Professional Documents
Culture Documents
المدرسة البنيوية:
إ ّن المدرسة البنيوية هي أول مدرسة لسانية حديثة ،وهي منطلق المدارس اللسانية الحديثة جلها؛
فالمدرسة البنيوية أول مدرسة قامت على أفكار دي سوسير التي تعد منطلق المدارس اللسانية
الحديثة.
البنيوية اللغوية -في أساس مفهومها وأبسط صورة وأوجزها لهذا المفهوم – هي :منهج عام
يأخذ اللغة على أنها (بناء) أو (هيكل) ،أشبه شيء بالهيكل الهندسي المتشابكة وحداته ذات
االستقالل الداخلي ،والتي تتحد قيمها بالعالقات الداخلية بينها ،وذلك بمعزل عن أية عناصر
خارجية ،كصاحب النص المنطوق أوالمكتوب ،والسياق الخارجي أو غير اللغوي ؛ إذ إن هذين
أن تحليل أي نص العنصرين ليسا من اختصاص علم اللغة في نظر البنيويين 0ومعنى ذلك ّ
لغوي يعتمد على نظرتين :هما استقالليته عن أية مالبسات أو ظروف خارجية ،والثانية تشابك
وحداته وترابطها فيما بينها داخليا ،وعليه ،يدرس البنيوي اللغة في ذاتها ولذاتها.
اقتران التيار البنيوي بأسلوب البحث في مختلف المعارف فلكل علم مادة ،ولكل مادة بنية،
ويكفي أن يحدد الباحث المتخصص هدفه في استكشاف خصائص بنية تلك المادة حتى يطلق على
إن منهج البحث في حقل من المعارف إذا ي ،بل ّ نفسه أو يطلق عليه اآلخرون صفة الباحث البنيو ّ
ارتسم لنفسه غاية الكشف عن العالقات التي تنتظم بها األجزاء ليتألف منها البناء الكلي ،تحتم
سوغ اكتساح موجة التيار البنيوي للعلوم الطبيعية إدراجه في فلك البنيوية0وهذا هو الذي ّ
والعلوم اإلنسانية.
بدأت البنيوية مع دي سوسير ثم تطورت في أوروبا وأمريكا في وقت واحد ،ولكن دون
اتصال كبير بينهما .وثمة نمطان أساسيان في البنيوية في أوروبا:
-3أما المدرسة البنيوية األمريكية فقد أسسها بلومفيلد ،وتدعى المدرسة التوزيعية ،ومدرسة ييل.
16
أوال :مدرسة جنيف :دي سوسير مؤسس البنيوية
على الرغم من أن دي سوسير نفسه لم يستخدم كلمة "بنية" ،وإنما استخدم كلمة "نسق"
أو "نظام" ،إال أن الفضل األكبر في ظهور المنهج البنيوي في دراسة الظاهرة اللغوية يرجع إليه.
لقد كان دي سوسير الرائد في كثير من األفكار اللغوية ذات الطابع البنيوي ،ومن أهم أفكاره:
-1النظرة "البنيوية" إلى اللغة ،من حيث عرفها بأنها :نظام من العالمات
تفسيره :هذه األفكار الثالثة مترابطة متكاملة ،ال انفصام لها وليس من السهل أن يعزل واحد
منها عن اآلخر في نظر سوسير على األقل .فاللغة تمثل نظاما مجردا من العالمات ،ويتأسس هذا
النظام على العالقات التي ترتبط بها العالمات لتشكل نظاما أو بنية .وهي عالقات يشترك فيها
كل أعضاء الجماعة اللغوية وتمثل المخزون الذهني لهم .في حين يمثل الكالم الفعل الفردي أو
التحقق النطقي للبنية ،والذي ال يمكن أن يتكرر على نحو متماثل أبدا .وألن اللغة من وجهة نظر
سوسير تؤلف نظاما بنيويا متماسكا؛ ّ
فإن أي مقاربة للغة ينبغي أن تصف وتفسر عمل هذا النظام
الداخلي.
والمنهج البنيوي يقوم على مفهومين اثنين -هما أساس المنهج الوصفي : -الوصف والتصنيف.
فيبدأ باستقراء (جمع) الصور اللفظية المختلفة داخل أية لغة ،ث ّم يصف العالقات القائمة بين
كلماتها في تراكيبها وصفا موضعيا ،ثم يصنيف النتائج تصنيفا دقيقا مميزا بين المؤلفات التي
تتكون فيها التراكيب .
