You are on page 1of 8

‫أ‪.

‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫المحاضرة الثانية‪ :‬المقاربة البنيوية‬

‫قبل الشروع في عرض المقاربة البنيوية كاتجاه نقدي ظهر ليتجاوز الانسداد الذي عرفته أنظم ة‬

‫القراءة السياقية‪ ،‬وفشل مشروعها النقدي لابد من تحديد مصطلح البنية لغة واصطلاحا‪.‬‬

‫الدلالة اللغوية لكلمة بنية‪ :‬تشتق كلمة بنية من الفع ل الثلاثي بنى‪ ،‬وتع ني البن اء أو الطريق ة‪ ،‬كما تدل على‬

‫معنى التشييد‪ ،‬والعمارة والكيفية التي تشيد عليها ومعروف أنه في النحو العربي تقوم ثنائية المع نى والمب نى‬

‫على الكيفية التي تش يد عليه ا وحدات اللغ ة‪ ،‬ولذلك الزيادة في المب نى هي زيادة في المع نى وكل تخير في‬

‫البناء ينتج عنه تحول في الدلالة ‪.‬‬

‫الدلالة الاص''طلاحية لكلم''ة بني''ة‪ :‬عرف مص طلح البني ة كغ يره من المص طلحات النقدي ة العديد من‬

‫الاختلافات نتيجة ظهورها وتجليها في أشكال مختلفة لا تسمح بتقديم قاسم مشترك‪ ،‬لذا نجد جان بي اجي‬

‫في كتابه "البنيوية" وضع تعريف م حدد للبنية «وتبدو البنية‪ ،‬بتقدير أولي مجموعة تحويلات تحتوي على قوانين‬

‫كمجموعة (تقابل خصائص العناصر) تبقى أو تغتني بلعبة التحويلات نفسها‪ ،‬دون أن تتع دى حدودها‪،‬‬

‫أو تستعين بعناصر خارجية»‪.‬‬

‫يقدم جان بياجي تعريفا للبنية باعتبارها نسقا من التحولات لها قوانينه ا الخاص ة‪« ،‬علم ا أن من ش أن‬

‫هذا النسق أن يظل قائما ويزداد ثراء بفضل الدور الذي تق وم بهه ذه التح ولات نفسها‪ ،‬دون أن يك ون‬

‫من شأن هذه التحولات أن تخرج عن حدود ذلك النسق‪ ،‬أو تستعين بعناصر خارجية‪ ،‬وبإيجاز فالبني ة‬

‫تتألف من ثلاثة خصائص هي الكلية والتحولات‪ ،‬والضبط الذاتي»‪ ،‬وهي كالآتي‪:‬‬

‫الكلية‪ :‬هي مجموع العناصر الداخلية الخاضعة للقوانين المكونة للنسق ولا تقوم على (العنصر الواحد)‪ ،‬أو‬

‫على (الكل) الذي يف رض نفس ه على بقي ة العناصر المكون ة للنص‪ ،‬وإنم ا تتمث ل البني ة من خلال‬

‫العلاقات القائمة بين هذه الأجزاء‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫التحولات‪ :‬وهي جملة التغيرات ال تي تح دث داخل النس ق‪ ،‬ذلك لأن البني ة في تح ول مس تمر‪ ،‬وتغ ير‬

‫يستجيب للقوانين الداخلية للنسق‪ ،‬ولا يلتفت إلى التأثيرات الخارجية‪.‬‬

‫التنظيم (الضبط) الذاتي‪ :‬التحولات الحاصلة بين عناصر البنية الخاضعة للق وانين الداخلي ة للنس ق‪ ،‬بمع نى‬

‫أنها تنظم نفسها بنفسها حفاظا على وحدتها‪ ،‬مما يحقق لها صفة الانغلاق الذاتي‪.‬‬

‫ونخلص من خلال ه ذه الخص ائص ال تي حددها بي اجي بأن البني ة تنحصر في ثلاث ة عناصر فخاص ية‬

