Professional Documents
Culture Documents
جل المدارس اللسانية الحديثة ،وهي نظرية اتخذت من اللغة أساسا لها في البروز ،ليس
البنوية هي منطلق ّ
تحيلك إال
َ حد ذاتها ،فالبنوية (سجن اللغة/النسق) ال
اللغة بوصفها أداة للتواصل والتعبير ،بل هي هنا غايةٌ في ّ
بعيدا عن االنطباعية
على معجمها الداخلي كنظا ٍم من العالمات تُنتج الداللة من خالل العالقات القائمة فيما بينهاً ،
فضل إنتاج المعنى ،دون االرتكاز على
َ واألحكام القيمية السائدة من قبل ،وإذ ذاك فهي تُعطي اللغة أو النص
مركز إحالي خارجي ،كالمؤلف ،أو القارئ ،أو العوامل األخرى مثل البيئة ،التاريخ ،والجوانب النفسية.
وفهم البنوية ال يتأتى إال بالوقوف عند مصطلح البنية( ،)Structureالمشتقة من الفعل الالتيني (،)Stuere
أصيل فيه
ٌ وجد الشيء عليها ،وفي اللغة العربية بنية الشيء ما هو
أيَ :بَنى .ويعني الهيئة أو الكيفية التي ُي ُ
بتبدل األوضاع والكيفيات.
ّ وجوهري وثابت ال ّ
يتبدل
وإلى فردينان دو سوسير ُيعزى الفضل في إرساء معالم هذه النظرة الجديدة للغويات ،التي صارت تعرف
باسم اللغويات البنائية ،غايته في ذلك بلوغ الموضوعية في الدراسة األدبية ،والتخفيف من سطوة علم النفس وعلم
فعمد إلى تطبيق منهج علمي على مجال غير علمي (العلوم اإلنسانية) ،حتى يتخّلص من
االجتماع وعلم التاريخَ ،
ٍ
مخبر لتجارب هذه العلوم. المفاهيم النقدية القيمية التي أرهقت كاهل النقد ،وجعلته مجرد
1
المحايثة :وهو واحد من المفاهيم التي أشاعتها البنوية في بداية الستينات من القرن العشرين ،ليصبح
ُ -3
المحاِيث هو وحده الذي يجيب عن كلبعد ذلك مفهوما مركزيا ،استنادا إليه يفهم النص وتُنجز قراءته .فالتحليل ُ
ال عن أي شيء يوجد خارجه.
نظر إليه إال في ذاته مفصو ً
أن النص ال ُي ُ
األسئلة ،ويدرك كل المعاني .والمقصود به ّ
والمحايثة بهذا المعنى هي عزل النص والتخلص من كل السياقات المحيطة به ،فالمعنى ينتجه نص مستقل بذاته،
ويمتلك دالالته في انفصال عن أي شيء آخر.
-4المفاهيم الثنائية:
دعا سوسير في ُمستهل كتابه (محاضرات في األلسنية العامة) إلى استقالل علم اللغة على غيره من العلوم،
ُمبديا خشيته من أن يظل الدرس اللغوي نهبا لغيره ،ولهذا وجب في رأيه التفريق بين ثالثة مواضيع في الدراسة
اللسانية:
-1الّلسان :بوصفه الظاهرة اللغوية العامة التي تتجلى ضمن وقائع لسانية متعددة ،وغير متجانسة ،وتمثل
الجانب الفطري الذي يدل على قدرة خاصة تكسبها الطبيعة ،على حد تعبير سوسير ،للجنس البشري.
-2اللغة :من حيث هي قواعد نحوية ضمن نظام ال يحاكي وال يشابه أي نظام آخر ،إذ هي قوانين اجتماعية
مستقرة بشكل تواضعي ( )Conventionnelفي أدمغة الناطقين باللسان الواحد ،أو هي ذلك الشكل االجتماعي
الذي ُيجسد اللسان تجسيدا خاصا بمجتمع ما.
-3الكالم :وهو اإلنجاز الفعلي الملموس المادي (في شكل أصوات مسموعة) ،والذي يجسد نظام اللغة
االجتماعي تجسيدا فرديا ،فيحوله من الموجود بالقوة إلى الوجود بالفعل .وهو نتاج لعمليتين :حركة الصوت
الفيزيولوجية الفيزيائية ،والحركة النفسية الذهنية للمتكلم للتعبير عن ِفكره الشخصي.