ودراسة العالقات ذات القيم الفارقة بين التراكيب أو الوحدات اللغوية تتم في محورين:
-1المحور األفقي )syntagmatic( :ويعنى بتعيين طرائق تكوين العناصر اللغوية -كلمات أو
لواصق -إلى عناصر أكبر وأكثر تعقيدا أو جمل وعبارات وتراكيب ،وبيان العالقات بين هذة
العناصر .وهنا يكون التركيز على خواص التركيب من حيث موقعية عنا صره المكونة له ونوع
االرتباط الواقع بينهما؛آخذين في الحسبان أن قيمة كل عنصر إنما يتضح بنوع عالقته بصاحبه
من العناصر األخرى في ذات التركيب.
-2المحور الرأسي ) paradigmatic ( :أو االستبدالي ،ويعنى بالعالقات بين العناصر اللغوية
في النظام اللغوي أو في الجدول الصرفي الذي يمد التراكيب بالوحدات المكونة له| ، ،فهذا
الجانب يركز على بمبدأ جدولة العالقات واستبدالها.
وعلى أساس المحور األفقي فإن اللغة ذات طابع خطي متتابع (ال يمكن أن ننطق
عالمتين في وقت واحد) ،وعلى أساس المحور الرأسي االستبدالي فإن اللغة تتأسس على
التعارضات (.)opposition
أما كونها تتأسس على التعارضات فمنطلقه أن العالمة اللغوية تكتسب معناها وقيمتها من
موضعها في النظام (رجل /ليس إمرأة ،ليس صبيا) (أحمر ليس أخضر أو أصفر الخ) .وأكثر ما
17
تتحقق التعارضات في النظام الصوتي على نحو ما سنتبين في حينه (المستوى الصوتي) .ومن
األمثلة الواضحة على ذلك نظام األلوان .فنظام األلوان في العربية يعطي للونين األخضر
واألزرق عالمتين مختلفتين (أخضر ،أزرق) ،في حين أن نظام األلوان في اليابانية يتوفر على
عالمة (كلمة) واحدة للتعبير عن هذين اللونين ،واإلحالة الواقعية هي التي تحدد المقصود من
العالمة (هل هي أخضر أم أزرق) ،وال يمكن أن نترجم الكلمة اليابانية إلى العربية .هذا يثبت أن
المعنى في البنية اللغوية مؤسس على االختالفات بين العالمات.
العالقة بين (محمد) و (يدرس) عالقة أفقية (خطية) وهي عالقة اإلسناد (المبتدأ بالخبر) وهي
هنا عالقة وظيفية ،وهناك عالقة شكلية أفقية بين هذين العنصرين ،وهي التتابع األفقي في
التركيب ،وكل عنصر منهما في الوقت نفسه له عالقة رأسية (استبدالية) بعناصر أخرى في
النظام اللغوي أو الجدول الصرفي لم تقع في هذه الجملة ،وإن كانت صالحة في الوقوع مواقعها
في تراكيب أخرى .فـ "محمد" ذو عالقة رأسية مع الكلمات الواقعة في الجدول الصرفي
للعناصر االسمية التي تصلح مبتدأ في اللغة العربية (مثل :هو ،صديقي ،الرجل ،هذا .....الخ).
و"يدرس " جزء من الجدول الصرفي الذي تنتمي إليه عناصر صالحة للوقوع خبرا في اللغة
العربية ،نحو :يزرع ،يحصد ،قائم ...إلخ.
وبهذا المنهج استطاع سوسير أن يضع المستويات اللغوية (الصوتية ،الصرفية ،النحوية ،الداللية)
في إطار المحورين :الرأسي واألفقي .فالنظام اللغوي إن هو إال وقوع المحور الرأسي على
المحور األفقي.
18
ثانيا :المدرسة الوظيفة ( / )Functional Linguisticsحلقة براغ
نشأت هذه المدرسة في أعمال العلماء التشيك الذين نشروا أعمالهم ضمن ما أسموه حلقة
براغ' . 'Prague Circleومن أبرز أعالمها رومان ياكبسون ،ونيكوالي تروبتسكوي ،ومنذ
1930ازداد توسع المدرسة بعد أن هاجر ياكبسون إلى الواليات المتحدة وعمل في جامعة
هارفارد ،واستقطب كثيرا من العلماء والباحثين الذين وقفوا مقابل المدرسة التوزيعية في أمريكا.
وانظم اليها بعض اللسانيين الفرنسين :أندريه مارتينيه ،واميل بنفست .وأدت المدرسة دورا
بارزا في تطور اللسانيات البنيوية.
