Professional Documents
Culture Documents
92
جامعة اليرموك
93
األربعاء 16محرم 1435هـ -الموافق 20تشرين الثاني 2013م
94
يقال" :مفاتيح العلوم مصطلحاتها" ،بمعنى أن المصطلح يوضع أو يسك لكي
يحمل مفهوما محددا في حقل علمي معين ليساعد في التعامل مع قضايا هذا العلم
ومضامينه على نحو يتسم بالوضوح والدقة ،ولذا فإن لكل علم مصطلحاته الخاصة
به .وحين نقف على مصطلح الخطاب نجد أن هذا المصطلح ال ينتمي إلى حقل
95
علمي محدد ،بل هو مصطلح عابر للحقول المعرفية ،كما أنه مثل معظم
المصطلحات الحديثة عابر للغات والثقافات ،مما يجعل أمر تعيين المفاهيم التي
يحملها في الثقافات المستقبلة أمرا غير سهل.
96
وتلجأ في الوقت نفسه إلى العودة إلى البحث في تراثها أو مخزونها الثقافي إليجاد
مقابل أو مواز لما وفد عليها ،وهو ما نجده في الدراسات التي تعنى بالخطاب ،فهي
من جانب تحتفي بالمصطلح الوفد وتعمد في الوقت نفسه إلى معاينة ما يشبهه أو
يقابله لديها لتصل إلى شكل من أشكال التوازن الذي يرمي إلى ترك انطباع بعدم
االستالب للغريب.
97
وسأشير Cفيما يلي إلى هاتين الصورتين قبل النظر في ظاهرة االنشغال
بالخطاب في الدراسات الحديثة.
99
ذلك مقبوال( .المادة المتعلقة بهذا الجانب تتكرر في كل الدراسات التي عالجت
موضوع Cالحطاب).
100
وهذه الداللة لم تكن الوحيدة ،فقد ورد الخطاب في مواطن أخرى من القرآن الكريم
بدالالت أخرى ،فقد وقف الفقهاء والمفسرون عند اآلية الكريمة َ"وآتَْيَناهُ اْل ِح ْك َمةَ
طاب" ،وقدموا Cتفسيرات متعددة دار معظمها Cعلى عناصر لغوية وفقهية، ص َل اْل ِخ َ
َوفَ ْ
فقد ذهب بعضهم Cإلى الوقوف على الداللة المتعلقة بالبنية اللغوية التي تحدد المعنى
حين أشير إلى أن فصل الخطاب هو الكالم الواضح البين الذي ال يلتبس على
101
السامع أو القارئ ،كما يتعلق بمكان الفصل والوصل في الخطاب ،فال يقرأ مثال
الكالم مقطوعا عن المعنى في قوله تعالى "وال تقربوا الصالة وأنتم سكارى".
وفي السياق الفقهي ذهب أكثر الفقهاء" ،في فصل الخطاب ،أنه فصل الحكم
والقضاء .وقال الضحاك بن مزاحم :فصل الخطاب العلم بالقضاء .وروي عن
102
شريح والحسن البصري ،أنهما قاال :فصل الخطاب الشهود واأليمان ،ذهب إلى أنه
يجب بهما الحكم وتنفصل األشياء"( .الصولي ،أدب الكتاب ،الموسوعة الشعرية).
وقد دارت معظم دالالت الخطاب في المعاجم العربية على هذه الدالالت كما نجد
طَبه بال َك ِ
الم راجعة ال َك ِ
الم ،وقد خا َ طَبةُ :م َ َ
مثال في لسان العرب ":الخطاب وال ُـمخا َ
103
ص َCل
بان ....قال بعض المفسرين في قوله تعالى :وفَ ْ ط ِ
وهما َيتخا َطَبةً وخطابا ُ ُمخا َ
ق والب ِ ِ الخطاب هو أَن ي ْح ُكم بالبيِّنة أَو ِ
اطل، الح ِّ َ
بين َاليمين؛ وقيل :معناه أَن َي ْفص َل َ َ َ َ
وداود ،عليه السالم ،أ ََّو ُل من
ُ ويمي َِّز ْبين الح ْكِم ِ
وض ِّده وقي َل فص ُل الحطاب أَمـّا َب ْع ُد؛ ُ َُ
(انظر عرضا لهذا الف ْقه في القَض ِ
اء. ِ
َ قال :أَمـَّا َب ْع ُد؛ وقيل :فَص ُل الخطاب ُ
الجانب في :مها العتوم :تحليل الخطاب في النقد الغربي الحديث.)10 – 5 ،
104
ويرى Cالتهانوي (ت ق12هـ) في" كشافه " أن الخطاب" :توجيه الكالم نحو
يعبر عنه بما يقع
ثم ُنقل إلى الكالم الموجَّه نحو الغير لإلفهام .وقد ّ ِ
الغير لإلفهامّ ،
به التخاطب .قال في األحكام :الخطاب اللفظ المتواضع Cعليه المقصود به إفهام من
هو متهيئ لفهمه"( .كشاف ،مادة الخطاب).
