Professional Documents
Culture Documents
1
ِي (التركيبي): ثال ًثا :المستوى َّ
الن ْحو ّ
حيث دراسة العالقات المختمفة بيف الكممات التي يتألف منيا التركيب ،وبمعنى أوضح الوظيفة
تؤدييا كل كممة مف أجزاء التركيب ،بحيث يتضح نظاـ الجممة ،مف حيث ترتيب أجزائيا،
التي ّ
وأثر كل جزء منيا في اآلخر .وتتـ دراسة ذلؾ مف خالؿ عقد مقارنة بيف مفيوـ النحو عند كل
مف سيبويو وتشومسكي .وسوؼ نحاوؿ في ىذا المستوػ أف نستنتج خصوصية المغة العربية في
المستوػ النحوؼ.
تعريف المغة:
تعددت تعريفات المغة لدػ كبار المغوييف ،واىذه التعريفات كميا تقدـ بعض اإلشارات التمييدية
لمخصائص التي يميل المغويوف -عمى األقل -إلى االعتقاد بضرورتيا لمغة ،وىي عمى النحو
التالي:
2
-1تعريف سابير ""Sapir؛ "
"المغة طريقة إنسانية بحتة غير غريزية لتواصل األفكار واالنفعاالت والرغبات بواسطة الرموز
المنتجة إنتاجا إراديا"
أوليا :أف المغة ال تقتصر فقط عمى نقل األفكار واالنفعاالت ،بل تنقل كذلؾ ما ال يندرج تحت
ىذه األمور،
وثانيياَّ :
أف مصطمح " األفكار" بصفة خاصة غير دقيق ألنو غير محدد المعنى.
وثالثيا :قولو غير غريزية ينطبق عمى ما ال يدخل تحت المغة المنطوقة؛ حيث توجد نظـ كثيرة
اديا ال نعدىا لغات إال بالمعنى المجازؼ لكممة لغة ،فعمى سبيل المثاؿ ما
مف الرموز المنتجة إر ًّ
تشير إليو اآلف بشكل شائع عبارة "لغة الجسد" -التي تستخدـ اإليماءات ،وحركات الجسـ ،وحركة
العيف ...إلخ -قد تبدو مالئمة لتعريف سابير.
"المغة نظام اجتماعي مؤلف من رموز منطوقة عرفية تتعاون بها مجموعة اجتماعية".
ٔ -أنو عمى العكس مف تعريف سابير ال يعطي أؼ اىتماـ لموظيفة االتصالية إال عمى نحو غير
مباشر وعمى سبيل التضمف ،وبدال مف ذلؾ يضع التأكيد كمو عمى الوظيفة االجتماعية.
3
ٕ -يختمف تعريف بموخ وتراجر عف تعريف سابير مف حيث إنو قدـ خاصة العرفية ،وحصر
بشكل واضح المغة في المغة المنطوقة.
"المغة نمط اجتماعي منظم يتواصل بها البشر ويتفاعل بها الواحد مع اآلخر بواسطة الرموز
االعتباطية المسموعة -المنطوقة المعتاد استخدامها"
ٔ -ورود كل مف "التواصل" ،و"التفاعل" في التعريف "ولفظة التفاعل أكثر شموال مف التعاوف
الواردة في التعريف السابق"
ٕ -إف كممة "مسموعة" لـ تضف جديًدا إلى مصطمح "منطوقة" "وال يختمف عنو إال في إشارتو
إلى السامع والمتكمـ عمى حد سواء" أؼ :إلى المرسل والمستقبل لمرموز المنطوقة التي نتعرؼ
عمييا بوصفيا أقواال لغوية".
ٖ -يتعامل ىاؿ مع المغة -مثل سابير -عمى أنيا نظاـ إنساني بحت.
ٗ -مصطمح نمط اجتماعي منظـ يوضح صراحة وجية النظر إلى تذىب إلى أف المغة التي
يستخدميا مجتمع بعينو جزء مف ثقافتو.
