You are on page 1of 8

‫ملخص محاضرات المدارس اللسانية‬

‫لطلبة السنة الثانية أدب‪ ،‬المجموعة األولى (األفواج‪)4 -3-2-1 :‬‬

‫‪-1‬البنوية ‪ / Structuralisme‬جهود سوسير‪:‬‬

‫جل المدارس اللسانية الحديثة‪ ،‬وهي نظرية اتخذت من اللغة أساسا لها في البروز‪ ،‬ليس‬
‫البنوية هي منطلق ّ‬
‫تحيلك إال‬
‫َ‬ ‫حد ذاتها‪ ،‬فالبنوية (سجن اللغة‪/‬النسق) ال‬
‫اللغة بوصفها أداة للتواصل والتعبير‪ ،‬بل هي هنا غايةٌ في ّ‬
‫بعيدا عن االنطباعية‬
‫على معجمها الداخلي كنظا ٍم من العالمات تُنتج الداللة من خالل العالقات القائمة فيما بينها‪ً ،‬‬
‫فضل إنتاج المعنى‪ ،‬دون االرتكاز على‬
‫َ‬ ‫واألحكام القيمية السائدة من قبل‪ ،‬وإذ ذاك فهي تُعطي اللغة أو النص‬
‫مركز إحالي خارجي‪ ،‬كالمؤلف‪ ،‬أو القارئ‪ ،‬أو العوامل األخرى مثل البيئة ‪ ،‬التاريخ‪ ،‬والجوانب النفسية‪.‬‬

‫وفهم البنوية ال يتأتى إال بالوقوف عند مصطلح البنية(‪ ،)Structure‬المشتقة من الفعل الالتيني (‪،)Stuere‬‬
‫أصيل فيه‬
‫ٌ‬ ‫وجد الشيء عليها‪ ،‬وفي اللغة العربية بنية الشيء ما هو‬
‫أي‪َ :‬بَنى‪ .‬ويعني الهيئة أو الكيفية التي ُي ُ‬
‫بتبدل األوضاع والكيفيات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وجوهري وثابت ال ّ‬
‫يتبدل‬

‫وإلى فردينان دو سوسير ُيعزى الفضل في إرساء معالم هذه النظرة الجديدة للغويات‪ ،‬التي صارت تعرف‬
‫باسم اللغويات البنائية‪ ،‬غايته في ذلك بلوغ الموضوعية في الدراسة األدبية‪ ،‬والتخفيف من سطوة علم النفس وعلم‬
‫فعمد إلى تطبيق منهج علمي على مجال غير علمي (العلوم اإلنسانية)‪ ،‬حتى يتخّلص من‬
‫االجتماع وعلم التاريخ‪َ ،‬‬
‫ٍ‬
‫مخبر لتجارب هذه العلوم‪.‬‬ ‫المفاهيم النقدية القيمية التي أرهقت كاهل النقد‪ ،‬وجعلته مجرد‬

