪ ،‬فالقيمة بالنسبة ذلم متجسدة يف‬
‫الشرع‪ ،‬فاحلسن عندىم ىو ما أمر بو الشرع والقبح ما هنى عنو‪ ،‬بل مها إعتباريُت فالقتل قد يكوف حسنا‪ ،‬إذا كاف دفاعا عن‬

‫‪ 1‬زلمد علي أبو رياف وعباس زلمد حسن سليماف‪ ،‬مدخل لدراسة الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬دار ادلعرفة اجلامعية‪ ،‬دط‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪ 2‬ىن ري كورباف وحسُت نصر‪ ،‬ترصبة نصَت مروى وحسن قيملي‪ ،‬تاريخ الفلسفة اإلسالمية "منذ الينابيع حىت وفاة ابن رشد"‪،1198 ،‬‬
‫عويدات للنشر والطباعة مع دارغاليمار‪ ،‬بَتوت‪ ،‬باريس‪ ،‬ط‪ ،1998 ،2‬ص ‪.1888‬‬
‫‪ 3‬رشيد البندر‪ ،‬مذىب ادلعتزلة من الكالـ إىل الفلسفة‪ ،‬دار النبوغ والنشر والتوزيع‪ ،‬لبنالف‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ص ‪.55‬‬

‫‪18‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪.................................‬المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي‬

‫الشر وقبحا إذا كاف إعتد اءا على الضعيف‪ ،‬فهما هبذا يتبدالف حسب الظروؼ‪ ،‬فالناس يستحسنوف ويستقبحوف تبعا‬
‫للشرائع‪ ،‬فاهلل بالنسبة ذلم ىو الذي حدد اخلَت والشر دبعٌت « أف اهلل تعاىل يتدخل بإستمرار يف أفعاؿ يف كل حركة من‬
‫حركاهتم‪ ،‬تدخال مباشرا حبيث ال ديكن أف تكوف حرية لإلنساف »(‪.)1‬‬

‫والقوؿ بعكس ىذا‪ ،‬أو دبا قالت بو ادلعتزلة فهو إنكار إلرادة اهلل‪ ،‬وعلى ىذا صلد األشاعرة يروف أف ادلشرع يعود دوما إىل‬
‫القرآف والسنة إلستخالص األحكاـ منها‪ ،‬فاإلنساف هبذا ليس قادر على أف حيكم على اخلَت بأنو خَت‪ ،‬أو على الشر بأنو‬
‫شر‪.‬‬

‫وأف القوؿ حسب األشاعرة بأف أحكاـ الشرع تتحقق على العقل فهو إنكار لقدرة اهلل ادلطلقة‪.‬‬

‫فعلى ىذا صلدىم يعتربوف أف الشرع أو الدين ىو مصدر القيم األخالقية حيث « نادوا بإعطاء القيمة ادلطلقة للنص احلريف‬
‫كما ورد أثناء التنزيل‪ ،‬وعلى الرجوع إىل أحاديث الصحابة »(‪.)2‬‬

‫وعلى ىذا صلد أف القيمة عند األشاع رة زبتلف عن ادلعتزلة‪ ،‬وإرجاع األمور إىل العقل‪ ،‬ىو القوؿ بأف اهلل غَت سلتار يف‬
‫أحكامو‪ ،‬بل مقيد يف تشريعو لألحكاـ‪.‬‬

‫إف القيم يف الواقع اإلسالمي أخذت منحى ديٍت وذلك من منطلق إعتمادىا على الكتب الدينية وتأويل األشياء واألفعاؿ‬
‫دينيا فأصحاب اإلذباه اإلسالمي وعلى رأسهم ادلعتزلة‪,‬يروف أف القيم األخالقية ليست من صنع اإلنساف وال البشر فهي‬
‫صادرة عن االلو فاهلل ىو الذي حيدد لنا قيمة اخلَت والشر‪,‬وما على اإلنساف أف ينقاد ذلا‪.‬‬

‫فرغم التباين الذي شهدتو الفلسفة اإلسالمية إال أهنا ترى وتعطي للشرع أولوية كبَتة يف حياتنا‪,‬وىذا األخَت ىو الذي حيدد‬
‫لنا سلوكاتنا ويقومها‪.‬‬

‫‪ -3‬الفلسفة الحديثة‪:‬‬

‫إذا كانت الفلسفة يف العصر الوسيط حاولت التوفيق بُت العقل والدين‪ ،‬فإف الفلسفة يف العصر احلديث أخذت عموما‬
‫بادلعرفة كأساس لبحثها‪ ،‬أي التحرر من النمط التقليدي يف الفكر‪.‬‬

‫‪ 1‬زلمد علي أبو رياف وعباس زلمد حسن سليماف‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪2‬‬
‫ىنري كورباف وحسُت نصر‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.190‬‬

‫‪19‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪.................................‬المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي‬

‫فقد أشار "ديكارت" إىل أف القيمة القصوى تتصل بادلعرفة وبالطريقة اليت تصاغ هبا باللجوء إىل فكرة اإللو الكامل‪ ،‬وسنجد‬
‫"سبينوزا"يشَت إىل إعتبار أف القيمة ىي اليت تكمن يف ادلبدأ الذي يتعلق بو الوجود بادلعرفة‪ « ،‬وعليو فالقيمة عند "ديكارت‬
‫وسبينوزا وليبنتز" تابعة للوجود بكيفية أو أخرى عكس "كانط" »(‪.)1‬‬

‫‪ -‬كانط‪:‬‬

‫إف القيمة يف فلسفة "كانط" مستقلة عن الوجود‪ ،‬عكس الذين يعطوف للعقل قيمة‪ ،‬والذين كاف الوجود موضوع دراستهم‪،‬‬
‫فاألخالؽ بالنسبة ذلم كانت تابعة للتصور الوجودي‪ ،‬بإعتباره األساس‪.‬‬

‫إال أف ىذا األخَت أنكر قوذلم‪ ،‬وذىب إىل القوؿ بأف اإلنساف ال يعرؼ من وجود األشياء سوى الظواىر‪ ،‬أما األخالؽ‬
‫واجلماؿ فهي أحكاـ تفرض علينا اخلضوع‪.‬‬

‫فمعارفنا يف نظره ربتوي على مادة وصورة‪ ،‬فادلادة ىي اليت تعطينا األشياء أما الصورة فإمنا تكوف جزءا من بنية الذات‪ ،‬وقد‬
‫ميز بينهما يف ادلعرفة حيث رأى أف لكل نوع من أنواع ادلعرفة اليت ىي احلساسة والفهم والعقل معطيات ادلستقلة عن‬
‫التجربة‪ ،‬وىذه ادلعطيات ىي اليت ربدد لنا قيمتو‪.‬‬

‫« فالعقل العملي اخلالص‪ ،‬وادلراد بو الفهم‪ ،‬ىو الذي يوجو حياة اإلنساف األخالقية بواسطة الضمَت‪ ،‬وىو الذي يأمرنا على‬
‫إحًتاـ القانوف »(‪ ،)2‬ألف أمر الضمَت لو عالقة بالعمل‪.‬‬

‫فه و يؤسس األخالؽ على الواقع إذ الواقع مشتت‪,‬واألخالؽ تريد قوانُت ومبادئ موحدة‪,‬فالواقع متغَت واألخالؽ تسعى إىل‬
‫الثبات‪,‬فعلى ىذا األساس رأى ادينويل كانط أف الواقع نسيب و األخالؽ هتدؼ إلو ما ىو مطلق‪.‬‬

‫ومن ىنا يضع كانط فكرة اإلنساف بوجو عاـ زلل فكرة مالحظة األفراد من الناس‪,‬ويضع تصور اإلنساف العاقل زلل مالحظة‬
‫الطبيعة اإلنسانية‪.‬‬

‫فرأى اف اإلرادة اخلَتة ىي وحدىا اليت ديكن أف تعد يف ذاهتا خَتا أو خَتا مطلقا‪.‬‬

‫‪- 1‬الربيع ميموف‪ ،‬نظرية القيم يف الفكر ادلعاصر بُت النسبية وادلطلقية‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،1980 ،‬ص ‪87‬‬
‫‪ 2‬نظر‪ :‬زكي صليب زلمود‪ ،‬قصة الفلسفة احلديثة ‪ ،‬جلنة التأليف والًتصبة والنشر‪ ،‬القاىرة‪ ،1936 ،‬ص ‪.297‬‬

‫‪20‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪.................................‬المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي‬

‫فاإلعًتاؼ بقيمة ىذا األخَت‪ ،‬وبواق ع األمر اإللزامي‪ ،‬ىذا يؤدي بنا اإلعًتاؼ بواقع احلريةػ‪ ،‬فاحلرية ىي العلة الوجودية للقانوف‬
‫األخالقي‪ ،‬وىو علة ادلعرفة « وىكذا تصبح األوامر األخالقية ادلطلقة شلكنة‪ ،‬ألف فكرة احلرية ذبعلٍت عضوا يف عامل معقوؿ‬
‫»(‪.)1‬‬

‫ويقيم "كانط" األخالؽ أو الواجب على ثالثة مبادئ عقلية متكاملة وثابتة‪ :‬وجود اهلل‪ ،‬وخلود الروح واإلرادة احلرة‪ ،‬ألنو ال‬
‫معٌت لسلوؾ خَت خَت من دوف األخذ أوال‪ ،‬إلو حي مطلق يراقب األعماؿ‪ ،‬وبدوف اإلدياف خبلود الروح اليت تستحق اجلزاء‪،‬‬
‫ودوف إرادة تتحمل عواقب أعماذلا عند اإلقتضاء‪.‬‬

‫وما حيدد ىذه اإلرادة اليت يقوـ عليها الواجب ليس أي مضموف بل ىو السَتورة اخلالصة للقانوف‪.‬‬

‫ولذلك فاألوامر نوعُت كما يالحظ "كانط"‪ ،‬شرطية مقيدة و مطلقة قطعية‪ ،‬فهي تلزـ ادلرء بإتباع وسائل ضرورية إلدراؾ‬
‫غايات منشودة كأف يقوؿ لو قائل « إذا أردت النجاح كن رلتهدا‪ ،‬أما الثانية فهي مستقلة عن غاية كن رلتهدا‪ ،‬وعليو فإف‬
‫القيمة توجد فقط عندما يفعل شخص عن إحساس »(‪.)2‬‬

‫فبهذا فالقيمة مستقلة عن الوجود‪ ،‬والعقل العملي ىو الذي جيعل العقل األخالقي خاضعا لتشريع عاـ‪.‬‬

‫‪ -4‬الفلسفة المعاصرة‪:‬‬

‫إذا كانت القيم يف الفلسفة احلديثة قد تباينت‪ ،‬فإهنا عموما يف فلسفة ادلعاصرة تتأسس على الفردانية أي الذاتية‪ ،‬وكذلك‬
‫على اإلرادة اإلنسانية فهي هبذا إرتبطت حبل مشكالت الواقع اإلنساين‪.‬‬

‫‪ -‬جون بول سارتر‪:‬‬

‫صلد ىذا األخَت يشَت يف فلسفتو إىل القيم اإلنسانية من أجل إثبات الوجود‪ ،‬مكينونة اإلنساف حسبو تفرض على ىذا األخَت‬
‫ربمل مسؤوليتو يف اإلختيار‪ ،‬ألنو كائن واعي بذاتو وما الذي حيدث يف العامل إمنا ىو ناتج عن أزمة يف القيم عربت عنو‬

‫‪ 1‬إمانواؿ كانت‪ ،‬تأسيس ميتافيزيق األخالؽ‪ ،‬ترصبة عبد الغفار مكاوي‪ ،‬منشورات اجلنب‪ ،‬أدلانيا‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص ‪.162‬‬
‫‪ 2‬برترند راسل‪ ،‬تاريخ الفلسفة الغربية "الفلسفة احلديثة"‪ ،‬ترصبة زلمد فتحي الشنيطي‪ ،‬مطابع اذليئة ادلصرية العامة للكتاب‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،1988‬ص ‪.323‬‬

‫‪21‬‬
‫القصل األول‪ :‬سياقات تمهيدية‪.................................‬المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي‬

‫أحداث العرب العادلية الثانية‪ ،‬اليت إنتصرت فيها القيم ادلادية على القيم اإلنسانية‪ ،‬وىذا ما دفعنا إىل إعادة اإلعتبار لإلنساف‬
‫من حيث ىو موجود وكذلك من حيث ربقيق ماىيتو‪.‬‬

‫وعليو "فسارتر" يؤكد على أف احلرية ىي األساس الوحيد للقيم‪ ،‬ألف اإلنساف زلكوـ عليو باحلرية ويقوؿ يف ىذا السياؽ « إف‬
‫احلرية ىي األساس الوحيد للقيم‪ ،‬وال يوجد شيء مطلقا يربر قبويل ذلذا السلم للقيم أو ذاؾ »(‪.)1‬‬

‫وبناءا على ىذا فإننا صلد "سارتر" يف تأسيسو للقيم متأثرا "ببوتاغورس"‪ ،‬الذي ربط القيم بالذات‪ ،‬غَت أف اإلختالؼ‬
‫احلاصل ىو أف ذات "سارتر" مشروطة بالوعي وباحلرية وادلسؤولية « فاإلنساف زلكوـ عليو باحلرية حيمل على كتفو عبء‬
‫العامل كلو‪ ،‬فهو مسؤوؿ عن العامل ‪ ،‬ومسؤوؿ عن نفسو بإعتباره لونا من الوجود »(‪.)2‬‬

‫دبعٌت أهنا مرتبطة بعامل األشياء وعامل الذات‪ ،‬اليت تسعى إىل ربقيق ماىيتها يف الوجود‪ ،‬فالوجود عنده ىو الذات وىو وجود‬
‫اإلنساف‪ ،‬وعليو فالوجود يسبق ادلاىية بالنسبة لإلنساف‪" ،‬فسارتر" من خالؿ ىذا حياوؿ أف يوصل فكرة‪ ،‬وىي أف أحكامو ال‬
‫تقبل مراجعة سلطة أخرى ذلا‪ ،‬ولكنها تقبل مراجعيت بإصدار أحكاـ جديدة ألف احلرية ىي األساس ادلطلق لكل ما يصدر‬
‫مٍت‪ ،‬فالقيمة العليا ىي اليت ربكم وتصدر أو تقبل أو ترفض‪ ،‬فاحلرية عند "سارتر" ىي كل شيء يف اإلنساف ألهنا حقيقة‬
‫فالوجود حسبو ينكشف لإلنساف من خالؿ الغثياف والقلق « ألف ادلوجودات البشرية وحدىا ىي اليت سبلك اخليارات ذات‬
‫ادلضامُت األخالقية »(‪ .)3‬وعليو فلسفتو تتطلع إىل العقل والسعادة وادلطلق‪.‬‬

‫فالسَتة الفكرية الوجودية لسارتر كانت ذلا حدود إنسانية زلسوبة منذ بداية اإلنطالقة الفكرية فالوجود ىو أساس فلسفتو‬
‫بصفة عامة والفلسف لة األخالقية بصفو خاصة فهو يرى أف القيم اإلنسانية من صنع ىذا الوجود باعتباره جزءا من ىذا‬
‫الوجود‪,‬فماداـ اإلنساف مرتبط بالوجود‪,‬فال بد أف تكوف قيمو األخالقية ناذبة عن الوجود‪.‬‬

‫فسارتر يقف عند ىذا احلد‪,‬فهو ال يتجاوزه إىل أي دراسة ميتافيزيقية‪,‬باعتبار ادليتافيزيقا تفسَتا للوجود لذلك اقتصرت فلسفتو‬
‫على إقامة أنطلوجيا ال تقوـ على تفسَت سابق عليها‪.‬‬

‫‪ 1‬الربيع ميموف‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬


‫‪ 2‬جوف ماكوري‪ ،‬الوجودية‪ ،‬ترصبة إدياـ عبد الفتاح إدياـ‪ ،‬سلسلة كتب ثقافية شهرية‪ ،‬الكويت‪ ،1978 ،‬ص‪.66-65‬‬
‫‪ 3‬فيليب تودي سارتر‪ ،‬ترصبة إدياـ عبد الفتاح إدياـ‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ /‬مصر‪ ،‬ص‪.36‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ .............‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي‬

‫المبحث األول‪ :‬نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي "األخالق"‪.‬‬

‫أفالطون‪:‬‬
‫«‬
‫لقد تابع أفالطون أستاذه سقراط ابستمولوجيا و أخالقيا‪ ،‬ففي ادلعرفة فصل بُت ادلعرفة الظنية باحملسوسات و ادلاىيات‬
‫ادلفارقة للمادة "ادلثل"‪ ،‬و من ىنا عد اخلَت أمسى ادلثل و ىو عنده مصدر الوجود و الكمال سلالفا بذلك سقراط إذ أنو جتاوز‬
‫ادلاىيات ادلتحققة يف ادلوجودات احملسوسة إىل ما مساه بادلثل»‪.1‬‬
‫«‬
‫و ألفالطون دور كبَت يف إبطال اإلجتاه السوفسطائي الذي أقام األخالقية على الوجدان إذ إستهدف أفالطون جعل‬
‫القانون األخالقي عاما للناس يف كل عصر و عصر ‪ ،‬وال يتيسر ىذا إال بإقامتو على أمسى جانب مشًتك يف طبائع البشر و‬
‫نعٍت بو العقل ‪ ،‬وزاد خطوة عن موقف أستاذه اجتاه السوفسطائية‪ ،‬فرأى أن الفعل اخللقي يتضمن جزاءه يف باطنو و أن‬
‫اإلنسان الفاضل يؤدي الفعل اخلَت لذاتو باعتباره غاية يف نفسو ‪ ،‬وأبطل بذلك ادلذىب السوفسطائي‪ ،‬الذي وضع غاية‬
‫أخالقية خارجها ورىن اخلَتية باللذة اليت تنجم عنها»‪.2‬‬
‫«‬
‫وأعترب أفالطون كأستاذه سقراط أن النفس أمسى من اجلسد‪ ،‬فهي احلاصلة على الوجود احلقيقي وما وجود اجلسد إال‬
‫وجودا ثانويا وغَت مؤكد وىو الذي ػلمل قواىا الروحية النبيلة ويوجهها وجهة غَت أخالقية‪ ،‬ألنو مصدر الشرور و األثام وذلذا‬
‫فإن النفس تشقى هبذا الوجود األرضي‪ ،‬وتعود فتحاول اإلنطالق من زلبسها لتصعد إىل العامل ادلعقول»‪.3‬‬
‫«‬
‫وكان خصما لدودا للسوفسطائيُت القائلُت باللذة وإن عالمة العدالة ىي سيادة األقوى وإذعان األضعف لو‪ ،‬وإن اجلميع‬
‫يبتغون السعادة فال ضرورة للخضوع ألي قانون‪ ،‬ألنو يكفي أن يتعهد اإلنسان يف نفسو أقوى الشهوات حىت تتحقق العدالة‬
‫و الفضيلة و السعادة‪ ،‬إذ على الشخص أن يستخدم ذكاءه وشجاعتو إلرضاء شهوتو مهما بلغت من قوة»‪.4‬‬

‫« ومنو نقول أن رد أفالطون يف أنو جاء بالشهوات ىو يف احلقيقة تعهد آالم يف النفس‪ ،‬ال هتدأ فتصبح حياة الشهوات موتا‬
‫متكررا‪ ،‬مثل ذلك األجرب الذي ال يفتأ ػلس حاجتو حلك جلده فيحك بقوة فتزيد قوتو‪ ،‬و يقضي حاجتو يف ىذا العذاب‪.‬‬
‫بينما احلكيم ىو الذي يتقيد حبياة اإلعتدال‪ ،‬و دلا كان إىتمام أفالطون بالفرد ككائن إجتماعي أيضا يعيشو يف ظل نظام‬

‫‪ 1‬أندريو كريستون‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.85‬‬


‫‪ 2‬أندريو كريستون‪ ،‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫‪ 3‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪ 4‬زلمد اخلطيب‪ ،‬الفكر اإلغريقي‪ ،‬منشورات دار عالء الدين‪ ،‬مكتبة االسكندرية‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،9999 ،9‬ص‪.303‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ .............‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي‬

‫سياسي معُت‪ ،‬فإن األخالق إرتبطت عنده بالسياسة‪ ،‬ولذا فإن احلكيم يف السياسة بوجو خاص غلب عليو اإلعتدال وضبط‬
‫شهواتو قبل حكمو على األخرين و إال فسد حالو وحاذلم»‪.1‬‬

‫« وردا على حياة اللذة اليت تصورىا أتباع ادلذىب السوفسطائي‪ ،‬فإن أفالطون يرى على العكس أن خفة اإلنفعال وضعف‬
‫اللذة و األمل ىي مسة احلياة الفاضلة‪ ،‬وىي ألذ حياة‪ ،‬بينما حياة الرذيلة ىي اليت تتسم باألمل الذي يغلب و يدوم»‪.2‬‬

‫والفضائل عند أفالطون أربعة‪ «،‬ثالثة منها تدبر قوى النفس وىي »‪:3‬‬

‫‪-9‬احلكمة فضيلة العقل تكملو باحلق‪ ،‬وىي أوىل الفضائل ومبدؤىا‪.‬‬

‫‪-2‬العفة فضيلة القوة الشهوانية تلطف األىواء‪.‬‬

‫‪-3‬الشجاعة وىي القوة الغضبية‪.‬‬

‫وقد رمز أفالطون بقوى النفس الثالث‪ ،‬أي الغضبية و الشهوانية و العقلية بالعربة ذات اجلوادين فهما مبثابة القوتُت الغضبية‬
‫والشهوانية‪ ،‬أما احلوذي الذي يشد أعنة اجلوادين فهو يرمز إىل القوة الناطقة‪.‬‬
‫«‬
‫فإذا ما حتققت الفضائل الثالث‪ ،‬حتقق فيها التناسب و النظام و يسمي أفالطون حالة التناسب ىذه العدالة‪ ،‬وىي‬
‫الفضيلة الرابعة ‪ ،‬وإذا كان على ادلستوى الفردي عند أفالطون ىو التوازن الصحيح بُت القوى الثالث‪ ،‬فإنو يصبح إجتماعي‬
‫أداء الوظيفة ادلناسبة يف اجملتمع‪ ،‬إن العدل واحلكمة علا الفضيلتان الرئيسيتان عند أفالطون ‪ ،‬وعلا مىت بلغا أمسى صورعلا‪،‬‬
‫تضمنت إحداعلا األخرى با لتبادل فالنفس احلكيمة ىي بالضرورة تلك اليت تعمل فيها كل القوى بإتساق و إنسجام وال‬
‫يكون عملها ىذا كامال ما مل تكن القوة الناطقة ادلهيمنة حكيما حقا»‪.4‬‬

‫‪ 1‬زلمد اخلطيب‪ ،‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪305‬‬


‫‪ 2‬أفالطون ‪ ،‬يف الفضيلة‪( ،‬زلاورة مينون)‪ ،‬تررتة‪:‬عزت القرين‪ ،‬دار قباء ااطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاىرة‪ ،2009 ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ 3‬ادلصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 4‬أندريو‪ ،‬كريسون‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.95‬‬

