Professional Documents
Culture Documents
مرحلة البداوة :وهً أصل الحضارة ،تقوى فٌها عصبٌه القبٌلة والحماٌةز
أوال :مزاٌا األرض أو عامل التراب وهو محل استخراج المواد األولٌة.
ثانٌا :مزاٌا الحكومة وهو ما ٌجب توفٌره للسكان من الحماٌة والعدل فً تقسٌم
الفرص والموارد ،هذه المزاٌا ٌتحرك وفقا لها السكان وهم ٌخلقون الحضارة خلقا
بعد خلق ،فً مراحل صناعٌة تبدأ من الصناعات الضرورٌة ،كالزراعة والنسٌج
وصوال الى صناعة وسائل الترف تبعا لحاجات السكان وكذا الصناعات الفكرٌة
كصناعة الورق والخط وعلوم اللسان .
-فكرة الدورة-
ٌنطلق مالك بن نبً فً بناء نظرٌته حول الحضارة من نفس المعمل الذي انطلق
منه ابن خلدون أي من التارٌخ باعتباره مخبر التجارب والصورة التطبٌقٌة للسنن
االجتماعٌة.
وٌؤسسك ابن نبً نظرٌته على مبدأ الدورة او الحتمٌة التارٌخٌه أو مبدأ السننٌة
كما ذكرها القرآن الكرٌم (( :سنه هللا التً قد خلت من قبل ولن تجد لسنه هللا
تبدٌال)) الفتح اٌه . 84وحول مبدأ الحتمٌة الحضارٌة ٌقول مالك بن نبً ":إذا
نظرنا الى االشٌاء من الوجهة الكونٌة فإننا نرى الحضارة تسٌر كما تسٌر الشمس
فكأنها تدور حول األرض مشرقة فً أفق هذا الشعب ،ثم متحولة الى أفق شعب
آخر" شروط النهضه صفحه . 48وقد هداه فكره العلمً إلى وضع معادلته
الكٌمٌائٌة حول الحضارة وهً أن (الحضارة = إنسان +التراب +وقت) وٌعمل
الدٌن فً هذه المعادلة دور المركب الذي ٌلحم العناصر فً ما بٌنها ،حٌث ٌتفاعل
االنسان أول األمر مع الفكرة الدٌنٌة أو المنهج القرآنًٌ ،نطلق بعدها فً تفاعل
مع ما سخره له هللا تعالى من األرض ..وفً ظرف زمانً معٌن (ٌصبح فٌما بعد
إطارا تارٌخٌا) ٌبنً الحضارة وفق منحنى بٌانً ٌوضحه مالك بن نبً فً كتابه
شروط النهضة.
مهمة الفكرة إخضاع غرائز اإلنسان الفطري أو الطبٌعً لعملٌة شرطٌة ،وذلك
بضبطها بقواعد نظام روحً معٌن وهذا ٌنتج لنا الطور األول من اطوار
الحضارة ،وهو مرحلة الروح ،ومع توسع المجتمع االسالمً الروحً تظهر
ضرورات جدٌدة ومقاٌٌس مستجدة تذهب بالحضارة نحو منعطف جدٌد هو
منعطف العقل ،و هذه تسمى مرحله العقل ،و فٌها ازدهرت العلوم والفنون والنظم
فً الحضاره االسالمٌة كما ٌرى مالك بن نبً .ومع علو سلطان العقل تبدأ
الغرائز بالخروج تدرٌجٌا من سلطة الروح لنصل إلى الطور الثالث من أطوار
الدورة الحضارٌة وهو طور الغرٌزة ،وهنا تنتهً الوظٌفه االجتماعٌه للفكرة
الدٌنٌةٌ ،ختل تفاعل االنسان مع المنهج القرانً!
محاضرات مقٌاس :مدخل إلى الحضارة
إن بداٌة أٌة دورة حضارٌة تقتضً التحام الفكرة الدٌنٌة مع االنسان الطبٌعً أو إنسان الفطرة كما ٌسمٌه
مالك بن نبً ،وهذه الفكرة الدٌنٌة تمثل فً الحضارة اإلسالمٌة المنهج القرآنً المتكامل ،والذي ٌسمٌه
مالك بن ننبً بالمبدأ القرآنً.
ُ
ٌنظر بن نبً لهذا المبدأ نظرتٌن ،األولى تارٌخٌة فٌسرد تطبٌقات المسلمٌن التارٌخٌة المفصلٌة فً
الدورة الحضارٌة ،منذ نزول الوحً وصوال إلى حادثة صفٌّن ثم عصر الموحدٌن وتبعاته التً ال زالت
تعشش فً واقعنا المعاصر..
أما النظرة الثانٌة فهً نظرة معاصرة ،راهنة حول مدى إمكانٌة تطبٌق المنهج القرآنً وما ٌقتضٌه هذا
التطبٌق من توجٌهات أولٌة لعنصر اإلنسان المسلم ،فً الدورة الحضارٌة.
-فكرة التوجٌه:
هً فكرة إلعادة هٌكلة إنسان ما بعد الحضارة أو اإلنسان "المشوه حضارٌا" إلعادته إلى " إنسان
الفطرة" عم طرٌق توجٌه ثالثة عناصر من مكوناته الرئٌسٌة ،وهً:
-1توجٌه الثقافة:
عمل بن نب ً على تقسٌم الثقافة ،باالنتقال بها من مفهومها العام كطابع سلوكً اجتماعً إلى مجموعة
مكونات رئٌسٌة ،لتسهل عملٌة التوجٌه ،وهذه تاعناصر هً:
وقد ركز بن نبً على توجٌه المحورٌن األولٌن ،ألنهما-بحسبه -عماد لبقٌة المحاور
*التوجٌه األخالقً:
ٌمثل بأصله الدٌنً ،المتلخص فً قوله تعالى((وألّف بٌن قلوبهم))األنفال 63لُحمة المجتمع اإلنسانً
وأساس صالته التً ستنبع منها فٌما بعد العلوم والفنون والصّناعاتٌ .قول بن نبً" :وهكذا سنصل فً
النهاٌة إذا ما تتبعنا كل مظهر من مظاهر الحضارة ...إلى الروابط الدٌنٌة األولى التً بعثت هذه
1
الحضارة"
*التوجٌه الجمالً:
ٌمثل الذوق العام الذي ٌصدر عنه المجتمع ،وهو فً الحضارة اإلسالمٌة ٌمثل "اإلحسان" كصورة
نفسٌة للجمال..