‫ومن المفاهيم األساسية في البنوية‪:‬‬

‫أن البنية تكتفي بذاتها‪ ،‬وال تتطّل ُب‬


‫مفادها ّ‬
‫‪ -1‬البنية‪ :‬والتي تعني النظام ‪ ،‬وهو مفهوم يرتكز على ُمسّلمة ُ‬
‫تتألف من ميزات ثالث‪ :‬الجملة‪ ،‬والتحويالت‪ ،‬والضبط‬‫أي من العناصر الغريبة عن طبيعتها‪ ،‬و ُ‬‫اللجوء إلى ّ‬
‫َ‬ ‫إلدراكها‬
‫تتشكل من عناصر مستقلة عن الكل‪ ،‬ولكن هذه العناصر‬
‫ُ‬ ‫أن البنية‬
‫الذاتي‪ ،‬فأما الجملة (‪ )La totalite‬فتعني ّ‬
‫أما‬
‫أن لكل عنصر منها خصائص مختلفة عن بقية العناصر‪ّ .‬‬ ‫انين تميز المجموعة كمجموعة‪ ،‬على ّ‬
‫تخضع لقو َ‬
‫ُ‬
‫التحويالت ‪ Les transformations‬فهي تغيرات تط أر على بنية ما تؤدي إلى إحداث تغيرات جوهرية في‬
‫ط نفسها‪ ،‬هذا‬
‫أن البنية تستطيع أن تضب َ‬
‫أما ميزة الضبط الذاتي ‪ L’autoréglage‬فيقصد منه ّ‬ ‫هيكلها العام‪ّ .‬‬
‫امل خارجية‪.‬‬
‫الضبط الذاتي‪ ،‬يؤدي إلى الحفاظ عليها‪ ،‬وإلى نوع من االنغالق‪ ،‬بحيث ال تتطلب مطلقا مؤثرات أو عو َ‬
‫‪-2‬موت المؤلف‪ :‬وهي صيحة نادى بها روالن بارت ‪ ،‬يعادي من خاللها كل دعوة تنادي بدراسة شخصية‬
‫صاحب النص للوصول إلى الداللة فيه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المحايثة‪ :‬وهو واحد من المفاهيم التي أشاعتها البنوية في بداية الستينات من القرن العشرين‪ ،‬ليصبح‬
‫‪ُ -3‬‬
‫المحاِيث هو وحده الذي يجيب عن كل‬‫بعد ذلك مفهوما مركزيا‪ ،‬استنادا إليه يفهم النص وتُنجز قراءته‪ .‬فالتحليل ُ‬
‫ال عن أي شيء يوجد خارجه‪.‬‬
‫نظر إليه إال في ذاته مفصو ً‬
‫أن النص ال ُي ُ‬
‫األسئلة‪ ،‬ويدرك كل المعاني‪ .‬والمقصود به ّ‬
‫والمحايثة بهذا المعنى هي عزل النص والتخلص من كل السياقات المحيطة به‪ ،‬فالمعنى ينتجه نص مستقل بذاته‪،‬‬
‫ويمتلك دالالته في انفصال عن أي شيء آخر‪.‬‬

‫‪-4‬المفاهيم الثنائية‪:‬‬

‫‪-1‬ثنائية اللسان ‪/‬اللغة – اللغة ‪ /‬الكالم‪:‬‬

‫دعا سوسير في ُمستهل كتابه (محاضرات في األلسنية العامة) إلى استقالل علم اللغة على غيره من العلوم‪،‬‬
‫ُمبديا خشيته من أن يظل الدرس اللغوي نهبا لغيره‪ ،‬ولهذا وجب في رأيه التفريق بين ثالثة مواضيع في الدراسة‬
‫اللسانية‪:‬‬

‫‪-1‬الّلسان‪ :‬بوصفه الظاهرة اللغوية العامة التي تتجلى ضمن وقائع لسانية متعددة‪ ،‬وغير متجانسة‪ ،‬وتمثل‬
‫الجانب الفطري الذي يدل على قدرة خاصة تكسبها الطبيعة‪ ،‬على حد تعبير سوسير‪ ،‬للجنس البشري‪.‬‬

‫‪-2‬اللغة‪ :‬من حيث هي قواعد نحوية ضمن نظام ال يحاكي وال يشابه أي نظام آخر‪ ،‬إذ هي قوانين اجتماعية‬
‫مستقرة بشكل تواضعي (‪ )Conventionnel‬في أدمغة الناطقين باللسان الواحد‪ ،‬أو هي ذلك الشكل االجتماعي‬
‫الذي ُيجسد اللسان تجسيدا خاصا بمجتمع ما‪.‬‬

‫‪-3‬الكالم‪ :‬وهو اإلنجاز الفعلي الملموس المادي (في شكل أصوات مسموعة)‪ ،‬والذي يجسد نظام اللغة‬
‫االجتماعي تجسيدا فرديا‪ ،‬فيحوله من الموجود بالقوة إلى الوجود بالفعل‪ .‬وهو نتاج لعمليتين‪ :‬حركة الصوت‬
‫الفيزيولوجية الفيزيائية‪ ،‬والحركة النفسية الذهنية للمتكلم للتعبير عن ِفكره الشخصي‪.‬‬