٘ -ومرة أخرػ اختُصت خاصة العرفية مف ضمف مجموعة الخصائص بمالحظة موجزة.
4
مع أنو أكثر السياقات مدعاة لذكر ىذه الكممة وعميو فإف المغة استجابة حرة.
يقوؿ في تعريف المغة" :مف اآلف سأعتبر المغة مجموعة "محدودة أو غير محدودة" مف الجمل،
كل جممة محدودة مف حيث الطوؿ وتتركب مف مجموعة محدودة مف العناصر"
وىذا التعريف مأخوذ مف كتاب تشومسكي "( "Syntactic Structuresالِب ْنى النحويَّة) الذؼ
أحدث نشره الحركة التي عرفت باسـ النحو التحويمي ،ويقصد ىذا التعريف -بخالؼ التعريفات
السابقة -تغطية جوانب كثيرة مف المغات الطبيعية ،غير أف المغات الطبيعية كميا -تبعا
لتشومسكي -في صورتيا المكتوبة والمنطوقة لغات حسب تعريفو ما داـ لكل لغة طبيعية عدد
محدود مف األصوات "وعدد محدود مف الحروؼ األبجدية عمى افتراض أنيا ذات نظاـ ألفبائي
لمكتابة".
وتعريف تشومسكي لمغة ىنا يختمف كثي ار عف التعريفات األخرػ مف حيث المحتوػ واألسموب،
فيو ال يذكر شيئا عف الوظيفة االتصالية الخاصة بالمغات الطبيعية والمغات غير الطبيعية ،ولـ
يذكر شيئا عف الطبيعية الرمزية لعناصرىا أو لتتابعاتيا ،وغايتو أف يركز االنتباه عمى الخصائص
البنيوية البحتة لمغات وعمى فكرة أف ىذه الخصائص يمكف أف تبحث بطريقة واضحة وضوح
الرياضيات ،واسياـ تشومسكي الرئيسي في عمـ المغة أنو أعطى تأكيدا خاصا عمى ما يطمق
عميو تبعية البنية " dependence struetureالعمميات التي تتركب مف خالليا الجمل في
المغات الطبيعية ،وأنو صاغ نظرية عامة في النحو تأسست عمى تحديد خاص ليذه السمة "
6
الفرق بين المغة والكالم:
7
وىذا التعريف يتفق إلى حد كبير مع آراء الوظيفييف الغرب ،كما أف ىذا التعريف غني بالقيـ
التداولية ،وأىميا :أف المغة ذات قيمة نفعية ،تعبيرية ،أؼ :إف تعريف ابف جني لمغة يتشابو مع
آراء المدرسة التداولية ) (Pragmatiqueفي الدرس المساني الغربي الحديث ،وىو دراسة المغة
حاؿ االستعماؿ؛ أؼ :حينما تكوف متداولة بيف مستخدمييا.
كثير مف،
تُ َعّد قضية نشأة المغة اإلنسانية مف القضايا التي شغمت -عمى مر العصور ً -ا
والمغوييف.
ِ
فسر كيفية نشأة المغة ،بطريقة كاممة،
تصور شاملُ ،ي ّ
وعمى الرغـ مف ذلؾ ،فمـ يتفق الجمبع عمى ّ
وتوصموا إلى نظريات عديدة ،أشيرىا أربع نظريات ىي:
بدؿ عمى
يقدـ دلبال قطعيًّا ،أو قر ًيبا منوّ ، وحيف نستعرض ىذه النظريات نجد َّ
أف أيَّا منيا لـ ّ
صحة نظريتو كتفسير شامل لكيفية نشأة المغة.
ّ
نيائيا ،أو قبوؿ أؼ بحث
ولذلؾ فقد قررت الجمعية المغوية في باريس عدـ مناقشة ىذا الموضوع ً
فيو لعرضو في جمستو.)ٔ( .
