You are on page 1of 23

Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No.

.‫ تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬،‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‬

The Mechanisms of Forming Critical Terminology in the Context of Acculturation: The Use of the
Term of Deconstruction in Arab Criticism as a Case Study.

‫ سلطاني فاروق‬.‫د‬

.‫ جبامعة حممد بوضياف باملسيلة_ اجلزائر‬،‫ منتمي ملخرب الشعرية اجلزائرية‬،‫ختصص النقد األديب وحتليل اخلطب‬

Abstract:
The acculturation of critical terms between Arabic and the Western academia
allowed Arab critics to open up to other nations’ knowledge, get influenced by it and
utilize it by considering the terms as a key tool for understanding the concept and its
linguistic, conceptual and procedural mastery. The adaptation of foreign terms can be
achieved through the implementation of: derivation, metaphor, coining, Arabization and
translation, which help explaining the meaning of many concepts expressed in vague and
odd terms such as the term of ‘deconstruction’ that was used in Arab criticism long after its
first use in Western criticism and have created multiple critical visions, through which
critics aimed to find its appropriate linguistic equivalent on the one hand and determine its
meaning on the other hand.
Keywords: Term, Forming Mechanisms, Deconstruction, Arab Criticism .

1
‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‪ ،‬تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫إن اهتمام النقاد العرب بوضع املصطلح‪ ،‬يعد وضعا علميا متداوال منذ القدم‪ ،‬حينما انفتحوا على العلوم‬
‫الغربية يف سياق املثاقفة النقدية‪ ،‬حيث متكنوا من إثراء املعجم النقدي العريب بكثري من املستجدات املصطلحية املنبثقة‬
‫من النقد الغريب‪ ،‬بعدما انتهجوا مجلة من اآلليات النقدية اليت ساعدهتم يف تلقي املصطلح وضبط مقابل دالله له‪،‬‬
‫ورغم هذه الفائدة احملققة؛ إال أن آلية وضع املصطلح‪ ،‬تتطلب ضرورة التحلي جبملة من العوامل الذاتية‪ ،‬اليت بجب أن‬
‫تتوفر يف واضع املصطلح‪ ،‬وعوامل موضوعية أخرى تتعلق بآلية وضع املصطلح من ( االشتقاق‪ ،‬التعريب‪ ،‬واجملاز‪،‬‬
‫والتعريب‪ ،‬والرتمجة)‪ ،‬ذلك أن املثاقفة املعرفية بني املستويني العريب والغريب تشهد إنتاج مصطلحات جديدة يف كل‬
‫حني‪ ،‬ويف كل ختصص علمي‪ ،‬اما يفر على النقاد مسايرة هذه السريورة التوليدية اليت يشهدها املصطلح‪.‬‬
‫يعترب مصطلح التفكيك من بني هذه املصطلحات اليت تلقاها الناقد العريب عن النقد الغريب يف سياق مرحلة‬
‫ما بعد احلداثة‪ ،‬فرغم التلقي املتأخر للمصطلح؛ إال أن النقاد العرب احملدثني اجتهدوا لتطويع ماهيته اللغوية‬
‫واملفاهيمية‪ ،‬من أجل إبجاد ما يقابله من ألفاظ عربية‪ ،‬وقد شهد هذا التفاعل نشوب جدال نقدي حول مسألة‬
‫الريادة يف وضع املصطلح من جهة‪ ،‬ومسألة تعدد املصطلحات املرتمجة هلذا املصطلح من جهة أخرى‪ ،‬ألن املصطلح‬
‫أساسا يف النقد الغريب يثري رؤى نقدية جدلية‪ ،‬فحىت منظره (جاك دريدا) يقر بصعوبة إبجاد مقابل له يف معاجم‬
‫اللغات األخرى‪.‬‬
‫تكمن األهداف اليت نسعى لتحقيقها من املقال يف إفادة القارئ غري العريب مبعارف نقدية‪ ،‬خا فيها النقاد‬
‫العرب قدميا وحديثا‪ ،‬وكذلك نعمل على إماطة الغمو عن مسألة نقدية تتعلق باملصطلح النقدي يف مرحلة ما بعد‬
‫البنيوية‪ ،‬حيث أثارت اهتمام كثري من النقاد ومل يفصل فيها بعد أال وهي مسألة التلقي العريب ملصطلح التفكيك‪،‬‬
‫حيث تضارب الرؤى حول داله ومدلوله الذي يقابله يف النقد العريب‪.‬‬
‫انتهجنا يف دراسة هذه املسألة النقدية مجلة من املناهج (التارخيي_الوصفي_ اإلحصائي) حىت نتمكن من‬
‫اإلحاطة بأغلب احليثيات املعرفية اليت ختدم موضوع الدراسة‪.‬‬
‫حناول من خالل هذا املقال النقدي اإلجابة على اإلشكالية التالية‪:‬‬
‫__ كيف ميكن ضبط داللة املصطلح على الرغم من تعدد ألفاظه حىت بالنسبة للغة الواحدة؟‪.‬‬
‫_ فيما تكمن آليات وضع املصطلح يف النقد العريب؟‪.‬‬
‫_ ما هي القضايا النقدية اليت ترتبت عن التلقي العريب ملصطلح التفكيك؟‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No. 1‬‬

‫أوال_ رصد مفاهيمي للمصطلح (لغة واصطالحا)‪:‬‬


‫إن النقاد العرب القدماء أيقنوا يف زمن مبكر أمهية املصطلح‪ ،‬ملا له من دور مهم يف القصدية املفاهيمية‪،‬‬
‫فسعوا واجتهدوا لوضع املصطلح وحتديد آلياته‪ ،‬بعدما أدركوا أن دراسة املنجز املعريف بصيغته_األدبية والنقدية ال ميكن‬
‫الولوج إليه؛ إال من خالل التمكن من إدراك مصطلحاته‪ ،‬وانطالقا من هذا اجلانب شكل وضع املصطلح ضرورة لكل‬
‫النقاد املختصني بالتأصيل اللغوي لأللفاظ املتداولة يف الرتاث املعريف العريب القدمي‪.‬‬
‫جاء معناه يف معجم "لسان العرب" البن منظور يف مادة (صلح) أنه لفظ حييل على داللة إصالح ذات‬
‫البني؛ يقول‪" :‬اإلصالح نقيض الفساد‪ ،‬واالستصالح نقيض اإلستفساد‪ ،‬وأصلح الشيء بعد فساده‪ ،‬أقامه‪ ،‬وأصلح‬
‫الدابة‪ ،‬أحسن إليها فصلحت‪ ،‬والصلح‪ :‬تصاحل القوم بينهم"‪.1‬‬
‫بينما ورد مدلوله يف معجم (القاموس احمليط) للفريوز آبادي مبعىن‪" :‬الصالح‪ :‬ضد الفساد‪ ،‬كالصلوح_صلح‬
‫كمنع وكرم‪ ،‬وهو صلح بالكسرة وصاحل وأصلحه ضد أفسده"‪.2‬‬
‫يتبني من خالل املفهوم اللغوي‪ :‬أن املصطلح مستمد من الفعل الثالثي (صلح‪ ،‬ومعناه مداره على اإلحسان‬
‫وإشاعة الود واأللفة بني الناس‪ ،‬ونقض الفساد‪.‬‬

‫تتحدد داللة املصطلح من الناحية االصطالحية مبا يقابله من ألفاظ أجنبية‪ ،‬فقد أورد النقاد له يف اللغة األجنبية‬
‫"كلمات تكاد تكون متفقة من حيث النطق واإلمالء وهي الكلمات ‪ terme‬يف اإلجنليزية واهلولندية والدمناركية‬
‫والرومانية والسويدية ولغة ويلز ‪ torm‬أو ‪ terminus‬يف األملانية‪ termine ،‬يف اإليطالية‪ termino ،‬يف‬
‫اإلسبانية و ‪ termo‬يف الربتغالية و ‪ temine‬يف الروسية والبلغارية والرومانية والسلوفينية والتشيكية والبولندية وىف‬
‫الفنلندية"‪.3‬‬

‫‪_ 1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الوهاب أمني‪ ،‬العبيدي حممد الصادق‪( ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث)‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1111 ، ،3‬مادة صلح‪.‬‬
‫‪Ibn Manzoor, Lisan Al-Arab, enquête : Abdul-Wahhab Amin, Al-Obaidi Muhammad Al-Sadiq,‬‬
‫‪(Beyrouth : Maison de la renaissance du patrimoine), volume 1, 3e édition, 1999.‬‬
‫‪ _ 2‬جمد الدين الفريوز أبادي‪ ،‬القاموس احمليط‪ ،‬حتقيق‪ :‬شامي حممد أنس‪ ،‬زكريء جابر أمحد‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار احلديث)‪ ،8002 ،‬مادة صلح‪.‬‬
‫‪Majd Al-Din Al-Fayrouz Abadi, Dictionnaire Al-Mutih, Enquête : Shami Muhammad Anas,‬‬
‫‪Zakari Jaber Ahmed, (Le Caire, Dar Al-Hadith), 2008.‬‬
‫‪ _ 3‬طلعي زكية‪ ،‬ترمجة املصطلح التقين من اللغة اإلجنليزية إىل اللغة العربية‪ ،‬مذكرة ماجستري‪( ،‬اجلزائر‪ ،‬جامعة تلمسان)‪ ،8013 ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪Tala’i Zakiya, Translating the Technical Term from English into Arabic, Master’s Note, (Algérie,‬‬
‫‪Université de Tlemcen), 2013, p.10.‬‬
‫‪3‬‬
‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‪ ،‬تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬

