You are on page 1of 24

‫نظرية الحضارة عند ابن خلدون‬

‫بالتمعن فً طبائع العمران واالجتماع البشري فً شتى مٌادٌنه‪ ،‬عبر كتاب‬


‫المقدمة‪ ،‬توصل ابن خلدون الى صٌاغه نظرٌته حول الدولة (كمصطلح بدٌل عن‬
‫الحضارة كما ٌرى ذلك مالك بن نبً) وهو ٌعطً الدولة عمرا كعمر االنسان‪:‬‬
‫ضعف فقوة فضعف‪ .‬وهذه المراحل هً‪:‬‬

‫مرحلة البداوة‪ :‬وهً أصل الحضارة‪ ،‬تقوى فٌها عصبٌه القبٌلة والحماٌةز‬

‫مرحلة الحضارة‪ :‬والترف أو ما ٌسمٌه ابن خلدون بمنتهى العمران واستبداد‬


‫الحاكم واستكانة الرعٌة‪ ،‬فً هذه المرحلة تتأسس الدولة ‪ ،‬اذ تقوى عصبٌه القبٌلة‬
‫فتنزع نحو الثبات واالستقرار فتعمل على توحٌد سلطتها فً شكل حكومة وهً‬
‫وسٌلة تأسٌس المدن‪ ،‬حٌث تزع الناس بوازع الحكم‪ ،‬سواء كان هذا الوازع دٌنٌا‬
‫ممثال فً الخالفة أو دنٌوٌا ممثال فً الحاكم‪ .‬وٌضع ابن خلدون مجموعة من‬
‫الشروط عند بناء المدن او تأسٌس الدولة‪:‬‬

‫أوال شرط األمن والحماية‪.‬‬

‫ثانيا شرط الرعاية الصحيه للسكان من الهواء النقي والماء والموقع‬


‫االستراتيجي‪.‬‬

‫وفً المدٌنة تتقدم الحضارة تبعا لثالثة مزاٌا جوهرٌة‪ ،‬هً‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مزاٌا األرض أو عامل التراب وهو محل استخراج المواد األولٌة‪.‬‬

‫ثانٌا‪ :‬مزاٌا الحكومة وهو ما ٌجب توفٌره للسكان من الحماٌة والعدل فً تقسٌم‬
‫الفرص والموارد‪ ،‬هذه المزاٌا ٌتحرك وفقا لها السكان وهم ٌخلقون الحضارة خلقا‬
‫بعد خلق‪ ،‬فً مراحل صناعٌة تبدأ من الصناعات الضرورٌة‪ ،‬كالزراعة والنسٌج‬
‫وصوال الى صناعة وسائل الترف تبعا لحاجات السكان وكذا الصناعات الفكرٌة‬
‫كصناعة الورق والخط وعلوم اللسان ‪.‬‬

‫نظرية مالك بن نبي الحضارية‬

‫‪-‬فكرة الدورة‪-‬‬

‫ٌنطلق مالك بن نبً فً بناء نظرٌته حول الحضارة من نفس المعمل الذي انطلق‬
‫منه ابن خلدون أي من التارٌخ باعتباره مخبر التجارب والصورة التطبٌقٌة للسنن‬
‫االجتماعٌة‪.‬‬

‫وٌؤسسك ابن نبً نظرٌته على مبدأ الدورة او الحتمٌة التارٌخٌه أو مبدأ السننٌة‬
‫كما ذكرها القرآن الكرٌم‪ (( :‬سنه هللا التً قد خلت من قبل ولن تجد لسنه هللا‬
‫تبدٌال)) الفتح اٌه ‪. 84‬وحول مبدأ الحتمٌة الحضارٌة ٌقول مالك بن نبً‪ ":‬إذا‬
‫نظرنا الى االشٌاء من الوجهة الكونٌة فإننا نرى الحضارة تسٌر كما تسٌر الشمس‬
‫فكأنها تدور حول األرض مشرقة فً أفق هذا الشعب‪ ،‬ثم متحولة الى أفق شعب‬
‫آخر" شروط النهضه صفحه ‪. 48‬وقد هداه فكره العلمً إلى وضع معادلته‬
‫الكٌمٌائٌة حول الحضارة وهً أن (الحضارة = إنسان ‪ +‬التراب ‪ +‬وقت) وٌعمل‬
‫الدٌن فً هذه المعادلة دور المركب الذي ٌلحم العناصر فً ما بٌنها‪ ،‬حٌث ٌتفاعل‬
‫االنسان أول األمر مع الفكرة الدٌنٌة أو المنهج القرآنً‪ٌ ،‬نطلق بعدها فً تفاعل‬
‫مع ما سخره له هللا تعالى من األرض‪ ..‬وفً ظرف زمانً معٌن (ٌصبح فٌما بعد‬
‫إطارا تارٌخٌا) ٌبنً الحضارة وفق منحنى بٌانً ٌوضحه مالك بن نبً فً كتابه‬
‫شروط النهضة‪.‬‬

‫مهمة الفكرة إخضاع غرائز اإلنسان الفطري أو الطبٌعً لعملٌة شرطٌة‪ ،‬وذلك‬
‫بضبطها بقواعد نظام روحً معٌن وهذا ٌنتج لنا الطور األول من اطوار‬
‫الحضارة‪ ،‬وهو مرحلة الروح‪ ،‬ومع توسع المجتمع االسالمً الروحً تظهر‬
‫ضرورات جدٌدة ومقاٌٌس مستجدة تذهب بالحضارة نحو منعطف جدٌد هو‬
‫منعطف العقل‪ ،‬و هذه تسمى مرحله العقل‪ ،‬و فٌها ازدهرت العلوم والفنون والنظم‬
‫فً الحضاره االسالمٌة كما ٌرى مالك بن نبً‪ .‬ومع علو سلطان العقل تبدأ‬
‫الغرائز بالخروج تدرٌجٌا من سلطة الروح لنصل إلى الطور الثالث من أطوار‬
‫الدورة الحضارٌة وهو طور الغرٌزة‪ ،‬وهنا تنتهً الوظٌفه االجتماعٌه للفكرة‬
‫الدٌنٌة‪ٌ ،‬ختل تفاعل االنسان مع المنهج القرانً!‬
‫محاضرات مقٌاس‪ :‬مدخل إلى الحضارة‬

‫السنة الثانٌة لٌسانس لغة وحضارة‬

‫أ‪ .‬فاطمة الزهراء ج ّنان‬

‫نظرٌة مالك بن نبً الحضارٌة‬

‫تابع ‪ -‬فكرة التوجٌه‪-‬‬

‫إن بداٌة أٌة دورة حضارٌة تقتضً التحام الفكرة الدٌنٌة مع االنسان الطبٌعً أو إنسان الفطرة كما ٌسمٌه‬
‫مالك بن نبً‪ ،‬وهذه الفكرة الدٌنٌة تمثل فً الحضارة اإلسالمٌة المنهج القرآنً المتكامل‪ ،‬والذي ٌسمٌه‬
‫مالك بن ننبً بالمبدأ القرآنً‪.‬‬

‫ُ‬
‫ٌنظر بن نبً لهذا المبدأ نظرتٌن‪ ،‬األولى تارٌخٌة فٌسرد تطبٌقات المسلمٌن التارٌخٌة المفصلٌة فً‬
‫الدورة الحضارٌة‪ ،‬منذ نزول الوحً وصوال إلى حادثة صفٌّن ثم عصر الموحدٌن وتبعاته التً ال زالت‬
‫تعشش فً واقعنا المعاصر‪..‬‬

‫أما النظرة الثانٌة فهً نظرة معاصرة‪ ،‬راهنة حول مدى إمكانٌة تطبٌق المنهج القرآنً وما ٌقتضٌه هذا‬
‫التطبٌق من توجٌهات أولٌة لعنصر اإلنسان المسلم‪ ،‬فً الدورة الحضارٌة‪.‬‬

‫‪-‬فكرة التوجٌه‪:‬‬

‫هً فكرة إلعادة هٌكلة إنسان ما بعد الحضارة أو اإلنسان "المشوه حضارٌا" إلعادته إلى " إنسان‬
‫الفطرة" عم طرٌق توجٌه ثالثة عناصر من مكوناته الرئٌسٌة‪ ،‬وهً‪:‬‬

