You are on page 1of 11

‫برنامج ليسانس ترجمة‬

‫أ‪.‬د‪ .‬سيتواح‬
‫قسم الترجمة‬

‫تمهيد ‪:‬‬
‫تشكل مادة اللسانيات ركنا أساسيا في تكوين اللغويين عامة‪ ،‬إذ تمكنهم من فهم وتفسير هذه الظواهر اللغوية‬
‫المختلفة‪،‬وللترجمة والتُرجمان عالقة مباشرة باللغة باللغات‪ .‬وللسانيات عالقة كبيرة بما يدور ببرامج الترجمة‬
‫على العموم‪.‬‬
‫يتكون برنامج "اللسانيات" في قسم الترجمة من برنامجين‪:‬‬

‫جزء خاص بالسنة األولى‬


‫جزء خاص بالسنة الثانية‪.‬‬

‫فأما القسم األول فهو عبارة عن مدخل تاريخي لمجريات أحداث الدراسات اللغوية عبر التاريخ البشري‪،‬‬
‫بينما تتكفل في السنة الثانية بشرح بعض النظريات اللغوية ذات العالقة المباشرة أو غير المباشرة بالترجمة‪.‬‬
‫ونقصد منها النظريات الكبرى‪ ،‬كالبنوية والنظرية العربية الخليلية وغيرها لما لها من عالقة بدراسة اللسان‬
‫واأللسنة البشرية‪ .‬و لقد أدرجنا محاضرات عن سير اللغات و تكوينها و اخترنا المعيار اللغوي في اللغة و‬
‫كيف تتفق فيما بينها عند الترجمة ‪.‬‬

‫َّ‬
‫إن اللّسان هو "مادة" منصهرة في جميع المواد‪ ،‬و نفوذه موجود في جميع االهتمامات التي تميز البشر‪.‬‬
‫واللسان نشاط طبيعي‪ /‬فكري‪ ،‬يأتي في مراتب الحياة مباشرة بعد األمور الطبيعية‪.‬له من جوانب طبيعية تمام ا‬
‫كالجهاز الصوتي وجوانب فكرية كالذاكرة والذكاء والفكر والنفس الحساسة المتجددة‪.‬‬
‫فهو الوسيلة التي توصل بين الشخص ونفسه حينما يكون منفردا‪ ،‬وهو الوسيلة التي توصله بمختلف الناس‬
‫حينما يكون مع غيره‪ ،‬وأما عندما يتحدد اللسان فيأتي دور الترجمة الخطير من أجل اإلفهام و التبليغ ‪.‬‬
‫ولذلك الترجمة هي القنط رة التي تسمح بالربط واإليصال بين ض فاف البشر ذوي اللغ ات المتعددة‪ ،‬واللغات‬
‫ك ل م ا تخض ع لدراس ة لس انية علمي ة يهتم به ا أه ل اللغ ة واللغ ات‪ .‬ولعلم اللس ان دراس ة نظري ة جدي دة إذا م ا‬
‫قارنها بجانبها التطبيقي العريق‪ ،‬فالممارسة اللغوية قديمة قدم األزل‪ ،‬إذ اإلنسان حيوان ناطق مثل ما يقال‪،‬‬
‫ونطقه بعيدة جذوره في أعماق التاريخ‪ .‬وعليه فمعرفة بعض ما يدور في اللغة و في اللسان أضحى ضروريا‬
‫بطلبة الترجمة حتى يستنير درب الترجمة بأفكار اللغويات و تشرح بعض مالبساتها خاصة عند المقارنة بين‬
‫اللغ ات‪.‬إن اللس ان نط ق و كالم ش فوي‪ ،‬وض ع اخ ترعت ل ه تص اوير "ح روف أبجدي ة مكتوب ة" لتث بيت ه ذا‬
‫المنط وق الزائ ل‪ ،‬وه ذه هي "الكتاب ة" ‪ ،‬بع دها ظه رت الكتاب ات ثم اخ ترعت الطباع ة ال تي يس رت النش ر‬
‫واالنتشار‪ ،‬مما أدى إلى اتساع رقعة الكتابة و القراءة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫و إذا ك ان اللس ان ع بر الت اريخ محالًّ‪ ،‬ومج اال حساس ا للتّفك ير و وس يلة للعل وم والفلس فة‪ ،‬ف َّ‬
‫إن علم اللس ان علم‬
‫حديث نسبيا مقارنة مع جانبه التطبيقي القديم‪.‬‬
‫لقد انفرد اللس ان "بدراسة اللسان" في األزمنة الحديث ة‪ ،‬بع د أن كان مت داخل المواض يع‪ ،‬منصهرة في مش اكل‬
‫متميعة في علم النفس‪ .‬وكان يراه جزء ال يتجزأ من اختصاصه‪.‬‬
‫التاريخ‪ ،‬ذائبا في علم االجتماع والفلسفة‪ّ ،‬‬
‫وحين ج اء الع الم اللغ وي دو سوس ور ن زع اللس ان من ه ذه المواد وح دد موضوع الدراس ة اللغوي ة بموض وع‬
‫دراسة اللسان فحسب دراسة اللسان باللسان‪.‬‬
‫و موضوع علم اللسان هو اللسان ذاته‪ ،‬و اللسان‪ :‬أصوات وألفاظ وتراكيب وسياقات ذات أبعاد ثقافية‪ ،‬وهي‬
‫ع ادات لغوي ة ت ؤدي كله ا إلى التبلي غ واالتص ال داخ ل النظ ام الواح د ال ذي يجم ع ه ذه المظ اهر اللغوي ة‬
‫كلها‪.‬ويظهر اللسان عبر جميع العصور والمراحل التاريخية حتى عند الشعوب المتخلفة البعيدة‪ ،‬نظاما معقدا‬
‫جدا‪ ،‬متشابكا و منظما تنظيما محكما‪.‬‬
‫و"اللسان ذاك المجهول "عنوان يتحدث عن موضوع اللغة و غرابتها وصعوبتها‬
‫‪ ،langage cet inconnu le‬و هو دليل يمثل كما ينبغي هذه الظاهرة البشرية‪ ،‬فاللغة جانب ظاهر خارجي‪:‬‬
‫الجانب المادي(األصوات‪ ،‬األلفاظ‪ ،‬التراكيب‪ ،‬القواعد النحوية والصرفية) كما أن لها جانب أخر داللي وهذا‬
‫غرضها من الوجود‪ .‬و علينا نحن باكتشاف بعض جوانبها من خالل هذه الدروس وإ ماطة القناع عن بعض‬
‫خباياها حتى نفهم بعض ما يربطنا إليها اتصاال وتبليغا‪.‬‬
‫لقد اخترنا في هذه الدروس مجموعة من العناوين‪ ،‬إذ رأينا فيها منفعة وأساس ا يرتكز عليه الطلب ة في الفهم‬
‫والتك وين والبحث‪.‬و نعت ذر إذا كن ا ق د تعرض نا لبعض التك رار فه ذا من ب اب الح رص على ترس يخ الفك رة‬
‫والمعلومة في ذهن الطالب‪ ،‬ويعود هذا إلى جانبنا التعليمي ‪.‬‬
‫لقد وضعنا نوعين من الدروس و المحاضرات ‪:‬‬
‫ص نف أولي ا ب ه الس نة األولى و ه و عب ارة عن تمهي د لل دروس اللغوي ة التاريخي ة و يهتم بمعرف ة بعض خباي ا‬
‫الدراسات اللسانية الماضية القديمة و الحضارات السابقة كالدراسات الهندية واليونانية و االوربية و العربية‪.‬‬
‫أم ا الج زء الث اني فلق د رأين ا أن نتع رض في ه لدراس ة اللس ان في ح د ذات ه و اخترن ا اكتش اف ودراس ة النظري ة‬
‫البنوية و ما تحمله من مصطلحات و أفكار كمنطلق للدراسة اللسانية علما أنها تشكل ثورة لغوية في ميدان‬
‫اللغوي ات عموم ا ج اءت بفض ل دوسوس ور‪ ،‬وه ذا وفق البرن امج المنصوص علي ه في الليس انس و أرفقن ا هذه‬
‫النظرية الجديدة بنظريتين ثانيتين‪:‬‬
‫األولى ألندري مارتيني‪ :‬صاحب الوظيفية‪:‬وظيفة العناصر اللغوية و صالحيتها‪.‬‬
‫الثاني ة لنع وم تشومس كي‪ :‬ص احب النظري ة التوليدي ة التفريعي ة وص احب البني ة الس طحية والبني ة العميق ة ثم‬
‫تعرضنا للدراسات اللغوية العربية ثم وضعنا لها جانبية نفسها والدراسات العربية عريقة في الزمن‪ ،‬أصيلة‬
‫في أفكارها لها مسيرة طويلة وأتباع من اللغويين والنحويين والبلغيين والمعجميين‪ ،‬واألدباء المختلفين ‪.‬‬
‫لق د نش أت ه ذه الدراس ات من خض م ه ذه األفك ار و من بح وث تش مل دراس ة اللغ ة و اللس ان واألص وات من‬
‫جوانبها الظاهرة و الباطنة كالداللة و المجاز‪ .‬لقد حلل الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح في رسالته (وهي‬

