You are on page 1of 18

‫مقدمة‪:‬‬

‫مل تتوقف البنيوية مع سوسَت‪ ،‬بل تطورت وامتدت إىل غرب احمليط األطلسي ‪ ،‬وأدت إىل‬
‫ظهور مدرستُت‪ :‬ادلدرسة الوظيفية اليت تتمثل يف أعمال حلقة براغ وادلدرسة التوزيعية أو ادلدرسة‬
‫البنيوية األمريكية اليت أسسها بلومفيلد‪ .‬الوظيفية ال تشكل تيارا مستقال بذاتو أو منفصال عن‬
‫البنيوية‪ ،‬بل تندرج ضمن رلموع احلركة البنيوية وديكن تسميتها بالبنيوية الوظيفية‪.‬‬
‫الوظيفية‪ /‬التعريف‪:‬‬
‫يعرف مارتيٍت ( ‪ )1999/1908‬الوظيفية يف كتابو ( ‪Fonction et dynamique‬‬
‫‪ )des langues‬الصادر سنة ‪ 1989‬دبا مفاده أن مصطلح "وظيفي" يقضي بأن ربلل ادللفوظات‬
‫اللغوية اعتمادا على الكيفية اليت تساىم هبا يف سَتورة التواصل‪ .‬ويأيت اختيار وجهة النظر الوظيفية‬
‫من االقتناع بأن كل حبث علمي يتأسس على إجياد ورود ما ( ‪ ،)pertinence‬وأن الورود التواصلي‬
‫(‪ )pertinence communicative‬ىو الذي يسمح بفهم أفضل لطبيعة اللغة وديناميتها‪.‬‬
‫وستفرز مجيع السمات اللغوية وتصنف‪ ،‬بالدرجة األوىل‪ ،‬اعتمادا على الدور الذي تؤديو تلك‬
‫السمات يف توصيل ادلعرفة‪.‬‬
‫ىذا التعريف الذي ينتمي جبالء إىل طرح مدرسة براغ‪ ،‬يستند إىل مفهوم مركزي يف لسانيات‬
‫مارتينيو وىو الورود التواصلي‪ .‬فالورود التواصلي يشكل‪ ،‬بالنسبة دلارتينيو‪ ،‬وجهة نظر حول ادلوضوع‬
‫وطريقة لفهمو‪ .‬وسيعترب واردا‪ ،‬من الناحية التواصلية‪ ،‬كل موضوع (بنية صورية‪ ،‬وحدة) تكون وظيفتو‬
‫ىي تقدمي معلومة‪:‬‬
‫على ىذا األساس يفضل مارتينيو الوظيفة األمشل‪ ،‬اليت تركز على التبادل بُت أطراف التواصل‬
‫وليس على عنصر واحد‪.‬‬
‫الوظيفية منط تفكَت ونظرة إىل اللغة وعالقاهتا بتنظيم العامل‪ .‬نشأ الفكر الوظيفي ابتداء‪ ،‬من‬
‫العشرينيات‪ ،‬من أعمال مدرسة حلقة براغ اليت كانت بوتقة للتجديد والنقد العلمي بأوروبا‬
‫العشرينيات‪ ،‬وكانت كذلك منطلقا لطريقة جديدة يف التفكَت يف اللغة‪ ،‬فكانت ادلركز ادلؤسس دلسارين‬
‫علميُت‪:‬‬
‫أ – ميالد الصواتة يف روسيا ويف تشيكوسلوفاكيا مع تروبتسكوي‪،‬‬
‫ب – إعداد الكلوسيماتيك‪ ،‬يف الدامنارك‪ ،‬يف حلقة كوبنهاغن مع يادلسليف (‪)hjelmslev‬‬

‫مدرسة ‪/‬حلقة براغ‪:‬‬


‫مدرسة أو حلقة براغ تطلق بصفة عامة على رلموع اللسانيُت الذين أعدوا رفقة تروبتسكوي‬
‫‪.1928‬‬ ‫وياكبسون أطروحات براغ‪ ،‬الصادرة عن أول مؤسبر دويل للسانيات انعقد بالىاي عام‬
‫ضمت باحثُت تشيكيُت ( ىافرنك ( ‪ )havranek‬من بُت آخرين)‪ ،‬كما استفادت من تعاون‬
‫لسانيُت أجانب مثل األدلاين بوىلر ( ‪ )buhler‬والفرنسيُت تينيَت وبنفنيست ومارتيٍت‪ .‬لكن الروسيُت‬
‫تروبتسكوي وياكبسون‪ ،‬اللذين انضما إىل احللقة سنة ‪ ،1928‬ظال مها الشخصُت ادلهمُت يف‬
‫احللقة‪ .‬وسيلتحق هبؤالء تالميذىم خاصة فاشك الذين سيؤمنون استمرارية ادلدرسة رغم القالقل‬
‫التارخيية‪.1‬‬
‫غَتت لسانيات حلقة براغ‪ ،‬بعدما ىيمنت مقاربات نظريات فقو اللغة ادلبنية على البحث‬
‫الدياكروين وادلتمثلة يف أعمال النحاة اجلدد‪ ،‬ادلقاربات األوروبية للسانيات خالل العشرينيات من‬
‫القرن ادلاضي‪ .‬ركزت اللسانيات التشيكية اىتمامها على التغَت اللساين‪ ،‬والتعمق يف البعد التارخيي‪.‬‬
‫حلقة براغ ستقدم البعد السانكروين‪.‬‬

‫ماتيسيويوس وأصول مدرسة براغ‪:‬‬


‫قدم ماتيسيوس ( ‪ ،)1945/188‬ادلؤسس حللقة براغ سنة ‪ ،1928‬يف مقال لو بعنوان‬
‫"اللسانيات الوظيفية"‪ ،‬الذي نشر ألول مرة سنة ‪ ،1929‬منهج لسانيات براغ ومقارباهتا يف صياغة‬
‫واضحة ( ادلقال أعيد نشره سنة ‪ 1983‬يف مؤلف لفاشك ودوسكوفا)‪ .‬ادلقال يتناول بشكل جيد‬
‫وضع اللسانيات التشيكية وجزئيا اللسانيات األوروبية خالل العشرينيات‪ .‬تطرق يف ىذا ادلقال‬
‫لدعامتُت أساسيتُت تقوم عليهما لسانيات براغ‪ :‬اختيار السانكرونيا اليت ىي اخليط الرابط بالنسبة‬
‫للسانيات الوظيفية‪ ،‬والعالقات اليت تقيمها األحباث اللسانية مع احلقل االجتماعي للفن واإلبداع‪.‬‬
‫اختيار السانكرونيا ىو معارضة دلدرسة النحاة اجلدد اليت تؤمن إديانا راسخا بأن ادلنهج الوحيد‬
‫العلمي حقا يف البحث اللساين ىو ادلنهج التارخيي‪ ،‬فبشرت مدرسة براغ دبقاربة التارخيية أو‬
‫سانكرونية لدراسة اللغة بعدما كانت تارخيية أو دياكرونية‪ .‬ىذا ما جعل ماتيسيوس يتحدث عدة‬
‫مرات عن "لسانيات جديدة"‪.‬‬