يصلح أن يكون َغ َر َ
ضا لعلم اللسان. ُ بالتنوع واالنحراف ،ومن ثَ َّم ال
2
اعتمد سوسير في تأسيسه للسانيات على منهج جديد هو منهج الدراسة الوصفية التزامنية
( ، )Synchroniqueحيث يتم التركيز على الواقع الراهن للغة ،ذلك الواقع الذي يمكننا من النظر إلى نظامها
من حيث هو وحدات متزامنة ،يرتبط بعضها ببعض آنيا على مستوى المحور األفقي ،بينما ال يمكن مالحظة هذا
االرتباط عبر المنهج الزمني ،الذي ال يهمه سوى النظر إلى تاريخ اللغة.
ينظر دي سوسير إلى بعض الدراسات اللغوية القديمة على أنها ذات طابع معياري( ،)Normatifكما في
الدرس النحوي لمدرسة بور روايال ،وفيما قبلها عند النحاة اليونانيين ،وفي الدرس الفيلولوجي.
خلو من أي نظرة علمية ،ومستعلية على اللغة ذاتها ،تهدف إلى تقديم قواعد ويرى سوسير ّ
أن هذه الدراسات ٌ
لتمييز الصيغ السليمة من غيرها ،وتفتقر إلى الرؤية الشمولية ،ولذلك فهي ال تستوعب نظام اللغة الواسع المتجدد،
لكونه يضع ظواهرها في قالب متجمد ،يسعى إلى إصدار قواعد ،بدل معاينة الواقع.
وهي دعوة منه إلى االلتزام بالطابع العلمي الموضوعي الواصف للنظام اللغوي في ضوء ما توحي به طبيعته
الذاتية ومنطقه البياني الداخلي ،ال بوضعه في قالب معياري جامد قاتل لمبدأ أصيل في نظام اللسان البشري ،وهو
مبدأ الحركة والتبدل.
-4التلفظ /الكتابة:
تعد األصوات اللغوية الجانب المهم من الدراسة اللسانية ،مستبعدا بذلك الكتابة من الدرس اللساني ،
فسوسير يفرق بين العالمة المنطوقة والعالقة المكتوبة ،معتمدا على الصوت وحده ،رافضا الكتابة ،وهو موقف
عمد إليه في ظل تبنيه للدراسة العلمية للغة ،تلك الدراسة الملموسة ،التي يبدو فيها خضوع اللغة للمعاينة والتجريب
أم ار مشروطا.
-5الدال/المدلول:
العالمة اللغوية كيان نفسي ذو وجهين ،هما التصور (/ )conceptالدال ( ،)Signifiantوالصورة السمعية
( / )image acoustiqueالمدلول(.)Signifie
فالعالمة اللغوية عند سوسير ال تربط شيئا باسم ،بل مفهوما أو تصو ار بصورة سمعية ،وليس المراد بالصورة
السمعية الصوت المادي الذي هو شيء فيزيائي ِ
صرف ،إنما تمثالت هذا الصوت في ذهن المتكلم أو السامع،
أي ذلك التمثل الذي تهبنا إياه شهادة حواسنا.
3
واستجابة لهذا التصور الذي ال يراعي في اللغة إال ما هو نفسي ذهني غير ٍ
مبال بأي عنصر خارج عن
مكوناتها الداخلية ،أقصى دي سوسير المرجع ( ،)Réfèrentوهو ذلك الشيء الخارجي الذي تشير إليه العالمة،
بوصفه مكونا ماديا وخارجا عن اللغة (.)Extra-linguistique
أن العالقة بين الدال والمدلول هي عالقة اعتباطية (غير مبررة) ،ما عدا العالمات الطبيعية.
كما ّ
-2مدرسة براغ:
تأسست مدرسة براغ التشيكوسلوفاكية عام 1926من طرف فيالم ماتزيوس وبعض معاونيه .وكانت معروفة
بالمدرسة الوظيفية ،إذ بحث أقطابها في اللغة من منظور وظيفي.