‫‪2‬‬
‫رس الة دكت ورة دول ة) عن اللغ ة العربي ة جمي ع هذه الم واد ومنه ا اس توحينا نحن بعض األفكار ال تي تهتم بهذه‬
‫المحاضرات‪.‬‬
‫أم ا المراج ع المس تعملة في تحض ير ه ذه ال دروس فهي م أخوذة من المص ادر و المراج ع التابع ة ألص حابها‬
‫كسبيويه و ابن جني و السيوطي و ديسوسور و تشومسكي و مونان و مارتيني ‪.‬‬
‫نرجو أن نوفق في هذه األعمال و أن تثبت خطانا في مساعينا العلمية و التعليمية ان شاء اهلل‪.‬‬

‫أصل اللغة و فكرة نشأة علم اللغة‬


‫لق د تس اءل اإلنس ان كث يرا عن مص در اللغ ة‪ ،‬من أين ج اءت و كي ف ظه رت إلى الوج ود‪ .‬و ذهب في‬
‫ذلك العلماء مذاهب عديدة إذ انقسمت أراؤهم و تفرقت‪ ،‬أما الفريق األول فكان تفكيره كالتالي‪ :‬هل اللغة‬
‫حقيق ة من ص نع اهلل أي من مص در دي ني ال حيل ة لإلنس ان فيه ا‪ ،‬ألم يق ل اهلل س بحانه وتع الى بع د بس م اهلل‬
‫الرحم ان ال رحيم‪" :‬وعلّم آدم األس ماء كله ا" و ه ذا يع ني أن الق درة على الكالم وض عها اهلل في فك ر‬
‫اإلنسان تماما مثل عقله و إحساسه و فهمه(‪.)1‬‬
‫أم ا الفري ق الث اني فلق د لج ا إلى فك رة أخ رى لتعلي ل مص در الكالم و رأى أن البش ر يح اكون الطبيع ة في‬
‫أصواتها‪ .‬فجاءت اللغة تقليدا لهذه الطبيعة الصائتة‪ .‬وعليه نالحظ كثيرا من األصوات اللغوية قريبة جدا‬
‫من األصوات المتواجدة عند الحيوان و الطيور و كل ما هو متعلق بالطبيعة الصائتة‪.‬‬
‫أما الفريق الثالث فيرى األمور بعين مختلفة عن المجموعتين السابقتين‪ .‬و تتمثل هذه الفكرة في أن اللغة‬
‫واللغات تحيا و تموت ‪ ،‬تظهر و‬ ‫(‪)2‬‬
‫من وضع البشر أنفسهم‪ .‬و السبب لفهم ذلك بسيط و هو َّ‬
‫أن اللغة‬
‫تختفي ‪.‬فهي عرض ة للنش أة و الحي اة و ال زوال تمام ا مث ل البش ر و هي ك ذلك لغ ات أحواله ا متقلب ة و‬
‫(‪)3‬‬
‫زائلة رغم صفتها الخاصة المتمثلة في االستمرارية في الزمن‬
‫واللغة البشرية ليست لغة واحدة فهي لغات و ألسنة‪ .‬و لو حقيقة كانت محاكاة للطبيعة التّحدت اللغات‬
‫في لغ ة واح دة ألن الطبيع ة البش رية واح دة في جمي ع أنح اء المعم ورة‪ .‬أص واتها متش ابهة حيثم ا اتجهت‪.‬‬
‫يتغي ر حسب الزمان والمكان ‪ ،‬ويتوارث من جيل إلى جي ل مع إضافة‬
‫أما الفكر اإلنساني فمختلف يتكيف ّ‬
‫كل جيل فكرا جديدا عن الفكر السابق واللغة مثله تماما تمشي كما تسير أحوال البشر ‪.‬‬
‫فك ر اإلنسان إذن خاصة منهم من كان له االهتمام باللغة في مصدرها و نشأتها‪ .‬هل هي فقهية النشأة‬
‫لقد ّ‬
‫أم طبيعية أم وضعية من صناعة الناس؟‬
‫المحي رة‪ .‬فمنهم من آمن ب الرأي‬
‫ّ‬ ‫لق د ك ان لمختل ف الحض ارات تفك ير و تفس ير له ذه التس اؤالت الهام ة و‬
‫األول و منهم من اتبع الرأي الثاني ‪ ،‬و منهم من تبنى الطريق ة الثالث ة و نبا عن الطرائق األخرى ظانا‬
‫ب ل معتق دا ّان ه ح تى و ل و ك ان له ذه االتجاه ات ص لة باللغ ة و باللس ان إال ان ه من الص عب ج ّد ا ان يك ون‬

‫‪)(1‬انظر ابن جني‪ :‬الخصائص‪ -‬دار الهدى بيروت ‪.‬ط ‪.2‬ج ‪.1‬ص‪32‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪FERDINAND DE SAUSSURE, CLG P24,P106, P108‬‬
‫‪)(3‬حاج صالح عبد الرحمن‪ ،‬مقال ‪:‬البحث اللغوي و أصالة الفكر العربي‪.‬مجلة الثقافة عدد ‪1973 ،26‬‬