‫‪ 1‬تفرق أعضاء احللقة وتوقف صوهتا غداة احلرب العادلية الثانية بعدما وصل الشيوعيون إىل السلطة سنة‪ .1948‬لكنها ستعرف‬
‫ابتداء من سنة ‪ 1990‬هنضة جديدة بتشجيع من فاشك‬
‫أنشطة حلقة براغ‪:‬‬
‫تكمن السمة األساسية حللقة براغ يف مزجها بُت البنيوية والوظيفية‪ ،‬فالفكرة العامة ادلؤسسة‬
‫لتفكَت ىذه احللقة تتلخص يف أن بنية اللغات تتحدد بوظائفها ادلميزة ذلا‪ .‬ادلقاربة اللسانية حللقة براغ‬
‫مقاربة "بنيوية وظيفية"‪ :‬فالوظيفيون ىم بنيويون بالقدر الذي يكون فيو موضوع حبثهم ىو اللغة‬
‫بوصفها نسقا‪ ،‬بتعبَت آخر يضيفون بعدا آخر‪ ،‬وىو البعد ادلتضمن يف لفظ "وظيفي" ‪ .‬وإىل جانب‬
‫سؤال النسق والبنية يضيفون سؤاال آخر خيص الوظائف وادلهام‪.‬‬
‫وستشهد هناية العشرينيات وبداية الثالثينيات إقامة تظاىرات دولية ستكون آثارىا طويلة‬
‫ادلدى‪ :‬انعقد يف الىاي سنة ‪ 1928‬أول مؤسبر للسانيُت‪ ،‬مث تاله سنة ‪ ،1929‬ادلؤسبر الدويل األول‬
‫للباحثُت يف اللغات السالفية يف براغ‪ ،‬وىو الذي صدرت عنو تلك "األطروحات" الشهَتة اليت قدمها‬
‫ياكبسون رفقة تروبتسكوي وكارسيفسكي ‪ .‬ويف سنة ‪ ،1932‬انعقد بأمسًتدام أول مؤسبر دويل‬
‫للعلوم الصوتية كان لو صدى قوي بأوروبا‪ ،‬حيث بدا احلديث عن حلقت براغ من خالل تصورىا‬
‫الصوايت‪ .‬فما ىي أطروحات ىذه احللقة؟‬