وقد استوت هذه المدرسة على سوقها بفضل مجهودات شخصيات ثالث؛ وهم في الحقيقة مهاجرون روس،
هم رومان ياكبسون ) ، (1896-1982وس.كارسيفسكي ) ، (1884-1955ون .تروبوتسكوي(1882-
) ،1945وب .ترينكا ،وب.هافرينك ،وي.موكاروفسكي.
وتعد مدرسة براغ فرعا من فروع البنيوية ،ترى أن البنية النحوية والداللية والفونولوجية للغات تحدد بالوظائف
المختلفة التي تقوم بها في المجتمع.
اعتمدت هذه المدرسة منهجا يرى أن اللغة نظام كلي بمستوياتها النحوية والصرفية والصوتية والداللية،
ويدرسها دراسة وظيفية .إن اللغة في اإلطار الوظيفي شبيهة بالميكانيزم؛ إذ لكل عنصر من عناصره دور في
إقامة النظام العام .وإذا كان سوسير يعتبر اللغة نظاما من العالمات ،فمدرسة براغ ترى أنها نظام من الوظائف،
وكل وظيفة نظام من العالمات.
واالنحراف ،وأما المخططات المختلفة الصوتية والصرفية فتُدرس من خالل العالقة التي تُقيمها مع بعضها
البعض».2
1
أحمد يوسف ،القراءة النسقية ،سلطة البنية ووهم المحايثة ،ص.131
جان ايف تادييه ،النقد األدبي في القرن العشرين ،دار الحاسوب للطباعة ،حلب ،سوريا ،ط ،1994 ،1ص.48 2
4
تتغير تتحدد إال بعالقتها بالكلمات األخرى في المعجم ،ولذلك َ
وجب تحديد بنية النظام المعجمي التي ّ الكلمة ال ّ
درس دراسة مرتبطة مع
من عصر إلى آخر ،هذه العناصر اللغوية (الوحدات أو المداخل المعجمية) إنما «تُ ُ
تضطلع بوظائف مختلفة في ُبنى متنوعة».3
َ تستطيع أن
ُ المجموع ،ألنها
درس الوحدات الصوتية ،اذ تؤكد حلقة براغ المفهوم الوظائفي لتلك األصوات،
درس الوحدات المعجمية تُ ُ
وكما تُ ُ
حيث ال يمكن-كما سبقت الذكر-تحديد الصوت إال ضمن النسق اللساني العام.
نستنتج أن نظرة حلقة براغ للنسق الفونولوجي لم تكن نظرًة آلية ُمختزلة في مجرد تراك ٍم آلي لمجموعة من
حياة لها إال داخل النسق
الفونيمات المعزولة ،بل إنها نظرت إليها داخل الوحدة الصغرى(الكلمة) ،والتي بدورها ال َ
اللساني العام.
وكان جاكبسون (من الوظيفيين األمريكيين) رائد النظرية األدبية في هذه الحلقة في دراسة اللغة الشعرية،
والتي تُصنف انطالقا من عناصر الخطاب الستة:
كعنصر ُم ٍ
هيمن ٍ ويتألف النص األدبي من مجموع هذه الوظائف إال أنه يتميز بالوظيفة االنشائية أو الشعرية
على البنية ،فلغة الخطاب الشعري «قائمة على االنزياح وانحراف اللغة من مقامها العادي إلى مقا ٍم ايحائيّ ،
مما
ُيحتم على أي مقاربة أن تأخذ احتياطاتها المنهجية أثناء تعاملها مع اللغة الشعرية لكون الوظيفة الشعرية –حسب
جاكبسونُّ -
تحتل منزلة كبرى فيها».4
3
المرجع السابق ،الصفحة نفسها.
4
أحمد يوسف ،القراءة النسقية ،سلطة البنية ووهم المحايثة ،ص.132
5
-3الوظيفية الفرنسية:
وكغيره من اللسانيين الوظيفيين ( ، )Fonctionnalistesفهو ينطلق في دراسته للغة من مبدأ البحث في
الوظائف ( )Fonctionsالتي يمكن أن تؤديها عناصر اللغة ،يحدوهم في ذلك مبدأ سوسيري يرى ّ
أن اللغة وسيلة
أن كل عنصر من عناصر
للتواصل ،والوظيفة هي ما تؤديه وحدة ما في البنية النحوية للعبارة( ،)Enonceبحيث ّ
هذه العبارة ُينظر إليه على أنه عنصر مشارك في معناها العام.