ومن خالل هذٌن العنصرٌة ٌكمن الفرق الجوهري بٌن الحضارتٌن اإلسالمٌة والغربٌة ،فبٌنما تقدم
األولى المبدأ األخالقً على الذوق الجمالً نجد الثانٌة وعلى العكس منها تقدم الذوق الجمالً على المبدأ
األخالقً وهذا منعكس تماما فً واقعهم ،الفنً بالخصوص!
*المنطق العملً:
ٌتلخص توجٌهه ،فً قول مالك بن نبً " :إن الذي ٌنقص المسلم لٌس منطق الفكرة ،ولكن منطق العمل
2
والحركة( )...فالمجتمع اإلسالمً الٌوم ال ٌعٌش طبقا لمبادئ القرآن بل إنه ٌتكلم تبعا لمبادئ القرآن"
*الصناعة:
ّ
وٌتم توجٌهها بحسب بن نبً عن طرٌق إنشاء معهد للتوجٌه الفنًّ لٌحُ ّل نظرٌا وعملٌا المشكلة الخطٌرة
للتربٌة المهنٌة ..فكل الفنون والمهن والقدرات وتطبٌقات العلون تدخل فً مفهوم الصناعة.
1
مالك بن نبً ،شروط النهضة ،ص .96
2
نفسه ،ص.103
-2توجٌه العمل:
وذلك بتربٌة الفرد على فكرة العمل كقٌمة اجتماعٌة للوقت ،لتأتً بعد هذه القٌمة ،فكرة "الكسب"
الشائعة ..واآلٌات القرآنٌة الدالة على قٌمة العمل كثٌرة .منها قوله تعالى((فالٌوم ال ُتظلم نفسٌ شٌئا وال
ُتجزون إال ما كنتم تعملون)) ٌس .54
وٌقصد بن نبً برأس المال "المال المتحرك" وهو اآللة االجتماعٌة التً تنهض بالتقدم المادي ،فاستغالل
المواد األولٌة ثم المصانع التً تحوّ ل فٌها تلك المواد إلى سلع ومنتجات ،ثم األسواق التً ُتصرف فٌها
تلك السّلع ..وما ٌخلق ذلك من مناصب عمل وعالقات اقتصادٌة وقوة تموٌلٌة.
نظرٌة تونبً الحضارٌة
-التحدي واالستجابة-
إن التارٌخ الحضاري بالنسبة ألرنولد تونبً هو مجموعة من التحدٌات واالستجابات ،التً تؤدي إلى
مٌالد الحضارة ونموها ثم انحاللها وانهٌارها ..بحسب طبٌعة التحدي ونوع االستجابة.
-1التحدّي:
إن السهولة(أو الترف بالتعبٌر الخلدونً) هً عدوّ ة الحضارة ،وإن الظروف السّهلة ال الصعبة ،هً
تحدٌات تستثٌر فً األمم قٌام الحضارات .والتحدٌات بالنسبة لتونبً أنواع:
*التحدٌات الطبٌعٌة :وهً نوعان :تحدي األرض الصعبة كما هو حال العرب فً شبه الجزٌرة العربٌة
أو المجتمع المصري على ضفاف نهر النٌل قبل االستصالح فً زمن الحضارة الفرعونٌة .وكذا تحدي
األرض البكر أو الجدٌدة.
الضغوط الخارجٌة.
وهذه التحدٌات درجات :فهناك تحد ضعٌف ،وتح ّد قوي ،وتح ّد متوسط ،وهذا األخٌر بحسب تونبً هو
الوحٌد الذي ٌح ّفز على تحقٌق استجابة ناجحة.
-2االستجابة:
ٌتوقف مٌالد الحضارة على نوع االستجابة التً تقدمها الفئة المبدعة أو األقلٌّة الحاكمة ،فتونبً كمالك
بن نبً قد أعطى للفاعلٌة اإلنسانٌة ال ّدور المحوري والرئٌسً فً تولٌد الحضارات.
انهٌار الحضارة ثم انحاللها أو جمودها :و ذلك عند فقدان الروح المبدعة ،والتحول إلى حالة التسلط
والقهر من قبل األقلٌة الحاكمة.
هو مجتمع متناغم عن طرٌق استجابة األكثرٌة (الشعب) للفئة الحاكمة بطرٌقة المحاكاة اآللٌة .وٌلعب
الدٌن فً هذا المجتمع دور إنعاش الشعور بالواجب االجتماعً.
وال ٌمكن إنقاذ الحضارة من اإلنهٌار-بحسب تونبً -إلى بعاملٌن اثنٌن ،أولهما وقائً وهو التخلً عن
الحروب والثانً بنائً وهو الرجوع إلى الدٌن ،وذلك عن طرٌق حركة ثنائٌة تتمثل فً (اعتكاف/
عودة) ،االعتكاف ألجل التزود الروحً ،ثم العودة الفاعلة للتطبٌقً المجتمعً ،وٌضرب تونبً مثاال
على ذلك شخصٌة النبً محمد (صلى هللا علٌه وسلم).1
1
ٌنظر :زٌاد عبد الكرٌم النجم :تونبً ونظرٌته التحدي واالستجابة.
