Professional Documents
Culture Documents
خلقت الثقافة الكالسيكية صورة لإلنسان يتم فيها إب راز خاص يتين أساس يتين :اإلنس ان كحي وان لغ وي
أيض ا ،ألن ه فق ط من ً
ارتباط ا وثي ًق ا ً يتكلم ويتحدث ،واإلنسان كحيوان سياسي .ترتبط هات ان الس متان
خالل اتصافه بصفة العقل يستطيع اإلنسان الدخول في عالق ة توافقي ة م ع ب ني جنس ه وإقام ة مجتم ع
سياسي.
إن صورة اإلنسان التي قدمتها الديانات اليونانية القديمة غنية ومعقدة بالنسبة للثقافة الغربية .تج د ه ذه
ً
خيط ا مش تر ًكا من وجه ة الصورة لإلنسان نقطة تقاطع وتق ارب في موض وع المص ير ،وال تي تق دم
النظر القديمة إلى النظرة الكالسيكية لإلنسان.
في فلسفة ما قب ل س قراط ،يق دم ( دي وجين األبول وني بين 440و 430قب ل الميالد) ،تص ورا عن
اإلنسان كهيكل روحي جسدي ،تتجلى طبيعته في الثقافة التي ينتجها من خالل أعماله .لذلك فهو كائن
مرتب بشكل نهائي في نفسه ومن أجله ،ومن خالله يتم ت رتيب الكوس موس ذات ه .لكن السفس طائيون،
وبما بلغوه من معرفة نظرية ومهارات عملية ،يكشفون أن اإلنسان وقدراته أصبحت اله دف الرئيس ي
للفلسفة.
في التح ول الس قراطي ،يتعام ل س قراط ،م ع ال روح (النفس) و "الحي اة الداخلي ة".فهي وفق ا ل ه مق ر
الطبيعة (التميز أو الفضيلة) التي تجعل من الممكن قياس اإلنسان وف ًق ا للبع د ال داخلي ال ذي تكمن في ه
العظمة البشرية الحقيقي ة .في"ال روح" خي ار عمي ق يوج ه حي اة اإلنس ان حس ب الخ ير والص الح أو
الشر ،وهي التي تشكل الجوهر الحقيقي لإلنسان.
يحتل اإلنسان الحديث مركز الصدارة في المشهد التاريخي ويصبح البحث عن مفهومه ه اجس البش ر
المعاصرون الذين سيتشكلون في القرنين التاسع عشر والعشرين .لذلك فإن السؤال هنا يتعل ق بمرافق ة
تاريخ التصور الحديث لإلنسان في أهم لحظاته ،أي تعاقب المالمح الفلسفية لإلنسان الحديث.
يتخذ مفهوم اإلنسان في الفترة الحديثة دالل ة خاص ة :فه و يش ير في نفس ال وقت إلى حساس ية جدي دة
لإلنسان وإعادة اكتشاف وتمجيد األدب الكالسيكي ،وخاص ة الالتيني ة ،ال تي تعت بر أعلى تعب ير عن
القيم التي تنادي بها اإلنسانية واألداة األكثر مالءم ة إلع ادة االعتب ار لإلنس ان وبلوغ ه ذروة إنس انيته
الحقيقية :اإلنسان البشري .من حيث األفكار ،أصبحت حضارة عصر النهض ة ت روم بل وغ اإلنس انية،
وانتشار المث ل األعلى اإلنس اني.حيث يتش كل مفه وم اإلنس ان وف ق ه ذه األنتروبولوجي ة الجدي دة من
فكرتين هما :الكرامة اإلنسان واإلنسان الكوني.
حيث يظهر موضوع الكرامة اإلنسانية في عص ر النهض ة كتك رار واع لم ا أنتجت ه الفلس فة اليوناني ة
عموما والسفسطائية خصوص ا .وبالت الي ،وب دا تمجي د الكرام ة اإلنس انية يس تجيب للمط الب العميق ة
ً
تميزا لإلنسانية .ومع ذل ك ،هن اك ف رق للحساسية الجديدة اتجاه اإلنسان وأعماله ،كونها السمة األكثر
بين االحتفاء بالكرامة اإلنسانية في الفلسفات القديم ة وفلس فة عص ر النهض ة .في الحال ة األولى ،ف إن
نشاط التأمل ( )Activité de méditationهو الذي يشهد على عظمة اإلنسان وكرامته الفائقة .أم ا
في الحالة الثانية ،فيصبح الفعل ( )acteوالق درة على تغي ير الع الم ،عالم ة ال ج دال فيه ا على تف وق
اإلنسان.