‫‪3‬‬
‫االتجاه كليا دينيا أو محاكاة بشكل مطلق لما هو موجود للطبيع ة ‪ .‬قد يكون هناك بعض الصواب فيها‬
‫لوجود ألفاظ في اللغات تشبه أصوات المحاكاة مما هو موجود في الطبيعة‪.‬‬
‫كما َّ‬
‫أن اإلنسان محدود القدرات‪ ،‬فاهلل سبحانه و تعالى وضع في فكر اإلنسان و في طبيعة اإلنسان‬
‫متمي زا عن بقية المخلوقات ‪ ،‬له الفكر و الذاكرة والجهاز الصوتي و العقل الذي يحلل‬
‫ما يؤهله للكالم‪ّ .‬‬
‫به واقعه و يترجمه عن طريق األصوات‪.‬‬
‫ولكن اإلنسان في ك ل هذا عضو فعال في الكالم َّ‬
‫ألن اللغ ة فع ل إرادي و ليس فعال طبيعيا الإراديا مث ل‬
‫الغرائ ز الموض وعة عن د البش ر و اإلنس ان مس ؤول عن كالم ه ألن التبلي غ البش ري يعتم د على الفك ر و‬
‫الصوت و اإلرادة و إبداع الخالق‪.‬‬
‫واإلنسان يحمل أصواته اللغوية بالمعاني التي يريدها ويضع فيها دالالته الخاصة‪.‬‬
‫و لكل إنسان دالالت خاصة به يتعامل بها عن طريقها مع نفسه أوال ثم مع مجتمعه‪ ،‬واللغة كذلك وسيلة‬
‫شخص ية يس تعملها اإلنس ان لفهم أحوال ه ّأو ال ‪ ،‬و ي رى به ا أم وره ثم بع د ذل ك يتعام ل به ا م ع غ يره‬
‫باالتصال عن طريقها مع أفراد مجتمعه‪.‬‬
‫و تعت بر اللغ ة نوع ا من االتص ال المباش ر بالص وت و الفك رة ال تي تحمله ا دالل ة األلف اظ‪ .‬و ل ذلك ت رى‬
‫البش ر منتظمين مجتمع ات و ك ل مجتم ع تقي ده لغت ه‪ .‬و اإلنس ان أي الف رد مرتب ط ب ه يتص ّر ف لغوي ا بم ا‬
‫يمليه المجتمع حتى يكون التعامل و االتصال مفهوما متبادال بينهم و بين هذا المجتمع الذي ينتمي إليه‪.‬و‬
‫لالنس ان وس ائل أخ رى غ ير اللغ ة للتعب ير عن رغبات ه‪ ،‬ش هواته و نزعات ه‪ ،‬حب ه و كره ه‪ ،‬و تك ثر ه ذه‬
‫الوسائل أو تقل حسب الشخص و المجتمع الذي يدرج فيه ‪.‬‬
‫والوس ائل التبليغي ة ق د تك ون ب العين و الص وت و الحرك ة أو بم ا ه و موج ود في الطبيع ة أو ب أي ش يء‬
‫مبتك ر اخ ر‪.‬تع ّد األل وان من الوس ائل المعبِّرة " الناطق ة " فلألبيض مع نى و لألس ود مع نى ‪ ،‬و لألحم ر‬
‫يدل على معنى‬
‫معنى‪،‬و لألزرق معنى ‪.‬وقد تتّفق شعوب العالم في هذه المعاني و قد تختلف‪ ،‬فاألبيض ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫في الشرق ال وجود في الغالب والعكس صحيح‬
‫كما أن األلفاظ الحاملة لأللوان قد تخلتف حسب المكان و الزمان فليس لإلنسان احتياجات لفظية متحدة‬
‫وواحدة في كل مكان وليس معنى هذا أن الطبيعة البشرية المتمثلة في العين ال ترى األلوان األخرى و‬
‫لكن التقس يم اللفظي و التحلي ل اللغ وي لم يض ع مكان ا له ذا اللف ظ‪ ،‬وإ نم ا وض ع ل ه اس تعماال لغوي ا في ه‬
‫تص رف خ اص ب ه بالعب ارة مثال‪ .‬ول ذلك ت رى األلف اظ ال تي تع ني األل وان تختل ف من لغ ة إلى أخ رى ق د‬
‫تك ثر أو تق ل حس ب التقس يم اللغ وي الخ اص بك ل لغ ة‪ ،‬وه ذه هي الس يميولوجية أو الوس ائل الس يميولوجية‬
‫للتبليغ اللغوي أو غير اللغوي ‪.‬‬
‫إن موضوع نشأة اللغة موضوع اهتم به األولون‪ .‬فلقد كان للهنود نظرة‪ ،‬كان لليونان فكرة ‪ ،‬و‬
‫ّ‬
‫حد التناقض ‪ ،‬إلى أن ج اء‬
‫كان للعرب رأي و للغرب رأي اخر ‪ .‬و كثرت اآلراء في بعض األحيان إلى ّ‬