‫فاملتمعن للدال (‪ )t.e.r.m‬الذي ورد به املقابل اللغوي للمصطلح يف القواميس األجنبية بجد أهنا تشرتك يف‬
‫احلروف نفسها املشكلة لداللة الكلمة ‪ ،terme‬وبذلك فهذا يدل على االرتباط االبستيمولوجي للغة بني خمتلف‬
‫شعوب الدول األجنبية‪ ،‬مادام أن كثري من النقاد ينظر للغة الغربية على أهنا نشأت من فضاء حضاري واحد هو اللغة‬
‫الرومانية القدمية‪.‬‬
‫أما يف املعجم اللغوي العريب جند أن اللغويني العرب مل يغفلوا عن التنظري املفاهيمي للمصطلح من اجلانب‬
‫االصطالحي‪ ،‬فقد وردت تعريفات عدة نذكر منها هذا التعريف البليغ يف داللته‪:‬‬
‫_ االصطالح‪ :‬عبارة عن "اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما ينقل عن موضعه األول‪ ،‬وهو إخراج اللفظ من‬
‫معىن لغوي إىل معىن آخر ملناسبة بينهما‪ ،‬ويواصل قائال‪ :‬وقيل االصطالح اتفاق طائفة على وضع اللفظ بإزاء املعىن"‬
‫‪.4‬‬
‫يتضح من التعريف‪ :‬أن داللة املصطلح من الناحية االصطالحية تأخذ مفهوم بجمع بني االتفاق والقصد يف‬
‫االستعمال وفق سياق معريف معني‪.‬‬
‫‪_1‬خصوصية وضع المصطلح عند النقاد‪:‬‬
‫إن وضع املصطلح ليس باألمر السهل واهلني‪ ،‬لكونه يعد عملية نقدية بينية‪ ،‬حتمل بعدا استشرافيا‪ ،‬حياول فيه‬
‫الناقد إبجاد توافق داليل بني املصطلح الذي مت تلقيه من النقد العريب وبني الدال املستوحى من املعجم النقدي العريب‪،‬‬
‫لذلك فقد اكتست عملية وضع املصطلح جمموعة من اخلصائص النقدية‪ ،‬حىت متيزه عن غريه من املفاهيم‪ ،‬ومن بني‬
‫هذه اخلصائص اليت سنحصيها‪ ،‬نذكر‪:‬‬
‫_ القصد الداليل‪ :‬ويقصد به‪" :‬ارتباطه مبفهوم واحد يكون وجهه الداليل‪ ،‬حيث بجعله داال عليه مهما تعددت‬
‫استعماالته يف احلقل اللغوي املخصوص‪ ،‬ومنه يتجلى الفرق بني املصطلح والكلمات غري االصطالحية إذ قد تعددت‬
‫دالالت هذه األخرية وفق ما تقتضيه االستعماالت السياقية هلا"‪.5‬‬

‫‪ _4‬مرداسي جودي‪ ،‬آليات توليد املصطلح االفرتاضي اللغوي‪( ،‬اجلزائر‪ ،‬جملة الذاكرة‪ ،‬جامعة قاصدي مرباح _ورقلة)‪ ،8012 ،‬ص ‪.822‬‬
‫‪Merdasi Joudi, The Mechanisms of Generating the Hypothetical Linguistic Terminology, (Algeria,‬‬
‫‪Journal of Memory, Kasdi Merbah University - Ouargla),2015, p. 288.‬‬
‫‪ _ 5‬بوحريص أحالم‪ ،‬مسامهة العناصر اللسانية يف وضع املصطلح‪ ،‬مذكرة مكلملة لنيل شهادة املاسرت‪( ،‬اجلزائر‪ ،‬جامعة حممد الصديق بن حيي_جيجل)‪،‬‬
‫‪ ،8012_8012‬ص ‪.10‬‬
‫‪Bouhris Ahlam, The Contribution of Linguistic Elements to the Development of the‬‬
‫‪Terminology, Supplementary Note to Obtaining a Master’s Degree, (Algeria, University of‬‬
‫‪Mohamed Siddik bin Yahya_Jijel), 2014_2015, p. 10.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No. 1‬‬

‫_ مراعاته ملقتضيات اللغوية للغة املخصوصة‪" ،‬أي البناء الصويت والبناء الصريف وخضوعه لعملية االشتقاق وغريها من‬
‫األسس اللغوية اليت تؤمن للغة املقصودة خصوصيتها املتميزة له"‪.6‬‬
‫إن وضع املصطلح يف خصوصيته يفر على النقاد ضرورة التحلي باالتفاق والقصدية املفاهيمية‪ ،‬وهذه‬
‫احلالة الوضعية تشرتط حضور مجلة من الشروط‪ ،‬اليت هتيئ اللغوي لوضع املصطلح املراد وضعه‪ ،‬فهو سيحتكم أثناء‬
‫الوضع إىل التحلي "مببادئ وقواعد اتفقت عليها املعاهد اللسانية أقرهتا معظم اجملامع اللغوية‪ ،‬هي تتلخص يف‪:‬‬
‫_ مراعاة العالقة بني املدلول اللغوي واالصطالحي يف اللفظ‪.‬‬
‫_ وضع مصطلح واحد للمفهوم العلمي الواحد‪.‬‬
‫_تفضيل مصطلحات الرتاث للتعبري عن املفاهيم احلديثة‪.‬‬
‫_ تفادي األلفاظ العامية‪ ،‬ويف حالة استعماهلا يشار إىل عاميتها بوضعها بني قوسني‪.‬‬
‫_ ترجيح أسهل نطق يف رسم األلفاظ املعربة عند اختالف نطقها باللغات األجنبية"‪.7‬‬
‫كل هذه املعايري يف وضع املصطلح حتمل غاية احلفاظ على خصوصية املصطلح‪ ،‬وجتنب الوقوع يف إشكالية‬
‫املصطلح‪ ،‬اما يرتتب عنها غمو والتباس يف املعىن‪.‬‬
‫جتتهد (الدكتورة راضية بني عربية) لتضيف شروط أخرى‪ ،‬تتعلق بواضع املصطلح‪ ،‬إىل جانب إحصائها‬
‫لشروط تتعلق بالسياق وشروط أخرى ترتبط باملصطلح نفسه‪ ،‬فهي تقر بأن صناعة املصطلح تفرت على الناقد‬
‫واللساين‪:‬‬
‫_مراعاة السياق‪ :‬فالبد أن ي رتبط إنتاج املصطلح "بيئته جمتمعية بإنتاج املعرفة‪ ،‬وانتقاء تواجد أو توالد املصطلحات يف‬
‫ظل جفاف معريف يعين سقوط فرضيات العجز اللغوي والعكس صحيح"‪.8‬‬
‫_استخدام املصطلح الشائع االستعمال‪ :‬على الناقد أن يتفادى "االستخدام الفردي للمصطلح والتمسك به ورفض‬
‫التنازل عنه خ طأ فادح يؤزم الوضع على اخلريطة املصطلحاتية‪ ،‬خاصة إذا أوجد مصطلح آخر أكثر منه دالليا وفاعلية‬

‫‪_6‬بن ع ربية راضية‪ ،‬إشكالية املصطلح اللساين وطرق توليده عند احملدثني‪( ،‬اجلزائر‪ ،‬جامعة حسيبة بن بوعلي_ الشلف)‪ ،8010 ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪Ben Arabiya Radhia, The Problematic of the Linguistic Terminology and Methods of Generating‬‬
‫‪it for Modernists, (Algeria, Hassiba Bin Bouali University_ Chlef), 2010, p. 02.‬‬
‫‪ _ .7‬طلعي زكية‪ ،‬ترمجة املصطلح التقين من اللغة اإلجنليزية إىل اللغة العربية‪ ،‬ص ‪.88_81‬‬
‫‪Tala’i Zakiya, Translating the Technical Term from English into Arabic, p.21-22‬‬
‫‪ _8‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.03_08‬‬

‫‪_ibid,p.02_03.‬‬

‫‪5‬‬
‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‪ ،‬تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬

‫فمبدأ التنازل شرط مهم حيمل يف طياته تقدير القدامى لظاهرة تطور العلوم‪ ،‬وذلك من أجل سري العملية املعرفية‬
‫وسبيل توحيد املصطلحات"‪.9‬‬
‫يتبني من هذه املعايري أن املصطلح أثناء وضعه ال بد أن يظل مرتبطا بالسياق العام الذي وجد فيه‪ ،‬مع‬
‫اختصاص الداللة املرتبطة به‪ ،‬دون أن يكون هنالك تداخل مع الدالالت األخرى وهذا يتأتى مبراعاة املعايري السابق‬
‫ذكرها‪.‬‬
‫ثانيا_ آليات وضع المصطلح في النقد العربي‪:‬‬
‫مثلت املثاقفة رهانا ثقافيا مهما للنقاد العرب حينما انفتحوا على ثقافة الشعوب األخرى‪ ،‬فقد متكنوا من‬
‫االطالع على خمتلف املعارف اليت تزخر هبا األمم الغري العربية‪ ،‬فمن أهم معامل هذا التأثر يف املثاقفة هو اجلانب‬
‫اللغوي‪ ،‬حيث كانت اللغة الوسيلة التفاعلية األوىل اليت يستند هلا النقاد العرب يف املثاقفة‪ ،‬فكان هلذا التواصل أثر‬
‫كبري يف حتليهم باملسؤولية اجتاه اللغة‪ ،‬فما يتلقونه من معارف متعددة وخمتلفة‪ ،‬حيث اجتهدوا يف وضع املصطلح‬
‫للحفاظ على قيمة اللغة العربية مبا حتتويه من خصوصية معرفية‪ ،‬ومن جهة ثانية حاولوا مسايرة اللغة العربية لالنفتاح‬
‫املعريف الذي مس الساحة األدبية والنقدية العربية تفي سياقات متعددة من التاريخ اإلنساين الطويل‪ ،‬وهو ما دفعهم‬
‫إىل االهنيال على تلقي املصطلح ووضعه حىت تتناسب معارفهم مع التغري احلاصل‪ ،‬فسارعوا لالستفادة من املصطلح‬
‫من خالل توظيف مجلة من اآلليات اإلجرائية اليت من شأهنا صناعة املصطلح ووضعه‪ ،‬مبا خيدم اللغة العربية وعلومها‪،‬‬
‫حيث نذكر من بني هذه اآلليات اليت استند عليها يف وضع املصطلح‪:‬‬
‫‪ _1‬االشتقاق‪:‬‬
‫يعد االشتقاق من أهم اآلليات املستخدمة يف وضع املصطلح يف اللغة العربية‪ ،‬وهو يتناسب مع خصوصيتها‬
‫التوليدية‪ ،‬حيث يتحدد مفهوم االشتقاق بأنه‪" :‬أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقها معىن ومادة أصلية‪ ،‬ليدل على‬
‫بالثانية على معىن األصل بزيادة مفيدة‪ ،‬ألجلها اختلفا حروف وهيئة‪ ،‬كشارب وفطن من فطن‪ ،‬وهبذه الطريقة ينمو‬
‫املعىن ويتنوع بزيادة حروف خمصوصة‪ ،‬وتغيريات داخلية ألبنية األلفاظ وتكون الصيغ اجلديدة مشرتكة مع املادة‬
‫األصل ية يف أصواهتا وترتيبها ومعناها العام‪ ،‬فسلم دال على مطلق السالمة فقط‪ ،‬وأما السالم ويسلم وسامل وسلمان‬
‫وسلمى والسليم ومسامل فكلها أكثر داللة وأكثر حروفا وكلها مشرتكة يف (س ل م)‪ ،‬وقد حظي موضوع االشتقاق‬
‫بعناية العلماء منذ العصور اإلسالمية األوىل‪ ،‬فلم يكن سيبويه أول من فصل فيه يف الكتاب‪ ،‬فقد حتاوره العلماء‬

