You are on page 1of 9

‫المدرسة اللسانية البنيوية‬

‫للسانيات تجليان ‪ :‬تجل داخلّي في نظاق اللسانّيات وهو متصل بتطّور النظرّيات والمدار س اللسانّية فتول د‬

‫النظرّي ات الجديدة انطالق ا من العج ز أو القص ور ال ذي تنتهي إليه ا النظرّي ات القديم ة‪ ،‬ومن المتوق ع‬

‫والمعقول أن كّل نظرّية تمّثل نقدا للسابق وإضافة جديدة ال تقطع نهائّيا مع م ا قبله ا من تص ّورات‪ .‬وتج ل‬

‫ثان خارجّي يتعّلق بوجود صالت بين اللسانّيات ومختلف العلوم التي تتق اطع معه ا‪ ،‬وتتوط د تل ك العالق ة‬

‫بق در درج ة الت أّثر والت أثير فيم ا بينه ا كعلم النفس (علم النفس اللغ وي)‪ ،‬وعلم االجتم اع (علم االجتم اع‬

‫اللغوي) وعلم التشربح واألعصاب وما إلبيها وغيرها‪.‬‬

‫‪ -‬اللسانّيات البنيوّية ‪:‬‬

‫ب العودة إلى كت اب فردين ان دي سوس ير ‪Ferdinand De Saussure Cours de linguistique‬‬

‫‪ Générale‬المؤّس س "دروس في اللس انيات العاّم ة" يمكن أن نرص د نزع ة الدارس ين إلى المقارن ات‬

‫التاريخية بين اللغات‪ ،‬ومن ثمة كانت اللسانّيات في عهد دي سوسير توسم باللسانّيات التاريخّي ة المقارن ة‪.‬‬

‫وقد لفت النظر إلى ذلك البريطاني السير وليامز ج ون من وج ود تش ابه ص وتي كب ير بين اللغ ة الهندّي ة‬

‫القديمة (السنسكريتّية) واللغات األرووبّية (‪ .)1786‬وقد كانت اللغة قبل هذه الف ترة تس تند إلى التفس يرات‬

‫الدينية‪ ،‬وقد أفضت اآلراء الجديدة إلى إعادة النظر في توجهات الدراسة اللسانية لتتجه إلى التفس ير العلمي‬

‫الذي مهد له وليامز جون‪...‬‬

‫وقد استمر االعتماد على منهج المقارنة بين اللغات وساد هذاالمنهج في القرن التاسع عشر‪ ،‬و كان منطلقه‬

‫مع أعمال بروب (‪.)Franz Bopp 1816‬‬

‫وباالهتمام بالج انب الص وتّي وخص ائص األص وات اللغوّي ة ب رز ب دأت العناية بتق نين الج انب الم اّد ي‬

‫المحس وس من اللغ ة من ذل ك مثال ق انون غ ريم (‪ )Grimm 1785-1863‬ال ذي يتعّل ق بكّيفّي ة انتق ال‬

‫األصوات اللغوّية بين اللغات الجرمانّية وفق مبادئ علمّية‪.‬‬

‫تتبع تطّور الصوت اللغوّي عبر الزمن وتقصي التحوالت التي أفضت إلى تغيير الكلمة من صيغة ص رفّية‬

‫إلى صيغة جديدة‪ .‬إال أن دي سوسير لم يكتف بالجانب التطّو رّي لألصوات اللغوية بل شمل اهتمام ه نظ ام‬

‫‪1‬‬
‫اللغة‪ ،‬وذلك ش بيه بمفه وم القيم ة المادية؛ فمثلم ا نس تطيع البحث في تط ّور القيم ة المالّي ة لقطع ة أرض‬

‫واختالفها من زمن إلى آخر ‪ ،‬يمكن كذلك أن نحّد د تلك القيمة اآلن بمعزل عن تاريخ تط ّوره‪ ،‬ولنقس على‬

‫ذلك اللغة التي يمكن البحث عن نظامها الحالي (بنيتها) وقيمة كّل عنصر داخل النظام بص رف النظ ر عن‬