‫‪25‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ .............‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي‬
‫«‬
‫وإذا ما حتققت التوازن أي "العدالة" بُت قوى النفس وفضائلها حتقق للنفس سعادهتا‪ ،‬وىي حالة باطنية عقلية أخالقية‬
‫يظهر فيها فيل النفس وصحتها وسيطرة اجلزء اإلذلي فيها على الشهوات ورغبات اجلسد‪ ،‬وىذا ىو الوضع الذي ينبغي أن‬
‫يكون عليو اإلنسان»‪.1‬‬
‫«‬
‫إن أفالطون يؤكد أن الفضيلة أي"احلكمة" يكمن فيها خَت اإلنسان وسعادتو لبيان كذب السوفسطائيُت الذين ينادون‬
‫بطلب اللذة استجابة لنداء الطبيعية‪ ،‬إن دليل كذهبم أن الطبيعة ال تدعو إىل أن يعمل اإلنسان على دمار نفسو وذلذا فهو ال‬
‫يكتفي بتفويض دعائم أرائهم بل يذىب إىل ضرورة فرض أنوع العقوبات على ادلنحرفُت إىل الرذيلة»‪.2‬‬
‫«‬
‫يظهر تأثر افالطون بادلذىب الفيثاغوري يف تصورره للجسم بأنو مصدر شقاء النفس وأصل رتيع الشرور‪ ،‬فهي سجن‬
‫النفس وما نعتو من اإلنطالق إىل العامل األعلى‪ ،‬وال خالص ذلا إال بالتطهر واجملاىدة‪ ،‬وىكذا تنتهي األخالق عنده إىل نوع‬
‫من الزىد و النسك»‪.3‬‬

‫أوغسطين‪:‬‬
‫«‬
‫يعد ادلبدأ األخالقي القائم على ثنائية الروح و اجلسد ادلقوم األساسي يف تصورات أوغسطُت‪ ،‬فرببطو اخلَت و الشر‬
‫باجلسد‪ ،‬فقد فتح األفق أمام شلارسة مزدوجة ومنقسمة على ذاهتا‪ ،‬حبيث أفضى ذلك يف هناية األمر إىل تقسيم العامل إىل‬
‫قسمُت متعارضُت‪ ،‬قسم يستدم شرعيتو من الروح وآخر من اجلسد»‪.4‬‬

‫« وىذان القسمان يقف وراءعلا نوعان من احلب‪ ،‬حب الروح وحب اجلسد‪ ،‬يقول أوغسطُت‪:‬حبان يصنعان دولتُت‪:‬حب‬
‫الذات لدرجة احتقار اهلل يصنع الدولة األرضية‪ ،‬وحب اهلل لدرجة احتقار الذات يصنع ادلدينة ادلقدسة‪ ،‬قانوهنا أبدي‪،‬‬
‫وزعيمها ادلسيح وىي تستميل كل ادلواطنُت من كل األمم وتشكل رلتمعا من ادلبعدين من الناس‪ ،‬جلميع اللغات دون أن هتتم‬
‫باالختالفات‪ ،‬اليت ؽلكن أن توجد بسبب األخالق أو العادات و القوانُت أو ادلؤسسات‪ ،‬ىدفها حفظ السالم األرضي»‪. 5‬‬

‫‪ 1‬يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.94‬‬


‫‪ 2‬د‪.‬سدجويك‪ ،‬اجململ يف علم األخالق‪ ،‬تررتة‪:‬توفيق الطويل‪ ،‬دار الثقافة باألسكندرية‪ ،‬ج‪ ،9‬ط‪،9949 ،9‬ص‪.982‬‬
‫‪ 3‬د‪.‬سدجويك‪ ،‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.983‬‬
‫‪ 4‬د‪.‬رأفت غنمي الشيخ‪ ،‬فلسفة التاريخ‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاىرة‪ ،‬د ط‪ ،9989،‬ص‪.78‬‬
‫‪ 5‬د‪.‬رأفت غنمي الشيخ‪ ،‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.80‬‬

‫‪26‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ .............‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي‬

‫ومن ىنا نقول أن قضية مدينة اهلل تثَت رلموعة من اإلشكاليات األخالقية والالىوتية‪ ،‬وبناءا على تصورات أوغسطُت اليت‬
‫وردت يف الكتاب باالسم نفسو نرى أنو نظم العالقة يف العصور الوسطى بُت الكنيسة والدولة‪ ،‬فذلك إظلا ألنو اعترب الكنيسة‬
‫ىي مدينة اهلل والدولة ىي مدينة األرض‪ ،‬فالفصل إذ يقوم مبدأ أخالقي ادلبدأ القائل بثنائية اخلَت والشر‪.‬‬
‫«‬
‫البد أن دتثل دلدينة اخلَت ادلطلق مدينة اهلل‪ ،‬البد أن تذوب رمزيا فيها‪ ،‬وإال الشر سيظل قائما‪ ،‬ألن حب اهلل يف خطر‬
‫وىذه احلجة مل تزل قائمة يف أذىان الكثَتين الرازحُت حتت ثقل الالىوت الديٍت الضيق يف كثَت من الديانات»‪. 1‬‬
‫«‬
‫أراد أوغسطُت أن ينظم األسس األخالقية والنظرية للدفاع عن ادلسيحية ضد خصومها الوثنيُت وضد السلطات الدنيوية‪،‬‬
‫فأفضى ذلك إىل بناء قواعد الالىوت الكنسي‪ ،‬ويقوم دفاعو على أنواع من اإلقرار بالتعارض الفعال بُت الروح واجلسد‪ ،‬فيما‬
‫أن اإلنسان يتكون منهما‪ ،‬كما ىو شائع يف الفكر القدًن ذي األسس الثنائية‪ ،‬لذلك فإن االىتمام بالعنصر األول يقود إىل‬
‫شللكة نقية صافية و االىتمام بالعنصر الثاين سيؤدي إىل شللكة مدنسة باللذة وادلتعة»‪. 2‬‬

‫ومن ىذا فإن صحت ىذه ادلقدمة النظرية‪ ،‬وأخذ هبا كمسلمة فال بد كما ىو األمر يف حالة أوغسطُت من التسليم بأن‬
‫شللكة األرض ىي مواطن الشرور‪ ،‬وأن شللكة السماء ىي احملضن احلقيقي للخَت‪ ،‬واحلق والعدل والسالم‪ ،‬ودلا كانت الكنيسة‬
‫ىي السلطة القيمة الشرعية على الروح‪ ،‬وادلسؤولة عنها‪ ،‬فهي مثال مدينة اهلل يف األرض‪ ،‬وألن تاريخ الصراع اإلنساين‬
‫يكشف أنو تعارض بُت مبادئ أخالقية سامية ومتع دنيوية خاصة‪ ،‬فإن الفوز يف هناية ادلطاف البد أن يكون لتلك ادلبادئ‬
‫اخلَتة‪ ،‬البد أن تنتصر مدينة اهلل‪ ،‬وذلك لن يكون إال عرب شلارسة قهرية دائمة دلتع النفس ولذاهتا وشرورىا وغاياهتا الذاتية‪،‬‬
‫ألن كل ذلك ىو الذي ؽلد ادلدينة األرضية قوهتا‪.‬‬

‫« ينبغي إذا قهر الذات دائما‪ ،‬لكي تضعف ركائز مدينة األرض‪ ،‬وبادلقابل غلب تغذية الروح لكي تتقوى ركائز مدينة اهلل‪،‬‬
‫ويعيد أوغسطُت تركيب التاريخ‪ ،‬ليعثر على أمثلة توافق خالصاتو‪ ،‬أقرب األمثلة لديو ىو صراع ادلسيحية مع الوثنية‪ ،‬فمدينة‬
‫اهلل ىذه البد من تأصيل تارؼلها وحتديد مسؤولياهتا وتنظيم عالقاهتا وبعد ذلك تعميمها ظلوذجا عادليا شامال لكل األمم‬
‫والشعوب بزعامة ادلسيح الذي ىو نوع من عقل اهلل وكلمتو‪ ،‬والن كل فعل عند أوغسطُت البد أن يكون خَتا أو شريرا‪،‬‬
‫وألنو ال ؽلكن أن يصدر شر عن خَت‪ ،‬فمدينة اهلل ادلسيحية ادلتصلة باهلل عرب ادلسيح ال ؽلكن أن تعرف الشرور»‪.3‬‬

‫‪ 1‬بدوي عبد الرزتان‪ ،‬فلسفة العصور الوسطى‪ ،‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.35‬‬


‫‪ 2‬نيتشو‪ ،‬عدو ادلسيح‪ ،‬تررتة‪:‬جورج ميخائيل ديب‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.928‬‬
‫‪ 3‬بدوي عبد الرزتان‪ ،‬فلسفة العصور الوسطى‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.36‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ .............‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي‬

‫« إن مدينة اخلَت األبدية اليت وجدت ذلا دتثيال يف الكنيسة اليت كلما اتسعت فهذا يعٍت مشول العامل باخلَت‪ ،‬بعبارة أخرى‬
‫بالكنيسة ؽلكن حتويل العامل إىل مدينة اهلل‪ ،‬ىذا التسلسل القائم بادلبدأ األخالقي بوصفو مقدمة صحيحة‪ ،‬سيؤدي إىل‬
‫التسليم بكل ما يتصل مبدينة اهلل‪ ،‬وبادلقابل البد من إقصاء احملاوالت مهما كانت لظهور ادلدينة األرضية ادلعارضة‪ ،‬ال ؽلكن‬
‫السماح أبدا يف ضوء ىذا ادلبدأ ألي فعل يهدف إىل إنشاء مدينة أخرى»‪.1‬‬

‫ومنو نقول أن أوغسطُت يربط فكرة مدينة اهلل مببدأ أخالقي لو صلة مباشرة بثنائية اخلَت و الشر‪ ،‬وىو اخلطيئة واخلالص‪،‬‬
‫ويذىب إىل أن آدم قبل السقوط كانت لو إرادة حرة وكان يف مستطاعو أن ؽلتنع عن اقًتاف اخلطيئة‪ ،‬لكن عندما أكل‬
‫التفاحة ىو وحواء دخلهما الفساد الذي انتقل منهما إىل خلفهما كلية ومل يعد أحد من ىذا اخللف يستطيع بقوتو اخلاصة‬
‫أن ؽلتنع عن اخلطيئة‪ ،‬فال سبيل أمام الناس إىل حياة الفضيلة إال برزتة اهلل‪ ،‬ودلا كان البشر رتيعهم ورثو اخلطيئة عن آدم‪،‬‬
‫فقد خفت اللعنة األبدية عليهم‪ ،‬ألن اجلميع حسب أوغسطُت أشرارا‪.‬‬

‫« لكن اهلل ؼلتار برزتتو فريقا شلن ناذلم التعميد‪ ،‬فيذىب هبم إىل اجلنة‪ ،‬وىؤالء ىم ادلرضي عنهم‪ ،‬لكنهم ال يذىبون إىل اجلنة‬
‫ألهنم خَتون‪ ،‬فأبناء آدم رتيعهم فاجرون واهلل وحده القادر أن يرفع الفجور عمن ؼلتاره لذلك إن الرزتة قاصرة على من‬
‫رضي اهلل عنهم‪ ،‬وال ؽلكن العثور على علة خالص ىذا الفريق و لعنة ذاك‪ ،‬فاألمر منوط باختيار إالىي زلض اللعنة برىان‬
‫على عدالة اهلل‪ ،‬واخلالص برىان على رزتتو»‪.2‬‬

‫ومنو نستخلص من ىذه الفكرة أن الشر وجد مبعصية آدم‪ ،‬إذ تفرق الناس بعد ذلك إىل طوائف وقسموا إىل رلموعتُت‪:‬فئة‬
‫حتب ذاهتا إىل حد امتهان اهلل‪ ،‬أي أهنا طورت حبا نرجسيا مرضيا مبالغا فيو‪ ،‬كان نتيجة أدت إىل احتقار اهلل‪ ،‬وفئة أخرى‬
‫انصرفت إىل حب اهلل إىل بلغت فيها أهنا احتقرت ذاهتا‪ ،‬أفلحت يف أن تركب فضاء يناسب رؤيتها ونوع حبها‪ ،‬فكانت‬
‫ادلدينة األرضية مدينة الدنس و الشرور واخلطايا‪ ،‬فيما صلحت الثانية يف بناء مدينة مساوية مقدسة وطاىرة ‪.‬‬
‫«‬
‫فنيتشو ػلاول من خالل ىذه القراءة ألفالطون و أوغسطُت أي الفلسفة اليونانية و ادلسيحية إنكار األخالق وذلك من‬
‫خالل إنكار البواعث األخالقية اليت يستخدمها الناس اليت تقف حقا وراء أفعاذلم‪ ،‬على ىذا األساس صلده يقول‪":‬أنا إذن‬

‫‪ 1‬نيتشو‪ ،‬نقيض ادلسيح‪ ،‬ادلصدر السابق‪ ،‬ص‪.89‬‬


‫‪ 2‬غيتُت جيلسون‪ ،‬لروح الفلسفة ادلسيحية يف العصر الوسيط‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.494‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ .............‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي‬

‫أنكر األخالق كما أنكر اخليمياء"‪ ،‬فيعٍت هبذا اإلنكار ىو إنكار الفرضيات اليت ارتكزوا عليها و آمنوا هبا‪ ،‬كما أنكر الال‬
‫أخالقية»‪.1‬‬

‫« فاألخالق إذن منافية للطبيعة ومتعارضة مع الواقع‪ ،‬مضادة للحقيقة الفعلية ومن أجل ىذا البد من القضاء عليها وحتطيم‬
‫قيمها ادلتواضع عليها و ىذا ما يسمى بالالأخالقية عند نيتشو أو ال أخالقية نيتشو فهو يود من ىذا أن نغَت طريقتنا يف‬
‫النظر إىل األمور لنتوصل يف هناية ادلطاف‪ ،‬و رمبا يف مرحلة متأخرة جدا إىل يف الشعور»‪.2‬‬

‫« يرى نيتشو أن نظرية أفالطون يف األخالق جتمع عناصر سقراطية‪ ،‬فهو ال ؽلثل ظلوذجا صافيا‪ ،‬وحىت يف شخصيتو تتداخل‬
‫اخلطوط ادلميزة دلسافة ىَتاقليطس ادللكية‪ ،‬إن أفالطون يتسم بكونو أول اذلجناء الكبار‪ ،‬وىذا مدون يف شخصيتو كما يف‬
‫فلسفتو»‪. 3‬‬

‫« وىنا يتجسد إضلراف الفكر الذي مل ؽلل شوبنهاور من صب لعناتو و غضبو عليو فلسفة جترؤ على وضع األخالق نفسها‬
‫يف عامل الظواىر وليس فقط ضمن الظواىر بالتقليل من شأهنا بل كذلك ضمن األوىام ادلعتربة»‪.4‬‬

‫« يف حُت أنو كذلك إعًتض نيتشو على ادلسيحية‪ ،‬ألهنا ىي السبب دلا أمساه أخالق العبيد‪ ،‬وعنده ادلسيحية منحلة ومفعمة‬
‫بالعناصر ادلفسدة والعفنة‪ ،‬ومنكرة لقيمة الكربياء واإلختالف وادلسؤولية العظمى والنزعة احليوانية الرائعة‪ ،‬وغرائز احلرب وتأيل‬
‫العاطفة و الثأر والغضب والشهوانية وادلغامرة‪،‬كلها عناصر خَت تقول عنها ادلسيحية إهنا شر»‪.5‬‬

‫« لقد كانت ادلسيحية منذ بدايتها‪ ،‬بشكل جذري وقاطع امشئزاز من احلياة و ضجرا منها‪ ،‬وإن كانت قد أخفت ذلك و‬
‫زبنتو بزينة اإلؽلان حبياة أخرى‪.‬حبياة أفضل‪ ،‬كراىية الدنيا‪ ،‬وصب اللعنة‪ ،‬على األحاسيس واخلوف من اجلمال‪ ،‬إن رغبة‬

‫‪ 1‬بدوي عبد الرزتان‪ ،‬خالصة الفكر االرويب‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.936‬‬


‫‪ 2‬تلنز مايكل‪ ،‬نيتشو مقدمة قصَتة جدا‪ ،‬تررتة‪:‬مروة عبد السالم‪ ،‬مؤسسة ىنداوي للتعليم و الثقافة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،2095 ،9‬ص‪.36‬‬
‫‪ 3‬نيتشو‪ ،‬الفلسفة يف العصر ادلأساوي اإلغريقي‪ ،‬تررتة‪:‬ميشال فوكو‪ ،‬ادلؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬بَتوت لبنان‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ ،9993‬ص ‪.43‬‬
‫‪ 4‬نيتشو‪ ،‬ميالد الًتاجيديا‪ ،‬تررتة‪:‬زلمد الناجي‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬د ط‪ ،2099 ،‬ص‪.933‬‬
‫‪ 5‬طرابشي جورج‪ ،‬معجم الفالسفة‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ط‪ ،2006 ،3‬ص‪.680‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ .............‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي‬

‫ادلسيحية ادلطلقة يف اإلعًتاف بالقيم األخالقية فقط‪ ،‬على أنو أخطر شكل من أشكال إرادة االضلطاط ادلمكنة وأكثر‬
‫إقالقا»‪.1‬‬

‫« إن احلملة اليت شنها نيتشو على ادلسيحية‪ ،‬ىي أعتق زتلة يف تاريخ ادلسيحية كلو وال يعادذلا عنفا وضرورة‪ ،‬ومن ىجومو‬
‫على ادلسيحية توسع نيتشو ليشمل روح األديان رتيعا‪ ،‬وأصنام العصر بكافة أشكاذلا وأصنافها‪ ،‬والقيم وادلثل العليا السائدة‬
‫بكل تياراهتا واجتاىاهتا‪ ،‬فلم يسلم من معقول ىدمو شيء‪ ،‬ومل يفلت من مطرقة فحطيمو مذىب أو نظام أخالقي دون أن‬
‫يعرف يف ىذه العملية رزتة أو مهادنة»‪.2‬‬

‫« ويعيب نيتشو على األخالق ادلسيحية‪ ،‬أهنا حطمت كل فكرة من جتاوز اإلنسان لذاتو‪ ،‬أي وضعتو يف راحة داخلية‪ ،‬رضى‬
‫عن نفسو كلها تعد بالنسبة للعظمة اإلنسانية أسوء أنواع تنازل اإلنسان عن حقوقو‪ ،‬إذ ال وجود للعظمة إال يف احلرية اليت‬
‫يبٍت هبا اإلنسان لنفسو مصَتا جديرا بو»‪.3‬‬

‫الدين‪:‬‬

‫« لقد كان نيتشو ينتقد القيم الدينية‪ ،‬كما تظهر لو يف النصرانية اليت كان كرىو ذلا شديدا‪ ،‬ألهنا يف نظره أسوأ اإلغراءات و‬
‫األكاذيب‪ ،‬وألهنا اجلرؽلة الرئيسية ضد احلياة‪ ،‬إهنا قيم تتجاىل الطبيعة‪ ،‬وتنكر القيم احلقيقية كلها‪ ،‬ولذلك فرسوذلا دجال يف‬
‫نظره‪ ،‬وقساوستها مضللون‪ ،‬وأما اهلل ففرض ختميٍت‪ ،‬إن اإلرادة تعتق ولقد أبعدتٍت عن اهلل واآلذلة‪ ،‬ألنو ال ؽلكن خلق شيء‬
‫لو كانت آذلة‪ ،‬ولو كانت آذلة فكيف أحتمل أن ال أكون إلو؟ إذن‪ ،‬إنو ال توجد آذلة»‪.4‬‬
‫«‬
‫إن الفضائل الدينية ىي فضائل قوة وليست فضائل ضعف‪ ،‬فحب اآلخرين والعفو عن األعداء ورفض العنف صفات‬
‫تدعوا إليها أخالقيات تزين عموم الناس فالقسوة والكربياء الوقحة واألنانية وتقديس القوة‪ ،‬كره الضعفاء غايات ال تشرف‬
‫اإلنسان‪ ،‬وذلذا نرى نيتشو يهدم أكثر شلا يبٍت حُت يدعو إليها »‪.5‬‬

‫‪ 1‬نيتشو ‪ ،‬مبالد الًتاجيديا ‪ ،‬ادلصدر السابق‪ ،‬ص‪.934‬‬


‫‪ 2‬فؤاد كامل‪ ،‬أعالم الفكر ادلعاصر‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،9993 ،9‬ص‪.987‬‬
‫‪ 3‬فؤاد كامل‪ ،‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.987‬‬
‫‪ 4‬د‪.‬الربيع ميمون‪ ،‬نظرية القيم يف الفكر ادلعاصر بُت النسبية و ادلطلقية‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫‪ 5‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.93‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ .............‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي‬

‫إن نيتشو ال يؤمن باهلل ويعتربه فرضا ولكنو ال يؤمن أيضا باحلقيقة ألن اإلؽلان باحلقيقة ينهار ويزول إذا اختل اإلؽلان باهلل فاهلل‬
‫الصادق‪ ،‬كما يقول ديكارت ‪:‬ىو الذي ؽلنح احلقيقة معناىا‪ ،‬وغلعل البحث عنها مشروعا فاتنا على الرغم شلا نتكبده فيو‬
‫من متاعب ألنو مشروع يقربنا منو و يغنينا ويثري وجودنا‪ ،‬مبا أن نيتشو ينكر وجود اهلل‪ ،‬ففلسفتو فيما يتعلق باحلقيقة ال‬
‫ؽلكن أن تكون سوى نسبية أو بررتاتية خالصة تقربو من السوفسطائيُت اليونانيُت وال سيما بروتاغوراس ‪.‬‬

‫« إن نيتشو ينكر ادلعتقدات الدينية رتيعا‪ ،‬باسم الفلسفة التارؼلية اليت تفسر مظاىر الروح الدينية من عقائد وأساطَت على أهنا‬
‫من نتاج الظروف البيولوجية و االجتماعية والنفسية اليت يتم فيها التطور التارؼلي وليست ىناك يف رلال ىذه النظرة حقيقة‬
‫مطلقة ألن كل شيء مرده بصورة تامة ودون أي باقي إىل ظروف إنسانية تصنع حدا لكل إدعاء بادلوضوعية‪ ،‬وىكذا ينهار‬
‫ادلطلق عند نيتشو بصورة أساسية وحامسة‪ ،‬وهتبط احلقيقة من مساءىا ادليتافيزيقية وادلنطقية لتتخذ مكاهنا يف الصعيد النفسي‬
‫واألخالقي»‪.1‬‬
‫«‬
‫ويفهم نيتشو العقلية الدينية على أهنا نقيض العقلية العلمية‪ ،‬فاألوىل تفسر كل شيء من خالل قوى وإرادات واعية‪،‬‬
‫والثانية كل شيء طبيعيا‪ ،‬أي على ضلو مستمد من منطق احلوادث ذاهتا‪,‬ال من تشبيو حوادث الطبيعة مبا غلري داخل الذات‬
‫اإلنسانية الواعية‪ ،‬وهبذا ينظر نيتشو إىل األلوىية بوصفها عقبة حتول دون توكيد اإلنسان لذاتو‪ ،‬ومن مث فإنو يسعى إىل إعادة‬
‫الثقة لإلنسان »‪.2‬‬

‫إن مبادئ الدين واألخالق التقليدية مبادئ ال تدحض‪ ،‬ألهنا تطلب من كل إنسان جتاوزا لذاتو وتدعوه إىل أن يصَت إنسانا‬
‫أعلى بوعيو دلسؤولياتو‪ ،‬فاألخالق التقليدية دؽلقراطية‪ ،‬ولكنها تدعوا كل إنسان إىل األستقراطية الروحية‪ ،‬ولذلك فهي ادلدخل‬
‫احلقيقي إىل حياة العظمة‪.‬‬