‫‪ _9‬نفسه‪ ،‬ص ‪.81_80‬‬

‫‪ibid,p.20_21.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No. 1‬‬

‫بالبحث والتأليف منذ القرن الثاين اهلجري‪ ،‬وتعددت نواحي البحث فيه‪ ،‬إال عوادي الزمن أبقت القليل من ذلك‬
‫الرتاث ومن العلماء الذين أفردوا له كتبا‪ :‬قطرب‪ ،‬واألخفش األوسط‪ ،‬واألصمعي وابن حاكم الباهلي وابن قطن‬
‫املهري القريواين وابن أيب طاهر طيفور واملربد وابن عاصم اللغوي والزجاج وغريهم"‪.10‬‬
‫يتبني من خالل هذا أن آللية االشتقاق أمهية كربى لدى اللغويني العرب القدامى‪ ،‬من خالل ما تقدمه من‬
‫صيغ تسمح هلم بتنمية اللغة وتوليد ألفاظها مبا يتناسب مع واقع مقتضى القول‪.‬‬
‫‪ _2‬النقل المجازي‪:‬‬
‫آلية مستخدمة يف تطويع اللغة العربية مع األلفاظ املعرفية املتداولة يف غري الوسط العريب‪ ،‬وهو يقصد به‪:‬‬
‫"استعمال كلمة من غري معناها احلقيقي لعالقة مع قرينة ملفوظة أو ملحوظة‪ ،‬نالحظـ أن التعريفني متفقان‪ ،‬فكالمها‬
‫يشري إىل أن اجملاز هو استخدام اللفظة اجلديدة للداللة على مفهوم جديد وفيهما إحلاح على ضرورة وجود عالقة بني‬
‫املعىن األصلي للكلمة ومعناها اجلديد"‪.11‬‬
‫تتحدد الداللة الوظيفة آللية اجملاز من خالل إسناد معىن اللفظ لغري فاعله على أن توجد قرينة مشاهبة‬
‫بينهما؛ إال أن هذه آلية تواجه صعوبة يف ضبط داللة اللفظ ما دامت داللة اللفظ قد شهدت تطورا وتغريا من عصر‬
‫إىل آخر؛ مثل‪" :‬تطور معىن احلرية من مقابل الرقيق إىل القدرة على االختيار السياسي بعد إلغاء الرقيق‪ ،‬ومن تلك‬
‫املصطلحات اجملد‪ ،‬واألفق والوغى والغفران‪ ،‬وقد استفاد علماء العربية احملدثون من ظاهرة النقل اجملازي وأخذوها‬
‫وسيلة إلعطاء أمساء ومصطلحات جديدة‪ ،‬من ذلك كلمة سيارة‪ ،‬يف قوله تعاىل ‪":‬وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم"‬
‫فالسيارة هنا تدل على الفاعلة أخذوها للداللة على العربة اآللية السريعة جبامع السري واحلركة يف كل منهما‪ ،‬وكلمة‬
‫نفاثة‪ ،‬يف قوله تعاىل‪" :‬ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات يف العقد" أخذت يف العصر احلديث للداللة على‬
‫الطائرة السريعة اليت تعتمد على نفث الدخان جبامع معىن النفخ والنحت يف كل منهما"‪.12‬‬

‫‪_ 10‬غنيم كمال أمحد‪ ،‬آليات التعريب وصناعة املصطلحات اجلديدة‪( ،‬فلسطني‪ ،‬جممع اللغة العربية الفلسطيين_غزة)‪ ،8013 ،‬ص ‪.10_01‬‬
‫‪Ghoneim Kamal Ahmed, Arabization Mechanisms and the Making of New Terms, (Palestine,‬‬
‫‪Palestinian Arabic Language Academy - Gaza), 2013, p. 09_10.‬‬
‫‪ _11‬طلعي زكية‪ ،‬ترمجة املصطلح التقين من اللغة اإلجنليزية إىل اللغة العربية‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪Tala’i Zakiya, Translating the Technical Term from English into Arabic, p. 25.‬‬
‫‪ _12‬غنيم كمال أمحد‪ ،‬آليات التعريب وصناعة املصطلحات اجلديدة‪ ،‬ص ‪.18_11‬‬
‫‪Ghoneim Kamal Ahmed, Arabization Mechanisms and the Making of New Terms, 2013,‬‬
‫‪p. 11-12.‬‬
‫‪7‬‬
‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‪ ،‬تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬

‫‪ _3‬التعريب‪:‬‬
‫آلية إلثراء اللغة العربية مبا يقابلها من اللغات األخرى‪ ،‬خدمة للهوية اللغوية وإثراء هلا من جهة أخرى‪ ،‬حيث‬
‫تنقسم هذه اآللية عند النقاد الواضعني للمصطلح إىل نوعني مها‪ :‬أحدمها صياغي واآلخر صويت‪ ،‬إذ فصل (اجلوهري)‬
‫يف ماهيتهما_قائال‪" :‬االقتباس الصياغي هو العالمة اللغوية بكونه تلفظ العرب بكلمة أعجمية على هنجها وأسلوهبا‪،‬‬
‫أما التعريب االقتباسي الصويت عند سيبويه‪ ،‬النحوي املشهور فهو أن تتكلم العرب بالكلمة األعجمية‪ ،‬مطلقا‪ ،‬وقد‬
‫يلحقوهنا بابنية الكالم وقد ال يلحقوهنا هبا‪ ،‬نأخذ على سبيل املثال كلمة ‪ télévision‬إذا عربت بالتلفزة فهذا‬
‫تعريب إقتباسي صياغي‪ ،‬وإذا عربت بالتلفزيون مسينا هذا التعريب إقتباسي صويت‪ ،‬ويف أيامنا هذه تعددت دالالت‬
‫مصطلح التعريب‪ ،‬فهناك من يقصد به كيفية وضع ونقل املصطلح العريب من اللغة األجنبية "‪.13‬‬
‫يفهم من هذا أن التعريب من اآلليات اليت هلا مرجعياهتا يف الرتاث العريب القدمي‪ ،‬واليت مكنت من احلفاظ‬
‫على اهلوية الغوية العربية أمام االنفتاح على الشعوب األخرى وما حتمله من لغات هلا خصوصياهتا‪ ،‬لذلك فهذه اآللية‬
‫مكنت اللغويني من إدراكهم مدى قدرة اللغة العربية على احتواء اللغات األخرى‪ ،‬وقدرهتا على احلفاظ على‬
‫خصوصيتها الل غوية والنحوية والصرفية واملعجمية‪ ،‬وهذه اخلصوصية تعد دليال آخر على االستحقاق الذي منحه اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل للغة العربية بأن خصها لتكون لغة للقرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪ _4‬النحت‪:‬‬
‫آلية أوجدها الواضعون للمصطلح من أجل صناعة صيغ جديدة مل تكن موجودة من قبل‪ ،‬عرب "انتزاع‬
‫احلروف م ن الكلمات لتكوين الكلمة املنحوتة‪ ،‬وهي آلية ختضع إىل قواعد حمدودة‪ ،‬فقد يأخذون من كل كلمة فاءها‬
‫وعينها مث ينسبوهنا إىل املنحوتة كقوهلم عبشمي من عبد مشس‪ ،‬وقد يتجاوزون العني إىل الالم مثل عبقسي من عبد‬
‫القيس‪ ،‬ويف بعض املنحوتات من اجلمل جتاوزوا عن مجيع أحرف بعض الكلم حنو مغر من أدام عزه‪ ،‬وحيتاج النحت‬
‫إىل الذوق السليم‪ ،‬فكثريا ما تكون ترمجة الكلمة األعجمية بكلمتني عربيتني أصلح وأدل على املعىن من حنت كلمة‬
‫عربية واحدة بجمعها الذوق ويستغلق فيها املعىن ‪ ...‬ومن أمثلة النحت النسيب يف العربية عبشمي نسبة إىل عبديل‪،‬‬
‫بسبة إىل عبد اهلل‪ ،‬ودرعمي نسبة إىل دار العلوم‪ ،‬وجسملي نسبة إىل اجلامعة اإلسالمية"‪.14‬‬

‫‪ _13‬غنيم كمال أمحد‪ ،‬آليات التعريب وصناعة املصطلحات اجلديدة‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪Ghoneim Kamal Ahmed, Arabization Mechanisms and the Making of New Terms, 2013, p. 25.‬‬
‫‪ _14‬طلعي زكية‪ ،‬ترمجة املصطلح التقين من اللغة اإلجنليزية إىل اللغة العربية‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪Tala’i Zakiya, Translating the Technical Term from English into Arabic, p.24.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No. 1‬‬

‫‪ _5‬الترجمة‪:‬‬
‫كان لالنفتاح العلمي العريب على الدول الغربية أثر يف املثاقفة املعرفية يف خمتلف اجملالت بني الطرفني‪ ،‬لذلك‬
‫كان النقاد العرب يف فرتات متفاوتة من الزمن حباجة آللية متكنهم من فهم وإدراك املعارف األخرى اليت حيزوها‬
‫الغرب‪ ،‬حىت يتم نقلها إىل العربية‪ ،‬فكان أن استندوا على آلية الرتمجة‪ ،‬اليت يقصد هبا نقل "معىن املصطلح من اللغة‬
‫املصدر إىل املعىن املكافئ له‪ ،‬يف اللغة اهلدف"‪.15‬‬
‫تعتمد آلية الرتمجة على وسيلتني اثنتني‪ ،‬تقوم عليهما أثناء نقل الداللة من لغة إىل لغة أخرى‪ ،‬إذ لكل وسيلة‬
‫مجلة من الوسائل اليت تساعدها يف حتقيق غاية املعىن املنقول‪ ،‬وهاتان الوسيلتان؛ مها‪:‬‬
‫أ_ الرتمجة املباشرة‪ :‬تتم هذه الطريقة "بني لغتني ال ختتلفان كثريا يف املبىن واملعىن‪ ،‬أي عندما يكون ترتيب اجلملة أو‬
‫املفهوم واحدا‪.‬‬
‫_ الرتمجة احلرفية‪ :‬هي استبدال كلمة بكلمة أخرى مقابلة هلا يف لغة ثانية‪ ،‬فيتحصل املرتجم على نص سليم يف اللغة‬
‫اهلدف مكتوب بلغة شائعة وما عليه سوى حتمل التبعية اللغوية"‪.16‬‬
‫ب_ الرتمجة غري املباشرة‪ :‬تعتمد هذه اآللية على وسيلتني مساعدتني مها‪:‬‬
‫_ اإلبدال‪ :‬هي تقنية تقوم على تغيري عنصر من أقسام الكالم؛ أو ترتيبه بعنصر آخر‪ ،‬مع احلفاظ على املعىن اإلمجايل‬
‫للرسالة‪ ،‬ويستخدم هذا اإلجراء ألغرا أسلوبية تتطلبها اللغة اهلدف‪.‬‬
‫_ التعديل‪ :‬هي تقنية تعتمد على تغيري يف وجهة النظر أو يف درجة الوضوح عند نقل الرسالة األصلية إىل اللغة اهلدف‬
‫كاستخدام اسم اجلزء للتعبري عن اسم الكل‪ ،‬أو اجملرد للتعبري عن امللموس‪ ،‬وقد يكون التعديل اختياريا أو ضروريا‪.17‬‬
‫ثالثا_ ماهية التفكيك في النقد األدبي‪:‬‬
‫ظهرت التفكيكية بزعامة جاك دريدا )‪ (Jacques Derrida‬يف منتصف الستينيات من القرن املاضي‪،‬‬
‫حيث يرجح الناقد (يوسف وغليسي) تاريخ ظهورها يف الساحة النقدية الغربية إىل أكتوبر ‪1111‬م‪ ،‬حينما أقدمت‬
‫جامعة جون هوبكرت بالواليات املتحدة األمريكية على تنظيم "ندوة اختذت من اللغات النقدية وعلوم اإلنسان‬

