You are on page 1of 14

‫الفصل األول‪ :‬المغة‬

‫تعريف عمم المغة‪:‬‬


‫يمكف تعريف عمـ المغة بأنو ذلؾ العمـ الذؼ يدرس المغة مف خالؿ عدة مستويات‪ ،‬يمثل كل منيا‬
‫خاصا‪ ،‬عمى النحو التالي‪:‬‬
‫مجاال ًّ‬

‫أوال‪ :‬المستوى ا ًّ‬


‫لصوتي‪:‬‬

‫الدراسة‪ ،‬ويحتاج ذلؾ إلى تحديد أعضاء‬


‫حيث دراسة األصوات التي تتألف منيا المغة موضع ّ‬
‫تتحمل األصوات‪ ،‬ووصف الكيفية‬
‫َّ‬ ‫الجياز الصوتي لإلنساف‪ ،‬ومعرفة المخارج المختمفة التي‬
‫ٍ‬
‫كل منيا مجموعة‬ ‫ٍ‬
‫الالزمة لنطق كل صوت مف ىذه األصوات وتقسيـ األصوات إلى مجموعات‪ ،‬ل ّ‬
‫تخصيا مف جير وىمس‪ ،‬أو شدة ورخاوة‪ ،‬أو إطباؽ‬ ‫ّ‬ ‫خصائص معينة‪ ،‬ومعرفة الصفات التي‬
‫وانفتاح‪ ،‬وغير ذلؾ مف الصفات المتضادة‪ ،‬وكذا الصفير أو التفشي والقمقمة‪ ،‬وغير ذلؾ مف‬
‫الصفات المفردة‪ .‬وتتـ دراسة ذلؾ مف خالؿ نظرية (الفونيـ)‪ .‬وسوؼ نحاوؿ في ىذا المستوػ أف‬
‫نستنتج خصوصية المغة العربية في المستوػ الصوتي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المستوى َّ‬


‫الصرفي‪:‬‬ ‫ً‬
‫حيث دراسة بنية الكممة الواحدة‪ ،‬منفردة عف التركيب‪ ،‬والقواعد المتصمة بيا مف اشتقاؽ األسماء‪،‬‬
‫مثنى أو‬
‫وتصريف األفعاؿ‪ ،‬والدالالت العامة لألبنية المختمفة‪ ،‬وأقساـ األسماء‪ ،‬مف مفرد أو ً‬
‫متعد‪ ،‬ومف‬
‫جمع‪ ،‬ومف جامد أو مشتق‪ ،‬وكذا أقساـ األفعاؿ مف مجرد أو مزيد‪ ،‬ومف الزـ أو ّ‬
‫معتل‪ .‬وتتـ دراسة ذلؾ مف خالؿ نظرية (المورفيـ)‪ .‬وسوؼ نحاوؿ في ىذا المستوػ‬
‫ّ‬ ‫صحيح أو‬
‫أف نستنتج خصوصية المغة العربية في المستوػ الصرفي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ِي (التركيبي)‪:‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬المستوى َّ‬
‫الن ْحو ّ‬
‫حيث دراسة العالقات المختمفة بيف الكممات التي يتألف منيا التركيب‪ ،‬وبمعنى أوضح الوظيفة‬
‫تؤدييا كل كممة مف أجزاء التركيب‪ ،‬بحيث يتضح نظاـ الجممة‪ ،‬مف حيث ترتيب أجزائيا‪،‬‬
‫التي ّ‬
‫وأثر كل جزء منيا في اآلخر‪ .‬وتتـ دراسة ذلؾ مف خالؿ عقد مقارنة بيف مفيوـ النحو عند كل‬
‫مف سيبويو وتشومسكي‪ .‬وسوؼ نحاوؿ في ىذا المستوػ أف نستنتج خصوصية المغة العربية في‬
‫المستوػ النحوؼ‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬المستوى المعجمي‪:‬‬


‫رً‬
‫حيث دراسة المعاني المختمفة لأللفاظ‪ ،‬بحسب سياقاتيا‪ ،‬وذلؾ مف خالؿ معاجـ األلفاظ‪ ،‬وكذلؾ‬
‫دراسة التطور الداللي الذؼ ط أر عمى بعضيا وعواممو ونتائجو‪ ،‬وذلؾ مف خالؿ المعاجـ‬
‫التاريخية‪ .‬وسوؼ يطرح ىذا المستوػ ً‬
‫عددا مف القضايا المغوية الجديرة بالدراسة واالستقصا‪ ،‬مثل‬
‫ظواىر‪ :‬تعدد المعنى والمشترؾ المفظي والترادؼ واألضداد‪ ،‬وغير ذلؾ‪.‬‬

‫تعريف المغة‪:‬‬

‫بعض تعريفات المغة‪:‬‬

‫تعددت تعريفات المغة لدػ كبار المغوييف‪ ،‬واىذه التعريفات كميا تقدـ بعض اإلشارات التمييدية‬
‫لمخصائص التي يميل المغويوف ‪-‬عمى األقل‪ -‬إلى االعتقاد بضرورتيا لمغة‪ ،‬وىي عمى النحو‬
‫التالي‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -1‬تعريف سابير "‪"Sapir‬؛ "‬