‫يقول نيتشو‪" «:‬يسيء الراىب استعمال اسم اهلل‪ ،‬فهو يسمي سيادة اهلل احلالة اليت يكون فيها الراىب‪ ،‬ىو الذي يصنع القيم‬
‫ويثبتها"‪ ،‬وىذا معٌت كون األخالق سوء تفاىم ‪ ، un malentendu‬وإذا كان من الالزم عدم تصديق الداعية األخالقي‬
‫وعدم أخذ ما يقولو يف حرفيتو‪ ،‬فألن األخالق ال توجد إال على مستوى الكالم‪ ،‬ىي تضليل مضاعف‪ ،‬أي تضليل اآلخر‬
‫وتضليل الذات وتأويل مزيف للواقع‪ ،‬ذلذا يستعمل نيتشو الفيلولوجيا إلضعاف اإلنكار الذي دتثلو األخالق كخطاب‬

‫‪ 1‬كامل فؤاد‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي ادلعاصر‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،9993 ،9493 ،9‬ص‪.987‬‬

‫‪ 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.988‬‬

‫‪31‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ .............‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي‬

‫كاذب‪ ،‬مبا ىي قول"ال" للحياة وإنكار للغرائز واجلسد‪ ،‬وىذا اإلنكار واقع احلياة‪ ،‬الذي ىو يف حقيقتو إشباع ملتو ومكتوم‬
‫لدوافع غَت معلنة »‪.1‬‬
‫«‬
‫يتدخل مستوى اللغة أيضا‪ ،‬فيجعل من األخالق خطابا لإلنكار‪ ،‬ذلك ألن الغريزة ال للعقل ىي اليت تنكر احلياة لكي‬
‫تكتمل وتتحقق اكتمال وحتققها‪ ،‬فما يدفع رجا ل األخالق ليست ىي غرائز األخالق‪ ،‬ألن ىذه غَت موجودة أصال‪ ،‬بل‬
‫غرائز حياة منحطة دتت تررتتها إىل صيغ أخالقية‪ ،‬ىكذا يتم يف خطاب األخالق إنكار للرغبة ادلتحققة‪ ،‬فتبدو األخالق يف‬
‫الوقت ذاتو كتربير‪ ،‬إن األخالق كتأويل مزيف وكتسمية مقلوبة‪ ،‬تتشكل كعملية للًترتة‪ ،‬وكل تررتة »‪.2‬‬

‫ومنو نقول أن كل تررتة تنطوي يف نظر نيتشو على نوع من اخليانة دلوضوعها‪ ،‬فاخلطاب األخالقي يف نظر نيتشو أو كما ػللو‬
‫لنيتشو تسميتو باخلطاب ادلنحط ‪ ،décadent‬بقلب أمساء األقوياء ويزيفها وذلذا فهو مبثابة تررتة خائنة مبا ىي غَت سللصة‬
‫لنص الواقع‪.‬‬

‫«كما تناول نيتشو أيضا قضية "موت اإللو"‪ ،‬قد يظن ادلرء يف بادئ األمر أن قضية "موت اإللو"ىي قضية مألوفة‪ ،‬حيث‬
‫يذىب ادلسيحيون احملافظون إىل أن عدم وجود إلو يعٍت ضرورة غياب القيم األخالقية اجملردة‪ ،‬ويرد معتنقو الفلسفة اإلنسانية‬
‫العلمانية باستياء زاعمُت أن وجود إلو ليس لو أي عالقة مبدى صحة األحكام األخالقية اليت نتخذىا‪ ،‬يتفق نيتشو مع‬
‫ادلؤمنُت بوجود إلو يف زعمهم أن موت اإللو عالمة على هناية التجرد كسمة للقيم األخالقية‪ ،‬ولكن ؼلتلف معهم من خالل‬
‫رفضو اختاذ ذلك سببا لإلؽلان بوجود إلو »‪.3‬‬

‫« إن "موت اإللو"‪ ،‬ىو رليء العدمية‪ ،‬وتعٍت أن القيم العليا قد انتفضت قيمتها‪ ،‬وأنو مل يعد ذتة جواب على السؤال دلاذا؟‬
‫كما تعٍت فقد التفسَت األخالقي و األنطولوجي للوجود يف ادليتافيزيقا الغربية قوتو ادللزمة‪ ،‬وعلى ذلك فال نعٍت كلمة‬
‫"اإللو"قوة دينية على اإلطالق وإظلا يشَت قناع كلمة"اإللو" إىل العالقة بُت الفكرة األنطولوجية وادلثل األخالقي األعلى‪،‬‬
‫فنيتشو يتحدث عن إلو الفالسفة‪ ،‬وكفاحو موجو ضد أنطولوجية أخالقية‪ ،‬ويبدو أن ىدفو ىو قلب القيم "األنطولوجية‬
‫التقليدية" وحترير ادلوجود من األنطولوجية األخالقية »‪.4‬‬

‫‪ 1‬أندلسي زلمد‪ ،‬نيتشو وسياسة الفلسفة‪ ،‬دار توبقال للنشر ‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬ط‪ ،2006 ،9‬ص‪.955‬‬
‫‪ 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.956‬‬
‫‪ 3‬د‪.‬صفاء عبد السالم علي جعفر‪ ،‬زلاولة جديدة لقراءة فريدريك نيتشو‪ ،‬دار ادلعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2009 ،‬ص‪.452‬‬
‫‪ 4‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.453‬‬

‫‪32‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ .............‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وتجاوز النسق األكسيولوجي‬

‫يدعو نيتشو إىل براءة جديدة يف احلياة وإىل إعادة تقوًن القيم‪ ،‬إذا كانت األخالقية التقليدية تعادي احلياة‪ ،‬فإن اخلروج عليها‬
‫أو الالأخالقية ىي السبيل إىل حتقيق أعظم قوة لإلنسانية‪ ،‬وال يعٍت اخلروج عن األخالق نيتشو سوى العثور على معٌت آجر‬
‫جديد لألخالق يفوق ادلعٌت القدًن ويعلو عليو‪ ،‬فيضع اإلنسان األعلى تقوؽلا جديدا يعلو على التقوؽلات ادلوروثة‪ ،‬ويصبح‬
‫العلو فوق "الشفقة" من أىم مساتو‪.‬‬

‫فهذه القراءة الفلسفية لنيتشو ىي زلاولة لتقوًن وقراءة تاريخ الفلسفة قراءة قيمية ‪,‬فهو يرى أن الفعل ىو الذي ؼللق لنا‬
‫القيمة‪,‬فهو من خالل ىذه القراءة ػلاول ان يعطي حلياة اإلنسان معٌت وذلك من خالل تقوًن القيم وجتاوزىا‪,‬حبيث أن احلياة‬
‫الروحانية تتجاوز احلياة الطبيعية‪.‬‬

‫لذا يعترب مذىب إرادة القوة عند نيتشو ىو يف حد ذاتو جتاوز أكسيولوجي‪,‬وىذا من منطلق ان اإلنسان ىو يف حد ذاتو يقوم‬
‫فاختذ للفعل القيمي صورا عدة‪.‬‬

‫فنيتشو من خالل ىذا التجاوز ػلاول التحرر من الالىوت واإلنفصال عن الًتاث القيمي والالىويت ادلسيحي‪.‬‬

‫فدفع نيتشو من خالل موقفو العدائي من القيم التقليدية أي القيم الدينية اليهوديةو ادلسيحية‪,‬للتساؤل والبحث من جديد‬
‫عن األساس احلقيقي الذي ػلب ان يسند إليو القيم‪,‬بل اراد أن ػلطم بنيان كل القيم ادلتعارف عليها حىت يف زمنو ‪,‬وذلك‬
‫من خالل فتح اجملال أمام النذر و التجديد ‪ ,‬وىذا ما أراد أن ؼلربنا بو نيتشو يف كتابو "ما وراء اخلَت و الشر "‪ ,‬من خالل‬
‫إعادة طرح و صياغة موضوع القيم‪,‬فادلشكل مل يطرح من قبل‪,‬لقد كنا سباقُت إىل إدراكو ‪,‬وإىل تقريره ولدينا الشجاعة‬
‫دلعاجلتو ألن ذتة سلاطر تًتصد عملنا ‪,‬و رمبا ال توجد سلاطر أكثر من تلك(‪.)1‬‬

‫فهذا ىو ادلنطلق الذي عمل بو نيتشو‪,‬وذلك باحلفر و التنقيب و إعادة الًتتيب ‪,‬فعلى ىذا األساس دعا اإلنسان إىل‬
‫التساؤل من حُت إىل آخر عن سبب وجوده‪,‬ألن اإلنسان ال يتطور إال بثقة مرحلية يف احلياة‪.‬‬

‫فإستشكال نيتشو للقيم مرتبط ببحثو عن احلقيقة اليت يراىا موضوعا للمعرفة اليت تستند إىل علم التاريخ و علم النفس وتارة‬
‫أخرى إىل فقو اللغة‪.‬‬

‫فهذا احلفر و إعادة التقوًن كان يريد منو نيتشو تشييد لوحة قيم تستند أن تكون لكل إنسان و للمتفوقُت خاصة‪.‬‬

‫‪1‬نيتشو‪,‬ما وراء اخلَت و الشر‪,‬تر‪,:‬ادلؤسسة الوطنية لإلتصال و النشر واإلشهار‪,‬لبنان ‪,‬ط‪ ,2003 ,9‬ص‪.92-99‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..... ........................‬المبحث الثاني‪ :‬اإلنسان‪ ،‬القيم‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬اإلنسان‪ ،‬القيم‪.‬‬

‫مبا أن القوة ليست ىي البنية الوحيدة لألخالق‪ ،‬فعلى اإلنسان أن يتجو إىل البحث عن أفضل وأقوى األفراد وىذا من أجل‬
‫النهوض باإلنسانية للوصول إىل اإلنسان األعلى‪ ،‬وذلك عن طريق حتسُت النوع ورفع قوتو وقدرتو فإذا أردنا حسب "نيتشو"‬
‫أن طللق اإلنسان األعلى‪ ،‬فعلينا أن نشرف على الًتبية وأن ال ندع األمر يف يد الطبيعة أي الفوضى‪ ،‬ألن طبيعة احلياة‬
‫تعارض أفذاذ الرجال وىي أقسى ما تكون على أفضل األفراد‪.‬‬
‫«‬
‫وأن يتخذ لنفسو ىدفا شاقا وكبَتا يتناىف مع أىداف اآلخرين‪ ،‬وذلك عن طريق سلك كل ادلخاطر يف سبيل الوصول إىل‬
‫ىدفو‪ ،‬ىذا ىو اذلدف األمسى لبلوغ النبل والوصول إىل مرتبة اإلنسان األعلى »(‪.)1‬‬

‫فاإلنسان األعلى الذي رمسو "نيتشو" البد أن يكون مستندا إىل منطق القوة‪ ،‬ألن ليس ىناك شيء يف احلياة ذو قيمة وأمسى‬
‫ما عدا القوة‪ ،‬لذلك صلده ؽلجد ذلك اإلنسان األعلى الذي ىو بالنسبة لو ىو الذي تصدر رتيع أفعالو عن إرادة القوة‪.‬‬
‫«‬
‫فلذا دعا على لسان "زرادشت" إىل سيادة السوبرمان وصوره يف صورة أشبو بنصف إاله يعيش على األرض‪ ،‬وحاول أن‬
‫ؼللق السوبرمان من أروع صفات اإلنسان »(‪.)2‬‬

‫فمحور الدائرة يف فلسفة "نيتشو" ىو إغلاد إنسان يتفوق على اإلنسانية‪ ،‬لذلك تراه يهزأ من رتيع األفراد الذين عهدىم‬
‫الت اريخ عظماء‪ ،‬ألن العظماء حبسب "نيتشو" مل يولد بعد‪ ،‬وأنو ال يوجد رجل يف ىذا الزمان يتفوق على ذاتو‪ ،‬فما بوسع‬
‫الناس إال أن يتشوقوا إىل إخراج ىذا اإلنسان من ساللتهم يف األزمان ادلستقبلية‪.‬‬

‫فاإلنسان األعلى أو ادلتفوق ىو الذي يتميز بصفات مل تظهر ومل توجد على األرض بعد‪ ،‬ألن يوم الظهور مل يزل بعيدا‪،‬‬
‫وليس نوعا إنسانيا جديدا‪ «،‬فادلتفوق ليس زلصورا بعرق معُت‪ ،‬فكل إنسان يف نظره مدعو إىل ختطي ذاتو والتفوق‪ ،‬ولن‬
‫يكون ىذا التفوق إمرأة بإعتبارىا ال تصلح للسياسة ولن تساوي الرجل‪ ،‬فهو وحيد وىو ىدف البشرية وحلمها السعيد‪ ،‬وىو‬

‫‪ 1‬ديورانت ويل‪ ،‬قصة الفلسفة من أفالطون إىل جون ديوي‪ ،‬تررتة فتح اهلل زلمد ادلشعشع‪ ،‬مكتبة ادلعارف‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ط‪ ،9972 ،2‬ص‬
‫‪.592‬‬
‫‪ 2‬نصر زلمد عبد ادلعز‪ ،‬يف النظريات والنظم السياسية‪ ،‬دار ابلنهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬ص ‪.923‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..... ........................‬المبحث الثاني‪ :‬اإلنسان‪ ،‬القيم‪.‬‬

‫بديل اإللو الذي مات‪ ،‬وىو ظلوذج الكمال ادلطلق »(‪.)1‬‬

‫ويضيف أيضا أنو من السخيف السماح ألفذاذ الرجال الزواج من اخلادمات واخلياطات ونساء األزياء عن طريق احلب‪ ،‬ألن‬
‫"شوبنهاور" كان على خطأ حُت ظن أن احلب عامل من عوامل حتسُت النسل‪ ،‬فاحلب يعمي البصَتة ويفقد احلكمة‪،‬‬
‫فلنًتكو دلثالة الرجال‪ ،‬وأن يتزوج خَت الرجال خَت النساء‪.‬‬

‫فهو هبذا يفرض على الناس القيم فرضا‪ ،‬وما عليهم إال طاعتو‪ ،‬فهو ادلشرع أو السيد‪ ،‬وىو إنسان يفرض قيمو وإرادتو بالقوة‪.‬‬

‫فاإلنسان األعلى أو السوبرمان ىو الذي يعلن موت اهلل‪ ،‬ويرفض كل عامل خفي‪ ،‬ليحتفظ بالعامل الدنيوي وباحلياة‪ « ،‬فخلق‬
‫القيم يصدر يف ىذا العامل‪ ،‬وينتهي ألجلو وألجل احلياة اإلنسانية »(‪ ،)2‬فهو هبذا يقول نعم لكل الوجود ألنو يتحكم‬
‫بادلوجود‪ ،‬وػلقق حريتو من خالل ىذا الوجود‪.‬‬

‫وىذا إن دل إظلا يدل على دتسكو باألرض والوفاء ذلا‪ ،‬وىذا ما أراده "نيتشو" وذلك إنطالقا شلا عرب عنو على لسان‬
‫"زرادشت" من خالل خطبو‪.‬‬

‫وأىم ادليزات اليت يتميز هبا اإلنسان األعلى حسب "نيتشو" ىو التحلي أو الشعور بادلسؤولية أمام نفسو واآلخرين‪ ،‬وذلك‬
‫إنطالقا من قوتو اليت تشجعو على القيام باألعمال وادلخاطر من أجل اإلرتقاء باحلياة والسَت يف طريق العالء والتقدم هبا‪ ،‬ألن‬
‫كل األعمال من شأهنا أن تتكرر مرات ومرات‪ ،‬كما أهنا تعود‪ .‬ذلك شلا غلعلو يتحمل نظرية العود األبدي‪ ،‬ألهنا من واجبو‬
‫ضلو احلياة‪ ،‬كما أنو يتمتع بالصحة والثراء‪ ،‬كما يتصف أيضا بالكربياء وىو الشعور بأن لو احلق يف حتديد قيمو‪ ،‬فهو الذي‬
‫يعرف بأن األشياء حظيت بالشرف والقيمة‪ ،‬وىو الذي ال ؼلتار لنفسو حياة الراحة واذلدوء والسالم‪ ،‬فهو الذي يعيش حياة‬
‫احلرب والعدوان‪.‬‬

‫‪ 1‬قمَت يوحٌت‪ ،‬نيتشو النيب ادلتفوق‪ ،‬منشورات دار ادلشرق‪ ،‬بَتوت‪ ،‬دون ط‪ ،9985 ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ 2‬بييار ىرب سوفرين ‪ ،‬زراديشت نيتشو‪ ،‬تررتة أسامة احلاج‪ ،‬ادلؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بَتوت‪ ،9994 ،‬ص ‪.82‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..... ........................‬المبحث الثاني‪ :‬اإلنسان‪ ،‬القيم‪.‬‬

‫"فنيتشو" من خالل ىذا اإلنسان يشرع قيم جديدة‪ ،‬ويعلو مبستوى اإلنسانية ويرتقي هبا إىل « خلق نوع جديد ليس من‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وإظلا شلن ىو فوق اإلنسانية »(‪ ، )1‬ليبدع منو إنسان مستقبل‪ ،‬وغلعلو مشروع احلفاظ على األرض واإلرتقاء‬
‫باإلنسان‪.‬‬

‫فهو الذي « ؽلكن إستالده وؽلثل معٌت القيمة بالنسبة إىل اآلخرين يف نفس الوقت »(‪ ،)2‬فهذا النوع من اإلنسانية يف نظر‬
‫"نيتشو" قد ظهر يف ادلاضي كحدث سعيد‪ ،‬عكس احليوان اإلنساين ادلريض ادلسيحي الذي نشأ عن الفزع والقلق واخلوف‪.‬‬

‫فاإلنسان األعلى ليس حيوان أعلى أو وحش‪ ،‬وإظلا ىو ادلفكر الذي يقاوم العدمية‪ ،‬وخالق القيم اجلديدة والذي تتحكم فيو‬
‫القوة اخلالقة يف الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬فهو صاحب الروح احلرة‪ ،‬فهو الذي ال يستبعد اإلحتماالت وباب اإلمكان موجود دائما‬
‫فهو الطفل الالعب‪.‬‬

‫"فنيتشو" من خالل ىذا ػلاول إعطاء القيم تراتيب جديدة‪ ،‬والقيام بتحويل جذري ذلا‪ ،‬وذلك إنطالقا من والدة إنسان‬
‫جديد وىو اإلنسان األمسى الذي يويل لقيم احلياة أعلية كبَتة‪ ،‬فهو يستبدل القيم اإلالىية بقيم إنسانية من صنع اإلنسان‬
‫وإنتاجو‪.‬‬

‫فلبناء سلم القيم غلب اإلنتقال من العدمية السلبية إىل العدمية الفاعلة واليت غايتها اإلنسان األعلى‪ ،‬الذي يرى أن ىذا‬
‫العامل مبٍت على حاجاتو النفسية اخلاصة ناتج عن إرادة ال تغادر ىذا األرض وىي يف صلة هبذا الزمن‪ ،‬اليت تستبدل األخالق‬
‫القدؽلة‪ ،‬بقيم جديدة واليت ىي من صنع الفاعل البشري اجلديد‪.‬‬

‫« "فنيتشو" ػلتار للتبشَت بنموذج اإلنسان األعلى النيب "زرادشت" لكن مبنطلق ؼلالف دتاما تعاليم "زرادشت" التارؼلي‪ ،‬ىذا‬
‫التبشَت يأيت مقرونا بالعودة األبدية وإرادة القوة‪ ،‬وذلك للصلة الوطيدة »(‪.)3‬‬

‫إذن ىذا اللفظ الذي عرب عنو "نيتشو" أي اإلنسان األعلى ليس باجلديد‪ ،‬فهو موجود قبلو يف كتابات الساخرين اليونان‪،‬‬
‫"فنيتشو" يلجأ إىل "زرادشت" كرمز أو قناع لو‪ ،‬لتخطي اإلنسان احلديث الذي روضتو الكنيسة وحطمت إرادتو وقوتو‪ ،‬واليت‬
‫كانت أخالقو تتناىف دتاما مع غرائز احلياة‪ ،‬لذلك أراد أن يشرع قيم جديدة اليت ظلوذجها اإلنسان األعلى الذي ىو يف صلة‬
‫مع األرض‪.‬‬

‫‪ 1‬بدوي عبد الرزتان‪ ،‬خالصة الفكر األوريب‪ ،‬وكالة ادلطبوعات‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ ،9985 ،5‬ص‪.623‬‬
‫‪ 2‬صفا عبد السالم علي جعفر‪ ،‬زلاولة جديدة لقراءة فريديريش نيتشو‪ ،‬ادلرجع السابق‪,‬ص‪.994‬‬
‫‪ 3‬عبد الرزاق بلعقروز‪ ،‬نيتشو ومهمة الفلسفة‪ ،‬الدار العربية لعلوم الناشرون‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ ،2090 ،9‬ص ‪.207‬‬

‫‪36‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..... ........................‬المبحث الثاني‪ :‬اإلنسان‪ ،‬القيم‪.‬‬
‫«‬
‫"فنيتشو" حُت ربط اإلنسان األعلى بإنسان التطورية الداروينية ليس على سبيل التطابق‪ ،‬بل بإعتبار اإلنسان األعلى ىو‬
‫إنسان ولده مفعول التطور واإلنتخاب الطبيعي القائم على أساس الصدفة والتحول التلقائي »(‪ ،)1‬فاذلدف احلقيقي من ىذا‬
‫الربط ليس الوقوف عند إنسان الداروينية‪ ،‬بل كرمز غايتو تكريس الًتاتب اإلجتماعي‪ ،‬ألن مقياس القيمة الوحيد ىو إرادة‬
‫القوة‪ ،‬كما يرى أيضا أنو يف حتدي دائم مع النفس البشرية وزلاولة اإلرتقاء هبا‪ ،‬فهو يف تعارض دائم مع اإلنسان احلديث‬
‫ألنو يتقيد باألخالق ادلورثة « اليت سجنتو بُت قضبان أفكار فضيعة‪ ،‬فإمتأل حقدا على غرائز احلياة »(‪ ،)2‬واليت امتثل ذلا‬
‫باإلضافة إىل تعارضو مع معايَت تقوًن اخلَت والشر‪.‬‬

‫فهو العقل احلر الذي يفرض ذاتو وأنانيتو‪ ،‬وال أخالق لو إال اليت ختدم حاجاتو ومتطلباتو‪.‬‬

‫أما فيما ؼلص زلت قري اجلسد فَتى أهنم ساخطون على األرض واحلياة‪ ،‬ألهنم ضعفاء ومرضى وؽلتازون باجلهل و بضعف‬
‫اإلرادة ألن ىذا النقص يدفع هبم إىل البحث عن السعادة‪ ،‬فيصبح العقل مصدر احلقيقة والقيم‪ ،‬وأداة اإلنسان للتحرر من‬
‫العامل احملسوس‪ ،‬غَت أن ىذا عند "نيتشو" ىو داللة على اإلضلطاط‪.‬‬

‫ىذا ما دفعو إىل تقديس اجلسد‪ ،‬ألنو صوت األقوياء ذو اجلسد السليم وادلعاىف‪ ،‬ألهنم يتمتعون بإرادة القوة بإعتبارىا أساس‬
‫احلياة‪ ،‬وبقدرات اجلسد ألهنم األكثر صدق وصفاء‪ ،‬فهو مصدر القيم واإلرادة واإلبداع‪ ،‬فالسوبرمان يثبت مصَت إىل األبد‪،‬‬
‫مادامت احلياة تعود كل يوم فهي ال متناىية‪.‬‬
‫«‬
‫فالغاية من اإلنسانية إذا ىي خلق ىذا اإلنسان األعلى ومن أجل ىذا كان البد للقيم اجلديدة اليت نضعها أن تكون عاملة‬
‫على إغلاد ىذا النوع »(‪.)3‬‬
‫«‬
‫"فنيتشو" يعلي من شأن الفرد الذي ال يضع نفسو يف خدمة أىداف ال شخصية‪ ،‬وإظلا يرى ىدف ومعٌت وجوده يف ذاتو‬
‫»(‪.)4‬‬