8
أصل المغة عند ابن جني:
ما يجدر مالحظتو ىو أف موضوع نشأة المغة كاف مف ضمف الموضوعات التي البحث فييا،،
ولقد سبق ابف جني عمماء المغة المحدثيف إلى دراسة ىذا الموضوع ،وذلؾ في باب (القوؿ عمى
أصل المغة أإلياـ ىي أـ اصطال)] ، [3حيث ذكر ابن جني ثالث نظريات لتفسير أصل المغة،
تتمخص في اآلتي:
(ٔ) نظرية التوقيف واإللياـ :وىو مذىب مف يرػ أف المغة وضعت عف طريق الوحي والتوقيف،
وأف هللا أليـ آدـ عميو السالـ أف يضع ليا أسماء فوضعيا ،وعف ذلؾ يقوؿ ابف جني " :وذلؾ أنو
قد يجوز أف يكوف تأويمو أقدر آدـ عمى أف واضع عمييا ،وىذا المعنى مف عند هللا سبحانو ال
أيضا ":إنني إذا تأممت حاؿ ىذه المغة الشريفة الكريمة المطيفة وجدت فييا مف
محالة " .ويقوؿ ً
الحكمة والدقة واإلرىاؼ والرقة؛ ما يممؾ عمى جانب الفكر ،حتى يكاد يطمح بو أماـ غموة
السحر ،فمف ذلؾ ما نبو عميو أصحابنا رحميـ هللا ،ومنو ما حذوتو عمى أمثمتيـ ،فعرفت بتتابعو
وانقياده وبعد مراميو وآماده صحة ما وفقوا لتقديمو منو ،ولطف ما أسعدوا بو ،وفرؽ ليـ عنو،
وانضاؼ إلى ذلؾ وارد األخبار المأثورة بأنيا مف عند هللا جل وعز ،فقوػ في نفسى اعتقاد كونيا
توفيًقا مف هللا سبحانو ،وأنيا وحي]".[5
ويعترض الرافضون لهذه النظرية بأنو ال يصح إذا كانت المغة مف عند هللا تعالى وقوع التضاد
في المغة؛ كػ(الجوف) الذؼ يدؿ عمى األبيض واألسود؛ ألف ىذا التضاد تناقض يتنافى والحكمة
اإلليية ،كما أنيا لو كانت مف عند هللا " لما كاف لمشيء الواحد أسماء متعددة ،ولالسـ الواحد
معاف كثيرة]"[6؛ ولذلؾ وغيره لـ يؤيد ابف جني ىذا المذىب بصورة مطمقة ،وقد اتفق موقفو مع
موقف دؼ سوسير في ىذا الشأف ،حيث يرػ أنو لو كانت المغة مف عند هللا لما كانت " عاجزة
جذرًيا عف الدفاع عف نفسيا ضد العوامل التي تنقل مف لحظة إلى أخرػ العالقة بيف الداؿ
والمدلوؿ ،وىذه إحدػ نتائج اعتباطية العالمة"[7].
9
( )2نظرية االصطالح والمواضعة :وىو أف المغة قد وضعت نتيجة تواضع بيف أىميا ،أو أف
المغة اصطالح وتواضع يتـ بيف أفراد المجتمع ،ومف ثـ ليس أللفاظ المغة أية عالقة بمسمياتيا.