‫"المغة طريقة إنسانية بحتة غير غريزية لتواصل األفكار واالنفعاالت والرغبات بواسطة الرموز‬
‫المنتجة إنتاجا إراديا"‬

‫وىذا التعريف ينطوؼ عمى عدة عيوب‪:‬‬

‫أوليا‪ :‬أف المغة ال تقتصر فقط عمى نقل األفكار واالنفعاالت‪ ،‬بل تنقل كذلؾ ما ال يندرج تحت‬
‫ىذه األمور‪،‬‬

‫وثانييا‪َّ :‬‬
‫أف مصطمح " األفكار" بصفة خاصة غير دقيق ألنو غير محدد المعنى‪.‬‬

‫وثالثيا‪ :‬قولو غير غريزية ينطبق عمى ما ال يدخل تحت المغة المنطوقة؛ حيث توجد نظـ كثيرة‬
‫اديا ال نعدىا لغات إال بالمعنى المجازؼ لكممة لغة‪ ،‬فعمى سبيل المثاؿ ما‬
‫مف الرموز المنتجة إر ًّ‬
‫تشير إليو اآلف بشكل شائع عبارة "لغة الجسد" ‪-‬التي تستخدـ اإليماءات‪ ،‬وحركات الجسـ‪ ،‬وحركة‬
‫العيف‪ ...‬إلخ‪ -‬قد تبدو مالئمة لتعريف سابير‪.‬‬

‫‪ -2‬تعريف بموخ وتراجر "‪:"Bloch ،Trager‬‬

‫ورد عف بموخ وتراجر في كتابيما "‪ "Outline of Linguistic Analysis‬التعريف التالي‪:‬‬

‫"المغة نظام اجتماعي مؤلف من رموز منطوقة عرفية تتعاون بها مجموعة اجتماعية‪".‬‬

‫ونالحع في ىذا التعريف ما يمي‪:‬‬

‫ٔ‪ -‬أنو عمى العكس مف تعريف سابير ال يعطي أؼ اىتماـ لموظيفة االتصالية إال عمى نحو غير‬
‫مباشر وعمى سبيل التضمف‪ ،‬وبدال مف ذلؾ يضع التأكيد كمو عمى الوظيفة االجتماعية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ٕ‪ -‬يختمف تعريف بموخ وتراجر عف تعريف سابير مف حيث إنو قدـ خاصة العرفية‪ ،‬وحصر‬
‫بشكل واضح المغة في المغة المنطوقة‪.‬‬

‫وسنعود إلى قضية العالقة التي تربط بيف المغة والكالـ‪.‬‬

‫‪ -3‬تعريف هال "‪:"Hall‬‬

‫ورد عف ىاؿ في كتابو‪ "Essay on Language" :‬التعريف اآلتي‪:‬‬

‫"المغة نمط اجتماعي منظم يتواصل بها البشر ويتفاعل بها الواحد مع اآلخر بواسطة الرموز‬
‫االعتباطية المسموعة ‪ -‬المنطوقة المعتاد استخدامها"‬

‫ومف أىـ ما نالحظو في ىذا التعريف ما يمي‪:‬‬

‫ٔ‪ -‬ورود كل مف "التواصل"‪ ،‬و"التفاعل" في التعريف "ولفظة التفاعل أكثر شموال مف التعاوف‬
‫الواردة في التعريف السابق"‬

‫ٕ‪ -‬إف كممة "مسموعة" لـ تضف جديًدا إلى مصطمح "منطوقة" "وال يختمف عنو إال في إشارتو‬
‫إلى السامع والمتكمـ عمى حد سواء" أؼ‪ :‬إلى المرسل والمستقبل لمرموز المنطوقة التي نتعرؼ‬
‫عمييا بوصفيا أقواال لغوية"‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬يتعامل ىاؿ مع المغة‪ -‬مثل سابير‪ -‬عمى أنيا نظاـ إنساني بحت‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬مصطمح نمط اجتماعي منظـ يوضح صراحة وجية النظر إلى تذىب إلى أف المغة التي‬
‫يستخدميا مجتمع بعينو جزء مف ثقافتو‪.‬‬

‫٘‪ -‬ومرة أخرػ اختُصت خاصة العرفية مف ضمف مجموعة الخصائص بمالحظة موجزة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مع أنو أكثر السياقات مدعاة لذكر ىذه الكممة وعميو فإف المغة استجابة حرة‪.‬‬

‫‪ -4‬تعريف تشومسكي "‪:"Chomsky‬‬

‫يقوؿ في تعريف المغة‪" :‬مف اآلف سأعتبر المغة مجموعة "محدودة أو غير محدودة" مف الجمل‪،‬‬
‫كل جممة محدودة مف حيث الطوؿ وتتركب مف مجموعة محدودة مف العناصر"‬

‫وىذا التعريف مأخوذ مف كتاب تشومسكي "‪( "Syntactic Structures‬الِب ْنى النحويَّة) الذؼ‬
‫أحدث نشره الحركة التي عرفت باسـ النحو التحويمي‪ ،‬ويقصد ىذا التعريف ‪-‬بخالؼ التعريفات‬
‫السابقة‪ -‬تغطية جوانب كثيرة مف المغات الطبيعية‪ ،‬غير أف المغات الطبيعية كميا‪ -‬تبعا‬
‫لتشومسكي‪ -‬في صورتيا المكتوبة والمنطوقة لغات حسب تعريفو ما داـ لكل لغة طبيعية عدد‬
‫محدود مف األصوات "وعدد محدود مف الحروؼ األبجدية عمى افتراض أنيا ذات نظاـ ألفبائي‬
‫لمكتابة"‪.‬‬