‫فقيمو وفضائلو تنبعث من ذاتو‪ ،‬وعزه وسلطانو علا منطلق صراعو‪ ،‬فهذا ىو اإلنسان الذي يصنعو "نيتشو" والذي يكيفو‬
‫حسب إرادة قوانُت الطبيعة‪ ،‬فهو سيد وخالق فضائلو‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد الرزاق بلعقروز‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.2099‬‬


‫‪ 2‬نيتشو‪ ،‬غسق األوثان‪ ،‬ادلصدر السابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ 3‬بدوي عبد الرزتان‪ ،‬خالصة الفكر األورويب‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.623‬‬
‫‪ 4‬رودولف شتايينر‪ ،‬نيتشو مكافحا ضد عصره‪ ،‬تررتة حسن صقر‪ ،‬دار احلصاد‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪ ،9998 ،9‬ص ‪.86‬‬

‫‪37‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..... ........................‬المبحث الثاني‪ :‬اإلنسان‪ ،‬القيم‪.‬‬

‫فعلى العقل اإلنساين أن غلتاز ثالث حتوالت كي يتمكن من اإللتقاء مع ذاتو »(‪ ،)1‬وىي رموز التحزل تتجسد يف‬ ‫«‬

‫التحوالت الثالثة أي حتول الفكر‪ ،‬كيف حتول رتال واجلمل أسدا واألسد يف النهاية طفال‪ ،‬فاجلمل ىو الوجود حسب منظور‬
‫العظمة وىو اإلنسان التكرًن العظيم‪ ،‬والذي ينحي أمام سلطان إاله أمام تفوق القانون األخالقي‪ ،‬وىو إنسان غلسد وػلمل‬
‫زتلو الكبَت طائعا لذا يقول "نيتشو"‪ «:‬يفتش العقل السليم على أثقل األزتال‪ ،‬فينسخ كاجلمل ظهره متوقعا رفع خَت زتل‬
‫إليو‪ ،‬إن العقل السليم ينادي األبطال قائال‪ :‬أي زتل ىو الثقل ألرفعو فتغبط »(‪ ،)2‬ىذا ىو اإلنسان الواقع حتت وطأة‬
‫التعايل‪ ،‬ىو إنسان ادلثالية ويريد أن يطبق وصايا ثقيلة قاسية‪.‬‬

‫« ا إلنسان شيء البد جتاوزه‪ ،‬لعل ىذه العبارة ىي األكثر ترديدا عند نيتشو وىي الفكرة ادلركزية يف فلسفتو‪ ،‬وىذا ما جعلو‬
‫يتطلع إىل تلك ادلفاىيم اليت تعرب عن الفلسفة اإلنسانية‪ ،‬لكن بأدوات ميزتو عن سلفو وخلفو شلن تعاطوا مع اإلنسان‬
‫وفلسفتو‪ ،‬وإن أىم ما ميز نيتشو ىو رفض التعاطي باإلنسان ومعو على قاعدة القيم واألخالق التقليدية‪ ،‬بل جتاوز ذلك إىل‬
‫إبداع مصفوفة أخالقية خاصة بو‪ ،‬فاإلنسان ال بد من جتاوزه ىو إنسان القيم البالية‪,‬إنسان ادليتافيزيقية والالعقالنية وعلى‬
‫ىذا اإلنسان استندت فلسفتو على قلب القيم»)‪.)3‬‬

‫وهبذا نقول أنو ال يع ٍت إحالل السالب عوضا عن ادلوجب أو العكس‪ ,‬يعٍت صراحة ىدم األصنام و عقلنة األخالق‪ ،‬كي‬
‫تكون أخالق خارجة ومرتبطة عن ىذا اإلنسان و بو وعلى ىذا األساس أسقط نيتشو مفاىيم عديدة من فلسفتو بشكل‬
‫عام‪ ،‬وما ؼلص اإلنسان واإلنسانية بشكل خاص‪ ،‬ومن ىذه ادلفاىيم‪:‬اهلل‪ ،‬الروح‪ ،‬الفضيلة‪ ،‬احلقيقة‪ ،‬وغَتىا كي ؼلتزل‬
‫ادلفاىيم احملددة ذلذا اإلنسان ذاتو‪.‬‬
‫«‬
‫يبتدئ نيتشو فلسفتو حول اإلنسان‪ ،‬وهبذه اإلشكالية أيضا يكون قد المس اجلانب اإلبداعي يف فن حفظ الذات‪ ،‬فن‬
‫إيثار النفس‪ ،‬وبالتايل فإن اخلطر يكمن يف تعرف ادلرء على ذاتو بالنظر إىل تلك ادل همة أن يصبح ادلرء (ما ىو) يفًتض أن‬
‫يكون لديو أدىن دراية ب(ما ىو)‪ ،‬ومن وجهة النظر ىذه تغدوا حىت األعمال الغَت صائبة اليت حتدث يف احلياة ذات معٌت و‬
‫قيمة‪ ،‬وكذلك ال يعترب نيتشو ىؤالء ادلزعومُت والذين ساعلوا ومازالوا يساعلون بسنن األخالق والقيم احملددة لإلنسان‪ ،‬حىت‬

‫‪ 9‬أندري كريستون‪ ،‬ادلشكلة األخالقية والفالسفة‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.32‬‬


‫‪ 2‬فريديريك نيتشو‪ ،‬ىكذا تكلم زراديتش‪ ،‬ادلصدر السابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪3‬نيتشو‪,‬ىو ذا اإلنسان‪,‬عن األدلانية‪,‬تر‪:‬علي مصباح‪,‬منشورات اجلمل‪,‬ط‪ ,9‬ص‪.95‬‬

‫‪38‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..... ........................‬المبحث الثاني‪ :‬اإلنسان‪ ،‬القيم‪.‬‬

‫يف عداد البشر‪ ،‬فيقول‪:‬فهم يف نظري نفايات البشرية‪ ،‬ونتاج للمرض وغرائز االنتقام‪ ،‬إهنم كائنات فضيعة ومضرة وغَت قابلة‬
‫يف جوىرىا للعالج‪ ،‬غايتها االنتقام من احلياة »‪.1‬‬

‫ويطالب نيتشو نفسو بأن يكون نقيضا ذلذا النوع‪ ،‬وأنو رغم اعتدالو يف بعض األوقات‪,‬حسب تعبَته‪ ،‬إال أن ذلك أنتج منو‬
‫كائنا ؼلطر من األمراض و يف ىذا يقول‪:‬عبثا سيحاول أي كان أن يستنشق لدي أثر للتعصب‪ ،‬كما أن يعثر ادلرء لدي على‬
‫شيء من ىيئات الغرور أو االنتفاخ احلماسي فالتفخيم الذي يضفى على اذليأة ال ينتمي حبال إىل العظمة‪ ،‬ومن كان حباجة‬
‫إىل اختاذ ىيأة فهو مزيف‪.‬‬

‫« فنيتشو مل يعرف يف شلارستو للمهمات الصعبة من طريقة أخرى غَت اللعب وبأقل تكلف وببسمة غَت متجهمة و دون نربة‬
‫شديدة يف احللق »‪.2‬‬
‫«‬
‫واإلنسان احلق عند نيتشو ىو ذاك اإلنسان الذي ال يدعو إىل العفة‪ ،‬فالعفة حسب وصفو حتريض عمومي معاكس‬
‫للطبيعة‪،‬كما اعترب حتقَت احلياة اجلنسية‪ ،‬ارتباط ىذه احلياة بفكرة "الدنس" ىي جرؽلة يف حق احلياة‪ ،‬وإذا ما اعتربت خطيئة‬
‫من قبل ادلثاليُت فاخلطيئة عند نيتشو ىي ادلثالية ذاهتا‪ ،‬فاإلنسان ىو اإلنسان احلر و اإلنسان احلر ىو من ؽللك عقال حرا‪،‬‬
‫أي عقال زلرر استعاد دتلكو بذاتو‪,‬ومنو فاإلنسان ادلستقيم ىو اإلنسان الذي يعي نفسو كنقيض ألكاذيب أالف السنُت‪،‬‬
‫وليس من اليسَت الوصول ذلذه اإلستقامة »‪.3‬‬

‫ومن ىذا نقول أن اإلنسان األرقى عند نيتشو ىو اإلنسان الذي ؽلثل الواقع كما ىو وؽلتلك ما يكفي القوة ذلذا الغرض‪،‬‬
‫اإلنسان األرقى ليس غريبا عن ىذا الواقع وليس بعيدا عنو ىو ذاتو‪ ،‬وىو مزال ػلمل بداخلو كل فضاعاتو و إشكاالتو‪،‬‬
‫فبهذه الكيفية فقط ؽلكن لإلنسان أن يكون عظمة‪ ،‬واإلنسان األكثر حقارة ىو ذاك الذي مل يعد قادرا على احتقار نفسو‬
‫واألزتق ىو الذي ما يزال متعثرا يف حجر أو بشر‪ ،‬واإلنسان القادر على العطاء ىو الذي مازال ػلمل شيئا من الفوضى ‪.‬‬
‫«‬
‫يرى نيتشو أن اإلؽلان ليس كما يعرب عنو حاليا‪ ،‬أي أن ادلؤمن ليس ىو ذاك اإلنسان الذي ينتهي بو األمر إىل قناعة‬
‫أساسية مفادىا بأنو ال بد أن دتلى عليو أوامر من اخلارج‪ ،‬وبادلقابل فهو يرى اإلؽلان على أنو ذاك التصور وتلك الرغبة بالقدرة‬

‫‪ 1‬نيتشو‪ ،‬ىكذا تكلم زرادلشت‪ ،‬ادلصدر السابق‪ ,‬ص‪.40‬‬


‫‪ 2‬نيتشو‪ ،‬ىو ذا اإلنسان‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪ 3‬نيتشو‪ ،‬أفول األصنام‪ ،‬تررتة‪:‬حسان بورقية‪ ،‬زلمد الناجي‪ ،‬افريقيا الشرق ‪ ،‬ط ‪ ،9996 ،9‬ص ‪.84‬‬

‫‪39‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..... ........................‬المبحث الثاني‪ :‬اإلنسان‪ ،‬القيم‪.‬‬

‫على استقاللية القرار‪ ،‬أي حرية إرادة مبوجبها يوذع عقل كل إؽلان وكل رغبة يف اليقُت ويكون ذاك اإلنسان قد امتلك دربو‬
‫اخلاصة يف احلفاظ على توازنو مثل ىذا اإلنسان‪ ،‬يقول نيتشو‪:‬سيكون مؤمنا حرا ومنعتقا »‪.1‬‬

‫« إنسان نيتشو ىو إنسان العقل‪ ،‬إنسان اخلَت والشر كما يراعلا العقل وتقييم اخلَت والشر عليو أن يكون تقييما أرضيا وليس‬
‫فوق أرضي‪ ،‬وىو بذلك يضع اإلنسان وألول مرة يف تاريخ البشرية بكلياتو وتناقضاتو موضعا إنسانيا وزليطا إياه بأخالق‬
‫جديدة وقيم ومثل إنسانية أرضية‪ ،‬ىذه األخالق وتلك ادلثل ادلشروطة ليس فقط بتصاحلها مع العقل‪ ،‬بل اشًتط أن تكون‬
‫نتاجو أيضا ونتاج تداعياتو ادلوضوعية »‪.2‬‬

‫فاإلنسان ىو منتج قيمو‪,‬وواىب القيم بالنسبة إليو‪,‬أي مانح ادلعاين لألشياء فهو صانع ادلبادئ واألخالق‪,‬وىوزلدد اخلَت‬
‫والشر واجلمال‪.‬‬

‫فتحديد قيمة اخلَت والشر واجلمال والقبح مرتبطة يف عمقها الضروري مبستوى اإلنسان الفكري واإلجتماعي والطبقي العام‬
‫وبيئتو الثقافية‪,‬حيث يعيش و يفكر ويصارع‪.‬‬

‫وأيضا بواقعو التالرؼلي احلضاري العام‪,‬بشروطو القوية أوالضعيفة احمليطة بو‪.‬‬

‫فاخلَت قيمة يفرضها اإلنسان بالقوة اليت حبوزتو‪,‬فاإلنسان ىو القادر على شلارستها فرضا و اختيارا ليس فقط كمبدأ وقيمة‬
‫رلردة‪.‬‬

‫ىكذا نظر نيتشو إىل اإلنسان‪ ،‬وىكذا عرفتو فلسفتو اخلاصة‪,‬انطلق منو وانتمى إليو انتماءا خاصا‪ ،‬انتماءا إنسانيا متفردا‪،‬‬
‫خارجا بذلك عن ادلثل والقيم واألخالق (ما قبل نيتشو)‪,‬واليت ػلبذ أن يسميها بالقيم ادلنحطة‪ ،‬فإنسانية نيتشو إنسانية تكفر‬
‫بالشفقة وتناىض العواطف التجميلية الكاذبة وادلخادعة وىو بذلك يرفض أن تكون أخالق اإلنسان مستمدة من ادلاوراء‪،‬‬
‫وأن يدعي ىذا اإلنسان إمتالكو للحقيقة كما أكد على نسبيتها وىذا ما دفعو إىل تفويض القيم حينا وقلبها أحيانا أخرى‬
‫كما دفعو ذلك إىل إطالق دعوة "ىدم األصنام"يف كل العصور ادلاضية وادلستقبلية‪.‬‬

‫‪ 1‬نيتشو‪ ،‬يف جينيالوجيل األخالق‪ ،‬تررتة‪:‬فتحي ادلسكيٍت‪ ،‬دار سيناترا‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪ ،2090 ،9‬ص ‪.293‬‬
‫‪ 2‬نيتشو‪ ،‬أفول األصنام‪،‬ادلصر السابق‪ ,‬ص‪.97‬‬

‫‪40‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ...........................‬المبحث الثالث‪ :‬إرادة القوة والقيمة‬

‫المبحث الثالث‪ :‬إرادة القوة والقيمة‬

‫مبا أن الفيلسوف األدلاين "فريديريك نيتشو ‪ "9900-9844‬اشتهر بنظريتو يف القوة اليت جعلها أساسا يف كل العالقات‬
‫اليت أراد من خالذلا أن ػلدث إنقالبا يف القيم الفكرية والفنية وكل ما يؤمن بو اإلنسان‪ ،‬خالية من كل ما يعرقل فاعليتو وػلد‬
‫من إنطالقو‪ ،‬نفسر يف تفكَت "نيتشو" ثالثة مراحل‪:‬‬

‫‪ -1‬المرحلة الرومنتكية‪ :‬وىي ادلرحلة اليت تأثر فيها "بشوبنها" وادلوسيقار "فاغنز"‪.‬‬

‫‪ -2‬المرحلة الوضعية النقدية‪ :‬وفيها يبدوا تأثره بادلنهج العلمي‪ ،‬ويف ىذه ادلرحلة صلده يقدم أعنف اإلنتقادات للقيم‬
‫اإلنسانية احلديثة‪.‬‬

‫‪ -3‬المرحلة الصوفية الخالصة ‪ :‬ويظهر ذلك يف كتابو "ىكذا تكلم زرادشت" والذي يغلب فيو األسلوب الصويف‬
‫ادلتدفق‪.‬‬
‫«‬
‫تأثر "نيتشو" بادلنهج التجرييب‪ ،‬وبدى ذلك زاضحا يف نظريتو لألخالق اليت يريد أن تكون خالصة من كل تطرف مثايل‪،‬‬
‫أي ربطها بعامل آخر‪ ،‬فاألخالق يف نظره غلب أن تكون واقعية مرتبطة هبذه األرض »(‪.)1‬‬

‫فكتاب ميالد ادلأساة "لنيتشو"‪ ،‬حاول من خاللو أن يفسر ادلغزى الباطٍت للحياة اليونانية واألدب كما يراه‪ ،‬فادلغزى ادلراد ىنا‬
‫ىو الصراع بُت إرادة احلياة األصلية عند "شوبنهاور" واليت حوذلا "نيتشو" إىل تأكيد سار ومندفع الغرائز ساذجة ال ختضع‬
‫لقانون‪ ،‬وىنا يظهر تأثره "بشوبنهاور" وذلك بقبولو لفلسفتو يف مالزلها ادلثالية واإلرادية‪ ،‬من حيث أن العامل ىو األساس‪،‬‬
‫ومن حيث أنو دتثل فهو ثانوي‪ ،‬كما قبل رأيو يف الفن بوجو عام‪ .‬فبدأ "نيتشو" يف ذلك الكتاب بتأكيد إرادة القوة "بأمر‬
‫شوبنهاور وبإنكاره" إرادة احلياة‪ ،‬فهو من خالل ىذا يريد « من احملدثُت أن يقوموا بإحياء التأكيد اليوناين القدًن‪ ،‬لإلرادة اليت‬
‫يكون فيها اإلبداع الفٍت فعاال‪ ،‬ويكون ال ناس أقوياء وأشداء‪ ،‬وال يستغرقون يف التأمل رلرد‪ ،‬أو يف إحسان مسيحي وزىد إىل‬
‫حد أهنم يفقدون فعاليتهم ويدب فيهم اإلضلالل والفساد »(‪ ،)2‬أما كتاب "العامل كإرادة وتصور" "لشوبنهاور"‪ ،‬أعجب‬
‫"نيتشو"‪ ،‬شلا دفعو إىل إعتناق مذىبو‪ ،‬فأقبل على الفلسفة ووجدىا أهنا تنظر يف اإلنسان والعامل مباشرة‪ ،‬يف حُت أن األدب‬

‫‪ 9‬عدنان رزيقة‪ ،‬الكايف يف الفلسفة‪ ،‬دار الرػلانة للكتاب‪ ،‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،2006 ،‬ص ‪.339-338‬‬
‫‪2‬‬
‫وليام كان رايت ‪ ،‬تاريخ الفلسفة احلديثة‪ ،‬تررتة زلمود سيد أزتد‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ ،‬ط‪ ،2005 ،2‬ص ‪.375-374‬‬

‫‪41‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ...........................‬المبحث الثالث‪ :‬إرادة القوة والقيمة‬

‫يظهرنا على العامل واإلنسان من خالل ما كتب‪ ،‬وما إن دب فيو ادلرض حىت ثار عليو وعلى تشاؤم "شوبنهاور"‪ ،‬وإعتنق‬
‫مبدأ احلياة‪ ،‬فقبل األمل كإمتحان ورياضة روحية‪ ،‬وأنكر على ادلريض أن يكون متشائما‪ « ،‬ومنذ ذلك حُت إضلصر تفكَته يف‬
‫نقطتُت‪ :‬إحداعلا نقد القيم األخالقية والدينية‪ ،‬واألخرى قلب القيم أو بعكسها بوضع إرادة القوة يف احملل األول »(‪ ،)1‬فنظرة‬
‫"نيتشو" إلرادة القوة نظرة ختتلف عن سابقيو‪ ،‬إذ يعتربىا أهنا موجودة يف كل كائن حي‪ ،‬فال يسعو إال أن يبذل قصار جهده‬
‫« ليمتلك مزيدا من القوة واإلقتدار من خالل حركة تطورية ضلو األفضل »(‪.)2‬‬

‫فهو هبذا يرى بأن اإلرادة صفة إنسانية وؽلكن حىت أن تكون صفة للكون‪ ،‬فهو من خالل ىذا يثبت مشول إرادة القوة‬
‫للموجودات كلها‪ ،‬ويثبت أهنا ماىية الكون‪ ،‬وماىية رتيع ادلوجودات‪ ،‬وعلى ىذا غلب أن نعتربىا ادلعيار الذي غلب أن نرجع‬
‫عليو أحكامنا وتقوؽلنا ذلا‪ ،‬فاألشياء يف نظره ال توجد ذلا قيمة يف حد ذاهتا‪ ،‬إظلا قيمتها ناجتة عن فعل إرادة القوة اليت يعرب هبا‬
‫اإلنسان على أفعالو وغرائزه‪.‬‬

‫"فنيتشو" يف كتابو "إرادة القوة" يرى بأن كل ميل أو نزوع‪ ،‬أو حركة أو ظلو يف الكائن‪ ،‬ىو صراع ضد ما يعيق إرادة القوة‬
‫كفاية يف أن تتقدم وتزداد القوة‪ ،‬لذا صلده يرى أن إرادة القوة ليست حلفظ الفرد أو اجلنس‪ ،‬وال للبحث عن السعادة واللذة‪،‬‬
‫وال إىل جتنب األمل‪ ،‬فهما من ادلصطلحات البسيطة والظواىر الثانوية‪ ،‬فما يريده اإلنسان ىو ما يريده أصغر جزء يف اجلسم‬
‫احلي أال وىو زيادة يف القوة »(‪ )3‬وىذا من أجل حشد القوى وتنميتها هبدف السيادة والسيطرة‪.‬‬

‫فدعوة "نيتشو" إىل إرادة القوة كانت هتدف إىل حتفيز أبناء شعبو األدلان إىل أن يكونوا من النخبة‪ ،‬وذلك من خالل أخالق‬
‫القوة‪ ،‬بإعتباره كان ػللم دائما إىل إقامة حضارة قوية تسيطر على العامل بأسره‪ ،‬وىذا ما نلمسو يف مقولتو‪ « :‬ليس غاية إرادة‬
‫اإلقتدار لذة أو معرفتو احلقيقية أو حتقيقو للخَت على تعلمو الفلسفات واألديان‪ ،‬بل ىدفها األبعد ىو اإلستيالء والسيادة‬
‫والقيادة »(‪ ،)4‬فاإلرادة بالنسبة لو ىي الدافع لكل فعل ولكل فكر‪ ،‬فالغاية من ىذه اإلرادة ىو احلفاظ على الذات وتنمية‬
‫الشعور باحلياة وبالقدرة على عيشها‪ ،‬ورجح القوة والقدرة لذا صلده يعترب ىذا العامل عامل من القوة جبار‪ ،‬وىو عامل إرادة‬
‫اإلقتدار‪ ،‬فهو يقصد من ىذا أن العامل قوة خارقة ال بداية وال إنتهاء‪ ،‬فهي حاضرة يف كل مكان‪ ،‬فهي هبذا يف إستمرار‪،‬‬
‫فالعامل عامل إرادة قوة‪ ،‬وال شيء سوى ذلك‪.‬‬

‫‪ 1‬يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفة احلديثة‪ ،‬دار ادلعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،9966 ،2‬ص ‪.407-406‬‬
‫‪ 2‬كمال البكاري‪ ،‬ميتافيزيقا اإلرادة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ط‪ ،2000 ،9‬ص‪.95‬‬
‫‪ 3‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.900‬‬
‫‪ 4‬زكريا فؤاد‪ ،‬نيتشو‪ ،‬دار ادلعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،2‬ص ‪.998‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ...........................‬المبحث الثالث‪ :‬إرادة القوة والقيمة‬

‫ومن ىذا ادلنطلق إستطاع "نيتشو" أن يقلب القيم القدؽلة‪ ،‬وإستبداذلا بقيم جديدة تشكلت وفق مبدأ إرادة القوة‪ ،‬فاخلَت قيمة‬
‫يفرضها اإلنسان بالقوة اليت حبوزتو‪ ،‬قوة اإلنسان القادر على شلارستها فرضا وإختيارا‪ ،‬فهو هبذا يركز على مفهوم القوة‬
‫واذليمنة‪ ،‬اليت يعٍت هبا "نيتشو" القدرة القصوى يف فرض ادلعٌت ادلراد‪ ،‬وحتقيق القيم ادلرغوب فيها فرضا‪.‬‬