وعف ىذا المذىب يقوؿ ابف جني ":لنعد فمنقل في االعتداؿ لمف قاؿ بأف المغة ال تكوف ً
وحيا،
وذلؾ أنيـ ذىبوا إلى أف أصل المغة ال بد فيو مف المواضعة ،قالوا :وذلؾ كأف يجتمع حكيماف أو
ظا،
فصاعدا؛ فيحتاجوا إلى اإلنابة عف األشياء المعمومات ،فيضعوا لكل واحد منيا سمة ولف ً
ً ثالثة
إذا ذكر عرؼ بو ما مسماه؛ ليمتاز مف غيره ،وليغنى بذكره عف إحضاره إلى مرآة العيف]".[8
وتابعت ىذه النظرية في العصور الحديثة استم ارريتيا ،حيث القت قبوًال عند األب الروحي
لمدراسات المغوية الحديثة فرديناف دوسوسير ،فيو يقرر منذ البداية أف "الرابط الجامع بيف الداؿ
والمدلوؿ ىو اعتباطي] ،"[9ويبرر ذلؾ بقولو ":وحجتنا في ذلؾ إنما ىي االختالفات القائمة بيف
المغات ووجود المغات المختمفة] ،"[10ولكف دوسوسير ما لبث أف أقر بوجود شيء مف العالقة
بيف الداؿ والمدلوؿ ،إذ يرػ أف "ىناؾ بعض مف مالمح الرابط الطبيعي بيف الداؿ
والمدلوؿ] ،"[11ثـ يرػ أف الفرد ليس لديو" القدرة عمى تغيير أؼ شيء في عالمة ما ،وذلؾ عند
ثبوتيا وتمكنيا في مجموعة لغوية" [12].
معا،
طا ،فقاؿ باإللياـ واالصطالح ًموقفا وس ً
وخالصة موقف ابن جني من نشأة المغة أنو وقف ً
حي ث يقوؿ ":تقدـ في أوؿ الكتاب القوؿ عمى المغة :أتواضع ىي أـ إلياـ .وحكينا وجوزنا فييا
أيضا ما ختـ بو ىذا الباب حيث افترض أف يكوف هللا تعالى
جميعا "[13].ويوضح ذلؾ ً ً األمريف
قد خمق قبمنا أقوا ًما كانت ليـ القدرة التي مكنتيـ عمى االصطالح والتواضع في تسمية األشياء،
ومعبر في ذات الوقت عف حيرتو بيف القوؿ بعرفية المغة أو القوؿ
ًا موضحا موقفو
ً يقوؿ ابف جني
مكثور واف خطر
ًا حسير ،وأكاثرىما فأنكفئ
ًا باإللياـ ":فأقف بيف تيف الخمتيف اإللياـ والعرؼ
خاطر فيما بعد ،يعمق الكف بإحدػ الجيتيف ويكفيا أو يفكيا عف صاحبتيا قمنا بو]".[14
11
( )3مذهب المحاكاة :وممخص ىذه النظرية أف المغة نشأت عف محاكاة اإلنساف ألصوات
الطبيعة المحيطة بو ،وأقدـ األقواؿ حوؿ ىذه النظرية كانت لمفراىيدؼ وتمميذه سيبويو ،فقد نقل لنا
ومدا،
ابف جني في الخصائص ما نصو ":قاؿ الخميل :كأنيـ توىموا في صوت الجندب استطالة ً
تقطيعا ،فقالوا :صرصر ،وقاؿ سيبويو في المصادر التي
ً فقالوا :صر ،وتوىموا في صوت البازؼ
جاءت عمى (فعالف) :إنيا تأتي لالضطراب والحركة؛ نحو :النقزاف والغمياف ،فقابموا بتوالي
حركات المثاؿ توالي حركات األفعاؿ] ،" [15وقبل ابف جني بيذا الرأؼ ورجحػو بقولو":وذىب
بعضيـ إلى أف أصل المغات كميا إنما ىو مف األصوات المسموعات؛ كدوؼ الريح ،وحنيف
الرعد ،وخرير الماء ،وشحيج الحمار ،ونعيق الغراب ،وصييل الفرس ،ونزيب الظبي ،ونحو ذلؾ،
ثـ ولدت المغات عف ذلؾ فيما بعد .وىذا عندؼ وجو صالح ومذىب متقبل"[16].