في الواقع ،إنها صورة اإلنسان الكوني ال تي تظه ر من التح والت العميق ة للع الم الغ ربي في عص ر
النهض ة ،مم ا أدى إلى اتس اع اآلف اق الض يقة للمس يحية في العص ور الوس طى ،س واء في فض اءها
الجغرافي (دورة االكتشافات) ،أو في فضاءها البشري (مواجهة ثقاف ات وحض ارات جدي دة) .وهك ذا،
تظه ر أنثروبولوجي ا عص ر النهض ة على أنه ا أنثروبولوجي ا من التمزق ات والتح والت :قطيع ة م ع
صورة اإلنسان في العصور الوس طى والمس يحية وتح ول إلى الص ورة العقالني ة ال تي س تهيمن على
القرنين السابع عشر والثامن عشر.
سوف تجد األنثروبولوجي ا العقالني ة تعبيره ا النم وذجي م ع ر.ديك ارت ( ،)1650-1596من أج ل
التمكن من الح ديث عن اإلنس ان العقالني .يب دأ االنقالب ال ديكارتي باالمتي از المنس وب إلى المنهج
كنقطة بداية ومع بناء المعرفة الضئيلة وف ًقا لقواعد الطريقة أو الكوجيطو الديكارتي.
من خالل لجوء ديكارت إلى الميتافيزيقا (الفلسفة األولى) ،كان من الممكن بناء الفيزي اء وفي تسلس لها
عمد إلى إحالة المشكلة األنثروبولوجية كمشكلة حميمية لعالقة ال روح ب المفهوم العقالني لإلنس ان :أ)
ذاتية العقل كوعي بالذات؛ ب) المظهر الخارجي (المتصور ميكانيكيًا) للجسد بالنسبة للعقل.
هذه الثنائية العقالنية لإلنسان تختلف جوهريًا عن الثنائية الكالسيكية األفالطوني ة .هن ا تنفص ل ال روح
عن الجسد كقوة واسعة لمعرفة الع الم والس يطرة علي ه .تس تند أنثروبولوجي ا ديك ارت إلى ميتافيزيقي ا
الروح وفيزياء الجسد :تظهر الفكرة الواضحة والمم يزة عن الم ادتين على أنهم ا "طبيعت ان كاملت ان"
يمكن أن يتواجد أحدهما دون اآلخر.تتشكل الثنائية الديكارتية بالكامل ،ومعها يتم تحديد البنية األساسية
لألنثروبولوجي ا العقالني ة من ناحي ة " :ال روح" ال تي يتجلى وجوده ا في دلي ل كوجيت و؛ من ناحي ة
أخرى " ،الجسد" الذي يطيع الحركات والقوانين التي تقود آلة العالم.
الث ورة العلمي ة في الق رن الس ابع عش ر وال تي تج د براديغمه ا في النم وذج اآللي لإلبس تمولوجيا
األساسية ،تصل إلى جميع مجاالت المعرفة والثقافة بشكل عام .وتخض ع لتأثيرات ه المف اهيم الفلس فية
لإلنسان .تتميز الروح العلمية الجديدة بفكرة جديدة عن المنهج مع االلتجاء للمالحظة والقياس ك أدوات
معرفية مميزة .كان أحد الموضوعات المهيمنة على الثقافة الفكرية والفلسفية في ذلك الوقت هو المث ل
العليا للمنهج و التعري ف الص ارم لقواع د التفك ير الجي د .يلهم التي اران العظيم ان للعقالني ة التجريبي ة
المفهومين العظيمين للمنهجين اإلستنتاجي واالستقرائي.
الحقل التالي للمعرفة ال ذي حول ه العق ل العلمي ه و مج ال عل وم الحي اة .حيث وس ع تط وير األدوات
البصرية مجال مراقبة الظواهر الحية وإعادة هيكلة مجال اإلدراك البصري .وهكذا وُ ل د علم التش ريح
المجهري ،واتخ ذت الخط وات األولى نح و نظري ة الخلي ة وتس جيل م ا إذا ك ان اكتش اف خالي ا ال دم
الحمراء ،والبكتيري ا .ويب دأ الت أريخ للكائن ات الحي ة أو النظامي ات النباتي ة والحيواني ة ،في الخض وع
إلعادة صياغة تؤدي إلى ظهور علم الالهوت النظامي مع لينو وبوفون في القرن الثامن عشر.
في ثالثة مجاالت ،تشير األنثروبولوجيا التجريبية ،وف ًقا لـ ، G.Gusdorfإلى تقدمها األول :تش ريح
جسم اإلنسان مع ظهور علم التشريح المقارن ،والدراسة التجريبية لـ النفس.