‫ومتغير لدرجة أكبر مما تستطيع أن تستوعبه اللغة‪ ،‬وهو ذو طبيعة‬


‫مادة تستوعب ما هو َعارض ُ‬
‫والكالم ّ‬
‫تستجيب ألي قياس ألنه عر ِ‬
‫ضي ال جوهري كاللغة او اللسان‪ ،‬ومتغير متنوع غير ثابت‪ .‬وقد الحظ سوسير أن‬ ‫ََ‬
‫المعيََّنة التي ينتسب لها ليكون كالمه مفهوما‪ ،‬لكنه في الوقت نفسه قد ال يلتزم‬
‫على كل فرد أن يتبع قواعد اللغة ُ‬
‫بح ْرِفَيِتها‪ ،‬إذ قد يتضمن انحرافات تفصح عن بداهته‪ ،‬وطالقته‪ ،‬وطابعه الشخصي‪.‬‬ ‫بتلك القواعد َ‬
‫فالكالم هو ذلك الجانب الفردي الخاص‪ ،‬والسلوك المنفعل الخاضع لمالبسات الزمان والمكان‪ ،‬والموسوم‬

‫يصلح أن يكون َغ َر َ‬
‫ضا لعلم اللسان‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بالتنوع واالنحراف‪ ،‬ومن ثَ َّم ال‬

‫‪ -2‬ثنائية السانكرونيك (المنهج التزامني) ‪/‬الدياكرونيك(المنهج الزمني)‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫اعتمد سوسير في تأسيسه للسانيات على منهج جديد هو منهج الدراسة الوصفية التزامنية‬
‫(‪ ، )Synchronique‬حيث يتم التركيز على الواقع الراهن للغة‪ ،‬ذلك الواقع الذي يمكننا من النظر إلى نظامها‬
‫من حيث هو وحدات متزامنة‪ ،‬يرتبط بعضها ببعض آنيا على مستوى المحور األفقي‪ ،‬بينما ال يمكن مالحظة هذا‬
‫االرتباط عبر المنهج الزمني‪ ،‬الذي ال يهمه سوى النظر إلى تاريخ اللغة‪.‬‬

‫‪-3‬المنهج الوصفي ‪/‬المنهج المعياري‪:‬‬

‫ينظر دي سوسير إلى بعض الدراسات اللغوية القديمة على أنها ذات طابع معياري(‪ ،)Normatif‬كما في‬
‫الدرس النحوي لمدرسة بور روايال‪ ،‬وفيما قبلها عند النحاة اليونانيين‪ ،‬وفي الدرس الفيلولوجي‪.‬‬

‫خلو من أي نظرة علمية‪ ،‬ومستعلية على اللغة ذاتها‪ ،‬تهدف إلى تقديم قواعد‬ ‫ويرى سوسير ّ‬
‫أن هذه الدراسات ٌ‬
‫لتمييز الصيغ السليمة من غيرها‪ ،‬وتفتقر إلى الرؤية الشمولية‪ ،‬ولذلك فهي ال تستوعب نظام اللغة الواسع المتجدد‪،‬‬
‫لكونه يضع ظواهرها في قالب متجمد‪ ،‬يسعى إلى إصدار قواعد‪ ،‬بدل معاينة الواقع‪.‬‬

‫وهي دعوة منه إلى االلتزام بالطابع العلمي الموضوعي الواصف للنظام اللغوي في ضوء ما توحي به طبيعته‬
‫الذاتية ومنطقه البياني الداخلي‪ ،‬ال بوضعه في قالب معياري جامد قاتل لمبدأ أصيل في نظام اللسان البشري‪ ،‬وهو‬
‫مبدأ الحركة والتبدل‪.‬‬