105
وفي Cهذا السياق قدم مختار الفجاري دراسة بعنوان " :تأصيل الخطاب في
الثقافة العربية " مقررا أن " أهم منطلق لتأصيل مصطلح الخطاب Discourse
داخل الثقافة العربية هو تحديد مختلف معاني الكلمات المؤلفة من هذه المادة –
األصل خطب .ولبيان ذلك تكون المعاجم العربية وكتب اللغة والفكر واألدب
القديمة هي المرشحة لذلك ."...واعتمادا على هذه المصادر Cقدم قراءة لحضور
106
المصطلح ودالالته في الثقافة العربية في مقابل المفاهيم التي يحمله المصطلح
األوروبي .وقد حدد المعاني التي يحملها الخطاب قي الشأن والغرض ،وفي Cالداللة
على السلطة ،وفي المحاورة .وهذه الدالالت تلتقي بالدالالت التي يحملها
المصطلح الحديث ،وبخاصة في السياق الفلسفي كما هي الحال في بعض
طروحات فوكو( Cانظر الفجاري.)101-100 ،1993:
107
المصطلح في الثقافة الغربية:
109
لقد "أصبح مصطلح الخطاب متداوالً Cوشائعاً Cفي مجموعة من الحقول:
النظرية النقدية وعلم النفس واللسانيات والفلسفة وعلم النفس االجتماعي وعدد من
الحقول األخرى إلى حد انه ترك مبهما مرارا ،كما لو كان استعماله معرفة مألوفة
وبسيطة .وقد استعمل الخطاب بصورة واسعة في تحليل النصوص األدبية
والنصوص غير األدبية موظفا دوما في اإلشارة إلى خبرات نظرية معينة بطرق
110
غامضة وأحيانا مشوشة .وربما Cكانت لمصطلح الخطاب أعرض سلسلة من
الدالالت الممكنة من أي مصطلح آخر في النظرية األدبية والثقافية .ومع ذلك كان
دائما هو المصطلح األقل تعريفا عند استعماله في النصوص النظرية( .سارة ميلز:
الخطاب.)nizwa.com ،
111
ولعل التأكيد على عدم تحديد المصطلح وانفتاح مفاهيمه على احتماالت غير
محدودة قد جعل من الممكن استعمال مصطلح الخطاب أمرا غير خاضع إال لرؤية
الباحث وللحقل الذي يعمل فيه ،إنه مصطلح مائي يأخذ شكل ولون اإلناء الذي
يوضع فيه ،وهذا ما جعلنا نقف على موجة من الدراسات المعنونة بالخطاب أو
بتحليل الخطاب دون سند معرفي Cأو منهجي ،وهو ما جعل كل شيء خطابا.
112
وهنا أود أقف عند أكثر منظري Cالخطاب شهرة وتأثيرا Cوهو ميشيل فوكو Cالذي
الذي خصص للخطاب كتابين من كتبه ،وهما :أركولوجيا المعرفة ،1969ونظام
الخطاب ،1971وقدم Cفيهما تصوره للخطاب ،وهو تصور يفارق بصورة واضحة
المفهوم عند سابقيه ،ومن خالل االستعراض التاريخي لمفهوم الخطاب في الثقافة
الغربية يتبين:
113
" -1ارتباط الخطاب بالفلسفة والمنطق من حيث كونه "عملية عقلية منظمة
تنظيما منطقيا أو عملية مركبة من سلسلة من العمليات العقلية الجزئية أو
تعبير عن الفكر بواسطة سلسلة من األلفاظ والقضايا Cالتي يرتبط Cبعضها
ببعض".