‫الكلية ومفادها أن البنية مكتفية بذاتها‪ ،‬ولا تحت اج إلى وس يط خارجي‪ ،‬بينم ا خاص ية التح ولات فهي‬

‫توضح التغيرات داخلها‪ ،‬والتي لا يمكن أن تبقى في حالة ثبات لأنها دائم ة التح ول‪ ،‬أم ا خاص ية التنظيم‬

‫الذاتي فهي تمكنها من تنظيم ذاتها للمحافظة على وحدتها واستمراريتها‪.‬‬

‫نشأة الاتجاه البنيوي عند الغ''رب‪ :‬يجم ع الدارس ون إلى أن الفض ل في نش أة الدراس ات البنيوي ة إلى عالم‬

‫اللغة السويسري (‪ )Ferdinande de Sassur‬فردينان دي سوسير نظرا للانتشار العجيب الذي حققته‬

‫أراءه في التفري ق بين اللغ ة والكلام‪ ،‬والدال والم دلول‪ ،‬وفي أولي ة النس ق أو النظ ام على باقي عناصر‬

‫الأس لوب‪ ،‬وفي التفرق ة أيض ا بين ال تزامن والتع اقب ال تي أسس ت لنش أة البنيوي ة‪ ،‬فاللس انيات الحديث ة‬

‫«أمدت ه ذه المقاربات النقدي ة بجه از من المف اهيم دفعه ا إلى تغي ير طرائ ق تعامله ا م ع النص الأدبي‪،‬‬

‫بالنظر إلى بنياته‪ ،‬نظرة مغايرة لما كان عليه تاريخ النقد في السابق»‪.‬‬

‫فقد أحدثت أفكار العالم اللغوي دي سوسير قطيعة إبستيمولوجية مع التفكير النقدي الس ياقي فــ‬

‫«موضوع الألسنية الحقيقي والوحيد إنما هو اللغة في ذاتها ولذاتها»‪ ،‬وهو المبدأ الذي تبن اه المنهج النس قي‬

‫في قراءته للنص الأدبي فهو يسعى للكشف عن بنيته الداخلية وعلاقة عناصره اللغوية‪ ،‬وبذلك فه و يرى‬

‫أن ه لا وج ود خارج حدود بنيت ه‪ .‬ومن ه أص بح تأثير اللس انيات في الدراس ات النقدي ة انطلاق ة جديدة‬

‫للنقد النسقي‪ ،‬الذي استطاع أن يف رض مع ايير نقدي ة مختلف ة ومغ ايرة مكنت ه من إزاحة س لطة الس ياق‬

‫الخارجي في أثناء قراءة العمل الأدبي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫ولعل المدرسة الشكلانية ال تي كانت من أهم الم دارس ال تي أسهمت بق وة في التأسيس للاتج اه‬

‫البنيوي فـكثيرا ما «ما ارتبط استخدام مصطلح البني ة في الم ؤتمر الذي عق ده الش كلانيون الروس لعلوم‬

‫اللس ان في مدين ة لاه اي س نة ‪ ،»1928‬ويرون أن «روم ان جاكبس ون ه و أول من اس تعمل ه ذا‬

‫المصطلح بمعناه الحديث وذلك في البيان الذي أص دره في أعم ال الم ؤتمر س نة ‪ ،»1929‬وفي س ياق آخر‬

‫رفض الشكلانيون الروس فكرة استخدام الأدب لنصرة معتقدات معينة‪ ،‬ونادوا بضرورة اقتصار النظ ر‬

‫على المضمون الجمالي للأدب؛ الشكل‪ ،‬وعدم الالتفات إلى أي مفاهيم أو أفكار أو أراء‪ ،‬وقد عبروا عن‬