‫‪-4‬التلفظ ‪/‬الكتابة‪:‬‬

‫تعد األصوات اللغوية الجانب المهم من الدراسة اللسانية‪ ،‬مستبعدا بذلك الكتابة من الدرس اللساني ‪،‬‬
‫فسوسير يفرق بين العالمة المنطوقة والعالقة المكتوبة‪ ،‬معتمدا على الصوت وحده‪ ،‬رافضا الكتابة ‪ ،‬وهو موقف‬
‫عمد إليه في ظل تبنيه للدراسة العلمية للغة‪ ،‬تلك الدراسة الملموسة‪ ،‬التي يبدو فيها خضوع اللغة للمعاينة والتجريب‬
‫أم ار مشروطا‪.‬‬

‫‪-5‬الدال‪/‬المدلول‪:‬‬

‫العالمة اللغوية كيان نفسي ذو وجهين‪ ،‬هما التصور (‪/ )concept‬الدال (‪ ،)Signifiant‬والصورة السمعية‬
‫(‪ / )image acoustique‬المدلول(‪.)Signifie‬‬

‫فالعالمة اللغوية عند سوسير ال تربط شيئا باسم‪ ،‬بل مفهوما أو تصو ار بصورة سمعية‪ ،‬وليس المراد بالصورة‬
‫السمعية الصوت المادي الذي هو شيء فيزيائي ِ‬
‫صرف‪ ،‬إنما تمثالت هذا الصوت في ذهن المتكلم أو السامع‪،‬‬
‫أي ذلك التمثل الذي تهبنا إياه شهادة حواسنا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫واستجابة لهذا التصور الذي ال يراعي في اللغة إال ما هو نفسي ذهني غير ٍ‬
‫مبال بأي عنصر خارج عن‬
‫مكوناتها الداخلية‪ ،‬أقصى دي سوسير المرجع (‪ ،)Réfèrent‬وهو ذلك الشيء الخارجي الذي تشير إليه العالمة‪،‬‬
‫بوصفه مكونا ماديا وخارجا عن اللغة (‪.)Extra-linguistique‬‬

‫أن العالقة بين الدال والمدلول هي عالقة اعتباطية (غير مبررة)‪ ،‬ما عدا العالمات الطبيعية‪.‬‬
‫كما ّ‬

‫‪-2‬مدرسة براغ‪:‬‬

‫تأسست مدرسة براغ التشيكوسلوفاكية عام ‪ 1926‬من طرف فيالم ماتزيوس وبعض معاونيه‪ .‬وكانت معروفة‬
‫بالمدرسة الوظيفية‪ ،‬إذ بحث أقطابها في اللغة من منظور وظيفي‪.‬‬

‫وقد استوت هذه المدرسة على سوقها بفضل مجهودات شخصيات ثالث؛ وهم في الحقيقة مهاجرون روس‪،‬‬
‫هم رومان ياكبسون )‪ ، (1896-1982‬وس‪.‬كارسيفسكي )‪ ، (1884-1955‬ون‪ .‬تروبوتسكوي‪(1882-‬‬
‫)‪ ،1945‬وب‪ .‬ترينكا ‪ ،‬وب‪.‬هافرينك‪ ،‬وي‪.‬موكاروفسكي‪.‬‬

‫وتعد مدرسة براغ فرعا من فروع البنيوية‪ ،‬ترى أن البنية النحوية والداللية والفونولوجية للغات تحدد بالوظائف‬
‫المختلفة التي تقوم بها في المجتمع‪.‬‬

‫اعتمدت هذه المدرسة منهجا يرى أن اللغة نظام كلي بمستوياتها النحوية والصرفية والصوتية والداللية‪،‬‬
‫ويدرسها دراسة وظيفية‪ .‬إن اللغة في اإلطار الوظيفي شبيهة بالميكانيزم؛ إذ لكل عنصر من عناصره دور في‬
‫إقامة النظام العام‪ .‬وإذا كان سوسير يعتبر اللغة نظاما من العالمات‪ ،‬فمدرسة براغ ترى أنها نظام من الوظائف‪،‬‬
‫وكل وظيفة نظام من العالمات‪.‬‬