114
-2أن الخطاب أصبح توجها في الدراسات األلسنية ...تعبر عنه أعمال بنفيست
ومدرسة تحليل الخطاب الفرنسية.
-3أن ميشيل فوكو Cالذي اعتمد على هذه الخلفية الفكرية وخاصة على أعمال
ليفي شترواس وبنفيست قد اختلف مفهومه للخطاب عن سابقيه( .انظر
بغورة 93 ،2000،ومصادره).
115
لقد قدم فوكو Cتعريفا جديدا للخطاب ال يستند إلى أسس ألسنية أو منطقية ،بل
يتشكل من مجموعة من المنطوقات Cبوصفها Cتنتمي إلى ذات التشكيلة الخطابية فهو
ليس وحدة بالغية او صورية ....بل عبارة عن عدد محصور Cمن المنطوقات Cالتي
نستطيع تحديد شروط Cوجودها( Cفوكو :حفريات المعرفة 78 ،،1968وانظرC
النص وتعليق Cعليه بغورة .)95 ،2000
116
ومن المهم التوقف عند مصطلحين استعملهما فوكو في إطار نظريته في
الخطاب وهما األركولوجيا Cوالجينالوجيا ،وموضوع االركولوجيا عنده "ليس اللغة
وإ نما األرشيف Cأي الوجود Cالمتراكم Cللخطابات ،فاألركولوجيا كما يقول ليست
جيولوجيا Cأي تحليل للطبقات األرضية ،وال جينا لوجيا أي وصف للبدايات
والتواريخ وإ نما هي تحليل للخطابات في صيغة أرشيف"( Cبغورة .)114 ،2000
117
وهذا ما يقود إلى مصطلح محوري Cآخر لديه وهو تحليل الخطاب الذي يستند
إلى نظام الخطاب عنده ،إذ إنه يمثل مفهوما يتعلق بالمعرفة والقوة ،واآلثار التي
يتركها في سيافاته ،ولذا فإن:
" ..منهج تحليل الخطاب عند فوكو ،اليحلل نظام اللغة أو المضامين أو
الدالالت ،كما اليهتم بصدق الخطابات أو معقوليتها ،وإ نما ينصب التحليل على
118
المنطوقات كأحداث وعلى قوانين وجودها ،وعلى ما يجعلها ممكنة أو غير ممكنة"
(بغورة :منهج في تحليل الخطاب ،مجلة إبداع ،القاهرة ،ابريل ـ مايو 2000م ص
.)109
وتورد سارة ميلز نماذج من تحليل فوكو للخطاب ترتكز على أسس المعرفة
والسلطة ،وهي نماذج تتعلق بالخطاب في سياقات اجتماعية ،و توضح في الوقت
119
نفسه أن فوكو Cلم يكن معنيا بالخطاب األدبي إذ يذهب إلى "أن كلمة أدب في العصر
الحديث وفي ثقافتنا أيضا تعني انفراد لغة معينة بأسلوب غير مألوف كي
تبدوأدبي ...األدب هو الصراع مع فقه اللغة ...إنه يقود اللغة من النحو إلى قوة
الكالم المجردة ،وهناك تصطدم بالوجود الجامح والمتغطرس للكلمات"( .فوكو،
300 – 299 :1970عن سارة ميلز).
120
على الرغم من أن نظرية الخطاب قد تكونت تحت تأثير االنتقادات الموجهة
لثالثة تيارات أو تقاليد فكرية أال وهي البنيوية والتأويلية والماركسية ...وأن أكبر
أهداف تحليل الخطاب الكشف عن القوانين ذات نشأة التاريخية التي تضع بنية أو
تؤطر إنتاج المعاني في سياق اجتماعي محدد (محمد الصقار ،)2005،101وعلى
الرغم من أن تحليل الخطاب "يختلف عن التحليل األلسني أو التحليل المنطقي"
121
(بغورة ،إبداع – )107 ،2000فإن كثيرا من الدراسات تقوم على دراسة األدب
وعلى تحليل ذي توجه ألسني أو بنيوي ،بمعنى أن األسس التي وضعها Cفوكو Cمثال لم
تعد حاضرة في ما يسمى تحليل الخطاب.