‫ذلك في مبدأين اثنين‪:‬‬

‫المبدأ الأول‪ :‬ولخصه رومان جاكبسون في قوله‪« :‬إن موضوع علم الأدب ليس هو الأدب‪ ،‬وإنما الأدبية‬

‫(‪ ،» )Litterarite‬وبذلك حصروا اهتمامهم في نطاق النص‪.‬‬

‫المبدأ الثاني‪ :‬ويتعلق بمفهوم بالشكل‪ ،‬فقد رفضوا رفضا باتا ما كانت تذهب إليه لنظرية النقدي ة التقليدي ة‬

‫من أن لكل أثر أدبي ثنائي ة متقابلة الط رفين‪ ،‬هي الش كل والمض مون‪ ،‬وأكدوا أن الخط اب الأدبي‬

‫يختلف عن غيره ببروز شكله‪.‬‬

‫أولا‪ :‬رواد البنيوي''ة في الغ''رب‪ :‬تمث ل الأفكار ال تي طرحه ا دي سوس ير في بداي ة الق رن العشرين المحط ة‬

‫الأولى في تأسيس مفاهيم البنيوية‪ ،‬وذلك لأن آراءه في علم اللغة الداخلي وتمييزه بين اللغة كنظام واللغة‬

‫كحدث فعلي يمارسه شخص معين هي أساس نشأة الدراسات البنيوية‪ ،‬ولع ل من أبرز الآراء ال تي تناوله ا‬

‫دي سوسير في طرحه «نظرته إلى اللغة على أنها شكل وليست مادة‪ ،‬فما دامت العلامة اللغوية تق وم على‬

‫ثنائية الدال والم دلول (الص ورة الص وتية)‪ ،‬والم دلول (الفكرة)‪ ،‬وأن العلاق ة الجامع ة بينهم ا هي علاق ة‬

‫اعتباطية فإن اللغة تعتمد على نسق الصوت في الكلمة الذي يتكون من أصوات متم ايزة ليس له ا علاق ة‬

‫بحد ذاتها بالمدلول‪ ،‬فقيمتها ليست في قيمة الصوت الذي تتكون منه وإنما في العلاقة بين الأصوات ال تي‬

‫تقوم أساسا ‪ -‬لدى سوسير‪ -‬على الفروق»‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫فالدال والمدلول لا وج ود لأحدهما دون الآخر‪ ،‬فهم ا يش كلان الرك يزة الأساس ية في النظ ام‪،‬‬

‫ومنه اعتبرت اللغة «نظام من العلاقات التي تعبر عن أفكار معينة (على حد تعبير سوسير نفس ه)‪ ،‬نظ ام‬

‫علامات مترابط ومنضبط تعرف فيه العلاقة باختلافها وتعارضها مع غيرها من العلامات داخل النظ ام‬

‫اللغوي»‪ ،‬فالنظام يتشكل من العلاق ات القائم ة بين عناصر البني ة‪ ،‬دون أن يعي ذلك تغ ير ه ذا النظ ام‬

‫بتغير العناصر المتعالقة داخله‪.‬‬

‫أم ا الناق د الفرنسي رولان بارت (‪ 1915- 1980 )Roland Barthes‬فــعلى الرغم من‬

‫«تجاوزه البنيوية وما بعد البنيوية من مدارس نقدية»‪ ،‬غير أن اسمه بقي مرتبط بالمنهج البنيوي‪ ،‬هذا يعود‬

‫إلى الأفكار ال تي جاء به ا‪ ،‬فأص بحت معلم ا بارزا من مع الم البنيوي ة ه ذه الآراء ال تي تت وزع على مح اور‬

‫العملي ة الإبداعي ة‪( :‬المب دع والنص‪،‬والمتلقي)‪ ،‬في ال وقت الذي ق ام روم ان جاكبس ون بــ‪« :‬دراس ات‬

‫حول الفونولوجي ة وح ول وظ ائف اللغ ة‪ ،‬وفتح باب البحث في الش عرية (‪ )Poeticite‬في الاس تقلالية‬