‫أطروحات حلقة براغ‪:‬‬


‫قدمت أطروحات حلقة براغ ألول مرة سنة ‪ 1928‬بالىاي يف ادلؤسبر الدويل للسانيات‪ ،‬ومت‬
‫نشرىا كعمل مجاعي يف اجلزء األول من "أعمال حلقة اللسانيات برباغ" الذي أعد ليقدم إىل ادلؤسبر‬
‫الدويل األول للسالفيُت برباغ سنة ‪.1929‬‬
‫أطروحات حلقة براغ عددىا تسعة يف جزئُت متمايزين؛ األطروحات الست تقدم مقًتحات‬
‫لدراسة اللغة التشيكية واللغات السالفية‪ .‬أما األطروحات الثالثة األوىل اليت سنركز عليها‪ ،‬تعرض‬
‫برنامج يف البحث بصفة عامة‪ .‬بالرغم من أن عمل أطروحات حلقة براغ خيتزل غالبا يف الصواتة‪ ،‬فإهنا‬
‫تقدم اقًتاحات حول عمل اللغة يف كليتو‪ ،‬خصوصا اللغة الشعرية واألدبية‪.‬‬
‫األطروحة األوىل‪ :‬تتعلق دبشكالت ادلنهج النامجة عن تصور اللغة نسقا‪ ،‬وكذا أمهية ىذا‬
‫التصور بالنسبة للغات السالفية (ادلنهج السانكروين وعالقتو بادلنهج الدياكروين‪ ،‬وادلقاربة البنيوية‬
‫والطابع العرضي أو التسلسل ادلنظم لوقائع التطور اللساين‪.‬‬
‫ىذه األطروحة تضع أربعة مبادئ ضرورية لبناء لسانيات عامة ال تنحصر يف الوصف وحده‪،‬‬
‫وىي‪:‬‬
‫‪ – 1‬اللغة نسق وظيفي موجو ضلو غاية‪ :‬باعتبار اللغة منتوجا للنشاط البشري‪ ،‬فهي نسق من وسائل‬
‫التعبَت ادلرتبطة هبدف‪.‬‬
‫‪ – 2‬جيب تفضيل االىتمام بالتحليل السانكروين من دون إمهال فوائد ادلالحظة الدياكرونية (وىو ما‬
‫يشكل نقدا لالىتمام الذي أواله سوسَت للسانكرونية)‪.‬‬
‫‪ – 3‬ينبغي استعمال ادلنهج ادلقارن وفقا دلنظور سانكروين ودياكروين يف اآلن نفسو‪.‬‬
‫‪ – 4‬جيب تعويض نظرية التغَتات ادلعزولة واحلاصلة صدفة بنظرية "التسلسل حسب قوانُت الوقائع‬
‫التطورية"‬
‫األطروحة الثانية‪ :‬صلد يف ىذه األطروحة األسس األوىل لصواتة براغ (تعود إىل ياكبسون‬
‫وتروبتسكوس)‪،‬ونظرية الكلمة‪ ،‬ونظرية تركيبية ("النحو الوظيفي" األول‪ ،‬الذي يرجع إىل ماتيسيوس)‪.‬‬
‫‪ – 1‬عناصر من أجل صواتة سانكرونية‪:‬‬
‫مت التأكيد‪ ،‬يف النقطة األوىل من األطروحة الثانية "أحباث تتعلق باجلانب الصويت للغة"‪ ،‬على‬
‫ضرورة وجود سبييز سيفصل بشكل واضح بُت مادتُت سلتلفتُت مها األصواتيات والصواتة ويؤسس ذلما‪.‬‬
‫"ضرورة التمييز بُت الصوت كواقعة فيزيائية موضوعية‪ ،‬والصوت كتمثيل‪ ،‬والصوت كعنصر من عناصر‬
‫النسق الوظيفي"‬
‫وسيكون الصوت كظاىرة فيزيائية موضوعا خيص األصواتيات‪ ،‬بينما الصوت ادلنظور إليو من‬
‫خالل وظائفو (ادلقصود ىنا الفونيم) فهو موضوع خيص الصواتة‪.‬‬
‫‪ – 2‬نظرية التسمية ( ‪ :)dénomination‬يركز يف النقطة الثانية اليت ربمل عنوان "أحباث حول‬
‫الكلمة وذبميع الكلمات" على الظواىر التالية‪:‬‬
‫‪activité‬‬ ‫التأكيد على وجود الكلمة "كحصيلة للنشاط اللغوي ادلانح للتسمية (‬
‫‪ :")dénominatrice‬اللسانيات اليت كانت ربلل اللغة كواقعة غالبا ما كانت تنكر ‪ ،‬بصفة‬
‫كلية‪ ،‬وجود الكلمة‪ ،‬إال أن الوجود ادلستقل للكلمة باعتبار وظيفتها أمر بديهي‪.‬‬
‫ضرورة شلارسة ما أصبح يطلق عليو يف الوقت الراىن "انفتاح التخصصات على بعضها‬
‫البعض"‪ ،‬دبا أن دراسة الكلمة تدمج يف الوقت نفسو البعد ادلركيب (نشاط التسمية ىو "أحيانا جزء ال‬
‫يتجزأ من النشاط ادلركيب") والبعد الداليل (ينبغي "االىتمام بالوقائع ادلنتمية عادة إىل الداللة")‪.‬‬
‫‪ – 3‬الًتكيب الوظيفي‪ :‬وىي النقطة األخَتة يف األطروحة الثانية اليت ربمل عنوان "نظرية اإلجراءات‬
‫ادلركبية" وتعود أساسا إىل ماتيسيوس‪ .‬وىذه النقطة ذبعل من مفهوم احلمل مركز الًتكيب‪ :‬فالفعل‬
‫(‪ )acte‬ادلركيب األساسي الذي ىو يف الوقت نفسو الفعل اخلالق للجملة ىو احلمل‬
‫(‪ ،)prédication‬وبالتايل فالًتكيب الوظيفي يدرس يف األساس األمناط احلملية آخذا يف االعتبار‬
‫صورة ووظيفة الفاعل النحوي؛ فمقارنة البٌت اجلملية للغات سلتلفة (الفرنسية‪ ،‬األصلليزية) تبُت أن‬
‫مفهومي الفاعل النحوي واحملور ال يتطابقان بالضرورة‪ ،‬وأن كل لغة تسلك طريقة من الطرق ادلختلفة‬
‫لبناء اجلمل‪.‬‬
‫األطروحة الثالثة زبص الوظائف اللسانية‪ ،‬عنواهنا "قضايا البحث يف اللغات يف سلتلف‬
‫وظائفها"‪ ،‬تتطرق أوال للمفهوم ادلركزي لوظيفة اللغة الذي سيكون يف قلب ادلقاربات الوظيفية‬
‫الالحقة (النقطة األوىل) وتقًتح مقًتحات حول "اللغة األدبية" (النقطة الثانية" و "اللغة الشعرية"‬
‫(النقطة الثالثة)‪.‬‬
‫أ – يف وظائف اللغة‪ :‬ترى الوظيفية أن تباين أو طبيعة الوظائف اللسانية ىي اليت ربدد البنية الصوتية‬
‫وادلعجمية والتأليف ادلعجمي للغة‪.‬‬
‫تؤكد الوظيفية على أمهية التمييز بُت بنية لغتُت؛ "اللغة الداخلية" القابلة للتعميم‪ ،‬و "اللغة‬
‫الظاىرة" اليت تعترب حالة خاصة بالنسبة ألكثرية ادلتكلمُت ألهنم يستعملون الصيغ اللغوية وىم‬
‫يفكرون أكثر شلا يستعملوهنا وىم يتحدثون‪ ،‬ذلذا جيب عدم ادلبالغة والتعميم يف تقدير أمهية الصوت‬
‫اخلارجي كلية‪.‬‬
‫‪-‬وظيفة اللغة االجتماعية‪ :‬تتميز اللغة الفكرية الظاىرة عن مثيلتها اللغة االنفعالية؛ فاألوىل ذلا اذباه‬
‫اجتماعي باألساس‪ ،‬أما الثانية فتوجهها اجتماعي عندما هتدف إىل إثارة بعض االنفعال لدى‬
‫ادلتلقي‪ ،‬دبعٌت أهنا تكتسي طابعا انفعاليا‪.‬‬
‫‪ -‬وظيفة التواصل والوظيفة الشعرية‪ :‬بالنسبة لدورىا االجتماعي جيب سبييز اللغة حبسب العالقة‬
‫احلاصلة بينها وبُت الواقع اخلارج‪-‬لساين‪ ،‬فهي تقوم إما بوظيفة تواصلية أي متوجهة ضلو ادللول‪ ،‬أو‬
‫بوظيفة شعرية تتجو ضلو الداللة ذاتو‪.‬‬
‫‪-‬منط التمظهر الكتايب والشفوي‪ :‬للتمظهرات اللغوية منطُت؛ التمظهر الشفوي الذي ينقسم حبسب‬
‫كون ادلستمع يرى ادلتكلم أم ال‪ ،‬والتمظهر الكتايب‪.‬‬
‫ب – "حول اللغة األدبية"‪ :‬تثَت الوظيفية مسألة ظهور "لغة أدبية " اليت تتميز عن "اللغة الشعبية"‪،‬‬
‫سبيزىا ىو سبيز وظيفي ألهنا تعرب عن احلياة احلضارية والثقافية‪ .‬كما توجد أيصا شليزات بُت اللغتُت‪:‬‬
‫لغة متواصلة مقابل لغة متقطعة‪ ،‬ولغة أدبية مكتوبة مقابل لغة أدبية شفوية‪ .‬اللغة ادلتواصلة ىي خزان‬
‫عالمات اللغة األدبية‪ ،‬خصوصا يف الكتايب‪ .‬واللغة ادلتقطعة ىي األكثر قربا من اللغة الشعبية‪ .‬دراسة‬
‫اللغة األدبية ربتم علينا األخذ بعُت االعتبار ىذه التمايزات أو التقاطعات‪.‬‬
‫ج – "حول اللغة الشعرية"‪ :‬االقًتاحات اليت حددىا ياكبسون خبصوص اللغة الشعرية تؤسس عملو‬
‫الالحق كلو من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى ستشكل القواعد األساسية لكل ما سيعرف بشعرية القرن‬
‫العشرين ‪ .‬فالشعرية تعريفها يتم من جهة من خالل تقاطعها مع شكل الكالم‪ ،‬أي فعل إبداع‬
‫فردي‪ ،‬ومن جهة أخرى من رصيد اللغة التواصلية ادلعاصرة‪ .‬كما تعرف بتميزىا أي باستقالليتها‬
‫بالنسبة للقوانُت القائمة أو السابقة عنها‪.‬‬