‫وتعريف تشومسكي لمغة ىنا يختمف كثي ار عف التعريفات األخرػ مف حيث المحتوػ واألسموب‪،‬‬
‫فيو ال يذكر شيئا عف الوظيفة االتصالية الخاصة بالمغات الطبيعية والمغات غير الطبيعية‪ ،‬ولـ‬
‫يذكر شيئا عف الطبيعية الرمزية لعناصرىا أو لتتابعاتيا‪ ،‬وغايتو أف يركز االنتباه عمى الخصائص‬
‫البنيوية البحتة لمغات وعمى فكرة أف ىذه الخصائص يمكف أف تبحث بطريقة واضحة وضوح‬
‫الرياضيات‪ ،‬واسياـ تشومسكي الرئيسي في عمـ المغة أنو أعطى تأكيدا خاصا عمى ما يطمق‬
‫عميو تبعية البنية "‪ dependence strueture‬العمميات التي تتركب مف خالليا الجمل في‬
‫المغات الطبيعية‪ ،‬وأنو صاغ نظرية عامة في النحو تأسست عمى تحديد خاص ليذه السمة "‬

‫‪6‬‬
‫الفرق بين المغة والكالم‪:‬‬

‫لقد فرؽ فرديناند دؼ سوسير بيف المغة والكالـ ً‬


‫قائال‪" :‬إف المغة والكالـ عندنا ليسا بشيء واحد‪،‬‬
‫أساسيا‪ ،‬والحق يقاؿ‪ ،‬فيي في اآلف نفسو نتاج اجتماعي‬
‫ً‬ ‫فإنما ىي منو بمثابة قسـ معيف واف كاف‬
‫لممكة الكالـ ومجموعة مف المواضعات يتبناىا الكياف االجتماعي؛ ليمكف األفراد مف ممارسة ىذه‬
‫الممكة‪ .‬واذا أخذنا الكالـ جممة بدا لنا متعدد األشكاؿ متبايف المقومات موزًعا في اآلف نفسو‪ ،‬إلى‬
‫ما ىو فردؼ‪ ،‬والى ما ىو اجتماعي‪ ...‬أما المغة فيي عمى عكس ذلؾ‪ ،‬كل بذاتو ومبدأ مف‬
‫مبادؼ التبويب]‪".[1‬‬

‫أيضا بيف المغة والكالـ‪ ،‬ومف ذلؾ ما يأتي‪:‬‬


‫ولقد ميز ابف جني ً‬
‫أوًال‪ :‬المغة عند ابن جني‪:‬‬
‫لقد درس ابف جني في الخصائص الكثير مف المسائل المتعمقة بالمغة العربية‪ ،‬فعرفيا وتعرض‬
‫لوضعيا وتطورىا‪ ،‬وقدـ دراسات كانت وال تزاؿ ليا فاعميتيا في الثقافة المغوية‪ ،‬والنشاط الفكرؼ‪،‬‬
‫سواء إف كاف ذلؾ عمى المستوػ النظرؼ المنيجي أو عمى المستوػ اإلجرائي التطبيقي‪ .‬ولذلؾ‬
‫نموذجا مشرًقا لمباحث المغة في التراث العربي‬
‫ً‬ ‫يعد ابف جني مف أعظـ العمماء الذيف قدمػوا‬
‫المعرفي‪ ،‬فبدت المغة العربية في "خصائصو" لغة ال تدانييا لغة؛ لما اشتممت عميو مف سمات‬
‫حسف تصريف الكالـ‪ ،‬واإلبانة عف المعاني بأحسف وجػوه األداء‪.‬‬

‫تعريف ابن جني لمغة‪:‬‬


‫عرؼ ابف جني المغة‪ ،‬بقولو في (باب القوؿ عمى المغة وما ىي)‪ ":‬أما حدىا‪ :‬فإنيا أصوات يعبر‬
‫بيا كل قوـ عف أغراضيـ‪ ،‬ىذا حدىا‪"[2].‬‬

‫‪7‬‬
‫وىذا التعريف يتفق إلى حد كبير مع آراء الوظيفييف الغرب‪ ،‬كما أف ىذا التعريف غني بالقيـ‬
‫التداولية‪ ،‬وأىميا‪ :‬أف المغة ذات قيمة نفعية ‪ ،‬تعبيرية‪ ،‬أؼ‪ :‬إف تعريف ابف جني لمغة يتشابو مع‬
‫آراء المدرسة التداولية )‪ (Pragmatique‬في الدرس المساني الغربي الحديث‪ ،‬وىو دراسة المغة‬
‫حاؿ االستعماؿ؛ أؼ‪ :‬حينما تكوف متداولة بيف مستخدمييا‪.‬‬

‫نظريات نشأة المغة‪:‬‬

‫كثير مف‪،‬‬
‫تُ َعّد قضية نشأة المغة اإلنسانية مف القضايا التي شغمت ‪ -‬عمى مر العصور ‪ً -‬ا‬
‫والمغوييف‪.‬‬