‫النسبية للظاهرة الأدبية»‪.‬‬

‫اهتم هؤلاء النقاد بلغة الأدب‪ ،‬فهي في نظرهم جوهر تكوينه‪ ،‬وأهملوا في دراساتهم الأفكار التي‬

‫يتكون منها‪ ،‬ولا بالأحاسيس والآراء التي يعبر عنها‪ ،‬بل أولوا بالغ العناية بالجسد اللغ وي للنص الأدبي‪،‬‬

‫واتخ ذوا من اللغ ة منطلق ا لهم في مقارباتهم النقدي ة‪ ،‬وليس مم ا وراء اللغ ة لا ترتب ط مباشرة بم ادة‬

‫الأعمال الأدبية‪.‬‬

‫وهكذا تغدو مهمة الناقد البنيوي هي النظر إلى لغة النص الأدبي‪ ،‬لتبين مدى تماس كها وتنظيمه ا‬

‫المنطقي‪ ،‬ومدى قوتها وضعفها بغض النظ ر عم ا تحمله عم ا يحمله المض مون من آراء وأحاسيس فه و يرى‬

‫أن الظاهرة الأدبيـــة من الجانب اللغوي و الفني والجمالي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬آليات الناقد البنيوي‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫أما عن آليات الناقد البنيوي‪ ،‬أو كما يسميها بسام قطوس مب ادئ أو مف اهيم البنيوي ة ال تي يش كل‬

‫حضورها على المستوى التطبيقي ركيزة بارزة ومن أهمها‪:‬‬

‫اللغ''ة والكلام (‪ :)Langue- Parole‬يرى البنيويون أن دراس ة اللغ ة يجب أن تك ون في بع د إنت اج‬

‫النص‪ ،‬بحيث يمكن فيها تحليل العلاقات المتزامنة بين أجزائها المكونة من التركيز على الجوانب التاريخي ة‬

‫التعاقبية التي تهتم بتغير اللغات حسب الأزمنة‪« ،‬فهي تضغط على الكلام بأنظمته ا‪ ،‬ويض غط الكلام على‬

‫اللغة بالابتكار‪ ،‬واللغة هي المادة الخام ال تي يس تخدمها الأدباء وس واهم ش عرا أو ن ثرا في حي اتهم العملي ة‬

‫وفي حياتهم التخيلية‪ ،‬فهي تستخدم في الدرجة الص فر على رأي رولان بارت في التواص ل وتس تخدم في‬

‫درجات أخرى متفاوتة حسب قدرة المبدع بطرق مختلفة»‪.‬‬

‫وأما الكلام فيشمل على «التجليات الفعلي ة للنظ ام في فعلي النظ ام والكتاب ة‪ ،‬ومن اليس ير الخل ط‬

‫بين النظام وتجلياته»‪ ،‬ولهذا أشار العديد من النقاد إلى العلاقة بين اللغة والكلام ورأوا بأن «الفص ل بين‬

‫اللغ ة والكلام ليس إلا فص لا لغايات الدراس ة العلمي ة‪ ،‬ولكن العلاق ة بينه ا تمث ل علاق ة الكل بالجزء‪،‬‬

‫فاللغة هي الكل‪ ،‬والكلام هو الجزء ‪ ...‬واللغة عنده نظام اجتماعي مستقل عن الف رد ولا ش عوري‪ ،‬إذ‬

‫هـي تمثل مجموع القوانين والقواعد العامة التي تتحكم في إنتاج الكلام‪ ،‬وهـي تمثل السلطة التجريدية المتعالية‬

‫التي يستمد منها الكلام اختياراته الفعلية‪ ،‬أما الكلام فـهو التط بيق الفعلي له ذه الق وانين والقواعد العام ة‬

‫والمستوى الفردي المشخص منها‪ ،‬ولذلك فالكلام يتنوع بتن وع الأف راد»‪ ،‬وبه ذه العلاق ة أثرت البنيوي ة‬