ال ّنظم اإلسالمٌة فً صورتها المثالٌة
-الشرٌعة-
إن كلمة نظم هً جمع نظام ،وهً تدل على ك ّل شًء ٌراعى فٌه التنظٌم واالنسجام واالرتباط ،و ُن ٌ
ظم أٌة
دولة تتكون من مجموعة القوانٌن والمبادئ واألعراف ..التً تنهض علٌها حٌاة هذه الدولة وعالقات
الناس فٌها ..وٌمثل اإلسالم (عقٌدة وشرٌعة) قمة التصورات التً تنبنً علٌها تلك العالقات ،فالدولة
اإلسالمٌة قامت على أساس الشرٌعة ،وقد كانت لهذه الشرٌعة السٌادة القانونٌة المطلقة فً المجتمع
اإلسالمً ،وتتحدد حقوق األفراد فٌه و واجباتهم بموجب أحكامها المستمدة من نصوص القرآن الكرٌم
بكافة تشرٌعاته الساعٌة إلقامة مجتمع التوحٌد.
الشرٌعة قائمة على النص القرآنً. نظام إسالمً قائم على الشرٌعة اإلسالمٌة الدولة اإلسالمٌة
هو تشرٌع ٌتمٌز بعدة خصائص تكفل له الثبات والصالحٌة الدائمة وتمٌزه عن أي تشرٌع وضعًّ
بشري ،أو سماوي سابق كان صالحا لفترة زمنٌة محددة ،وزالت صالحٌته الذاتٌة بسبب ارتقاء العقل
اإلنسانً وتقدم الحٌاة البشرٌة .وأهم هذه الخصائص ما ٌلً:
-1كونه ربّانً المصدر :فهو وحً إلهً من هللا تعالى على ٌد جبرٌل األمٌن ،مطبوعا فً قلب النبً،
لحافِظون))الحجر آٌة نزلنا ّ
الذكر وإ ّنا له َ حفظا راسخا ال ٌتغٌر وال ٌتبدل ،ومنه قوله تعالى(( :إ ّنا نحن ّ
.9وهذه المصدرٌة تصبغ تشرٌعاته باألصالة والسالمة واإلحكام والصالحٌة لكل زمان ومكان.
-2كونه إنسانًّ النزعة :مرتفعا عن أٌة نعرة عنصرٌة ،جنسٌة أو قبلٌة أو إقلٌمٌة ..وإنما هو للناس
قاطبةٌ ،بتغً لهم الٌسر ورفع الحرج سواء فً نطاق العبادات أو العقود والمعامالت ..مصداقا لقوله
الٌسر وال ٌُرٌ ُد بكم العُسر))البقرة آ.185
َ تعالىٌ(( :رٌد هللا بكم
-3التوازن والوسطٌة :فٌه التوازن بٌن المصلحة العامة والمصلحة الخاصة :أو مصلحة الفرد و
الجماعة ،فال ٌذوب الفرد فً الجماعة وال طغٌان ألحدهما على اآلخر ((والسماء رفعها و وضع المٌزان
أالّ َ
تطغو فً المٌزان))الرحمن آ .8-7ومن مظاهر هذا التوازن إقرار الملكٌة الخاصة والحفاظ علٌها مع
جعلها ذات وظٌفة اجتماعٌة ت وجه نحو خٌر الجماعة ،وهذا ٌستدعً فً أذهاننا فكرة توجٌه رأس المال
فً نظرٌة ابن نبً الحضارٌة .وغٌر هذه النماذج كثٌر سٌحٌن أوان ذكرها فً التطبٌقات التارٌخٌة
للتشرٌع القرآنً .كما فٌه التوازن بٌن الترغٌب والترهٌب فهو تشرٌع ٌأمر بالمعروف وٌُر ّغب فٌه
وٌنهى عن المنكر وٌُن ّفر منهو ٌزجر فاعله ،ألن غاٌته أن ٌحقق فً المجتمع شٌئٌن متوازٌٌن هما :درء
المفاسد وجلب المصالح.
-4التكامل والشمول :فالتشرٌع القرآنً ال ٌقتصر على العالقات االجتماعٌة وحدها منعزلة عن الرقابة
اإللهٌة واالعتبارات األخالقٌة ،بل هناك تالزم وتوسع نحو شبكة من العالقات التالزمٌة أساسها عالقة
الفرد بخالقه ،وبنفسه وكذا بمجتمعه .كما أنه متالزم الصّلة بٌن العقٌدة والعبادة والشورى ،كما قال
تعالى(( والذٌن استجابوا لربّهم وأقاموا الصّالة وأمرهم شورى بٌنهُم و ِممّا َ
رزقناهُم ٌُنفِقون))الشورة آ
صوال إلى العالقات ال ّدولٌة.
.38شامل لقضاٌا الفرد والدولة انطالقا من العالقات األسرٌة ووُ ُ
-5المرونة :فبناء على الوضع التشرٌعً فً اإلسالم الذي ٌقضً بجواز االجتهاد فً تفهّم المراد من
النصوص من جهة ومن جهة أخرى االجتهاد الستنباط األحكام الشرعٌة للوقائع المُتج ّددة والتحدٌات
المستج ّدة عبر الزمان والمكان.
وتأتً السّنة النبوٌة الشرٌفة فً تأسٌساتها المجتمعٌة األولى ،ل ُتبٌّن لنا أوجه التطبٌق الفعلًّ والمثالً
للتشرٌعات الرّ بانٌة فً المجتمع اإلنسانً.