‫ِ‬
‫فسر كيفية نشأة المغة‪ ،‬بطريقة كاممة‪،‬‬
‫تصور شامل‪ُ ،‬ي ّ‬
‫وعمى الرغـ مف ذلؾ‪ ،‬فمـ يتفق الجمبع عمى ّ‬
‫وتوصموا إلى نظريات عديدة‪ ،‬أشيرىا أربع نظريات ىي‪:‬‬

‫ٔ_ نظرية التوقيف واإللياـ‪.‬‬

‫ٕ_ نظرية االصطالح‬


‫والمواضعة‪.‬‬

‫ٕ_ نظرية التقميد والمحاكاة‪.‬‬

‫ٗ_ نظرية الغريزة الكالمية‪.‬‬

‫بدؿ عمى‬
‫يقدـ دلبال قطعيًّا‪ ،‬أو قر ًيبا منو‪ّ ،‬‬ ‫وحيف نستعرض ىذه النظريات نجد َّ‬
‫أف أيَّا منيا لـ ّ‬
‫صحة نظريتو كتفسير شامل لكيفية نشأة المغة‪.‬‬
‫ّ‬
‫نيائيا‪ ،‬أو قبوؿ أؼ بحث‬
‫ولذلؾ فقد قررت الجمعية المغوية في باريس عدـ مناقشة ىذا الموضوع ً‬
‫فيو لعرضو في جمستو‪.)ٔ( .‬‬

‫‪8‬‬
‫أصل المغة عند ابن جني‪:‬‬
‫ما يجدر مالحظتو ىو أف موضوع نشأة المغة كاف مف ضمف الموضوعات التي البحث فييا‪،،‬‬
‫ولقد سبق ابف جني عمماء المغة المحدثيف إلى دراسة ىذا الموضوع‪ ،‬وذلؾ في باب (القوؿ عمى‬
‫أصل المغة أإلياـ ىي أـ اصطال)]‪ ، [3‬حيث ذكر ابن جني ثالث نظريات لتفسير أصل المغة‪،‬‬
‫تتمخص في اآلتي‪:‬‬
‫(ٔ) نظرية التوقيف واإللياـ‪ :‬وىو مذىب مف يرػ أف المغة وضعت عف طريق الوحي والتوقيف‪،‬‬
‫وأف هللا أليـ آدـ عميو السالـ أف يضع ليا أسماء فوضعيا‪ ،‬وعف ذلؾ يقوؿ ابف جني‪ " :‬وذلؾ أنو‬
‫قد يجوز أف يكوف تأويمو أقدر آدـ عمى أف واضع عمييا‪ ،‬وىذا المعنى مف عند هللا سبحانو ال‬
‫أيضا‪ ":‬إنني إذا تأممت حاؿ ىذه المغة الشريفة الكريمة المطيفة وجدت فييا مف‬
‫محالة ‪" .‬ويقوؿ ً‬
‫الحكمة والدقة واإلرىاؼ والرقة؛ ما يممؾ عمى جانب الفكر‪ ،‬حتى يكاد يطمح بو أماـ غموة‬
‫السحر‪ ،‬فمف ذلؾ ما نبو عميو أصحابنا رحميـ هللا‪ ،‬ومنو ما حذوتو عمى أمثمتيـ‪ ،‬فعرفت بتتابعو‬
‫وانقياده وبعد مراميو وآماده صحة ما وفقوا لتقديمو منو‪ ،‬ولطف ما أسعدوا بو‪ ،‬وفرؽ ليـ عنو‪،‬‬
‫وانضاؼ إلى ذلؾ وارد األخبار المأثورة بأنيا مف عند هللا جل وعز‪ ،‬فقوػ في نفسى اعتقاد كونيا‬
‫توفيًقا مف هللا سبحانو‪ ،‬وأنيا وحي]‪".[5‬‬
‫ويعترض الرافضون لهذه النظرية بأنو ال يصح إذا كانت المغة مف عند هللا تعالى وقوع التضاد‬
‫في المغة؛ كػ(الجوف) الذؼ يدؿ عمى األبيض واألسود؛ ألف ىذا التضاد تناقض يتنافى والحكمة‬
‫اإلليية‪ ،‬كما أنيا لو كانت مف عند هللا " لما كاف لمشيء الواحد أسماء متعددة‪ ،‬ولالسـ الواحد‬
‫معاف كثيرة]‪"[6‬؛ ولذلؾ وغيره لـ يؤيد ابف جني ىذا المذىب بصورة مطمقة‪ ،‬وقد اتفق موقفو مع‬
‫موقف دؼ سوسير في ىذا الشأف‪ ،‬حيث يرػ أنو لو كانت المغة مف عند هللا لما كانت " عاجزة‬
‫جذرًيا عف الدفاع عف نفسيا ضد العوامل التي تنقل مف لحظة إلى أخرػ العالقة بيف الداؿ‬
‫والمدلوؿ‪ ،‬وىذه إحدػ نتائج اعتباطية العالمة‪"[7].‬‬