اعتمد أقطاب المدرسة على تصورات سوسير وأفكاره ،من حيث رأى أن اللغة ذات
وظيفة اجتماعية ،وهي نظام من العالمات أو الوحدات اللغوية .وعل هذا األساس رأوا أن
الوحدات الصوتية (الفونيمات) تقوم بدور الوحدات اللغوية التي يتم من خاللها إنجاز التواصل.
فنص البرنامج على:
على البحث الصوتي أن يعنى بتحديد أنماط التقابالت الصوتية في اللغة المدروسة .وأن
ال يفصل الظاهرة الصوتية عن الظاهرة الصرفية.
وبناء عليه ،تناولوا األصوات بما يؤديه الصوت من وظيفة تواصلية في سلسلة الكالم.
وانصب اهتمامهم في هذا المجال على النظام الصوتي المستدل عليه من دراسة األصوات
المنطوقة ،أي ركزوا على جانب اللغة ال الكالم ،بما أقره دي سوسير مجاال لعلم اللغة .وأسفرت
دراسات ياكبسون وتروبتسكوي في هذا المجال عن تطوير نظرية الفونيم ،وعلم األصوات
( )phoneticsوعلم النظم الصوتية ( .)phonologyونتج عن دراساتهم في المجال الصوتي
نشوء فرع خاص من فروع الدرس اللساني هو علم النظم الصوتية-الصرفية (morpho-
( .)phonologyسيستكمل هذا الموضوع تفصيال في موضعه من المقرر :المستوى الصوتي).
ثانيا :المظاهر التي تتجلى فيها اللغة :نص البرنامج في هذا المجال على:
-1اللغة نظام يتكون من وسائل تعبيرية ،تؤدي وظيفتها في الفهم المتبادل ،أي إنها نظام وظيفي
يرمي إلى تمكين اإلنسان من التعبير والتواصل ،فكل البنى اللغوية على المستويات جميعا
(الصوتية والصرفية والنحوية والداللية) محكومة بالوظائف التي تؤديها في المجتمعات ،ولذلك
ينبغي على اللسانيي ن أن يدرسوا الوظيفة الفعلية ألحداث النطق الملموسة :ما الذي يجري
توصيله؟ وكيف؟ وإلى من؟ وفي أي مناسبة؟
19
-2اللغة حقيقة واقعية ملموسة ،فهي تتأثر بعوامل خارجية غير لغوية (مثل :الوسط االجتماعي،
والمتلقي ،والموضوع) .لذلك ،فمن الضروري التمييز بين أنماط اللغات في المجتمعات (لغة
الثقافة ،لغة األعمال األدبية ،لغة األبحاث العلمية ،لغة المقاالت الصحفية ،لغة الشارع)؟
-3تشتمل اللغة على نوعين من تجليات الشخصية اإلنسانية :التجلي الذهني والتجلي العاطفي.
وعلى البحث اللساني أن يميز أشكال اللغة التي تعنى بتوصيل األفكار وتلك التي تعنى بتوصيل
العواطف.
ولما كانت اللسانيات الوظيفية معنية أساسا بعملية التواصل اللساني فقد اهتمت خالفا
لسوسير بالكالم ،أي بالتحقيق الفعلي للنظام اللغوي .وقد وضع ياكبسون نموذجا للتواصل قريب
من نموذج التواصل المصاغ في نظرية التواصل ،ويتكون من ستة عناصر كما هو ممثل في
الشكل التالي:
20
وبيان هذه الوظائف:
-1الوظيفة التعبيرية ( /)expressiveأو االنفعالية :إذا كان تركيز الرسالة على المرسل،
فالوظيفة التي تؤديها هي التعبيرية ،أي االنفعالية العاطفية .وتتمثل في الرسائل التي تركز على
الحمولة االنفعالية والوجدانية للمرسل من حيث يقدم انطباعه وانفعاله تجاه شيء ما.
-2الوظيفة اإلفهامية ( :)conativeإذا كانت الرسالة تركز على المرسل إليه ،فالوظيفة التي
تؤديها هي الوظيفة اإلفهامية .وتتمثل في الكالم الموجه بصيغة المخاطب ،ويكثر فيها أساليب
األمر والنهي والنداء واالستجداء وإثارة الحماس .وأكثر ما تتمثل في الخطب الدينية والسياسية،
والشعر الملحمي.