‫‪ _15‬غنيم كمال أمحد‪ ،‬آليات التعريب وصناعة املصطلحات اجلديدة‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪Ghoneim Kamal Ahmed, Arabization Mechanisms and the Making of New Terms, p. 18‬‬
‫‪ _16‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ibid,p. 26.‬‬
‫‪ _17‬غنيم كمال أمحد‪ ،‬آليات التعريب وصناعة املصطلحات اجلديدة‪ ،‬ص ‪.20_21‬‬
‫‪Ghoneim Kamal Ahmed, Arabization Mechanisms and the Making of New Terms, p. 49_50.‬‬
‫‪9‬‬
‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‪ ،‬تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬

‫موضوعا هلا‪ ،‬وقد شارك فيها جنوم املشهد النقدي العاملي املعاصر‪ ،‬روالن بارت‪ ،‬تزفيتان تودوروف‪ ،‬لوسيان غولدمان‪،‬‬
‫جورج بويل‪ ،‬جاك دريدا‪ ،‬جاك الكان"‪.18‬‬
‫يبدو أن تاريخ ظهورها كان متآخر مقاربة بباقي املناهج النقدية احلداثية‪ ،‬ورغم هذا التأخر فقد استطاعت‬
‫التفكيكية لفت انتباه النقاد احلداثيني حنوها‪ ،‬فقد تبناها يف البداية نقاد كانوا ينتمون يف بداياهتم النقدية إىل البنيوية‪،‬‬
‫ولكنهم يف مرحلة ما بعد احلداثة أعلنوا متردهم على البنيوية ومبادئها النقدية‪ ،‬فكانت التفكيكية رافدا حيمل بعض ما‬
‫جاءت به البنيوية‪ ،‬ولكنها تتمرد عليها يف الوقت نفسه‪ ،‬لذلك تعد التفكيكية "حركة بنائية وضد البنائية يف اآلن‬
‫نفسه"‪.19‬‬
‫أثار ظهورها يف مرحلة ما بعد احلداثة اهتمام النقاد‪ ،‬الذين سعوا إىل متثل املعامل النقدية اليت محلتها التفكيكية‬
‫يف النقد‪ ،‬فكان أول ما تطرقوا إليه هو البحث يف ماهية املصطلح النقدي املقابل للتفكيكية‪ ،‬حيث عرف تلقي النقاد‬
‫للتفكيكية اضطرابا يف املصطلح‪ ،‬والذي يرجع سببه إىل االلتباس يف األخذ بني التسميتني‪ :‬ما بعد البنيوية‪ ،‬وما بعد‬
‫احلداثة‪ ،‬حيث شكل هذا الرافد النقدي اجلديد "مطية لقيام حركة معرفية جديدة على أنقاضها مسيت ما بعد البنيوية‬
‫‪ ،post structuralism‬وقد تلتبس مبا بعد احلداثة‪ ، post modernism‬فترتافدان أمام مفهوم واحد‪،‬‬
‫ويغدو التمييز بينهما أمرا من الصعوبة مبكان"‪.20‬‬
‫‪ _1‬لغة‪:‬‬
‫كان ملصطلح التفكيك مكانة مفاهيمية معتربة يف املعاجم اللغوية العربية‪ ،‬فقد جاء يف "لسان العرب" البن‬
‫َّيءَ‬‫ْت الش ْ‬ ‫ال فَ َكك ُ‬ ‫ك اللَّْي َ‬
‫ث‪ ،‬يـُ َق ُ‬ ‫منظور يف مادة (فكك)أن لفظ التفكيك حيمل داللة الفصل والتخليص‪ ،‬يقول‪":‬فَ َك َ‬
‫صتُهُ‪َ ،‬وُك ُّل‬ ‫ك احلَْن َك ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ِمبَْن ِزلَِة ِ‬
‫الكتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّيءَ‪َ :‬خلَ ْ‬
‫ْت الش ْ‬ ‫ص َل بـَْيـنَـ ُه َما‪َ ،‬وفَ َكك ُ‬
‫ني‪ :‬فَ َ‬ ‫ك َخامتَُهُ َك َما تَـ َف َك َ‬
‫اب امل ْختُوم‪ :‬تَـ َف َك َ‬
‫َ‬
‫فَانْـ َف َ‬

‫‪ _18‬وغليسي يوسف‪ ،‬مناهج النقد األديب‪( ،‬اجلزائر‪ ،‬دار جسور للنشر والتوزيع_احملمدية)‪ ،‬ط‪ ،8010 ،3‬ص ‪176‬‬
‫‪Ghalisi Youssef, Literary Criticism Methods, (Algeria, Dar Jusoor for Publishing and Distribution -‬‬
‫‪Muhammadiyah), 3rd Edition, 2010, p.176‬‬
‫‪ _19‬عطية أمحد عبد احلليم‪ ،‬جاك دريدا والتفكيك‪( ،‬لبنان‪ ،‬دار الفرايب_بريوت)‪ ،‬ط‪ ،8010 ،1‬ص ‪112‬‬
‫‪Attia Ahmed Abdel Halim, Jacques Derrida and Deconstruction, (Lebanon, Dar Al-Farabi_Beirut),‬‬
‫‪1, 2010, p.112‬‬
‫‪ _20‬عطية أمحد عبد احلليم‪ ،‬جاك دريدا والتفكيك‪ ،‬ص ‪168‬‬
‫‪Attia Ahmed Abdel Halim, Jacques Derrida and Deconstruction, p.168‬‬
‫‪11‬‬
‫‪Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No. 1‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫الرْه َن‬
‫ك َّ‬‫صلَهُ‪َ ،‬وفَ َ‬
‫ك‪ :‬فَ َ‬
‫الش ْيءَ يـَ ُف ُكهُ فَ ًكا‪ ،‬فَانْـ َف َ‬
‫ك َّ‬ ‫ك التَـ ْف ِك ُ‬
‫يك ابن َسيِّده فَ َ‬ ‫ص ْلتُـ ُه َما‪ :‬فَ َك ْكتُـ ُه َما‪َ ،‬وَك َذل َ‬ ‫ُم ْشتَبِ َك ْ ِ‬
‫ني فَ َ‬
‫صهُ"‪.21‬‬ ‫ِ‬
‫يـَ ُف ُكهُ فَ ًكا َوفَـتَ َكهُ‪ ،‬مبَْع َىن‪َ :‬خلَ َ‬
‫إذن حتمل داللة التفكيك لغويا عند "ابن منظور" معىن الفصل بني الشيئني_ أي االنتقال به من وضعية‬
‫التشابك وااللتحام إىل وضعية الفصل والزوال‪.‬‬
‫جاء يف "القاموس احمليط" للفريوز آبادي يف مادة (فكك) أن داللة التفكيك يف زمن املاضي تشري إىل‬
‫صهُ"‪.22‬‬
‫ك َوفُ ُكوًكا‪َ :‬خلَ َ‬
‫الرْه ُن فَ َ‬
‫صلَهُ‪َ ،‬و َّ‬
‫الفصل‪ ،‬يقول‪":‬فَ َكهُ‪ :‬فَ َ‬
‫إن معىن التفكيك يف املعجم اللغوي "قاموس احمليط" للفريوز آبادي ال خيتلف عن الداللة اليت قدمها معجم‬
‫"لسان العرب" البن منظور‪ ،‬فداللته مل خترج عن معىن الفصل والقطع بني الشيئني‪.‬‬
‫‪_2‬اصطالحا‪:‬‬
‫تثري تفكيكية "جاك دريدا" )‪ (Jacques Derrida‬يف نقد ما بعد البنيوية إشكالية يف املصطلح‪ ،‬لعدم‬
‫استقرار النقاد على مصطلح مرتجم واحد يقابل التفكيك‪ ،‬وهي إشكالية سبق (لدريدا ‪ (derrida‬أن اعرتف هبا‪،‬‬
‫حينما صرح أنه وجد صعوبة يف االستقرار على مفهوم واحد للتفكيك‪ ،‬فقد أدرك أن الشرح املتباين الذي تقدمه‬
‫املعاجم اللغوية ال حيمل نفس املعىن الذي يريده‪ ،‬ويرجع السبب يف ذلك "إىل أن مجيع احملموالت ومجيع املفهومات‬
‫التحديدية ومجيع الدالالت املعجمية ‪ ،‬وحىت التمفضالت النحوية اليت تبدو يف حلظة معينة وهي متنح نفسها هلذا‬
‫التحديد وهذه الرتمجة‪ ،‬خاضعة هي األخرى للتفكيك وقابلة له‪ ،‬مباشرة أو مداورة"‪. 23‬‬
‫الواضح أنه يفرد داللة التفكيك مبفهوم نقدي مييزها عن باقي املصطلحات النقدية املتداولة يف مرحلة نقد ما‬
‫بعد احلد اثة‪ ،‬فهو ال يطمئن لعملية ترمجة املصطلح؛ ألنه يرى أن الرتمجة ستزيد من غمو التفكيك‪ ،‬كما أهنا لن‬
‫تؤدي إىل املعىن الذي وضع من أجله املصطلح‪ ،‬وبالتايل ستصبح كل ترمجة قابلة هي األخرى للتقويض بطريقة مباشرة‬

‫‪ _ 21‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الوهاب أمني‪ ،‬العبيدي حممد الصادق‪( ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث)‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1111 ،3‬مادة فكك‪.‬‬
‫‪Ibn Manzoor, Lisan Al-Arab, enquête : Abdul-Wahhab Amin, Al-Obaidi Muhammad Al-Sadiq,‬‬
‫‪(Beyrouth : Maison de la renaissance du patrimoine), volume 1, 3e édition, 1999.‬‬
‫‪ _ 22‬جمد الدين الفريوز أبادي‪ ،‬القاموس احمليط‪ ،‬حتقيق‪ :‬شامي حممد أنس‪ ،‬زكريء جابر أمحد‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار احلديث)‪ ،8002 ،‬مادة فكك‪.‬‬
‫‪Majd Al-Din Al-Fayrouz Abadi, Dictionnaire Al-Mutih, Enquête : Shami Muhammad Anas,‬‬
‫‪Zakari Jaber Ahmed, (Le Caire, Dar Al-Hadith), 2008.‬‬
‫‪ _23‬جاك دريدا‪ ،‬الكتابة واالختالف‪ ،‬ترمجة‪ :‬كاظم جهاد‪( ،‬املغرب‪ ،‬دار توبقال_الدار البيضاء)‪ ،‬ط‪ ،8000 ،8‬ص ‪.18‬‬
‫_‪Jacques Derrida, Writing and Difference, translated by: Kazem Jihad, (Morocco, Dar Toubkal‬‬
‫‪Casablanca), 2nd Edition, 2000, p. 62.‬‬
‫‪11‬‬
‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‪ ،‬تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬

‫أو غري مباشرة‪ ،‬مادام املرتجم قد قصر يف إبجاد املفهوم الصواب الذي وجد له التفكيك يف لغته األصل‪ ،‬وهبذا املفهوم‬
‫يصبح التفكيك من الناحية اإلجرائية عملية نقدية يف غاية الغمو ومثرية لاللتباس يف نفس الوقت‪.‬‬
‫إن إقراره باستحالة إبجاد مصطلح يرتجم مفهوم التفكيكية بالرؤية النقدية اليت تشكلت لديه عن التفكيك‬
‫مردها ختوفه من تلقي النقاد للمفهوم السليب للتفكيك‪ ،‬وهو األمر الذي يزيد من ضبابية التفكيك مقارنة مبفهومه‬
‫األصل الذي بجعل من التفكيك عملية "تشريح للنصوص من أجل هدم املقوالت الثابتة‪ ،‬وتقويض البنيات الثنائية‪،‬‬
‫والتشكيك يف فعاليتها الفلسفية واإلجرائية"‪.24‬‬

‫يعترب "جاك دريدا" )‪ (Jacques Derrida‬التفكيكية اسرتاتيجية نقدية لقراءة النصوص وكشف ما فيها‬
‫من تناقض‪ ،‬لكوهنا اسرتاتيجية تدفع الناقد إىل امارسة فعل القراءة املتجددة للنص‪ ،‬وتوليد معانيه باستمرار‪ ،‬وهبذا‬
‫تصبح التفكيكية امتداد لنقد ما بعد احلداثة الثائر على النقد البنيوي‪ ،‬فهي تشجع القارئ على انتهاج فعل القراءة‬
‫املتجددة للنص‪ ،‬وهي تتمرد يف مقاربتها النقدية على الثوابت املنطقية اليت قام عليها الفكر الغريب يف سياق احلداثة‪،‬‬
‫وتشك يف منطلقاته الفلسفية واإلجرائية‪ ،‬مث حتاول أن تكشف عن التناقض احلاصل يف النص‪ ،‬من أجل هدمه وبناءه‬
‫من جديدة بصورة داللية متجددة‪ ،‬ختتلف فيها داللة النصفي القراءة اجلديدة عن املعىن األول الناتج عن القراءة‬
‫السابقة‪ ،‬وهكذا تصبح التفكيكية اسرتاتيجية لقراءة النصوص وتقويضها‪.‬‬
‫يرى الناقد "عبد اهلل إبراهيم" أن املتلقي لدال التفكيك يف أول األمر‪ ،‬تتشكل يف ذهنه مفاهيم ذات مدلول‬
‫حسي ومادي‪ ،‬يرتبط فيها املصطلح مبعىن التشتيت واهلدم "ومن هنا يأيت سبب تسميته بالتفكيكية‪ ،‬واليت تعين يف‬
‫املصطلح األجنيب لفظ (‪ ،)Deconstruction‬وهي مناقضة للفظ (‪ ،)construction‬وهو مصطلح يدل‬
‫على اهلدم ‪ Destruction‬والتشريح"‪.25‬‬

‫‪ _24‬محداوي مجيل‪ ،‬نظريات النقد األديب والبالغة يف مرحلة ما بعد احلداثة‪( ،‬املغرب‪ ،‬شبكة ألوكة)‪ ،‬ط‪ ،8010 ، 2‬ص ‪.38‬‬
‫‪Hamdaoui Jamil, Theories of Literary Criticism and Rhetoric in the Postmodern Phase, (Morocco,‬‬
‫‪Alukah Network), 4th edition, 2010, p. 32.‬‬
‫‪ _ 25‬إبراهيم عبد اهلل‪ .‬معرفة اآلخر_ مدخل إىل املناهج النقدية احلديثة‪( ،‬املغرب‪ ،‬املركز الثقايف العريب)‪ ،‬ط‪ ،1111 ،8‬ص ‪.112‬‬
‫‪Ibrahim Abdullah. Knowing the Other (An Introduction to Modern Critical Curricula), Morocco,‬‬
‫‪Arab Cultural Center, 2nd Edition, 1996, p. 114.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No. 1‬‬

‫إال أن هذه الداللة سطحية؛ ألن مفهوم التفكيك "يف مستواه العميق‪ ،‬يدل على تفكيك اخلطابات والنظم‬
‫الفكرية‪ ،‬وإعادة النظر إليها حبسب عناصرها‪ ،‬واالستغراق فيها وصوال إىل اإلملام بالبؤر األساسية املطمورة فيها وإعادة‬
‫بعثها"‪.26‬‬
‫يقر الناقد "علي حرب" أن املبدأ األساس الذي يرتكز عليه التفكيك يف مقاربة النصوص‪ ،‬هو تعزيز دور‬
‫القارئ يف تأويل الداللة‪ ،‬ورفض ثبات املعىن على قصد واحد‪ ،‬ألن النص حسبه حيتمل إمكانات ال هنائية من املعاين‬
‫القابلة للتجديد والتشظي باستمرار‪ ،‬كلما جتدد فعل القراءة‪ ،‬وهبذا يصبح النص "متعدد املعىن‪ ،‬ملتبس الداللة‪ ،‬كثيف‬
‫املفهوم‪ ،‬متوتر الوجهة‪ ،‬إش كايل القضية واألطروحة ‪ ...‬لذا فهو حيتمل غري قراءة ‪ ...‬وما دام معىن النص ناتج قراءة‬
‫متعددة‪ ،‬فإن معناه حيتمل امكنات خمتلفة حسب تعدد القراءة"‪.27‬‬
‫هبذا املفهوم فإن التفكيك ال يستقر على صالح داللة املقوالت القدمية‪ ،‬بل هو يقوم على دحضها وفضح‬
‫الزيف الذي يكتنفها‪ ،‬م ن خالل تبيان الشرخ القائم بني املعاين السابقة واملعاين املستخلصة من القراءة اجلديدة‪ ،‬اليت‬
‫أسهمت يف "تعرية مسبقاته وحمجوباته‪ ،‬وتبيان حذفه‪ ،‬وأالعيبه وفضح سلطته"‪.28‬‬
‫إن التفكيك يف جانبه االصطالحي يقوم على عملية تقويل النص‪ ،‬وشحن داللته مبعاين جديدة‪ ،‬خيتلف‬
‫مدلوهل ا عن املدلول السابق‪ ،‬وهذه املقاربة النقدية يتم حتصيلها من خالل انتهاج قراءة تقويضية‪ ،‬وهي "قراءة مزدوجة‪،‬‬
‫تسعى إىل دراسة النص دراسة تقليدية‪ ،‬أوال‪ :‬إلثبات معانيه الصرحية‪ ،‬مث تسعى لتقويض ما توصل إليه من نتائج‪ ،‬يف‬
‫قراءة معاكسة تعتمد على ما ينطوي عليه النص من معاين تتناقض مع ما يصرح به"‪.29‬‬

‫‪ _26‬إبراهيم عبد اهلل‪ ،‬التفكيك األصول واملقوالت‪( .‬الدار البيضاء‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة)‪ ،‬ط‪ ،1110 ،1‬ص ‪.10‬‬
‫‪Ibrahim Abdullah, Deconstruction: Origins and Categories. Casablanca, New Success Press, 1,‬‬
‫‪1990, p. 60.‬‬
‫‪ _27‬حرب علي‪ ،‬هكذا أقرأ ما بعد التفكيك‪( ،‬األردن‪ ،‬دار الفارس للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل)‪ ،8002 ،‬ص ‪.83‬‬
‫_ ‪Ali harbe, This is how I read after dismantling, Jordan, Dar Al-Fares for Publishing and‬‬
‫‪Distribution, first edition, 2005, p. 23.‬‬
‫‪ _28‬حرب علي‪ ،‬هكذا أقرأ ما بعد التفكيك‪ ،‬األردن‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪Ali harbe, This is how I read after dismantling, p 26.‬‬
‫‪ _ 29‬الرويلي ميجان‪ ،‬البازغي سعد‪ ،‬دليل الناقد األديب‪( ،‬املغرب‪ ،‬املركز الثقايف العريب)‪ ،‬ط‪ ،8008 ،3‬ص ‪.102‬‬
‫‪Al-Ruwaili Megan, Al-Bazghi Saad, Literary Critic’s Guide, Morocco, Arab Cultural Center, 3rd‬‬
‫‪Edition, 2002, p. 108.‬‬
‫‪13‬‬
‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‪ ،‬تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬

‫رابعا_تلقي النقد العربي لمصطلح التفكيك‪:‬‬


‫يرجع ظهور التفكيكية يف النقد العريب إىل سنة ‪1122‬م‪ ،‬وهو تلقي جد متأخر مقارنة بنشأة التفكيكية‬
‫وانتشارها يف الواليات املتحدة األمريكية سنة ‪1111‬م‪ ،‬فيبني هذا الفارق الزمين املقدر ب ‪ 81‬سنة صعوبة مسايرة‬
‫النقد العريب لكل جديد يف النقد الغريب‪ ،‬فقد وافق سياق ظهورها "تاريخ صدور أول جتربة نقدية عربية تصدع انتمائها‬
‫الصريح إىل أجبديات القراءة التفكيكية التشرحيية‪ ،‬وهي جتربة الناقد السعودي الكبري عبد اهلل الغذامي يف كتابه اخلطيئة‬
‫والتكفري من البنيوية إىل التشرحيية ‪ deconstruction‬قراءة نقدية لنموذج إنساين معاصر"‪.30‬‬
‫لذلك يعد الناقد السعوادي "عبد هلل الغذامي" أول إسهام نقدي عريب يتمثل التفكيكية‪ ،‬فكان منجزه‬
‫النقدي البكر مبثابة النافذة النقدية اليت مكنت النقد العريب من االطالع على التفكيكية وآلياهتا يف مقاربة النصوص‪.‬‬
‫يرجع التأخر العريب يف تلقي التفكيكية إىل وجود فوارق سيسيوثقافية بني النقديني‪ ،‬حيث يعد النقد الغريب‬
‫منتجا للمناهج النقدية‪ ،‬بينما يعترب النقد العريب متلقيا هلا‪ ،‬حىت باتت مصطلحات هذه املناهج النقدية الغربية "تصل‬
‫إلينا متأخرة‪ ،‬فنضطر إىل مالحقتها ومواصلة متابعة اإلبداالت اجلديدة على إيقاع متواتر خارجي عنا‪ ،‬وتستدعي هذه‬
‫املالحقة االستعجال يف االنتقال رغم عدم إجناز املطلوب إجنازه مع أي إبدال"‪.31‬‬
‫أتوصل إىل أن الفارق الثقايف بني النقدين األدبيني‪ ،‬كان له تأثري كبري يف تأخر تلقي النقاد العرب للتفكيكية‪،‬‬
‫اما أعاق مسايرة النقد العريب للنقد الغريب‪ ،‬فكان تلقي النقد العريب للتفكيكية متأخرا‪ ،‬إذ تعد الدراسات النقدية‬
‫املطبقة للتفكيكية حمتشمة مقارنة بالنقد الغريب‪ ،‬الذي سبقنا بسنوات عديدة يف التنظري للتفكيكية‪ ،‬وتطبيق آلياهتا‬
‫النقدية على النص‪.‬‬
‫جتلى تلقي التفكيكية يف النقد العريب‪ ،‬يف احنصار جهود النقاد يف ترمجة املصطلح‪ ،‬واختلفوا يف إبجاد مقابل‬
‫له‪ ،‬ألنه "بقي مضلال يف داللته‪ ،‬فقد أثر جدال كبريا حول املقابل العريب هلذا اللفظ‪ ،‬فنجد‪ :‬التفكيك‪ ،‬التفكيكية‪،‬‬
‫التشرحيية‪ ،‬والتقويضية"‪ ، 32‬مثلما حدث مع الناقد "عبد اهلل الغذامي"‪ ،‬الذي فيما يبدو كانت أمامه خيارات متعددة‬