‫الثقافة والعمل ورأس المال‪.‬‬

‫‪-1‬توجٌه الثقافة‪:‬‬

‫عمل بن نب ً على تقسٌم الثقافة‪ ،‬باالنتقال بها من مفهومها العام كطابع سلوكً اجتماعً إلى مجموعة‬
‫مكونات رئٌسٌة‪ ،‬لتسهل عملٌة التوجٌه‪ ،‬وهذه تاعناصر هً‪:‬‬

‫عنصر األخالق لتكوٌن الصالت االجتماعٌة‬


‫عنصر الجمال لتكوٌن الذوق العام‬

‫منطق عملً لتحدٌد أشكال النشاط العام‬

‫الصناعة بالمفهوم الخلدونً الشامل‪.‬‬

‫وقد ركز بن نبً على توجٌه المحورٌن األولٌن‪ ،‬ألنهما‪-‬بحسبه‪ -‬عماد لبقٌة المحاور‬

‫*التوجٌه األخالقً‪:‬‬

‫ٌمثل بأصله الدٌنً‪ ،‬المتلخص فً قوله تعالى((وألّف بٌن قلوبهم))األنفال ‪ 63‬لُحمة المجتمع اإلنسانً‬
‫وأساس صالته التً ستنبع منها فٌما بعد العلوم والفنون والصّناعات‪ٌ .‬قول بن نبً‪" :‬وهكذا سنصل فً‬
‫النهاٌة إذا ما تتبعنا كل مظهر من مظاهر الحضارة‪ ...‬إلى الروابط الدٌنٌة األولى التً بعثت هذه‬
‫‪1‬‬
‫الحضارة"‬

‫*التوجٌه الجمالً‪:‬‬

‫ٌمثل الذوق العام الذي ٌصدر عنه المجتمع‪ ،‬وهو فً الحضارة اإلسالمٌة ٌمثل "اإلحسان" كصورة‬
‫نفسٌة للجمال‪..‬‬

‫ومن خالل هذٌن العنصرٌة ٌكمن الفرق الجوهري بٌن الحضارتٌن اإلسالمٌة والغربٌة‪ ،‬فبٌنما تقدم‬
‫األولى المبدأ األخالقً على الذوق الجمالً نجد الثانٌة وعلى العكس منها تقدم الذوق الجمالً على المبدأ‬
‫األخالقً وهذا منعكس تماما فً واقعهم‪ ،‬الفنً بالخصوص!‬

‫*المنطق العملً‪:‬‬

‫ٌتلخص توجٌهه‪ ،‬فً قول مالك بن نبً‪ " :‬إن الذي ٌنقص المسلم لٌس منطق الفكرة‪ ،‬ولكن منطق العمل‬
‫‪2‬‬
‫والحركة(‪ )...‬فالمجتمع اإلسالمً الٌوم ال ٌعٌش طبقا لمبادئ القرآن بل إنه ٌتكلم تبعا لمبادئ القرآن"‬

‫*الصناعة‪:‬‬
‫ّ‬

‫وٌتم توجٌهها بحسب بن نبً عن طرٌق إنشاء معهد للتوجٌه الفنًّ لٌحُ ّل نظرٌا وعملٌا المشكلة الخطٌرة‬
‫للتربٌة المهنٌة‪ ..‬فكل الفنون والمهن والقدرات وتطبٌقات العلون تدخل فً مفهوم الصناعة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مالك بن نبً‪ ،‬شروط النهضة‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪2‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.103‬‬
‫‪-2‬توجٌه العمل‪:‬‬

‫وذلك بتربٌة الفرد على فكرة العمل كقٌمة اجتماعٌة للوقت‪ ،‬لتأتً بعد هذه القٌمة‪ ،‬فكرة "الكسب"‬
‫الشائعة‪ ..‬واآلٌات القرآنٌة الدالة على قٌمة العمل كثٌرة‪ .‬منها قوله تعالى((فالٌوم ال ُتظلم نفسٌ شٌئا وال‬
‫ُتجزون إال ما كنتم تعملون)) ٌس ‪.54‬‬

‫‪-3‬توجٌه رأس المال‪:‬‬

‫وٌقصد بن نبً برأس المال "المال المتحرك" وهو اآللة االجتماعٌة التً تنهض بالتقدم المادي‪ ،‬فاستغالل‬
‫المواد األولٌة ثم المصانع التً تحوّ ل فٌها تلك المواد إلى سلع ومنتجات‪ ،‬ثم األسواق التً ُتصرف فٌها‬
‫تلك السّلع‪ ..‬وما ٌخلق ذلك من مناصب عمل وعالقات اقتصادٌة وقوة تموٌلٌة‪.‬‬
‫نظرٌة تونبً الحضارٌة‬

‫‪-‬التحدي واالستجابة‪-‬‬

‫إن التارٌخ الحضاري بالنسبة ألرنولد تونبً هو مجموعة من التحدٌات واالستجابات‪ ،‬التً تؤدي إلى‬
‫مٌالد الحضارة ونموها ثم انحاللها وانهٌارها‪ ..‬بحسب طبٌعة التحدي ونوع االستجابة‪.‬‬

‫‪-1‬التحدّي‪:‬‬

‫إن السهولة(أو الترف بالتعبٌر الخلدونً) هً عدوّ ة الحضارة‪ ،‬وإن الظروف السّهلة ال الصعبة‪ ،‬هً‬
‫تحدٌات تستثٌر فً األمم قٌام الحضارات‪ .‬والتحدٌات بالنسبة لتونبً أنواع‪:‬‬

‫*التحدٌات الطبٌعٌة‪ :‬وهً نوعان‪ :‬تحدي األرض الصعبة كما هو حال العرب فً شبه الجزٌرة العربٌة‬
‫أو المجتمع المصري على ضفاف نهر النٌل قبل االستصالح فً زمن الحضارة الفرعونٌة‪ .‬وكذا تحدي‬
‫األرض البكر أو الجدٌدة‪.‬‬

‫*التحدٌات البشرٌة‪ :‬وهً ثالثة أنواع‪:‬‬

‫حافز الضربات (الحروب)‬

‫الضغوط الخارجٌة‪.‬‬

‫النقمة الداخلٌة (االجتماعٌة)‬

‫وهذه التحدٌات درجات‪ :‬فهناك تحد ضعٌف‪ ،‬وتح ّد قوي‪ ،‬وتح ّد متوسط‪ ،‬وهذا األخٌر بحسب تونبً هو‬
‫الوحٌد الذي ٌح ّفز على تحقٌق استجابة ناجحة‪.‬‬

‫‪-2‬االستجابة‪:‬‬

‫ٌتوقف مٌالد الحضارة على نوع االستجابة التً تقدمها الفئة المبدعة أو األقلٌّة الحاكمة‪ ،‬فتونبً كمالك‬
‫بن نبً قد أعطى للفاعلٌة اإلنسانٌة ال ّدور المحوري والرئٌسً فً تولٌد الحضارات‪.‬‬

‫مراحل الحضارة تبعا لنوع االستجابة عند األقلٌة الحاكمة‪:‬‬


‫نشوء الحضارة‪ :‬إن األقلٌة الحاكمة حٌن تقدم استجابة مبدعة ذات قوام أو طابع روحً نكون فً مرحلة‬
‫نشوء حضاري‪.‬‬

‫نمو الحضارة‪ :‬وذلك حٌن تتكرر التحدٌات ومعها االستجابات المبدعة‪.‬‬

‫انهٌار الحضارة ثم انحاللها أو جمودها‪ :‬و ذلك عند فقدان الروح المبدعة‪ ،‬والتحول إلى حالة التسلط‬
‫والقهر من قبل األقلٌة الحاكمة‪.‬‬

‫طبٌعة المجتمع الحضاري أو المتحضر فً نظرٌة التحدي واالستجابة‪:‬‬

‫هو مجتمع متناغم عن طرٌق استجابة األكثرٌة (الشعب) للفئة الحاكمة بطرٌقة المحاكاة اآللٌة‪ .‬وٌلعب‬
‫الدٌن فً هذا المجتمع دور إنعاش الشعور بالواجب االجتماعً‪.‬‬