‫مفهوم الوظيفة في اللسانيات‪:‬‬


‫مل يتم تعريف مصطلح "وظيفة" بشكل دقيق يف النصوص اليت صدرت عن مدرسة براغ‪،‬‬
‫لكنو استعمل دبعٌت ضمٍت‪ .‬فانطالقا من التصريح ادلشهور الوارد يف األطروحة األوىل‪" :‬اللغة نسق من‬
‫وسائل التعبَت ادلناسبة ذلدف ما" ذبعلنا نعرف الوظيفة بأهنا ادلهمة ادلسندة إىل عنصر لساين بنيوي‬
‫(طبقة‪ ،‬آلية) للوصول إىل ىدف يف إطار التواصل البشري‪ .‬فأشهر تصنيف لوظيفة اللغة كنسق‬
‫تواصل ىو التصنيف الذي أتى بو ياكبسون الذي أعاد االشتغال على النمطية الوظيفية األوىل اليت‬
‫قدمها عامل النفس األدلاين كارل بولر ( ‪ )1963/1879‬الذي حدد ثالث وظائف للغة‪ ،‬اليت توافق‬
‫الفاعلُت الثالثة األساسيُت بالنسبة للتواصل ( العامل‪ ،‬ادلتكلم‪ ،‬ادلخاطب)‪ ،‬وىي‪:‬‬
‫‪ – 1‬الوظيفة ادلعرفية (‪ )cognitive‬وىي تناسب استعمال اللغة قصد اإلخبار‪.‬‬
‫‪ – 2‬الوظيفة التعبَتية ( ‪( )expressive‬وظيفة اإلفصاح ( ‪ ) )extériorisation‬تقدم‬
‫معلومات تتعلق باألحوال الداخلية للمتحدث‪.‬‬
‫‪ – 3‬الوظيفة النزوعية (‪ )conative‬تستعمل اللغة وىدفها ىو التأثَت على ادلتلقي‪.‬‬
‫انطلق رومان ياكبسون من ىذا التصنيف وعمقو مقًتحا خطاطتو ادلشهورة يف التواصل اليت‬
‫تقوم على ست وظائف‪ .‬فأضاف إىل العناصر الثالثة اليت اقًتحها كارل بولر عناصر الرسالة والشيفرة‬
‫ادلستعملة واالتصال بُت ادلتحاورين‪ .‬فالوظائف الستة اليت يقًتحها ىي‪:‬‬
‫‪ -‬الوظيفة ادلرجعية () (ادلعرفية عند بولر) فادللفوظ يعرب عن العامل وينجز ثرؤية ضلو ادلرجع"‪،‬‬
‫‪ -‬الوظيفة التعبَتية أو االنفعالية () ‪ :‬تستهدف التعبَت ادلباشر عن موقف ادلتكلم اذباه ما يتحدث‬
‫عنو‪،‬‬
‫‪ -‬الوظيفة النزوعية‪ :‬توجو ضلو ادلرسل إليو‪ :‬فادللفوظ غايتو التأثَت على احملاور‪،‬‬
‫‪ -‬الوظيفة اللغوية ()‪ :‬فادللفوظ يعرب عن االتصال احلاصل بُت ادلتكلم وادلخاطب‪ ،‬وادلقصود رسالة‬
‫تستعمل رسالة تستعمل قصد التواصل‪ ،‬والتحقق من كون قناة التواصل تعمل‪،‬‬
‫‪ -‬الوظيفة ادليتا لغوية ()‪ :‬يقدم ادللفوظ معلومات حول الكيفية اليت أنتج هبا‪ ،‬وحول الشيفرة اليت مت‬
‫دبوجبها‪ .‬وىل يستعمل ادلرسل و‪/‬أو ادلرسل إليو نفس الشيفرة‪ ،‬ألن اخلطاب يكون متمركزا حول‬
‫الشيفرة ويقوم بوظيفة ميتا لغوية (أو تفسَتية)‪.‬‬
‫‪ -‬الوظيفة الشعرية‪ :‬ادللفوظ منتوج لو قيمة يف حد ذاتو‪ :‬فالوظيفة الشعرية " ربقق اجلانب ادللموس يف‬
‫الدالئل"‪.‬‬
‫يرى ياكبسون أن الرسالة ال زبتزل يف وظيفة واحدة‪ ،‬بل تقوم بعدة وظائف مع ىيمنة واحدة‬
‫منها؛ دبعٌت وجود تراتبية بُت الوظائف يف ادللفوظات ادلنتجة‪.‬‬
‫فالنقد ادلوجو لتصنيف ياكبسون يرى أن كل وظيفة من ىذه الوظائف ال تستند بالضرورة‪ ،‬إىل‬
‫عناصر بنيوية خاصة باللغة‪ ،‬إذ من الصعب العثور على معايَت لغوية صرفة للتمييز بُت الوظائف‪.‬‬
‫فادللفوظان‪:‬‬
‫‪L’élément argon est un gaz rare‬‬
‫العنصر أرغون غاز نادر‬
‫‪Le mot suzée est un substantif archaïque‬‬
‫الكلمة سيزي اسم عتيق‪.‬‬
‫مثال‪ ،‬ذلما البنية نفسها سباما‪ ،‬لكن ال عالمة لغوية تشَت إىل أن األول إحايل بينما الثاين لغوي‪ .‬النقد‬
‫اآلخر ادلوجو لياكبسون يكمن يف كون ىذه الوظائف توجد يف أنساق تواصل غَت لغوية‪ :‬فهي ليست‬
‫وظائف خاصة باللغات الطبيعية‪.‬‬
‫تطور الفينولوجيا‪ :‬نيكوالس تروبيتسكوي‪:‬‬
‫لعب تروبيتسكوي ( ‪ )1938/1890‬دورا مهما يف إعداد أطروحات حلقة براغ اليت أدت‬
‫إىل التطور السريع الذي عرفتو صواتة ىذه ادلدرسة‪ ،‬خاصة من خالل الندوة الدولية للصواتة (براغ‬
‫‪ .)1930‬فقد أسس الصواتة كتخصص منطلقا من فكر دو سوسَت‪ .‬وخولت أعمالو خاصة كتابو‬
‫"مبادئ الفونولوجيا" (‪ ) principes de phonologie1939‬الذي ترجم إىل الفرنسية سنة‬
‫‪ 1949‬للصواتة قاعدة على الصعيد الدويل (مارتيٍت بأوروبا وبلومفيلد بأمريكا )‪ .‬باإلضافة إىل‬
‫تأسيسو ذلذا التخصص‪ ،‬فقد ساىم دبسامهاتو النظرية يف مقاربة صارمة دلفهوم الفونيم وللعالقات اليت‬
‫تربط بُت الفونيمات‪.‬‬

