You are on page 1of 29

‫محاضرات أعدت للوفاء لمقياس‬

‫النظريات السوسيولوجية الحديثة‬

‫موجهة لطلبة السنة الثانية علم االجتماع‬

‫من إعداد‪ :‬د‪ .‬قاسمي وهيبة‬

‫السداسي الثاني‬

‫السنة الجامعية‪2020 -2019 :‬‬

‫أعزائي الطلبة‪ ،‬أضع في متناولكم هذه المحاضرات من أجل الحفاظ على الجانب األكاديمي والسير‬
‫الحسن للدروس وعدم انقطاعها تجاوزا للظروف وهذا الوضع الذي تمر به بالدنا وسائر العالم إثر هذه‬
‫‪.‬الوضعية الوبائية عفانا هللا وإياكم منها ورفع عنا هذا الداء في أقرب اآلجال فهو نعم المولى ونعم القدير‬

‫سيتم نشر هذه الدروس بصفة متقاطعة وذلك وفقا للمستجدات التي تطلعنا بها الوزارة الوصية وكذا‬
‫الدولة الجزائرية‪ ،‬وفي انتظار انقشاع هذه األزمة سنقوم بالتعامل مع طلبتنا األعزاء بوضع الدعائم‬
‫‪.‬البيداغوجية عبر الخط وفي انتظار ذلك تمنياتي لكم بمراجعة ذكية ومثمرة‬

‫أستاذة المقياس‪ :‬د‪ .‬قاسمي وهيبة‬


‫أوال‪ :‬المحور التمهيدي‬

‫النظرية في علم االجتماع‬

‫يتناول المقياس النظريات السوسيولوجية الحديثة‪ ،‬ولفهم النظريات التي سنتناولها وإدراك ما يميز بعضها‬
‫البعض‪ ،‬يتعين توضيح ثالث مسائل رئيسية‪ :‬ما معنى النظرية في علم االجتماع‪ ،‬وما المقصود‬
‫بالنظريات السوسيولوجية الحديثة وماهو تصنيف هذه النظريات؟‬

‫تعريف النظرية في علم االجتماع‬

‫علم االجتماع هو في آن واحد علم بمعنى العلم في العلوم الطبيعية وبمعنى العلم في علم اإلنسان‪ ،‬أي أنه‬
‫يدرس الظواهر االجتماعية باعتبارها تخص اإلنسان في مجتمعه وبتطبيق نماذج تفسيرية مستعارة من‬
‫علوم الطبيعة والبيولوجيا‪ .‬ولهذا فإن معنى النظرية في علم االجتماع قريب من معناها في هذه العلوم‬
‫‪.‬ومختلف عنه‬

‫‪:‬تعريف مصطلح النظرية في مدلوله العام والعلمي‬

‫ولتوضيح الفكرة لنبدأ بتعريف مفهوم النظرية ونقول أن هنالك استخدامان لهذه الكلمة‪ ،‬استخدام عام‬
‫واستخدام علمي‪ ،‬وهناك فرق شاسع بينهما‪ .‬في االستخدام العام تعني نظرية رأي مبني على امتالك‬
‫قدرات ذهنية إلعطاء داللة منطقية للعالقات بين األشياء لتفسير أسبابها ونتائجها‪ .‬فالنظرية بهذا المعنى‬
‫هي رأي مبني على تصور منطقي للبديهيات والتصورات والمالحظات لتفسير الظروف التي تحكم‬
‫حدوث الظواهر في المجتمع‪ .‬أما في المجال العلمي تشير النظرية إلى نموذج مقترح لشرح ظاهرة أو‬
‫ظواهر معينة بإمكانها التنبؤ بأحداث مستقبلية ويمكن نقدها‪ .‬ينتج من ذلك أنه في المجال العلمي النظرية‬
‫والحقيقة ليسا شيئين متضادين‪ .‬مثال الحقيقة هي أن األجسام تسقط إلى مركز الكرة األرضية والنظرية‬
‫التي تشرح سبب هذا السقوط هي الجاذبية مثال على ذلك خطأ نظرية أرسطو (مركزية األرض) بأن‬
‫األرض هي مركز الكون وأن الكواكب والنجوم تدور حول األرض وثبوت صحة نظرية "فيالكوس‬
‫كوبرنيكوس" بأن الشمس هي المركز (مركزية الشمس)‪ .‬وتنطلق النظرية من مسلمات أو مبادئ متفق‬
‫‪.‬عليها وتكون أساسا لبناء النظرية وما يترتب عليها من نتائج‬

‫وهكذا أصبحت كلمة النظرية تستعمل في الوقت الحاضر للتعبير عن نسق منطقي يتكون من المالحظات‬
‫والمبادئ الفكرية والمسلمات وتكون وظيفة هذا النسق هي تمكين المتحدث من تحديد الشروط التي تسمح‬
‫بتحقيق جملة معينة من اإلعتبارات الفكرية‪ ،‬أي كيفية التعبير عن المالحظات المسجلة حول واقع معين‬
‫‪.‬في أفكار قابلة للتحقق تجريبيا‪ ،‬أي في واقع جديد‬

‫أما معنى النظرية العلمية فيقترب من التعريف المعاصر حيث تعرف هذه النظرية بأنها عرض لنسق‬
‫‪.‬مجرد يقوم على الجمع بين الفرضيات والبرهنة‬

‫وعليه يمكن القول أن النظرية العلمية تقوم أساسا على المالحظات أو اإلفتراضات التي تم التحقق منها‬
‫من طرف العلماء في تخصص معين أو في عدة تخصصات علمية في مدلولها التجريبي‪ .‬ولالنتقال من‬
‫المالحظات واألفكار المسجلة من القيام بهذه المالحظات يتعين توفر شرطين‪ :‬ظروف تتميز بعدم وجود‬
‫براهين التحقق من الوقائع التي تحدث فيها واستعمال الفرضيات التي هي افتراضات وشروح حول‬
‫ميدان تكون فيها قابلة للتحقق وتمكين المالحظ (الباحث) من إدراكها والتعبير عنها في نسق مجرد‬
‫‪.‬بالمعنى الذي أشرنا إليه‬

‫إذن هناك اتفاقا على أن النظرية بالمعنى العلمي هي تفسير لظاهرة معينة من خالل نسق استنباطي‬
‫يتضمن مجموعة مفاهيم وقضايا نظرية توضح العالقة بين الوقائع وتنظمها بشكل له معنى‪ ،‬إضافة إلى‬
‫أنها ذات بعد إمبريقي يستند إلى الواقع ومعطياته قابل لالختبار‪ ،‬كما أنها تنبؤية تساعد على تفهم مستقبل‬
‫الظواهر‪ .‬أي أن النظرية تزداد صحة عندما تقدم تنبؤات بشأن ظواهر غير مثبتة بعد‪ ،‬ثم تأتي األرصاد‬
‫والتجارب بإثباتها‪ .‬العامة مثال تنبأت بانحرافات دقيقة في مدار الكوكب عطارد لم تكن مرصودة بعد‪،‬‬
‫‪.‬وتم التحقق من ذلك بعد ظهور النظرية مما أعطاها مصداقية أكبر‬

‫‪:‬ويستلزم البناء النظري وفق هذه التعريفات السابقة توفر المقومات اآلتية‬

‫وجود إطار تصوري أو مجموعة من المفاهيم تتناول مفهوم النظرية ونقسم إلى مفاهيم وصفية وأخرى ‪-‬‬
‫‪.‬علمية‬

‫‪.‬مجموعة من القضايا تبين كل قضية عالقة معينة بين مجموعة من المتغيرات ‪-‬‬

‫‪.‬ترتيب القضايا تبين كل قضية عالقة معينة بين مجموعة من المتغيرات ‪-‬‬

‫ترتيب القضايا التي تتناولها النظرية في نسق استنباطي يبدأ بالمقدمات وينتهي بالتوصل إلى النتائج ‪-‬‬
‫‪.‬وفي اتساق منطقي‬

‫‪.‬عناصر لتفسير الوقائع التي تشتمل عليها ‪-‬‬


‫‪:‬شروط النظرية‬

‫‪:‬تتطلب النظرية العلمية توفر مجموعة من الشروط أهمها‬

‫أن تكون مكونات النظرية واضحة ودقيقة‪ ،‬محددة األلفاظ والمعاني والمضامين‪ .‬تبين غرض النظرية ‪-‬‬
‫‪.‬عموما وأهداف كل مكون من مكوناتها تخصصا‬

‫‪.‬أن تعبر النظرية على ما تدل عليه بإيجاز يبين محتواها وأغراضها وأهداف كل جزء من أجزائها ‪-‬‬

‫‪.‬أن تشتمل النظرية على معظم الجوانب التي تكون تلك النظرية وتحللها وتفسرها قدر اإلمكان ‪-‬‬