‫في الأدب ونقده‪.‬‬

‫نظام العلاقات (‪ :)Relation System‬ما يحكم هذه العناصر ومستوياتها‪ ،‬ويربط بعضها ببعض هو ما‬

‫يطلق علي ه النظ ام‪ ،‬وأن أي خلل في العلاق ة بين العناصر نفق د النظ ام توازن ه‪ ،‬فاللغ ة في نظ ر البنيويين‬

‫«نظام من العلاقات والتعارضات التي يجب أن تتحدد عناصرها على أساس ش كلي وتخ الفي‪ ،‬ولع ل أهم‬

‫الدروس في الث ورة "الفونولوجي ة" بالنس بة لليفي ش تراوس هي التعام ل م ع العناصر باعتباره ا كيانات‬

‫مستقلة‪ ،‬وتركيزه بدلا من ذلك على العلاقات بين هذه العناصر»‪ .‬فإذا كان النظام اللغوي هو‪« :‬سلسلة‬

‫‪5‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫من الفروق الصوتية ترتبط بسلسلة من الفروق في الأفكار»‪ ،‬فإننا نجد أن كل عنصر من عناصر النظ ام‬

‫يكتسب قيمتهمن علاقته مع غيره من العناصر الأخرى‪.‬‬

‫التزامن والتعاقب‪ :‬مفهوم التزامن (‪ )Synchronie‬يعني «مجموع الظواهر وهي في حالة سكون أو ثبات‪،‬‬

‫أما مفهوم التع اقب (‪ )Diachronie‬فيع ني مجم وع الظ واهر نفسها وهي في حالة ص يرورة»‪ ،‬وإذا كانت‬

‫«اللغ ة تس مح نسبيا بدراس تها تزامني ا ف إن دراس ة الظ واهر الاجتماعي ة تتطلب الرب ط بين التزام ني‬

‫والتعاقبي»‪ ،‬وبذلك فإن الظواهر الإنسانية بما فيه ا الإبداع الأدبي لا يمكن عزله ا عن تاريخه ا فهي تعت بر‬

‫عن زمن وتاريخ معينين‪ ،‬وإذا ما أردنا نقل هذين المصطلحين من حقل اللسانيات إلى حق ل النق د‪ ،‬إن‬

‫ثمة نوعين من أنواع العلاقات التوزيعية‪:‬‬

‫العلاقات التركيبية (التتابعية)‪ :‬تتعلق بإمكانية التأليف‪ ،‬وهي تعني دخول وحدتين في علاق ة ذات سمة‬

‫تبادلية‪ ،‬تنافرية أو غير تنافرية‪.‬‬

‫العلاقات الاستبدالية‪ :‬وهي العلاقات التي تتحدد إمكانية الاستبدال‪ ،‬والتي تنطوي على أهمي ة خاص ة في‬

‫تحليل النظام‪ ،‬إن معنى أي وحدة يعتم د على الاختلاف ات بينه ا وبين وحدات أخرى كان من الممكن‬

‫أن تحل محلها في إحدى المتتاليات‪.‬‬

‫الحض'ور الغي'اب‪ :‬فيم ا يخص طبيع ة العلاق ات‪ ،‬علاق ة الحض ور والغي اب‪ ،‬فلا تأتي إلا إذا رجعن ا إلى‬

‫الأداة (اللغة) «وعندما تصاغ هذه القاعدة اللغوية في إطار جمالي نقدي فإنه يترتب عنها التمييز بين نوعين‬

‫من العلاقات التي يمكن ملاحظتها في العمل الأدبي‪ ،‬علاقات تقوم به ا العناصر الحاضرة وأخرى تق وم‬

‫بينها وبين العناصر الغائبة»‪ ،‬وقد نبها سوسير إلى ه ذه القض ية الخط ير في أك ثر من مناس بة‪« ،‬وق د ظه ر‬