‫‪9‬‬
‫(‪ )2‬نظرية االصطالح والمواضعة ‪ :‬وىو أف المغة قد وضعت نتيجة تواضع بيف أىميا‪ ،‬أو أف‬
‫المغة اصطالح وتواضع يتـ بيف أفراد المجتمع‪ ،‬ومف ثـ ليس أللفاظ المغة أية عالقة بمسمياتيا‪.‬‬

‫وعف ىذا المذىب يقوؿ ابف جني‪ ":‬لنعد فمنقل في االعتداؿ لمف قاؿ بأف المغة ال تكوف ً‬
‫وحيا‪،‬‬
‫وذلؾ أنيـ ذىبوا إلى أف أصل المغة ال بد فيو مف المواضعة‪ ،‬قالوا‪ :‬وذلؾ كأف يجتمع حكيماف أو‬
‫ظا‪،‬‬
‫فصاعدا؛ فيحتاجوا إلى اإلنابة عف األشياء المعمومات‪ ،‬فيضعوا لكل واحد منيا سمة ولف ً‬
‫ً‬ ‫ثالثة‬
‫إذا ذكر عرؼ بو ما مسماه؛ ليمتاز مف غيره‪ ،‬وليغنى بذكره عف إحضاره إلى مرآة العيف]‪".[8‬‬

‫وتابعت ىذه النظرية في العصور الحديثة استم ارريتيا‪ ،‬حيث القت قبوًال عند األب الروحي‬
‫لمدراسات المغوية الحديثة فرديناف دوسوسير‪ ،‬فيو يقرر منذ البداية أف "الرابط الجامع بيف الداؿ‬
‫والمدلوؿ ىو اعتباطي]‪ ،"[9‬ويبرر ذلؾ بقولو‪ ":‬وحجتنا في ذلؾ إنما ىي االختالفات القائمة بيف‬
‫المغات ووجود المغات المختمفة]‪ ،"[10‬ولكف دوسوسير ما لبث أف أقر بوجود شيء مف العالقة‬
‫بيف الداؿ والمدلوؿ‪ ،‬إذ يرػ أف "ىناؾ بعض مف مالمح الرابط الطبيعي بيف الداؿ‬
‫والمدلوؿ]‪ ،"[11‬ثـ يرػ أف الفرد ليس لديو" القدرة عمى تغيير أؼ شيء في عالمة ما‪ ،‬وذلؾ عند‬
‫ثبوتيا وتمكنيا في مجموعة لغوية‪" [12].‬‬

‫معا‪،‬‬
‫طا‪ ،‬فقاؿ باإللياـ واالصطالح ً‬‫موقفا وس ً‬
‫وخالصة موقف ابن جني من نشأة المغة أنو وقف ً‬
‫حي ث يقوؿ‪ ":‬تقدـ في أوؿ الكتاب القوؿ عمى المغة‪ :‬أتواضع ىي أـ إلياـ‪ .‬وحكينا وجوزنا فييا‬
‫أيضا ما ختـ بو ىذا الباب حيث افترض أف يكوف هللا تعالى‬
‫جميعا ‪ "[13].‬ويوضح ذلؾ ً‬ ‫ً‬ ‫األمريف‬
‫قد خمق قبمنا أقوا ًما كانت ليـ القدرة التي مكنتيـ عمى االصطالح والتواضع في تسمية األشياء‪،‬‬
‫ومعبر في ذات الوقت عف حيرتو بيف القوؿ بعرفية المغة أو القوؿ‬
‫ًا‬ ‫موضحا موقفو‬
‫ً‬ ‫يقوؿ ابف جني‬
‫مكثور واف خطر‬
‫ًا‬ ‫حسير‪ ،‬وأكاثرىما فأنكفئ‬
‫ًا‬ ‫باإللياـ‪ ":‬فأقف بيف تيف الخمتيف اإللياـ والعرؼ‬
‫خاطر فيما بعد‪ ،‬يعمق الكف بإحدػ الجيتيف ويكفيا أو يفكيا عف صاحبتيا قمنا بو]‪".[14‬‬

‫‪11‬‬
‫(‪ )3‬مذهب المحاكاة‪ :‬وممخص ىذه النظرية أف المغة نشأت عف محاكاة اإلنساف ألصوات‬
‫الطبيعة المحيطة بو‪ ،‬وأقدـ األقواؿ حوؿ ىذه النظرية كانت لمفراىيدؼ وتمميذه سيبويو‪ ،‬فقد نقل لنا‬
‫ومدا‪،‬‬
‫ابف جني في الخصائص ما نصو‪ ":‬قاؿ الخميل‪ :‬كأنيـ توىموا في صوت الجندب استطالة ً‬
‫تقطيعا‪ ،‬فقالوا‪ :‬صرصر‪ ،‬وقاؿ سيبويو في المصادر التي‬
‫ً‬ ‫فقالوا‪ :‬صر‪ ،‬وتوىموا في صوت البازؼ‬
‫جاءت عمى (فعالف)‪ :‬إنيا تأتي لالضطراب والحركة؛ نحو‪ :‬النقزاف والغمياف‪ ،‬فقابموا بتوالي‬
‫حركات المثاؿ توالي حركات األفعاؿ]‪ ،" [15‬وقبل ابف جني بيذا الرأؼ ورجحػو بقولو‪":‬وذىب‬
‫بعضيـ إلى أف أصل المغات كميا إنما ىو مف األصوات المسموعات؛ كدوؼ الريح‪ ،‬وحنيف‬
‫الرعد‪ ،‬وخرير الماء‪ ،‬وشحيج الحمار‪ ،‬ونعيق الغراب‪ ،‬وصييل الفرس‪ ،‬ونزيب الظبي‪ ،‬ونحو ذلؾ‪،‬‬
‫ثـ ولدت المغات عف ذلؾ فيما بعد‪ .‬وىذا عندؼ وجو صالح ومذىب متقبل‪"[16].‬‬