‫أن تكون النظرية ذات موضوع وإطار تفسيري خاص بها بحيث ال تتداخل مع نظرية أخرى تتناول ‪-‬‬
‫وتفسر نفس الموضوع والقضايا‪ .‬أن تكون منفردة في موضوعها ومشروعها ذلك ألن وجود نظرية‬
‫أخرى تدرس الموضوع وتفسره بنفس العوامل والطرق بضعف النظرية ويجعلها تكرارا ال مبرر له‬
‫‪.‬يتنافى مع قاعدة االقتصاد العلمي‬

‫أن تستمد النظرية إطارها المرجعي والتفسيري من حقائق ومالحظات واقعية يمكن اختبارها علميا ‪-‬‬
‫بشكل يثريها ويمنحها الخاصية العلمية‪ .‬أي أن تكون للنظرية أرضية واقعية تعتمد على مالحظات‬
‫دراسات واقعية من ناحية‪ ،‬وأن تكون قابلة لالختبار العلمي‪ .‬فالنظرية التي تأتي بقضايا تستعصي على‬
‫‪.‬االختبار ال تعد نظرية علمية‬

‫‪:‬وظائف النظرية‬

‫‪:‬يمكن إيجاز وظائف النظرية العلمية على النحو التالي‬

‫‪.‬يعد تحديد هوية العلم وموضوعاته الرئيسية وميادينه ‪-‬‬

‫وضع اإلطار التصوري ألبعاد وعالقات الموضوع المدروس‪ ،‬وتحديد المعطيات وكيفية تنظيمها ومن ‪-‬‬
‫‪.‬ثم تصنيفها والعالقات والظاهرة مستقبال‪ ،‬الترابطات والتداخالت فيما بينها‬

‫‪.‬التنبؤ أي االنتقال من المعلوم من الحاالت والوقائع إلى الحاالت المشابهة أو المجهولة ‪-‬‬

‫‪:‬مفهوم النظرية في علم االجتماع‬


‫لم يتفق علماء االجتماع على تعريف واحد على الرغم من اعتمادهم على نفس المبادئ المستخلصة من‬
‫‪.‬التعريف العلمي لهذه الكلمة‪ .‬ولتوضيح هذا االختالف نورد فيما يلي بعض التعاريف المعبرة‬

‫يعرف "تالكوت بارسونز" والذي يعتبر من المنظرين الرئيسيين في علم االجتماع‪ ،‬النظرية بأنها نسق‬
‫للقوانين وهو تعريف يندرج أكثر في إطار المعنى المتداول في علوم الطبيعة‪ .‬ويعرف "روبرت مرتن"‬
‫النظرية بأنها كتصورات منطقية مترابطة فيما بينها وتتميز بأنها ال تكتسي بعدا كليا محدودا وأنها بكونها‬
‫كذلك تسمح للمالحظة المنظمة لمعاينة أكبر عدد ممكن من السمات المتكررة والمميز للسلوك‬
‫االجتماعي‪ .‬ومن جهة يميز "ريمون بودون" بين معنيين أو مدلولين لكلمة النظرية في علم االجتماع‪،‬‬
‫معنى ضيق ويقصد به نسق افتراضي استقرائي لجملة من االعتبارات أو المقترحات المفسرة للواقع‬
‫المالحظ‪ ،‬ومعنى عام أو واسع يشمل إلى جانب المعنى الضيق‪ ،‬ثالثة أنواع من النماذج التحليلية وهي‬
‫النماذج التحليلية النظرية أو المماثلة والنماذج التحليلية الشكلية أو الصورية وأخيرا النماذج التحليلية‬
‫المفاهمية‪ .‬ويمكن أن نضيف إلى هذه التعاريف الثالثة تعاريف أخرى إال أننا نكتفي بها ألنها على الرغم‬
‫‪:‬من اختالفها تتضمن عناصر تسمح بتعريف توافقي للنظرية في علم االجتماع على النحو التالي‬

‫تعني النظرية في علم االجتماع هي كيفية لتصور ورؤية الوقائع وتنظيم تمثلها‪ .‬أي أنها اإلطار الفكري"‬
‫الذي يسمح بتعريف ووصف وفهم وشرح وإدراك وتوقع ظاهرة معينة أو جملة من العالقات الخاصة‬
‫بهذه الظاهرة وهذا بالتحقق من الفرضيات التي يقوم عليها هذا اإلطار الفكري‪ .‬فالنظرية تسمح بتنظيم‬
‫النظر وإدراك الوقائع وتنظيم تمثلها في الفكر‪ ،‬فهي إذن تساعد على شرح وإنتاج أو بناء مفاهيم لتفسير‬
‫جملة من المالحظات المنتظمة والمتعلقة بظواهر وسلوكات معقدة‪ .‬فالمفاهيم والتعليالت هي عناصر‬
‫أساسية في النظرية السوسيولوجية فهي تسمح باكتشاف ماهو مخفي‪ .‬وعليه يمكن اعتبارها بناء فكري‬
‫‪".‬أخذ طابعا منظما انطالقا من مالحظات منتظمة لعدد من جوانب الحياة االجتماعية‬

‫المقصود بالنظريات السوسيولوجية الحديثة‬

‫يعتبر علم االجتماع علما فتيا فهو إذن علم حديث مقارنة بالعلوم االجتماعية واإلنسانية األخرى مما يدفع‬
‫إلى االعتماد على أن كل النظريات التي ظهرت في علم االجتماع هي نظريات حديثة‪ ،‬إال أن تتبع تطور‬
‫علم االجتماع منذ ظهوره إلى يومنا هذا قد يدفعنا إلى تغير الرأي أو على األقل إلى افتراض أن المقصود‬
‫بصفة الحديثة هو اإلشارة إلى مرحلة معينة من تطور علم االجتماع منذ دخول اإلنسانية في المرحلة‬
‫‪.‬الحديثة‪ .‬وحتى يمكن اكتشاف هذه المرحلة يتعين تتبع مراحل تطور علم االجتماع‬

‫إن علم االجتماع تخصص حديث النشأة وهو ما يزال في طور البناء‪ ،‬ولهذا فمن الصعب التمييز ما بين‬
‫علم اجتماع قديم وعلم اجتماع معاصر وقد يبلغ األمر حد عدم االتفاق على مراحل محددة لتاريخه وهو‬
‫ما يمكن التحقق منه خالل مالحظة أن المؤرخين لتطور علم االجتماع ال يعتمدون نفس التصنيف بل أن‬
‫‪.‬كل منهم يختار التصنيف الزمني لهذه المراحل انطالقا من موقفه االبستمولوجي إزاء علم االجتماع‬

‫ال يهمنا هنا مناقشة مختلف التصنيفات لمراحل تطور علم االجتماع لتفضيل تصنيف معين بل أننا نسعى‬
‫في تناولنا لنشأة علم االجتماع لنبين أن علم االجتماع ليس مجرد نشاط فكري منعزل عن الحياة‬
‫االجتماعية وليس مجرد تسجيل لهذه الحياة ومن ثمة ال يمكن اعتبار تاريخ تطوره مجرد تدوين لمختلف‬
‫مراحل تطور نسق فكري أو لمختلف األحداث التي شهدتها المجتمعات اإلنسانية‪ .‬من خالل تناول تطور‬
‫علم االجتماع منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا نريد أن نبين أن هذا التطور هو‬
‫انتقال من وضعية معينة لقراءة الواقع االجتماعي إلى أخرى تبعا لمجموعة من الظروف الفكرية‬
‫واالجتماعية والمؤسساتية وهذا ما يقودنا إلى اعتبار تاريخ علم االجتماع هو تطور لمشروع وممارسة‬
‫علمية تحددت مراحلها الكبرى تبعا لظروف تطور األفكار واألحداث على المستوى العلمي ومراحلها‬
‫‪.‬القطرية أو الجهوية تبعا لظروف تطور هذه الممارسة في كل مجتمع‬

‫وانطالقا من هذا الموقف نميز ما بين المراحل التالية لتطور علم االجتماع من مشروع فكري وعلمي‬
‫‪.‬إلى ممارسة علمية‬