‫األصواتيات والصواتة‪:‬‬
‫يرى تروبيتسكوي أن ما دييز بُت األصواتيات والصواتة ىي مسألة الداللة‪ .‬فاألصواتيات‬
‫تقصي العالقة بُت ادلركب الصويت ادلدروس وبُت داللتو اللغوية‪ .‬أما الصواتة فتبحث يف االختالفات‬
‫الصوتية ادلرتبطة‪ ،‬يف اللغة ادلدروسة‪ ،‬باختالفات يف ادلعٌت‪ ،‬ويف الكيفية اليت تتصرف هبا العناصر ادلميزة‬
‫(أو العالمات ) مع بعضها البعض‪ ،‬والقواعد اليت تبٌت عليها لبناء كلمات أو مجل‪.‬‬
‫وعلى ىذا األساس‪ ،‬نالحظ تباينا على مستوى موضوع اىتمام األصواتيايت‬
‫(‪ )phonéticien‬والصوايت ( ‪ .)phonologue‬فاشتغال األول ينصب على اجلانب ادلادي‬
‫ألصوات اللغة البشرية‪ ،‬أما الثاين فينظر إىل الصوت باعتباره يؤدي وظيفة يف النسق اللغوي قصد‬
‫إنتاج ادلعٌت يف منظور تواصلي‪ .‬ولتوضيح الفرق بُت ادلفهومُت نعرض منظور تروبيتسكوي الذي يرى‬
‫أن األصواتياتيات تبحث عن ما نتلفظ بو يف الواقع عند التحدث بلغة ما‪ ،‬بينما الصواتة تبحث عما‬
‫نتخيل أننا ننطق بو‪ .‬إن "ما نتلفظ بو يف الواقع" يتغَت من شخص آلخر‪ ،‬ومن حُت آلخر‪ .‬أما ما‬
‫"نتخيل أننا ننطق بو" فال يتغَت‪.‬‬
‫الفونيمات وعالقاتها‬
‫تعريف الفونيم‪:‬‬
‫إذا كان سوسَت قد عرف الفونيم بكونو رلموع االنطباعات السمعية والتلفظية للوحدة‬
‫ادلسموعة والوحدة ادلنطوقة؛ أي أنو يقوم على مىح طات ذات طبيعة فيزيائية وليست وظيفية‪ ،‬فإن‬
‫تروبيتسكوي الذي‪ ،‬سيقدم تعريفا ستعتمده مجيع الدراسات الصواتية ادلعاصرة‪ ،‬سيصيغ صياغة‬
‫خاصة للتمييز بُت الصوت والفونيم ‪ :2‬األصواتيات الراىنة تقتصر على دراسة العوامل ادلادية ألصوات‬

‫‪ 2‬ىذا التمييز تبناه أيضا اللساين واألنًتوبولوجي األمريكي سابَت‬


‫الكالم البشري‪ :‬سواء ذبذبات اذلواء ادلناسبة‪ ،‬أم أوضاع وحركات األعضاء ادلنتجة لتلك األصوات‪.‬‬
‫أما الصواتة الراىنة فتدرس فال تدرس األصوات بل الفونيمات‪ ،‬أي العناصر ادلكونة للدال‪.‬‬
‫يعرف الفونيم بكونو وحدة صواتية ال تقبل‪ ،‬من منظور لغة معينة‪ ،‬التحليل إىل وحدات‬
‫صواتية متتالية أصغر‪ ،‬إنو أصغر وحدة صواتية يف اللغة ادلدروسة‪ .‬فال وجود لتماثل ضروري بُت‬
‫األصوات والفونيمات‪ ،‬إذ ديكن أن يكون ىناك عديد األصوات اليت ىي ربقيقات الفونيم نفسو‪ :‬ىنا‬
‫نكون بصدد احلديث عن بديل ( ‪)variante‬؛ ففي الفرنسية توجد مثال ثالث طرق للنطق بفونيم‬
‫(‪ ،)r‬اليت يشار إليها بثالث عالمات صوتية سلتلفة‪ ،‬دبا أنو يتم إنتاج ثالث أصوات سلتلفة‪)r ( :‬‬
‫ادلكرر (‪ )roulé‬ادلمثل لو ب ( ‪ ،)r‬و (‪ )r‬اللهوي (‪ )grasseyé‬ادلمثل لو ب ( ‪ ،)r‬و (‪ )r‬ادلركزي‬
‫(‪ )central‬ادلمثل لو ب (‪ .)r‬نقول‪ ،‬إدا‪ ،‬إن (‪ )r‬و (‪ )r‬و (‪ )r‬بدائل للفونيم (‪.)r‬‬

‫الروابط بين الفونيمات‬


‫التعارض الصواتي المميز‪:‬‬
‫إن الوظيفة اللسانية للفونيمات تتمظهر يف اإلطار العام للتقابل الصوايت‪ ،‬أي أن االختالف‬
‫الصويت يؤدي أوتوماتيكيا إىل سبييز ادلعاين الفكرية يف لغة ما‪ .‬صلد مثال التقابل ادلميز يف اللغة الفرنسية‬
‫بُت الفونيمُت ( ‪ )p‬و ( ‪ )b‬عندما يستعمالن للتمييز بُت متتاليتُت للصوتُت ( ‪ )pa‬و ( ‪ )ba‬وبالتايل‬
‫للكلمتُت )‪ (pas‬و )‪ (bas‬اللتُت تدالن على معنيُت سلتلفُت‪ .‬لكن التقابل بُت الفونيمُت الذي‬
‫يفتقر إىل الوظيفة التمييزية من حيث ادلعٌت لن يكون واردا ألننا نكون بصدد تقابل غَت شليز‪ .‬وكما‬
‫يؤكد تروبيتسكوي أن النسق الصوايت للغة ما يقوم على عالقات التعارض بُت الفونيمات وليس على‬
‫رلرد وصفها ‪.‬‬
‫‪ )corrélation‬و‬ ‫التعارض الصوايت نوعان كما حددمها تروبيتسكوي‪ :‬التعالق (‬
‫(‪ :)disjonction‬فالتعارض اخلاص بالتعالق سيقابل بُت أزواج الفونيمات اليت تتوفر أو ال تتوفر‬
‫على مسة اجلهرية ( ‪( )sonorité‬مسة ناذبة عن ذبذبة احلبال الصوتية)‪ ،‬وىكذا ستتقابل يف اللغة‬
‫الفرنسية ( ‪ )p‬و ( ‪ ،)b‬و ( ‪ )t‬و ( ‪ ،)d‬و ( ‪ )k‬و ( ‪ ،)g‬فاألوىل تفتقر إىل مسة اجلهرية ( صوامت‬
‫مهموسة ( ‪ ،))sourdes‬والثانية ذلا صفة اجلهرية (صوامت رلهورة ( ‪ .))sonores‬أما التعارض‬
‫ادلتعلق بالفصل‪ ،‬فيخص أزواج الفونيمات اليت تتقابل يف ما بينها من دون أن تشكل زوج تعالق‪:‬‬
‫فالفونيمات ( ‪ )a‬و ( ‪ ،)u‬أو ( ‪ )p‬و ( ‪ )l‬مثال منفصلة‪ ،‬فهي ال تتقابل دبقتضى توفرىا على مسة‬
‫خاصة‪.‬‬