‫التطور الأمثل لثنائية الدال والمدلول لدى سوسير فيما يسمى بعلائق الحضور والغياب»‪.‬‬

‫هذه الفكرة تمثلتها جهود البنيويين في بحثهم الدلالي عن ظاهرة النص وباطن ه‪ ،‬مم ا أعطى لمفه وم‬

‫الدال والم دلول دفع ة جديدة فنجد‪ ،‬رولان بارت يرفض فكرة الص لة الثابت ة بين الدال والم دلول حين‬

‫‪6‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫ذهب «أن الإشارة (تعوم) س ابحة لتغ ري الم دلولات إليه ا لتنبث ق معه ا وتص بح جميع ا (دوال) أخرى‬

‫ثانوية متضاعفة لتجلب إليها مدلولات مركبة‪ ،‬وهذا حرر الكلم ة‪ ،‬وأطلق عنانه ا لتك ون (إش ارة حرة)‪،‬‬

‫وهي تمثل حالة (حضور)‪ ،‬في حين يمثل المدلول (حالة غياب) لأنه يعتمد على ذهن المتلقي لإحض اره‬

‫إلى دنيا الإشارة»‪ .‬هذا ما يتطلب وجود ق ارئ حذق ق ادر على أن إيج اد العلاق ة الجدلي ة القائم ة بين‬

‫الدال والمدلول لإحضار الدلالة‪.‬‬

‫لم يكن النقد الحديث بمنأى عن التطورات السريعة الحاصلة في ساحة الأدب النق د الع الميين‪ ،‬فق د‬

‫تلقى النقاد العرب المحدثون البنيوية كما تلقوا غيرها من الاتجاه ات والمن اهج النقدي ة في ف ترة الس بعينات‪،‬‬

‫وهذا التلقي تجلى من خلال من خلال تعريب وترجمة العديد من الدراس ات النقدي ة‪ ،‬ومن أبرز ه ؤلاء‬

‫نذكر‪ :‬كمال أبوديب‪ ،‬وسعيد علوش‪ ،‬ومحمد مفتاح‪ ،‬ومحمد بنيس‪ ،‬وعبد المالك مرتاض‪ ،‬وجابر عص فور‪،‬‬

‫ويمنى العيد‪ ،‬وسعيد يقطين‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫فكمال رائد من رواد البنيوية في النقد العربي الحديث الذين أص لوا له ا‪ ،‬فحم ل على عاتق ه ال ترويج له ا‬

‫والتنظير أيضا‪ ،‬وهذا ما تجسد في كتابه "جدلية الخفاء والتجلي"‪ ،‬وهو عبارة عن دراسة بنيوي ة في الش عر‪،‬‬

‫بالإضافة إلى إصداره كتاب آخر عنوانه "البنية الإيقاعية للشعر العربي"‪.‬‬

‫فـفي كتابه الأول يقدم تعريفا لبنيويته قائلا‪« :‬أنها ليست فلسفة لكنها طريقة في الرؤية ومنهج في‬

‫معاينة الوجود‪ ،‬ولأنها كذلك فهي تثوير جذري للفكر وعلاقت ه بالع الم وموقف ه من ه وبإزائ ه في اللغ ة‪ ،‬لا‬

‫تغير اللغة‪ ،‬وفي المجتمع لا تغير البنيوية المجتم ع‪ ،‬وفي الش عر لا تغ ير البنيوي ة الش عر‪ ،‬لكن‪ ... ،‬المكونات‬

‫الفعلية للشيء‪ ،‬والعلاقات التي تنشأ بين المكونات‪ ،‬تغير الفكر المع اين للغ ة والمجتم ع والش عر‪ ،‬وتحوله إلى‬

‫فكر متس ائل قلق مت وتب‪ ،‬ومكنت ه متقض‪ ،‬فكر جدلي شمولي في رفاه ة الفكر الخ الق وعلى مس توى من‬