‫ثانيا‪ :‬مراحل تطور علم االجتماع‬

‫علم االجتماع علم حديث النشأة ومتأخر ولم يكن هناك علم االجتماع بل كان ها يسمى بالفيزياء‬
‫االجتماعية‪ ،‬فلقد تكون هذا العلم في نهاية القرن ‪ 19‬وأواخر القرن ‪ .20‬وعلم االجتماع هو علم حديث‬
‫أي لم يصل بعد إلى مستوى من النضج أو التكامل التي تمتاز به العلوم االجتماعية األخرى سواء في‬
‫مقياس الموضوع وإذا درسنا كل العلماء االجتماعيين حول موضوع علم االجتماع‪ ،‬ال نجد إتفاق حول‬
‫موضوع علم االجتماع‪ .‬فهناك من يقول أنه يدرس المجتمع وهناك من يقول بأنه يدرس الفعل االجتماعي‬
‫وهناك آخرون قولون أنه يدرس العالقات االجتماعية‪ .‬لكن في الحقيقة أو في الواقع إذا بحثنا في علم‬
‫االجتماع وتساءل في موضوعه نجد أن لديه حقل معرفي ثابت وهو حقل التصورات االجتماعية أو حقل‬
‫الوعي االجتماعي لكن ألسباب شتى ومنها النضج الكامل لم ينتقل علم االجتماع من مستوى الحقل إلى‬
‫مستوى الموضوع‪ .‬كذلك هناك اختالف بين علماء االجتماع فيما يخص أصل علم االجتماع وهو‬
‫المقياس الثاني والمتمثل في إرجاع األصل في ظهور علم االجتماع إذ وجد عدم اتفاق فيمن كان له‬
‫الفضل في ظهور علم االجتماع‪ ،‬فهناك علماء يرجعون األصل إلى مونتسكيو وهناك من يرجعونه إلى‬
‫سان سيمون وهناك من يرجعه إلى دوركايم‪ ،‬إلى ابن خلدون وأخيرا إلى ماركس وفي بعض األحيان‬
‫‪.‬نجد أنه نفس الفرد له أطروحات مختلفة‬
‫أما المقياس الثالث فيتمثل في‪ :‬هل لعلم االجتماع قوانين؟ ففيما يخص القوانين فيمكن أن نتفحص كل‬
‫البحوث االجتماعية فال نجد أي قانون لهذا العلم أي قانون سوسيولوجي‪ ،‬لكن هذا اإلختالف ال نجده عند‬
‫علماء االجتماع فقط بل نجده حتى عند عالم اجتماعي واحد مثل دوركايم الذي يقول أن مصدر القانون‬
‫يرجع إلى كونت وسان سيمون‪ .‬وعلم أن العلم يمتاز بإنتاج قوانين ثابتة‪ ،‬ولكن في علم االجتماع ال نجد‬
‫سوى عالقات إحصائية ثابتة سواء إذا نظرنا إلى علم االجتماع من الناحية النظرية والتطبيقية فال نجد‬
‫هناك قوانين بل نجد هذه العالقة اإلحصائية تتكرر أو عالقة بين الظواهر المختلفة لكن ال نجد قوانين‬
‫‪.‬بمعنى الكلمة‬

‫أما فيما يخص مقياس المفاهيم‪ ،‬فإن كل علم عبارة عن نسق من المفاهيم المنظمة المنسقة حول‬
‫موضوع معين‪ ،‬فإذا بحثنا في المفاهيم األساسية في علم االجتماع نجد أنه لم يتفق عليها علماء االجتماع‬
‫وليس لهم مفهوم واحد‪ .‬مثال مفهوم االجتماعي ‪ Le social‬ال نجد له مفهوم واحد عندهم بل نجد فرق‬

‫كبير بين تحديد كل عالم اجتماع‪ ،‬والشيء نفسه بالنسبة لتحديد مفهوم المجتمع ‪ Société‬حيث نجد أن لكل‬

‫‪.‬عالم اجتماع تحديده الخاص لهذا المفهوم والذي يختلف من دوركايم إلى بورديو مثال‬

‫ومن خالل هذا كله نالحظ عدم استقرار كبير ألن علم االجتماع علم غير ناضج وعامل عدم االستقرار‬
‫‪.‬هذا لعلم االجتماع يجعلنا نفهم أهمية النقاش اإلبستمولوجي الذي يأخذ مكانا في علم االجتماع‬

‫وفيما يلي سنقوم وبإيجاز إلى الكشف عن تطور علم االجتماع عبر مراحل تاريخية كبيرة والتي نوجزها‬
‫‪:‬كاآلتي‬

‫المرحلة األولى (‪ :)1860 -1790‬مرحلة االنتقال من الفيزياء االجتماعية إلى علم االجتماع‪ ،‬اكتشاف‬
‫موضوع جديد للمعرفة العلمية‬

‫ال يمكن اعتبار ميالد علم االجتماع وليد الصدفة بل هو نتيجة الجتماع عدد من الظروف الفكرية‬
‫واالجتماعية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬أي أن ميالده هو حصيلة لتحول في عدد من العلوم امتد عدة‬
‫سنوات ووجد في الظروف االجتماعية واالقتصادية والسياسية للمجتمعات األوروبية في القرن التاسع‬
‫عشر مناخا مناسبا إلنتاج ممارسة علمية جديدة‪ .‬وتعتبر أعمال ابن خلدون مساهمة أساسية في التحوالت‬
‫الفكرية التي مهدت لميالد هذا العلم‪ .‬ولتبسيط تداخل مختلف هذه الظروف واألحداث العلمية والفكرية في‬
‫‪:‬ميالد علم االجتماع‪ ،‬يبدو من األجدر اإلشارة إلى ما يلي‬

‫إن علم االجتماع وليد الثورات الثالث ‪1-‬‬


‫لقد أفرزت الثورة الفرنسية (السياسية) والثورة الصناعية في الغرب بين ‪ 1860-1780‬والثورة‬
‫العلمية تطورا في النسق الفكري السائد في أوروبا وظهر ذلك على مستوى الفكر االجتماعي بمراجعة‬
‫التيار التقليدي تحت تأثير أفكار جوزيف دومايستر (‪ )1821 -1753‬وبروز الفكر الصناعي من خالل‬
‫أعمال كلود هنري سان سيمون (‪ )1825 -1760‬وتقلص نفوذ األفكار اإليديولوجية وهذا ما أبرز‬
‫الحاجة إلى تكون نمط فكري جديد لقراءة الواقع االجتماعي الجديد‪ .‬معنى هذا انه أي تغيير على‬
‫المستوى الصناعي يؤدي إلى تغيير في السياسة‪ ،‬وهذا ما ترك المهتمين بعلم االجتماع أي المؤرخين‬
‫يعتبرونه كوليد للثورة‪ ،‬ألن الثورة فرضت وعي جديد وهو أن كل فرد أصبح يعي أن هناك مجتمع مدني‬
‫أي ظهور المجتمع كفكرة جديدة وهذا المجتمع هو نتيجة الفعل اإلنساني وهاذين الفكرين لهما دور كبير‬
‫‪.‬في ظهور علم االجتماع‬

‫إن علم االجتماع يحمل آثار مختلف تطور وضعية العلوم االجتماعية ‪2-‬‬

‫إال أن ميالد علم االجتماع ليس نتيجة تأثير الثورات الثالث وحدها بل أن ميالده يحمل أيضا آثار‬
‫التحوالت التي شهدها حقل العلوم االجتماعية‪ .‬ففي فرنسا سجل تطور الوضعية على يد أوغست كونت‬
‫وفي بريطانيا (الجناح اإلنجليزي) شهدت العلوم االجتماعية تطورا تحت تأثير هربرت سبنسر (‪-1820‬‬
‫‪ ) 1903‬لبناء سوسيولوجية وضعية عضوية تحت ما يعرف باإلتجاه الوظيفي (والذي سنتطرق إليه‬
‫‪.‬الحقا مع النظرية الوظيفية)‬

‫وأغلبية منظري هذا العلم الجديد هم من العلوم الطبيعية وحاولوا بناء مناهج دقيقة تشبه المناهج‬
‫المستعملة في العلوم الطبيعية وكل هذا من أجل نقد األفكار السائدة في المجتمع آنذاك وهكذا تطرقوا‬
‫ألعمال نستطيع تسميتها إبستمولوجية‪ .‬والكثير من العلماء يعتبرون أنهم المؤسسين للعلوم اإلنسانية ألنهم‬
‫وضعوا خطاب علمي ولهذا فتحوا الباب لمبتكري الفيزيولوجية اإلجتماعية وأشهرهم "سان سيمون"‬
‫والذي انطلق من فكرة بناء مجتمع جديد ألنه كان يعتبر أزمة المجتمع األوروبي في أن النظام القديم لم‬
‫يزول كليا وأن الثورة لم تنتهي والمجتمع الجديد بواسطة النقد العلمي للنظام السائد ومحاولة اقتراح‬
‫النظام الجديد أو مشروع إجتماعي جديد‪ ،‬ويعتبر أول من أعطى تحديد للمجتمع وألول مرة في كتاب له‬
‫ويقول‪" :‬المجتمع ليس مجرد جمع من األفراد فاآللة منظمة كل جزء منها يشارك في سير الكل وتجمع‬
‫األفراد يمكن من تسيير الكل االجتماعي"‪ .‬وقد طور أوغست كونت أفكار سان سيمون إلى درجة تكون‬
‫نسق نظري منسجم وهذا النسق سيصبح معروف تحت اسم الوضعية‪ ،‬وهو تركيب من العبارة المعروفة‬
‫‪ Politique positive‬والتي استعملها ألول مرة سنة ‪ .1824‬وبالوضعية يعني كونت هذا النسق النظري‬