‫طبٌعة المجتمع المنهار حضارٌا‪:‬‬

‫هو مجتمع منقسم إلى فئات ثالثة‪:‬‬

‫*أقلٌة حاكمة مسٌطرة ومستبدة‪.‬‬

‫*برولٌتارٌا داخلٌة أو شعب مقهور‪ٌ ،‬رنوا للثورة‪.‬‬

‫* برولٌتارٌا خارجٌة‪ :‬منشقة عن المجتمع وترنوا للغزو الخارجً‪.‬‬

‫وال ٌمكن إنقاذ الحضارة من اإلنهٌار‪-‬بحسب تونبً‪ -‬إلى بعاملٌن اثنٌن‪ ،‬أولهما وقائً وهو التخلً عن‬
‫الحروب والثانً بنائً وهو الرجوع إلى الدٌن‪ ،‬وذلك عن طرٌق حركة ثنائٌة تتمثل فً (اعتكاف‪/‬‬
‫عودة)‪ ،‬االعتكاف ألجل التزود الروحً‪ ،‬ثم العودة الفاعلة للتطبٌقً المجتمعً‪ ،‬وٌضرب تونبً مثاال‬
‫على ذلك شخصٌة النبً محمد (صلى هللا علٌه وسلم)‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫ٌنظر‪ :‬زٌاد عبد الكرٌم النجم‪ :‬تونبً ونظرٌته التحدي واالستجابة‪.‬‬
‫ال ّنظم اإلسالمٌة فً صورتها المثالٌة‬

‫‪-‬الشرٌعة‪-‬‬

‫إن كلمة نظم هً جمع نظام‪ ،‬وهً تدل على ك ّل شًء ٌراعى فٌه التنظٌم واالنسجام واالرتباط‪ ،‬و ُن ٌ‬
‫ظم أٌة‬
‫دولة تتكون من مجموعة القوانٌن والمبادئ واألعراف‪ ..‬التً تنهض علٌها حٌاة هذه الدولة وعالقات‬
‫الناس فٌها‪ ..‬وٌمثل اإلسالم (عقٌدة وشرٌعة) قمة التصورات التً تنبنً علٌها تلك العالقات‪ ،‬فالدولة‬
‫اإلسالمٌة قامت على أساس الشرٌعة‪ ،‬وقد كانت لهذه الشرٌعة السٌادة القانونٌة المطلقة فً المجتمع‬
‫اإلسالمً‪ ،‬وتتحدد حقوق األفراد فٌه و واجباتهم بموجب أحكامها المستمدة من نصوص القرآن الكرٌم‬
‫بكافة تشرٌعاته الساعٌة إلقامة مجتمع التوحٌد‪.‬‬

‫الشرٌعة قائمة على النص القرآنً‪.‬‬ ‫نظام إسالمً قائم على الشرٌعة اإلسالمٌة‬ ‫الدولة اإلسالمٌة‬

‫خصائص التشرٌع القرآنً‪:‬‬

‫هو تشرٌع ٌتمٌز بعدة خصائص تكفل له الثبات والصالحٌة الدائمة وتمٌزه عن أي تشرٌع وضعًّ‬
‫بشري‪ ،‬أو سماوي سابق كان صالحا لفترة زمنٌة محددة‪ ،‬وزالت صالحٌته الذاتٌة بسبب ارتقاء العقل‬
‫اإلنسانً وتقدم الحٌاة البشرٌة‪ .‬وأهم هذه الخصائص ما ٌلً‪:‬‬

‫‪-1‬كونه ربّانً المصدر‪ :‬فهو وحً إلهً من هللا تعالى على ٌد جبرٌل األمٌن‪ ،‬مطبوعا فً قلب النبً‪،‬‬
‫لحافِظون))الحجر آٌة‬ ‫نزلنا ّ‬
‫الذكر وإ ّنا له َ‬ ‫حفظا راسخا ال ٌتغٌر وال ٌتبدل‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪(( :‬إ ّنا نحن ّ‬
‫‪ .9‬وهذه المصدرٌة تصبغ تشرٌعاته باألصالة والسالمة واإلحكام والصالحٌة لكل زمان ومكان‪.‬‬

‫‪-2‬كونه إنسانًّ النزعة‪ :‬مرتفعا عن أٌة نعرة عنصرٌة‪ ،‬جنسٌة أو قبلٌة أو إقلٌمٌة‪ ..‬وإنما هو للناس‬
‫قاطبة‪ٌ ،‬بتغً لهم الٌسر ورفع الحرج سواء فً نطاق العبادات أو العقود والمعامالت‪ ..‬مصداقا لقوله‬
‫الٌسر وال ٌُرٌ ُد بكم العُسر))البقرة آ‪.185‬‬
‫َ‬ ‫تعالى‪ٌ(( :‬رٌد هللا بكم‬

‫‪-3‬التوازن والوسطٌة‪ :‬فٌه التوازن بٌن المصلحة العامة والمصلحة الخاصة‪ :‬أو مصلحة الفرد و‬
‫الجماعة‪ ،‬فال ٌذوب الفرد فً الجماعة وال طغٌان ألحدهما على اآلخر ((والسماء رفعها و وضع المٌزان‬
‫أالّ َ‬
‫تطغو فً المٌزان))الرحمن آ‪ .8-7‬ومن مظاهر هذا التوازن إقرار الملكٌة الخاصة والحفاظ علٌها مع‬
‫جعلها ذات وظٌفة اجتماعٌة ت وجه نحو خٌر الجماعة‪ ،‬وهذا ٌستدعً فً أذهاننا فكرة توجٌه رأس المال‬
‫فً نظرٌة ابن نبً الحضارٌة‪ .‬وغٌر هذه النماذج كثٌر سٌحٌن أوان ذكرها فً التطبٌقات التارٌخٌة‬
‫للتشرٌع القرآنً‪ .‬كما فٌه التوازن بٌن الترغٌب والترهٌب فهو تشرٌع ٌأمر بالمعروف وٌُر ّغب فٌه‬
‫وٌنهى عن المنكر وٌُن ّفر منهو ٌزجر فاعله‪ ،‬ألن غاٌته أن ٌحقق فً المجتمع شٌئٌن متوازٌٌن هما‪ :‬درء‬
‫المفاسد وجلب المصالح‪.‬‬

‫‪-4‬التكامل والشمول‪ :‬فالتشرٌع القرآنً ال ٌقتصر على العالقات االجتماعٌة وحدها منعزلة عن الرقابة‬
‫اإللهٌة واالعتبارات األخالقٌة‪ ،‬بل هناك تالزم وتوسع نحو شبكة من العالقات التالزمٌة أساسها عالقة‬
‫الفرد بخالقه‪ ،‬وبنفسه وكذا بمجتمعه‪ .‬كما أنه متالزم الصّلة بٌن العقٌدة والعبادة والشورى‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى(( والذٌن استجابوا لربّهم وأقاموا الصّالة وأمرهم شورى بٌنهُم و ِممّا َ‬
‫رزقناهُم ٌُنفِقون))الشورة آ‬
‫صوال إلى العالقات ال ّدولٌة‪.‬‬
‫‪ .38‬شامل لقضاٌا الفرد والدولة انطالقا من العالقات األسرٌة ووُ ُ‬

‫‪-5‬المرونة‪ :‬فبناء على الوضع التشرٌعً فً اإلسالم الذي ٌقضً بجواز االجتهاد فً تفهّم المراد من‬
‫النصوص من جهة ومن جهة أخرى االجتهاد الستنباط األحكام الشرعٌة للوقائع المُتج ّددة والتحدٌات‬
‫المستج ّدة عبر الزمان والمكان‪.‬‬

‫وتأتً السّنة النبوٌة الشرٌفة فً تأسٌساتها المجتمعٌة األولى‪ ،‬ل ُتبٌّن لنا أوجه التطبٌق الفعلًّ والمثالً‬
‫للتشرٌعات الرّ بانٌة فً المجتمع اإلنسانً‪.‬‬
‫صور من تطبٌقات ّ‬
‫النظم القرآنٌة فً الحضارة اإلسالمٌة‬