صور من تطبٌقات ّ
النظم القرآنٌة فً الحضارة اإلسالمٌة
-ال ّنظام ّ
السٌاسً-
بما أن الدولة هً وسٌلة تأسٌس المُدن وبناء الحضارات ،عن طرٌق بسط حكومتها ،فإننا سنتطرق أوّ ل
األمر إلى ال ّنظام السٌّاسً فً تارٌخ الحضارة اإلسالمٌة ،فالسٌّاسة ّ
تمثل قمّة التفاعل بٌن العالقات فً
المجتمع الواحد ،وتطوُ رُ ها فً الحضارة اإلسالمٌة ،جاء مرتبطا بمستوى وعً(فقه) األحكام الشرعٌة
وتطبٌقها على مستوى األفراد والجماعات (وهو ما ٌسمى بالسٌاسة الشرعٌة ،بوازع الحُ كم أو السلطان
الوازع أفضى ذلك إلى الهرج المؤذن بهالك البشر وانقطاعهم ،مع أن حفظ النوع من
َ "فما لم ٌكن الحاك ُم
مقاصد الشرع الضرورٌة" .1وعلى عاتق النظام السٌاسً تقع مسؤولٌة تطبٌق بقٌة ال ّن ُ
ظم اإلدارٌة
واالقتصادٌة واالجتماعٌة.
-1الخالفة:
إن أوّ ل تح ّد واجه الحضارة اإلسالمٌة بعد وفاة الرسول (صلى هللا علٌه وسلم)-تبعا لنظرٌة تونبً
الحضارٌة -هو تحدي الخالفة وكٌفٌة وضع نظام لها ،إذ لم ٌكن من السهولة أن ٌخلف الرسول (ص)
شخص معٌّن ،وهو لم ٌوصً صراحة بالخالفة ألحد" ..والخالفة فً لسان المسلمٌن ،و ُترادفها اإلمامة،
هً رٌاسة عام ٌّة فً أمور ال ّدٌن وال ّدنٌا نٌابة عن الرسول (صلى هللا علٌه وسلم)" 2أو هً كما قال ابن
خلدون ":خالفة عن صاحب الشرع فً حراسة الدٌن وسٌاسة ال ّدنٌا به" .3وتقع على عاتق الخلٌفة
مسؤولٌة تطبٌق الشرائع أو ال ّنظم القرآنٌة..
وٌبدأ بناء نظام الخالفة أول ما ٌبدأ باجتماع سقٌفة بنً ساعدة ،حٌث تم اإلجماع بعد التشاور والتداول
عمال بمدئ الشورى ،فً قوله تعالى(( وأمرهم شورى بٌنهم)) الشورى آ ،38فأجمعوا على خالفة
الصحابً الجلٌل أبً بكر الصدٌق ،ألسباب كثٌرة –منطقٌة -منها كون أبً بكر أول رجل دخل اإلسالم،
وأكثر الناس صحبة لرسول هللا ...وأنه أ ّم الناس فً الصالة أثناء مرض رسول هللا (صلى هللا علٌه
وسلم) ...وما إن تمّت البٌعة للصدٌق حتى قابلته تحدٌات جدٌدة ،قابلها هو اآلخر باستجابات ٌستدعٌها
الحافظ على نظام الدولة و وحدتها ..كحروب الرّ دة (مع مانعً الزكاة ومدعً النبوة)وبعد ضمان
1
ابن خلدون ،المقدمة ،ص .366
2
علً عبد الرزاق ":اإلسالم وأصول الحكم ،ص.113
3
مقدمة ابن خلدون ،ص.180
االستقرار الداخلً من جدٌد ،توجه الخلٌفة الراشدي نحو توسٌع نطاق الدولة ،ونشر دعوة اإلسالم خارج
حدودها ..لتستمر الفتوحاة طٌلة عهود الخلفاء الراشدٌن وما ٌلٌها.
وكان من شروط الخالفة :العلم والعدالة والكفاءة وسالمة الحواس واألعضاء ،وفً نظام الخالفة برزت
اخالفات كثٌرة بٌن العلماء ،خاصة ذلك الشرط المتعلق بالنسب القرشً ،فكان رأي الجمهور اشتراطه،
كم ا ورد فً كتاب الماوردي ،بٌنما ذهب فرٌق آخر إلى عدم اشتراط النسب القرشً ،ومنهم األنصار
ومن بعدهم الخوارج ،واعتمدوا فٌما ذهبوا إلٌه على اآلٌة الكرٌمة((إنّ أكرم ُكم عند هللا أتقاكم)) ،وقوله
(علٌه الصالة والسالم) لٌس لعربً على عجمًّ فض ٌل إال بال ّتقوى)) ،وذهب ابن خلدون إلى أن هذا
الشرط كانت العلة فٌه العصبٌة التً بها ٌكون اجتماع الكلمة ،فإنه ٌسقط بضعفها.
أما طرٌقة اختٌار الخلٌفة فتعتد على نظام الشورى ،عمال باألوامر العامة التً وردت فً الكتاب الكرٌم،
التً تتناول الخالفة وغٌرها ،كقوله تعالى(( وأمرهم شورى بٌنهم))الشورى .38وقوله عز وجل:
((واعتصموا بحبل هللا جمٌعا وال تفرقوا)) آل عمران .103دون ورود نص قطعً عن طرٌقة تعٌٌن
الخلٌفة ،كأن الشرٌعة أرادت أن تترك األمر للمسلمٌن ٌختارون من ُن ُ
ظم الحكم ما ٌالئم أحوالهم.
أما األولى فطرٌقة االنتخاب االستشارٌة بٌن األعٌان من الصحابة ،األنصار منهم والمهاجرٌن وهو الذي
حصل فً سقٌفة بنً سعد.
وأما الطرٌقة الثانٌة فهً طرٌقة العهد ،وهً أن ٌعهد الخلٌفة إلى شخص آخر بعده على أن ٌضاف إلى
هذا الترشٌح ،شرطً االستشارة مع أهل الحل والعقد ،وكذا موافقة العامة ورضاهم على ما اتفق علٌه
أهل الحل والعقد وهكذا عٌن عمر (رضً هللا عنه).