‫المساار الزمني الذي قطعه ذلك النظام أو تاريخ التغيير الحاصل في قيمة كّل عنص ر‪ .‬لكّن دي سوس ير لم‬

‫يجعل المنهج اآلني بديال وضّد ا ينفي المنهج الزماني بل هو منهج يوازيه فالمنهج اآلني الذي يص ف اللغ ة‬

‫على نحو ما استقرت عليه هو سرد مسار ضمن خّط االتطور التريخي‪.‬‬

‫– التأّثر بالنزعة الوضعّية في فلسفة العلوم ‪:‬‬

‫وق د اس تفادت اللس انيات السوس يرية من ص رامة النزع ة الوض عّية (‪ )positivisme‬العلمّي ة المطلق ة‬

‫مستلهمة منها مبدأ الموضوعّية في دراسة الظواهر‪ .‬هذا التوجه ظه ر في فلس فة العل وم في الق رن التاس ع‬

‫عش ر على يد أوغس ت ك ونت ‪ ))Auguste Comte 1798-1857‬وه و يتمس ك ب التخّلص من ك ل‬

‫االعتقادات الذاتّية والدينّية غير المبرهنة أو غير القابلة للبرهنة في الدراسة العلمّية والتركيز على الج انب‬

‫العلمّي عن طريق الموضوعّية الصارمة واستبعاد كّل ما ه و نفس ّي أو حدس ّي أو انطب اعي أو غ ير قاب ل‬

‫للمالحظة‪ ..‬ومن نتائج هذه النزعة وجود نظرّيات تقوم على هذه المبادئ المنهجّية مثل الفلس فة الماركس ّية‬

‫التي تربط ربطا حتمّيا بين البنية التحتّي ة للمجتم ع (الص راع الطبقّي ) والبنية الفوقّي ة (اإلنت اج الثق افي)‪.‬‬

‫ومنها الداروينّية القائمة على التطّور الحتمّي لألجناس والكائنات‪ .‬وقد أّثرت هذه النزع ة ك ذلك في أعم ال‬

‫دوركايم في علم االجتماع وهو أح د الم ؤّثرين في أفك ار دي سوس ير‪ ،‬فالتفاع ل المع رفي ق ائم على نح و‬

‫مباشر أو غير مباشر‪.‬‬

‫وق د مه د ف رانس ب روب للبداية الفعلّي ة للس انّيات في طابعه ا العلمّي الص ارم من خالل اس تبعاد إقح ام‬

‫االعتقادات الدينّية ودراسة تطّو ر اللغات والمقارنة بينها‪ .‬ويمكن عد آراء دي سوسير امتدادا لهذا المس عى‬

‫الذي يرمي إلى التجديد العلمّي ‪.‬‬

‫البعد االجتماعي لّلغة‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ينظر دوسوسير إلى اللغة على أساس أنها منظومة بنى داخلية‪ ،‬في الوقت ذاته دي سوسير اللغ ة مؤّسس ة‬

‫تتجاوز الفرد فهي نظام ذي بعد اجتماعّي ‪ ،‬وهذا هو المقصود بالمؤّسسة االجتماعّية‪ .‬فاللغة عنده مجموع ة‬

‫من التوافقات التي تتحد فيها مجموعة أشخاص تتكّلم نفس اللسان‪ .‬يقول دي سوس ير معّرف ا اللغ ة‪ "" :‬فهي‬

‫في الوقت نفسه نتاج اجتماعّي لملكة الكالم‪ ،‬ومجموعة من المواضعات يتبّناه ا الكيان االجتم اعّي ليتمّك ن‬

‫األفراد من ممارسة هذه الملكة" [دي سوسير‪ ،‬ص‪.]29‬‬

‫‪ -‬الجانب الشكلّي يعكس نزعة التجريد في الفلسفة والعلوم‪:‬‬

‫من أهّم المبادئ التي يفترض أن تقوم عليه ا قيم ة اللغ ة اعتب ار اللس انّيات علم ا مهتّم ا بالبنية اللغوّي ة ال‬

‫بالماّد ة الصوتّية في حد ذاتهّا‪ ،‬وهذا التصّور المجّرد لعناصر النظام اللغوّي سيمّثل نقل ة نوعية في تص ّور‬