‫‪_30‬وغليسي يوسف‪ ،‬مناهج النقد األديب‪ ،‬ص ‪199‬‬


‫‪Ghalisi Youssef, Literary Criticism Methods, p.199.‬‬
‫‪ _31‬يقطني سعيد‪ ،‬دراج فيصل‪ ،‬آفاق نقد عريب‪( ،‬سوريا‪ ،‬دار الفكر_دمشق)‪ ،‬ط‪ ،8003 ،1‬ص ‪.31_30‬‬
‫‪Yaqtin Saeed, Daraj Faisal, Horizons of Arab Criticism, (Syria, Dar Al-Fikr_Damascus), 1, 2003, p.‬‬
‫‪30_31.‬‬
‫‪ _32‬بلخري أرفيس‪ ،‬يف تفكيكية اخلطاب السردي‪( ،‬اجلزائر‪ ،‬جملة دفاتر خمرب الشعرية اجلزائرية_جامعة املسيلة)‪ ،‬العدد ‪ ،1‬مارس ‪ ،8012‬ص ‪.102‬‬
‫‪Belkheir Arvis, On Deconstruction of Narrative Discourse, (Algeria, Journal of Notebooks of the‬‬
‫‪Algerian Poetry Lab - University of M'sila), No. 6, March 2018, p. 108.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No. 1‬‬

‫إلبجاد مصطلح عريب مقاب ل للتفكيكية‪ ،‬إىل أن استقر على مصطلح التشرحيية كمصطلح مقابل للتفكيكية‪ ،‬واليت‬
‫قصد هبا "تفكيك النص من أجل إعادة بنائه"‪.33‬‬
‫يشري بعض النقاد إىل أن الدراسات األوىل اليت عرجت على التفكيكية يف النقد العريب ترجع إىل "أدونيس"‬
‫بداية من سبعينيات القرن املاضي‪ ،‬لذلك "يعد "أدونيس" املنظر األول حلركة احلداثة العربية‪ ،‬وبالتايل املبشر الجتاه‬
‫التفكيكي يف النقد العريب احلديث"‪ ،34‬فقد دعا يف أعماله النقدية إىل ضرورة استفادة الفكر العريب اإلسالمي من‬
‫هذا التوجه النقدي اجلديد‪ ،‬ما من شأنه أن يساعد النقاد يف التصدي لفكر ما بعد احلداثة التفكيكي‪.‬‬
‫استطاعت التفكيكية أن حتقق صدى واسعا يف النقد العريب بفضل االجتهادات النقدية اليت أقامها الناقد‬
‫"أدونيس"‪ ،‬حينما ترجم بعض األعمال النقدية للنقاد الذين متثلوا التفكيكية خالل مسارهم النقدي‪ ،‬وقد أحل على‬
‫ضرورة إفادة الفكر العريب اإلسالمي من التفكيكية‪ ،‬من أجل حتقيق هدف طويل املدى غايته السامية حتصني ذات‬
‫الناقد العريب من املد النقدي الغريب والتصدي للفكر املتطرف الذين ميكن للتفكيكية أن تثريه مستقبال‪.‬‬
‫‪ _1‬أزمة مصطلح التفكيك في النقد العربي‪:‬‬
‫احنصرت جهود النقاد العرب يف بداية تلقيهم للتفكيكية على ترمجتها من أجل وضع مصطلح مقابل هلا‪،‬‬
‫وقد اجتهد الناقد "يوسف وغليسي" يف كتابه "مناهج النقد األديب"‪ 35‬يف إحصاء تلك املصطلحات‪ ،‬واليت أجتهد‬
‫توضيحها حسب اجلدول التايل املستخلص اما قدمه الناقد‪:‬‬
‫املصطلح املستعمل‬ ‫الصفحة‬ ‫الكتاب‬ ‫الناقد‬
‫التشرحيية‪ :‬ويقصد هبا‬ ‫‪20‬‬ ‫اخلطيئة والتكفري‬ ‫عبد اهلل الغذامي‬
‫إعادة بناء النص‬

‫‪ _33‬الغذامي عبد اهلل‪ ،‬اخلطيئة والتكفري من البنيوية إىل التشرحيية‪( ،‬مصر‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب)‪ ،‬ط‪ ،1112 ،2‬ص ‪28‬‬
‫‪Al-Ghadami Abdullah, Sin and Atonement from Structural to Anatomical, (Egypt, General‬‬
‫‪Egyptian Book Organization), 4th edition, 1998., p. 52‬‬
‫‪ _34‬عطية أمحد عبد احلليم‪ ،‬جاك دريدا والتفكيك‪ ،‬ص ‪102‬‬
‫‪Attia Ahmed Abdel Halim, Jacques Derrida and Deconstruction, p.108.‬‬
‫‪ _35‬وغليسي يوسف‪ ،‬مناهج النقد األديب‪ ،‬ص ‪.122_123_128‬‬
‫‪Ghalisi Youssef, Literary Criticism Methods, p.182_183_184.‬‬
‫‪15‬‬
‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‪ ،‬تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬

‫مقال ترمجه‪" :‬نقد بعض مالمح ص‪ ،812‬من جملة التفكيكية‪ ،‬وهو أول من‬ ‫سامي حممد‬
‫مصطلح‬ ‫املنهج البنيوي يف النقد األديب" "األقالم"العراقية‪ ،‬السنة استعمل‬
‫رأي‬ ‫‪ ،111‬التفكيكية يف‬ ‫العدد‬ ‫‪،12‬‬ ‫ليوتيل أيبل‬
‫خالفا‬ ‫د‪/‬يوسف وغليسي‬ ‫‪.1120‬‬
‫ريادة‬ ‫ملا ينسب يف‬
‫اهلل‬ ‫استعماهلا للعبد‬
‫الغذامي‬
‫التفكيك‬ ‫"الكتابة ‪82‬‬ ‫لكتاب‬ ‫ترمجته‬ ‫كاظم جهاد‬
‫واالختالف" جلاك دريدا‬
‫التفكيك‬ ‫‪113‬‬ ‫معرفة الرجل‬ ‫عبد اهلل إبراهيم‬
‫مقال‪ :‬التأويل ‪ /‬التفكيك مدخل ص‪ ،102‬من جملة "الفكر التفكيك‬ ‫هاشم صاحل‬
‫العريب املعاصر‪ ،‬مركز اإلمناء‬ ‫ولقاء مع جاك دريدا‬
‫القومي‪ ،‬ع ‪،22/22‬‬
‫‪.1122‬‬
‫التفكيك‬ ‫‪12‬‬ ‫إسرتاتيجيات القراءة‬ ‫بسام قطوس‬
‫التفكيك‬ ‫‪112‬‬ ‫املرايا احملدبة‬ ‫عبد العزيز محودة‬
‫التفكيك‬ ‫عبد املقصود عبد ترمجته لكتاب "نظرية األدب ‪22‬‬
‫املعاصر وقراءة الشعر" لبشبندر‬ ‫الكرمي‬
‫التفكيك‬ ‫ترمجته لكتاب "النظرية األدبية ‪132‬‬ ‫جابر عصفور‬
‫املعاصرة" لرامان سلدن‬
‫التفكيك‬ ‫عبد الوهاب علوب ترمجته لكتاب"احلداثة وما بعد ‪321‬‬
‫احلداثة" لبيرت بروكر‬
‫التفكيكية‬ ‫ترمجته لكتاب "عودة خلطاب ‪822‬‬ ‫حممد معتصم‬
‫احلكاية" جريار جنيت‬
‫هدم‬ ‫‪118/01‬‬ ‫معجم الدالئلية‬ ‫التهامي الراجحي‬

‫‪16‬‬
‫‪Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No. 1‬‬

‫التفكيك‬ ‫‪12‬‬ ‫معجم املصطلحات األدبية‬ ‫سعيد علوش‬


‫الالبناء ‪/‬النقد الالبنائي‬ ‫‪122/112‬‬ ‫عزيز من إشكاليات النقد العريب‬ ‫شكري‬
‫ماضي‬
‫نظرية التفكيك‬ ‫‪82‬‬ ‫مدخل إىل علم القراءة األدبية‬ ‫جمدي أمحد توفيق‬
‫التحليلية البنيوية‬ ‫يوتيل يوسف عزيز ترمجته لكتاب "املعىن األديب من ‪01‬‬
‫الظاهراتية إىل التفكيكية" لوليم‬
‫رأي‬
‫ألف ليلة وليلة‪( ،‬أ_ي)‪ ،‬حتليل ص ‪ 01‬من كتاب (أ_ي) التشرحيية مث التفكيكية مث‬ ‫عبد امللك مرتا‬
‫انتقل الستعمال التقويضية‬ ‫اخلطاب السردي‬
‫أو النظرية التقويضية‬
‫التقويض‬ ‫‪801‬‬ ‫نظرية القراءة‬ ‫عبد امللك مرتا‬
‫التقويض أو التقويضية‪،‬‬ ‫‪23‬‬ ‫ميجان الرويلي دليل الناقد األديب‬
‫ألنه مصطلح يوافق ما‬ ‫وسعد البازغي‬
‫يقصده دريدا من عدم‬
‫إعادة بناء النص من‬
‫جديد‬
‫التقويضية‬ ‫‪802/801‬‬ ‫قضايا نقدية ما بعد البنيوية‬ ‫ميجان الرويلي‬
‫نقال عن‪:‬حممد الصاحل الشنطي ص‪ ،32‬من جملة قوافل‪ ،‬يفرق بني مصطلحني‪:‬‬ ‫عابد خزندار‬
‫السنة ‪)1‬النقضية‪ :‬نسبة جلاك‬ ‫الريا ‪،‬‬ ‫"مالمح املشهد النقدي احمللي"‬
‫رجب دريدا‪ )8 ،‬التقويضية‪:‬‬ ‫‪،01‬العدد‪،08‬‬
‫نسبة هلايدجر‪.‬‬ ‫‪،1112‬‬
‫جدول يوضح‪( :‬التعدد المصطلحاتي للتفكيك في النقد العربي)‬
‫يتبني من اجلدول أعاله‪ :‬أن الناقد "يوسف وغليسي" من خالل كتابه "مناهج النقد األديب" يقدم دراسة‬
‫كرونولوجية حول التلقي العريب للتفكيكية‪ ،‬فهو يقر بالتلقي املتأخر للتفكيكية يف النقد العريب‪ ،‬وهو يرى أن النقاد‬
‫العرب استطاعوا أن يقلصوا تأثري تلك اهلوة مبا ألفوه من مؤلفات عديدة حول التفكيكية‪ ،‬أبانوا فيها عن اجلانب‬