‫سنتطر ق نحن أيضا لهذا‬


‫ّ‬ ‫‪ )(4‬لقد كلفنا طلبتنا بأعمال من هذا الموضوع (األلوان و الدالالت ) في إطار ‪ :‬الدالالت المتعددة لأللفاظ الواحدة‪ .‬و‬
‫الموضوع عندما نأتي إلى ظاهرة االشتراك اللغوي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مبي ن ا أن اللغ ة ص ناعة بش رية مرتك زة على طاق ة لطبيعي ة‬
‫دوسوس ور فوض ع ح ّد ا نهائي ا مظه را و ّ‬
‫موضوعة من عند الخالق سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ولق د اهتم دوسوس ور به ذا الج انب أي بالوض ع البش ري فق ط وح اول وص فه وص فا موض وعيا‪ .‬ووض ع‬
‫لذلك تحليال لم يكن له سابق قبله ‪ .‬كما جاء بمفاهيم ومصطلحات تعني اللغة البشرية اي اللسان البشري‬
‫و اللغات المختلفة‪.‬‬
‫وسنستعرض في هذه المحاضرة بعض األفكار و األداء عن نشأتها و مصدرها‪.‬‬
‫نشأة علم اللسان و ظهور الكتابة‬ ‫‪‬‬
‫الفكرة األولى في ظهور الكتابة‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫لق د اس تعمل اإلنس ان من ذ الماض ي الس حيق اللس ان بطريق ة عفوي ة تك اد تك ون طبيعي ة‪ ،‬فلم يكن في ّأو ل‬
‫األمر يفكر في هذه الوسيلة الصوتية التّي يستعملها للتّواصل مع اآلخرين من بني مجتمعه(‪.)5‬‬
‫ولكن ش يئا فش يئا‪ ،‬وجيال بع د جي ل ب دأ بعض هم يتأم ل و يتس اءل في أم ر ه ذه األص وات اللغوي ة المؤدي ة‬
‫للمعاني (‪.)6‬‬
‫اختص به ا اإلنس ان دون‬
‫ّ‬ ‫كم ا أن ه ش رع يتعجب في ه ذه الطريق ة الملفوظ ة المس موحة المفهوم ة ال تي‬
‫المخلوقات جميعا ‪.‬‬
‫و لق د الح ظ بعض هم أن الكالم ي زول مباش رة بع د النط ق ب ه و ّأن ه ي ذوب في أم واج األث ير‪ ،‬ولكن‬
‫تمك ن ه من حف ظ الكالم الزائ ل‪ ،‬والكالم‬
‫فك ر م ّر ة أخ رى بعض هم بوس يلة ّ‬ ‫وبع د م رور زمن من ال وقت ّ‬
‫الذ ي يندثر مباشرة بعد زوال الصوت‪ ،‬إذ ال يمكن ابقاؤه‬
‫الزائل المندثر يعني اللّفظ المنطوق المسموع ّ‬
‫‪.‬‬
‫ثم يتالشى و يضمحل‬
‫(‪)7‬‬
‫أو المحافظة عليه ألنه ينتشر في الهواء ّ‬
‫و هكذا بدأ إذن التفكير في طريقة لتجميد الصوت و تثبيته‪ .‬لقد دامت هذه األوضاع أزمنة طويلة متعاقبة‬
‫لم يحدث فيه تغيير إلى أن كتب اهلل تبديل األوضاع بأحسنها‪ ،‬وهو اختراع الكتابة ‪.‬‬
‫‪ . 2‬مراحل اختراع الكتابة‪:‬‬
‫مر ت فترات اختراع الكتابة بثالث مراحل متباعدة‪ ،‬متتالية ‪:‬‬
‫لقد ّ‬
‫المرحلة األولى‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫ك ان ّأو ل تفك ير االنس ان المخ ترع ه و تص ّو ر نقش على الحج ر أو على م ادة ص لبة تثبت الفك رة عن‬
‫طريق النقش ‪.‬‬
‫و النقش رسم يمثل حالة أو موقف أو فكرة يريد المتكلّم االحتفاظ بها ‪.‬‬

‫)(‪5‬‬
‫‪.MALMEBERG B ÉRTIL, LE LANGUAGE SIGNE DE L ’HUMAIN, P ICARD, EMPREINTE, P ARIS 2 DITION 79, PAGE 97.‬‬

‫‪)(6‬عن الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح (مدخل الى علم اللسان – مجلة اللسانيات) ع ‪ – 1‬سابقة الجزائر‪ 1971‬ص ‪40 -38‬‬
‫‪)(7‬المصدر نفسه ع ‪ 1‬ص‪40 -38‬‬