وأما الطرٌقة الثالثة فهً ترشٌح أشخاص كثر بدال من شخص واحدٌ ،تم االختٌار فٌما بٌنهم بالتراجح
وهكذا ُعٌّن عثمان (رضً هللا عنه).
ولكنّ األمر اختلف بعد مقتل اإلمام علً كرم هللا وجهه ،وتنصٌب معاوٌة بن أبً سفٌان ،وتحولت
الخالفة غإلى ملكٍ ٌؤول إلى صاحبه بالقوة والسٌاسة ،وبذلك ظهر نظام التورٌث حٌث تؤخذ البٌعة لولً
العهد من وجهاء الناس وكبار القواد!
وكان الخلٌفة بعد أن تتم البٌعة له ٌخطب فً المسلمٌن خطبة ٌبٌن فٌه منهجه الذي ٌعتزم السٌر علٌه فً
1
سٌاسته للمسلمٌن.
1
ٌُنظر :أبو زٌد شلبً ،تارٌخ الحضارة اإلسالمٌة والفكر اإلسالمً ،ص77-71
محاضرة :أُسس نظام الحكم فً اإلسالم
تقوم سٌاسة الدولة فً اإلسالم على تحقٌق كرامة اإلنسان ،وحرّ ٌته تبعا للتصور القرآنً ،الم ّ
ُلخص فً
قوله تعالى((وكرّ منا بنً آدم)) ،وهذا اإلنسان تكفل له حكومة ال ّدولة كرامته مهما كان عرقه أو عقٌدته
فً ظ ّل قوانٌن ربّانٌة عادلة ،ال ٌُظلم فٌها أحد.
أوال -العدل :عمال بقوله تعالى (( وإذا حكمتم بٌن الناس أن تحكموا بالعدل)) النساء .85وقال النب ًّ
محمد (صلى هللا علٌه وسلم)" :عدل ساعة خٌ ٌر من عبادة سبعٌن ً
سنة ،قٌا ُم لٌلها وصٌام نهارها" (جامع
السعادات ،ج ،2ص )212
ثانٌا -المساواة :وهً أنواع ،منها المساواة االجتماعٌة ،إذ ال مفاضلة بٌن ال ّناس إال بالتقوى ،والعمل
الصّالح ،قال تعالى ((:وقل اعملوا فسٌرى هللا عملكم ورسولُ ُه والمممنون)) وهذا هو مدار ال ّنظرٌات
الحضارٌة عند ك ّل من ابن خلدون وهو عنده (أي العمل الصالح) ٌُقابل مصطلح "الكسب" ،وعند مالك
بن نبً هو م ّ
ُلخصٌ فً عبارة "المنطق العملً" التً سبق تفصٌل القول حولها.
ومن أنواع المساوات ،المساواة أمام القانون ،فالدولة العادلة تستمد سلطانها من القانون ،واإلسالم من
منظور التنزٌل الحكٌمٌُ ،فرّ ق بٌن السلطة و وال ّدولة ،وٌجعل السّبطة خاضعة للقانون ،ولٌس العكس ،كما
ٌأمر بأن ال تكون الطاعة إال للقانون مهما كان نوع الحكم ،وهذا ٌقضً بفصل السلطات عن بعضها
البعض ،وهو صلب مبدأ الشورى فً القرآن الكرٌم ..الذي ٌنتقل من األفراد إلى الممسّسات .والنبً
الكرٌم علٌه أفضل الصالة والتسلٌم ،هو أوّ ل من أرسى مبدأ الفصل بٌن السلطات فً التجربة األولى
لل ّدولة المدنٌة عبر التارٌخ ،حٌث كان (ص) ٌقضً بٌن الناس على ضوء التشرٌع القرآنً ،لٌبٌن للناس
أن الطاعة للقانون ولٌس لألشخاص ،وأنه علٌه الصالة والسالم ،مُطاع بحكم تأٌٌده بالرسالة ،وهذا
واضح فً قوله تعالى (( :ومن ٌُطع الرسول فقد أطاع هللا ومن تولىّ فما أرسلناك علٌهم حفٌظا)) النساء
.58وكان هذا هو دٌدن الرسل جمٌعهم ،ومنه قوله تعالىٌ (( :ا داوود إ ّنا جعلناك خلٌفة فً األرض
بالحق وال تتبع الهوى فٌُضِ لّك عن سبٌل هللا)) سورة ص .22
ّ فاحكم بٌن الناس
1
كما ٌُصوّ ر النبً الكرٌم فً سٌرته أروع معانً المساواة بٌن الرمساء والمرموسٌن ،ومثال ذلك ،ما
حدث حٌن تقاضاه (ص) غرٌ ٌم له فأغلظ علٌه ،فه ّم عمر بن الخطاب (غضبانا) ،فأنكر علٌه النبً (ص)
1
ذلك وقال لهَ " :مه ٌا عمر ُ
كنت أحوج أن تأمُرنً بالوفاء ،وكان أحوج أن تأمرهُ بالصّبر"
ثالثا -ضمان الحر ٌّات :وعلى رأسها الحرٌة العقدٌة ،عمال بقوله تعالى (( :ال إكراه فً ال ّدٌن)) وقوله
تعالى (( :فذ ّكر إنما أنت مُذ ّكر لست علٌهم بمُصٌطر)) لذلك "نجد أن الخلقاء الراشدٌن ،فً تارٌخ
الحضارة اإلسالمٌة قبلوا الكنٌسة ال ّنصرانٌة والكنٌس الٌهوديّ ،فً المدن التً كانوا أسٌادها".2
ث ّم تأتً الحرٌّة السٌاسٌّة ،وتعنً حرٌة تقلد المناصب ألصحاب الكفاءة ،وبمطالعة صفحات من تارٌخ
الحضارة اإلسالمٌة نجد أن قبول الدولة اإلسالمٌة بالٌهود والنصارى –الباقٌن على ملّتهم -كان ٌصل بهم
إلى أعلى المناصب فً ال ّدولة ،كإدارة بٌت الحكمة فً عهد الخلٌفة المأمون من قبل الطبٌب ال ّنصرانً
حُ نٌن بن إسحاق ..كما أن المناصب لم تكن ُتمن ُح على أساس القربى وال المُحاباة فً عصور الدولة
اإلسالمٌة الزاهرة.