-3الوظيفة المعرفية ( /)cognitiveأو المرجعية :إذا كانت الرسالة تركز على السياق (مضمون
الرسالة) فإن الوظيفة التي تؤديها هي المعرفية أو المرجعية ،وذلك في الرسائل التي تتضمن
اإلبالغ واإلخبار ،وتتمثل في الحديث اليومي والمقاالت والكتب العلمية واألخبار الصحفية.
-4الوظيفة االنتباهية ( :)phaticإذا كان التركيز على االتصال ،فالوظيفة التي تؤديها الرسالة
هي الوظيفة االنتباهية .وتتمثل في العبارات التي نرددها بقصد الحفاظ على سيرورة التواصل
بين المرسل والمستقبل ،وصحة تمثل المستقبل لمضمون الرسالة.
-5الوظيفة الشعرية ( :)poeticإذا كانت الرسالة تركز على ذاتها فالوظيفة التي تؤديها هي
الشعرية .وتتمثل في القصائد الشعرية ،وفي غيرها أيضا من األجناس األدبية ،مثل الرواية
والقصة.
-6الوظيفة الميتا لسانية ( :)metalinguisticإذا كانت الرسالة تركز على عملية الترميز فإن
الوظيفة التي تؤديها هي الميتا لسانية ،وتتمثل في اللغة الواصفة لمضمون الرسالة ،والشرح الذي
يتخلل الكالم.
21
ثالثا :المدرسة التوزيعية (: )distribution
تدعى هذه المدرسة أيضا (المدرسة السلوكية) .ومن أهم أعالمها المؤسسين ليونارد بلومفيلد
( .)Leonard Bloomfieldاتصل بلومفيلد بالمذهب السلوكي في علم النفس الذي كان سائدا
في أمريكا ،مما كان له أثر كبير في تكوين نظريته .وأهم أفكار السلوكية أن الفروق بين البشر
محكومة بالبيئة التي يعيشون فيها ،وأن أي سلوك هو رد فعل ،أي أنه يحدث بوصفه استجابة
لمثير خارجي خاص ،وهو يكشف عن نفسية اإلنسان ،ويشمل تواصله مع بيئته ،أي اللغة .ومن
ثم فاللغة سلوك كغير ها من سلوكات اإلنسان ،تقوم على العالقة بين المثير واالستجابة ،فهي شكل
من أشكال االستجابة لمثير خارجي
أطلق بلومفيلد على المنهج الذي اتبعه في دراسة اللغة اسم المنهج المادي أو اآللي ،وهو منهج
يفسر السلوك البشري في حدود المثير واالستجابة على غرار ما تقوم به الدراسات النفسية ،وقد
استعان في شرح منهجه هذا بقصته المشهورة عن (جاك) و(جيل) .افترض بلومفيد أن جاك
وجيل كانا يتنزهان في الحديقة بين صفوف األشجار ،شعرت(جيل) بالجوع ،وتولدت لديها رغبة
في األكل ،رأت تفاحة على الشجرة ،فأصدرت أصواتا عبرت من خاللها عن هذا الجوع ،فقفز
(جاك) على إثر هذه األصوات ،ليتسلق الشجرة ،ويقطف التفاحة ،ليقدمها إلى(جيل) التي اشتكت
من الجوع أو عبرت عنه ،و بعد ذلك يضع التفاحة في يدها ،وتأكلها هانئة البال .إن في هذه
القصة مجموعة من الجوانب التي تثير اهتمام الدارسين ،إذ يهتم الباحث اللغوي هنا بالحدث
الكالمي ،والتصرف السلوكي الذي ترتب عليه ،ألن اللغة في نظره سلسلة من االستجابات
الكالمية لحوافز ليست ميدان الباحث اللغوي ،فهو ال يهتم بالعمليات النفسية (الحافز الداخلي)
السابقة على عملية الكالم ،وإصدار اإلشارات الصوتية ،بل بدراسة التصرف الكالمي ،فيصف
ما فيه من فونيمات ومورفيمات توزع في إطار جملي .و قد قام بلومفيد بتحليل هذه القصة كما
يلي:
-2الحدث الكالمي.