‫‪.‬الذي ال يعترف إال باإلقتراح العلمي الذي يعبر عن األحداث التي تخضع إلى التجربة‬
‫وتحت تأثير تطور الوضعية والعضوية ظهرت نزعة أخرى والتي ستساهم في نشأة العلوم االجتماعية‬
‫وهي ظهور ممارسات علمية مختلفة مثل اإلحصاء األخالقي والقضائي أو القانوني في الثالثينات من‬
‫خالل إدخال التكميم والقياس في المادة التي يهتمون بها أي القانون األخالقي‪ ،‬إلى جانب ظهور‬
‫الرياضيات االجتماعية من جهة أخرى ‪ .‬هذا يعني أن كل العناصر الضرورية لتطور علم االجتماع‬
‫‪.‬كانت متوفرة سواء كانت ظواهر موضوعية أو ذاتية‬

‫إن ميالد علم االجتماع يحمل آثار تطور الفكر السياسي ‪3-‬‬

‫وإلى جانب هذه التحوالت المشار إليها أعاله‪ ،‬تأثر علم االجتماع بالتطور الذي شهده الفكر السياسي‬
‫األوروبي تحت تأثير أفكار إليكسيس دو طوكفيل (‪ )1859 -1805‬وأفكار االشتراكية الطوباوية التي‬
‫تمثلها أطروحات بيار جوزيف برودون (‪ )1865 -1809‬والماركسية التي وضع أسسها كارل ماركس‬
‫‪)1883 -1818(.‬‬

‫وهذه المرحلة سميت بمرحلة الفردانية االجتماعية‪ ،‬أي اعتبار المجتمع هو عدد من الذرات الفردية‪ ،‬هذه‬
‫المرحلة كان لها صدى على اتجاه معين وتسمى بمدرسة اإلديولوجيين‪ ،‬هؤالء هم جماعة من المفكرين‬
‫كانوا يفهمون من اإليديولوجية هو محاولة بناء علم جديد وهو "علم األفكار" أي أن كل األفكار في‬
‫المجتمع يسمونها إيديولوجية وذلك بدال من الميتافيزيقا التي كانت سائدة وعلم النفس الناشئ‪ ،‬ألن هذين‬
‫العلمين في رأيهم ال يكفيان وهكذا اقترحوا موضوع جديد هو "علم األفكار" وهدفهم من ذلك هو معرفة‬
‫الواقع للتأثير على الواقع (المجتمع السياسي) وكانوا يريدون بث أفكار جديدة وهذا من أجل ممارسة‬
‫‪.‬وإعادة التفكير السياسي (هدف) من خالل معرفة األفكار‬

‫ويمكننا إدراك العالقة بين ميالد علم االجتماع من جهة وتأثير الثورات الثالث وتطور العلوم االجتماعية‬
‫والفكر السياسي األوروبي من خالل فهم اإلنتقال من استعمال مصطلح الفزيولوجيا االجتماعية إلى‬
‫‪.‬الفيزياء االجتماعية إلى علم االجتماع‬

‫‪:‬المفكرون الذين برزت أفكارهم خالل ‪1860 -1790‬‬

‫أوغست كونت (‪ ،)1857 -1798‬شارل فوريه (‪ ،)1837 -1772‬كارل ماركس (‪،)1883 -1818‬‬
‫أدولف كيتليه (‪ ،)1874 -1796‬كلود هنري سان سيمون (‪ ،)1825 -1760‬هربرت سبنسر (‬
‫‪ ،)1903 -1820‬إليكسيس دو طوكفيل (‪ ،)1859 -1805‬طوماس مالتوس (‪ ،)1834 -1766‬لويس‬
‫‪.‬دو بونالد (‪)1840 -1754‬‬
‫المرحلة الثانية (‪ :)1890 -1860‬علم االجتماع يبحث عن هويته‬

‫ابتداء من ‪ 1860‬دخل علم االجتماع مرحلة البحث عن هويته وهذا في ظل التعثر الذي شهده الفكر‬
‫االجتماعي بعد وفاة أوغست كونت وإيليكسيس دو طوكفيل وتقلص فكر كل من هربرت سبنسر‬
‫وماركس واالتجاه لدى أصحاب القرار اإلداري والسياسي إلى تفضيل اإلصالحات االجتماعية‬
‫واالقتصادية بدل مواصلة التفكير االجتماعي الشامل‪ .‬فبعد زوال تأثير كل من كونت وتوكفيل على الفكر‬
‫االجتماعي أما ماركس فقد اهتم بعمل ضخم والذي ظهر فيما بعد خاصة في كتابه "أسمال" واهتم أيضا‬
‫بالممارسة السياسية خاصة بما يسمى بالعالمية الشيوعية فهي أيضا مرحلة تغيير سياسي في أوروبا‬
‫‪.‬خاصة في فرنسا مع ظهور اإلمبراطورية‬

‫وقد تجلى هذا البحث لعلم االجتماع عن هويته من خالل تسجيل المالحظات التي ميزت تطور الممارسة‬
‫‪:‬العلمية في الجامعات والحقول العلمية كما هو مبين فيما يلي‬

‫االتجاه إلى تفضيل العمل الميداني المباشر ظهر جليا في فرنسا على ممارسة السياسة وفي العمل ‪1-‬‬
‫االجتماعي بعدا كبيرا في فرنسا وهذه المرحلة على مستوى السياسة تتميز بالتدخل الكثير للدولة في‬
‫الشؤون االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وكنتيجة هذا التدخل ظهر العديد من الدراسات والتي كانت نتيجة طلب‬
‫تأتى من الدولة‪ .‬ففي فرنسا مثال في ذلك الوقت مع ظهور اإلمبراطورية كان هدف السلطة هو مراقبة‬
‫الحركة العمالية‪ ،‬معناها مراقبة سياسة حول األوساط االجتماعية ولهذا كانت معرفة هذا الوسط‬
‫ضروري أي الدولة تحتاج إلى معرفة دقيقة لهذه الفئة االجتماعية لتحتاج خطة لمراقبتها‪ .‬وهنا ظهر‬
‫اتجاه آخر وهو اإلتجاه اإلمبريقي أو التجريبي‪ ،‬وهذا االتجاه ينطلق من الفرضية التالية‪ :‬يفترض أن‬
‫معرفة المجتمع غير ممكنة إال بواسطة معرفة الوحدات االجتماعية المكونة لهذا المجتمع ويعتبر أن‬
‫العائلة هي الخلية األساسية للمجتمع‪ .‬هذا البرنامج الجديد لفريدريك لوبلي انتقل إلى الدراسات العمالية‬
‫وقام بدراسة واسعة في منوغرافيات العائلية وهذا البحث ظهر على شكل كتاب سنة ‪ 1855‬تحت عنوان‬
‫"العامل األوروبي" وألول مرة أصبح هناك أنوغرافية واسعة ارتكزت على تقنية المالحظة المباشرة أو‬
‫التنقراطية وعلى التحليل المقارن بين العائالت وهذا هو قياس الحياة االجتماعية من أجل بناء‬
‫استيراتيجية لتسيير مراقبة هذه الحياة االجتماعية معناه أن عمل لوبلي كان مرتبطا ببرنامج سياسي من‬
‫طرف نابليون الثالث لمحاولة تدجين الحركة العمالية‪ .‬وكل هذا انعكس على الممارسة العلمية في‬
‫الجامعات حيث كبر شأن أتباع فريديريك لوبلي (‪ )1882 -1806‬وبرز دور المدرسة المستقلة للعلوم‬
‫‪.‬السياسية‬
‫تنوعت النماذج التي أصبح علم االجتماع يرتكز عليها إذ أنه إلى جانب البيولوجية أصبح لكل من ‪2-‬‬
‫‪.‬العضوية والتعاقدية والفلسفة األلمانية المعادية للوضعية شأنا في تصور بناء وممارسة علم االجتماع‬

‫افتقار علم االجتماع لمؤسسات علمية قوية إلجراء البحوث ونشر نتائجها وتشكيل قوة اقتراح وخبرة ‪3-‬‬
‫‪.‬مؤثرة في اتخاذ القرار والتفكير حول القضايا االجتماعية الكبرى والجزئية‬

‫‪:‬المفكرون الذين برزت أفكارهم خالل ‪1890 -1860‬‬

‫شارل داروين (‪ ،)1882 -1809‬أفرد اسبيناس (‪ ،)1922 -1844‬فريديريك لوبلي (‪-1806‬‬


‫‪ ،)1882.‬إيميل دوركايم (‪ ،)1917 -1858‬ماكس فيبر (‪)1920 -1864‬‬

‫المرحلة الثالثة (‪ :)1918 -1890‬التنافس الفرنسي األلماني حول علم االجتماع‬

‫وتسمى هذه المرحلة أيضا بالمرحلة الكالسيكية للعلوم االجتماعية والتي بدأت في نصف القرن ‪19‬‬
‫وامتدت غلى غاية القسم األول من القرن ‪ .20‬وتميزت هذه المرحلة باشتداد التنافس ما بين المدرسة‬
‫الفرنسية والمدرسة األلمانية حول تصور وقيادة علم االجتماع وهذا في سياق بعد بروز مالمح تحول علم‬
‫االجتماع إلى علم خاص بالجوانب االجتماعية‪ .‬فقد صدرت عدة مؤلفات ونشريات ومجالت في علم‬
‫االجتماع‪ .‬كما تأسست عدة جمعيات وفتحت بعض كراسي األساتذية في عدد من الجامعات مما أعطى‬
‫لممارسة علم االجتماع مؤسساتها األولى وساهم في خلق نقاش علمي وتشكل مجال للممارسة كان لعلماء‬
‫االجتماع الفرنسيين واأللمان دورا كبيرا في تنشيطه في محاولة منهم لبسط نفوذ مدارسهم‪ .‬وفي سياق‬
‫‪:‬هذا الحوار الفرنسي األلماني حول علم االجتماع نسجل‬