‫وتابعت ىذه النظرية ظيورىا في العصور الحديثة‪ ،‬فتبنى العالـ (وتني) ما ذىب إليو ابف جني‬
‫بحرفيتو تقر ًيبا‪ ،‬إذ رأػ" أف المغة نشأت عف طريق محاكاة اإلنساف لألصوات الطبيعية التي كاف‬
‫يسمعيا حولو ‪" [17].‬والحق أف ىذه النظرية فييا مف المبالغة ما يجاوز حد المعقوؿ‪ ،‬فمو كانت‬
‫المغة بكامميا محاكاة لمطبيعة لما تعددت لغات العالـ‪ ،‬ولكاف لمعالـ لغة واحدة ال غير‪ .‬إال أف‬
‫شيئا مف الصواب‪ ،‬فبعض األلفاظ ىي صدػ ألصوات الطبيعة؛ كالحفيف‬
‫ىذه النظرية تحمل ً‬
‫طا وثيًقا بالدالالت فػي‬
‫والخرير والزفير والصييل والعواء‪ ،‬كما أف بعض األلفاظ قد ترتبط ارتبا ً‬
‫بعض الحاالت النفسية‪ ،‬كالكممات التي تعبر عف الغضب أو النفػور أو الكره‪ ،‬كما أنو غدا‬
‫معروًفا في العربية أف زيادة المبنى تدؿ عمى زيادة المعنى‪ ،‬وىذا ما أشار إليو سيبويو والخميل‬
‫آنفا‪[18].‬‬
‫ً‬
‫والخالصة‪ :‬أننا ال نستطيع أف نرد كل ألفاظ المغة إلى محاكاة الطبيعة‪ ،‬كما أننا ال نستطيع أف‬
‫تاما‪ ،‬فيناؾ قسط ال بأس بو مف ألفاظ العربية يمت بصمة وثيقة إلى‬
‫إىماال ً‬
‫ً‬ ‫نيمل ىذه النظرية‬
‫أصوات الطبيعة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ويق وؿ ابف جني في (باب في ىذه المغة‪ ،‬أفي وقت واحد وضعت أـ تالحق تابع منيا بفارط)‪:‬‬
‫"اعمـ أف أبا عمي رحمو هللا كاف يذىب إلى أف ىذه المغة ػ أعني‪ :‬ما سبق منيا ثـ ما لحق بو‬
‫بعده ػ إنما وقع كل صدر منيا في زماف واحد‪ .‬واف كاف تقدـ شيء منيا عمى صاحبو فميس‬
‫بواجب أف يكوف المتقدـ عمى الفعل االسـ‪ ،‬وال أف يكوف المتقدـ عمى الحرؼ الفعل‪ ...‬وانما يعني‬
‫القوـ بقوليـ‪" :‬إف االسـ أسبق مف الفعل" أنو أقوػ في النفس‪ ،‬وأسبق في االعتقاد مف الفعل؛ ال‬
‫في الزماف؛ أما الزماف فيجوز أف يكونوا عند التواضع قدموا االسـ قبل الفعل‪ ،‬ويجوز أف يكونوا‬
‫قدموا الفعل في الوضع قبل االسـ‪ ،‬وكذلؾ الحرؼ‪ .‬وذلؾ ألنيـ وزنوا حينئذ أحواليـ‪ ،‬وعرفوا‬
‫مصاير أمورىـ‪ ،‬فعمموا أنيـ محتاجوف إلى العبارات عف المعاني‪ ،‬وأنيا ال بد ليا مف األسماء‬
‫واألفعاؿ والحروؼ؛ فال عمييـ بأييا بدؤوا؛ أباالسـ أـ بالفعل أـ بالحرؼ؛ ألنيـ أوجبوا عمى‬
‫أ نفسيـ أف يأتوا بيف جمع؛ إذ المعاني ال تستغني عف واحد منيف‪،‬ىذا مذىب أبي عمي‪ ،‬وبو كاف‬
‫يأخذ ويفتي‪"[19].‬‬