َّ
إن اإلنسان هو الكائن الوحيد الذي يتحدث اللغة من حيث هي نظام يتج أز في إنبنائين متكاملين من
الوحدات ،يعرف في اصطالح اللسانيين بنظرية التقطيع المزدوج *( .)La double articulationو قد أشار إليه
دو سوسير في محاضراته ،وعرف الدراسة المعمقة على يد أندري مارتيني ،وينبني مفهوم التقطيع المزدوج للغة
في المدرسة الوظيفية**عند مارتيتي على مفهوم االختيار ( )Le choixالذي يظهر بشكل واضح في اختيارات
المتكلم الذي يسمح بها اللسان ،ويتم بين عناصر متفاصلة تتموضع في مستويين:
ويتعلق باختيارات ذات قيم دالة ،ففي السلسلة الكالمية Jean a commancé après toi :االختيار
على سبيل المثال هو" "toiبدال من" " moiأو من " " luiأو من " " la guerreإلخ ،و إن الفارق في المعنى
بين عبارة ( :بدأ بعدك ) و عبارة (بدأ بعد الحرب) مرده إلى االختالف بين العنصرين ( :الكاف ،الحرب) ،وهو
.
اختالف يتعلق بمستوى الدال (الصورة السمعية ) ومستوى المدلول ( الصورة المفهومية ) معا
وللتوضيح نمثل بالجملة التالية ":قرأ الولد كتابين " التي نميز فيها ما يلي:
-صيغة فعل (الدالة على الماضي ) ،أل( الدالة على التعريف) ،الضمة ( الدالة على رفع الفاعل ) ،الياء
(الدالة على المثنى و نصي المفعول به) ،النون ( الدالة على انعدام اإلضافة ) :وحدات نحوية (مونيمات).
مثال آخر :الفعل "chantons" :يتكون من مونيمين( Chant :الجذر)( ons +للجمع) .فكل منهما وحدة
دالة ،أما الوحدات غير الدالة فال تنفصل ،في مثل :طالب .فال تقسم إلى (:طا +لب) .ألنهما وحدتان غير دالتان.
ويتعلق باختيارات ليست ذات قيم دالة–كما هو الشأن في مستوى التقطيع األول-ولكن ذات قيم تمييزية،3
ففي السلسلة الكالمية السابقة ( ) Jean a commancé après toiما يميز" "toiعن" " moiهو اختيار /t/
بدال من ، /m/وهو ليس اختيا ار مباش ار من إرادة المعنى ؛ بل ضرورة عن طريق اختيار الوحدة الدالة ""toi
المتميزة عن " " moiب ـ ـ /t/في مقابل /m/في صورتيها السمعية و المفهومية .
7
أسئلة عن هذه المحاضرات الثالث :أجب عن ثالثة أسئلة فقط
شكلة
(ستهتم األ لسنية التزامنية بالعالقات المنطقية والنفسية الرابطة لعبارات متزامنةُ ،م ّ
ُّ -1يقول سوسير:
ستدرس األلسنية
ُ في ذلك منظومة كما ُيدركها الشعور االجتماعي الواحد ،وعلى نقيض ذلك
عز على شعور اجتماعي واحد إدراكها،
ط العبارات المتعاقبة التي َي ّ
التزم ّنية العالقات التي ترب ُ
ُّ
يحل بعضها محل البعض اآلخر ،وذلك دون أن تُ ّ
شكل منظومة فيما بينها). والتي ّ
اشرح أكثر هذه المقولة ،مع التمثيل لها (استعن –إن شئت-بمراجع في اللسانيات تحدثت عن هذه الثنائية).
-2من الطبيعي القول إ ّن البنوية هي النواة المنهجية الموّلدة لما تالها من اتجاهات ،كثير منها يرى األدب
ظاهرة لغوية قبل كل شيء ،ويحدد لنصوصه آليات بحث وإجراءات مقاربة دقيقة وصارمة.
-3ما الفرق بين مفهوم العالمة اللسانية عند سوسير ،ومفهومها عند الوظيفيين (براغ /مارتيني)؟
-ال تقييد للطالب في إجاباته بهذه المحاضرات .باإلمكان دعم إجاباتك بما لديك من مخزون علمي أو
ثقافي ،أ و باالستعانة بمراجع في المجال من غير إشارة إليها.
8