و اتخذ بلومفيلد في دراسة اللغة موقفا مناظرا لموقف السلوكيين ،من حيث الفحص الموضوعي
المنضبط للسوك اللغوي .وألن الجانب الفيزيائي من اللغة (الصوتي) هو األكثر مالئمة للفحص
الموضوعي المنضبط فقد ركز اهتمامه البحثي كلية على هذا الموضوع ،أي ارتكز على وصف
سلوك الوحدات اللغوية الملموسة في سلسلة الكالم .وعلى هذا األساس رأى بلومفيلد أن المنهج
اللغوي ال بد أن يعالج جميع المواقع التي يمكن أن تحتلها الوحدات اللغوية في نظام لغة معينة
معالجة مبنية على المالحظة والوصف ،أي على تحديد توزيع الوحدات اللغوية ،فاعتمد ،لذلك،
منهج التوزيعية الذي أرسى دعائمه العالم األمريكي سابير .ونتج عن ذلك أن انصب اهتمام
بلومفيلد (ومن تبعه) على الوحدات الصرفية والنحوية ألنها قابلة للمالحظة والوصف على نحو
علمي موضوعي دقيق ،واستبعد المعنى من الدرس اللغوي لعدم قابليته للوصف الموضوعي.
-1رأى التوزيعيون إلى اللغة بوصفها (نظاما من العالمات) على ما أسس له دي سوسير.
ويتحقق هذا النظام في الكالم بوصفه سلوكا لغويا .ولكشف البنية اللغوية على نحو موضوعي
22
دقيق ومنضبط ال بد من دراسة السلوك اللغوي على نحو ما يدرس عالم النفس سلوك اإلنسان
للكشف نفسيته.
-2استخدم المنهج التوزيعي لكشف بنية اللغة .وجرى على المستويين الصرفي والنحوي،
واستبعاد دراسة المعنى .فالعناصر تتحدد بعالقاتها داخل النظام ،أي بعالقاتها مع غيرها من
العناصر اللغوية في التركيب الواحد ،وعملية التوزيع السليم الذي تأخذ فيه الكلمة قيمتها وبالتالي
عالقات منطقية ولغوية مع بعضها البعض هي التي تصل بنا في النهاية إلى التركيب السليم ،ومن
هنا جاء اسم النظرية التوزيعية[ ،]9ولتوضيح ذلك نضرب المثال اآلتي.
تتوزع الجمل في العربية وفق أحد النظامين (في الغالب األعم)[:]10
وقد يخالف مستعمل اللغة أحد التركيبين إلى تركيب جديد بالزيادة أو الحذف أو التقديم أو
التأخير… دون أن يخالف نظام اللغة ،فيوزع مفرداته توزيعا سليما ،وفق قانون لغوي يخضع له
للتعبير عن فكرة ما ،لك ننا قد نكون بإزاء متكلم جاهل بقواعد اللغة ،فيوزع ما في ذهنه من
مفردات توزيعا مختال ،به يختل المعنى ،كأن يقول :نضع الصحن في الطعام ،وهو يريد :نضع
الطعام في الصحن ،فيربط بين الوحدة اللغوية التي تريد فعال وبين التي تأتي رابطا (حرف
الجر) ،عوض أن يربط هذه األخيرة بكلمة (الصحن) ليدل على المكان (الموضع) الذي يوضع
فيه الطعام .
-3يقوم هذا المنهج على اختبارات اإلحالل في تحديد توزيع الوحدات اللغوية ،وذلك بإحالل
الوحدة اللغوية موضع الفحص محل وحدة لغوية أخرى في سياق معروف ،فإذا أمكن لهذا
اإلحالل أن يتم دون حدوث تغيير في السياق ،فإن الوحدتين تنتميان إلى فئة واحدة ،أي لهما
خصائص صرفية ونحوية واحدة( .مثال :هذا الشخص خيب أملي /يمكن أن نحل مكانها
(البرنامج) /هذا البرنامج خيب أملي /وبما أن السياق لم يتغير فإن الوحدتين (الشخص ،البرنامج)
تنتميان إلى فئة واحدة هي فئة األسماء)
-4صاغ بلومفيلد وجوه التمييز األساسية في الوحدات الصرفية (سيستكمل هذا الموضوع في
مجاله /المستوى الصرفي.
-5انتقدت هذه المدرسة بشدة الستبعادها المعنى ،والعتمادها طريقة آلية في الدرس اللغوي ،ومع
ذلك حققت نتائج باهرة في تجهيز اللغة للترجمة اآللية.
المراجع:
عبد القادر الغزالي :اللسانيات ونظرية التواصل .الالذقية :دار الحوار.2003 ،
ماريو باي :أسس علم اللغة .ترجمة :عمر مختار .القاهرة :عالم الكتب ،ط.8،1998
ميلكا إفيتش :اتجاهات البحث اللساني .ترجمة :سعد عبد العزيز مصلوح .القاهرة :المجلس
األعلى للثقافة ،المشروع القومي للترجمة.
23