‫ذلذا يتحدث "نيتشو" عن أخالق العبيد‪ ،‬بإعتبارىا نتاج إنسان منحط وضعيف‪ ،‬ال قدرة لو على تغيَت واقع حياتو وقدره‬
‫احملتوم‪ ،‬فهو هبذا إنسان عادي‪ ،‬إستلم للموروث القيمي القائم‪ ،‬فهو يطلب دوما البقاء منسجما مع الثوابت الطبيعية‬
‫التقليدية‪ ،‬رافضا أي تغيَت بواقعو ادلنحط‪ .‬بواقع قيمي أرقى وسلتلف‪ ،‬فهو متشجع حسب "نيتشو" بإرادة الضعف « فإرادة‬
‫القوة عند "نيتشو" ىي ماىية احلياة‪ ،‬فهي ترتبط إرتباط وثيق بفكرة العود األبدي »(‪ ،)1‬ففكرة العود األبدي تستلزم إعادة‬
‫تقوًن القيم‪ ،‬ألن القوة الدافع الالزم لتحقيق التفوق على الذات والعلو هبا‪.‬‬

‫فمبدأ إرادة القوة عند "نيتشو" ىو سر احلياة‪ ،‬لذلك يقول‪ «:‬ليس الوجود إال حياة‪ ،‬وليست احلياة إال إرادة‪ ،‬ولبست اإلرادة‬
‫إال إرادة القوة »(‪.)2‬‬

‫فاألخالق السليمة حسبو تسودىا غريزة من غرائز احلياة‪ ،‬ىذا ما دفعو إىل القول بأن أخالق فالسفة اإلغريق إنطالقا من‬
‫"أفالطون" زلددة بدوافع مرضية‪ ،‬وىذا أيضا ينطبق على أخالق ادلسيحية اليت ىي إمتداد ووريثة لألخالق األفالطونية‪ ،‬فهي‬
‫تقوم على سوء فهم ألهنم يرغمون اإلنسان على مقاومة غرائزه‪ ،‬وما دامت احلياة تسلك منحٌت تصاعدي‪.‬‬

‫« وأن السعادة تساوي الغرائز »(‪ ، )3‬فإن كل ىذا كان دافع كبَت بالنسبة "لنيتشو" لقلب القيم‪ ،‬وزلاولة بناء قيم جديدة تتوافق‬
‫«‬
‫مع الطبيعة‪.‬ألن التحدث عن القيم إظلا ىو التحدث عن وجهة نظر احلياة نفسها‪ ،‬فاحلياة ىي اليت تقوم فعلى ىذا صلده‬
‫يدعوا من خالل ىذا إىل أن نويل إلرادة اخلداع وادلصلحة الذاتية والرغبة قيمة أعلى وأكثر أساسية »(‪ ،)4‬فعلى اإلنسان أن‬
‫يعيش وفق احلياة بإعتبارىا تقديرا وتفضيال‪ ،‬وظلما وزلدودية وإرادة‪ ،‬فالفلسفة ىي الغريزة الطاغية‪ ،‬وىي إرادة القدرة كما‬
‫صلده أيضا يدعوا الفيزيولوجيُت إىل إعادة النظر يف حسباهنم أن الغريزة ىي احلفاظ على الذات ىي األساسية للكائن احلي‪،‬‬

‫‪ 1‬صفا عبد السالم علي جعفر‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.429‬‬


‫‪ 2‬بدوي عبد الرزتان‪ ،‬موسوعة الفلسفة‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪.594‬‬
‫‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫نظر‪ :‬فريديريك نيتشو‪ ،‬أصل األخالق وفصلها‪ ،‬تررتة حسن قبسي‪,‬دار احلصاد‪,‬سوريا‪,‬ط‪.939 ,9998 ,9‬‬
‫‪ 4‬نظر‪ :‬فريديريك نيتشو‪ ،‬ما وراء اخلَت والشر‪ ،‬ادلصدر السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪43‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ...........................‬المبحث الثالث‪ :‬إرادة القوة والقيمة‬
‫«‬
‫فهو إنتقد ىذا وقال أن احلي يريد أن تنطلق إرادتو‪ ،‬عكس ما قالوه فعلى اإلنسان أن ينصاغ دلا يريده وعلى ىذا قال‪:‬‬
‫تساءلت عن علة األمور وعن القوة اليت ترغم احلي على اإلنقياد والتحكم فتجعلو خاضعا حىت إذا حكم‪ ،‬ولعلي توصلت‬
‫إىل سر قلب احلياة إىل الصميم (‪ ).......‬ىناك أمور كثَتة يراىا احلي أرفع من احلياة نفسها‪ ،‬وما كان يرى أشياء أفضل من‬
‫احلياة‪ ،‬لو مل تكن ىناك إرادة القوة (‪ ، )1(»)........‬وعلى ىذا فهي ادلبدأ العام والشامل بالنسبة جلميع األشياء‪ ،‬فاحلياة ىي‬
‫ادلفهوم ادلركزي الذي تدور حولو رتيع التصورات‪ ،‬فإرادة القوة ىي اليت تعطي وجهة نظر إجتاه احلياة‪ ،‬فاحلياة ىي اليت حتملنا‬
‫على وض ع القيم‪ ،‬واحلياة ىي اليت تقوم من خاللنا أحكام قيمية عن احلياة‪ ،‬سواء أكانت معها أو ضدىا‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫إرادة السلطة واإلقتدار‪ ،‬وىي إرادة خلق العامل‪.‬‬

‫فاألخالق ال تكتشف إال مع تقييم يستهدف القوة واإلقتدار وىو نفسو احلياة اليت تعطي عند األقوياء‪ ،‬عكس الضعفاء‬
‫الذين ال ؽللكون قيم‪.‬‬

‫وىذا يؤدي إىل صراع قوي داخل التنظيمات اإلجتماعية‪ ،‬شلا يؤدي إىل إنتصار القوي األكثر قوة وإقتدار يف خلق القيم‬
‫وإجبار الضعيف على تقبلها‪.‬‬

‫فالقطب الرئيسي يف اجملتمع أي القوي حبكم موضعو اآلمر والناىي‪ ،‬ىو الذي يثبت فعال أن التقوؽلات ىي مبثابة تسميات‬
‫تطلقها الفئة العليا يف اجملتمع‪ ،‬عكس الضعيف الذي ال ؽللك إال أن يقلد أو ػلاكي األصل‪.‬‬
‫«‬
‫والبحث أن أصل األخالق البد أن يتم بالتوغل يف نوع من األصل ادلتواضع والنضال احلقود‪ ،‬واإلرادةات اليت تتضارب يف‬
‫«‬
‫صراع مستمر ومكروه »(‪ ،)2‬فادلنهج اجلينالوجي حسب "نيتشو" ىو الذي يكشف عن إختالف اإلرادات وادلعاين القيمية‪،‬‬
‫فما تريده اإلرادة ىو إثبات إختالفها من خالل عالقتها مع إرادة أخرى‪ ،‬حيث جتعل من إختالفها موضوع إثبات »(‪ ،)3‬ألن‬
‫إرادة األقوى ختلق القيم‪ ،‬يف حُت أن إرادة الضعيف تعكس ىذه القيم‪ ،‬حيث تثبت إختالفها عن األوىل‪ ،‬لكن بناءا عليها‬
‫وإنطالقا من القيم اليت جتسده يف الواقع‪.‬‬

‫ففي كتابو "جينالوجيا األخالق" رأى صواب أفكاره‪ ،‬وبثقة مستقبلية‪ ،‬فهو يدعوا من خالل ىذا إىل الفوضى األخالقية‬
‫واإلجتماعية لكي يتحرر‪ ،‬إنطالقا من األنانية وحب الذات‪.‬‬

‫‪1‬نيتشو‪,‬ىكذا تكلم زرادشت‪,‬ادلصدر السابق‪,‬ص‪.99‬‬


‫‪2‬نيتشو‪,‬أصل األخالق و فصلها‪,‬ادلصدر السابق‪,‬ص‪.94‬‬
‫‪3‬نيتشو‪,‬إنسان مفرط يف إنسانيتو‪,‬تر‪:‬زلمد الناجي‪,‬إفريقيا الشرق‪,‬الدار البيضاء‪,‬ادلغرب‪,‬ج‪,9‬دط‪,9998 ,‬ص‪.25‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ...........................‬المبحث الثالث‪ :‬إرادة القوة والقيمة‬

‫فهو يرى أن اإلرادة ىي اليت ختلق ىذه األخ الق‪ ،‬إىال أن ىذه األخالق مل تأيت من طبقة السفهاء‪ ،‬بل من خالل النبالء أي‬
‫الصاحل والقوي وادلبارز‪ ،‬وعليو فالقيم األخالقية من خلق الطبقة القوية وليست الضعيفة‪.‬‬

‫فاخلَت والشر عبارات فقدت كل معانيها‪ ،‬وعلى اإلنسان أن يعيد النظر فيها‪ ،‬ألننا نفعل الشر كي نضمن بقاءنا‪ ،‬ونسلم بأن‬
‫اإلساءة عن قصد أخالقية‪ ،‬حُت يتعلق األمر بوجودنا أو أمننا‪ ،‬فهو من خالل ىذا يؤكد على الذاتية واألنانية وادلنفعة‪.‬‬

‫وعلى ىذا يتخذ "نيتشو" من إرادة القوة مبدأ لسن قيمو األخالقية‪ ،‬وأساسا لتوكيد احلياة وتقوؽلها‪ ،‬السيما أن احلياة ىي‬
‫ادلبدأ الذي من أحلو تقوم إرادة القوة مبنح العامل واألشياء مدلوالهتا‪ ،‬فحيثما تتغَت شروط احلياة والوجود تتغَت القيمة تبعا ذلا‪.‬‬
‫«‬
‫وعلى ىذا النحو ختضع اإلرادة الفردية حسب "ىوبز" أو تستند إىل القيم والقواعد اليت يسنها مسبقا القانون اخللقي‪،‬‬
‫ومبوجبها فقط تنال حقوقها اإلجتماعية يف إطار اإلرادة اجلماعية »(‪ ،)1‬ىكذا يتأسس قيما مضى تصور إرادة القوة إنطالقا‬
‫من جتاىل فعل اإلرادة كخلق قيم جديدة‪.‬‬

‫فالشيء الذي يعطي األشياء واألفعال قيمتها‪ ،‬ويأخذ ادلقام األول يف منظور "نيتشو" ىو إرادة اإلثبات أي إرادة قول نعم‬
‫للحياة وخلق الذات بالذات‪ ،‬ىذه اإلرادة ىي اإلرادة اخلالقة‪ ،‬وىي مبثابة التعبَت عن صميم إرادة القوة ألهنا ينبوع مستمر‬
‫من اخللق ادلتواصل‪ ،‬فهي حتمل يف طياهتا اليقُت‪.‬‬

‫فهذه اإلرادة ىي أساس مبدأ القيم‪ ،‬فليس لإلنسان قيمة غَتىا تستند إليو‪ ،‬وال من قدرة ليحدد بذاتو القيم‪ «،‬فال ينسب لو‬
‫من قيمة غَت اليت يعًتف لو هبا أو اليت غلعل غَت يعًتفون لو هبا »(‪ ،)2‬فهي الشكل األول ذلذه الرغبات‪ ،‬وىذه الرغبات‬
‫ليست إال حتوالت لتلك اإلرادة‪ ،‬فهي مبدأ طبيعة الكائنات‪ ،‬فهي توجد لدى الضعيف والقوي‪ ،‬النبيل والوضيع‪ ،‬السيد‬
‫والعبد‪ ،‬فهي يف شكل تراتييب لذا يقول "نيتشو" عن ذلك « ‪.....‬لقد تيقنت وجود إرادة القوة يف كل حُت‪ ،‬ورأيت اخلاضعُت‬
‫أنفسهم يطمعون إىل السيادة ألن يف إرادة اخلاضع مبدأ سادة القوي على الضعيف‪ ،‬فإرادة اخلاضع تطمح إىل السيادة أيضا‬
‫لتتحكم فيمن ىو أضعف منها »(‪.)3‬‬

‫وهبذا فإن كل إرادة جتعل من كل موجود يتمايز ويتفاضل عن غَته‪ ،‬فهي ال تظهر إال بواسطة الكفاح‪ ،‬فهي تبحث عن كل‬
‫مقاوم ‪ ،‬وكلما كثرت ادلقاومة زادت قيمة األخالق‪ ،‬فاألخالق اجلديدة جتعل من إرادة القوة مبدأ ذلا‪ ،‬فهي ادلعيار الذي ضلتكم‬

‫‪1‬يوسف كرم‪,‬تاريخ الفلسفة احلديثة‪,‬ادلرجع السابق‪,‬ص‪.56‬‬


‫‪ 2‬جيل دولوز‪,‬نيتشو والفلسفة‪,‬تر‪:‬اسامة احلاج‪,‬ادلؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر والتوزيع‪,‬بَتوت ‪,‬دط‪,9993 ,‬ص‪.905‬‬
‫‪3‬نيتشو ‪,‬ىكذا تكلم زراديشت‪,‬ادلصدر السابق‪,‬ص‪.97‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ...........................‬المبحث الثالث‪ :‬إرادة القوة والقيمة‬

‫إليو يف حكمنا وتقوؽلنا لألمور‪ ،‬وهبذا فادلعٌت األخالقي ىو إرادة القوة‪ ،‬ألن الذين وضعوا ىذه القيم والقائلون باخلَت والشر‪،‬‬
‫لو مل تكن ذلم إرادة القوة دلا تأثروا هبذا ودلا كانت ذلم قيم أخالقية‪.‬‬

‫فال غلري اخللق واإلبداع إال بتهدًن القيم القدؽلة‪ ،‬فهذا التدمَت ىو الشرط األساسي ليقف اإلنسان مشرعا للقيم فوق ركام‬
‫األلواح القدؽلة البالية‪.‬‬

‫فخالق القيم ىو مبثابة احلصاد الذي يقتلع القيم من جذورىا‪ ،‬يف نظر اجلميع ألنو يستهزئ باخلَت والشر‪ ،‬فليس اخلَت والشر‬
‫إال مفاىيم بالية وخياالت عبارة‪ ،‬فمبدعوا القيم يرفضون اإلضلصار يف األوامر والنواىي‪ ،‬ألهنا حتد من حريتهم‪ ،‬وتزج هبم يف‬
‫سجن ادلفاىيم األخالقية‪ «،‬فادلفاىيم األخالقية تفهم من خالل السعي ادلتواصل يف إمتالك احلياة والعلو هبا »(‪.)1‬‬

‫فاإلرادة اإلثباتية ىي اليت حترك ادلبدعُت الذين يتجسد معو القيم األخالقية‪ ،‬فهو اجلديد الذي يقًتحو "نيتشو" أي إرادة‬
‫القوة‪ ،‬بإعتبارىا جوىر الوجود وأساس احلياة‪ ،‬فهي قوة عمياء تعطي لنفسها األولوية‪ ،‬وال تطلب غاية غَت ذاهتا‪ ،‬فهي مفتاح‬
‫القيم اجلديدة ألهنا تندمج يف عامل مل ختلقو‪ ،‬وىو عامل ال ظللكو إال عن طريق تصوره ودتثلو‪.‬‬

‫وعلى ىذا وضع "نيتشو" نصب عينيو ادلشروع ادلتعايل للقيم وىو إرادة اإلقتدار يف الوجود‪ ،‬وحسب تصور ىذا الفيلسوف‬
‫غلب أن تزول ىذه القيم‪ ،‬وتقلب وتسود قيم مضادة ذلا تقوم على اإلؽلان بإرادة اإلقتدار كمبدأ واجب بكل القيم مبا ينهي‬
‫إرادة اإلقتدلر يف اإلنسان كقيمة‪ ،‬وجتعل من اإلنسان يبتدع فيما مبوجبها يتعاىل على ذاتو ويتفوق على إنسانيتو‪ ،‬وأما‬
‫بالنسبة دلا يضعفها أو يعيقها فهو خال من القيمة بل مناف لقيم احلق‪ «،‬فالغاية من إرادة اإلقتدار ىي ادلزيد من القدرة‪،‬‬
‫»(‪)2‬‬
‫وذلك من أل القيادة والسيادة وإمتالك كل وسائل التطور والتقدم‪ ،‬وكل وسائل اإلبداع‬

‫ويف األخَت صلد نيتشو يركز كثَتا يف كتاباتو الفلسفية على مفهوم القوة واذليمنة الذي يعٍت بو القدرة القسوة على فرض ادلعٌت‬
‫ادلراد وحتقيق القيم ادلرغوب فيها فرضا‪,‬ذلذا حتدث نيتشو عن أخالق العبيد و اعتربىا نتاج انسان منحط وضعيف ال قدرة لو‬
‫على تغيَت واقع حياتو وقدره احملتوم باعتباره كائن بشري استسلم للموروث القيمي القائم و رفض أي تغيَت أو تبديل لواقعو‬
‫ادلنحط بواقع قيمي ارقى وسلتلف فهو متشبع بإرادة الضعف‪.‬‬

‫‪1‬نظر‪:‬فؤاد زكريا‪,‬نيتشو نوابغ الفكر الغريب‪,‬ادلرجع السابق‪,‬ص‪.904‬‬


‫‪2‬نيتشو‪,‬ىكذا تكلم زرادشت‪,‬ادلصدر السابق‪,‬ص‪.35‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪...................‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وأزمة القيم المعاصرة‬

‫المبحث األول‪ :‬نيتشه وأزمة القيم المعاصرة‪.‬‬

‫لقد أحدث "نيتشو" ثورة يف تارؼلو حينما قسم التاريخ إىل قرون مظلمة قبلو‪ ،‬وقرون النور بعده‪ ،‬وىذا راجع إىل‬
‫تفكَته الذي إرتبط بعصره سباما‪ ،‬فال ؽلكن لنا أن نفهم أي حلظة درجة من التاريخ‪ ،‬إال برجوعنا إىل تفكَته‪،‬‬
‫فوجو أعنف اإلنتقادات إىل عصره‪ ،‬فكانت فلسفتو كلها ضبلة على عصره وقرنو‪.‬‬

‫فلذا صلده يعرب عن عصره "دبوت اإللو" حينما قال‪ «:‬ضلن الذين قتلتناه حينما قلنا مات اهلل »(‪ ،)1‬فهذا اإلعالن‬
‫عن موت اإللو اعتربه "نيتشو" كرمز دلوت احلضارة الغربية‪ ،‬أي موت اإللو على صليب‪ ،‬الذي كان يعٍت بو‬
‫إنتهاء ادلسيحية لذا صلده يقول‪ «:‬أنو مل يعد ىناك من إاله وال وجود للخطيئة وسللص‪ ،‬وأن اإلرادة احلرة والنظام‬
‫األخالقي للحياة أكاذيب »(‪.)2‬‬

‫فاإللو عند "نيتشو" كان يقصد بو العامل ادلتسامي أي العامل ادلتجاوز لعادلنا الذي تنبع منو القيم واألفكار ادلثالية‬
‫ادلطلقة‪.‬‬

‫"فنيتشو" عندما قال أن اإللو مات كان يود من ىذا ادلوت ىو موت الفكرة ادلتجاوزة وادلفارقة للمادة‪ ،‬أي‬
‫مركزية ادلتجاوزة وادلفارقة للمادة اليت تعطي للكون سباسكا‪ ،‬بإعتبار ادلسيحية من أرذل ادلخلوقات اليت كان‬
‫يعرفها‪ ،‬وىي يف حد ذاهتا سوء فهم بسيكولوجي للذات‪ ،‬فهي هناية احلتمية للميتافيزيقا اليت كانت تسود يف‬
‫احلضارة الغربية‪ ،‬اليت كانت تستند إىل التفكَت ادلثايل والالىوت للقيم‪ ،‬ىذا ما دفع "نيتشو" إىل نقد تلك القيم‬
‫وذباوزىا وإعتبارىا وىم‪ ،‬ألن كل إدعاء حسب وجهة نظره بأن ىناك مركزية تنبثق منها القيم األخالقية‪ ،‬ىو‬
‫إدعاء زائف ال ؽلكن لنا تبنيو ألنو تولد من عجز اإلرادة اخلالقة‪ ،‬لذا صلده يقول‪ «:‬بأن العامل سار حىت اآلن‬
‫على أوىام‪ ،‬وإعتمد على قيم باطلة‪.‬‬

‫‪ 1‬نيتشو‪ ،‬ىكذا تكلم زرادتش‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.162‬‬


‫‪ 2‬نيتشو‪ ،‬نقيض ادلسيح‪ ،‬ترصبة على مصباح‪ ،‬منشورات اجلمل‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪ ،2111 ،‬ص ‪.85‬‬

‫‪48‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪...................‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وأزمة القيم المعاصرة‬

‫فكانت النتيجة ىي إنتهائو إىل ىذا ادلصَت احملزن‪ ،‬أما ضلن فلن تيأس من عالجها‪ ،‬بل نتخذىا دافعا يدفعنا إىل‬
‫زبليص اإلنسانية منها‪ ،‬وشىت طريق واسع دلستقبل اإلنسانية زاىر عظيم »(‪.)1‬‬

‫كما تطرق أيضا إىل ادلطلق فقال أنو ال ؽلكن لنا أن نعترب القيم اليت كانت تسود يف احلضارة األوربية قيم‬
‫مطلقة‪ ،‬ألن القيم تتغَت بتغَت الزمان وادلكان‪ ،‬فال اخلَت ؽلكن أن يكون خَتا وال الشر ؽلكن أن يكون شرا‪ ،‬أي‬
‫ما إعتربتو أنا خَتا قد يعتربه غَتي شرا والعكس صحيح‪.‬‬

‫فكل ما يدرك ىو من األمور ادلادية‪ ،‬وكل ادلدركات ادلادية ىي نسبية‪ ،‬وأما بالنسبة للقيم فيقول عن القيم‬
‫ادليتافيزيقية أهنا غَت موجودة‪ ،‬وإن وجدت فإهنا ال زبرج عن اإلنسان‪ ،‬فهي إنسانية إىل أقصى حد‪.‬‬

‫فكانت ضبلتو ىذا ىي دبثابة ربديد دلستقبل اإلنسانية عن طريق البحث عن مصدر القيم‪ ،‬وإعادة تقوؽلها‬
‫فتحرر العقل من كل ما ورثو‪ ،‬إال أن "نيتشو" مل يكن عقالين ألنو رفضو وإعتربه مبدأ مضاد للحياة يعرقل‬
‫الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬فتجو تفكَته إىل الالمعقول‪ ،‬فقدم هبذا العصر خدمات جليلة‪ ،‬فلم يعد العقل قوة مضادة‬
‫للطبيعة تعلوا على الواقع‪ ،‬فظهرت النزعة الفردية واألستقراطية اليت كانت نتاج للعصر الذي عاش‪ ،‬فلمسنا من‬
‫خالل ىذا نفورا من الوضع الذي يسود‪ «،‬الذي أرغمو على التحليق بفكره بعيدا عنو‪ ،‬وألن مطرقتو اليت ىدم‬
‫هبا أصنام العصر خَت معرب عن صيحة اإلحتجاج األوىل الالزمة لكل تطور عقلي سليم »(‪ ،)2‬وعلى ىذا‬
‫األساس نرى أن ادلادية طاغية بشكل كبَت يف الفكر األورويب الغريب ادلعاصر ألن ادلادة ىي اإللو الذي إعًتفت‬
‫بو الوضعية ودعت إىل عبادتو واإلؽلان بو‪.‬‬