إن استقراء الدراسات الحديثة المتعلقة بالخطاب يضع المرء أمام كم ضخم من
مادة غير متجانسة في أطروحاتها وحقولها ومناهجها ومفاهيمها ،فمصطلح
122
الخطاب وتحليل الخطاب يحضر Cبصورة واسعة في عناوين الكتب واألبحاث دون
أن يكون له في كثير من األحيان ارتباط Cبالموضوع المطروح ،فنحن نقرأ :الخطاب
اللساني ،والخطاب الديني ،والخطاب الروائي ،والخطاب السلفي ،والخطاب
الشعري ،والخطاب السياسي ،والخطاب الجنسي ،والخطاب النسوي ،والخطاب
النقدي ،وال شك أن هذه كلها يمكن أن تكون خطابات ،ولكن المسألة تكمن في أن
123
المادة التي تضمها أو تقدمها أكثر هذه الدراسات ال تنهض على استعمال علمي
منهجي للخطاب ومفاهيمه ،فهي تستعمله على نحو ال يخضع لمعايير Cنظرية أو
إجرائية معينة ،مما يعني أن مصطلح الخطاب بدأ يحل محل كلمة لغة أو مقال أو
نص .وتتعمق هذه الحال حين يعلق بها تحليل الخطاب ،إذ نجد سلسلة طويلة من
124
الدراسات التي تعنون بتحليل الخطاب ،وهي في واقع األمر ليست سوى قراءات
تقليدية لنصوص ال عالقة لها بالخطاب أو بالمفاهيم التي يحملها.
126
-الدراسات العربية التي تحمل في عناوينها مفردة أو مصطلح الخطاب ،سواء
أتعلق األمر بالخطاب بوصفه مصطلحا Cيحمل مفهوما أو مفاهيم يجب أن تبنى عليه
أو عليها هذه الدراسات أم ال .وفي هذا اإلطار نجد عشرات الكتب ومئات من
األبحاث التي تستعمل أو تستملح المصطلح دون أن يكون له صلة بموضوعC
الدراسة.
127
إن ما يجب ذكره هنا أن المصدر Cاألصلي للخطاب يحمل هذه الصورة غير
المستقرة للمصطلح ومفاهيمه ،وذلك ألنه أخذ صورة الواجهة للدراسات المختلفة
في حقول علمية مختلفة التي صبغته بصبغتها ،فقد ذهب هوارث إلى القول " :رغم
أن مفهوم الخطاب نشأ في مجالي اللغويات والسيموطيقيا إال أنه قفز للعديد من
فروع ومجاالت العلو اإلنسانية ،إذ يستخدم Cتحليل الخطاب في االنثروبولوجياC
128
والتاريخ وعلم االجتماع والتحليل النفسي ودراسات Cما بعد الكولونيالية والعلومC
السياسية وتحليل السياسات العامة ،مما جعل مفهوم الخطاب يشغل مكانا محوريا
تتزايد أهميته في العلوم االجتماعية واإلنسانية المعاصرة .على أن الكم الغزير من
الدراسات ...لم يؤد إلى صبغ المفهوم بلون ثابت واضح يميزه عن غيره من
المفاهيم ،بل على العكس من ذلك تماما فقد جعلت تلك الدراسات مفهوم الخطاب
129
كالحرباء يتلون بلون الخلفية التي يقف أمامها ،إذ فرض كل حقل معرفي Cعند
استخدامه للمفهوم مسلماته ومقوالته وإ شكاالته عليه ،بحيث صار المفهوم يتسم
بالنسبية واالختالف الشديدين .فبينما يضيق Cالبعض مفهوم الخطاب ليقتصر على
مجرد أساليب الكالم والمحادثة يوسعه البعض اآلخر ليجعله مرادفا Cللنظام
130
االجتماعي برمته حيث يصير كل شيء خطابا"( .هوارث ،3-1 ،2000عن
محمد الصفار .)100 ،2005
فإذا كان هذا األمر قد حدث في إطار الثقافة المنتجة للمصطلح فليس غريبا أن
نجد صداه غير المنضبط Cفي الثقافة العربية المتلقية له على نحو غيرنسقي أو
131
منهجي .وهو ما مكن من زج الخطاب في كل الموضوعات Cبغض النظر عن
عالقتها أو عدمها به.