‫‪5‬‬
‫ولم يكن لهذه الفكرة نظير قبل هذه الحدث العظيم‪ ،‬وبهذا االختراع تمكنت البشرية من تغيير مصيرها‪،‬‬
‫إذ مكنتها ألول مرة من تاريخها أن يخاطب الناس بعضهم بعضا و هم على مسافات متباعدة في الزمن‬
‫و المكان‪ ،‬كأن تتخاطب األجيال رغم ما يفرقها من الوقت و ما يباعدها من المكان‪.‬‬
‫أن الكتابة استطاعت أن تخترق حواجز الزمان و المكان فصار الخط يقتحم المكان البعيد‪،‬‬ ‫و هذا يعني ّ‬
‫كم ا أص بح يثبت في وج ه ال زمن و يجت از و يس افر ع بر العص ور دون ح رج ‪ ،‬فيعلم األخ ير بم ا فعل ه‬
‫األول و يعلم البعيد بأحوال القريب ‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫و هكذا تمكن اإلنسان من ترويض قضية استعصت عليه كثيرا و هي حفظ الكالم المنطوق‬
‫كم ا أن ه اخ ترع في نفس ال وقت الفك رة األولى لالتص ال و المراس لة المكتوب ة‪ ،‬و ك انت ك ذلك الش رارة‬
‫األولى للت دوين‪ .‬لق د س ميت ه ذه الكتاب ة المخترع ة ‪ :‬الكتاب ة التص ويرية الهيروغليفية‪ ،‬و ك ان أول من‬
‫اخترعها الفراعنة أي المصريون القدامى‪.‬‬
‫الهيروغليفية‪ :‬كلمة يونانية ‪ :‬ومعناها الكتابة المقدسة ‪.‬‬
‫يعلو ه ا من ص عوبة جام دة في‬
‫تش كل الكتاب ة التص ورية بداي ة كتاب ة اللغ ة على العم وم رغم م ا ك ان ّ‬
‫أن األفك ار ليس ت ث وابت لغوي ة‬
‫الق راءة و ف ك الرم ز خاص ة لم ا أص بحت تمث ل األفك ار المج ردة علم ا ّ‬
‫تتغي ر في كل حين و عند جميع الناس ‪.‬‬
‫ألن ها ّ‬
‫ّ‬
‫فك رموزها العالم الفرنسي‬
‫بعد هذا جاءت مرحلة من الزمن نسي فيها اإلنسان طريقة قراءتها إلى أن ّ‬
‫"ش امبوليون " ‪CHAMPOLION‬عن دما اكتشف"حج ر الرش يد"« ‪ »PIERRE DE ROSETTE‬في زمن حمل ة‬
‫نابليون على مصر (‪.)9‬‬
‫في أث ار مص ر الفرعوني ة عن دما ك ان ُي نقب عنه ا وقيم ة ه ذا الل وح الحج ري أن ه مكت وب ب اللغتين ‪:‬‬
‫الهيروغليفي ة و اليوناني ة‪ ،‬وم ا ك ان عليهم س وى المقارن ة واكتش اف أوج ه التش ابه بينهم ا و اس تذكار تل ك‬
‫النقوش والكتابة التصويرية من جديد لقراءة ما سبق من تاريخ يوناني و فرعوني قديم‪.‬‬
‫المرحلة الثانية ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫دو ن الفك رة‬
‫التطو ر في‪ :‬بعد أن كانت ت ّ‬
‫ّ‬ ‫التطو ر ويتمثّل‬
‫ّ‬ ‫عرفت المرحلة الثانية من ظهور الكتابة نوعا من‬
‫والموق ف على ش كل ص ور‪ ،‬اس تعمل في ه ذه الف ترة رس م يمث ل األص وات ب دال من األفك ار‪ .‬وه و عب ارة‬
‫سم ي هذا الخط ‪ :‬الخط‬
‫والص خور‪ ،‬وهي خطوط تشبه شكل المسامير و لذا ّ‬
‫ّ‬ ‫كذلك عن نقش على الحجر‬
‫‪PICTOGRAPHES‬‬ ‫حد ورأس‪.‬‬
‫المسماري ‪ CUNEIFORME‬وهي ذات ّ‬
‫تحو لت إلى‬
‫كانت هذه الرسوم في ّأو ل أمرها تمثّل األشياء في الواقع المحسوس ثم ّ‬
‫خط وط ت ّد ل على أش كال مج ردة لق د ازده رت ه ذه الكتاب ة في بالد الراف دين (الع راق) و اس تعملها‬
‫السومريون و الكلدانيون و األشوريون (أهل بابل )‪ .‬و يرجع أقدم أثر له إلى ما يعادل تقريبا ثالثة أو‬