‫العلم اللسانّي فلم يعد موضوع اللسانّيات مرتبط ا فق ط بالوق ائع التجريبّي ة من أص وات وكلم ات ب ل ص ار‬

‫مرتكزا على البعد المجّرد لنظام اللغة‪ .‬ويعكس هذا البعد المجّرد تأّثرا بمقولة الشكل التي سبقت إلى الفلسفة‬

‫خاّص ة عند إيمانويل كانط (‪.)1804-1724‬‬

‫‪ -‬اّتصال اللسانّيات بمختلف العلوم‪:‬‬

‫أحصى دي سوّسير في دروسه جملة من الصالت التي تعقدها اللسانّيات مع س ائر العل وم‪ .‬وس ّم اها العل وم‬

‫المقترنة باللسانّيات‪ .‬يقول "ذلك أّن للسانيات عالقات وثيقة ج ّد ا بعل وم أخ رى‪ ،‬وه ذه العل وم تقتبس منه ا‬

‫بعض المعطيات تارة وتوّفر لها بعض المعطيات ت ارة أخ رى‪ .‬والح دود ال تي تفص لها عن تل ك العل وم ال‬

‫تظه ر دائم ا بوض وح"‪[ .‬دي سوس ير‪ ،‬ص‪ ]25‬من ذل ك اإلتنوغرافيا (دراس ة طريق ة حياة الش عوب)‪،‬‬

‫األنتربولوجيا (دراس ة الظ واهر الثقافّي ة)‪ ،‬وعلم االجتم اع‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬والفيزيولوجيا‪ ،‬والفيلولوجيا‬

‫(دراسة اللغة انطالقا من المخطوطات واآلثار التاريخّية المكتوبة)‪.‬‬

‫وقد حدد ديسوسير في ضوء هذا االّتصال صنفين من اللسانّيات‪ :‬لسانّيات داخلّية مس تقّلة عن س ائر العل وم‬

‫ولسانّيات خارجّية مّتصلة بها‪.‬‬

‫‪ -2‬خصائص مفهوم البنية في اللسانّيات‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫نشأة مفهوم البنية في التفكير اللسانّي بفضل أفكار دي سوسير وانتقل إلى سائر العلوم اإلنس انّية بع د أن‬

‫تبّنته مجموعة من المدارس‪ .‬ولذلك توسم اللسانّيات في النصف األّو ل من القرن العشرين بأّنها بنيوّية نسبة‬

‫إلى هذا المفهوم‪ .‬فما ذا نعني بالبنية؟‬

‫جاء في معجم اللسانيات (‪ )Dictionnaire de linguistique‬لديبوا (‪ )Dubois‬تعريف لمفه وم البنية‬

‫كاآلتي ‪ :‬انظر معجم اللسانيات‪:‬‬

‫‪Dubois at al. Dictionnaire de linguistique, p445-456‬‬

‫نخلص من هذا التعريف إلى تصّور البنية مختلف بين المدارس اللسانّية وهذا ما يمّثل في حّد ذاته ص عوبة‬

‫لكن في المقابل توجد جملة من العناصر األساسّية المشتركة يمكن اعتبارها عمود أّي تصّور للبنية أهّم ها‪:‬‬

‫‪ -‬البنية نظ ام من العناص ر يتمّي ز باالنس جام ال داخلّي بينه ا والتراب ط ول ذلك ينظ ر إليه في كّلّيت ه ال في‬

‫أجزائه‪ ،‬ألّن أّي عنصر فيه ال يمكن أن ننظر إليه مستقّال بنفسه‪.‬ذلك ما ذكره دي سوسير في تص ّوره مثال‬

‫للعالمة اللغوّية وما تحمله من ترابط بين الدال والمدلول‪.‬‬

‫‪ -‬ال قيمة ألّي عنصر إال من خالل ما ينسجه من عالقات م ع بقّي ة العناص ر‪ .‬وتمّث ل تل ك العالق ات جانب ا‬

‫شكلّيا قابال للوصف في شكل قواعد وتعميمات‪ ،‬فليس المهّم هو ماّد ة ذلك النظام بل الشكل ال ذي ُبِنَي عليه‪.‬‬