وتابعت ىذه النظرية ظيورىا في العصور الحديثة ،فتبنى العالـ (وتني) ما ذىب إليو ابف جني
بحرفيتو تقر ًيبا ،إذ رأػ" أف المغة نشأت عف طريق محاكاة اإلنساف لألصوات الطبيعية التي كاف
يسمعيا حولو " [17].والحق أف ىذه النظرية فييا مف المبالغة ما يجاوز حد المعقوؿ ،فمو كانت
المغة بكامميا محاكاة لمطبيعة لما تعددت لغات العالـ ،ولكاف لمعالـ لغة واحدة ال غير .إال أف
شيئا مف الصواب ،فبعض األلفاظ ىي صدػ ألصوات الطبيعة؛ كالحفيف
ىذه النظرية تحمل ً
طا وثيًقا بالدالالت فػي
والخرير والزفير والصييل والعواء ،كما أف بعض األلفاظ قد ترتبط ارتبا ً
بعض الحاالت النفسية ،كالكممات التي تعبر عف الغضب أو النفػور أو الكره ،كما أنو غدا
معروًفا في العربية أف زيادة المبنى تدؿ عمى زيادة المعنى ،وىذا ما أشار إليو سيبويو والخميل
آنفا[18].
ً
والخالصة :أننا ال نستطيع أف نرد كل ألفاظ المغة إلى محاكاة الطبيعة ،كما أننا ال نستطيع أف
تاما ،فيناؾ قسط ال بأس بو مف ألفاظ العربية يمت بصمة وثيقة إلى
إىماال ً
ً نيمل ىذه النظرية
أصوات الطبيعة.
11
ويق وؿ ابف جني في (باب في ىذه المغة ،أفي وقت واحد وضعت أـ تالحق تابع منيا بفارط):
"اعمـ أف أبا عمي رحمو هللا كاف يذىب إلى أف ىذه المغة ػ أعني :ما سبق منيا ثـ ما لحق بو
بعده ػ إنما وقع كل صدر منيا في زماف واحد .واف كاف تقدـ شيء منيا عمى صاحبو فميس
بواجب أف يكوف المتقدـ عمى الفعل االسـ ،وال أف يكوف المتقدـ عمى الحرؼ الفعل ...وانما يعني
القوـ بقوليـ" :إف االسـ أسبق مف الفعل" أنو أقوػ في النفس ،وأسبق في االعتقاد مف الفعل؛ ال
في الزماف؛ أما الزماف فيجوز أف يكونوا عند التواضع قدموا االسـ قبل الفعل ،ويجوز أف يكونوا
قدموا الفعل في الوضع قبل االسـ ،وكذلؾ الحرؼ .وذلؾ ألنيـ وزنوا حينئذ أحواليـ ،وعرفوا
مصاير أمورىـ ،فعمموا أنيـ محتاجوف إلى العبارات عف المعاني ،وأنيا ال بد ليا مف األسماء
واألفعاؿ والحروؼ؛ فال عمييـ بأييا بدؤوا؛ أباالسـ أـ بالفعل أـ بالحرؼ؛ ألنيـ أوجبوا عمى
أ نفسيـ أف يأتوا بيف جمع؛ إذ المعاني ال تستغني عف واحد منيف،ىذا مذىب أبي عمي ،وبو كاف
يأخذ ويفتي"[19].
ويقوؿ ":فميذا ذىب أبو عمي ػ رحمو هللا ػ إلى أف ىذه المغة وقعت طبقة واحدة كالرقـ تضعو عمى
المرقوـ والميسـ يباشر بو صفحة الموسوـ ال يحكـ لشيء منو بتقدـ في الزماف؛ واف اختمفت بما
فيو مف الصنعة القوة والضعف في األحواؿ "[20].ويقوؿ ":اعمـ أف واضع المغة لما أراد صوغيا
وترتيب أحواليا ىجـ بفكره عمى جميعيا ،ورأػ بعيف تصوره وجوه جمميا وتفاصيميا ] ".[21ويرػ
ابف جني أف العربية نشأت وتطورت بالتدريج ،وأكد عمى ذلؾ بقولو ":فإنيا ال بد أف يكوف وقع
شيئا
في أوؿ األمر بعضيا ثـ احتيج فيما بعد الى الزيادة عميو؛ لحضور الداعي إليو فزيد فييا ً
فشيئا "[22].ومف ذلؾ قولو ":مما يدلؾ عمى تنقل األحواؿ بيذه المغة ،واعتراض األحداث عمييا،
ً
وكثرة تغوليا وتغيرىا"[23].