‫اكتمال التصور والإبداع»‪.‬‬

‫فـمن هذا الفكرة المقتض بة ندرك أن البنيوي ة ليس ت إلا تث وير جذري للفكر‪ ،‬وأنه ا ث ورة على المجتم ع‬

‫واللغة والشعر‪ ،‬إذ تغيـر كل ذلك وتحوله كما قال إلى فكر متسائل وقلق‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫كما يصرح كذلك كمال أبوديب أنك‪« :‬توظيف منظ ورا يسهم في تش كيله عدة تي ارات منه ا‪ :‬التحلي ل‬

‫البنيوي للأسطورة كما هي عند ليفي ش تراوس في الأنثروبولوجي ة البنيوي ة‪ ،‬والتحلي ل الش كلي للحكاي ة كما‬

‫هي عند فلادمير بروب‪ ،‬وناهج تحليل الأدب المتشكلة في إطار معلومات التحلي ل اللغ وي‪ ،‬والدراس ات‬

‫اللسانية والسيميائية‪ ،‬والمنهج البنيوي التكويني النابع من معطيات الفكر الفلسفي عند لوسيان غولدمان»‪،‬‬

‫كلها اتجاهات كبيرة متعددة المشارب‪ ،‬ومتنوعة الخلفيات الفكرية والفلسفية‪.‬‬

‫كما نجد الناقد الحداثي عبد الله الغذامي الذي تبنى البنيوية التشريحة في كتابه "الخطيئة والتكف ير"‪،‬‬

‫«وخير وسيلة للنظ ر في حركة النص الأدبي‪ ،‬وس بل تح رره هي الانطلاق من مص دره اللغ وي‪ ،‬حيث‬

‫كان مقولة لغوية أسقطت في إطار نظام الاتصال اللفظي البشري»‪.‬‬

‫ومنه نرى أن الغذامي يمثل البداية التاريخية للمشروع النقدي الحداثي‪ ،‬والمتصفح لكتابه "الخطيئ ة‬

‫والتكف ير"‪ ،‬يلاح ظ أن ه يعتم د في كتابات ه النقدي ة على نص وص (جاكوبس ون‪ ،‬وبارت‪ ،‬ودريدا‪،‬‬

‫وتودوروف‪ ،‬وليتش‪ ،‬وغيرهم)‪ ،‬وهي المرجعيات المستعارة لديه التي لا تكاد تفارقه في مساره النقدي‪.‬‬

‫أم ا الناق دة يم نى العي د فهي تعت بر من النق اد الأوائ ل الذين اعتنق وا المنهج الاجتم اعي‪ ،‬لكن‬

‫سرعان ما ارتكزت على الطروحات البنيوية التي كانت منتشرة في الساحة النقدية الغربية‪ ،‬وتطعيم نظراته ا‬

‫وآرائها الذاتية بمفاهيم سوسيرية‪ ،‬تقول‪« :‬إن ق راءتي لأعم ال سوس ير أو لمحاضراته ح ول اللس انية ش كلت‬

‫منطلقا معرفيا أساسيا في ما يمكن تسميته بالمرحلة الثانية من تجربتي النقدية»‪.‬‬

‫فهي تنطلق من مفهوم سوسير للعلامة وتمييزه بين اللغو والكلام‪ ،‬ثم تنتق ل للح ديث عن مف اهيم‬

‫البنيوي ة ال تي حصرتها في في أربع ة عناصر‪( :‬النس ق‪ ،‬وال تزامن والتع اقب‪ ،‬ومفه وم الط ابع‪ ،‬اللاوعي‬

‫للظواهر أو الآلية)‪ ،‬وإذ هي تشير إلى هذه المفاهيم إنما تريد من خلاله ا معرف ة النص الأدبي وعزله عن‬

‫ما هو خارج عنه‪.‬‬

‫‪8‬‬

You might also like