‫« فتأثر "نيتشو" ذاتو بالتقدم العلمي تأثرا كبَتا‪ ،‬بل إن إحدى فًتات تفكَته الفلسفي يطلق عليها عادة اسم‬
‫"الفًتة الوضعية" فأعجب بادلنهج التجرييب »(‪ ،)3‬إال أن ىذه الوضعية السائدة يف عصره ساعلت بشكل كبَت يف‬

‫‪ 1‬صفا عبد السالم علي جعفر‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬


‫‪ 2‬بدوي عبد الرضبان‪ ،‬خالصة الفكر األوريب‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 3‬فؤاد زكريا‪ ،‬نيتشو ونوابغ الفكر الغريب‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪49‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪...................‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وأزمة القيم المعاصرة‬

‫تقدم اآللة شلا أثرت على جوانب احلياة‪ ،‬فإرتقت العلوم الطبيعية بشكل كبَت‪ ،‬إال أن ىذه الوضعية السائدة مل‬
‫تكن ترضيو فثار عليها ونقدىا‪ ،‬وذلك من خالل زلاولتها أن تعطي للمبادئ األخالقية صورة علمية‪.‬‬

‫على ىذا األساس صلده يدعوا إىل اإلنسان األعلى الذي إعتربه أساسا لفلسفتو القيمية‪ ،‬الذي وضعو كبديل‬
‫عن اإللو‪ ،‬واعتربه نصف إاله يعيش يف األرض‪ ،‬فالقيم احلقيقية ىي اليت ستتولد نتيجة إزالة ضالل اإللو الذي‬
‫يعٍت إختفاء ادلركزية الثابتة ادلتجاوزة لإلطار ادلادي الذي ستتعادل فيو األشياء‪ .‬ألن شبة ىناك مبدأ كامن يف‬
‫الطبيعة‪ ،‬ويتجلى يف شكل قوة اليت تنظم حياتنا وتقومها « وذلك بعد إحداثو كمفهوم مضاد هلل‪ ،‬ألن كلمة‬
‫طبيعي جعلت مًتادفة مع مذموم أو مستنكر »(‪.)1‬‬

‫وىذه القوى ىي يف تناحر وصراع الذي ليس لو مركزية واضحة‪ ،‬فهذا الصراع ىو الذي نادى بو "نيتشو"ألنو‬
‫صراع ربكمو الصدىف والفوضى وال ثبات فيو للمطلقيات‪ ،‬وىذا هبدف البقاء لألفضل‪.‬‬

‫"فنيتشو" ىنا صلده من خالل ىذا يدعوا إىل مبدأ التوجو إىل اإلنسان واإلنفصال عن اإللو‪ ،‬ألن العامل كما‬
‫يظن ىو بال مركزية‪ ،‬واإلنسان ىو جزء من الطبيعة‪ ،‬وما دام جزء منها فال ؽلكن لو أن يتجاوزىا‪ ،‬ألن منظومتو‬
‫األخالقية تنبثق منها‪ ،‬فهي ال تتجاوز ادلادة ألنو جزء من حركة ادلادة‪ ،‬فهو خاضع ذلا‪ «،‬وعلى ىذا فاألخالق‬
‫الواقعية ستكون متعلقة هبذه األرض‪ ،‬وسوف تتخلى عن كل تطرف مثايل يربط األخالق بعامل آخر »(‪،)2‬‬
‫وعلى ىذا ظهرت ما يسمى بالدنيوية والعلمنة‪ ،‬وهناية الالىوت‪ ،‬وىي عالمات لواقع علماين الذي مل يعد فيو‬
‫اإلؽلان بوجود اإللو‪ ،‬فقد أصبح ىذا شأنا شخصيا ينتمي إىل احلياة فكرس حياتو للحملة عليها‪ ،‬وذلك من‬
‫منطلق أهنا ال تستوعب تفكَته‪.‬‬

‫فنمت اآللة ظلوا عظيما مل يشهد لو مثيل‪ ،‬فنتجت عنها احلرب العادلية األوىل‪ ،‬فوصلت ادلدنية نتيجة ذلذا إىل‬
‫حالة من الشك واإلضلالل‪ ،‬فلم غلد الناس ذلذا أو باألحرى حلياهتم من معٌت وغاية‪ ،‬فصدموا بكل القيم اليت‬

‫‪ 1‬نيتشو عدو ادلسيح‪ ،‬ادلصدر السابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬


‫‪ 2‬ردولف شتاينر‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪50‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪...................‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وأزمة القيم المعاصرة‬

‫إعتنقوىا وإعتربوىا أساسا حلياهتم‪ «،‬فإنتهوا هبذا إىل الروح اإلنكارية أو العدمية وىي إنكار مطلق لكل القيم‬
‫»(‪.)1‬‬

‫فإنتقدىا "نيتشو" ورأى أن العدمية يف أوروبا ىي يف بداياهتا‪ ،‬غَت أهنا سوف تسود يف أوروبا وتصبح ضرورة من‬
‫ضروريات تطور احلضارة‪.‬‬

‫فهذه العدمية اليت كانت موجودة‪ ،‬فقط كانت بالنسبة "لنيتشو" سبثل القيم العليا‪ ،‬اليت مل تعد موجودة‪ ،‬فهي يف‬
‫تزعزع تام‪ ،‬وأنو مل تعد ىناك غاية للوجود‪ ،‬إال أن أوروبا حسب "نيتشو" يف حالة إنكار للمطلق وذلك من‬
‫خالل إنكارىا للوجود الواقعي‪ ،‬فكان التشاؤم وإنكار احلياة علا السائدان على التفكَت والنظرة إىل الوجود وىذا‬
‫ىو الدليل على اإلنتقال إىل مراحل وأحوال جديدة يف الواقع‪.‬‬

‫يف حُت أن بعض الباحثُت والفالسفة يرون يف فلسفة "نيتشو" إسباقا للرباغماتية وذلك راجع إىل اإلشًتاك يف‬
‫نقد األسس ادليتافيزيقية وضبلتهما على العقل اخلالص وإخضاع القيم للوجود كان دبثابة العامل ادلشًتك بينهما‪.‬‬

‫باإلضافة إىل أن "نيتشو" نظريتو يف احلقيقة تشبو سباما نظرية الرباغماتية‪ ،‬فاحلقائق يف نظره ىي من صنع‬
‫اإلنسان‪ ،‬ومقياس صحتها يرجع حسب رأيو إىل النفع أو الصالحية‪.‬‬

‫على ىذا األساس يقول بأن تغَت القيم واحلقائق بتغَت ادلواقف واآلراء وكل ما يصلح‪.‬‬

‫فاحلقيقة والقيم األخالقية ىنا بالنسبة لو وللرباغماتية نسبية وىذا ما دفعو إىل الدفاع عنها عندما إختفت‬
‫ادلطلقية‪.‬‬

‫من ىذا ادلنطلق صلده يؤكد على أن القيم ىي ما ينفع احلياة‪ ،‬وعلى ىذا فاحلياة ىي أساس القيم األخالقية‬
‫واحلقيقة‪.‬‬

‫بدوي عبد الرضبان‪ ،‬خالصة الفكر األوريب‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪51‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪...................‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وأزمة القيم المعاصرة‬

‫أما فيما ؼلص الوجودية فإننا صلد صلة وثيقة ذبمع بُت "نيتشو" وبُت الوجودية‪ ،‬وذلك من خالل التماثل الذي‬
‫صلذه يف حياتو وتفكَته « ففلسفتو التوكيدية ىي اليت تقول نعم للوجود واحلياة »(‪.)1‬‬

‫فكذلك فهمو لإلنسان يقربو سباما من الوجودية‪ ،‬ألن وجود اإلنسان يسبق ادلاىية‪ ،‬فهو الذي ؼللق ذاتو بذاتو‪،‬‬
‫و كذلك صلده يتجاوز ماىيتو من خالل فكرة إرادة القوة وفكرة اإلنسان األعلى وفكرة العود األبدي اليت‬
‫ػلاول فيها اإلنسان السيطرة على الزمان‪ ،‬وذلك إنطالقا من التحرر من قيد ادلاضي‪.‬‬

‫كما أن فكرة موت اإللو ىي خَت معرب عن التقارب الذي يوجد بُت "نيتشو" والفلسفة الوجودية‪ ،‬وذلك يف‬
‫التجاوز وزلاولة التعايل‪.‬‬
‫«‬
‫غَت أن ىذا األخَت ال ينتسب إليها فهو ىزة أو دبثابة احملطم الذي حاول ذباوز كل ما إشتاح الفلسفة الغربية‬
‫فهو مفكرا ناقدا بشكل أساسي‪ ،‬يسعى رلهوده الفكري كلو عرب تفكيكو للتحديدات األساسية والثابتة للفكر‬
‫الغريب »(‪ ،)2‬فهو هبذا دخل يف صراع مع عصره‪.‬‬

‫فتأثره بعصره كان تأثرا عميقا‪,‬وخاصة يف أدلانيا و فرنسا «فتنبؤات نيتشو وحملاتو الثاقبة تتفق على أعجب ضلو‬
‫شلكن مع النتائج اليت وصل إليها التحليل النفسي بعد كثَت من العناء»‪.3‬‬

‫غَت أن برتراند راسل ربدث يف كتابو "تاريخ الفلسفة الغربية"وقال‪:‬أنو ينبغي أن نسلم بتنبؤات نيتشو‬
‫للمستقبل‪,‬فقد ثبتت إىل حد كبَت أهنا أقرب من الصواب لتنبؤات الليبَتاليُت واإلشًتاكيُت‪.‬‬

‫‪ 1‬زلمد أندلسي‪ ،‬نيتشو وسياسة الفلسفة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء "ادلغرب"‪ ،‬ط‪ ،2116 ،1‬ص ‪.19‬‬
‫‪ 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪3‬فؤاد كامل‪,‬أعمال الفكر ادلعاصر‪,‬ادلرجع السابق‪,‬ص‪.192‬‬

‫‪52‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪...................‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وأزمة القيم المعاصرة‬

‫أما فؤاد زكريا يف كتابو "القيم"‪,‬ربدث عن نيتشو‪,‬فرأى أن لنيتشو فضل كبَت يف فتح سبل التجديد يف فهمنا‬
‫العقلي للعامل وسلوكنا فيو‪,‬وذلك من منطلق سبجيده للقدرات اإلنسانية القادرة على اخللق واإلبداع‪.‬‬

‫كما أن ىذا األخَت لو دور كبَت يف إزاحة كل ما يعيق فعالية اإلنسان من عقبات‪.‬‬

‫يف حُت كارل ياسربز يقول‪ «:‬إننا ال نستطيع أن صلد يف اي مكان عنده حقيقة ثابتة‪,‬والواقع أنو ال يهدينا إىل‬
‫الطريق وال يعلمنا إعتقادا ما وال يضعنا على أرض صلبة‪,‬بل ىو ال يًتكنا نسًتيح قط‪,‬وال يكل من تعذيبنا و‬
‫ىو يطردنا من كل مأوى نلجأ إليو‪,‬وىو ؽلزق كل قناع‪.1».....‬‬

‫فكارل يسربز يعٍت هبذا القول أنو ال وجود للحقيقة الثابتة فكل شيء موجود يف العامل ىو نسيب‪,‬ةهبذا يوافق ما‬
‫تنبأ حينما قادنا إىل أن نكتشف ما نعرفو‪,‬وما ال نعرفو‪,‬وما ؽلكن ان نعرفو‪ ,‬وما ال ؽلكن أن نعرفو‪,‬فهو بذلك‬
‫ومن كل ىذا يريد أن يوصلنا إىل أن الشيء احلقيقي الوحيد ىو ما ينبثق من أعمالنا اخلاصة‪.‬‬

‫«كما بدأ الفكر يتساءل عن معٌت التقدم ومعٌت احلياة نتيجة لألزمات االجتماعية ادلالزمة للحضارة ادلعاصرة‪،‬‬
‫فكثَت من ادلفكرين الغربيُت يرون أن رجوع الفكر الغريب إىل األخالق أصبح مسألة حياة أو موت‪ ،‬خطر‬
‫األسلحة النووية والكيماوية‪ ،‬التلوث‪...‬اخل‪,‬ىذه ادلظاىر كلها تدفع البشرية ضلو الفناء‪ ،‬لذلك أصبح تقييم‬
‫التقدم حالة ضرورية للمفكرين يف الغرب»‪.2‬‬

‫إال أن ىذا ال يكفي حلل األزمة يف نظر نيتشو‪ ،‬فالفلسفة األخالقية يف الغرب ىي بدورىا انعكاس ألزمة‬
‫احلضارة‪ ،‬وىنا تطرح مشكلة مصدر القيم الضرورية لتجاوز األزمة الشاملة للحضارة الغربية‪ ،‬فالفلسفية‬

‫‪1‬فؤاد كامل‪,‬أعمال الفكر ادلعاصر‪,‬ادلرجع السابق‪,‬ص‪.193‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Thihel serres ,op.cit,p249.‬‬

‫‪53‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪...................‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وأزمة القيم المعاصرة‬

‫األخالقية واالجتماعية اليت يسعى الغرب عن طريقها حلل األزمة ىي فلسفة تفصل األخالق عن التعايل‪،‬‬
‫ولذلك فكونية ىذه القيم اليت تطرحها الفلسفة الغربية ىي كونية مزيفة‪,‬والقيم وادلفاىيم اليت تطرحها ىذه‬
‫الفلسفة ىي يف كثَت من جوانبها رلرد انعكاس لألزمة‪.‬‬

‫« لقد أنتجت أزمة القيم يف احلضارة الغربية فكرا متأزما‪ ،‬بدال من أن ىذا الفكر حل لألزمة أصبح يف كثَت من‬
‫جوانبو رلرد انعكاس ذلا فظهرت النفعية وادلاركسية والربصباتية مث فلسفة نيتشو والفلسفة الوجودية‪ ،‬كل ىذه‬
‫ادلذاىب قد فقدت العنصرين اجلوىريُت اللذين تتميز هبما الفلسفة‪ ،‬ادلوقف النقدي وقوة التجاوز‪ ،‬ذباوز الواقع‬
‫لتغيَته‪ ،‬فالفلسفة تتميز بادلوقف النقدي الذي ؽلنحها قوة التجاوز‪ ،‬ذباوز الواقع الفاسد لتصور واقع أحسن‬

‫منو »‪.1‬‬

‫« لقد وصل نيتشو يف نقده إىل مستوى النقد اجلذري الذي تتميز بو الفلسفة‪ ،‬إال أن ىذا الفيلسوف بدال من‬
‫أن يقوم بصياغة فلسفة بناءة وذات نظرة مستقبلية‪ ،‬صاغ فلسفة سلبية تقضي على إنسانية اإلنسان باسم‬
‫اإلنسان‪ ،‬تربير الواقعي باسم ادلعقول وتربير ادلعقول باسم الواقعي‪ ،‬ففلسفة نيتشو ىي يف احلقيقة امتداد دلقولة‬
‫ىيغل "كل واقعي معقول وكل معقول واقعي"»‪.2‬‬
‫«‬
‫لقد انتقد نيتشو بصورة جذرية الفكر الغريب خاصة القيم األخالقية‪ ،‬وتساءل عن مصَت اإلنسان عن غاية‬
‫احلياة اإلنسانية‪ ،‬ولكنو بسبب انقطاع فلسفتو عن الغيب‪ ،‬بقي منحصرا ضمن معطيات الفكر الغريب‪ ،‬فادلثل‬
‫األعلى الذي تصوره نيتشو ىو اإلنسان األعلى‪ ،‬وليس ىذا ادلثل األعلى إال رد فعل لألخالق ادلسيحية كما‬
‫ذبسدت يف الكنيسة فنيتشو أعاد النظر يف القيم األخالقية ولكنو انتهى إىل قيم ضد القيم»‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪alain touraine, op cit ,p25.‬‬
‫‪ 2‬فنك اويغن‪ ،‬فلسفة نيتشو‪ ،‬ترصبة‪:‬إلياس بدوي‪ ،‬مؤسسة الوحدة للطباعة و النشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪،1974 ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ 3‬فنك اويغن‪ ،‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.57‬‬

‫‪54‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪...................‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وأزمة القيم المعاصرة‬

‫زمنو زمن األفكار اليت سبقت نستنتج أن احلل ال يؤخذ من الواقع‪ ،‬إن الواقع كما يتجلى يف الفلسفة الغربية من‬
‫حيث ىي انعكاس للظروف‪ ،‬إن الواقع ال يستطيع أن يقدم احلل ألزمة القيم‪,‬فالواقع فاسد واألدوات الفكرية‬
‫اليت تستمد منو ستكون غَت صاحلة ىي‪ ،‬فالفلسفة الغربية اصطدمت بالعجز نتيجة لواقعيتها ىذه‪ ،‬وىذا ال‬
‫يعٍت أن الواقعية يف حد ذاهتا غَت صاحلة‪ ،‬وذلا نتائج سلبية يف رلال التنظَت األخالقي و االجتماعي‪ ،‬إن النقص‬
‫ال يكمن يف الواقعية بل يف صورة ادلوقف من الواقع‪ ،‬فادلذاىب األخالقية كالنفعية و الربصباتية بدال من‬
‫االنطالق من الواقع لتغيَته حجزت القيم األخالقية داخل ىذا الواقع‪ ،‬وىذا تناقض‪ ،‬يف حُت أن القيم‬
‫األخالقية تعرب عما غلب أن يكون مصدرا للقيم األخالقية‪.‬‬
‫«‬
‫إن اجملتمع الغريب انتقل من عصر التدين إىل عصر اإلنسانية (النزعة اإلنسانية) فالغرب فصل وجوده عن اهلل‬
‫واعتمد على اإلنسان كمصدر للقيم‪ ،‬غَت أن النزعة اإلنسانية استنفذت طاقتها‪ ،‬ألهنا نظرت إىل اإلنسان رلردا‬
‫من بعده الروحي‪ ،‬وىذا ما جعلها ال تتصور إال أىدافا جد نسبية‪,‬أي ما ىي إال مثال عليا تكرارية‪ ،‬إن فصل‬
‫اإلنسان عن الغيب وعن اهلل قضى على النزعة اإلنسانية كمذىب فلسفي وأخالقي يسعى إىل حل أزمة القيم‬
‫يف احلضارة الغربية »‪.1‬‬

‫« إن الفلسفة الغربية أصبحت يف أزمة بعد انقطاعها عن الدين‪ ،‬وبعد أزمة النزعة اإلنسانية‪ ،‬فالفلسفة الغربية‬
‫يف نظر نيتشو ىي يف أزمة نتيجة استبدال اهلل باإلنسان كإلو مزيف‪ ،‬كمثل أعلى مزيف‪ ،‬وليس ىناك أي سلرج‬
‫من ىذه األزمة يف الفكر الغريب‪ ،‬فالواقع قد كشف أوىام ادلاركسية اليت حاولت أن ربل مشكلة اإلنسانية‬
‫بصورة هنائية »‪.2‬‬

‫‪ 1‬عبد السالم علي جعفر‪ ،‬زلاولة جديدة لقراءة نيتشو‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.198‬‬
‫‪ 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.211‬‬

‫‪55‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪...................‬المبحث األول‪ :‬نيتشه وأزمة القيم المعاصرة‬

‫ومن ىذه األفكار نستنتج إن ذباوز أزمة القيم يف نظر نيتشو ال يتحقق عن طريق الفلسفة كرؤية مت ربديدىا‬
‫من موقع وضعي ال يتجاوز عالقة الفكر بالواقع‪ ،‬إن حل أزمة احلضارة ادلعاصرة يتم عن طريق الدين أي عن‬
‫طريق الطرح الفلسفي للرؤية الدينية‪ ،‬عن طريق فلسفة سبت صياغتها داخل عالقة الفكر بالغيب وبالواقع‪ ،‬وىذا‬
‫ما جعل فلسفة نيتشو تتمتع بقوة إنتقادية إىل أقصى حد شلكن‪ ،‬وىي قوة انتقادية جعلت ىذه الفلسفة فلسفة‬
‫الرفض‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..........................‬المبحث الثاني‪ :‬قيم ما بعد الحداثة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬قيم ما بعد الحداثة‬

‫إن من يتناول الفكر الغريب ادلعاصر غلد نفسو يف مفًتق طريقُت‪ ،‬أحدعلا يقودنا إىل التقليد القاري ادلوصوف‬
‫بالًتكييب و اآلخر يفضي بنا إىل التقليد االصللوسكسوين‪ ،‬وكما أنو للفلسفة القارية أقطاهبا الكبار مثل فريدريك‬
‫نيتشو و مارتن ىيدغر‪ ،‬وكذلك صلد دافيد ىيوم ولود فينغ فتغنشتاين خَت من مثل الفلسفة االصللوسكسونية ‪،‬‬
‫لكن اإلشكالية اليت طرحت يف ىذه األطروحة‪ ،‬ىو ىل انتقلنا بالفعل من عصر احلداثة إىل عصر ما بعد‬
‫احلداثة؟ وإذا انتقلنا‪ ،‬فهل دبقدورنا ربديد الظروف و العوامل اليت قادتنا إىل ىذا التحول؟ ‪.‬‬
‫«‬
‫تقتضي الدراسة الفلسفية إلشكالية احلداثة أن نستلهم سلتلف التحليالت اليت تناولتها قصد القيام بتنميط‬
‫احلداثة‪ ،‬فإذا كان ديكارت ىو أول من صاغ مبدأ الذاتية‪ ،‬وال يبنتز ىو أول من عرض مبدأ العقالنية‪ ،‬فإن‬
‫العدمية مرتبطة باسم نيتشو ويقصد هبذا أتنو ال قيمة للقيم »‪.1‬‬

‫« وعلى غرار مارتن ىيدغر‪ ،‬صلد نيتشو ىو اآلخر يعادي احلداثة‪ ،‬فقد ربدث ىذا األخَت عن اكفهرار احلداثة‪،‬‬
‫وعن عتمة احلداثة وإظالم احلداثة مرددا يف ذلك عبارات مثل مرض االضلطاط الذايت و الذي سعى نيتشو إىل‬
‫ذباوزىا‪ ،‬أما ما بعد احلداثة فيقصد هبا اشتماذلا على عدد ادلقاربات النظرية نذكر من بينها النزعة البنيوية و‬
‫التفكيكية و الفلسفة ما بعد التحليلية‪ ،‬ويعترب مفهوم العدمية مفهوم جوىري يف كتابات نيتشو استعملو ليدل‬
‫بو على األزمة اليت اجتازىا العامل احلديث حينها أخذ يفقد قيمو الراسخة »‪.2‬‬

‫كما يعترب « نيتشو من ادلبشرين دبرحلة ما بعد احلداثة ويظهر ذلك بوضوح يف كتابو "إنساين إنساين جدا"‪ .‬يرى‬
‫نيتشو أننا طلرج حقا من احلداثة بفضل ىذه النتيجة العدمية فلئن تالشى كل أساس لالعتقاد بأساس ال‬
‫بالواقع‪ ،‬وال باحث أو دارس لفكر "ما بعد احلداثة"‪,‬ؽلكنو غض الطرف عن أعمال ىذا األخَت صاحب مقولة‬
‫"موت اإللو" ‪-‬تعاىل اهلل عما يصفون‪ -‬ألنو كان من أوائل ادلفكرين الذين تصدوا بقوة دلشروع احلداثة الغريب‬

‫‪ 1‬زلمد الشيخ‪ ،‬ياسر الطائري‪ :‬مقاربات يف احلداثة وما بعد احلداثة‪ ،‬دار الطليعة للطباعة و النشر‪ ،‬بَتوت ط‪ ،1996 ،1‬ص‪.8‬‬
‫‪ 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪57‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..........................‬المبحث الثاني‪ :‬قيم ما بعد الحداثة‬