‫ويترجم ذلك مبدأ سوسيرّيا قائما على اعتبار اللغة شكال ال ماّد ة‪.‬‬

‫‪ -‬النظام مس تقّل بذات ه عن العوام ل الخارجّي ة يكتفي بنفس ه‪ .‬وه و ق ائم على جمل ة من القواع د ال تي تنّظم‬

‫العالق ات بين العناص ر‪ .‬ويرتب ط ذل ك بح ديث دي سوس ير عن اللس انّيات الداخلّي ة ال تي ال تهتّم ب التطّور‬

‫التاريخي والمقارنة بل ببنية الظواهر اللغوّية في حّد ذاتها وفق منهج آنّي ‪.‬‬

‫‪ -‬دراسة البنية يمكن أن تتحّقق في مستويات مختلفة ‪ :‬التركيب‪ ،‬األصوات‪ ،‬الداللة‪ ...‬وقد اهتّم دي سوس ير‬

‫بهذه المستويات وإن رّك ز على الكلمة دون الجملة وعلى الطابع الشكلي بدل الجانب الداللّي ‪ .‬فاهتّم بالعالقة‬

‫بين الدال والمدلول وبالجانب الشكلي من الصوت وبالعالقات السياقّية داخل الجملة‪.‬‬

‫يمكن أن نمّثل لمفهوم البنية بلعبة الشطرنج‪ :‬فهذه اللعبة عبارة عن مجموعة عناصر مترابطة ال قيم ة الّي‬

‫عنص ر إال من خالل دوره ووظيفت ه في اللعب ة‪ .‬وليس مهّم ا أن تك ون اللعب ة ص نعت من الخش ب أو‬
‫‪4‬‬
‫ كذلك اللغ ة يمكن‬.‫البالستيك أو أّي ماّد ة أخرى بل القيمة األساسّية تكمن في العالقات الشكلّية بين العناصر‬

‫اعتبارها ظاهرة قائمة على مفهوم البنية فالكلمة والجملة والنّص جميعها ظواهر لغوّية قائمة على عناص ر‬

‫ وهذه الفكرة تمّثل خروجا مهّم ا عن ربط الظ واهر اللغوّي ة بمق اييس التط ّور الص وتّي وال داللّي‬.‫مترابطة‬

.‫والمقارنة بين اللغات‬

:‫مهمة اللسانيات في نظر دي سوسير‬

:13 ‫نص كالمه من النسخة األصلية لكتابه ص‬

''La tâche de la linguistique sera :


a)de faire la description et l’histoire de toutes les langues qu’elle pourra
atteindre, ce qui revient à faire l’histoire des familles de langues et à reconstituer
dans la mesure du possible les langues mères de chaque famille ;
b) de chercher les forces qui sont en jeu d’une manière permanente et
universelle dans toutes les langues, et de dégager les lois générales auxquelles on
peut ramener tous les phénomènes particuliers de l’histoire ;
c)de se délimiter et de se définir elle-même.
La linguistique a des rapports très étroits avec d’autres sciences qui tantôt lui
empruntent des données, tantôt lui en fournissent. Les limites qui l’en séparent
n’apparaissent pas toujours nettement. Par exemple, la linguistique doit être
soigneusement distinguée de l’ethnographie et de la préhistoire, où la langue
n’intervient qu’à titre de document ; distinguée aussi de l’anthropologie, qui
n’étudie l’homme qu’au point de vue de l’espèce, tandis que le langage est un fait
social. Mais faudrait-il alors l’incorporer à la sociologie ? Quelles relations
existent entre la linguistique et la psychologie sociale ? Au fond, tout est
psychologique dans la langue, y compris ses manifestations matérielles et
mécaniques, comme les changements de sons ; et puisque la linguistique fournit à
la psychologie sociale de si précieuses données, ne fait-elle pas corps avec elle ?
Autant de questions que nous ne faisons qu’effleurer ici pour les reprendre plus
loin. Les rapports de la linguistique avec la physiologie ne sont pas aussi dif-
ficiles à débrouiller : la relation est unilatérale, en ce sens que l’étude des
langues demande des éclaircissements à la physiologie des sons, mais ne lui en
fournit aucun. En tout cas la confusion entre les deux disciplines est impossible :
l’essentiel de la langue, nous le verrons, est étranger au caractère phonique du
signe linguistique.
Quant à la philologie, nous sommes déjà fixés : elle est nettement distincte de
la linguistique, malgré les points de contact des deux sciences et les services
mutuels qu’elles se rendent.
Quelle est enfin l’utilité de la linguistique ? Bien peu de gens ont là-dessus des
idées claires ; ce n’est pas le lieu de les fixer. Mais il est évident, par exemple,