فبعد أف عرض ابف جني آلراء مف سبقو في وضع المغة أكد عمى أف المغة وضعت بالتدريج
حسب حاجة أىميا إلييا وساؽ أدلتو عمى ذلؾ وأوافقو في ذلؾ.
12
وضع العربية يتفق مع وضع غيرىا مف المغات:
يرػ ابف جني أف تفسيره ألصل المغة العربية ونشأتيا وتطورىا وتعمميا قد يتفق مع أصل وضع
المغات األخرػ ،ومف ذلؾ قولو":وكذلؾ لو بدئت المغة الفارسية فوقعت المواضعة عمييا لجاز أف
تنقل ويولػد منيا لغات كثيرة مف الرومية والزنجية وغيرىما ،وعمى ىذا ما نشاىده اآلف مف
اختراعات الصناع آلالت صنائعيـ مف األسماء كالنجار والصائغ والحائؾ والبناء وكذلؾ
المالح]". [24
سبب بقاء بعض المغات وعدم اندثارها:
مثاال عمى ذلؾ
تعرض ابف جني لسبب حفاظ بعض المغات عمى حياتيا وعدـ اندثارىا ،وضرب ً
بانتشار لغة الحجاز ولغة تميـ مقارًنا بينيما؛ حيث يقوؿ ":فإف أىل كل واحدة مف المغتيف عدد
كثير وخمق مف هللا عظيـ ،وكل واحد منيـ محافع عمى لغتو ال يخالف شيئا منيا ،وال يوجد عنده
تعاد فييا ،فيل ذلؾ إال ألنيـ يحتاطوف ويقتاسوف وال يفرطوف وال يخمطوف ،ومع ىذا فميس شيء
مما يختمفوف فيو عمى قمتو وخفتو إال لو مف القياس وجو يؤخذ بو" [25].
وتعرص ابف جني لمسألة تعمـ المغة وانتقاليا عبر األجياؿ المتعاقبة؛ حيث يقوؿ ":وليس أحد مف
العرب الفصحاء إال يقوؿ إنو يحكى كالـ أبيو ،وسمفو يتوارثونو آخر عف أوؿ وتابع عف متبع،
وليس كذلؾ أىل الحضر؛ ألنيـ يتظاىروف بينيـ بأنيـ قد تركوا وخالفوا كالـ مف ينتسب إلى
المغة العربية الفصيحة ،غير أف كالـ أىل الحضر مضاه لكالـ فصحاء العرب في حروفيـ
وتأليفيـ إال أنيـ أخموا بأشياء مف إع ارب الكالـ الفصيح ،وىذا رأػ أبى الحسف ،وىو
الصواب]".[26
موقف العربي من لغات غيره:
تحدث ابف جني عف موقف العربي مف لغات غيره ،ويقوؿ في ىذا الشأف ":واعمـ أف العرب
تختمف أحواليا في تمقي الواحد منيا لغة غيره ،فمنيـ مف يخف ويسرع في قبوؿ ما يسمعو،
ومنيـ مف يستعصـ فيقيـ عمى لغتو البتة ،ومنيـ مف إذا طاؿ تكرر لغة غيره عميو لصقت بو
13
ووجدت في كالمو ]".[27ويقوؿ ":آخذ إلى لغتو لغة غيره قد يجوز أف يقتصر عمى بعض المغة
التي أضافيا إلى لغتو دوف بعض "[28].وقولو ":بعضيـ قد ينطق بحضرتو بكثير مف المغات فال
ينكرىا"[29].