‫‪-‬ال ّنظام ّ‬
‫السٌاسً‪-‬‬

‫بما أن الدولة هً وسٌلة تأسٌس المُدن وبناء الحضارات‪ ،‬عن طرٌق بسط حكومتها‪ ،‬فإننا سنتطرق أوّ ل‬
‫األمر إلى ال ّنظام السٌّاسً فً تارٌخ الحضارة اإلسالمٌة‪ ،‬فالسٌّاسة ّ‬
‫تمثل قمّة التفاعل بٌن العالقات فً‬
‫المجتمع الواحد‪ ،‬وتطوُ رُ ها فً الحضارة اإلسالمٌة‪ ،‬جاء مرتبطا بمستوى وعً(فقه) األحكام الشرعٌة‬
‫وتطبٌقها على مستوى األفراد والجماعات (وهو ما ٌسمى بالسٌاسة الشرعٌة‪ ،‬بوازع الحُ كم أو السلطان‬
‫الوازع أفضى ذلك إلى الهرج المؤذن بهالك البشر وانقطاعهم‪ ،‬مع أن حفظ النوع من‬
‫َ‬ ‫"فما لم ٌكن الحاك ُم‬
‫مقاصد الشرع الضرورٌة"‪ .1‬وعلى عاتق النظام السٌاسً تقع مسؤولٌة تطبٌق بقٌة ال ّن ُ‬
‫ظم اإلدارٌة‬
‫واالقتصادٌة واالجتماعٌة‪.‬‬

‫ال ُّن ُظم السٌاسٌة فً الحضارة اإلسالمٌة‪:‬‬

‫‪-1‬الخالفة‪:‬‬

‫إن أوّ ل تح ّد واجه الحضارة اإلسالمٌة بعد وفاة الرسول (صلى هللا علٌه وسلم)‪-‬تبعا لنظرٌة تونبً‬
‫الحضارٌة‪ -‬هو تحدي الخالفة وكٌفٌة وضع نظام لها‪ ،‬إذ لم ٌكن من السهولة أن ٌخلف الرسول (ص)‬
‫شخص معٌّن‪ ،‬وهو لم ٌوصً صراحة بالخالفة ألحد‪" ..‬والخالفة فً لسان المسلمٌن‪ ،‬و ُترادفها اإلمامة‪،‬‬
‫هً رٌاسة عام ٌّة فً أمور ال ّدٌن وال ّدنٌا نٌابة عن الرسول (صلى هللا علٌه وسلم)"‪ 2‬أو هً كما قال ابن‬
‫خلدون‪ ":‬خالفة عن صاحب الشرع فً حراسة الدٌن وسٌاسة ال ّدنٌا به"‪ .3‬وتقع على عاتق الخلٌفة‬
‫مسؤولٌة تطبٌق الشرائع أو ال ّنظم القرآنٌة‪..‬‬

‫وٌبدأ بناء نظام الخالفة أول ما ٌبدأ باجتماع سقٌفة بنً ساعدة‪ ،‬حٌث تم اإلجماع بعد التشاور والتداول‬
‫عمال بمدئ الشورى‪ ،‬فً قوله تعالى(( وأمرهم شورى بٌنهم)) الشورى آ ‪ ،38‬فأجمعوا على خالفة‬
‫الصحابً الجلٌل أبً بكر الصدٌق‪ ،‬ألسباب كثٌرة –منطقٌة‪ -‬منها كون أبً بكر أول رجل دخل اإلسالم‪،‬‬
‫وأكثر الناس صحبة لرسول هللا‪ ...‬وأنه أ ّم الناس فً الصالة أثناء مرض رسول هللا (صلى هللا علٌه‬
‫وسلم)‪ ...‬وما إن تمّت البٌعة للصدٌق حتى قابلته تحدٌات جدٌدة‪ ،‬قابلها هو اآلخر باستجابات ٌستدعٌها‬
‫الحافظ على نظام الدولة و وحدتها‪ ..‬كحروب الرّ دة (مع مانعً الزكاة ومدعً النبوة)وبعد ضمان‬

‫‪1‬‬
‫ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص ‪.366‬‬
‫‪2‬‬
‫علً عبد الرزاق ‪":‬اإلسالم وأصول الحكم‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪3‬‬
‫مقدمة ابن خلدون‪ ،‬ص‪.180‬‬
‫االستقرار الداخلً من جدٌد‪ ،‬توجه الخلٌفة الراشدي نحو توسٌع نطاق الدولة‪ ،‬ونشر دعوة اإلسالم خارج‬
‫حدودها‪ ..‬لتستمر الفتوحاة طٌلة عهود الخلفاء الراشدٌن وما ٌلٌها‪.‬‬

‫وكان من شروط الخالفة‪ :‬العلم والعدالة والكفاءة وسالمة الحواس واألعضاء ‪ ،‬وفً نظام الخالفة برزت‬
‫اخالفات كثٌرة بٌن العلماء‪ ،‬خاصة ذلك الشرط المتعلق بالنسب القرشً‪ ،‬فكان رأي الجمهور اشتراطه‪،‬‬
‫كم ا ورد فً كتاب الماوردي‪ ،‬بٌنما ذهب فرٌق آخر إلى عدم اشتراط النسب القرشً‪ ،‬ومنهم األنصار‬
‫ومن بعدهم الخوارج‪ ،‬واعتمدوا فٌما ذهبوا إلٌه على اآلٌة الكرٌمة((إنّ أكرم ُكم عند هللا أتقاكم))‪ ،‬وقوله‬
‫(علٌه الصالة والسالم) لٌس لعربً على عجمًّ فض ٌل إال بال ّتقوى))‪ ،‬وذهب ابن خلدون إلى أن هذا‬
‫الشرط كانت العلة فٌه العصبٌة التً بها ٌكون اجتماع الكلمة‪ ،‬فإنه ٌسقط بضعفها‪.‬‬

‫أما طرٌقة اختٌار الخلٌفة فتعتد على نظام الشورى‪ ،‬عمال باألوامر العامة التً وردت فً الكتاب الكرٌم‪،‬‬
‫التً تتناول الخالفة وغٌرها‪ ،‬كقوله تعالى(( وأمرهم شورى بٌنهم))الشورى ‪ .38‬وقوله عز وجل‪:‬‬
‫((واعتصموا بحبل هللا جمٌعا وال تفرقوا)) آل عمران ‪ .103‬دون ورود نص قطعً عن طرٌقة تعٌٌن‬
‫الخلٌفة‪ ،‬كأن الشرٌعة أرادت أن تترك األمر للمسلمٌن ٌختارون من ُن ُ‬
‫ظم الحكم ما ٌالئم أحوالهم‪.‬‬

‫فكان االجتهاد قائما على ثالثة طرق‪:‬‬

‫أما األولى فطرٌقة االنتخاب االستشارٌة بٌن األعٌان من الصحابة‪ ،‬األنصار منهم والمهاجرٌن وهو الذي‬
‫حصل فً سقٌفة بنً سعد‪.‬‬

‫وأما الطرٌقة الثانٌة فهً طرٌقة العهد‪ ،‬وهً أن ٌعهد الخلٌفة إلى شخص آخر بعده على أن ٌضاف إلى‬
‫هذا الترشٌح‪ ،‬شرطً االستشارة مع أهل الحل والعقد‪ ،‬وكذا موافقة العامة ورضاهم على ما اتفق علٌه‬
‫أهل الحل والعقد وهكذا عٌن عمر (رضً هللا عنه)‪.‬‬

‫وأما الطرٌقة الثالثة فهً ترشٌح أشخاص كثر بدال من شخص واحد‪ٌ ،‬تم االختٌار فٌما بٌنهم بالتراجح‬
‫وهكذا ُعٌّن عثمان (رضً هللا عنه)‪.‬‬

‫ولكنّ األمر اختلف بعد مقتل اإلمام علً كرم هللا وجهه‪ ،‬وتنصٌب معاوٌة بن أبً سفٌان‪ ،‬وتحولت‬
‫الخالفة غإلى ملكٍ ٌؤول إلى صاحبه بالقوة والسٌاسة‪ ،‬وبذلك ظهر نظام التورٌث حٌث تؤخذ البٌعة لولً‬
‫العهد من وجهاء الناس وكبار القواد!‬
‫وكان الخلٌفة بعد أن تتم البٌعة له ٌخطب فً المسلمٌن خطبة ٌبٌن فٌه منهجه الذي ٌعتزم السٌر علٌه فً‬
‫‪1‬‬
‫سٌاسته للمسلمٌن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ٌُنظر‪ :‬أبو زٌد شلبً‪ ،‬تارٌخ الحضارة اإلسالمٌة والفكر اإلسالمً‪ ،‬ص‪77-71‬‬
‫محاضرة‪ :‬أُسس نظام الحكم فً اإلسالم‬