‫انصب فيها اهتمامه على اللغة‬


‫ّ‬ ‫وقدم جاكبسون عام ‪ 1930‬أول دراسة في تاريخ األصوات اللغوية‪،‬‬ ‫هذا‪ّ ،‬‬
‫الشعرية التي ال بد أن تتوافر على « إمكانات النسق اللساني‪ ،‬حتى تتسنى مقاربة مكوناتها الصوتية من المنظور‬
‫برز عنص ار من عناصر الصراع‬
‫اصها‪-‬أي اللغة الشعرية‪«-‬أن تُ َ‬
‫الفونولوجي تركيبا وداللة» ‪ .‬والتي من خو ّ‬
‫‪1‬‬

‫واالنحراف‪ ،‬وأما المخططات المختلفة الصوتية والصرفية فتُدرس من خالل العالقة التي تُقيمها مع بعضها‬
‫البعض»‪.2‬‬

‫فطورت مفاهيمهم ونقحتها‪ ،‬كما حاولت تعديل بعض مفاهيم مدرسة‬


‫أفادت حلقة براغ من الشكالنيين الروس ّ‬
‫الحادة بين اللغة والكالم‪ ،‬كما تجاوزت النظرة التقليدية التي‬
‫ّ‬ ‫ترض بالقسمة‬
‫جنيف اللسانية (رائدها دو سوسير)‪ ،‬فلم َ‬
‫ٍ‬
‫رصيد تا ٍم ومنظ ٍم لطريقة أبجدية‪ ،‬إنه –في منظورها‪-‬نظام معقد ومتناسق ومتعارض‪ ،‬فداللة‬ ‫ترى في المعجم مجرد‬

‫‪1‬‬
‫أحمد يوسف‪ ،‬القراءة النسقية‪ ،‬سلطة البنية ووهم المحايثة‪ ،‬ص‪.131‬‬
‫جان ايف تادييه‪ ،‬النقد األدبي في القرن العشرين‪ ،‬دار الحاسوب للطباعة‪ ،‬حلب‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ص‪.48‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬‬
‫تتغير‬ ‫تتحدد إال بعالقتها بالكلمات األخرى في المعجم‪ ،‬ولذلك َ‬
‫وجب تحديد بنية النظام المعجمي التي ّ‬ ‫الكلمة ال ّ‬
‫درس دراسة مرتبطة مع‬
‫من عصر إلى آخر‪ ،‬هذه العناصر اللغوية (الوحدات أو المداخل المعجمية) إنما «تُ ُ‬
‫تضطلع بوظائف مختلفة في ُبنى متنوعة»‪.3‬‬
‫َ‬ ‫تستطيع أن‬
‫ُ‬ ‫المجموع‪ ،‬ألنها‬

‫درس الوحدات الصوتية‪ ،‬اذ تؤكد حلقة براغ المفهوم الوظائفي لتلك األصوات‪،‬‬
‫درس الوحدات المعجمية تُ ُ‬
‫وكما تُ ُ‬
‫حيث ال يمكن‪-‬كما سبقت الذكر‪-‬تحديد الصوت إال ضمن النسق اللساني العام‪.‬‬

‫نستنتج أن نظرة حلقة براغ للنسق الفونولوجي لم تكن نظرًة آلية ُمختزلة في مجرد تراك ٍم آلي لمجموعة من‬
‫حياة لها إال داخل النسق‬
‫الفونيمات المعزولة‪ ،‬بل إنها نظرت إليها داخل الوحدة الصغرى(الكلمة)‪ ،‬والتي بدورها ال َ‬
‫اللساني العام‪.‬‬

‫وكان جاكبسون (من الوظيفيين األمريكيين) رائد النظرية األدبية في هذه الحلقة في دراسة اللغة الشعرية‪،‬‬
‫والتي تُصنف انطالقا من عناصر الخطاب الستة‪:‬‬