5
‫‪que les questions linguistiques intéressent tous ceux, historiens, philologues, etc.,‬‬
‫‪qui ont à manier des textes. Plus évidente encore est son importance pour la‬‬
‫‪culture générale : dans la vie des individus et des sociétés, le langage est un‬‬
‫‪facteur plus important qu’aucun autre. Il serait inadmissible que son étude restât‬‬
‫‪l’affaire de quelques spécialistes ; en fait, tout le monde s’en occupe peu ou‬‬
‫‪prou ; mais — conséquence paradoxale de l’intérêt qui s’y attache — il n’y a pas‬‬
‫‪de domaine où aient germé plus d’idées absurdes, de préjugés, de mirages, de‬‬
‫; ‪fictions. Au point de vue psychologique, ces erreurs ne sont pas négligeables‬‬
‫‪mais la tâche du linguiste est avant tout de les dénoncer, et de les dissiper aussi‬‬
‫''‪complètement que possible.‬‬
‫‪ -‬مبادئ دي سوسير المؤّس سة‪:‬‬

‫يمكن أن نفهم هذه المبادئ انطالقا من تحليل أمثلة في اللغة العربّية‪.‬‬

‫‪ -‬اآلنية و الزماني>>ة (‪ :)synchronie/diachronie‬من أهّم االقتراح ات المنهجّي ة ال تي ق ّد مها‬

‫دي سوسير اقتراح مفهوم اآلنّية كنمط جديد من أنماط الدراسة اللسانّية‪ .‬لقد كانت اللس انّيات قبل ه تهتّم فق ط‬

‫بتاريخ اللغة والمقارنة بين اللغات‪ .‬ف اقترح أن نض يف منهج ا جديدا يق وم على مالحظ ة نظ ام اللغ ة اآلن‬

‫ودون حاجة لمعرفة ت اريخ تط ّوره‪ .‬فمثال ال ينبغي أن ننظ ر في مراح ل تط ّور كلم ة معّين ة ص وتّيا مثل‬

‫تطّو ر مصدر الفعل سابق واكتسابه داللة لم تكن معهودة بل يعنينا دور استعماله بالمدلول الجديد حالّي ا في‬

‫نظام اللغة العربّية‪ .‬وال بّد من التأكيد أن دي سوسير ال يقيم تناقضا بين المنهجين الزم اني واآلني‬

‫بل يجعلهما متقابلين فال ينفي أحدهما اآلخر‪ .‬فهو يق ول‪" :‬يخّي ل إلى الن اظر الس طحّي أّن ه يجب أن نخت ار‬

‫إحدهما‪.‬‬

‫‪-‬اللغة والكالم‪ :‬نالحظ أّن أفراد المجموعة اللسانية يشتركون في معرفة اللغ ة لكّن ك ّل ف رد منهم يمكن‬

‫أن ينجز ما يشاء من أقوال‪ ،‬وهذا م ا يجع ل للظ اهرة اللغوّي ة بع دين ‪ :‬أح دهما اجتم اعي ويتعّل ق بالنظ ام‬

‫المشترك الذي هو بمثابة مؤّسسة قائم ة على االتف اق الجم اعي ال يمكن الح د أن يغّيره ا أو يض يف إليه ا‬

‫قاعدة جديدة إال بالقبول داخل المجموعة‪ .‬أّم ا الثاني ففردي ويتعلق بقدرة كل فرد على استغالل ذلك النظ ام‬

‫للتواصل‪ .‬فمثال جميعنا يدرك قوانين اللغة العربية مثل بنية الفعل والفاع ل لكن ال يمكن لجميع األف راد أن‬