‫تقوم سٌاسة الدولة فً اإلسالم على تحقٌق كرامة اإلنسان‪ ،‬وحرّ ٌته تبعا للتصور القرآنً‪ ،‬الم ّ‬
‫ُلخص فً‬
‫قوله تعالى((وكرّ منا بنً آدم))‪ ،‬وهذا اإلنسان تكفل له حكومة ال ّدولة كرامته مهما كان عرقه أو عقٌدته‬
‫فً ظ ّل قوانٌن ربّانٌة عادلة‪ ،‬ال ٌُظلم فٌها أحد‪.‬‬

‫األسس الرئٌسٌة للحكومة اإلسالمٌة‪:‬‬

‫أوال‪ -‬العدل‪ :‬عمال بقوله تعالى (( وإذا حكمتم بٌن الناس أن تحكموا بالعدل)) النساء ‪ .85‬وقال النب ًّ‬
‫محمد (صلى هللا علٌه وسلم)‪" :‬عدل ساعة خٌ ٌر من عبادة سبعٌن ً‬
‫سنة‪ ،‬قٌا ُم لٌلها وصٌام نهارها" (جامع‬
‫السعادات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪)212‬‬

‫فسعادة األمّة ال تكتمل إال بعدل حاكمها‪.‬‬

‫ثانٌا‪ -‬المساواة‪ :‬وهً أنواع‪ ،‬منها المساواة االجتماعٌة‪ ،‬إذ ال مفاضلة بٌن ال ّناس إال بالتقوى‪ ،‬والعمل‬
‫الصّالح‪ ،‬قال تعالى‪ ((:‬وقل اعملوا فسٌرى هللا عملكم ورسولُ ُه والمممنون)) وهذا هو مدار ال ّنظرٌات‬
‫الحضارٌة عند ك ّل من ابن خلدون وهو عنده (أي العمل الصالح) ٌُقابل مصطلح "الكسب" ‪ ،‬وعند مالك‬
‫بن نبً هو م ّ‬
‫ُلخصٌ فً عبارة "المنطق العملً" التً سبق تفصٌل القول حولها‪.‬‬

‫ومن أنواع المساوات‪ ،‬المساواة أمام القانون‪ ،‬فالدولة العادلة تستمد سلطانها من القانون‪ ،‬واإلسالم من‬
‫منظور التنزٌل الحكٌم‪ٌُ ،‬فرّ ق بٌن السلطة و وال ّدولة‪ ،‬وٌجعل السّبطة خاضعة للقانون‪ ،‬ولٌس العكس‪ ،‬كما‬
‫ٌأمر بأن ال تكون الطاعة إال للقانون مهما كان نوع الحكم‪ ،‬وهذا ٌقضً بفصل السلطات عن بعضها‬
‫البعض‪ ،‬وهو صلب مبدأ الشورى فً القرآن الكرٌم‪ ..‬الذي ٌنتقل من األفراد إلى الممسّسات‪ .‬والنبً‬
‫الكرٌم علٌه أفضل الصالة والتسلٌم‪ ،‬هو أوّ ل من أرسى مبدأ الفصل بٌن السلطات فً التجربة األولى‬
‫لل ّدولة المدنٌة عبر التارٌخ‪ ،‬حٌث كان (ص) ٌقضً بٌن الناس على ضوء التشرٌع القرآنً‪ ،‬لٌبٌن للناس‬
‫أن الطاعة للقانون ولٌس لألشخاص‪ ،‬وأنه علٌه الصالة والسالم‪ ،‬مُطاع بحكم تأٌٌده بالرسالة‪ ،‬وهذا‬
‫واضح فً قوله تعالى‪ (( :‬ومن ٌُطع الرسول فقد أطاع هللا ومن تولىّ فما أرسلناك علٌهم حفٌظا)) النساء‬
‫‪ .58‬وكان هذا هو دٌدن الرسل جمٌعهم‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ٌ (( :‬ا داوود إ ّنا جعلناك خلٌفة فً األرض‬
‫بالحق وال تتبع الهوى فٌُضِ لّك عن سبٌل هللا)) سورة ص ‪.22‬‬
‫ّ‬ ‫فاحكم بٌن الناس‬

‫‪1‬‬
‫كما ٌُصوّ ر النبً الكرٌم فً سٌرته أروع معانً المساواة بٌن الرمساء والمرموسٌن‪ ،‬ومثال ذلك‪ ،‬ما‬
‫حدث حٌن تقاضاه (ص) غرٌ ٌم له فأغلظ علٌه‪ ،‬فه ّم عمر بن الخطاب (غضبانا)‪ ،‬فأنكر علٌه النبً (ص)‬
‫‪1‬‬
‫ذلك وقال له‪َ " :‬مه ٌا عمر ُ‬
‫كنت أحوج أن تأمُرنً بالوفاء‪ ،‬وكان أحوج أن تأمرهُ بالصّبر"‬

‫ثالثا‪ -‬ضمان الحر ٌّات‪ :‬وعلى رأسها الحرٌة العقدٌة‪ ،‬عمال بقوله تعالى‪ (( :‬ال إكراه فً ال ّدٌن)) وقوله‬
‫تعالى‪ (( :‬فذ ّكر إنما أنت مُذ ّكر لست علٌهم بمُصٌطر)) لذلك "نجد أن الخلقاء الراشدٌن‪ ،‬فً تارٌخ‬
‫الحضارة اإلسالمٌة قبلوا الكنٌسة ال ّنصرانٌة والكنٌس الٌهوديّ ‪ ،‬فً المدن التً كانوا أسٌادها"‪.2‬‬

‫ث ّم تأتً الحرٌّة السٌاسٌّة‪ ،‬وتعنً حرٌة تقلد المناصب ألصحاب الكفاءة‪ ،‬وبمطالعة صفحات من تارٌخ‬
‫الحضارة اإلسالمٌة نجد أن قبول الدولة اإلسالمٌة بالٌهود والنصارى –الباقٌن على ملّتهم‪ -‬كان ٌصل بهم‬
‫إلى أعلى المناصب فً ال ّدولة‪ ،‬كإدارة بٌت الحكمة فً عهد الخلٌفة المأمون من قبل الطبٌب ال ّنصرانً‬
‫حُ نٌن بن إسحاق‪ ..‬كما أن المناصب لم تكن ُتمن ُح على أساس القربى وال المُحاباة فً عصور الدولة‬
‫اإلسالمٌة الزاهرة‪.‬‬

‫حسٌن الحاج حسن‪ ،‬ال ّنظم اإلسالمٌة‪ ،‬ص ‪ ،92‬نقال عن زاد المٌعاد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.28‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫روجً غارودي‪" ،‬وعود اإلسالم" ‪ ،‬ص ‪.82‬‬

‫‪2‬‬
‫محاضرة‪ :‬الدّعائم الدٌنٌة واألخالقٌة لل ّدولة اإلسالمٌة‬

‫تلك األسس‪ ،‬هً مٌزات فً نظام الحكم اإلسالمً‪ ،‬من شأنها أن تخلق التوازن والتناغم بٌن ال ّدولة‬
‫والفرد‪ ،‬وكذا التعاون‪ ..‬هذا التعاون ٌت ّم بحسب مالك بن نبًّ أوّ ل األمر على أساس عقدي ٌغرس فً‬
‫الفرد والمواطن القابلٌة واالستعداد للتضحٌة‪ ،‬وهذه هً الوظٌفة االجتماعٌة لل ّدٌن فً نظرٌة األستاذ بن‬
‫نبً‪ ،‬كما أن العامل الثانً الذي ٌخلق التجانس بٌن عمل األفراد وعمل ال ّدولة هو عامل األخالق ألنّ‬
‫السٌاسة بدون أخالق فٌها خراب لألمم‪.‬‬

‫و من بٌن هذه ال ّدعائم الدٌنٌة واألخالقٌة الضرورٌة لبناء الثقة بٌن الدولة والمجتمع فً الحضارة العربٌة‬
‫االسالمٌة‪ ،‬نجد‪:‬‬