‫‪ (-1832‬تطور النقاش حول علوم الفكر في ألمانيا بفضل أعمال كل من ويلهلم مالكسيان وندت ‪1-‬‬
‫)‪ Wilhelm Maximilien Wundt 1920‬حول علم النفس العلمي وفرديناند تونيز‪ )1833-1820(1‬حول‬

‫‪.‬الجماعة والمجتمع والمدرسة الفرنسية لعلم النفس‬

‫‪1‬‬
‫اهتم فرديناند تونيز بفكر هوبز نشر كتابه الشهير "مجتمع العشيرة" وبقي هذا الكتاب من أهم الكتب في علم االجتماع‪-.‬‬
‫وفي هذا الكتاب يميز فرديناند بين نوعين من اإلرادة‪ :‬إرادة مرتبطة بالمادة العضوية أو إرادة عضوية أو إرادة عضوية‬
‫فقرية أي مرتبطة بالغريزة‪ ،‬والنوع الثاني هي إرادة حرة والتي ترتكز على التفكير والعقل أي ترتكز على قاعدة‬
‫سيكولوجية‪ .‬التمييز بين هذين النوعين من اإلرادة أدى فرديناند إلى التمييز الثاني أو بين نمطين اجتماعيين‪ :‬اإلرادة‬
‫الطبيعية العضوية هي مصدر العشيرة والوحدة األساسية للعشيرة هي الروح العائلي أو العصبية العائلية‪ ،‬وتمتاز العشيرة‬
‫بخضوعها إلى التقاليد وتعيش في مجال ريفي‪ .‬أما ممارسة اإلرادة الحرة هو مصدر المجتمع أي مرحلة العمران‬
‫الحضري وتطور العالقات االجتماعية المجردة (ال ترتبط بعالقة الدم أو القرابة)‬
‫تطور النقاش حول علم االجتماع كعلم الكائنات االجتماعية تحت تأثير أبحاث كل من جورج زيمل‪2- 2‬‬
‫حول علم االجتماع الشكل وماكس فيبر حول علم االجتماع الفهمي وهذا في الوقت الذي ازداد االهتمام‬
‫‪.‬في ألمانيا بمستقبل علم االجتماع في محاولة لتخليصه من هيمنة العلوم االجتماعية األخرى‬

‫يحتوي مشروع ماكس فيبر ُش عب مختلفة‪ ،‬نجد عند نظريته للعلم دراسات تاريخية‪ ،‬اقتصادية ألنه قام‬
‫ببحوث عديدة حول الزراعة في ألمانيا‪ .‬وفي دراسات له في علم االجتماع الديني نجد أيضا نظرية‬
‫السلطة والسيطرة السياسية‪ .‬أعماله مشهورة ومعروفة ومتشعبة‪ ،‬تحتوي على تخصصات عديدة إنطالقا‬
‫من ابستمولوجية ويحاول فيها أن يظهر لنا ماهي المميزات لهذا االتجاه الديني وخلق ظروف مالئمة‪.‬‬
‫وفي كتاب له تحت عنوان‪: l’étique protestante et capitalisme économie et société :‬ص‪ ،4‬كتب يقول‬
‫"نسمي السوسيولوجيا علما عندما نحاول فهم "التفسير"‪ ،‬وموضوع علم االجتماع عند فيبر هو النشاط‬
‫االجتماعي‪ ،‬والهدف هو الفهم بواسطة التفسير "ونسمي نشاط كل عمل بشري عندما يعطي له الفاعل‬
‫معنى للذاتية"‪ .‬أما الميزة الثانية لهذا الكتاب على المستوى المنهجي‪ ،‬هو أن فيبر يوظف ميدانا للمنهج‬
‫أو التطرق النمطي‪ ،‬معناه أنه في هذه الدراسة يبني ما يسمى عند فيبر األنماط المثالية وهذه األهمية‬
‫‪.‬أساسية تركت هذا الكتاب يكتسي ثقال‬

‫‪:‬أما الكتاب الثاني عند فيبر ‪ le savant et le politique‬تطرق فيبر فيه إلى قضية الموضوعية التي ينبغي‬

‫للعلماء التميز بها أي العالقة بين الموضوعية العلمية واإللتزام أو اإلهتمام السياسي ويتطرق فيبر إلى‬
‫‪.‬مميزات النمط العلمي‬

‫أما الكتاب الثالث وهو أساسي‪ Economie et société :‬وهو كتاب يمكن اعتباره عمل في علم االجتماع‬
‫‪.‬العام والذي تطرق فيه إلى موضوع علم االجتماع‪ ،‬المفاهيم األساسية لعلم االجتماع‬

‫وإذا أخذنا كل هذه الفروع التي أخذها فيبر فيمكننا القول أن النواة أو األطروحة المركزية عند فيبر هي‬
‫نظريات الفعل االجتماعي‪ .‬ويميز فيبر بين ‪ 4‬أنماط من الفعل االجتماعي‪ :‬الفعل العقالني بالنسبة لهدف ‪-‬‬
‫‪.‬الفعل العقالني بالنسبة لقيمة – الفعل العاطفي أو اإلنفعالي – الفعل التقليدي‬

‫‪2‬‬
‫هو مثقف لكنه كان مهمشا ألنه يهودي وذلك بسبب التمييز العنصري الذي كان سائدا في ألمانيا‪ .‬فكرته هي أن ‪-‬‬
‫المحتوى ال يهم أي هناك ظواهر لكن الذي يهم هو العالم االجتماعي واألشكال التي يكتسبها للظواهر‪ ،‬وهذه األشكال ال‬
‫يدرسها أي علم آخر ما عدا علم االجتماع‪ .‬ويرى أن الحياة االجتماعية لها طابع مأساوي ويحدد هذا الطابع التناقض بين‬
‫كثافة الحاجة عند االنسان وتحديد االمكانيات‪ ،‬وحسب علم االجتماع هو وصف دقيق لهذه المأساة االجتماعية ولهذا‬
‫مطلوب من عالم االجتماع الوصول وتصنيف وتحليل أشكال التفاعل االجتماعي‪ .‬المحتوى ال يهم سواء عالقة اقتصادية أو‬
‫اجتماعية لكن المهم الشكل الذي يكتسبه هذا التفاعل‪ .‬إذن العالم االجتماعي عليه البحث عن مشاكله ليس ضمن محتوى‬
‫المادة االجتماعية وإنما في أشكالها ووجود أشكال في التفاعل االجتماعي هي التي تعطي الطابع االجتماعي‪ .‬وتأثيره‬
‫‪.‬سيكون في الواليات المتحدة فيما بعد‬
‫وانطالقا من هذا التقسيم يقول فيبر بما أن علم االجتماع يهدف إلى فهم الفعل االجتماعي‪ ،‬فعملية الفهم‬
‫تتطلب إدراك المعنى التي يعطيها الممثل االجتماعي إلى سلوكه وبالطبع من أين تأتي هذه العملية سواء‬
‫بالنسبة لهدف‪ ،‬لقيمة أو عن طريق انفعال أو نتيجة فعل تقليدي‪ ،‬وحسب فيبر فإن هذه األخيرة (محاولة‬
‫إدراك المعنى) هي الميزة األساسية التي تفصل أو تميز بين العلوم االجتماعية أو التاريخية والعلوم‬
‫‪".‬الطبيعية‪ ..‬ويمكن القول أن نظرية ماكس فيبر هي "نظرية الممثل االجتماعي‬

‫وتعتبر المدرسة األلمانية من أقوى المدارس ولها أكثر ثقل وأكثر عمق منهجي أو نظري إذا قورنت مع‬
‫‪.‬نظيرتها أي المدرسة الفرنسية‬