‫ينتجوا نفس الجمل واألقوال لو طلب منهم الحديث عن نفس األمر‪ .‬يش ير دي سوس ير إلى أّن دورة الكالم‬

‫‪6‬‬
‫بين متكلمين (أ) و(ب) تجعلهما متفقين على مبادئ للتواصل ذات طابع اجتماعي ال يمكن لهما تغييره‪ ،‬أّم ا‬

‫ما يقوله كّل واحد منهما فهو اجتهاد شخصّي ال يخرج عن ذلك النظام االجتماعّي ‪ .‬وقد أّد ى القول بأّن اللغة‬

‫نظام اجتماعي إلى عدها نظاما من التواصل ين درج ض من علم أعّم ه و علم الس يميائّية ألن االس تعمال ال‬

‫يقتصر على األصوات اللغوية وال على أبجديات اللغات ‪ .‬إننا إذ نفصل اللغة عن اللفظ (الكالم) نفص ل في‬

‫اآلن نفسه‪ :‬أّوال ما هو اجتماعّي عّم ا ما هو فردّي؛ ثانيا ما هو جوهرّي عّم ا ه و ث انوّي وعرض ّي بدرج ة‬

‫من الدرجات ‪[ ." :‬دي سوسير‪ ،‬ص‪]34‬‬

‫‪-‬العالم>>ة اللغوي>>ة‪ :‬تتمّي ز العالم ة اللغوّي ة عن د دي سوس ير بجمل ة من الخص ائص أهّم ه ا‪ :‬ثنائّي ة ال دال‬

‫والمدلول‪ ،‬الطابع الخّطي للداّل ومبدأ اعتباطّية العالقة بين الدال والم دلول‪ .‬أّم ا المب دأ الثاني فه و الط ابع‬

‫الخّطي للداّل فيرتبط بالطابع السمعي للعالمة فحين نقول "كتاب" أو "طاولة" من المستحيل أن ننطق بك ل‬

‫األصوات في نفس اللحظة فال بّد أن يتتابع النطق بشكل خّطي صوتا بع د ص وت‪ .‬وال دليل على ه ذا البع د‬

‫الخّطي نجده مثال عندما نغّير ترتيب األصوات‪ .‬يقول دي سوسير ‪":‬لّم ا ك ان ال دال ذا طبيع ة س معّية فإّن ه‬

‫يجري في الزمن وحده ول ه بالت الي خص ائص ال زمن ويمكن أن نقيس ه ذا‪ .‬تع نى ثنائّي ة ال دال والم دلول‬

‫باالرتباط بين الصورة السمعّية للكلمة التي يلتقطها السامع (دال) والصورة الذهنّي ة ال تي يلتقطه ا الس امع‬

‫ويربطها بتلك األصوات (مدلول) فمثال الصورة الصوتّية ''أمل'' ترتبط بذلك الشعور بالتف اؤل كم ا يج ري‬

‫استعماله‪ .‬فكل عالمة قائمة على هذه الثنائّية‪ .‬لكن لو تصّورنا كلم ة ب ترتيب آخ ر '' م أ ل '' فه ذا اللف ظ ال‬

‫يدل على أّي معنى ولذلك ال يمكن اعتباره داّال وال يمكن أن يتح ّو ل إلى عالم ة لغوّي ة‪ .‬أّم ا المب دأ الثالث‬

‫فهو عدم وجود عالقة بالض رورة في ك ل األح وال بين ال دال والم دلول‪ :‬فالمجموع ة ت وافقت عفويا على‬

‫اعتبار األلفاظ (أمل) تدّل على الشعور بالتف اؤل واأللف اظ (ألم) ت ّل على الش عور ب الوجع‪ ،‬ويمكن أن نج د‬

‫نفس الصورة الصوتية مرتبطة بدليلين مختلفين بين لغتين‪.‬‬

‫‪-‬اللسانيات الداخلية و اللسانيات الخارجية‪ :‬يمّيز دي سوسير بين دراسة اللغة في ذاتها ولذاتها بمنهج آنّي‬