‫الوظيفية والتواصل‪:‬‬
‫يقع اصطالح السيميائيات الوظيفية ضمن دائرة ما يصطلح عليو باللسانيات الوظيفية اليت‬
‫ذبد جذورىا يف تصورات حلقة براغ اليت تعد من أىم فروع اللسانيات البنيوية‪ ،‬لقد أسست احللقة‬
‫نظريا وإجرائيا لتصورىا الرئيس الذي دبوجبو يتم تصور اللسان باعتباره نسقا وظيفيا لو غاية ىي‬
‫التواصل وجيب اعتبار ىذه الوظيفة األوىل يف التحليل بل منطلقو وغايتو‪.‬كما ال ديكن فهم أي واقعة‬
‫لسانية ( صوتية أو تركيبية ) دون اعتبارىا جزءا من النسق الذي تنتمي إليو‪ ،‬ال ديكن كذلك فهمها‬
‫دون معرفة وظيفتها يف ذلك النسق‪.‬‬
‫لقد ركز رواد حلقة براك مثل ياكبسون وتروبوتسكوي‪ ،‬باإلضافة إىل وظيفيُت تأثروا دببادئ‬
‫احللقة الحقا مثل مارتيٍت وسيميائيُت مثل بويسنس وبرييطو ومونان ‪ ،‬أقول ركز ىؤالء على الطابع‬
‫التواصلي لطابع اللسان‪ ،‬وأصلزوا حبوثهم على أساس ىذا ادلبدأ‪ ،‬كما أن منهم من وضع قواعد‬
‫السيميولوجيا تكون أوال عبارة عن وصف الشتغال كل أنساق التواصل غَت اللساين من ادللصق حىت‬
‫إشارات ادلرور وقانون السَت‪ ،‬ومن أرقام احلافالت وغرف الفنادق حىت القانون البحري الدويل‬
‫إلشارات التواصل يف البحر وادلوانئ‪ ،‬الرائدان يف ىذا اجملال مها بويسنس وبرييطو‪.‬‬
‫ارتبط اسم ياكبسون حبلقة براغ اليت أرست دعائم التصور الوظيفي للغة من خالل ما يلي‪:‬‬
‫التأكيد على أن طبيعة الوظائف اللغوية ىي اليت ربدد بنية لسان ما صواتيا وصرافيا وتركيبيا‬
‫وضلويا‪.‬‬
‫يعد اللسان من الوجهة الوظيفية وسيلة من وسائل التعبَت ادلناسبة لغاية ما تتمثل أساسا يف‬
‫التواصل وبالتايل فإن التحليل اللساين جيب أن يعمل على إبراز اجلوانب ادلرتبطة بوظيفة التواصل‪.‬‬
‫إن دراسة اللسان تتطلب اعتبار تنوع الوظائف اللسانية وطرائق ربقيقها يف حالة معينة‪.‬‬
‫يستعمل مفهوم " الوظيفة " إذن للداللة على الغاية اليت يسعى ادلتكلم إىل بلوغها من وراء‬
‫نشاطو اللغوي‪.‬‬
‫‪ )1982 -1896‬ضمن ما‬ ‫أشهر منوذج للوظائف ىو الذي قدمو رومان ياكبسون (‬
‫أضحى متعارفا عليو خبطاطة ياكبسون وفيها مت ربديد وظائف اللغة والعوامل الضرورية والكافية لكل‬
‫تواصل؛ حبيث ال ينجح التواصل إال بتضافر العوامل كلها‪:‬‬
‫ياكبسون وعوامل االتصال الستة‪:3‬‬
‫يرى ياكبسون ضرورة أن يكون لكل ظاىرة لغوية ولكل فعل تواصلي ستة عناصر أساسية‬
‫مكونة لكل منهما ؛ وىي مرسل يوجو رسالة معينة إىل مرسل إليو ضمن سياق قابل إلدراك ادلرسل‬
‫إليو‪ ،‬وبوجود شيفرة مشًتكة‪ ،‬كليا أو جزئيا‪ ،‬بُت ادلرسل وادلرسل إليو‪ ،‬تتضمن ذلما استمرارية التواصل‬
‫واحلفاظ عليو‪.‬‬
‫هبذا ديكن سبثيل عناصر التواصل اللغوي بالشكل التايل‪:‬‬

‫السياق (‪)contexte‬‬
‫ادلرسل‪ .....................‬الرسالة ‪ …….. .....message‬ادلرسل إليو‬
‫‪destinataire‬‬ ‫‪Destinateur‬‬
‫الشيفرة ‪code‬‬ ‫قناة االتصال ‪contact‬‬
‫ىذه العناصر الستة بدورىا تتطلب وظائف لغوية سلتلفة خاصة هبا‪ ،‬ىي كالتايل‪:‬‬
‫الوظيفة ادلرجعية ( او ادلعرفية أو الوضعية )‪ :‬تستهدف ادلرجع والتوجو ضلو السياق‪ ،‬وتعد الوظيفة‬
‫األىم يف عدد كبَت من الرسائل‪ ،‬ومن بعدىا تأيت بقية الوظائف‪.‬‬
‫الوظيفة التعبَتية ( أو االنفعالية )‪ :‬وتركز على ادلرسل وما يصدره من انفعاالت‪..‬‬
‫الوظيفة اإلفهامية‪ :‬توجو ضلو ادلرسل إليو بأساليب عدة من أشهرىا النداء واألمر اللذان خيالفان‬
‫ادلقوالت االمسية والفعلية األخرى بعدم خضوعها الختبار الصدق والكذب مثل‪ :‬اشرب‪ ،‬شربنا‪ ،‬ىل‬
‫شربنا؟‪.‬‬
‫الوظيفة االنتباىية‪ :‬تعمل على استمرارية التواصل أو انقطاعو‪ ،‬والتأكد من إثارة انتباه ادلرسل‬
‫إليو ( أتسمعٍت ؟ )‪.‬‬

‫‪ 3‬رومان ياكبسون‪ :‬قضايا الشعرية‪ ،‬ترمجة زلمد الويل ومبارك حنون ‪ ،‬ص ‪.32 – 28‬‬
‫الوظيفة الشارحة ( ادليتالسانية )‪ :‬زبتص بالشيفرة القائم ة بُت فئات األفراد ادلختلفة واليت يقوم‬
‫ادلرسل و ‪ /‬أو ادلرسل إليو للتأكد من أهنما يستخدمان نفس الشيفرة ادلتعارف عليها بينهما‪ ،‬مثلما‬
‫يقول ادلرسل‪ :‬أتفهم ما أريد قولو؟ فيجيبو ادلرسل إليو‪ :‬إنٍت ال أفهمك – ما الذي تريد قولو؟‬
‫الوظيفة الشعرية‪ :‬تركز على الرسالة يف ذاهتا ويف رلاالهتا الشعرية والنثرية على حد سواء‪ ،‬كاالىتمام‬
‫بًتتيب الكلمات على ضلو معُت‪ ،‬وكاختيار لفظ بعينو؛ فيما خيص ترتيب الكلمات كقولنا‪" :‬شعر‬
‫ونثر" بدال من "نثر وشعر"‪ ،‬أما فيما خيص اختيار لفظ بعينو مثل‪ :‬راىب ورىيب‪ ،‬ال راىب فظيع أو‬
‫مرعب‪...‬‬
‫وهبذا تأخذ العوامل الستة األساسية للتواصل اللغوي ووظائفها الشكل التايل‪:‬‬