حسٌن الحاج حسن ،ال ّنظم اإلسالمٌة ،ص ،92نقال عن زاد المٌعاد ،ج ،1ص .28
1
2
روجً غارودي" ،وعود اإلسالم" ،ص .82
2
محاضرة :الدّعائم الدٌنٌة واألخالقٌة لل ّدولة اإلسالمٌة
تلك األسس ،هً مٌزات فً نظام الحكم اإلسالمً ،من شأنها أن تخلق التوازن والتناغم بٌن ال ّدولة
والفرد ،وكذا التعاون ..هذا التعاون ٌت ّم بحسب مالك بن نبًّ أوّ ل األمر على أساس عقدي ٌغرس فً
الفرد والمواطن القابلٌة واالستعداد للتضحٌة ،وهذه هً الوظٌفة االجتماعٌة لل ّدٌن فً نظرٌة األستاذ بن
نبً ،كما أن العامل الثانً الذي ٌخلق التجانس بٌن عمل األفراد وعمل ال ّدولة هو عامل األخالق ألنّ
السٌاسة بدون أخالق فٌها خراب لألمم.
و من بٌن هذه ال ّدعائم الدٌنٌة واألخالقٌة الضرورٌة لبناء الثقة بٌن الدولة والمجتمع فً الحضارة العربٌة
االسالمٌة ،نجد:
ثانٌا -الطاعة ألولً األمر ما داموا فً طاعة هللا تعالى :وما دام الحاكم منضبطا بضوابط
ُ
أطعت الشرٌعة اإلسالمٌة ..وٌم ّكد حدود مبدأ الطاعة ،الخلٌفة أبو ٍ
بكر الصّدٌق ،فً قوله ":أطٌعونً ما
هللا ورسوله".
3
رابعا -ال ّنقد ال ّذاتً :و ٌضرب مثاال على ذلك مالك بن نبً فً كتابه "آفاق جزائرٌة" بأمٌر المممنٌن
عمر بن الخطاب الذي أحسّ نشوة الحكم ،فما كان منه إال أن استدعى الصحابة رضوان هللا علٌهم ،لٌقول
لهم ما مفاده أنه ال ٌعدو كونه مجرد راعً ماشٌة جعل منه اإلسالم أمٌرا!
سٌاسً :حٌث ٌتساوى أمام واجبات الحاكم المسلم ،األغنٌاء والفقراء واألعٌان
خامسا -التواضع ال ّ
والعامّة من ال ّناس ،وما قصّة عمر بن الخطاب (ر ض) مع المرأة التً ّ
خطأته أمام المأل ّإال مثال واحد
على ذلك ..كما ٌقضً هذا التواضع التنازل عن السّبطة ألجل مصلحة األمّة.
د .حسٌن الحاج حسن :ال ُّن ُظم اإلسالمٌة ،ط.1891 ،1
دٌ .وسف حسٌن :نقد مالك بن نبً للفكر السٌاسً الغربً الحدٌث ،دار التنوٌر ،ط.2002 ،1
روجً غارودي :وعود اإلسالم ،دار العالمٌة للطباعة والنشر ،ط.1892 ،1
4
النظام اإلقتصادي فً الحضارة اإلسالمٌة
عمل االسالم منذ بداٌاته األولى فً حكومة النبً صلى هللا علٌه وسلم على إرساء أسس خاصّة –تخالؾ
ال ّنظم السائدة -فً باب إدارة المال واالقتصاد ،وما إضافات الفقهاء وتفرٌعاتهم فً باب ال ّنظم إال تفرٌعات
و امتداد لبعض الوقائع الجزئٌة التً حدثت على عصر النبًّ (ص) ..إذ كان عصر النبًّ نقطة االنطالق
لك ّل ما عرؾ فً االسالم من نظم وقوانٌن .وٌمكن تلخٌص أسس النظام االقتصادي االسالمً فً
فكانت سٌاسة المال فً عهد النبً (ص) ومن تاله من الخلفاء الراشدٌن ،سٌاسة تكفل العدالة االجتماعٌة
ّ
وتوزع ثروة المجتمع بالمساوات .وقد حرص علٌه الصالة والسالم على تطبٌق تلك المقوالت بتفصٌالتها
فً ك ّل فرصة وفً ك ّل واقعة .والشك أن القرآن الكرٌم عمل بآٌاته المباركة على إرساء تلك الدعائم،
وما عمل الرسول علٌه السالم إال تطبٌقات صارمة لتلك التعلٌمات القرآنٌة ،وعلى رأسها تحجٌم الملكٌة
االقتصادي االسالمً تستند هلل تعالى وترجع إلٌه ،ولٌس حقا ال لمجموعة وال لدولة –كما كان الحال فً
النظامٌن الرومانً والفارسً -بل هً وظٌفة اجتماعٌة ،وعلى المالِكِ كائنا من كان أن ٌق ّدم حسابا عن
ملكٌته إلى الجماعة ،ألنه لٌس سوى مدٌرها المسإول .بٌد أنّ اإلسالم ٌقرّ الملكٌة الشخصٌة المكتسبة
الهبة ،ولكنّ العمل ٌقوم بال ّدور الرئٌسً ،وقد ح ّدد حدٌث نبوي هذا بد ّقة ":إنّ
بالعمل أو اإلرث أو ِ
األرض هلل ولمن ٌعمرها" أو كما قال صلى هللا علٌه وسلّم.