‫وبين دراسة اللغة في عالقتها بسائر الظواهر ‪ .‬اللسانّيات التي تدرس فقط موضوع اللغ ة يس ّم يها لس انيات‬

‫‪7‬‬
‫داخلّية‪ .‬أّم ا اللس انّيات ال تي ت درس اللغ ة في عالقته ا بس ائر الظ واهر الخارج ة عنه ا فيس ّم يها اللس انّيات‬

‫الخارجّية مثل جغرافّية اللغات وتوّز عها بين البشر أو اللسانّيات النفسّية أو اللساّنيات االجتماعّية‪.‬‬

‫‪ -‬العالقات االستبدالية والعالقات السياقّية‪ :‬في دراسة تركيب الجملة يالحظ دي سوسير أّن كّل كلمة إّم ا‬

‫أن تعّو ض بكلمات أخرى لها نفس الدور أو أن تكون مرتبطة بما قبلها وم ا بع دها من كلم ات‪ .‬فمثال ه ذه‬

‫الجملة‪" :‬كتب الشاعر قصيدة"‪.‬‬

‫كّل كلمة ترتبط بعالقات جدولّية مع كلمات أخرى يمكن أن تعّوضها‪:‬‬

‫الشاعر قصيدة‬ ‫نظم‬ ‫الشاعر قصيدة‬ ‫نظم‬ ‫الشاعر قصيدة‬ ‫نظم‬

‫فلما‬ ‫الممثل‬ ‫مثل‬

‫رسما‬ ‫الفنان‬ ‫أبدع‬

‫وقس على ذلك‪.‬‬

‫أّم ا العالقات السياقّية فتعني عالقة كّل كلمة مع ما قبلها وما بعدها من كلمات‪ .‬فكلمة الشاعر ترتب ط س ياقّيا‬

‫بالفعل (نظم) وباالسم (قصيدة) وهذا السياق هو الذي يحّد د معناها‪ .‬يمكننا أن ندرك الف رق بين قيم ة الفع ل‬

‫كتب بنيوّيا إذا قارّنا هذه العالقات السياقّية بسياق آخر مختلف في مثل هذه الجملة المختلفة (كتب هللا عليكم‬

‫الصيام) حيث تختلف عالقات الفعل السياقّية فتؤّد ي إلى معنى جديد‪ .‬ومثال عن العالق ة الس ياقية‪ :‬محت ل‪:‬‬

‫أرض هذا الشعب محتلة‪ :‬فإذا كان الخطاب صادرا من الفلس طينيين أو مناص ريه فس يعني أن ه ش عب وق ع‬

‫عليه احتالل الصهاينة‪ ،‬أما إذا كان الخطاب من صهاينة يزعمون أحقيتهم التاريخية فسيعني عندئذ أنهم هم‬

‫المقصودون بوقوعهم محتلين ''اسم مفعول''‪.‬‬

‫‪ -‬ارتباط المدارس األرووبّية بأفكار دي سوسير‪:‬‬

‫من المالحظ أّن دي سوس ير لم يس تعمل مص طلح "البنية" فلم يش ر إلى ه ذا المفه وم باس مه ب ل اس تعمل‬

‫مصطلحات أخرى تصّب دالالتها في نفس التصّور مثل الشكل والنظام والعالق ات واآلنّي ة‪ .‬وه ذا م ا دف ع‬

‫‪8‬‬
‫جورج مونان إلى القول إّن دي سوسير"بنيوّي دون أن يعلم أّن ه ك ذلك"‪ .‬لكن ذل ك ال ينقص من فض ل دي‬

‫سوسير شيئا فمن الثابت أّن دروسه أّسست كّل المبادئ الض رورّية ووض عت األس س الض رورّية لمفه وم‬

‫البنية وكانت حدثا علمّيا ومنهجّيا في مجال العلوم اإلنسانّية تسّبب في نشأة الكثير من المدارس‪.‬‬

‫ويمكن أن نالحظ ارتباط أكثر المدارس البنيوّية األروبّية بتفصيل مب ادئ دي سوس ير‪ .‬ونحص ي مثال أهّم‬

‫هذه المدارس‪ :‬المدرسة الوظيفية‪.‬‬

‫‪9‬‬

You might also like