‫ويوّل ُد الوظيفة التعبيرية؛‬


‫‪-‬المرسل‪ُ ،‬‬

‫ويوّل ُد الوظيفة االفهامية؛‬


‫‪-‬المرسل إليه‪ُ ،‬‬

‫ويوّل ُد الوظيفة المرجعية؛‬


‫‪ -‬السياق‪ُ ،‬‬
‫‪ -‬الصلة‪ ،‬وتُوّل ُد الوظيفة االنتباهية؛‬

‫ويوّل ُد الوظيفة المعجمية؛‬


‫السنن(الشفرة)‪ُ ،‬‬
‫‪َ -‬‬
‫‪ -‬الرسالة‪ ،‬وتُوّل ُد الوظيفة الشعرية‪.‬‬

‫كعنصر ُم ٍ‬
‫هيمن‬ ‫ٍ‬ ‫ويتألف النص األدبي من مجموع هذه الوظائف إال أنه يتميز بالوظيفة االنشائية أو الشعرية‬

‫على البنية‪ ،‬فلغة الخطاب الشعري «قائمة على االنزياح وانحراف اللغة من مقامها العادي إلى مقا ٍم ايحائي‪ّ ،‬‬
‫مما‬
‫ُيحتم على أي مقاربة أن تأخذ احتياطاتها المنهجية أثناء تعاملها مع اللغة الشعرية لكون الوظيفة الشعرية –حسب‬
‫جاكبسون‪ُّ -‬‬
‫تحتل منزلة كبرى فيها»‪.4‬‬

‫ستشف من المفاهيم التي طرحتها حلقة براغ تَ ُّ‬


‫خلصها من جنوح الشكلية الروسية إلى التجريد‪ ،‬وذلك‬ ‫ومما ُي َ ُ‬
‫بتطويرها للمفاهيم اللغوية والجمالية واألدبية‪ ،‬وارسائها‪-‬من جديد‪ -‬لعالقة النص بسياقه االجتماعي‪ ،‬وهكذا لم تكن‬
‫البنيوية البراغية مأسورة بمبدأ المحايثة والنسق المغلق‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫أحمد يوسف‪ ،‬القراءة النسقية‪ ،‬سلطة البنية ووهم المحايثة‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -3‬الوظيفية الفرنسية‪:‬‬

‫نكتفي منها بجهود أندري مارتينيه (‪1999 -1908)André martinet‬‬

‫وضعه ألسس اللسانيات‬


‫ُ‬ ‫ومارتيني أحد أبرز مؤسسي اللسانيات البنيوية في أوروبا‪ ،‬وقد كانت أهم اسهاماته‬
‫الوظيفية على المستوى التركيبي للغة‪ ،‬وذلك في العديد من مؤلفاته‪ :‬اللسانيات اآلنية (‪ ،)1970‬مبادئ في اللسانيات‬
‫العامة (‪ ،)1960‬اللغة والوظيفة (‪.)1970‬‬

‫وكغيره من اللسانيين الوظيفيين (‪ ، )Fonctionnalistes‬فهو ينطلق في دراسته للغة من مبدأ البحث في‬

‫الوظائف (‪ )Fonctions‬التي يمكن أن تؤديها عناصر اللغة‪ ،‬يحدوهم في ذلك مبدأ سوسيري يرى ّ‬
‫أن اللغة وسيلة‬
‫أن كل عنصر من عناصر‬
‫للتواصل‪ ،‬والوظيفة هي ما تؤديه وحدة ما في البنية النحوية للعبارة(‪ ،)Enonce‬بحيث ّ‬
‫هذه العبارة ُينظر إليه على أنه عنصر مشارك في معناها العام‪.‬‬