‫ويقوؿ‪ ":‬فميذا ذىب أبو عمي ػ رحمو هللا ػ إلى أف ىذه المغة وقعت طبقة واحدة كالرقـ تضعو عمى‬
‫المرقوـ والميسـ يباشر بو صفحة الموسوـ ال يحكـ لشيء منو بتقدـ في الزماف؛ واف اختمفت بما‬
‫فيو مف الصنعة القوة والضعف في األحواؿ ‪"[20].‬ويقوؿ‪ ":‬اعمـ أف واضع المغة لما أراد صوغيا‬
‫وترتيب أحواليا ىجـ بفكره عمى جميعيا‪ ،‬ورأػ بعيف تصوره وجوه جمميا وتفاصيميا ]‪ ".[21‬ويرػ‬
‫ابف جني أف العربية نشأت وتطورت بالتدريج‪ ،‬وأكد عمى ذلؾ بقولو‪ ":‬فإنيا ال بد أف يكوف وقع‬
‫شيئا‬
‫في أوؿ األمر بعضيا ثـ احتيج فيما بعد الى الزيادة عميو؛ لحضور الداعي إليو فزيد فييا ً‬
‫فشيئا ‪ "[22].‬ومف ذلؾ قولو‪ ":‬مما يدلؾ عمى تنقل األحواؿ بيذه المغة‪ ،‬واعتراض األحداث عمييا‪،‬‬
‫ً‬
‫وكثرة تغوليا وتغيرىا‪"[23].‬‬

‫فبعد أف عرض ابف جني آلراء مف سبقو في وضع المغة أكد عمى أف المغة وضعت بالتدريج‬
‫حسب حاجة أىميا إلييا وساؽ أدلتو عمى ذلؾ وأوافقو في ذلؾ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وضع العربية يتفق مع وضع غيرىا مف المغات‪:‬‬
‫يرػ ابف جني أف تفسيره ألصل المغة العربية ونشأتيا وتطورىا وتعمميا قد يتفق مع أصل وضع‬
‫المغات األخرػ‪ ،‬ومف ذلؾ قولو‪":‬وكذلؾ لو بدئت المغة الفارسية فوقعت المواضعة عمييا لجاز أف‬
‫تنقل ويولػد منيا لغات كثيرة مف الرومية والزنجية وغيرىما‪ ،‬وعمى ىذا ما نشاىده اآلف مف‬
‫اختراعات الصناع آلالت صنائعيـ مف األسماء كالنجار والصائغ والحائؾ والبناء وكذلؾ‬
‫المالح]‪". [24‬‬
‫سبب بقاء بعض المغات وعدم اندثارها‪:‬‬
‫مثاال عمى ذلؾ‬
‫تعرض ابف جني لسبب حفاظ بعض المغات عمى حياتيا وعدـ اندثارىا‪ ،‬وضرب ً‬
‫بانتشار لغة الحجاز ولغة تميـ مقارًنا بينيما؛ حيث يقوؿ‪ ":‬فإف أىل كل واحدة مف المغتيف عدد‬
‫كثير وخمق مف هللا عظيـ‪ ،‬وكل واحد منيـ محافع عمى لغتو ال يخالف شيئا منيا‪ ،‬وال يوجد عنده‬
‫تعاد فييا‪ ،‬فيل ذلؾ إال ألنيـ يحتاطوف ويقتاسوف وال يفرطوف وال يخمطوف‪ ،‬ومع ىذا فميس شيء‬
‫مما يختمفوف فيو عمى قمتو وخفتو إال لو مف القياس وجو يؤخذ بو‪" [25].‬‬

‫وتعرص ابف جني لمسألة تعمـ المغة وانتقاليا عبر األجياؿ المتعاقبة؛ حيث يقوؿ‪ ":‬وليس أحد مف‬
‫العرب الفصحاء إال يقوؿ إنو يحكى كالـ أبيو‪ ،‬وسمفو يتوارثونو آخر عف أوؿ وتابع عف متبع‪،‬‬
‫وليس كذلؾ أىل الحضر؛ ألنيـ يتظاىروف بينيـ بأنيـ قد تركوا وخالفوا كالـ مف ينتسب إلى‬
‫المغة العربية الفصيحة‪ ،‬غير أف كالـ أىل الحضر مضاه لكالـ فصحاء العرب في حروفيـ‬
‫وتأليفيـ إال أنيـ أخموا بأشياء مف إع ارب الكالـ الفصيح‪ ،‬وىذا رأػ أبى الحسف‪ ،‬وىو‬
‫الصواب]‪".[26‬‬
‫موقف العربي من لغات غيره‪:‬‬
‫تحدث ابف جني عف موقف العربي مف لغات غيره‪ ،‬ويقوؿ في ىذا الشأف‪ ":‬واعمـ أف العرب‬
‫تختمف أحواليا في تمقي الواحد منيا لغة غيره‪ ،‬فمنيـ مف يخف ويسرع في قبوؿ ما يسمعو‪،‬‬
‫ومنيـ مف يستعصـ فيقيـ عمى لغتو البتة‪ ،‬ومنيـ مف إذا طاؿ تكرر لغة غيره عميو لصقت بو‬