‫تطور االهتمام بعلم االجتماع كعلم‪ ،‬علم لالجتماعي بفضل أعمال دوركايم التي نشرها بنفسه وتلك ‪3-‬‬
‫التي نشرت بعد وفاته‪ .‬ففي الواقع عندما نتفحص عمل دوركايم ونبحث وراء ركائز الخطاب نجد اتجاه‬
‫بدا يتطور في ألمانيا بما يسمى "الفردانية الجديدة"‪ ،‬ولب عمل دوركايم انه انطلق من سؤال أساسي‬
‫حول العالقة بين الفرد والمجتمع أي بين األخالق والحرية‪ ،‬بين اإلرادة والجبرية‪ ،‬ويلقى الجواب عند‬
‫كانط ‪ ،‬وحتى على المستوى المعرفي واإلبستمولوجي لم يأتي دوركايم بشيء جديد‪ .‬ويختلف دوركايم عن‬
‫فيبر بالرغم أنمها لديهما نفس اإلشكالية المعرفية إال أنهما ليسا في بيئة واحدة‪ ،‬ففيبر في ألمانيا ودوركايم‬
‫في فرنسا‪ .‬فألمانيا تمتاز بالفاشية وكان التساؤل السوسيولوجي يرتبط بتساؤل مختلف بين فيبر ودوركايم‪.‬‬
‫ويعتبران قطبان متناقضان ألن ماكس فيبر اتجاهه فهمي‪ ،‬واتجاه دوركايم وضعي يستمد منهجه من نمط‬
‫‪.‬العلوم الطبيعية‬

‫فيعتقد فيبر أن الظواهر االجتماعي هي نتيجة أفعال البشر وأعمال األفراد وهذه األعمال تجري حسب‬
‫دوافع ولهم أيضا دالالت يمكن أن نقول أن األفراد هم أسياد المعاني هذا حسب فيبر‪ .‬أما دوركايم فيعتقد‬
‫أن الظواهر االجتماعية في ديناميكية داخلية واألفراد ال تشارك في سير وتطور الظواهر االجتماعية لهذا‬
‫يقول "يجب تفسير االجتماعي باالجتماعي" بما أنه يعتبر الظواهر كأشياء‪ ،‬فإنه يبين أن الظواهر‬
‫االجتماعية موضوعية كاألشياء الملموسة لها وجود خارج ومستقل عن وعي وإرادة األفراد‪ ،‬أي أن‬
‫األحداث االجتماعية ضاغطة واألفراد ال يشاركون في سير الظواهر االجتماعية‪ .‬وإذا كانت حقيقة‬
‫الظواهر موضوعية كالظواهر الطبيعية فبالتالي فإن الظواهر االجتماعية تخضع لنفس أنماط المعرفة‬
‫التي تخضع إليها الظواهر الطبيعية وعلى العالم االجتماعي أن يتغذى من العلوم الطبيعية‪ .‬لهذا فإن علم‬
‫االجتماع عند دوركايم يهدف لدراسة البنية أما عند فيبر فإن األفراد ينتجون المجتمع لكن عند دوركايم‬
‫فالفرد منتوج المجتمع‪ .‬ولهذا يمكن أن نقول أن مسعى دوركايم مسعى سببي‪ ،‬وفيبر يضيف للمسعى‬
‫السبب المسعى الفهمي أي أنه ال يريد تفسير الظاهرة وإنما فهم الظاهرة‪ ،‬أي البحث على معنى األحداث‬
‫أو األفعال االجتماعية‪ .‬أي أن فيبر ال ينفي المسعى السببي وإنما يضيف التطرق الفهمي ألنه يقول أن‬

‫المسعى السببي ال يكفي حيث يقول في كتابه المنهجية ‪ Essai sur la sociologie‬وهو كتاب أساسي في‬
‫واإلبستمولوجية ما يلي‪" :‬على الباحث أن يثبت التطرق الفهمي بالنمط السببي‪ ،‬فالسبب ليس في الظواهر‬
‫وإنما السبب في فهم الباحث"‪ ،‬إذ يعتقد أن المعرفة موجودة في مستوى الموضوع والعقل ليس هو الذي‬
‫يخضع للموضوع‪ ،‬فالعقل يدخل في الموضوع نظام عالقات‪ ،‬أسباب‪ ...‬أي أن األسباب ليست كظاهرة‬
‫موضوعية ويعطيه صورة منظمة للموضوع‪ .‬ففيبر ينتمي إلى المدرسة الكانطية (كانط) لذلك ال يقول‬
‫أسباب وإنما إضافة أسباب وهي نتيجة تقييم انطالقا من وجهة نظر معينة (الباحث)‪ ،‬لكن أوجه النظر‬
‫مختلفة ومتعددة ولها عالقة معينة للقيم‪ ،‬وهذه القيم تختلف من مرحلة إلى أخرى‪ ,‬لذلك يمكن القول أن‬
‫المعرفة اإلبستيمولوجية عند فيبر هي ابستمولوجية نسبية‪ .‬ولهذا فإن فيبر يعترف عندما يتكلم عن التفسير‬
‫السببي يعني إضافة السبب لكنها بما أنها مرتبطة بقيم وهي نسبية فعلى الباحث أن يدخل مسعى آخر وهو‬
‫المسعى الفهمي (لذلك سمي اتجاهه بعلم االجتماع الفهمي)‪ .‬فالفهم كما يقول "فروند" أن الفهم ماهو إال‬
‫وسيلة إضافية يسمح بقراءة المعاني والدالالت ألن العلماء اآلخرين يقولون أن الفهم أساسي‪ .‬فأحسن‬
‫تحديد للفهم هو الذي يعطيه فروند أن "الفهم هدفه أساسي وهو حصر الداللة التي يعطيها األفراد إلى‬
‫ممارساتهم ولكن ليس معناها أن هذه الداللة هي في األشياء وإنما هي في الغاية التي يعطيها األفراد إلى‬
‫أنفسهم"‪ .‬فالمسعى الفهمي عند فيبر مرتبط بالمنهج النمطي أو المثالي هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن‬
‫الفهم ليس معناه الفهم في محتواه األخالقي لكنه الوسيلة األكثر موضوعية تكمن في المعاني وهناك‬
‫‪.‬قواعد‬

‫مجهودات تنظيم ممارسة علم االجتماع في فرنسا في الجامعات وفي المؤسسات الخاصة وضمن ‪4-‬‬
‫‪.‬المدرسة الدوركايمية التي نشرت أول مجلة متخصصة في علم االجتماع وهي الحولية السوسيولوجية‬

‫غياب التنسيق في المجهودات المبذولة لمؤسسة ممارسة علم االجتماع وهذا على الرغم من أن ‪5-‬‬
‫ممارسة علم االجتماع قد حققت خالل هذه المرحلة تقدما محسوسا إال أن المساعي المبذولة لمنح ممارسة‬
‫هذا التخصص طابعا مؤسساتيا قد ميزها عدم التنسيق وانعزال المشاريع ليس فقط على المستوى‬
‫‪.‬الجهوي بل حتى على مستوى البلد الواحد‬

‫وفيما يتعلق باإلنتاج العلمي‪ ،‬شهدت مختلف البلدان األوروبية صدور العديد من الكتب الرئيسية‪ .‬ففي‬
‫فرنسا مثال نشر قابرييل تارد كتابه حول المنطق االجتماعي وقوستاف لوبون مؤلفه حول علم النفس‬
‫التجمهر وإيميل دوركايم كتابه حول قواعد المنهج في علم االجتماع هذا في الوقت الذي نالت فيه مؤلفات‬
‫كل من جورج زيمل وتوينز رواجا كبيرا في ألمانيا‪ .‬وقد حدث هذا التطور المحسوس للنشاط في تأليف‬
‫الكتب المؤسسة لعلم االجتماع موازاة مع تطور االتجاه في الجامعات وصدور مجالت متخصصة في‬
‫‪.‬التعريف بعمل علم االجتماع‬

‫‪:‬المفكرون الذين برزت أفكارهم خالل ‪1918 -1890‬‬

‫ميشلشز روبرت (‪ ،)1940 -1876‬جورج زيمل (‪ ،)1918 -1858‬صومبار ورنر (‪-1863‬‬


‫‪ ،)1941‬إيميل دوركايم (‪ ،)1917 -1858‬ماكس فيبر (‪ ،)1920 -1864‬موريس هالفاكس (‬
‫‪ ،)1945 -1877‬فريديناند تونيز (‪ ،)1936 -1855‬غوستاف لوبون (‪ ،)1931 -1841‬مارسال‬
‫موس (‪ ،)1950 -1872‬قابرييل تارد (‪)1904 -1843‬ن روني ورمس (‪)1926 -1869‬ن وندت‬
‫‪.‬ولهم (‪)1920 -1832‬‬

‫المرحلة الرابعة (‪ :)1945 -1918‬وضعيات قطرية متباينة‬

‫تحت تأثير الظروف االجتماعية واالقتصادية والسياسية التي عاشها العالم خالل فترة ما بين الحربين‬
‫العالميتين مثل األزمة االقتصادية لسنة ‪ 1929‬وبروز المعسكر الشرقي ونتائج الحروب وظهور النازية‬
‫في ألمانيا والفاشية في إيطاليا‪ ،‬مر علم االجتماع بوضعيات متباينة من قطر إلى آخر في مجال ممارسته‬
‫‪.‬على مستوى التدريس والبحث‬