‫َّ‬
‫إن اإلنسان هو الكائن الوحيد الذي يتحدث اللغة من حيث هي نظام يتج أز في إنبنائين متكاملين من‬
‫الوحدات‪ ،‬يعرف في اصطالح اللسانيين بنظرية التقطيع المزدوج *(‪ .)La double articulation‬و قد أشار إليه‬
‫دو سوسير في محاضراته‪ ،‬وعرف الدراسة المعمقة على يد أندري مارتيني‪ ،‬وينبني مفهوم التقطيع المزدوج للغة‬
‫في المدرسة الوظيفية**عند مارتيتي على مفهوم االختيار (‪ )Le choix‬الذي يظهر بشكل واضح في اختيارات‬
‫المتكلم الذي يسمح بها اللسان‪ ،‬ويتم بين عناصر متفاصلة تتموضع في مستويين‪:‬‬

‫‪-1‬مستوى التقطيع األول‪:‬‬

‫ويتعلق باختيارات ذات قيم دالة‪ ،‬ففي السلسلة الكالمية‪ Jean a commancé après toi :‬االختيار‬
‫على سبيل المثال هو"‪ "toi‬بدال من" ‪ " moi‬أو من " ‪ " lui‬أو من " ‪ " la guerre‬إلخ ‪ ،‬و إن الفارق في المعنى‬
‫بين عبارة ‪( :‬بدأ بعدك ) و عبارة (بدأ بعد الحرب) مرده إلى االختالف بين العنصرين ‪( :‬الكاف‪ ،‬الحرب) ‪ ،‬وهو‬
‫‪.‬‬
‫اختالف يتعلق بمستوى الدال (الصورة السمعية ) ومستوى المدلول ( الصورة المفهومية ) معا‬

‫ويسمي مارتيني وحدات هذا المستوى‪ :‬اللفاظم (‪.)les monèmes‬‬

‫يقسم مارتيني المونيم باعتبار طبيعته إلى‪.‬‬


‫هذا‪ ،‬و ّ‬
‫‪‬مونيم يكون وحدة معجمية أطلق عليه مصطلح (‪ ، )Lexème‬و يقصد به جذر الكلمة‪ ،‬و يشكل قائمة‬
‫مفتوحة و متغيرة‪.‬‬

‫* يطلق عليه أيضا‪ :‬التمفصل المضاعف‪ ،‬التلفظ المزدوج ‪ ،‬ازدواجية النطق‪.‬‬


‫**‬
‫هي مدرسة لسانية بنيوية يتزعمها أندري مارتيني ‪ ،‬انبثقت عن حلقة براغ اللسانية ‪ ،‬ترى في التواصل الوظيفة األساسية للغة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪‬مونيم يكون وحدة نحوية أطلق عليه مصطلح المورفيم‪ ،‬يشير إلى الوظيفة النحوية ‪ ،‬و عليه يشكل قسما‬
‫مغلقا وحداته قارة و محدودة ‪.‬‬

‫وللتوضيح نمثل بالجملة التالية‪ ":‬قرأ الولد كتابين " التي نميز فيها ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬قرأ‪ ،‬الولد‪ ،‬كتاب‪ :‬وحدات معجمية‪.‬‬

‫‪ -‬صيغة فعل (الدالة على الماضي )‪ ،‬أل( الدالة على التعريف)‪ ،‬الضمة ( الدالة على رفع الفاعل ) ‪ ،‬الياء‬
‫(الدالة على المثنى و نصي المفعول به) ‪ ،‬النون ( الدالة على انعدام اإلضافة ) ‪ :‬وحدات نحوية (مونيمات)‪.‬‬

‫مثال آخر‪ :‬الفعل‪ "chantons" :‬يتكون من مونيمين‪( Chant :‬الجذر)‪( ons +‬للجمع)‪ .‬فكل منهما وحدة‬
‫دالة‪ ،‬أما الوحدات غير الدالة فال تنفصل‪ ،‬في مثل‪ :‬طالب‪ .‬فال تقسم إلى‪ (:‬طا‪ +‬لب)‪ .‬ألنهما وحدتان غير دالتان‪.‬‬