‫والرعٌة‪ :‬وفً سٌرة النبً‬


‫ّ‬ ‫أوال‪ -‬حسن المعاملة بٌن الرئٌس والمرؤوس او بٌن الخلٌفة‬
‫الكرٌم‪ ،‬وقصص الخلفاء الراشدٌن الكثٌر من هذه النماذج‪ ،‬التً ّ‬
‫ٌلخصها قول النبً الكرٌم لألعرابً‪:‬‬
‫"هوّ ن علٌك إ ّنما أنا ابن امرأة كانت تأكل الق ّدٌد فً م ّكة" أو كما قال علٌه الصالة والسالم‪.‬‬

‫ثانٌا‪ -‬الطاعة ألولً األمر ما داموا فً طاعة هللا تعالى‪ :‬وما دام الحاكم منضبطا بضوابط‬
‫ُ‬
‫أطعت‬ ‫الشرٌعة اإلسالمٌة‪ ..‬وٌم ّكد حدود مبدأ الطاعة‪ ،‬الخلٌفة أبو ٍ‬
‫بكر الصّدٌق‪ ،‬فً قوله ‪ ":‬أطٌعونً ما‬
‫هللا ورسوله"‪.‬‬

‫السٌاسٌة‪ :‬وهً صفات مطلوبة فً رجل السلطة المسلم‪ ،‬وها هو‬


‫ثالثا‪ -‬النزاهة والكفاءة والحنكة ّ‬
‫ذا الخلٌفة أبو بكر الصدٌق (رضً هللا عنه) ٌعزل أمٌن األمة عبٌدة بن الجراح (ر ض) ال ل ُن ٍ‬
‫قص فً‬
‫نزاهته أو فً كفاءته‪ ،‬ولكن لفطنة فً الحرب‪ ،‬فاقه فٌها خالد بن الولٌد‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫رابعا‪ -‬ال ّنقد ال ّذاتً‪ :‬و ٌضرب مثاال على ذلك مالك بن نبً فً كتابه "آفاق جزائرٌة" بأمٌر المممنٌن‬
‫عمر بن الخطاب الذي أحسّ نشوة الحكم‪ ،‬فما كان منه إال أن استدعى الصحابة رضوان هللا علٌهم‪ ،‬لٌقول‬
‫لهم ما مفاده أنه ال ٌعدو كونه مجرد راعً ماشٌة جعل منه اإلسالم أمٌرا!‬

‫سٌاسً‪ :‬حٌث ٌتساوى أمام واجبات الحاكم المسلم‪ ،‬األغنٌاء والفقراء واألعٌان‬
‫خامسا‪ -‬التواضع ال ّ‬
‫والعامّة من ال ّناس‪ ،‬وما قصّة عمر بن الخطاب (ر ض) مع المرأة التً ّ‬
‫خطأته أمام المأل ّإال مثال واحد‬
‫على ذلك‪ ..‬كما ٌقضً هذا التواضع التنازل عن السّبطة ألجل مصلحة األمّة‪.‬‬

‫مالحظة‪ٌُ :‬نظر لالستزادة فً موضوع المحاضرتٌن فً المراجع التالٌة‪:‬‬

‫د‪ .‬حسٌن الحاج حسن‪ :‬ال ُّن ُظم اإلسالمٌة‪ ،‬ط‪.1891 ،1‬‬

‫د‪ٌ .‬وسف حسٌن‪ :‬نقد مالك بن نبً للفكر السٌاسً الغربً الحدٌث‪ ،‬دار التنوٌر‪ ،‬ط‪.2002 ،1‬‬

‫روجً غارودي‪ :‬وعود اإلسالم‪ ،‬دار العالمٌة للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪.1892 ،1‬‬

‫أستاذة المقاس ج ّنان فاطمة الزهراء‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫النظام اإلقتصادي فً الحضارة اإلسالمٌة‬

‫التأسٌسات األولى للنظام اإلقتصادي فً الحضارة اإلسالمٌة‪:‬‬

‫عمل االسالم منذ بداٌاته األولى فً حكومة النبً صلى هللا علٌه وسلم على إرساء أسس خاصّة –تخالؾ‬

‫ال ّنظم السائدة‪ -‬فً باب إدارة المال واالقتصاد‪ ،‬وما إضافات الفقهاء وتفرٌعاتهم فً باب ال ّنظم إال تفرٌعات‬

‫و امتداد لبعض الوقائع الجزئٌة التً حدثت على عصر النبًّ (ص)‪ ..‬إذ كان عصر النبًّ نقطة االنطالق‬

‫لك ّل ما عرؾ فً االسالم من نظم وقوانٌن‪ .‬وٌمكن تلخٌص أسس النظام االقتصادي االسالمً فً‬

‫مجموعة مقوالت عام ّة‪:‬‬

‫إلؽاء الرّ ق عن طرٌق الك ّفارات‬

‫توزٌع المال عن طرٌق األعطٌات (وتدوٌنها فً دواوٌن الحقا)‬

‫إرساء قواعد التكافل والمساواة االجتماعٌة عن طرٌق الصّدقات وعلى رأسها ّ‬


‫الزكاة‪ ،‬وكذا األوقاؾ‪.‬‬

‫فكانت سٌاسة المال فً عهد النبً (ص) ومن تاله من الخلفاء الراشدٌن‪ ،‬سٌاسة تكفل العدالة االجتماعٌة‬

‫ّ‬
‫وتوزع ثروة المجتمع بالمساوات‪ .‬وقد حرص علٌه الصالة والسالم على تطبٌق تلك المقوالت بتفصٌالتها‬

‫فً ك ّل فرصة وفً ك ّل واقعة‪ .‬والشك أن القرآن الكرٌم عمل بآٌاته المباركة على إرساء تلك الدعائم‪،‬‬

‫وما عمل الرسول علٌه السالم إال تطبٌقات صارمة لتلك التعلٌمات القرآنٌة‪ ،‬وعلى رأسها تحجٌم الملكٌة‬

‫السماوات وما فً األرض)) البقرة ‪ ،486‬فالملكٌة فً ال ّنظام‬


‫وتنسٌبها‪ ،‬عمال بقوله تعالى (( هلل ما فً ّ‬

‫االقتصادي االسالمً تستند هلل تعالى وترجع إلٌه‪ ،‬ولٌس حقا ال لمجموعة وال لدولة –كما كان الحال فً‬

‫النظامٌن الرومانً والفارسً‪ -‬بل هً وظٌفة اجتماعٌة‪ ،‬وعلى المالِكِ كائنا من كان أن ٌق ّدم حسابا عن‬

‫ملكٌته إلى الجماعة‪ ،‬ألنه لٌس سوى مدٌرها المسإول‪ .‬بٌد أنّ اإلسالم ٌقرّ الملكٌة الشخصٌة المكتسبة‬
‫الهبة‪ ،‬ولكنّ العمل ٌقوم بال ّدور الرئٌسً‪ ،‬وقد ح ّدد حدٌث نبوي هذا بد ّقة ‪ ":‬إنّ‬
‫بالعمل أو اإلرث أو ِ‬

‫األرض هلل ولمن ٌعمرها" أو كما قال صلى هللا علٌه وسلّم‪.‬‬

‫كما أن مفهوم السوق باعتباره عامال اقتصادٌا مهما لقٌام المجتمعات‪ ،‬عرؾ تؽٌرا جذرٌا فً االسالم‪،‬‬

‫حٌث تلتقً فٌه القٌم االقتصادٌة و القٌم الخلقٌة‪ ،‬و هو وسٌلة ال ؼاٌة‪ٌ ،‬منع فٌه االحتكار والجشع والربا‬

‫منعا باثا‪ ،‬ومنه ظهر أول ما ظهر نظام الحِسبة‪ ،‬وهو ابتكار إسالمً‪ ،‬وٌعتبر الرسول صلى هللا علٌه‬

‫وسلم أوّ ل المحتسبٌن فً تارٌخ الحضارة اإلسالمٌة‪ ،‬فعن أبً هرٌرة أن رسول هللا مرّ على صبرة طعام‬

‫(أي كومة من الطعام) فؤدخل أصابعه فٌها فنالت أصابعه بلال‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هاذا ٌا صاحب ّ‬
‫الطعام؟ قال‪:‬‬