كما أن مفهوم السوق باعتباره عامال اقتصادٌا مهما لقٌام المجتمعات ،عرؾ تؽٌرا جذرٌا فً االسالم،
حٌث تلتقً فٌه القٌم االقتصادٌة و القٌم الخلقٌة ،و هو وسٌلة ال ؼاٌةٌ ،منع فٌه االحتكار والجشع والربا
منعا باثا ،ومنه ظهر أول ما ظهر نظام الحِسبة ،وهو ابتكار إسالمً ،وٌعتبر الرسول صلى هللا علٌه
وسلم أوّ ل المحتسبٌن فً تارٌخ الحضارة اإلسالمٌة ،فعن أبً هرٌرة أن رسول هللا مرّ على صبرة طعام
(أي كومة من الطعام) فؤدخل أصابعه فٌها فنالت أصابعه بلال ،فقال :ما هاذا ٌا صاحب ّ
الطعام؟ قال:
أصابته السّماء ٌا رسول هللا ،فقال (ص) " :أفال جعلته فوق ّ
الطعام كً ٌراه ال ّناس ،من ؼشّ فلٌس م ّنً"
(مسلم* كتاب اإلٌمان باب قول النبً من ؼشنا فلٌس م ّنا) كما استعمل النبً (ص) محتسبٌن من الصحابة
كسعٌد بن سعٌد بن العاص الذي جعله على سوق مك ّة ،و كسمراء بنت نهٌك التً كانت تمر على
األسواق فً عهد النبً تؤمر بالمعروؾ وتنهى عن المنكر وتضرب بالسوط ،وقد كان عمر رضً هللا
عنه محتسباٌ ،راقب األسواق بنفسه ،وٌشرؾ على المحتسبٌن ،ثم اتسع هذا المفهوم بتوالً العهود
االسالمٌة ،ولم ٌعد حكرا على األسواق بل على كافة المعامالت فً الدولة االسالمٌة ،حتى أصبح كثٌر
من المحتسبٌن ٌقٌم الحدود ،وٌوقع العقوبات على األمراء والسالطٌن المخالفٌن ،شؤنهم فً ذلك شؤن
ّ
*الزكاة :هً أوّ ل ضرٌبة إسالمٌة فرضت على األؼنٌاء والقادرٌن ،وٌعد مال الزكاة الذي ٌدفع للفقراء
،47-46ثم أمر هللا تعالى نبٌه الكرٌم ،أن ٌؤخذها من أموال األؼنٌاء كً ٌر ّدها إلى الفقراء (( ُخذ من
ً
صدقة ُتط ّهرهم و ُتز ّكٌهم بها)) التوبة .305وٌشترط إلعطائها شرطان ،هما بلوغ ال ّنصاب، أموالِ ِهم
ومرور الحول .وهً ضرٌبة مفروضة لٌس على الرّ بح فقط بل على رأس المال ،وتتٌح بالتالً إجراء
تحوّ الت اجتماعٌة ،وهذا الشكل األولً عن الضمان االجتماعً لم تصل إلٌه بعض الدول الؽربٌة كفرنسا
والزكاة أنواع كثٌرة ،منها زكاة األموال ،وزكاة الزروع والؽالّة من الثمار وكذا الحبوب ،وزكاة
المواشً بؤنواعها ،ولك ّل زكاة مقدار ،وفٌها تفصٌل طوٌل فً كتب الفقهاء.
*الخراج :هو مقدار من مخرجات األرض التً فتحها المسلمون إمّا عنوة أو صلحا (،إما نقدا أو ؼالل)
حال ال ّشك فً أمر الجباة ،كانوا ٌحاسبون على ما جنوا ،مطبّقٌن فً ح ّقهم دون تحٌُّز مبدأهم القائل ":من
جز ٌَة :هً مبلػ من المال ٌوضع على الرّ إوس ال على األرض كما فً الخراجٌ ،دفعه ّ
الذمٌّون فً * ال ِ
3األؼنٌاء
4المتوسطون
وال تإذ من المساكٌن والعاجزٌن والمقعدٌن وال على المجنون واألعمى وال المعاق وال الرّ هبان فً
*الوقف :هو عمل من أعمال البرّ ٌرٌد به الواقؾ وجه هللا ،وٌرجو به توازن المجتمع على أفضل
الوجوه .وكثٌرا ما ٌؤخذ الفًء صفة الوقؾ ،وقد أعطاه النبً (ص) فً ؼزوة ال ّنظٌر للمهاجرٌن الفقراء
دون األنصار األؼنٌاء ما عدا رجلٌن فقٌرٌن منهم ،رؼبة منه علٌه الصّالة والسّالم فً إعادة التوازن
االجتماعً بٌن المهاجرٌن واألنصار ،عمال بقوله تعالى(( :كً ال ٌكون دولة بٌن األغنٌاء منكم)) عالجا
*نظام التورٌث اإلسالمً :وقد فصّل هللا تعالى القول فٌه فً سورة ال ّنساء ،كوسٌلة لتفتٌت الثروات
الكبٌرة أو رإوس األموال ،وإٌصال ال ّنفع لمختلؾ األقرباء مع مالحظة درجة القربى من المتو َّفى.
ما ٌمكن استنتاجه مما سبق أن نظام االقتصاد االسالمً هو نظام ٌح ّقق العدالة االجتماعٌة وٌبنً مجتمعا
متساو ومتسام فً اآلن نفسه ،فما أحوجنا إلى العودة إلٌه ،وما أجدره بؤن ٌكون نظاما عالمٌا وسطا بٌن
ٌُنظر لالستزادة:
الدكتور راؼب السرجانً :مقال نظام الحسبة فً الحضارة اإلسالمٌة .موقع قصّة اإلسالم.