‫السياق‬
‫الوظيفة ادلرجعية‬

‫ادلرسل‪.........................‬الرسالة‪..........................‬ادلرسل إليو‬
‫الوظيفة االفهامية‬ ‫الوظيفة الشعرية‬ ‫الوظيفة االنفعالية‬

‫قناة االتصال‬
‫الوظيفة االنتباىية‬
‫الشيفرة‬
‫الوظيفة الشارحة‬

‫يؤدي كل واحد من ىذه العوامل وظيفة مغايرة ‪ ،‬وتتنوع الرسائل حسب تأكيدىا على ىذا‬
‫العامل أو ذاك؛ فالتأكيد على ادلرسل ينتج الوظيفة التعبَتية‪ ،‬أما إذا كانت الرسالة مركزة على ادلرسل‬
‫إليو فإن الوظيفة تكون أمرية أو توجيهية ( الطلب ‪ /‬األمر‪ ،)...‬وإذا ركزت على ادلقام فالوظيفة‬
‫مرجعية‪ ،‬وتكون شعرية إذا ركزت على الرسالة‪ ،‬ولغوية إذا ركزت على القناة‪ ،‬وميتالغوية إذا ركزت على‬
‫الشفرة ( اللغة تتحدث عن نفسها ≠ اللغة الشيئية أو اللغة اليت تتحدث عن األشياء يف اصطالح‬
‫ادلناطقة )‪.‬‬
‫اقًتن اسم ياكبسون دبسارات حبثية متعددة؛ فمن حلقة الشكالنيُت الروس ذات االىتمامات‬
‫النقدية واألدبية إىل حلقة براغ ذات االىتمامات اللسانية إىل احللقة اللسانية بنيويورك‪ ،‬ومن الطبيعي‬
‫أن يتفاعل مع أكرب االذباىات العلمية والفلسفية واللسانية‪ ،‬فإىل جانب اىتماماتو الشعرية ىناك‬
‫اىتماماتو النظرية العامة يف رلال اللسانيات والشعرية وتكامل ادلعارف‪.‬‬
‫وينهج ياكبسون طريقة خاصة يف تعريف السيميائيات؛ فهو يعرفها بتحديد موضوعها وحصره‬
‫من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية دبقارنة ىذا ادلوضوع الذي تدرسو بادلوضوع اخلاص باللسانيات‪.‬‬
‫أن ادلوضوع عنده حيدد بواسطة مصطلح تواصلي‪ ،‬يتمثل يف استعمال مصطلحات مثل تواصل‬
‫الرسائل‪ ،‬وىي مصطلحات أساسية يف النظرية الوظيفية‪.‬‬
‫يالحظ أن ياكبسون يقسم رلال تواصل الرسائل إىل قسمُت‪:‬‬
‫قسم تواصل الرسائل كيفما كان نوعها عدا الرسائل اللفظية‪.‬‬
‫تواصل الرسائل اللفظية‪.‬‬
‫وادلالحظ أن العالقة بُت موضوعي العلمُت ادلتجانسُت ىي عالقة التجاور وتقاسم للمجال‪،‬‬
‫حبيث خيتص كل منهما دبجال زلدد‪ ،‬يف ىذا الطرح نوع من االستقاللية ادلمنوحة للسانيات؛ " إن‬
‫كثَتا من مسات الشعرية ال زبضع إىل عامل اللغة فقط وإمنا زبضع إىل النظرية الشاملة أي نظرية األدلة‬
‫أو بعبارة أخرى تنتمي إىل السيميوطيقا العامة " تؤكد ىذه القولة ضمنا وصراحة على أن اللسانيات‬
‫مدرلة ( ‪ )inclue‬داخل السيميائيات فيما يشبو الًتاتبية ‪ .‬أما " تدرس السيميوطيقا تواصل‬
‫الرسائل‪ ،‬كيفما كان نوعها‪ ،‬يف حُت تنحصر اللسانيات يف تواصل الرسائل اللفظية‪ .‬ومن بُت ىذين‬
‫العلمُت اإلنسانيُت‪ ،‬فإن لثانيهما إذن رلاال أكثر زلدودية‪ ،‬ولكن يف مقابل ذلك يقتضي كل تواصل‬
‫إنساين للرسائل غَت اللفظية مدارا ( ‪ )circuit‬من الرسائل اللفظية دون أن يصح العكس" ‪ .4‬ىذه‬
‫القولة تؤكد على عالقة ديكن ومسها بعالقة التجاوز ( لكل علم رلالو ) ( لسانيات ‪ /‬سيميائيات )‬
‫‪ .‬ويتضمن النص ما ديكن أن نصطلح عليو بتصور احلضور الكلي للغة فهي رغم كوهنا منطا واحدا‬
‫وزلصورا من أمناط التواصل‪ ،‬فهي حاضرة ومرافقة لكل تواصل كيفما كانت وسيلتو وأداتو‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪Tendances principales de la recherche dans les sciences sociales et humaines :Partie 1,‬‬
‫‪Mouton ( Unesco, Paris, 1970.‬‬
‫منذ ‪ 1930‬توسعت ىذه ادلدرسة بعد ىجرة ياكبسون إل الواليات ادلتحدة وعملو يف جامعة‬
‫ىارفارد‪ .‬استطاع استقطاب عدد من الباحثُت الذين وقفوا مقابل ادلدرسة التوزيعية‪ .‬كان من بُت‬
‫الذين انظموا إليها أندري مارتيٍت واميل بنفست‪ .‬كان ذلا دور بارز يف تطور اللسانيات البنيوية‪.‬‬