‫أصابته السّماء ٌا رسول هللا‪ ،‬فقال (ص) ‪ " :‬أفال جعلته فوق ّ‬
‫الطعام كً ٌراه ال ّناس‪ ،‬من ؼشّ فلٌس م ّنً"‬

‫(مسلم* كتاب اإلٌمان باب قول النبً من ؼشنا فلٌس م ّنا) كما استعمل النبً (ص) محتسبٌن من الصحابة‬

‫كسعٌد بن سعٌد بن العاص الذي جعله على سوق مك ّة‪ ،‬و كسمراء بنت نهٌك التً كانت تمر على‬

‫األسواق فً عهد النبً تؤمر بالمعروؾ وتنهى عن المنكر وتضرب بالسوط‪ ،‬وقد كان عمر رضً هللا‬

‫عنه محتسبا‪ٌ ،‬راقب األسواق بنفسه‪ ،‬وٌشرؾ على المحتسبٌن‪ ،‬ثم اتسع هذا المفهوم بتوالً العهود‬

‫االسالمٌة‪ ،‬ولم ٌعد حكرا على األسواق بل على كافة المعامالت فً الدولة االسالمٌة‪ ،‬حتى أصبح كثٌر‬

‫من المحتسبٌن ٌقٌم الحدود‪ ،‬وٌوقع العقوبات على األمراء والسالطٌن المخالفٌن‪ ،‬شؤنهم فً ذلك شؤن‬

‫الرعٌة! فما أحوجنا لمحتسبٌن فً هذا ّ‬


‫الزمان!؟‬

‫ُنظم اقتصادٌة فً الحضارة اإلسالمٌة‪:‬‬

‫ّ‬
‫*الزكاة‪ :‬هً أوّ ل ضرٌبة إسالمٌة فرضت على األؼنٌاء والقادرٌن‪ ،‬وٌعد مال الزكاة الذي ٌدفع للفقراء‬

‫حقا واضحا لهم بنصّ اآلٌة الكرٌمة‪ (( :‬والذٌن فً أموالهم ٌّ‬


‫حق معلوم للسائل والمحروم)) المعارج‬

‫‪ ،47-46‬ثم أمر هللا تعالى نبٌه الكرٌم‪ ،‬أن ٌؤخذها من أموال األؼنٌاء كً ٌر ّدها إلى الفقراء (( ُخذ من‬
‫ً‬
‫صدقة ُتط ّهرهم و ُتز ّكٌهم بها)) التوبة ‪ .305‬وٌشترط إلعطائها شرطان‪ ،‬هما بلوغ ال ّنصاب‪،‬‬ ‫أموالِ ِهم‬

‫ومرور الحول‪ .‬وهً ضرٌبة مفروضة لٌس على الرّ بح فقط بل على رأس المال‪ ،‬وتتٌح بالتالً إجراء‬

‫تحوّ الت اجتماعٌة‪ ،‬وهذا الشكل األولً عن الضمان االجتماعً لم تصل إلٌه بعض الدول الؽربٌة كفرنسا‬

‫إال فً منتصؾ القرن العشرٌن!‬

‫والزكاة أنواع كثٌرة‪ ،‬منها زكاة األموال‪ ،‬وزكاة الزروع والؽالّة من الثمار وكذا الحبوب‪ ،‬وزكاة‬

‫المواشً بؤنواعها‪ ،‬ولك ّل زكاة مقدار‪ ،‬وفٌها تفصٌل طوٌل فً كتب الفقهاء‪.‬‬

‫*الخراج‪ :‬هو مقدار من مخرجات األرض التً فتحها المسلمون إمّا عنوة أو صلحا‪ (،‬إما نقدا أو ؼالل)‬

‫جباٌة مال الخراج‪ ،‬وفً‬


‫ٌذهب لخزٌنة مال المسلمٌن‪ ،‬وقد كان من عادة الخلفاء أن ٌشرفوا بؤنفسهم على ِ‬

‫حال ال ّشك فً أمر الجباة‪ ،‬كانوا ٌحاسبون على ما جنوا‪ ،‬مطبّقٌن فً ح ّقهم دون تحٌُّز مبدأهم القائل‪ ":‬من‬

‫أٌن لك هذا؟‪ ،‬وهذا ما اصطلِح علٌه الحقا بنظام "المقاسمة"‪.‬‬

‫جز ٌَة‪ :‬هً مبلػ من المال ٌوضع على الرّ إوس ال على األرض كما فً الخراج‪ٌ ،‬دفعه ّ‬
‫الذمٌّون فً‬ ‫* ال ِ‬

‫البالد المفتوحة‪ ،‬وهً تإخذ من ثالثة أصناؾ بنسب متفاوتة‪:‬‬

‫‪ 3‬األؼنٌاء‬

‫‪ 4‬المتوسطون‬

‫‪ 5‬الفقراء من أصحاب الحِرؾ‪.‬‬

‫وال تإذ من المساكٌن والعاجزٌن والمقعدٌن وال على المجنون واألعمى وال المعاق وال الرّ هبان فً‬

‫األدٌرة وال المرأة وال الصّبًّ وال العبد المملوك‪.‬‬


‫ِ‬

‫*الوقف‪ :‬هو عمل من أعمال البرّ ٌرٌد به الواقؾ وجه هللا‪ ،‬وٌرجو به توازن المجتمع على أفضل‬

‫الوجوه‪ .‬وكثٌرا ما ٌؤخذ الفًء صفة الوقؾ‪ ،‬وقد أعطاه النبً (ص) فً ؼزوة ال ّنظٌر للمهاجرٌن الفقراء‬
‫دون األنصار األؼنٌاء ما عدا رجلٌن فقٌرٌن منهم‪ ،‬رؼبة منه علٌه الصّالة والسّالم فً إعادة التوازن‬

‫االجتماعً بٌن المهاجرٌن واألنصار‪ ،‬عمال بقوله تعالى‪(( :‬كً ال ٌكون دولة بٌن األغنٌاء منكم)) عالجا‬

‫للتفاوت االجتماعً الملحوظ‪.‬‬

‫*نظام التورٌث اإلسالمً‪ :‬وقد فصّل هللا تعالى القول فٌه فً سورة ال ّنساء‪ ،‬كوسٌلة لتفتٌت الثروات‬

‫الكبٌرة أو رإوس األموال‪ ،‬وإٌصال ال ّنفع لمختلؾ األقرباء مع مالحظة درجة القربى من المتو َّفى‪.‬‬

‫ما ٌمكن استنتاجه مما سبق أن نظام االقتصاد االسالمً هو نظام ٌح ّقق العدالة االجتماعٌة وٌبنً مجتمعا‬

‫متساو ومتسام فً اآلن نفسه‪ ،‬فما أحوجنا إلى العودة إلٌه‪ ،‬وما أجدره بؤن ٌكون نظاما عالمٌا وسطا بٌن‬

‫ح ّدي الرأس مالٌة واالشتراكٌة‪.‬‬

‫ٌُنظر لالستزادة‪:‬‬

‫روجً ؼارودي‪ :‬وعود اإلسالم‪.‬‬

‫الدكتور صبحً الصّالح‪ :‬ال ّنظم اإلسالمٌة نشؤتها وتطوّ رها‪.‬‬

‫الدكتور راؼب السرجانً‪ :‬مقال نظام الحسبة فً الحضارة اإلسالمٌة‪ .‬موقع قصّة اإلسالم‪.‬‬

‫أستاذة المقٌاس‬

‫د‪ .‬ج ّنان فاطمة ّ‬


‫الزهراء‪.‬‬
‫ال ّنظام االجتماعً فً الحضارة االسالمٌة‬

‫ُ‬
‫ذات أهداف سامٌة‪ ،‬على‬ ‫إنّ ال ُّن ُ‬
‫ظم السٌّاسٌة وال ّنظم االقتصادٌة فً الحضارة االسالمٌة‬

‫رأسها تحقٌق المساواة االجتماعٌة والسّهر على حماٌتها‪ ،‬بما ٌكفل توازن المجتمع‬

‫واستمرارٌته‪ ،‬واستِقراره‪ ،‬ذلك أنّ اختِالل ال ّنظامٌن السٌّاسً أو االقتصادي أو كلٌهما‬