‫وميتافيزيقا أطروحتو‪ ،‬حيث قدم سلسلة من األعمال اليت أثرت على نظرة الفكر الغريب ككل دلنهج احلداثيُت‬
‫كأحد ادلتقدمُت األساسيُت لنظرية ما بعد احلداثة‪ ،‬ما جعلو عالمة فارقة بُت تارخُت »‪.1‬‬

‫« من الصعب فصل العدمية عن نيتشو‪ ،‬فقد كانت أفكاره تدشن لعهد جديد تنتهي عنده كل الثوابت و القيم‬
‫و ادلعتقدات الدينية و األخالقية وادليتافيزيقية‪ ،‬فالعدمية وفقا لرؤيتو تنفي إرادة اإلنسان وذبعل منو كائن عادي‬
‫بُت الكائنات‪ ،‬ال ميزة لو وليس مسؤوال عما يفعل ألنو بال إرادة‪ ،‬لقد توبع النقد النيتشاوي للحداثة يف ىذين‬
‫االذباىُت‪ ،‬الباحث ادلرتاب الذي يسعى إىل الكشف عن اضلراف إرادة القوة و الطالب ادليتافيزيقي الذي‬
‫يطالب دبعرفة خاصة‪ ،‬ويعيد رسم تكوين فلسفة الذات »‪.2‬‬

‫«مل تشرع احلداثة الغربية يف تلمس الوعي بذاهتا‪ ،‬إال بعد انقضاء ما يقارب ثالث قرون على انطالق دينميتها‬
‫يف أوروبا الغربية‪ ،‬أي ابتداء من القرن ‪18‬الذي عرف بعصر األنوار أو التنوير‪ ،‬عصر انتصار قيم احلرية والعدالة‬
‫والدؽلقراطية واالنفتاح أي عصر انفتاح الفكر الفلسفي‪ ،‬الذي ػلاول جادا تعرية واستبانت هتافت ادلؤسسة‬
‫الكنسية وتفويض وتفكيك أخالقيات ادليتافيزيقا وما ربمل يف طياهتا من أساطَت وخرافات اليت تكبل التفكَت‬
‫اإلنساين األورويب و تقيد عقلو »‪.3‬‬

‫على الرغم من القيم اليت غرسها فالسفة األنوار خبصوص التحرر وادلواطنة و ادلساواة و الدؽلقراطية وحقوق‬
‫اإلنسان وفضال عن تكريس مقاييس العقل و العلم والنقد‪ ،‬فقد قام الفكر الفلسفي الغريب بتغييب كل‬
‫الكلمات اإلنسانية الطبيعية األخرى من أىواء وخيال العتبارىا مصدر للخطأ وعنصر مشوشا عن ادلعرفة‬
‫احلقة‪.‬‬

‫‪ 1‬جينايت فاتيمو‪ ،‬هناية احلداثة الفلسفات العدمية و التفسَتية‪ ،‬ترصبة‪:‬فاطمة اجليوشي‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ ،‬دط‪،1998 ،‬‬
‫ص‪.178‬‬
‫‪ 2‬يورغن ىابرماس ‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة ‪ ،‬ترصبة‪:‬فاطمة اجليوشي منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬دط‪ ،1995 ،‬ص‪.119‬‬

‫‪ 3‬زلمد نور الدين أفاية ‪ ،‬احلداثة و التواصل يف الفلسفة النقدية ادلعاصرة‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬بَتوت لبنان‪ ،‬ط‪ ،1998 ،2‬ص‪.117‬‬

‫‪58‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..........................‬المبحث الثاني‪ :‬قيم ما بعد الحداثة‬

‫« لكن يف نظر نيتشو اقًتنت احلداثة بالتجليات األساسية النتصار العقل األدايت وسلطتو‪ ،‬شلا أدى إىل الشطط‬
‫يف استعمال العقل والدعوة إىل حياة ميالة إىل التجريد ونافية كل ما من شأنو يذكرىا بالرغبات اجلسدية و‬
‫النوازع الطبيعية‪ ،‬الشيء الذي أدى باحلداثة إىل ولوج مرحلة األزمة و التوتر وأن احلداثة ال ؽلكن أن تواصل‬
‫مسَتهتا بدون أزمات ألهنا زبتزن يف ثناياىا احتماالت األزمة‪ ،‬وتبدو وكأهنا عناصر مؤسسة للحداثة »‪.1‬‬
‫«‬
‫بديهي‪ ،‬طرح سؤال احلداثة لصيق بتاريخ األفكار الغربية إىل درجة أن ىناك من يعترب احلداثة مرادفة للفكر‬
‫الغريب‪ ،‬وتعبَتا عن شيء جلي على قيمو وتصوراتو‪ ،‬وعن موقفو من العديد من القضايا احلساسة احمليطة بو‪،‬‬
‫فغموض مفهوم احلداثة يؤثر على داللة مفهوم ما بعد احلداثة‪ ،‬فَتد ىذا ادلفهوم غامضا رخويا بسبب استناده‬
‫إىل احلداثة و إنبنائو عليها »‪.2‬‬

‫ومن ىذا نقول أن فكرة احلداثة كمفهوم عائم وفضفاض‪ ،‬ترفض كل تعريف‪ ،‬أي كل ربديد وكمشروع ضخم‬
‫مرتبط ارتباطا وثيقا بالسياق الثقايف للغرب أي بالعقالنية الغربية حبيث ال ينظر إىل ذبارب اآلخرين إال بصورة‬
‫مستنسخة لنماذج الغرب‪ ،‬شلا جعل احلداثة عبارة عن ظلوذج كوين ال يعمل اآلخرون إال على إعادة إنتاج‬
‫عناصره‪ ،‬فالتحديث مع التغريب كما يقال‪.‬‬

‫« وىذا ما يفسر كون الفكر الغريب عاد يف ادلرحلة الثانية إىل مرحلة ادلراجعة و التصحيح إىل إخضاع ادلطلقات‬
‫السابقة للنقد‪ ،‬فمارست النقد الذايت حىت تستطيع ادلسار و تثبيت األصول والسَت بالفكر احلداثي إىل طريق‬
‫النجاة‪ ،‬ىكذا نشأت نرجسية العقل الغريب التواقة إىل إرادة السيطرة وإرادة القوة‪ ،‬بل إن الرغبة اجلازلة واجلارفة‬
‫إىل اذليمنة تقوده وتوجهو مع عدم امتالك الشجاعة الكاملة لإلعالن أن ال وجود لعقل شامل »‪.3‬‬

‫‪ 1‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.224‬‬


‫‪ 2‬زلمد نور الدين أفاية‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪ 3‬يورغن ىابرماس‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.112‬‬

‫‪59‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..........................‬المبحث الثاني‪ :‬قيم ما بعد الحداثة‬

‫أما بالنسبة إىل ادلقاربات النقدية اليت وجهت إىل احلداثة ما ىي يف الواقع إال زلاولة لتكريس مشروع احلداثة‬
‫ذاتو بسبب انغالقها على ذاهتا وعدم فتحها أفاق مشروع آخر زلتمل‪ ،‬وحىت تستطيع أن تنعم بالدؽلومة و‬
‫االستمرارية وأن تبقى معاصرة ‪. contemporaine‬كما يقول "بودريار‪.‬‬

‫«كما صلد "ىابرماس"حُت أقدم على نقد احلداثة‪ ،‬باعتبارىا مل تستغل كل إمكانياهتا استغالال تاما فإنو يقر بأن‬
‫احلداثة مشروع مل يكتمل بعد‪,‬إنو ذبدد مستمر و سَتورة ال متناىية‪ ،‬ونالحظ كذلك "أودماركفارد" يذوذ على‬
‫احلداثة بقوة‪ ،‬حيث يرى أنو عندما ندعو إىل ترك احلداثة فإننا ندعو إىل ترك مكتسبات عصر التنوير‪ ،‬ومن ىنا‬
‫يقول‪:‬كفانا من اخلطابات الًتىيبية وادلأسبية‪,‬وػلث على احملافظة على مكتسبات عصر التنوير بتنبيو نظرية‬
‫التوازنات االجتماعية ‪ ،‬اليت ؽلكن أن نطلق عليها "نظرية التعويض"‪ ،‬دبعٌت أن التوازن والتكافؤ والتقليص من‬
‫حدة الصراع بُت األطراف مبدأ احلكم من العالقة بُت النزاعات الفلسفية يف كل عصر »‪.1‬‬

‫«كما أن ىناك من الفالسفة من وقف موقفا ووسطا‪ ،‬فشبو احلداثة بالعملة إذ ىي ذات وجهُت‬
‫متعارضُت‪:‬وجو إغلايب‪ ،‬ووجو سليب‪ ،‬فالوجو األول يتجلى يف ظهور العقالنية وسيادة قيمها يف جل مظاىر‬
‫احلياة العصرية‪ ،‬وأما الوجو الثاين فيتمثل يف هتميش كل ما ؽلس بصلة من الرغبات اجلسدية واألىواء واخليال‬
‫وادلتخيل والنوازع الطبيعية‪ ،‬ىكذا تبقى األزمة مطروحة وبإحلاح ستظل تستمر وتتعمق‪ ،‬كما أن عناصر جديدة‬
‫ستحاول الدخول يف خضمها وتعديلها »‪.2‬‬
‫«‬
‫لقد برز يف تاريخ الفكر الغريب مفهوم ما بعد احلداثة ‪,‬الذي يعد من ادلصطلحات األكثر إلتباسا وإيثارة‬
‫حيث اختلف حولو النقاد والدارسون نذرا لتعدد مفاىيمو ومدلوالتو من ناقد إىل آخر‪.‬‬

‫فهناك من ػلدد مصدره ويربطو بادلؤرخ الربيطاين "توينيب"‪ ،1959‬الذي جعلو يدل على عالقات ثالث ميزت‬
‫الفكر واجملتمع الغربيُت وىي‪:‬الالعقالنية‪ ،‬الفوضوية و التشويش‪ ،‬وبعد ذلك نقل ىذا ادلصطلح إىل رلاالت‬

‫‪1‬يورغن ىابرماس‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة‪ ،‬ص‪.168‬‬


‫‪ 2‬جينايت فاتيمو ‪ ،‬هناية احلداثة الفلسفات العدمية و التفسَتية‪ ،‬ص‪.181‬‬

‫‪60‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..........................‬المبحث الثاني‪ :‬قيم ما بعد الحداثة‬

‫متعددة كمجال العمارة ‪ ،‬الرقص ادلسرح التصوير السينما و ادلوسيقى‪ ،‬ورلال النقد األديب للتأسيس على‬
‫تسطح احلركة احلداثية‪ ،‬وىكذا يأيت ىذا ادلفهوم غامضا فضفاضا بسبب استناده إىل مفهوم احلداثة وبسبب‬
‫توظيفو وإطالقو على أمور إىل احلد الذي يصَت معو فاقدا للمعٌت »‪.1‬‬

‫فقد اعتمدت فلسفة ما بعد احلداثة على التشكيك والقويض والعدمية وذلك باعتبارىا فلسفة التفكيك‬
‫والتقويض والتحطيم أي ادلقوالت ادلركزية الكربى اليت ىيمنت على الثقافة الغربية من أفالطون إىل يومنا ىذا‪.‬‬

‫ففالسفة ما بعد احلداثة اعتمدو على التناص و الالنظام و الالانسجام بل ىم حاولوا النظر يف الكثَت من‬
‫ادلسلمات وادلقوالت ادلركزية اليت تعارف واعتمد عليها الفكر الغريب‪,‬فتزعزعت صبيع ادلفاىيم التقليدية‬
‫والقيم‪.‬فعملت ىذه الفلسفات جبهد كبَت على ربرير اإلنسان من ادلقوالت ادلركزية اليت ربكمت فيو ويف الثقافة‬
‫الغربية ألمد طويل فلسفيا وأنطلوجيا ولسانيا مع زبليصو من ادلثولوجيا الغربية القائمة على اذليمنة و اإلستغالل‬
‫واإلستالب والتعليب والتغريب‪.‬‬

‫وذلك باعتمادىم عن طريق التسلح دبجموعة من اآلليات الفكرية وادلنهجية كالتشكيك يف األفكار والقيم‬
‫الثقافية الغربية و فضح أوىامها اإليديولوجية وتعرية خطاباهتا وأفكارىا وقيمها األخالقية ادلبنية على السلطة و‬
‫العنف والقوة‪,‬يف حُت أن فلسفة ما بعد احلداثة جاءت كرد فعل على التمييز العرقي و اللوين و اجلنسي والثقايف‬
‫والطبقي واحلضاري‬

‫ىناك العديد من الفالسفة يعرفون بفالسفة االختالف أو فالسفة الصوت أمثال‪:‬ميشال فوكو‪ ،‬وجاك دريدا‬
‫وجيل دولوز‪ « ،‬تتلخص أطروحتهم يف الرفض التام لشعار التنوير واعتباره رلرد وىم ليس إال‪ ،‬يدعو فوكو إىل‬
‫تطوير أظلاط جديدة من السلوك والتفكَت والرغبة‪ ،‬أظلاط تنبٍت على التعدد والتنوع ويتجلى ىذا التصور يف‬
‫تفكيك فوكو دبيكانيزمات السلطة اليت اعتربىا ال هنائية »‪.2‬‬

‫‪ 1‬بيًت بروكر‪ ،‬احلداثة وما بعد احلداثة‪ ،‬ترصبة‪:‬د‪.‬عبد الوىاب علوب منشورات اجملمع الثقايف ‪ ،‬االمارات العربية ادلتحدة‪ ،‬ط‪،1995 ،1‬‬
‫ص‪.16‬‬
‫‪ 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.219‬‬

‫‪61‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..........................‬المبحث الثاني‪ :‬قيم ما بعد الحداثة‬

‫نلمس من خالل ىذا التيار الفلسفي نزعة ضلو النفي ما بعد احلداثي مثل مصطلحات‪ :‬التشتيت‬
‫‪،dispersion‬التفكيك ‪،déconstruction‬الالإستمرارية ‪،discontinuit‬االختالف ‪différence‬‬
‫‪،‬االنفصال‪.disjonction‬‬

‫« ىناك أفكار جديدة فارضة وجودىا بقوة‪ ،‬ربت يافضة ما بعد احلداثة كمفهوم جديد وكمشروع حضاري‬
‫كوين‪ ،‬وكبديل حقيقي للسابق الذي ترىل كأرجل صنم نيتشو‪ ،‬ويتسم خطاب ما بعد احلداثة بلغة مشحونة‬
‫بالغرائب والعجائب‪ ،‬كما تطغى عليو مالمح كوارث الدنيا وفواجعها‪ ،‬لقد سبيز ىذا العصر باألعلية اليت صارت‬
‫ربظى هبا ادلعرفة يف احلياة ادلعاصرة‪ ،‬واليت جعلت منها بدال من اإلنتاج ادلادي أي االقتصاد‪ ،‬القوة الرئيسية‬
‫للتطور والتقدم‪ ،‬حيث أصبح االقتصاد تابع يتوىل من خاللو مهمة إشباع احلاجات اجلديدة للثقافة »‪.1‬‬
‫«‬
‫أما بالنسبة للفيلسوف جان "فرانسو ليوتار"فهو يرى أن علم "بعد التحديث" أو ما بعد احلداثة ىو تتبع‬
‫األىداف التقنية والتجارية لألداء األمثل‪ ،‬وىو تعبَت أوجده تقدم تكنولوجي جديد غلعل من ادلعلومات كما‬
‫أساسيا‪ ،‬إال أن ىذا النظام التكنوقراطي يتعارض مع واقع ذبرييب يشكك يف مثل العامل العادي‪ ،‬وما يطلق عليو‬
‫"ليوتار"باسم نشاط ادلغالطة ادلستخدم يف التربير الغَت منطقي أو ادلتناقض‪ ،‬يؤدي إىل اقتحام رلاىل ادلعارف‬
‫احلديثة‪ ،‬وىكذا يظهر مصدر جديد للشرعية بتم استثماره يف أظلاط قصصية أكثر تواضعا‪ ،‬وحسب تعبَت‬
‫"ليوتار" إن "ما بعد احلديث يعد بال شك جزءا من احلديث" »‪.2‬‬

‫ومن ىذا القول نستنتج أن "ليوتار"ومعو نزعة التفكيك برمتها قد اعترب بنوع غَت زلوري أن ما بعد احلداثة‬
‫يتوافق مع التعددية يف العناصر اإلجتماعية‪ ،‬ومع كل ما ىو زللي ومؤقت وبراصبايت‪ ،‬وال تتقرر أحكامو‬
‫السياسية أو األخالقية سلفا‪ ،‬زمن ناحية أخرى‪,‬تبدو أراءه وكأهنا نوعا رومانسيا من الفوضوية‪ ،‬تركز على‬
‫البالغة وهتمل التحول اإلجتماعي ادلادي‪.‬‬

‫‪ 1‬بيًت بروكو‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.221‬‬


‫‪ 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.261‬‬

‫‪62‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نيتشه والقيم المعاصرة‪ ..........................‬المبحث الثاني‪ :‬قيم ما بعد الحداثة‬

‫ومن ىذا نستخلص أن عصر ما بعد احلداثة جاء كنفي وذباوز ألطروحة احلداثة‪ ،‬فقامت بتعريتها واستجالء‬
‫مكامن ضعفها حىت أوصلتها إىل االحتضار فأعلنت "موت احلداثة" إلعطاء ادلشروعية ألطروحتها الفلسفية‬
‫الغربية اليت رباول إصباغها بالصبغة الكونية‪,‬ألهنا توجد يف وضعية متقدمة تسمح ذلا بتجاوز اآلخرين وتفرض‬
‫عليهم بطريقة أو بأخرى ضرورة العودة إليها‪,‬و االقتباس من اصلازاهتا ادلتعددة وادلتنوعة اليت ال تنضب‪ ،‬شتان ما‬
‫بُت عامل يئن ربت وطأة احلاجة مل ػلقق بعد ادلكتسبات البيولوجية‪ ،‬ال زال يكافح من أجل البقاء‪ ،‬وعامل يرفل‬
‫يف النعيم يسمى بعامل الرفاه‪ ،‬ػلاول إعادة النظر يف اإلرىاب الذي مارسو على الطبيعة والبيئة‪ ،‬واإلنسان يعي‬
‫جيدا أنو يعيش مرحلة تارؼلية دينامية تتميز بتحول صاروخي‪ ،‬تتجو باحلضارة اإلنسانية إىل الزوال والتالشي‬
‫وباإلنسانية صبعاء إىل الفناء‪.‬‬

‫إال أن لفلسفة ما بعد احلدثة عيوب خطَتة رغم مزاياىا‪,‬ومن أىم ىذه العيوب‪:‬‬

‫«‪-‬نظرية عبثية زفوضوية وعدمية وتقويضية تساىم يف تثبيت االنظمة اإلستبدادية والقمعية والتنكيلية‪.‬‬

‫‪-‬ذبعل من اإلنسان كائنا عبثيا فوضويا ال قيمة لو يف ىذا الكون ادلغيب‪.‬‬

‫‪-‬ذبعل من اإلنسان يعيش حياة الغرابة والشذوذ والسخرية وادلفارقة‪.‬‬


‫»‪1‬‬
‫‪-‬تفكيك اإلنسان أنطلوجيا يف ىذا العامل الضائع بدوره إهنيارا وضالة وتشتيتا وتشظيا‪.‬‬

‫‪1‬صبيل ضبداوي‪,‬مدخل مفهوم ما بعد احلداثة‪,‬اللوكا للنشر والتوزيع‪,‬القاىرة‪,‬ج‪,2112 ,1‬ص‪.126‬‬

‫‪63‬‬
‫الخاتمة العامة‪........................................:‬أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة "نيتشه نموذجا"‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫خالصة القول‪:‬‬

‫أن فلسفة "نيتشو"قد عانت الكثري من النقد و االستهجان ‪ ،‬حيث اعتربىا بعض الفالسفة و ادلفكرين قصيدة شعرية أكثر‬
‫منها فلسفة‪ ،‬فنظامو األخالقي كان فيو غلو كبري‪ ،‬حبيث أنو ال داعي إىل حث الرجال ألن يكونوا أشد قسوة وأكثر شرا‬
‫وليس من اإلنصاف أن نشكو من األخالق سالح يف يد الضعيف يستخدمها للحد من قوة القوي‪ ،‬و الواقع أن األقوياء مل‬
‫يتأثروا باألخالق كثريا بل استخدموىا استخداما يتناسب مع منفعتهم ‪ ،‬وكذلك اإلنسان األعلى الذي اعتربه نيتشو مستقبل‬
‫ال ميكن اللحاق بو أبدا واحلقيقة الوحيدة اليت تبقى وسط ىذا الدما الذي يصيب احلقائق وادلذاىب مجيعا ىي تلك اليت‬
‫تؤكد أن يف اإلنسان اندفاعا ووثبة حنو ممكن يفلت منو إفالتا‪ ،‬ظ ف إىل ذلك أن اخلطأ األكرب الذي وقع فيو "نيتشو" –على‬
‫حد تعبري ىؤالء الفالسفة‪ -‬أنو تصور أن اإلرادة اإلذلية تقف عائقا يف سبيل حرية اإلرادة اإلنسانية ومن مث استبعاد ىذه‬
‫اإلرادة متاما من األخالق اليت يقدمها كبديل عن األخالق التقليدية‪ ،‬وبإلغاء ىذه اإلرادة اإلذلية من األخالق عند "نيتشو"‬
‫تصبح حرية اإلرادة اإلنسانية بال معىن على اإلطالق‪ ،‬ويفقد العامل كل معانيو و حتل العدمية‪ ،‬كما يعتق أيضا نيتشو أن فكرة‬
‫العود األبدي ىبطت عليو يف ظروف تشبو ظروف الوحي أو اإلذلام‪ ،‬ومن مث فإنو يراىا جديدة كل اجلدة رغم تعمقو لتاريخ‬
‫الفكر اليوناين‪ ،‬وحقيقة األمر أهنا فكرة قدمية قال هبا الفيتاغوريون من قبل و اجلدة اليت أضافها نيتشو عليها حماولة تربير على‬
‫األسس العلمية السائدة يف عصره‪ ،‬ومن النتائج األخالقية لفكرة العود األبدي ىو أنو يضفي صفة اخللود على احلياة اليت‬
‫يقدسها نيتشو كل التقديس وعلى كل حلظة من حلظاهتا‪ ،‬وقبولنا للحياة وحبنا للمصري ‪ ،‬ال عن استسالم وإمنا عن حب‬
‫لكل أىواذلا وتقلباهتا واحتمال لكل ما فيها من آالم وشدائد‪ ،‬حبيث شعارنا ىو غش حيث ترغب يف احلياة ثانية‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الخاتمة العامة‪........................................:‬أزمة القيم في الفلسفة المعاصرة "نيتشه نموذجا"‪.‬‬

‫إذن رغم النقد و اإلستهجان الذي وجو إىل "نيتشو" فإنو يبقى طودا راسخا يف الفكر ادلعاصر‪ ،‬واستطاعت فلسفتو أن‬
‫حتتفظ بسحرىا وجاذبيتها اليت عرفت هبا حىت اليوم‪ ،‬كما جند أن العديد من ادلفكرين والفالسفة تأثروا بفلسفة "نيتشو"‪ ،‬فقد‬
‫كان ملهما للكثري من الكتاب العظماء يف القرن العشرين‪ ،‬مثل‪:‬توماس مان‪ ،‬وأندريو مالرو‪ ،‬جان بول سارتر‪ ،‬ألبري كامو‪،‬‬
‫والواقع أن "نيتشو يبغي من إرادة القوة قلب لوح القيم‪ ،‬حتويل كل القيم القدمية إىل قيم جديدة‪ ،‬نسق أخالق القطيع من‬
‫التافهني والضعفاء‪ ،‬وإقامة أخالق األسياد حنو آفاق احلياة الربيئة‪,‬‬