‫‪)(8‬تشكل الكتابة التصويرية بداية كتابة اللغة على العموم رغم ما كان لعلوها من صعوبة صامدة في قراءة و فك الرمز خاصة لما أصبحت‬
‫تمثل االفكار المجردة علما أن األفكار ليست ثوابت لغوية ألننها تتغير في كل حين و عند جميع الناس‪ ،‬أما األلفاظ ففيها ثبوت و استقرار‪.‬‬
‫‪)(9‬الرشيد هو مكان في مصر‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫أربع ة آالف س نة قب ل الميالد‪ ،‬أم ا وجوده ا فك ان مت وفر الج انب في الجن ائز و القب ور و أض رحة المل وك‬
‫خاصة‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫فك ر‬
‫مي اال بطبعه إلى االقتصاد في مجهوديه العضلي والفكري‪ ،‬وعليه ّ‬ ‫جد ا أن يكون اإلنسان ّ‬
‫من البديهي ّ‬
‫يس ر ل ه طريق ه في االتّص ال وتختص ر علي ه مش واره في ت دوين أفك اره وأحداث ه‬
‫م ّر ة أخ رى في وس يلة تُ ّ‬
‫وحوادثه ‪.‬‬
‫مر ة أخرى أحدهم إلى إيجاد سبيل مختصر وهو ‪:‬‬ ‫تو صل ّ‬‫وبعد تأمل كبيرو تفكير طويل في األمر‪ّ ،‬‬
‫أن الكالم المفه وم المنط وق أي اللغ ة تتك ّو ن من عناص ر دال ة هي عب ارة عن األلف اظ ذات المع اني‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫المفهومة‪.‬‬
‫الد ال ة مص نوعة من عناص ر غ ير دال ة‪ ،‬وهي األص وات المس موعة ال تي تتك ّو ن منه ا‬
‫أن ه ذه األلف اظ ّ‬
‫و ّ‬ ‫‪‬‬
‫األلفاظ‪.‬‬
‫جد ا‪ ،‬قليل‬
‫أن عددها محدود ّ‬
‫ثم أحصوا عدد هذه األصوات اللغوية المنطوقة غير الدالة‪ ،‬والحظوا ّ‬ ‫ّ‬
‫ثم وضعوا لهذه العناصر المسموعة المنطوق ة خطوطا أي رسموا لك ّل‬‫الد الة‪ّ .‬‬
‫جد ا مقارن ة م ع العناصر ّ‬
‫ّ‬
‫معي نا ينوب عنه ‪.‬‬
‫صوت خطاً ‪ ،‬أي رمزا ّ‬
‫أن عن د تالقي الرم وز المص ّو رة الجدي دة يمكن لإلنس ان على التع ّر ف على ألف اظ مص ّو رة‬
‫ثم الحظ وا ّ‬
‫ّ‬
‫مكتوبة و دالة تماما مثل الحروف المنطوقة المتسلسلة على شكل ألفاظ‪ :‬أي ّأن ه ينطق الواحد تلو اآلخر‬
‫أن اس تعمالها متك ّر ر باس تمرار وفوائ دها في اللغ ة ه و من أس رار تولي د‬
‫ويك ّو ن منه ا كلم ة‪ ،‬و احظ وا ّ‬
‫األلف اظ وعلي ه وتك ّو ن ه ذه الكلم ات المكتوب ة ص ورا طب ق األص ل للكلم ات المنطوق ة تمام ا مث ل الص ورة‬
‫الفوتوغرافية التّي تنوب عن صاحبها ‪.‬‬
‫و هك ذا أص بحت الكتاب ة تص ويرا رمزي ا للهج اء‪" :‬الح روف المع دودة" بع د أن ك انت تص ويرا محسوس ا‬
‫‪.‬يع ُّد أهل العلوم اللغوية ّ‬
‫أن من ابتدع هذا الخط و هذه الكتابة هم‬ ‫لألشياء و المعاني التي ال حصر لها ُ‬
‫ألن هم بالمختص ر المفي د هم من ابت دعوا‪ :‬علم‬
‫في الحقيق ة من أك بر اللغ ويين ال ذين ع رفهم الت اريخ ّ‬
‫اللّس ان‪.‬أم ا أص حاب ه ذا االخ تراع العظيم فهم الفي نيقيون ال ذين ك انت لهم حض ارة عريق ة في ك ّل أرج اء‬
‫أن اإلنس ان ال ّذ ي يس تعملها‬
‫الص غرى ‪ :‬في الع راق و س وريا و لبن ان‪.‬و م يزة ه ذه الكتاب ة األخ يرة ّ‬
‫آس يا ُّ‬
‫يتحص ل على ألفاظ مكتوبة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بتراصيها و بمقابلتها وتكرارها ببعضها بعضا‬
‫أن عدد هذه األصوات محدود و عدد رموزها محدود كذلك و عليه صار الكاتب يكتب كلمات‬ ‫و ّ‬
‫الخطي ة و يص ف خالل ال دين الس يوطي اللغ ة في ه ذا الش أن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال حص ر له ا بع دد قلي ل ج ّد ا من الرم وز‬
‫ككتب الالمتناهي بالمتناهي هدد الحروف متناه‪ ،‬وعدد األلفاظ رغم العديد الكبير متناه‪ ،‬أما المعاني‪ ،‬فال‬
‫ثم‬
‫تسمى هذه الطريقة الجديدة ‪":‬األلفبائية ‪ /‬الهجائية " ّ‬
‫حصر لها‪ ،‬و غير متناهية‪ ،‬و هي مقصد كل كالم‪ .‬و ّ‬
‫تنوعت طرائق كتابتها(‪.)10‬‬
‫عم استعمالها في أغلبية أنحاء المعمورة‪ ،‬و ّ‬
‫بعد ذلك ّ‬

‫‪)(10‬محاضرة مستوحاة من دروس اللسانيات ‪ :‬الحاج صالح عبد الرحمان مجلة اللسانيات عدد ‪ – 1971 -1970 2 -1‬جامعة الجزائر‪-‬‬