‫‪-2‬مستوى التقطيع الثاني‪:‬‬

‫ويتعلق باختيارات ليست ذات قيم دالة–كما هو الشأن في مستوى التقطيع األول‪-‬ولكن ذات قيم تمييزية‪،3‬‬
‫ففي السلسلة الكالمية السابقة (‪ ) Jean a commancé après toi‬ما يميز"‪ "toi‬عن" ‪ " moi‬هو اختيار ‪/t/‬‬
‫بدال من ‪ ، /m/‬وهو ليس اختيا ار مباش ار من إرادة المعنى ؛ بل ضرورة عن طريق اختيار الوحدة الدالة "‪"toi‬‬
‫المتميزة عن " ‪ " moi‬ب ـ ـ ‪ /t/‬في مقابل ‪ /m/‬في صورتيها السمعية و المفهومية ‪.‬‬

‫يسمي أ‪.‬مارتيني وحدات هذا المستوى الصواتم(‪.)Les phonèmes‬‬

‫‪7‬‬
‫أسئلة عن هذه المحاضرات الثالث‪ :‬أجب عن ثالثة أسئلة فقط‬

‫شكلة‬
‫(ستهتم األ لسنية التزامنية بالعالقات المنطقية والنفسية الرابطة لعبارات متزامنة‪ُ ،‬م ّ‬
‫ُّ‬ ‫‪-1‬يقول سوسير‪:‬‬
‫ستدرس األلسنية‬
‫ُ‬ ‫في ذلك منظومة كما ُيدركها الشعور االجتماعي الواحد‪ ،‬وعلى نقيض ذلك‬
‫عز على شعور اجتماعي واحد إدراكها‪،‬‬
‫ط العبارات المتعاقبة التي َي ّ‬
‫التزم ّنية العالقات التي ترب ُ‬
‫ُّ‬
‫يحل بعضها محل البعض اآلخر‪ ،‬وذلك دون أن تُ ّ‬
‫شكل منظومة فيما بينها)‪.‬‬ ‫والتي ّ‬
‫اشرح أكثر هذه المقولة‪ ،‬مع التمثيل لها (استعن –إن شئت‪-‬بمراجع في اللسانيات تحدثت عن هذه الثنائية)‪.‬‬

‫‪-2‬من الطبيعي القول إ ّن البنوية هي النواة المنهجية الموّلدة لما تالها من اتجاهات‪ ،‬كثير منها يرى األدب‬
‫ظاهرة لغوية قبل كل شيء‪ ،‬ويحدد لنصوصه آليات بحث وإجراءات مقاربة دقيقة وصارمة‪.‬‬

‫وضح إيجابيات وسلبيات المنهج البنوي في مقاربة النصوص األدبية تحديدا‪.‬‬


‫ّ‬

‫‪-3‬ما الفرق بين مفهوم العالمة اللسانية عند سوسير‪ ،‬ومفهومها عند الوظيفيين (براغ‪ /‬مارتيني)؟‬

‫دروس ُه)‪ .‬ح ّددها‪.‬‬


‫َ‬ ‫الطالب‬
‫ُ‬ ‫اج َع‬
‫‪ -4‬كم "مونيما" في هذه الجملة‪( :‬ر َ‬
‫ملحوظات مهمة‪:‬‬

‫‪-‬اإلجابات المتطابقة أو القريبة من بعضها أسلوبا ال تُحتسب‪.‬‬

‫‪ -‬ال تقييد للطالب في إجاباته بهذه المحاضرات‪ .‬باإلمكان دعم إجاباتك بما لديك من مخزون علمي أو‬
‫ثقافي‪ ،‬أ و باالستعانة بمراجع في المجال من غير إشارة إليها‪.‬‬

‫يهم عددها‪ .‬مع ِذكر االسم والفوج‪.‬‬


‫‪-‬اإلجابة في أوراق بيضاء ال ّ‬
‫‪-‬تسلم اإلجابات بتاريخ‪ ،2020/10/15 :‬على الساعة‪ 10 :‬صباحا‪ ،‬قاعة‪6 :‬‬

‫استعن باهلل وال تعجز‬

‫‪8‬‬

You might also like