‫علم االجتماع في فرنسا بدون دوركايم ‪1-‬‬

‫ال تشكل وفاة دوركايم مجرد اختفاء لرائد علم االجتماع في فرنسا‪ ،‬بل بداية مراجعة ممارسة هذا‬
‫التخصص وتميز ذلك بتراجع هيمنة الدوركايمية حيث انقسم أتباع دوركايم إلى فئتين‪ ،‬فئة تفضل البحث‬
‫الميداني عن التدريس إلرساء قواعد علم االجتماع وفئة تولي أهمية للتدريس والتفكير حول القوانين‬
‫العامة لتطور وسير المجتمعات‪ .‬وفي هذا السياق المعلن لتراجع األفكار الدوركايمية تمكن المدارس غير‬
‫الدوركايمية من التموقع في الحقل الفكري الفرنسي حيث وجد أتباع كل من فريديريك لوبلي وروني‬
‫ورمس وقابلاير طارد من مواصلة انجاز مشاريع أساتذتهم وهذا بعد أن عجزوا عن تحقيق ذلك عندما‬
‫‪.‬كان دوركايم حيا ونفوذه قويا‬

‫صعوبات توحيد علماء االجتماع األلمان ‪2-‬‬

‫وهذا ألن النازية أحدثت انشقاقا ما بين علماء االجتماع المؤيدين لها والرافضين ألطروحاتها ووجد‬
‫بعضهم نفسه مرغما على الهجرة إلى أمريكا وإلى بريطانيا مما لم يسمح باإلنتقال من االعتماد على‬
‫النظريات الكبرى القائمة على المقاربة التاريخية والثقافية إلى النماذج الجزئية لدراسة المشاكل‬
‫االجتماعية الجديدة التي تعيشها ألمانيا‪ ،‬إال أن هذه الوضعية لم تحول دون ظهور عدة حقول للبحث‬
‫السوسيولوجي مما سمح بتطوير تخصصات معرفية في علم االجتماع مثل علم اجتماع الثقافة بفضل‬
‫أبحاث كل من ماكس شيللر والفريد فيبر والياس نوربرت‪ ،‬وعلم اجتماع المعرفة بفضل أبحاث كارل‬
‫مانهايم وعلم االجتماع السياسي بفضل أبحاث ميشلز وعلم االجتماع النقدي بفضل أبحاث رواد مدرسة‬
‫‪.‬فرانكفورت‬

‫ميالد علم االجتماع في أمريكا ‪3-‬‬

‫بعد الدخول في مرحلة الشك واالنشقاق بعد اختفاء عدد من المؤسسين وتقلص نفوذ الذين بقوا على قيد‬
‫الحياة وبعد أن انكمشت مجاالت تطور علم االجتماع في أوروبا نتيجة هيمنة األنظمة الفاشية والنازية‪،‬‬
‫انتقلت نشأة علم االجتماع من موطنها األصلي وهي أوروبا إلى الواليات المتحدة األمريكية لتجد في هذا‬
‫البلد مناخا اجتماعيا جديدا تميز بتمحور الطلب لمعرفة المسائل واإلشكاليات االجتماعية مثل العالقات‬
‫بين الجماعات واإلنحراف والجريمة والعمران وبوجود إرادة لدى الحاكمين إليجاد حلول عملية لها‪ ،‬بدل‬
‫القضايا المجتمعية الكبرى‪ .‬وقد اعتبرت هذه الهجرة إلى الواليات المتحدة األمريكية ليست مجرد نقل‬
‫‪.‬لمجال نشأة علم االجتماع من أوروبا إلى أمريكا‪ ،‬بل كتحول أدى إلى ميالد جديد لعلم االجتماع‬

‫هذه المرحلة لها ميزة جوهرية وهو انتقال مركز الهيمنة من أوروبا إلى الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬من‬
‫هنا دخلت أوروبا في مرحلة تعقد أو ركود فيما يخص علم االجتماع‪ ،‬وأصبح أهم ما ينتج في علم‬
‫االجتماع هو في الواليات المتحدة‪ .‬وأصبح ما يهمن في اإلتجاهات يهيمن في الواليات المتحدة‪ .‬وانتقال‬
‫مستوى الهيمنة ليس فقط على مستوى علم االجتماع‪ ،‬حتى على المستوى االقتصادي والسياسي وفي‬
‫‪.‬جميع المجاالت‪ ،‬وهذه العالقة ليست عالقة آلية أو ميكانيكية‬

‫بدأ هذا الميالد لعلم االجتماع باإلهتمام بدراسة موضوع التغير االجتماعي وما يحدثه من آثار على سير‬
‫المجتمع والجماعات وهذا يهدف إيجاد حلول عملية وعالج سريع للمشاكل االجتماعية مما أعطى‬
‫للتكوين والبحث في علم االجتماع طابعا عمليا تطلب االهتمام أكثر بتدريس في الجماعات وتطبيق في‬
‫البحث ما يمكن تسميته بالتكنولوجيات االجتماعية واالبتعاد عن األنساق التفسيرية الكبرى والشمولية التي‬
‫كانت رائجة في أوروبا‪ .‬ولتبسيط ما أفرزه هذا الميالد الجديد لعلم االجتماع‪ ،‬لعله من األجدر االكتفاء‬
‫‪:‬باإلشارة إلى ما يلي‬

‫‪:‬ظهور ثالث جامعات منشطة للتكوين والبحث في علم االجتماع وهي ‪1-‬‬
‫جامعة شيكاغو‪ :‬المعروفة بمدرسة شيكاغو المعروفة بمناهجها الكيفية انطالقا من علم النفس االجتماعي‬
‫واألنثروبولوجيا وبإسهامها الكبير في تطوير علم االجتماع في الواليات المتحدة األمريكية في إطار‬
‫‪.‬تقاليد علم االجتماع الحضري‬

‫‪.‬جامعة كولومبيا‪ :‬المعروفة بإنتاج مناهج كمية متطورة اعتمادا على الرياضيات واإلحصاء‬

‫جامعة هارفارد‪ :‬المعروفة بإسهامها المتميز في توجيه نشأة علم االجتماع في الواليات المتحدة األمريكية‬
‫‪.‬حول دراسة التنظيم والمؤسسة‬

‫االعتماد على اإلمبريقية لبناء علم االجتماع ‪2-‬‬

‫أفرزت الظروف الفكرية واالجتماعية التي ميزت ميالد علم االجتماع في الواليات المتحدة األمريكية‬
‫اعتماد التكوين والبحث السوسيولوجي على االمبيريقية التي تقوم على رفض لالعتماد على مسعى‬
‫افتراضي واستداللي انطالقا من مجموعة من المسلمات وتفضل بدل ذلك دراسة كل ظاهرة اجتماعية‬
‫معينة في إطار اإلشكاليات يتم بناؤها ضمن عقالنيات خاصة وهذا ما يستدعي تطبيق صيغ بحث مناسبة‬
‫‪.‬لخصائص الظاهرة المدروسة‬

‫تقاليد البحث ‪3-‬‬

‫يمكن تصنيف مختلف البحوث والدراسات التي ميزت ميالد علم االجتماع في الواليات المتحدة األمريكية‬
‫‪:‬ضمن ثالثة تقاليد أساسية‬

‫المدينة كمخبر اجتماعي‬

‫تندرج البحوث والدراسات التي قام بها علماء اجتماع جامعة شيكاغو ضمن اتجاه يقوم على اعتبار‬
‫المدينة كمخبر اجتماعي‪ ،‬أي اعتبار المدينة كمجال لدراسة مختلف الظواهر والمشاكل االجتماعية التي‬
‫أفرزها تطور المجتمع األمريكي مثل اإلنحراف والجريمة واألمراض العقلية والصراعات بين‬
‫الجماعات وتكمن أهمية المقاربة الحضرية لفهم هذه المشاكل االجتماعية أن هذه األخيرة تطرح إشكاليات‬
‫تشابك امتالك المجاالت وممارسة الهوية الثقافية والبحث عن المكانات االجتماعية مما يطرح إشكالية‬
‫المحافظة على النظام بتهديم النظام‪ .‬وتعتمد مختلف البحوث والدراسات التي أنجزت في إطار التقليد‬
‫على الدراسات المنوغرافية والمالحظة بالمشاركة والسير الحياتية‪( .‬مثل دراسات الفالح البولوني عند‬
‫وليام ازاك توماس و فلوريان ولتورد زنانيكي)‬

‫البحث عن المجتمع األمريكي‬


‫تحت تسمية البحث عن المجتمع األمريكي تندرج معظم البحوث والدراسات التي أنجزها علماء اجتماع‬
‫جامعة كولومبيا بهدف دراسة وفهم األشكال واألنماط الجديدة التي تعبر عن البحوث والدراسات مواضيع‬
‫خاصة بالحراك االجتماعي والطبقات االجتماعية وبالثقافات الفرعية وهذا باالعتماد على مناهج كمية‬
‫‪.‬وعلى مسعى إجرائي محض‬