‫‪7‬‬
‫العلوم اللغوية عند الهنود القدامى‬ ‫‪‬‬
‫مر ت الدراسات اللغوية بمراحل عديدة ‪ ،‬كما شاركت في ظهورها و بلورتها شعوب و حضارات‬ ‫لقد ّ‬
‫كثيرة متّخذة أزمنة و أمكنة مختلفة من هذه الحياة ‪.‬‬
‫تنح در الكتاب ة الهندي ة من الكتاب ة الس امية التّي تتف ّر ع ب دورها من الكتاب ة الفينيقي ة أي من الكتاب ة‬
‫األبجدية االصلية‪.‬‬
‫امتد عندهم مجال المعارف إلى ميادين شتّى‬
‫لقد ازدهرت العلوم ازدهارا كبيرا عند قدماء الهنود‪ ،‬إذ ّ‬
‫كالطب و الفلك و الرياضيات و غيرها من العلوم ‪.‬‬
‫ّ‬
‫و ذاعت هذه المعارف خارج الهند ‪ ،‬و كانت اللغة المستعملة في هذه العلوم كلّها‪ :‬اللغة السنسكريتية‬
‫« ‪. »SANSKRIT‬‬
‫اللغة السنسكريتية ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫المقد س ة‪ ،‬و أص بحت بتط ّو ر العل وم لغ ة العلم و‬
‫ّ‬ ‫لغ ة لبعض أه ل الهن د و هي لغ ة ال ّد ين‪ :‬أي لغ ة الكتب‬
‫المعرفة و الثقافة‪ ،‬و هي من أقدم اللغات الهندية األوروبية‪.‬‬
‫لم يدم الحال كذلك إذ مع مرور الزمن تغيرت األمور فتدهور وضع اللغة‪ ،‬و خوفا من ضياع هذه اللغة‬
‫و اضمحاللها‪ ،‬حاول بعض العلماء الهنود المهتمين باللغة والدين استدراكها و إحيائها‪ ،‬و ذلك بتدوينها‬
‫في أول األمر ثم باالهتمام بدراستها ودراسة مظاهرها المختلفة‪.‬و من أقدم ما وصل إلى عهدنا أي إلى‬
‫العصر الحديث أعمال مبكرة جدا عرفتها البشرية في ميدان اللغويات تخص ما يسمى‪:‬‬
‫الكتب الثمانية و هو كتاب ألفه العالم اللغوي الهندي "بانيني " « ‪» PANINI‬‬
‫و قد عاش في القرن الخامس قبل الميالد‪.‬‬
‫يق ول المؤرخ ون اللغوي ون أن الدراس ات اللغوي ة الهندي ة القديم ة ك انت تمت از بج انب علمي كب ير ألنه ا‬
‫كانت دراسات استقرائية تطبيقية تعتمد على وصف الظواهر اللغوية السنسكريتية ‪ :‬كالجمل و المفردات‬
‫و الحروف أي األصوات اللغوية‪.‬‬
‫و يضيف هؤالء اللغويون أن علماء اللغة آنذاك توصلوا إلى فهم البنية الداخلية للمفردة من اسم و فعل و‬
‫أداة‪.‬‬
‫و تطرق وا أيض ا إلى مس توى الوح دات غ ير الدال ة ‪ ،‬و هي القط ع الص وتية الص غرى التّي ينتهي إلي ه‬
‫التحليل و التي يتركب منها جميع الكالم ‪.‬‬
‫و تسمى هذه القطع الصوتية الصغيرة و غير الدالة لمعنى و التي حينما تجتمع مع بعضها أي مع القطع‬
‫الصوتية األخرى تدل على معنى بالحروف ‪:‬‬
‫و الحرف عند الهنود القدامى خاصة منهم اللغويين هو‪:‬‬
‫"ماال يتالشى وال يضمحل " أي ما "ال يزول و معنى ذلك "النواة"‪.‬‬
‫ولقد كانت الدراسات الصوتية عند الهنود متطورة جدا‪ ،‬إذ درسوا الصوت اللغوي من حيث ‪ :‬النطق‬
‫و المخ رج‪ ،‬و الص فات‪ ،‬و اله واء ال ذي يحم ل ه ذا الص وت‪ .‬لق د اهتم على العم وم علم اء اللغ ة بقض ية‬

‫‪8‬‬
‫نشأة‪ ‬اللغة‪ : ‬من أين جاءت؟ و كيف جاءت؟ هل هي طبيعية‪ ،‬أي عبارة عن محاكاة ألصوات الطبيعية؟‬
‫هل الطبيعة أنجبت اللغة؟‬
‫أم ه ل يع ود س بب وج ود اللغ ة إلى مس ألة ديني ة من ص نع رب اني ال عالق ة لإلنس ان في ه؟ أو ه و س بب‬
‫بشري‪ :‬أي سبب وضعي آت من مستعملي اللغة أنفسهم‪.‬‬
‫لق د تعرض ت ه ذه األفك ار للمناقش ة في أزمن ة متعاقب ة و في كث ير من الحض ارات المتقدم ة‪ .‬ولم يس تغن‬
‫عنها العرب بدورهم ‪.‬‬
‫‪":‬علم اللسان معرفة قديمة ًّ‬
‫جد ا ولكنه علم حديث‬ ‫يقول جورج مونان ‪GEORGES MOUNIN‬‬
‫«‪» C’EST UN SAVOIR TRÈS ANCIEN  »  « UNE SCIENCE TRÈS JEUNE  ‬‬ ‫السن‬
‫و يلخص مضيفا أن الهنود و اليونان و العرب قديما كانوا السباقين إلى إرساء القواعد األولى للصوتيات‬
‫و لتحليل الكلمة ‪ ،‬و الكلمة داخل التركيب‪.‬‬
‫مك نه‬
‫مك ن اإلنسان من اختراق الزمن والمكان‪ ،‬كما ّ‬
‫ولكن يبقى مع ذلك اختراع الكتابة اختراعا عبقريا‪ّ ،‬‬
‫من إقامة نهضة بشرية عارمة قائمة على العلم المعتمد للقراءة والكتابة(‪.)11‬‬