‫‪13‬‬
‫ووجدت في كالمو ]‪".[27‬ويقوؿ‪ ":‬آخذ إلى لغتو لغة غيره قد يجوز أف يقتصر عمى بعض المغة‬
‫التي أضافيا إلى لغتو دوف بعض ‪"[28].‬وقولو‪ ":‬بعضيـ قد ينطق بحضرتو بكثير مف المغات فال‬
‫ينكرىا‪"[29].‬‬
‫ويعمل ابف جني إلتقاف المتكمـ ألكثر مف لغة‪ ،‬وذلؾ في (باب في العربي الفصيح ينتقل‬
‫لسانو]‪)[30‬؛ ويقوؿ في موضع آخر‪" :‬وقد يجوز أف تكوف لغتو في األصل إحداىما‪ ،‬ثـ إنو‬
‫استفاد األخرػ مف قبيمة أخرػ‪ ،‬وطاؿ بيا عيده وكثر استعمالو ليا؛ فمحقت لطوؿ المدة واتصاؿ‬
‫استعماليا بمغتو األولى‪ ،‬واف كانت إحدػ المفظتيف أكثر في كالمو مف صاحبتيا فأخمق الحاليف‬
‫بو في ذلؾ أف تكوف القميمة في االستعماؿ ىي المفادة‪ ،‬والكثيرة ىي األولى األصمية‪ ،‬نعـ‪ ،‬وقد‬
‫أيضا أف تكوف القمى منيما إنما قمت في استعمالو؛ لضعفيا في نفسو وشذوذىا عف‬
‫يمكف في ىذا ً‬
‫قياسو‪ ،‬واف كانتا جميعا لغتيف لو ولقبيمتو]‪".[31‬‬

‫وتحدث ابف جني عف حاؿ أصحاب المغات مع لغاتيـ‪ ،‬ومف ذلؾ قولو‪ ":‬والمروؼ عنيـ في‬
‫شغفيـ بمغتيـ وتعظيميـ ليا‪ ،‬واعتقادىـ أجمل الجميل فييا؛ أكثر مف أف يورد أو جزء مف أجزاء‬
‫أيضا بمغتيـ مشغوفوف‪ ،‬وليا مؤثروف‪ ،‬وألف يدخميا شيء مف‬
‫كثيرة منو‪ ،‬فإف قمت فإف العجـ ً‬
‫العربي كارىوف‪ ،‬أال ترػ أنيـ إذا أورد الشاعر منيـ ًا‬
‫شعر فيو ألفاظ مف العربي عيب بو‪ ،‬وطعف‬
‫ألجل ذلؾ عميو‪ ،‬فقد تساوت حاؿ المغتيف في ذلؾ فأية فضيمة لمعربية عمى العجمية؟ قيل‪ :‬لو‬
‫أحست العجـ بمطف صناعة العرب في ىذه المغة‪ ،‬وما فييا مف الغموض والرقة والدقة؛ العتذرت‬
‫فضال عف التقديـ ليا والتنويو منيا‪ ،‬فإف قيل‪ :‬ال‪ .‬بل لو عرفت العرب‬
‫ً‬ ‫مف اعترافيا بمغتيا‪،‬‬
‫مذاىب العجـ في حسف لغتيا وسداد تصرفيا وعذوبة طرائقيا لـ تبوء بمغتيا‪ ،‬وال رفعت مف‬
‫رؤوسيا باستحسانيا وتقديميا ‪" [32].‬وىذا يؤكػد اعتزاز كل قوـ بمغتيـ‪.‬‬

‫كما تحدث ابف جني عف المفع العربي وشروطو حيث يقوؿ‪ ":‬عربي لكونو في لغة العرب غير‬
‫منقوؿ إلييا‪ ،‬وانما ىو وفاؽ وقع‪ ،‬ولو كاف منقوًال إلى المغة العربية مف غيرىا لوجب أف يكوف‬

‫‪14‬‬
‫أيضا وفاًقا بيف جميع المغات غيرىا‪ ،‬ومعموـ سعة المغات غير العربية‪ ،‬فإف جاز أف يكوف‬ ‫ً‬
‫أيضا أف يكوف وفاًقا وقع فييا‪ .‬ويبعد في نفسي أف‬
‫مشتركا في جميع المغات ما عدا العربية جاز ً‬
‫ً‬
‫نظيرا‪ .‬وقد‬
‫ً‬ ‫يكوف في األصل لمغة واحدة ثـ نقل إلى جميع المغات‪ ،‬ألنا ال نعرؼ لو في ذلؾ‬
‫أيضا أف يكوف وفاًقا وقع بيف لغتيف أو ثالث أو نحو ذلؾ‪ ،‬ثـ انتشر بالنقل في جميعيا‪.‬‬
‫يجوز ً‬
‫شيئا مف الكالـ وقع االتفاؽ عميو في كل لغة وعند كل‬
‫وما أقرب ىذا في نفسي؛ ألنا ال نعرؼ ً‬
‫أمة‪ ،‬ىذا كمو إف كاف في جميع المغات ىكذا‪ ،‬واف لـ يكف كذلؾ كاف الخطب فيو أيسر]‪".[33‬‬

‫ودرس ابف جني أىـ لغات العرب؛ كمغة الحجاز‪ ،‬ولغة تميـ‪ ،‬وغيرىما‪ ،‬ومف ذلؾ قولو‪ ":‬لغة أىل‬
‫الحجاز وىي المغة الفصحى القدمى]‪ ،".[34‬وقولو‪ ":‬وىي المغة الحجازية القوية ‪"[35].‬ومنو‬
‫استعماال‪ ،‬وانما‬
‫ً‬ ‫قولو‪ ":‬مف ذلؾ المغة التميمية في (ما) ىي أقوػ ً‬
‫قياسا؛ واف كانت الحجازية أسير‬

‫كانت التميمية أقوػ ً‬


‫قياسا مف حيث كانت عندىـ]‪".[36‬‬

‫‪15‬‬

You might also like