‫النظرية والمنهج‪:‬‬
‫أسست ىذه ادلدرسة منذ خروجها إىل الوجود برنارلا ألعماذلا يف حقل الدرس اللغوي‪.‬‬
‫استطاعت مع مرور الزمن ‪ ،‬أن تؤسس وتطور حزمة من القضايا يف اللسانيات‪ ،‬حيث جددت‬
‫منهجها انطالقا من تصور اللغة باعتبارىا نسقا وظيفيا يهدف إىل سبكُت اإلنسان من التعبَت‬
‫والتواصل‪ .‬إذا كان دور اللغة ىو توفَت أسباب التواصل‪ ،‬فإن دراسة اللغة ينبغي أن تأخذ بعُت‬
‫االعتبار ذلك‪ .‬سأحاول إمجال األسس النظرية وادلنهجية للمدرسة‪:‬‬
‫رلال الدرس الصويت‪ :‬انطلق أقطاب ىذه ادلدرسة من تصورات وأفكار سوسَت الذي يرى أن‬
‫اللغة ذلا وظيفة‪ ،‬وىي نسق من العالمات أو الوحدات اللغوية‪ .‬انطالقا من ىذا التصور توصلوا إىل أن‬
‫الوحدات الصوتية (‪ )phonèmes‬تقوم بدور الوحدات اللغوية اليت يتم من خالذلا إنتاج التواصل‪.‬‬
‫ىكذا نص الربنامج على أن البحث الصويت أن يعٍت بتحديد أمناط التقابالت الصوتية يف اللغة‬
‫ادلدروسة‪ ،‬وأن ال يفصل الظاىرة الصوتية عن الظاىرة الصرفية‪.‬‬
‫ىكذا ديكن القول أن أقطاب ىذه ادلدرسة قد تناولوا األصوات من وظيفة تواصلية يف سلسلة‬
‫الكالم‪ ،‬وصوبوا اىتمامهم يف ىذا اجملال على النظام الصويت ادلستدل عليو من دراسة األصوات‬
‫ادلنطوقة‪ ،‬أي أن اىتمامهم ىو الًتكيز على جانب اللغة ال الكالم‪ ،‬دبا أقره سوسَت رلاال للسانيات‪.‬‬
‫فدراسات ياكبسون وتروبت زكوي أدت يف ىذا اجملال إىل تطوير نظرية الوحدات الصوتية‬
‫(‪ )phonétique‬والفينولوجيا‪ .‬وأفضت دراستهم يف اجملال الصويت إىل بروز فرع خاص من فروع‬
‫الدرس اللساين ىو علم النظم الصوتية – الصرفية (‪.)morpho-phonologie‬‬
‫فيما خيص ادلظاىر اليت تتجلى فيها اللغة‪ ،‬إفن الربنامج نص على ما يلي‪:‬‬
‫اللغة نسق يتكون من وسائل تعبَتية‪ ،‬تؤدي وظيفتها يف الفهم ادلتبادل‪ ،‬دبعٌت أهنا نسق وظيفي‬
‫قصده سبكُت اإلنسان من التعبَت والتواصل‪ ،‬كل البٌت اللغوية على ادلستويات مجيعا (الصوتية‪،‬‬
‫الصرفية‪ ،‬النحوية والداللية) زلكومة بالوظائف اليت تؤديها يف اجملتمعات‪ ،‬دراسة الوظيفة الفعلية‬
‫ألحداث النطق ادللموسة‪ :‬ما الذي جيري توصيلو؟ وكيف؟ وإىل من؟ ويف أي مناسبة؟ ىي اليت جيب‬
‫على اللسانيُت دراستها‪.‬‬
‫اللغة حقيقة واقعية ملموسة‪ ،‬تتأثر بعوامل خارجية غَت لغوية ( الوسط االجتماعي‪ ،‬ادلتلقي‪،‬‬
‫وادلوضوع )‪ ،‬لذلك جيب التمييز بُت أمناط اللغات يف اجملتمعات (لغة الثقافة‪ ،‬لغة الصحافة لغة‬
‫األعمال األدبية‪.) ...‬‬
‫تتوفر اللغة على نوعُت من ذبليات الشخصية اإلنسانية‪ :‬التجلي الذىٍت والتجلي العاطفي‪.‬‬
‫ىكذا جيب على البحث اللساين أن دييز بُت أشكال اللغة اليت تعٌت بتوصيل األفكار واليت تعٌت‬
‫بتوصيل العواطف‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬

‫ديكن إمجاال القول أن اللسانيات الوظيفية تستمد جذورىا من تصورات حلقة براغ‪ :‬فالتصور‬
‫الرئيسي يكمن يف تصور اللسان نسق وظيفي غايتو ىي التواصل‪ ،‬وجيب اعتبار ىذه الوظيفة األوىل‬
‫يف التحليل بل منطلقو وغايتو‪ ،‬حيث يمت الًتكيز على الطابع التواصلي لطابع اللسان‪.‬‬
‫يبدو أن حلقة براغ اليت ارتبطت باسم ياكبسون أرست دعائم التصور الوظيفي للغة من‬
‫خالل ما يلي‪:‬‬
‫التأكيد على أن طبيعة الوظائف اللغوية ىي اليت ربدد بنية لسان ما صواتيا وصرافيا وتركيبا‬
‫ودالليا‪.‬‬
‫يعد اللسان من الوجهة الوظيفية وسيلة من وسائل التعبَت ادلناسبة لغاية ما تتمثل أساسا يف‬
‫التواصل‪ ،‬وبالتايل فإن التحليل اللساين جيب أن يعمل على إبراز اجلوانب ادلرتبطة بوظيفة التواصل‪.‬‬
‫يستعمل مفهوم " الوظيفة " إذن للداللة على الغاية اليت يسعى ادلتكلم إىل بلوغها من وراء نشاطو‬
‫اللغوي‪.‬‬
:‫الئحة المصادر والمراجع‬
‫ الدار‬،‫ دار توبقال للنشر‬،‫ مجيل نصيف التكرييت‬:‫ ترمجة‬،‫ شعرية دوستويفسكي‬:‫ميخائيل باختُت‬
1986 ،‫ ادلغرب‬-‫البيضاء‬
2008 ،8 ‫ ط‬،‫ ادلركز الثقايف العريب‬،‫ إشكالية القراءة وآليات التوليد‬: ‫نصر حامد أبو زيد‬
‫ ترمجة زلمد الويل ومبارك حنون‬،‫ قضايا الشعرية‬:‫رومان ياكبسون‬
1957 ‫ بنيات تركيبية‬:‫تشومسكي‬
1965 ‫ مظاىر نظرية الًتكيب‬:‫تشومسكي‬
1965 ‫مظاىر النظرية النحوية‬:‫تشومسكي‬

:‫األجنبية‬

CHOMSKY N : Aspects de la théorie syntaxique, Ed, Seuil, 1971


GONTHIER : Eléments de sémiologie, 1964
Hjelmslev : Essais linguistiques. Ed, Minuit, Paris
JAKOBSON Roman : Essai de linguistique générale, Ed, Minuit, 1973
LEVI STRAUSS Claude: anthropologie structurale, Plon, 1974
MARTINET André : Eléments de linguistique générale, Ed. Armand colin, 2008
OSWAHD Ducrot : « Qu’est ce que le structuralisme ? I, le structuralisme en
linguistique ». Editions de seuil, Paris, 1968
RORTY Richard : L’homme spéculaire, Seuil, Paris, 1990
SAUSSURE Ferdinand : Cours de linguistique générale, Payot, Paris, 1985
SCHAFF Adam : structuralisme et marxisme, Editions Anthropos, Paris, 1974
VERNANT Denis : Introduction à la philosophie contemporaine du langage ; du
langue à l’action, Ed, Armand Colin, Paris, 2010
Tendances principales de la recherche dans les sciences sociales et humaines :Partie 1,
Mouton ( Unesco, Paris, 1970

You might also like