‫‪ ‬لعلوم اللغوية عند اليونان‬


‫لق د اس تعار اليون انيون الق دامى من الفينيق يين كت ابتهم الهجائي ة‪ ،‬أم ا لغتهم فتعت بر من الفص يلة الهندي ة‬
‫األوروبية ‪ INDO-EUROPEENNE‬فال ي رتكز نظامه ا الكت ابي على الجوامد ف ح سب مثل اللغ ة العربية‪،‬‬
‫‪CONSONNE‬‬ ‫واللي ن ات أو الح روف المص ّو تة والص امتة معا‬
‫‪ET VOYELLE‬‬ ‫ّ‬ ‫وإ نم ا يعتم د على الجوام د‬
‫وي رج ع أه ل اللغ ة والت اريخ اللغ وي أق دم الدراس ات اللغوي ة عن د اليون ان تع ود إلى عه د فيت اغورس في‬
‫ُ‬
‫القرن السادس قبل الميالد‪.‬‬
‫ومن أهم األفكار التّي درسوها‪ :‬شأن اللغة أي أصل اللغة‪ ،‬أصل األصوات اللغوية الدالة على‬
‫معنى و غير الدالة على معنى ‪.‬هل اللغة طبيعية النشأة أم صادرة من تواطؤ الناس؟ أي وضعية التكوين‬
‫من صنع الناس ‪ .‬ولقد اعتمدوا أصال على اللغة المكتوبة ونبذوا كل ما هو منطوق ‪.‬‬
‫* لق د ألّفت كتب كث يرة في ه ذا المج ال منه ا كت اب ‪GRAMMATIKA GRAMATICA* : ‬‬
‫فن الكتاب ة ‪ .‬اللغ ة المكتوب ة هي اللغ ة و أم ا اللغ ات‬
‫‪/L’ART D’ECRIRE/ GRAMMAIRE‬و معن اه ّ‬
‫تعر ض هذا الكتاب إلى مسائل عديدة‬ ‫األخرى فلم يعترف بها كلمات و إنما هي لهجات‪ ،‬أو عاميات‪ .‬لقد ّ‬
‫تهم كلّه ا اللغ ة في ح ّد ذاته ا منه ا مش اكل تخص الق راءة الص حيحة‪ ،‬وتفس ير األلف اظ الغامض ة المع نى *‬
‫‪ ،*ETYMOLOGIE‬ونق د الش عر البحث عن أص ول الكلم ات و تع ود ه ذه البح وث اللغوي ة إلى المدرس ة‬
‫االس كندرنية اليوناني ة خاص ة‪ ،‬و لم يعت بروا من اللغ ات س وى اللغ ة األدبي ة المس تعملة في ح والي ‪ 4‬و ‪5‬‬
‫ق‪.‬م ‪ ،‬و التي كانت ل غة العلم و الثقافة و الفلسفة أي ل غة نبيلة ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪()MOUNIN GEORGES ; CLEFS POUR LA LINGUISTIQUE ,SEIGHERS 16-ED .PARIS1971 _P21‬‬

‫‪9‬‬
‫و انتش رت اللغ ة اإلغريقي ة القديم ة في أرج اء بل دان البح ر األبيض الش رقية‪،‬و اختل ط أم ر اللغ ة‬
‫بالفلسفة بل أصبحت جزء ال يتجزأ منها ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫بعض أعالم اليونان‪:‬‬
‫أفالطون‪ :‬فيلس وف يون اني ول د بأثين ا س نة ‪ 428‬ق‪.‬م ت ت لم ذ على ي د س قراط ‪ ،‬ألف كتب ا عدي دة منه ا‬
‫المأد َب ة – الجمهورية ‪ -‬المدينة الفاضلة ‪ -‬و ترجمت كتبه هاته إلى اللغة العربية‪ .‬و هو ُم نشئ مدرسة‬
‫ُ‬
‫عرفت باألكاديمية ‪ 387‬ق‪.‬م‬
‫أرس طو‪ :‬فيلس وف يون اني ول د في مق دونيا س نة ‪ 384‬ق‪.‬م ت ت لم ذ على ي د أفالط ون في األكاديمي ة‪،‬‬
‫وكان متبحرا في العلم و المعرفة و في جميع المجاالت التي كانت موجودة آنذاك‪.‬‬
‫إن م ا يع اب على العم وم على الدراس ات اللغوي ة اليوناني ة القديم ة ه و‪ :‬ميله ا إلى الح رص الش ديد‬
‫ّ‬
‫تطر ف هذا المذهب اللغوي الذي يدعى بمذهب الصفائيين اللغويين‬ ‫على "نقاوة اللغة" من الخطأ‪ ،‬و لقد ّ‬
‫تجم د و لم يعد يقبل أي استعمال لغوي يخرج عن المألوف المعتاد عندهم ‪ ،‬أي عن‬ ‫مع مرور الزمن و ّ‬
‫المع ايير المح ددة ال تي ك ان يفرض ها القي اس العقلي ال ذي يعتم د ه و ب دوره على مب دأ أن العق ل ال يحتم ل‬
‫التن اقض بين الخط أ و الص واب ألنهم ا ال يلتقي ان في آن واح د و موض ع واح د ‪.‬و ذل ك ألن ه ي ؤدي إلى‬
‫استنتاج خاطئ ‪.‬و لقد ظهرت مؤلفات من النوع التعليمي المعياري "قل وال تقل" « ‪DITES NE DITES‬‬
‫(‪)12‬‬
‫‪» PAS‬‬
‫رج ح اللغ ة المكتوب ة و هي اللغ ة العلمي ة و لغ ة المعرف ة على حس اب اللغ ة‬
‫و لق د ك انت تفض ل و ت ّ‬
‫الشفوية المسموعة التي يستعملها العام و الخاص ‪.‬‬
‫إذ ك انت تتخ ذ الكتاب ة معي ارا للغ ة الص حيحة ألنه ا لغ ة العلم و األدب و الفلس فة وليس ت فق ط لغ ة‬
‫مشافهة مثل لغة الرعاع و لذلك أقصيت لغة المخاطبة من صفة "اللغة" ووضعت في خانة " اللهجات "‪.‬‬

‫مالحظة‪:‬‬

‫يجب قراءة ال دروس ع دة م رات‪ ،‬والتمعن في الق راءة ض روري‬


‫للفهم واالستيعاب‬

‫‪12‬‬
‫‪()B ERNARD EDITH ET MAURAIS FACQUES , LA NORME LINGUISTIQUE CONSEIL DE LA LANGUE FRANÇAISE , Q UÉBEC, 1983-‬‬
‫‪P 02-29‬‬

‫‪11‬‬

You might also like