ويعمل ابف جني إلتقاف المتكمـ ألكثر مف لغة ،وذلؾ في (باب في العربي الفصيح ينتقل
لسانو])[30؛ ويقوؿ في موضع آخر" :وقد يجوز أف تكوف لغتو في األصل إحداىما ،ثـ إنو
استفاد األخرػ مف قبيمة أخرػ ،وطاؿ بيا عيده وكثر استعمالو ليا؛ فمحقت لطوؿ المدة واتصاؿ
استعماليا بمغتو األولى ،واف كانت إحدػ المفظتيف أكثر في كالمو مف صاحبتيا فأخمق الحاليف
بو في ذلؾ أف تكوف القميمة في االستعماؿ ىي المفادة ،والكثيرة ىي األولى األصمية ،نعـ ،وقد
أيضا أف تكوف القمى منيما إنما قمت في استعمالو؛ لضعفيا في نفسو وشذوذىا عف
يمكف في ىذا ً
قياسو ،واف كانتا جميعا لغتيف لو ولقبيمتو]".[31
وتحدث ابف جني عف حاؿ أصحاب المغات مع لغاتيـ ،ومف ذلؾ قولو ":والمروؼ عنيـ في
شغفيـ بمغتيـ وتعظيميـ ليا ،واعتقادىـ أجمل الجميل فييا؛ أكثر مف أف يورد أو جزء مف أجزاء
أيضا بمغتيـ مشغوفوف ،وليا مؤثروف ،وألف يدخميا شيء مف
كثيرة منو ،فإف قمت فإف العجـ ً
العربي كارىوف ،أال ترػ أنيـ إذا أورد الشاعر منيـ ًا
شعر فيو ألفاظ مف العربي عيب بو ،وطعف
ألجل ذلؾ عميو ،فقد تساوت حاؿ المغتيف في ذلؾ فأية فضيمة لمعربية عمى العجمية؟ قيل :لو
أحست العجـ بمطف صناعة العرب في ىذه المغة ،وما فييا مف الغموض والرقة والدقة؛ العتذرت
فضال عف التقديـ ليا والتنويو منيا ،فإف قيل :ال .بل لو عرفت العرب
ً مف اعترافيا بمغتيا،
مذاىب العجـ في حسف لغتيا وسداد تصرفيا وعذوبة طرائقيا لـ تبوء بمغتيا ،وال رفعت مف
رؤوسيا باستحسانيا وتقديميا " [32].وىذا يؤكػد اعتزاز كل قوـ بمغتيـ.
كما تحدث ابف جني عف المفع العربي وشروطو حيث يقوؿ ":عربي لكونو في لغة العرب غير
منقوؿ إلييا ،وانما ىو وفاؽ وقع ،ولو كاف منقوًال إلى المغة العربية مف غيرىا لوجب أف يكوف
14
أيضا وفاًقا بيف جميع المغات غيرىا ،ومعموـ سعة المغات غير العربية ،فإف جاز أف يكوف ً
أيضا أف يكوف وفاًقا وقع فييا .ويبعد في نفسي أف
مشتركا في جميع المغات ما عدا العربية جاز ً
ً
نظيرا .وقد
ً يكوف في األصل لمغة واحدة ثـ نقل إلى جميع المغات ،ألنا ال نعرؼ لو في ذلؾ
أيضا أف يكوف وفاًقا وقع بيف لغتيف أو ثالث أو نحو ذلؾ ،ثـ انتشر بالنقل في جميعيا.
يجوز ً
شيئا مف الكالـ وقع االتفاؽ عميو في كل لغة وعند كل
وما أقرب ىذا في نفسي؛ ألنا ال نعرؼ ً
أمة ،ىذا كمو إف كاف في جميع المغات ىكذا ،واف لـ يكف كذلؾ كاف الخطب فيو أيسر]".[33
ودرس ابف جني أىـ لغات العرب؛ كمغة الحجاز ،ولغة تميـ ،وغيرىما ،ومف ذلؾ قولو ":لغة أىل
الحجاز وىي المغة الفصحى القدمى] ،".[34وقولو ":وىي المغة الحجازية القوية "[35].ومنو
استعماال ،وانما
ً قولو ":مف ذلؾ المغة التميمية في (ما) ىي أقوػ ً
قياسا؛ واف كانت الحجازية أسير
15