أستاذة المقٌاس
ُ
ذات أهداف سامٌة ،على إنّ ال ُّن ُ
ظم السٌّاسٌة وال ّنظم االقتصادٌة فً الحضارة االسالمٌة
رأسها تحقٌق المساواة االجتماعٌة والسّهر على حماٌتها ،بما ٌكفل توازن المجتمع
ت طبقًّ وصراعا ٍ
ت طبقٌّة، سٌؤ ّدي بال ّ
ضرورة إلى خلق مشاكل اجتماعٌة جسٌمة ،من تفاو ٍ
ناتِج ٍة عمّا قد ٌكون استبداداً ٌج ّر احتكارا ث ّم غنى باذخا لطبق ٍة من المُترفٌن هم فً الغالب
طبقة ال ُح ّكام و بطانتهم ،وفً المقابل تخلق طبقة مُعدمة ،فقٌرة تتولّد فٌها بال ّتقادم روح
ّ
الثورة والسّخط وهو ما ٌسمٌه أرنولد تونبً بالتحدي الداخلً أو النقمة االجتماعٌة! فالظلم
كما ٌقول ابن خلدون "مؤ ِذنٌ بخراب العمران" ،وهو ٌج ّر الحضارة نحو آخر مراحلها،
بٌنما ٌضمن ال ّتنظٌ ُم السّلٌم للعالقات ،بٌن األفراد ،وبٌنهم وبٌن ال ّدولةٌ ،ضمن السّلم
والعٌش الكرٌم ،وهما المطلبان الرّئٌسٌان لقٌام الجماعة ،ومنه قوله تعالى فً سورة قرٌش:
االجتماعٌة ،وهذا هو بال ّتحدٌد صُلب ال ّنظام االجتماعًّ االسالمً ،والذي ٌقوم على
-1العدل المطلق بٌن ال ّناس ،بدءا من نظام الحكم ال ُّشوريّ ،وتقلّد المناصب بالكفاءة،
وصوال إلى الحكم بٌن ال ّناس بالعدل ،ال على أساس عرقًّ ،أو قرابة عائلٌة ،أو تع ّ
ص ٍ
ب
سٌاسًّ ،عمال بقوله تعالى (( :وإن حكمت بٌن ال ّناس فاح ُكم بٌنهم بالقِسط)) وقوله تعالى:
قوامٌن بالقسط ُ
شهداء هلل ولو على أنفسكم أو الوالدٌن أو (( ٌا أ ٌّها الذٌن آمنوا كونوا ّ
األقربٌن)) ال ّنساء .و وقائع الحّكام المسلمٌن منذ عهد ال ّنبً (صلى هللا علٌه وسلّم) أكثر من
بذرع جاء ٌتخاص ُم أن ُتحصى ..ومنها على سبٌل المثال حكم عمر بن الخ ّ
طاب للٌهوديّ
ٍ
علٌها ،هو و علًّ (كرم هللا وجهه) .كما أن النظام االجتماعً االسالمً أعطى ألهل الذمة
وهم المعاهدون من الٌهود والنصارى الذٌن ٌعٌشون فً بالد االسالم ،وقد أطلق علٌهم هذا
االسم ألنّ النبًّ (ص) أعطاهم ذمّته وأمانته وقد أثنى علٌهم وأوصى بهم خٌرا ،و قد تساووا
فً الحقوق مع المسلمٌن لدرجة أنهم تقلّدوا فً تارٌخ الحضارة االسالمٌة أرقى المناصب
اإلدارٌة والوزارٌة .ومن الشهادات البارزة ،ما قاله آدم متز فً كتابه "الحضارة االسالمٌة
فً القرن الرابع الهجري" " :ومن األمور التً نعجب لها كثرة عدد العمال غٌر المسلمٌن
فً الدولة االسالمٌة ،فكان النصارى هم الذٌن ٌحكمون المسلمٌن فً (بعض) بالد
المسلمٌن!"..
األموال.
-2صٌانة األعراض :بتعزٌر القاذِف ،ومنع اقتحام البٌوت ،وال ّنهً عن ال ّتجسّس والغٌبة
ّ
والحث على ال ّزواج وال ّنمٌمة ،وال ّتش ّدد فً فاحشة ال ّزنى ،وال ّدعوة إلى اجتناب ال ّ
شبهات.
وال ّترغٌب فٌه ،وتنظٌم شؤون األسرة ،على عكس ما كان سائدا فً الٌوتوبٌات المجتمعٌة
الٌونانٌة وال ّرومانٌة ،من شٌوع الجنس والمرأة واختالط األنساب وتفشً الفوضى!
كما صان اإلسالم فً إطار المُساواة كرامة المرأة فً أسرتها ،بعد أن طالها ّ
الظلم والوأد فً
وفرض فً األسرة حقوقا و واجبات متبادلة .وإذا وبنتاً، ً ُ الجاهلٌة ،فكرّمها أُمّا
َ وزوجة وأختا ِ
قار ّنا بٌن القواعد القرىنٌة ،وقواعد المجتمعات السّابقة له ،نجد بأ ّنها تد ّل على تق ّدم أكٌد،
وبخاصّة بال ّنسبة ألثنا وروما اللتٌن كانت المرأة تع ّد فٌهما قاصِ رة إلى األبد بٌنما تملك
وحق طلب ّ
الطالق ،هذا الحق الذي لم تكسبه المرأة فً الغرب إالّ ّ كانت ُتور ُ
ث مع المتاع!_
خالصة القول بالنسبة لل ّنظام االجتماعً فً اإلسالم أنه كرّس التوازن داخل المجتمع بٌن
آدم متز ،الحضارة االسالمٌة فً القرن الرابع الهجري" ترجمة محمد عبد الهادي أبو رٌدة.
أستاذة المقٌاس