‫‪68‬‬
‫المالحق‬

‫فريديريك نيتشه‪:"4011 -4411" :‬‬

‫يف أواسط القرن التاسع عشر ولد "فريديريك نيتشو"‪ ،‬يف ريكن وىي بلدة تقع قرب ليتسج بتاريخ ‪ ،1844/10/15‬ينحدر‬
‫من أسرة دينيةفأبواه من وسط أغلب أفراده شغلوا مناصب دينية‪ ،‬إلتحق عام ‪ 1844‬مبدرسة بفورتا وبعد ‪ 6‬سنوات غادرىا‬
‫ليتجو إىل جامعة بون‪ ،‬وبعدىا إىل ليتسج متأثرا بأستاذه يف اللغويات "ريتشل"‪ ،‬حينها بدأ يتبلور ميلو إىل دراسة اللغويات‬
‫واآلداب الكالسيكية منصرفا بذلك عن دراسة الالىوت‪ ،‬بعد إنتهاء دراستو اجلامعية‪ ،‬أختري أستاذ لفقو اللغة يف جامعة‬
‫بازل‪ ،‬عرفت حياتو الفكرية من خالل إنتاجاتو وأعمالو الفكرية‪ ،‬تنقالت وتطورات عديدة فإىل جانب قلة جناحو يف مرحلة‬
‫األستاذية اجلامعية‪ ،‬مل يلقة أول كتابو "ميالد املأساة من روح املوسيقى" إىتماما كبريا‪ ،‬كما ألف كتابو "خواطر يف غري أواهنا"‬
‫لتأثره ببعض معاصريو من أمثال (شوبنهاور‪ ،‬فاغنر)‪.‬‬

‫بعدىا يكن عن ذلك التأثر ليبدأ مرحلة التأليف العقلي النقدي متوجها إىل كل قيم ومقومات العصر من خالل "إنسان‬
‫مفرط يف إنسانيتو" جبزأيو األول سنة ‪ ،1876‬والثاين سنة ‪ ،1879‬وبعد سنة واحدة كتب "الفجر"‪ ،‬وسنة ‪ 1882‬أظهر‬
‫كتابو "العلم املرح" و"ىكذا تكلم زرادشت" ما بني ‪ ،1885-1883‬و"مبعزل عن اخلري والشر سنة ‪ 1885‬أيضا‪ ،‬وكذا‬
‫"أصل األخالق وفصلها سنة ‪.1887‬‬

‫ومن خالل مجيع تلك السنوات حضر نيتشو لتدوين خالصة فلسفتو بطريقة منظمة يف مؤلف كبري نشر بعد وفاتو حتت إسم‬
‫" إرادة القوة" وكان كتابو "ىو ذا اإلنسان" آخر ما طوى بو تارخيو الفكري‪ ،‬وبعد صراع طويل خاضو نيتشو مع املرض إنتهى‬
‫بو املطاف إىل اجلنون‪ ،‬تةيف يف ‪.1900/8/25‬‬

‫‪70‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫اآليات القرآنية‪:‬‬
‫‪-1‬المصادر‪:‬‬
‫أ‪-‬باللغة العربية‪:‬‬
‫‪-1‬أفالطون ‪ ،‬يف الفضيلة‪( ،‬حماورة مينون)‪ ،‬ترمجة‪:‬عزت القرين‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاىرة‪.2001 ،‬‬

‫‪ -2‬أفالطون‪ ،‬اجلمهورية‪ ،‬ترمجة فؤاد زكريا‪ ،‬الكتاب العريب‪ ،‬القاىرة‪.1982 ،‬‬

‫‪ -3‬إمانويل كانت‪ ،‬تأسيس ميتافيزيق األخالق‪ ،‬ترمجة عبد الغفار مكاوي‪ ،‬منشورات اجلنب‪ ،‬أدلانيا‪ ،‬ط‪.2002 ،1‬‬
‫برترند راسل‪ ،‬تاريخ الفلسفة الغربية "الفلسفة احلديثة"‪ ،‬ترمجة حممد فتحي الشنيطي‪ ،‬مطابع اذليئة ادلصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.1988 ،‬‬

‫‪ -4‬نيتشو‪ ،‬أفول األصنام‪ ،‬ترمجة‪:‬حسان بورقية‪ ،‬حممد الناجي‪ ،‬افريقيا الشرق ‪ ،‬ط ‪.1996 ،1‬‬

‫‪ -5‬نيتشو‪ ،‬الفلسفة يف العصر ادلأساوي اإلغريقي‪ ،‬ترمجة‪:‬ميشال فوكو‪ ،‬ادلؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬بًنوت‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪.1993 ،2‬‬

‫‪ -6‬نيتشو‪ ،‬إنسان مفرط يف إنسانيتو‪ ،‬ترمجة حممد الناجي‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬اجلزء األول‪.1998 ،‬‬

‫‪ -7‬نيتشو‪ ،‬عدو ادلسيح‪ ،‬ترمجة‪:‬جورج ميخائيل ديب‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ -8‬نيتشو‪ ،‬يف جينيالوجيا األخالق‪ ،‬ترمجة‪:‬فتحي ادلسكيين‪ ،‬دار سيناترا‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪.2010 ،1‬‬
‫‪ -9‬نيتشو‪ ،‬ميالد الرتاجيديا‪ ،‬ترمجة‪:‬حممد الناجي‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬د ط‪.2011 ،‬‬
‫‪ -10‬نيتشو‪ ،‬نقيض ادلسيح‪ ،‬ترمجة على مصباح‪ ،‬منشورات اجلمل‪ ،‬بًنوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪.2011 ،‬‬

‫‪ -11‬نيتشو‪ ،‬ىكذا تكلم زرادلشت‪ ،‬ترمجة‪ :‬فليكس فارس‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مطبعة جريدة البصًن‪،‬دط‪.1938 ,‬‬
‫‪ -12‬نيتشو‪ ،‬ىو ذا اإلنسان‪ ،‬عن األدلانية‪ :‬علي مصباح‪ ،‬منشورات اجلمل‪,‬دط‪,‬دت‪.‬‬

‫‪-13‬نيتشو‪,‬ما وراء اخلًن و الشر‪,‬تر‪,:‬ادلؤسسة الوطنية لإلتصال و النشر واإلشهار‪,‬لبنان ‪,‬ط‪2003 ,1‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪-2‬المراجع‪:‬‬

‫أ‪ -‬باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ -1‬أمحد أمٌن وزكي جنيب حممود‪ ،‬قصة الفلسفة اليونانية‪ ،‬مطبعة جلنة التأليف والنشر‪.1936 ،‬‬

‫‪ -2‬أمحد أمٌن‪ ،‬كتاب األخالق‪ ،‬مطبعة دار الكتب ادلصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪.1931 ،3‬‬

‫‪-3‬أندري كريسون‪ ،‬ادلشكلة األخالقية والفالسفة‪ ،‬ترمجة عبد احلليم حممود وأبو بكر ذكرى‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬القاىرة‪.1975 ،‬‬

‫‪-4‬أندلسي حممد‪ ،‬نيتشو وسياسة الفلسفة‪ ،‬دار توبقال للنشر ‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬

‫‪ -5‬إينت جيليسون‪ ،‬روح الفلسفة ادلسيحية يف العصر الوسيط‪ ،‬ترمجة إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬مكتبة مدبويل‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪.1996‬‬

‫‪ -6‬بدوي عبد الرمحان‪ ،‬خالصة الفكر األوريب‪ ،‬وكالة ادلطبوعات‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪.1985 ،5‬‬

‫‪ -7‬بيرت بروكر‪ ،‬احلداثة وما بعد احلداثة‪ ،‬ترمجة‪:‬د‪.‬عبد الوىاب علوب منشورات اجملمع الثقايف ‪ ،‬االمارات العربية ادلتحدة‪،‬‬
‫ط‪.1995 ،1‬‬
‫‪-8‬بييار ىرب سوفرين ‪ ،‬زراديشت نيتشو‪ ،‬ترمجة أسامة احلاج‪ ،‬ادلؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بًنوت‪.1994 ،‬‬
‫‪-9‬تلنز مايكل‪ ،‬نيتشو مقدمة قصًنة جدا‪ ،‬ترمجة‪:‬مروة عبد السالم‪ ،‬مؤسسة ىنداوي للتعليم و الثقافة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.2015‬‬
‫‪-10‬اجلرجاين الشريف ‪،‬كتاب التعريفات ‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬دط‪.1978 ،‬‬

‫‪-11‬جون ماكوري‪ ،‬الوجودية‪ ،‬ترمجة إميام عبد الفتاح إميام‪ ،‬سلسلة كتب ثقافية شهرية‪ ،‬الكويت‪.1978 ،‬‬
‫‪-12‬جيل دولوز‪ ،‬نيتشو والفلسفة‪ ،‬ترمجة أسامة احلاج‪ ،‬ادلؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بًنوت‪ ،‬دط‪.1993 ،‬‬

‫‪ -13‬جينايت فاتيمو‪ ،‬هناية احلداثة الفلسفات العدمية و التفسًنية‪ ،‬ترمجة‪:‬فاطمة اجليوشي‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫دط‪.1998 ،‬‬
‫‪-14‬د‪.‬رأفت غنمي الشيخ‪ ،‬فلسفة التاريخ‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاىرة‪ ،‬د ط‪.1981،‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ -15‬ديورانت ويل‪ ،‬قصة الفلسفة من أفالطون إىل جون ديوي‪ ،‬ترمجة فتح اهلل حممد ادلشعشع‪ ،‬مكتبة ادلعارف‪ ،‬بًنوت‪،‬‬
‫ط‪.1972 ،2‬‬
‫‪-16‬الربيع ميمون‪ ،‬نظرية القيم يف الفكر ادلعاصر بٌن النسبية و ادلطلقية‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬

‫‪-17‬الربيع ميمون‪ ،‬نظرية القيم يف الفكر ادلعاصر بٌن النسبية وادلطلقية‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪.1980 ،‬‬
‫‪-18‬رشيد البندر‪ ،‬مذىب ادلعتزلة من الكالم إىل الفلسفة‪ ،‬دار النبوغ والنشر والتوزيع‪ ،‬لبنالن‪ ،‬ط‪.1994 ،1‬‬

‫‪-19‬رودولف شتايينر‪ ،‬نيتشو مكافحا ضد عصره‪ ،‬ترمجة حسن صقر‪ ،‬دار احلصاد‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪.1998 ،1‬‬

‫‪-20‬كريا فؤاد‪ ،‬نيتشو‪ ،‬دار ادلعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪-21‬كي جنيب حممود‪ ،‬قصة الفلسفة احلديثة ‪ ،‬جلنة التأليف والرتمجة والنشر‪ ،‬القاىرة‪.1936 ،‬‬

‫‪-22‬سدجويك‪ ،‬اجململ يف علم األخالق‪ ،‬ترمجة‪:‬توفيق الطويل‪ ،‬دار الثقافة باألسكندرية‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪.1949 ،1‬‬

‫‪-23‬صفاء عبد السالم علي جعفر‪ ،‬حماولة جديدة لقراءة فريديريش نيتشو‪ ،‬دار ادلعرفة اجلامعية‪.1999 ،‬‬
‫‪-24‬صفاء عبد السالم علي جعفر‪ ،‬حماولة جديدة لقراءة فريدريك نيتشو‪ ،‬دار ادلعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.2001 ،‬‬

‫‪-25‬عبد الرمحان بدوي‪ ،‬خريف الفكر اليوناين‪ ،‬شركة الطباعة الفنية ادلتحدة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪.1980 ،4‬‬

‫‪-26‬عبد الرمحان بدوي‪ ،‬فلسفة العصور الوسطى‪ ،‬وكالة ادلطبوعات ودار القلم‪ ،‬الكويت ولبنان‪ ،‬ط‪.1989 ،3‬‬
‫‪-27‬عبد الرزاق بلعقروز‪ ،‬نيتشو ومهمة الفلسفة‪ ،‬الدار العربية لعلوم الناشرون‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪.2010 ،1‬‬

‫‪-28‬عدنان رزيقة‪ ،‬الكايف يف الفلسفة‪ ،‬دار الرحيانة للكتاب‪ ،‬جسور للنشر والتوزيع‪.2006 ،‬‬
‫‪-29‬عزت قرضي‪ ،‬الفلسفة اليونانية حىت أفالطون‪ ،‬الطبع ذات السالسل‪ ،‬الكويت‪.1993 ،‬‬
‫‪-30‬فنك اويغن‪ ،‬فلسفة نيتشو‪ ،‬ترمجة‪:‬إلياس بدوي‪ ،‬مؤسسة الوحدة للطباعة و النشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪.1974 ،‬‬

‫‪-31‬فؤاد كامل‪ ،‬أعالم الفكر ادلعاصر‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بًنوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.1993 ،1‬‬

‫‪-32‬فيليب تودي سارتر‪ ،‬ترمجة إميام عبد الفتاح إميام‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ /‬مصر‪.‬‬

‫‪-33‬قمًن يوحىن‪ ،‬نيتشو النيب ادلتفوق‪ ،‬منشورات دار ادلشرق‪ ،‬بًنوت‪ ،‬دون ط‪.1985 ،‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪-34‬كامل فؤاد‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي ادلعاصر‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بًنوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.1993 ،1413 ،1‬‬

‫‪-35‬كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬مطبعة التأليف والنشر‪ ،‬مصر‪.1936 ،‬‬

‫‪-36‬كمال البكاري‪ ،‬ميتافيزيق اإلرادة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬بًنوت‪ ،‬ط‪.2000 ،1‬‬

‫‪-37‬حممد اخلطيب‪ ،‬الفكر اإلغريقي‪ ،‬منشورات دار عالء الدين‪ ،‬مكتبة االسكندرية‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.1999 ،1‬‬

‫‪ -38‬حممد الشيخ‪ ،‬ياسر الطائري‪ :‬مقاربات يف احلداثة وما بعد احلداثة‪ ،‬دار الطليعة للطباعة و النشر‪ ،‬بًنوت ط‪،1‬‬
‫‪.1996‬‬

‫‪-39‬حممد الطاىر‪ ،‬علم األخالق "النظرية والتطبيق"‪ ،‬دار ومكتب اذلالل‪ ،‬بًنوت‪ ،‬لبنان‪.1987 ،‬‬
‫‪-40‬حممد أندلوسي‪ ،‬نيتشو وسياسة الفلسفة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء "ادلغرب"‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬

‫‪-41‬حممد عبد الرمحان مرحبا‪ ،‬مع الفلسفة اليونانية‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بًنوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.1988 ،1‬‬
‫‪-42‬حممد عبد الستار النصار‪ ،‬دراسات يف فلسفة األخالق‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪.1982 ،‬‬
‫‪-43‬حممد علي أبو ريان وعباس حممد حسن سليمان‪ ،‬مدخل لدراسة الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬دار ادلعرفة اجلامعية‪ ،‬دط‪.‬‬
‫‪-44‬حممد فتحي عبد اهلل وعالء عبد ادلتعايل‪ ،‬دراسات يف الفلسفة اليونانية‪ ،‬دار احلضارة‪ ،‬طنطا‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪-45‬حممد نور الدين أفاية ‪ ،‬احلداثة و التواصل يف الفلسفة النقدية ادلعاصرة‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬بًنوت لبنان‪ ،‬ط‪.1998 ،2‬‬
‫‪ -46‬مصطفى النشار‪ ،‬مدرسة اإلسكندرية "الفلسفة بٌن الرتاث الشرقي والفلسفة اليونانية" ‪ ،‬دار ادلعارف‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1990‬‬

‫‪-47‬مىن أمحد أبو زيد‪ ،‬الفكر الديين عند زكي جنيب حممود‪ ،‬ادلؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر‪،‬بًنوت لبنان‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ -48‬حممد عبد ادلعز‪ ،‬يف النظريات والنظم السياسية‪ ،‬دار ابلنهضة العربية للطباعة والنشر‪.‬‬

‫‪ -49‬ىنري كوربان وحسٌن نصر‪ ،‬ترمجة نصًن مروى وحسن قيملي‪ ،‬تاريخ الفلسفة اإلسالمية "منذ الينابيع حىت وفاة ابن‬
‫رشد"‪ .78 ،1198 ،‬عويدات للنشر والطباعة مع دارغاليمار‪ ،‬بًنوت‪ ،‬باريس‪ ،‬ط‪.1998 ،2‬‬
‫‪-50‬وجدي فريد حممد‪ ،‬دائرة معارف القرن العشرين‪ ،‬اجمللد الرابع‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بًنوت لبنان‪.‬‬

‫‪-51‬وليام كان رايت ‪ ،‬تاريخ الفلسفة احلديثة‪ ،‬ترمجة حممود سيد أمحد‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ ،‬ط‪.2005 ،2‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪-52‬يورغن ىابرماس ‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة ‪ ،‬ترمجة‪:‬فاطمة اجليوشي منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬دط‪.1995 ،‬‬
‫‪-53‬يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفة األوربية يف العصر الوسيط‪ ،‬دار ادلعارف‪ ،‬مصر‪.1119 ،‬‬
‫‪-54‬يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفة احلديثة‪ ،‬دار ادلعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪.1966 ،2‬‬
‫باللغة الفرنسية‪. :‬‬
‫‪1-alain touraine,critique de la modernité,fagaid,pois.‬‬
‫‪2-thihel serres :eclairssenent entetiens ailec,bruno yatown ,francois,1992.‬‬
‫‪-3‬المعاجم والموسوعات‪:‬‬
‫أ‪-‬باللغة العربية‪:‬‬
‫‪ -1‬ابراىيم مذكور ‪ ،‬معجم العلوم اإلجتماعية‪ ،‬اذليئة العامة للكتاب‪ ،‬حرف الدال‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪.1975 ،‬‬
‫‪-2‬ابراىيم مذكور‪ ،‬اذليئة العامة للشؤون و ادلطابع األمًنية‪ ،‬القاىرة‪.1983 ،‬‬

‫‪ -3‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار اجلبل‪ ،‬بًنوت‪ ،‬مج ‪.3‬‬

‫‪ -4‬ابن منظور‪،‬لسان العرب‪،‬دار الصالون للطبع والنشر و التأليف ج‪.1‬‬

‫‪-5‬بدوي عبد الرمحان‪ ،‬ادلوسوعة الفلسفية‪ ،‬ادلؤسسة العربية للدراسة والنشر‪ ،‬بًنوت‪ ،‬ج ‪ ،1‬ط ‪.1984 ،1‬‬
‫‪-6‬بدوي عبد الرمحان‪ ،‬موسوعة الفلسفة‪ ،‬ج‪.2‬‬
‫‪-7‬تدىوندرتش‪ ،‬ترجنيب احلصادي‪ ،‬دليل أكسفور للفلسفة‪ ،‬ادلكتب الوطين للبحث والتطوير‪.‬‬
‫‪-8‬جالل الدين سعيد‪ ،‬معجم ادلصطلحات والشواىد الفلسفية‪ ،‬دار اجلنوب للنشر‪ ،‬تونس‪.2004 ،‬‬

‫‪-9‬صليبا مجيل‪ ،‬ادلعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الكتاب اللبناين ‪،‬مكتبة ادلدرسة‪ ،‬بًنوت‪.1982 ،‬‬
‫‪-10‬صليبا مجيل‪ ،‬ادلعجم الفلسفي‪ ،‬دار الكتاب البناين‪ ،‬بًنوت‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪.2‬‬

‫‪-11‬طرابشي جورج‪ ،‬معجم الفالسفة‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بًنوت‪ ،‬ط‪.2006 ،3‬‬


‫‪ -12‬مراد وىبو‪ ،‬ادلعجم الفلسفي‪ ،‬دار القباء ال حديثة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪.2007 ،‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

:‫ب)باللغة الفرنسية‬
1- A. lande ,voc,tic,de la philosofie,puf paris , 15ed 1985.
2- Le petit larousse illustré , nuriguy le chàtel, juillet 2008, p1744, paris,
France.
‫فهرس األعالم‬

‫الصفحة‬ ‫الشخصية‬
‫ص (‪-33-33-37-33-33-33-33-32-7‬‬ ‫نيتشه‬
‫‪-34-33-37-33-33-33-33-34-34-34‬‬
‫‪)34-33-33-37-33-33-33-33-34‬‬
‫ص (‪)3-4‬‬ ‫آدم سميث‬
‫ص (‪)3-4‬‬ ‫كارل ماكس‬
‫ص (‪)3-3-4-3-4‬‬ ‫ابن منظور‬
‫ص (‪)7-3-4‬‬ ‫توماس هوبس‬
‫ص ( ‪)33-3‬‬ ‫ميشال فوكا‬
‫ص (‪)3‬‬ ‫جون لوك‬
‫ص (‪)33-3‬‬ ‫دافيد هيوم‬
‫ص (‪)3-3‬‬ ‫آندري الالند‬
‫ص (‪)3‬‬ ‫رونوفييه‬
‫ص (‪)44‬‬ ‫زكي نجيب محمود‬
‫ص (‪)43‬‬ ‫رينان‬
‫ص (‪)43-43‬‬ ‫سقراط‬
‫ص (‪)33-47-43-43-43‬‬ ‫أفالطون‬
‫ص (‪)43-43‬‬ ‫أرسطو‬
‫ص (‪)34-34-43-47‬‬ ‫أوغسطين‬
‫ص (‪)43‬‬ ‫فيلون‬
‫ص (‪)43‬‬ ‫المعتزلة‬
‫ص(‪)44‬‬ ‫األشاعرة‬
‫ص(‪)33-33-44‬‬ ‫ديكارت‬
‫ص(‪)44‬‬ ‫باروخ سبينوزا‬
‫ص(‪)33-44‬‬ ‫اليب نيتز‬
‫ص(‪)44-44-7-3‬‬ ‫إيمانويل كانط‬
‫ص(‪43‬‬ ‫جون بول سارتر‬
‫نيمتش‬
‫زراديتش‬
‫هيراغليش‬
‫ص (‪-7‬‬ ‫شوبن هاور‬
‫فهرس األعالم‬

‫بروتاغورس‬
‫فاغنر‬
‫هيقل‬
‫فينغنششيان‬
‫مارن هايدوغر‬
‫تونيبي‬
‫جاك دريدا‬
‫جيل دولون‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫تشكر‬

‫إهداء‬

‫مقدمة ‪ ........................................................................................‬أ‬

‫الفصل األول‪:‬سياقات تمهيدية للمذكرة‪,‬‬

‫المبحث األول‪:‬السياق المفاهيمي ‪6 .............................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪:‬السياق الكرونولوجي ‪66 ...........................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪:‬القيم في فلسفة نيتشه‪.‬‬

‫المبحث األول‪:‬نيتشه و تجاوز النسق األكسيولوجي ‪03 ............................................‬‬

‫المبحث الثاني‪:‬اإلنسان القيم ‪03 .................................................................‬‬

‫المبحث الثالث‪:‬إرادة القوة والقيم ‪04 .............................................................‬‬

‫الفصل الثالث‪:‬نيتشه والقيم المعاصرة‪.‬‬

‫المبحث األول‪:‬نيتشه والقيم المعاصرة ‪66 .........................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪:‬قيم ما بعد الحداثة ‪60 ............................................................‬‬

‫خاتمة ‪66 ........................................................................................‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع ‪46 ......................................................................‬‬

‫فهرس األعالم ‪16 ................................................................................‬‬

You might also like