‫‪17‬‬
‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‪ ،‬تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬

‫املفاهيمي للتفكيكية‪ ،‬واملبادئ النقدية اليت تقوم عليها‪ ،‬مث انصرفوا إىل حماولة تطبيقها كمقاربة نقدية على خمتلف‬
‫النصوص املراد دراستها‪.‬‬
‫أقدم الناقد "يوسف وغليسي" على إحصاء وفرز الكم املصطلحايت الذي اجتهد النقاد العرب يف وضعه‬
‫كمقابل للتفكيكية‪ ،‬حيث يعد وضع مقابل ملصطلح التفكيك يف النقد العريب من أهم اإلشكاليات النقدية اليت‬
‫واجهت النقاد عند تلقيهم للتفكيكية‪ ،‬فقد اجتهدوا يف البداية على وضع مصطلح عريب مقابل للتفكيك‪ ،‬ولكنهم مل‬
‫يستقروا على مصطلح عريب واحد ثابت يقابل ما نظره له "دريدا"‪ ،‬فكان استعماهلم للمصطلح متباينا بني عشرة‬
‫مصطلحات هي ‪(:‬التفكيك‪ ،‬التفكيكية‪ ،‬التشرحيية‪ ،‬التشريح‪ ،‬التقويض‪ ،‬التقويضية‪ ،‬نظرية التقويض‪ ،‬النقضية‪،‬‬
‫الالبناء‪ ،‬التهدمي‪ ،‬التحليلية‪ ،‬البنيوية)‪ ،‬وحسب رأيه يصنف نوع املصطلحات املستعملة إىل صنفني‪ ،‬يقول‪" :‬ميكننا‬
‫تصنيف املصطلحات الثالثة األخرية يف خانة "املصطلحات املستهجنة"‪ ،‬إما العتبارات تداولية ومرفولوجية (كما يف‬
‫حالة الالبناء ذي الشيوع احملدود جدا‪ ،‬فضال على صعوبة التصرف االشتقاقي فيه)‪ ،‬وإما العتبارات داللية (حيث‬
‫نصرف التهدمي إىل دالالت عدمية سلبية ختريبية بع يدة عن عامل النص‪ ،‬مثلما تلتبس التحليلية البنيوية باملنهج البنيوي‬
‫وتغدو جمرد وصف له)‪ ،‬بينما ميكن تصنيف املصطلحات األخرى كلها يف خانة املصطلحات املقبولة"‪.36‬‬
‫فاملصطلحات املعربة املقابلة للتفكيكية متباينة االستعمال بالنسبة للناقد الواحد‪ ،‬الذي يتنطط يف استعمال‬
‫ا ملصطلح املناسب له من بني البدائل الكثرية املتاحة أمامه‪ ،‬وهو الوضع الذي يزيد من ضبابية مصطلح التفكيك يف‬
‫النقد العريب‪ ،‬فهذا الغمو املصطلحايت يتوافق مع إقرار "جاك دريدا" )‪" (Jack Derrida‬باستحالة وجود‬
‫مصطلح يستطيع احتواء الداللة النقدية اليت وجد من أجلها التفكيك‪ ،‬اما بجعل مصطلح التفكيك لدى "دريدا"‬
‫مصطلحا فريدا يصعب احتواء داللته النقدية يف مصطلح واحد بعينه‪.‬‬
‫يرى "يوسف وغليسي" أن أكثر مصطلح مستعمل لدى النقاد هو مصطلح التفكيكية أو التفكيك‪ ،‬لسبب‬
‫تداوهلم على استعماله بشكل مكثف وواسع‪ ،‬يقول‪" :‬باالحتكام إىل معيار التداويل‪ ،‬نالحظ أن مصطلح (التفكيكية‬
‫أو التفكيك) على علته وقصوره املعجمي نسبيا _أكثر شهرة وأوسع تداوال‪ ،‬فال منلك إال أن نصطفيه مصطلحا‬
‫مفضال"‪.37‬‬

‫‪ _36‬وغليسي يوسف‪ ،‬مناهج النقد األديب‪ ،‬ص‪.121_122‬‬


‫‪Ghalisi Youssef, Literary Criticism Methods, p.188_189.‬‬
‫‪ _37‬وغليسي يوسف‪ ،‬مناهج النقد األديب‪ ،‬ص‪.110_121‬‬
‫‪Ghalisi Youssef, Literary Criticism Methods, p.189_190.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No. 1‬‬

‫كما يعد مصطلح "التقويض" من املصطلحات األكثر شيوعا بني النقاد‪ ،‬فقد تداول على استعماله ثلة من‬
‫النقاد العرب؛ أمثال الناقد‪ :‬عبد امللك مرتا ‪ ،‬والدكتوران سعد البازغي وميجان الرويلي اللذان استعماال مصطلح‬
‫التقويض كمقابل للتفكيك؛ فالبازغي يفرت أن يكون مصطلح "التفكيك هو املقابل الدقيق لكلمة‬
‫‪ déconstruction‬ولكنها ليست كذلك‪ ،‬فاللفظة الغربية تعين نقض البناء أو هدمه أي الالبنائية‪ ،‬ويرى أن‬
‫التقويضية هي الرتمجة األدق"‪.38‬‬
‫يتدرج "يوسف وغليسي" يف كشفه عن تأثري التفكيكية يف النقد العريب‪ ،‬فقد تعدى تأثريها إشكالية املصطلح‬
‫إيل اخلو يف إشكالية الريادة يف اصطناع املصطلح املعرب مقابال هلا‪ ،‬إذ ينفي "يوسف وغليسي" األسبقية اليت‬
‫تنسب "لعبد اهلل الغذامي" يف صياغته للمصطلح يف النقد العريب‪ ،‬ودليله يف ذلك‪ :‬وجود نقاد عرب سبقوه إىل ذلك‪،‬‬
‫يقول‪" :‬دحضنا هذا القول يف مناسبة سابقة‪ ،‬إذ أشرنا إىل أنه قول يقفز على دراسة مهمة‪ ،‬عنواهنا (نقد بعض مالمح‬
‫املنهج البنيوي يف النقد األديب) لصاحبها "ليوتيل أيبل"‪ ،‬ترمجها سامي حممد‪ ،‬ونشرها يف جملة "األقالم" العراقية (السنة‬
‫‪ ،12‬العدد ‪ ،11‬آب ‪ ،1120‬ص ‪ ،)812‬حيث وضع مصطلح "التفكيكية" مقابال للمصطلح األجنيب‪ ،‬ولعله‬
‫بذلك يكون خمرتع هذا املصطلح العريب الذي استعمل بعد ذلك بكثافة تداولية الفتة"‪.39‬‬
‫أبان الناقد "يوسف وغليسي" يف دحضه ملوقف "عبد اهلل الغذامي" عن متكنه يف اإلملام بالتسلسل التارخيي‬
‫لظهور مصطلح التفكيك يف النقد العريب‪ ،‬حيث استطاع التوصل إىل الناقد العريب األول الذي عرب مصطلح‬
‫التفكيك يف النقد العريب‪ ،‬وهي خطوة مهمة حتسب له كونه أجاد عن إمكانياته يف البحث والتوثيق‪ ،‬كما يقر الناقد‬
‫أن مصطلح التفكيكية هو املصطلح املناسب الذي بجب استعماله يف النقد العريب كمقابل لتفكيكية دريدا‬
‫)‪(Derrida‬؛ ألنه وضع نقدي فرضته تداولية االستعمال الشائع ملصطلح التفكيكية بني النقاد‪.‬‬
‫إن اهتمام النقاد العرب بالتفكيكية مل ينحصر يف تعريب املصطلح فقط‪ ،‬بل راحوا ينظرون للتفكيكية يف‬
‫كتاباهتم‪ ،‬ويولوهنا عناية خاصة‪ ،‬فأقبلوا على استيعاب مفاهيمها والتمكن من إدراك اسرتاتيجياهتا يف قراءة النصوص‬
‫ومقاربتها نقديا بواسطة اسرتاتيجية التفكيك‪ ،‬لذلك جند أن "الكتاب العرب مل يرتكوا عمال من أعمال دريدا إال‬
‫وتعرفوا إليه جانبا من جوانب اهتماماته_ خباصة املتأخرة‪ ،‬إال وأعملوا فيها النظر قراءة ودراسة وترمجة ونقدا"‪.40‬‬

‫‪ _38‬عطية أمحد عبد احلليم‪ ،‬جاك دريدا والتفكيك‪ ،‬ص ‪188‬‬


‫‪Attia Ahmed Abdel Halim, Jacques Derrida and Deconstruction, p.122.‬‬
‫‪ _39‬املرجع السابق نفسه‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪Ibid, p.189.‬‬
‫‪ _40‬أمحد عبد احلليم‪ ،‬جاك دريدا والتفكيك‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪19‬‬
‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‪ ،‬تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬

‫إذن فالتفكيكية أحدثت صدى واسعا يف النقد العريب يف جمال التنظري واملقاربة والرتمجة‪ ،‬وهذا دليل على‬
‫تعطش النقاد ملسايرة كل جديد عن التفكيكية تارة‪ ،‬ورغبتهم يف التمرد على النقد البنيوي تارة أخرى‪ ،‬حيث ميكن‬
‫إمجال مسار تلقي التفكيكية يف النقد العريب يف انشغال النقاد العرب مبتابعة كل جديد يصدر عن نقد ما بعد احلداثة‬
‫عامة والتفكيكية خاصة‪ ،‬رغم أن البعض من النقاد كانوا حيذرون من ظاهرة االستالب النقدي اليت قد تضر النقد‬
‫العريب مستقبال‪ ،‬اما قد يسهم يف تكوين نقاد مقاطعني للرتاث النقدي العريب ورافضني يف ما بعد للتأصيل النقدي‬
‫العريب‪.‬‬
‫خامسا_ خاتمة‪:‬‬
‫_ من املداخلة املقدمة نتوصل إىل أن العرب القدامى أدركوا قيمة وضع املصطلح يف العلوم واملعارف املختلفة‪ ،‬حيث‬
‫أن وضع املصطلح مكن العرب القدامى من إدراك حقيقة مهم وهي أن املصطلح هو مفتاح العلوم‪ ،‬والذي مكن اللغة‬
‫العربية من احلفاظ على خصوصيتها وساعدها على تطورها املعريف‪.‬‬
‫_ إن وضع املصطلح على أمهيته يف الساحة املعرفية العربية القدمية‪ ،‬مل يكن أمرا يف غاية السهولة والبساطة‪ ،‬بل على‬
‫العكس متام فوضع املصطلح يف غاية الصعوبة والتعقيد ملا حيتويه من شروط موضوعية ترتبط بواضع املصطلح‬
‫واملصطلح حبد ذاته والسياق العام الذي يقوم من أجله وضع املصطلح‪ ،‬وهي ما تؤدي إىل ختصيص داللة املصطلح‪،‬‬
‫وإفرادها مبعىن معني وفق سياق معني دون أن تشرتك مع غريها من املصطلحات يف تلك الداللة‪.‬‬
‫_ إن االنفتاح ا لعريب على األمم الغري عربية مكنها من اإلطالع على ما تكتنز تلك األمم من معارف وهو ما سعا‬
‫إليه اللغويون العرب القدماء إىل االستفادة من تلك املعارف من خالل املثاقفة‪ ،‬واليت عرفت استخدام العرب القدامى‬
‫مجلة من الوسائل لوضع املصطلح‪ ،‬من االشتقاق والتعريب والنحت واجملاز والرتمجة‪.‬‬
‫_ إن آليات وضع املصطلح على تعددها واختالفها يف اخلصوصية إال أهنا كانت حتمل غاية مهمة وهي خدمة اللغة‬
‫العربية وتكييفها مع ما اطلع عليه العرب من علوم من األمم األخرى‪ ،‬اما يسمح باحلفاظ على خصوصية اللغة‬
‫العربية‪ ،‬مقدرهتا على التحديد الدقيق لداللة املصطلح اليت وضع من أجلها‪.‬‬
‫_ إن آلليات وضع املصطلح عند العرب القدامى أمهية كبرية من خالل أهنا جنبت العرب القدامى من الدخول يف‬
‫إشكالية املصطلح اليت هي اليوم ظاهرة عامة ال يكاد مصطلح خيلو منها‪ ،‬وذلك راجع إىل االنضباط الكبري لدى‬
‫اللغويني العرب القدامى يف وضع املصطلح وحرصهم على االستفادة من اآلليات لوضع املصطلح من اللغات األخرى‬

‫‪Attia Ahmed Abdel Halim, Jacques Derrida and Deconstruction, p.189.‬‬


‫‪21‬‬
‫‪Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No. 1‬‬

‫وااللتباس‪ ،‬كما أن العرب القدماء حرصوا كل احلرص على مسايرة‬ ‫وجتنبهم األخذ باملصطلحات اليت تتسم بالغمو‬
‫وضع املصطلح مع شروط وضع املصطلح من ذاتية وموضوعية لكي ال يرتك األمر وضع املصطلح ملن ال شروط له‪.‬‬
‫_ إن آليات وضع املصطلح مكنت من تثبيت حقيقة لغوية هي تعد ماهية اللغة العربية‪ ،‬حيث بينت أن اللغة العربية‬
‫استطاعت أن تتكيف مع االنفتاح اللغوي مع اآلخر واحتوائها ملختلف املصطلحات املعرفية الدخيلة عن اللغة العربية‪،‬‬
‫وهو ما يبني مقدار خصوصية اللغة العربية يف كوهنا لغة للقرآن الكرمي‪.‬‬
‫_ إن ظهور التفكيك يف النقد األديب خالل ستينيات القرن املاضي قد ساعد على امتداد الرؤى التجديدية اليت تبناها‬
‫نقاد مرحلة ما بعد احلداثة‪ ،‬حينما سعوا لنقض املبادئ النقدية اليت أقرهتا البنيوية يف مرحلة احلداثة‪ ،‬عرب انتهاجهم‬
‫إلسرتاتيجية تفكيكية مآهلا التقويل املتعدد للنص من خالل حترره من القصد الداليل الواحد مقابل إشاعة الهنائية‬
‫املعىن‪ ،‬وبذلك يصبح النص متجدد املعىن بتجدد فعل القراءة‪.‬‬
‫_ ارتكزت التفكيكية يف مقاربتها للنص األديب على القراءة النقضية‪ ،‬وهي اسرتاتيجية تقارب النص على مرحلتني مها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬قراءة النص واستنباط معانيه الظاهرة‪ ،‬ثانيا‪ :‬تقويض هذه املعاين األولية من خالل كشف التناقض الداليل الذي‬
‫يكشف عن وجود تناقض بني الداللة الظاهرة والداللة املضمرة للنص‪ ،‬إال أن هذه الداللة غري ثابتة فهي قابلة‬
‫للتقويض بصفة مستمرة مع جتدد فعل القراءة التقويضية للنص‪.‬‬
‫_ متخض عن تلقي النقد العريب ملصطلح التفكيك ظهور جدال نقدي مداره قائم على صعوبة الثبات على دال‬
‫لغوي واحد حييل على املدلول الذي قام عليه التفكيكي يف النقد الغريب‪ ،‬فكانت آلية الرتمجة من أهم اآلليات‬
‫املستخدمة يف تصويغ هذا املصطلح‪ ،‬إال أن اإلشكالية يف صعوبة إبجاد مقابل عريب واحد تبقى قضية خيو فيها‬
‫النقاد باستمرار‪ ،‬وقد اجتهد البعض منهم من أجل مجع اتفاق استعمايل ملصطلح النقض كمصطلح يساير الداللة‬
‫الغربية‪ ،‬اليت تعين تشتيت البنية النصية وإعادة تشكيل معناها بشكل متجدد‪.‬‬
‫_إن اجلدال اللغوي واملفاهي مي الذي شهده النقد العريب حول مصطلح التفكيك يبقى منطقيا‪ ،‬بالنظر الختالف‬
‫البيئة العلمية اليت ورد فيها‪ ،‬لذلك فما اختالف الرؤى بني النقاد سوى صورة انعكاسية الختالف اخللفية املعرفية‬
‫والفلسفية اليت تكون فيها كل ناقد‪ ،‬فكل يرى املصطلح من منظوره املعريف‪ ،‬إال أن وراء هذا التضارب فائدة معرفية‬
‫جتلت يف السعي املستمر إلماطة الغمو الذي يكتنف التفكيك ذاته‪ ،‬وحماولة تقريبه مفاهيميا للمتلقي حىت يسهل‬
‫فهمه‪ ،‬ويتيسر تطبيقه على املدونات األدبية باختالفها‪.‬‬
‫_يستخلص من التشظي اللغوي ملصطلح التفكيك يف النقد العريب ثراء اللغة العربية وقدرهتا على ترمجة مصطلحات‬
‫نقدية غربية‪ ،‬فإن كان هذا الثراء ينم عن اجتهاد النقاد الذين سعوا إلبجاد دال لغوي عريب يكون مبقدوره احتواء‬
‫مصطلح التفكيك‪ ،‬فرغم التلقي املتأخر للمصطلح يف النقد العريب؛ إال أن الداللة الظاهر تكمن يف وجود جدال‬
‫‪21‬‬
‫ تلقي مصطلح التفكيك أنموذجا‬،‫آليات وضع المصطلح في النقد العربي‬

‫ حول مفهوم مصطلح‬،‫مصطلحايت حول املصطلح ذاته؛ لكن الداللة املضمرة تكشف عن اتفاق مفاهيمي بني النقاد‬
‫ وإعطائه معاين جديدة قابلة للتغيري‬،‫التفكيك الذي يعد مقاربة نقدية لتقويض النص وحترير معناه من املعاين السابقة‬
.‫مع كل قراءة جديدة للنص‬

Bibliography :

1. Al-Ghadami Abdullah, Sin and Atonement from Structural to Anatomical, Egypt: General
Egyptian Book Organization, 1998.
2. Ali harbe, This is how I read after dismantling, Jordan, Dar Al-Fares for Publishing and
Distribution, 2005.
3. Al-Ruwaili Megan, Al-Bazghi Saad, Literary Critic’s Guide, Morocco: Arab Cultural
Center, 2002.
4. Attia Ahmed Abdel Halim, Jacques Derrida and Deconstruction, Lebanon: Dar Al-
Farabi_Beirut, 2010.
5. Belkheir Arvis, On Deconstruction of Narrative Discourse, Algeria: Journal of Notebooks
of the Algerian Poetry Lab - University of M'sila), No. 6, March 2018.
6. Ben Arabiya Radhia, The Problematic of the Linguistic Terminology and Methods of
Generating it for Modernists, Algeria: Hassiba Bin Bouali University_ Chlef, 2010.
7. Bouhris Ahlam, The Contribution of Linguistic Elements to the Development of the
Terminology, Supplementary Note to Obtaining a Master’s Degree, Algeria: University of
Mohamed Siddik bin Yahya_Jijel, 2014_2015.
8. Ghalisi Youssef, Literary Criticism Methods, Algeria: Dar Jusoor for Publishing and
Distribution - Muhammadiyah, 2010.
9. Ghoneim Kamal Ahmed, Arabization Mechanisms and the Making of New Terms, Gaza:
Palestinian Arabic Language Academy, 2013.
10. Hamdaoui Jamil, Theories of Literary Criticism and Rhetoric in the Postmodern Phase,
Morocco: Alukah Network, 2010.
11. Ibn Manzoor, Lisān Al-Arab, enquête : Abdul-Wahhab Amin, Al-Obaidi Muhammad Al-
Sadiq, Beyrouth: Maison de la renaissance du patrimoine, volume 1, 1999.
12. Ibrahim Abdullah. Knowing the Other; An Introduction to Modern Critical Curricula,
Morocco: Arab Cultural Center, 1996.

22
Al-Milal Journal of Religion and Thought, Vol. 4, No. 1

13. Jacques Derrida, Writing and Difference, translated by: Kazem Jihad, Morocco: Dar
Toubkal_Casablanca, 2000.
14. Majd Al-Din Al-Fayrouz Abadi, Dictionnaire Al-Mutih, Enquête : Shami Muhammad
Anas, Zakari Jaber Ahmed, Le Caire: Dar Al-Hadith), 2008.
15. Merdasi Joudi, The Mechanisms of Generating the Hypothetical Linguistic Terminology,
Algeria: Journal of Memory, Kasdi Merbah University – Ouargla, 2015.
16. Tala’i Zakiya, Translating the Technical Term from English into Arabic, Master’s Note,
Algérie: Université de Tlemcen, 2013.
17. Yaqtin Saeed, Daraj Faisal, Horizons of Arab Criticism, Damascus: Dar Al-Fikr, 1, 2003.
18. Ibrahim Abdullah, Deconstruction: Origins and Categories. Casablanca: New Success
Press, 1990.

23

You might also like