لقد أنتج االشتغال بهذا المصطلح ومفاهيمه الرغبة لدى الباحثين العرب للبحث
عن مقابل عربي له في تراثنا ،ولذا فقد ذهبت بعض الدراسات العربية إلى البحث
عن جذور Cهذا المصطلح في الثقافة العربية ،وحاولت تقديم عرض لدالالته اللغوية
132
واالصطالحية في المعاجم وكتب التراث على اختالف حقولها ،على نحو يظهر
اقتفاء لما وجدوه في الثقافة الغربية .ومن ذلك عمل مختار الفجاري" :تأصيل
الخطاب في الثقافة العربية "1993الذي عمد فيه إلى استقراء مادة خطب في
القرآن الكريم وفي Cالمعاجم العربية ،وكتب التراث.
133
لكن األمر الذي يستوقف Cالمرء هو أن دراسة عربية واحدة لم توضع في
الخطاب منبثقة من التراث العربي ومكتفية به قبل شيوع المصطلح الوافد ،بل إن
كل الدراسات التي اطلعت عليها قد وضعت بتأثير Cمن االشتغال بالخطاب في الثقافة
الغربية ،مما يعني أن هذه الدراسات جاءت صدى لمقابلها الغربي ،لكن في صورC
134
متباينة من األصداء التي يقود بعضها إلى سوء فهم قد يولد نظرية أو نظريات
جديدة ،وهذا أمر محمود إن حدث.
وثمة مالحظة أخرى في هذا السياق وهي أن المادة المتعلقة بهذا الموضوع Cفي
معظم الدراسات العربية مادة مكررة ،إذ يمكن للمرء أن يقرأ عشرات الدراسات
واألبحاث دون أن يجد شيئا جديدا ،فهي تعيد المادة نفسها واألسماء نفسها على نحو
135
يتسم في كثير من األحيان بالغموض وغياب المعنى ،ألن المادة المنقولة تقع في
سياق ثقافي مختلف تماما ،وألن الترجمة المهتمة أساسا بالتنظير Cال تسعف في كثير
من األحيان على تشكيل تصورات Cواضحة عن األفكار المطروحة في هذا السياق
الذي غلب الجانب الفلسفي وبخاصة حين يتعلق األمر بما قدمه ميشيل فوكو.
ويمكن أن يكون كتاب محمد عزام " تحليل الخطاب األدبي على ضوء المناهج
136
النقدية الحداثية" نموذجا Cللكتب التي تحمل عنوان تحليل الخطاب ،ولكنها تناقش
المناهج الحداثية المختلفة كلها دون توقف Cعند الحديث عن معنى تحليل الخطاب،
فهو يعرض ما قدمه كمال أبو ديب في "جدلية الخفاء والتجلي" ،وهو تحليل بنيويC
إلى جانب عمل الطاهر لبيب في "سوسولوجيا الغزل العذري" ،وعمل محمد بنيس
في ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب" .وهذا عمل يعني أال عالقة له بتحليل
137
الخطاب بالمفهوم االصطالحي ،وإ نما استعمل كلمة خطاب استعماال عاما .ومثل
هذا األمر يمكن مناقشته في "تحليل الخطاب الروائي" عند سعيد يقطين .ولعل
معاينة المزيد من الدراسات العربية تظهر على نحو عميق أن استعمال المصطلح أو
منحه المفهوم الذي يريده الباحث تم دون ضوابط منهجية أو معرفية.