‫ت طبقًّ وصراعا ٍ‬
‫ت طبقٌّة‪،‬‬ ‫سٌؤ ّدي بال ّ‬
‫ضرورة إلى خلق مشاكل اجتماعٌة جسٌمة‪ ،‬من تفاو ٍ‬

‫ناتِج ٍة عمّا قد ٌكون استبداداً ٌج ّر احتكارا ث ّم غنى باذخا لطبق ٍة من المُترفٌن هم فً الغالب‬

‫طبقة ال ُح ّكام و بطانتهم‪ ،‬وفً المقابل تخلق طبقة مُعدمة‪ ،‬فقٌرة تتولّد فٌها بال ّتقادم روح‬

‫ّ‬
‫الثورة والسّخط وهو ما ٌسمٌه أرنولد تونبً بالتحدي الداخلً أو النقمة االجتماعٌة! فالظلم‬

‫كما ٌقول ابن خلدون "مؤ ِذنٌ بخراب العمران"‪ ،‬وهو ٌج ّر الحضارة نحو آخر مراحلها‪،‬‬

‫مرحلة االنحالل والجمود وقلّة الروح المُبدعة‪.‬‬

‫بٌنما ٌضمن ال ّتنظٌ ُم السّلٌم للعالقات‪ ،‬بٌن األفراد‪ ،‬وبٌنهم وبٌن ال ّدولة‪ٌ ،‬ضمن السّلم‬

‫والعٌش الكرٌم‪ ،‬وهما المطلبان الرّئٌسٌان لقٌام الجماعة‪ ،‬ومنه قوله تعالى فً سورة قرٌش‪:‬‬

‫جوع وءا َمنهم من خوف))‪ .‬كما ٌكفل العدالة‬


‫ٍ‬ ‫رب هذا البٌ ِ‬
‫ت الذي أطع َم ُهم من‬ ‫((فلٌعبدوا ّ‬

‫االجتماعٌة‪ ،‬وهذا هو بال ّتحدٌد صُلب ال ّنظام االجتماعًّ االسالمً‪ ،‬والذي ٌقوم على‬

‫مجموعة من األسس‪ ،‬أهمّها‪:‬‬

‫‪ -1‬العدل المطلق بٌن ال ّناس‪ ،‬بدءا من نظام الحكم ال ُّشوريّ ‪ ،‬وتقلّد المناصب بالكفاءة‪،‬‬

‫وصوال إلى الحكم بٌن ال ّناس بالعدل‪ ،‬ال على أساس عرقًّ ‪ ،‬أو قرابة عائلٌة‪ ،‬أو تع ّ‬
‫ص ٍ‬
‫ب‬
‫سٌاسًّ ‪ ،‬عمال بقوله تعالى‪ (( :‬وإن حكمت بٌن ال ّناس فاح ُكم بٌنهم بالقِسط)) وقوله تعالى‪:‬‬

‫قوامٌن بالقسط ُ‬
‫شهداء هلل ولو على أنفسكم أو الوالدٌن أو‬ ‫(( ٌا أ ٌّها الذٌن آمنوا كونوا ّ‬

‫األقربٌن)) ال ّنساء‪ .‬و وقائع الحّكام المسلمٌن منذ عهد ال ّنبً (صلى هللا علٌه وسلّم) أكثر من‬

‫بذرع جاء ٌتخاص ُم‬ ‫أن ُتحصى‪ ..‬ومنها على سبٌل المثال حكم عمر بن الخ ّ‬
‫طاب للٌهوديّ‬
‫ٍ‬
‫علٌها‪ ،‬هو و علًّ (كرم هللا وجهه)‪ .‬كما أن النظام االجتماعً االسالمً أعطى ألهل الذمة‬

‫وهم المعاهدون من الٌهود والنصارى الذٌن ٌعٌشون فً بالد االسالم‪ ،‬وقد أطلق علٌهم هذا‬

‫االسم ألنّ النبًّ (ص) أعطاهم ذمّته وأمانته وقد أثنى علٌهم وأوصى بهم خٌرا‪ ،‬و قد تساووا‬

‫فً الحقوق مع المسلمٌن لدرجة أنهم تقلّدوا فً تارٌخ الحضارة االسالمٌة أرقى المناصب‬

‫اإلدارٌة والوزارٌة‪ .‬ومن الشهادات البارزة‪ ،‬ما قاله آدم متز فً كتابه "الحضارة االسالمٌة‬

‫فً القرن الرابع الهجري" ‪ " :‬ومن األمور التً نعجب لها كثرة عدد العمال غٌر المسلمٌن‬

‫فً الدولة االسالمٌة‪ ،‬فكان النصارى هم الذٌن ٌحكمون المسلمٌن فً (بعض) بالد‬

‫المسلمٌن‪!"..‬‬

‫شهادة‪ ،‬ومنه العدل فً منح األُعطٌات وتقسٌم‬


‫و من العدل كذلك‪ ،‬اشتراط العدل فً ال ّ‬

‫األموال‪.‬‬

‫‪ -2‬صٌانة األعراض‪ :‬بتعزٌر القاذِف‪ ،‬ومنع اقتحام البٌوت‪ ،‬وال ّنهً عن ال ّتجسّس والغٌبة‬

‫ّ‬
‫والحث على ال ّزواج‬ ‫وال ّنمٌمة‪ ،‬وال ّتش ّدد فً فاحشة ال ّزنى‪ ،‬وال ّدعوة إلى اجتناب ال ّ‬
‫شبهات‪.‬‬

‫وال ّترغٌب فٌه‪ ،‬وتنظٌم شؤون األسرة‪ ،‬على عكس ما كان سائدا فً الٌوتوبٌات المجتمعٌة‬

‫الٌونانٌة وال ّرومانٌة‪ ،‬من شٌوع الجنس والمرأة واختالط األنساب وتفشً الفوضى!‬
‫كما صان اإلسالم فً إطار المُساواة كرامة المرأة فً أسرتها‪ ،‬بعد أن طالها ّ‬
‫الظلم والوأد فً‬

‫وفرض فً األسرة حقوقا و واجبات متبادلة‪ .‬وإذا‬ ‫وبنتاً‪،‬‬ ‫ً ُ‬ ‫الجاهلٌة‪ ،‬فكرّمها أُمّا‬
‫َ‬ ‫وزوجة وأختا ِ‬

‫قار ّنا بٌن القواعد القرىنٌة‪ ،‬وقواعد المجتمعات السّابقة له‪ ،‬نجد بأ ّنها تد ّل على تق ّدم أكٌد‪،‬‬

‫وبخاصّة بال ّنسبة ألثنا وروما اللتٌن كانت المرأة تع ّد فٌهما قاصِ رة إلى األبد بٌنما تملك‬

‫الحق بالمُساواة االجتماعٌة‪ ،‬والمِلكٌّة ال ّ‬


‫شخصٌة‪ ،‬واإلرث –بعد أن‬ ‫ّ‬ ‫المرأة فً القرآن الكرٌم‬

‫وحق طلب ّ‬
‫الطالق‪ ،‬هذا الحق الذي لم تكسبه المرأة فً الغرب إالّ‬ ‫ّ‬ ‫كانت ُتور ُ‬
‫ث مع المتاع!_‬

‫بعد ثالثة عشر قرنا من بعد نزول ال ّرسالة المحمدٌة‪.‬‬

‫خالصة القول بالنسبة لل ّنظام االجتماعً فً اإلسالم أنه كرّس التوازن داخل المجتمع بٌن‬

‫سائر طبقات المجتمع‪ ،‬ما جعل الحضارة االسالمٌة تعمّر طوٌال‪.‬‬

‫لالستزادة فً موضوع المحاضرة ٌنظر‪:‬‬

‫آدم متز‪ ،‬الحضارة االسالمٌة فً القرن الرابع الهجري" ترجمة محمد عبد الهادي أبو رٌدة‪.‬‬

‫الدكتور حسٌن الحاج حسن‪" ،‬ال ُّن ُ‬


‫ظم االسالمٌة"‪.‬‬

‫روجً غارودي‪" ،‬وعود اإلسالم"‪.‬‬

‫أستاذة المقٌاس‬

‫د فاطمة الزهراء ج ّنان‬

You might also like