138
المصادر
139
-بغورة ،الزواوي :Cمنهج في تحليل الخطاب ،مجلة إبداع ،القاهرة ،ابريل ـ
مايو 2000م ص .)109
-التهانوي ،محمد علي :كشاف اصطالحات الفنون والعلوم ،Cتح .رفيق العجم
وعلي دحروج ،بيروت .1996
140
-الصولي ،أبو بكر :أدب الكتاب ،الموسوعة الشعرية ،اإلصدار Cالثالث .العتوم،
مها :تحليل الخطاب في النقد العربي الحديث ،دراسة تحليلية في النظرية
والمنهج ،أطروحة دكتوراه ،الجامعة األردنية.2004 ،
141
-فوكو ،ميشيل :حفريات المعرفة ،تر .سالم يفوت ،الدار البيضاء.1986 ،
-محمد الصفار :تحليل الخطاب وإ شكالية نقل المفاهيم ،النهضة ،مج ،6ع 4ص
.110-99
-محمد َّ
عزام :تحليل الخطاب األدبي على ضوء المناهج النقدية الحداثية ،دراسة
في نقد النقد
142
-محمد علي الكردي :الخطاب واللغة عند ميشيل فوكو ،فصول ،مج ،11ع!،
.1992
-ميلز سارة :الخطاب ،تر .غريب اسكندر ،مجلة نزوى ،الموقع االلكترونيC
.http://www.nizwa.com/articles
143
Katie Wales: A Dictionary of Stylistics, London , 1989. -
144
145
التعليقات والمناقشات
-أحد الحاضرين
يشير إلى ما يراه د .زياد من أن الغرب يأخذون مفاهيم العرب كما هي
ٍ
مجاف للحقيقة فالجهاد Cعندهم يعني اإلرهاب؛ لذا كالجهاد مثالً ،وهذا – وفق رأيه-
يرى عدم التسليم بهذا الرأي خاصةً في المصطلحات السياسية.
146
وحين تحدث د .زياد عن "ميشيل فوكو" Cقال :إنه ال يهمه الصدق أم الكذب،
الخطأ أم الصواب ويتساءل المتحدث :إذاً ما الذي كان يهمه؟؟! ويميل هنا إلى
فالقوي لديهم هو المصيب مهما كان مخطئاً.
ُّ القول :إن الغربيين ِّ
يحكمون القوة؛
147
يرى أن المفهوم المتحدث عنه – كما يبدو -هو مفهوم ،سائل مائع
مائي...الخ ،ويقول :كأنني أرى الحل في كالم د .زياد قطيعةً بين الداللة التي
عما يمكن أن نبنيه ألنفسنا من
نختلف عليها في األصل الغربي أو الثقافة الغربية َّ
ظِّنه -كلمة عربية وأصلهاC
داللة معينة في الثقافة العربية .وكلمة الخطاب -في َ
الثالثي معروف Cواستعمالها في اللغة القديمة والحديثة موجود Cوبدالالت محددة،
148
ويتساءل :ما المشكلة في ربط هذه الدالالت التي يمكن تقصِّيها واستقراؤها Cبشكل
شيء من التحديد في الثقافة العربية؟!!
ٌ جيد بالداللة الغربيَّة؟!! ِل َم ال يكون هناك
على سبيل المثال :الخطاب األشعري والخطاب االعتزالي في مجال علم
الكالم...الخ ،ففي المجمل هناك مضمون معين وداللة معينة لكلمة الخطاب كمفهوم
وكمصطلح.
149
ويقول :ما المشكلة في بناء داللة محددة لهذه الكلمة لتكون مفهوماً ومصطلحاً
في الثقافة العربيَّة األصيلة .ثم ال مانع عندنا أن نقول :إن ما يمكن أن يكون قابالً
لهذا المصطلح عند الغربيين هو كذا وكذا وإ ن كانت جذورهُ مختلفة عن جذورC
المصطلح لدى العرب ،فهل في هذا نوع من التبسيط أم أنه حلم غير ٍ
قابل للتطبيق؟؟
-أحد الحاضرين
150
يقول :إن معجزة سيدنا محمد -صلى اهلل عليه وسلم -هي البيان فقط ،وإ ن لم
ترتبط اللغة العربية بالدين فال قيمة لها ،ومن هنا استطاع Cالغرب السيطرة علينا
بثقافته وبأفكاره.
151
ويوجه المتحدث سؤاالً خاصاً بكلمة الجهاد التي تطرق Cإليها الدكتور Cزياد في
بحثه يقول :ما سبب ذكرك أخذ الغرب كلمة الجهاد عن العرب ،وعدم تفسيرك
لمدلولها عندهم؟
152
ترى أن المشكلة تكمن في تحديد المفهوم الذي يؤدي إلى تحديد المصطلح
بدليل ما ذكره المحاضرون ،من أن تحليل الجملة أو النص عند الغرب مختلف عما
هو عليه عند العرب؛ فكالنا يستخدم Cالمصطلح نفسه ،ولكن بمدلوالت أخرى.
وتتساءل :هل نفهم من ذلك أن تحليل الخطاب عند الغرب أو عند هاليدي
تحديداً يعني التحليل االجتماعي مثالً!!
153
-رد الدكتور زياد الزعبي
يرد قائالً :لست معجباً تماماً بالغرب وهذه قضية ليست متضمنة في الخطاب،
وإ نما أحاول -بموضوعية مطلقة -أن أقول ماذا يملك الغرب وماذا نملك ،وهذه
مسألة ال عالقة لها باإلعجاب.
154
وحين قلتَّ :
إن الجهاد انتقل إلى أوروبا بمفهومه المعروف لدينا ،نعم ،هو
انتقل بمفهومه طبعاً ،ودليل ذلك :كتاب غربي عنوانه" :الجهاد وعالم ماك" مترجم
إلى العربية؛ إذ انتقل المصطلح وحمل مفهوم الجهاد كما هو في الثقافة العربية
بمعنى أنهم أبرزوا Cتماماً معنى هذا المفهوم في هذه الثقافة .وعندما انتقل إليهم
يفجر
ثم حملوه مفهوماً يرتبط Cبالثقافة الغربية ،فمن ّ
عالجوه على هذا النحو ومن َّ
155
عدوه إرهابيا ً.وبالتالي أصبحنا أمام صورة في منتهى
نفسه ،ويقول :أنا مجاهدّ ،
الوضوح ،فالصورة كاآلتي :أنقل هذا المصطلح وأعيه تمامَاً ًَCوأعرف ماذا يعني في
وأعرفه وفق Cإطار ثقافي آخر ،فهذه قضية محورية يجب أن تدرك؛
إطاره الثقافي ِّ
ولذلك لدينا مشكلة مع أنفسنا ،سببها قوقعة المجتمع العربي.
156
وعندما تحتك بالثقافة األجنبية بشكل مباشر Cسوف Cتعرف أكثر ،فهم يعرفون
َّ
عنا أكثر مما نعرف نحن عن أنفسنا؛ والمعرفة سلطة ،والخالف بيننا ليس
المصطلح بحد ذاته وإ نما تحديد المفاهيم ،وقد Cتحدثت عن (المصطلح) المفردة
اللغوية في أصولها Cالمختلفة ،في لغات مختلفة وليس في اللغة العربية أو اإلنجليزية
وحسب .فالمصطلح كلمة واحدة تحمل آالف المفاهيم في الحقول المختلفة أو نفسها
157
في الحقل نفسه ،كما اختلف على مصطلح ( )discourseبين الثقافة الغربية
موجود في الثقافات كافَّة ،والمصطلح
ٌC الفلسفية والمنطقية قبل فوكو وبعده؛ فهذا
عملية تواطؤ لتحميل مفاهيم عليه في حقل معيَّن.
وفيما يخص فلسفة فوكو يقول د .زياد :هناك منطق وال منطق وهناك
نص ،فمن قال مثالً :الرقية الشرعية أفضل من الطب نقول له :هذا
أرشيف أو ّ
158
كالم ال يخضع للمنطق أو للصدق أو الكذب ،وإ نما يخضع لعملية خطاب إقناعي
ٌ
يستند إلى المعرفة والسلطة التي تريد أن تنقل إليك المفردة بغض النظر عن أي
شيء آخر .وما يهمنا هنا هو اإلطار الذي أسماه فوكو( Cاألرشيف الخطابي)
الملفوظ القائم على أنني أوجه إليك شيئاً من أجل السيطرة عليك أو إقناعك.
159
رده على د .ملكاوي يرى أننا نستطيع أن ِّ
نقدم موازياً عربياً لما وفي سياق ِّ
يأتينا شريطة ارتباط المفاهيم بالمصطلح األجنبي الوارد إلينا.
160
نعاني مشكلة محورية وهي عدم معرفتنا بتراثنا معرفة حقيقية أو صحيحة ،وإ نما
نعرف مسارب باتجاه واحد في الجامعات العربية كلها.
161