‫بداية االعتماد على التنظير لفهم سير المجتمع‬

‫في الوقت الذي تعاظم فيه شأن اإلمبريقية ظهرت محاوالت في جامعة هارفارد لبناء نظريات ونماذج‬
‫نظرية قصد تطبيقها في دراسة سير المجتمع األمريكي وهذا بفضل أعمال مؤسسي مدرسة علم االجتماع‬
‫‪.‬الصناعي والتقاليد البنائية الوظيفية‬

‫المفكرون الذين برزت أفكارهم خالل ‪1945-1918‬‬

‫جورج فريدمان (‪ )1977 -1902‬جورج قورفيتش (‪ ،)1965 -1894‬جورج دافي (‪-1883‬‬


‫‪ ،)1977‬جون ستوزل (‪ ،)1987 -1910‬إليس نوربرت (‪ ،)1990 -1897‬بول لزرسفيلد (‪-1901‬‬
‫‪ ،)1976‬لوكس جورج (‪ ،)1971 -1885‬كارل مانهايم (‪ ،)1947 -1893‬ماكس شيللر (‪-1873‬‬
‫‪ ،)1928‬الفرد شوتز (‪ ،)1959 -1899‬شومبتر جوزيف (‪ ،)1950 -1883‬جورج هربرت ميد (‬
‫‪ ،)1931 -1863‬روبرت بارك (‪ ،)1944 -1864‬شارلز كولي (‪ ،)1929 -1867‬هوقس افيرت (‬
‫‪ ،)1983 -1879.‬ألتون مايو (‪ ،)1970 -1880‬فلورين زنانيكي (‪)1958 -1897‬‬

‫المرحلة الخامسة (‪ :)1968 -1945‬عهد الطموحات (العصر الذهبي لعلم االجتماع)‬

‫بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية دخلت ممارسة علم االجتماع في عهد الطموح إلى التحسين وبلوغ‬
‫وضعية أحسن وأرقى وهذا ألن إعادة تعمير البلدان األوروبية وتطور الواليات المتحدة األمريكية‬
‫وتحول المعسكر الشيوعي إلى قوة فاعلة على الصعيد الدولي وما عقب ذلك من تحوالت اجتماعية وفر‬
‫‪.‬لعلم االجتماع أفاق جديدة للتطور تدريسيا وبحثا ومؤسساتيا‬

‫العصر الذهبي لعلم االجتماع األمريكي ‪1-‬‬

‫وهناك عدة مؤشرات لدخول ممارسة علم االجتماع في الواليات المتحدة األمريكية عصرا ذهبيا خالل‬
‫الفترة الممتدة من ‪ 1945‬إلى ‪1968‬‬

‫تزايد المؤسسات المتخصصة في علم االجتماع‬


‫وشمل هذا التزايد الحقل الجامعي ومجال ممارسة البحث وقطاع نشر الكتب والدوريات ومصادر‬
‫التموين‪ .‬ومن بين المؤسسات التي لعبت دورا رئيسيا في هذا المجال هنالك مؤسسة روكفلر ومؤسسة‬
‫فورد اللتين مولتا العديد من المشاريع البحثية في علم االجتماع وسمحت بتأسيس العديد من الهيئات‬
‫العلمية مثل مكتب البحث االجتماعي التطبيقي بكولومبيا‪ .‬إلى جانب مخبر العالقات االجتماعية بجامعة‬
‫‪.‬هارفارد‬

‫اتساع نفوذ اإلمبريقية الكمية (االتجاه التجريبي التكميمي)‬

‫وهذا بفضل النجاح الكبير الذي حققته البحوث التي قام بها عدد من الباحثين ولعل من أبرزهم بول‬
‫الزارسفيلد و صاموييل ستوفر اللذان يعتبران من رواد هذا اإلتجاه (التجريبي التكميمي) فأما األول برز‬
‫في مجال االتصال والرأي العام واالنتخابات حيث كان يسير مخبر البحث السوسيولوجي لجامعة‬
‫كولومبيا وكان رئيسا لهذا المخبر وخاصة بعد سنة ‪ 1941‬وقام أيضا بدراسات تجريبية ميدانية أوال في‬
‫سنة ‪ 1944‬ثم ‪ 1948‬حول وسائل اإلتصال الجماهيري‪ ،‬ومن سنة ‪ 1954 ،1948 ،1943‬قام‬
‫بدراسة حول اإلختيار اإلنتخابي‪ .‬أما صاموييل ستوفر قام بتسيير مخبر دراسات المرتبط بالجيش‬
‫األمريكي خالل الحرب العالمية الثانية وكان مديرا لهذا المخبر‪ ،‬وقام بأكبر الدراسات في علم االجتماع‬
‫وال يمكن اآلن الحصول على تلك الوسائل‪ ،‬ودامت سنوات حول سلوك الجندي األمريكي وهذا لتحديد‬
‫قدرتها على المقاومة وهذا كان يطرح مشكل في قيادة الجيش األمريكي‪ .‬وكل هذه األبحاث هي مشاريع‬
‫اعتمد في انجازها على المسعى اإلجرائي التكميمي المحض بتطبيق االستبيانات وساللم المواقف‬
‫واختبارات القياس‪ .‬وهذه الحقول أصبحت ممكنة ألنها مطلب اجتماعي‪ ،‬لكن الميزة األساسية لهذا اإلتجاه‬
‫هو أنه أعطى نَف س جديد لإلتجاه الفرداني ألن هذا االتجاه أراد أن يبين أن العلوم االجتماعية كالعلوم‬
‫الطبيعية تستطيع الوصول إلى درجة عالية من الدقة مثل القياس والتكميم‪ ،‬وبالطبع عندما نبحث عن‬
‫القياس والتكميم والدقة نصطدم بالميدان‪ ،‬والعالقة بينه وبين الميدان هو الفرد والمشاكل المطروحة هو‬
‫مشكل العدد التمثيلي ألن علم االجتماع كان يرتكز على استعمال اإلحصاء وهذا اإلتجاه التجريبي أو‬
‫اإلمبريقي هو الذي أعطى نفس ما يسمى اليوم ب"صبر اآلراء" وهناك كتاب أساسي في هذا المجال‬
‫‪:‬يحمل عنوان‬

‫‪: Qu’est ce que la sociologie‬وكتاب ثاني مع بودون تحت عنوان ‪Le vocabulaire des sciences sociales‬‬

‫هيمنة الوظيفية (االتجاه الوظائفي) (وسنقوم بشرح مفصل حول النظرية الوظيفية الحقا)‬
‫ساد االتجاه الثاني والمتمثل في االتجاه الوظائفي في الواليات المتحدة األمريكية وبالخصوص ابتداء من‬
‫الخمسينات وبفضل البحوث التي قلم بها كل من روبرت مرتن و تالكوت بارسونز‪ ،‬أصبحت الوظيفية‬
‫اتجاها نظريا مهيمنا على علم االجتماع األمريكي وساعد على ذلك ظهور مقاومة للمسعى اإلجرائي‬
‫المحض والمطالبة باهتمام بالتنظير لبناء علم االجتماع‪ .‬وكان الوظيفيون يعتقدون أن الصراع هو الخلل‬
‫عكس نظرية ماركس الذي يعتبر أن الصراع هو الشيء الطبيعي للظواهر االجتماعية‪ .‬والفكرة األساسية‬
‫الثانية التي تميز هذا االتجاه هو مبدأ الوظائفية العامة ومعناه أن أي ظاهرة في المجتمع تلبي بالضرورة‬
‫‪:‬وظيفة لضمان التوازن‪ .‬معنى هذا أنه‬

‫‪.‬ال يمكن أن تكون ظاهرة ليس لها وظيفة ‪-‬‬

‫‪.‬ال يمكن لعنصر أن يكون له تتناقض مع الكل ‪-‬‬

‫‪.‬تلبية حاجيات هذه الوظيفة ‪-‬‬

‫أما المبدأ الثاني للوظيفية هو مبدأ اإلندماج أو السير الذاتي‪ ،‬ومعناه أن كل كائن اجتماعي يخضع إلى‬
‫عملية داخلية ال تخضع إلى ظواهر خارج الكائن‪ .‬فمثال تتصرف مؤسسة ما في قوانينها الخاصة‪.‬‬
‫فالوظائفية تنفي مبدأ الصراع ألنها تتبنى مبدأ التوازن الشامل وال تعترف بمبدأ بالصراع الطبقي‪ .‬وثانيا‬
‫فهي تنفي الطابع التاريخي للظاهرة االجتماعية مثل‪ :‬المدرسة لها نفس الوظائف تسير في نفس القوانين‬
‫‪.‬وفي نفس السير مهما كان التاريخ والمجتمع والزمان‪ ،‬وهذا الذي يدعى بالوظائفية المطلقة‬

‫ظهور معارضة لالمبريقية والوظيفية‬

‫وشيئا فشيئا ظهر أن التطرق الوظائفي كان عاجزا عن تفسير الظواهر االجتماعية في المجتمع األمريكي‬
‫ألن في هذا المجتمع كانت هناك صراعات طبقية كاألزمات الكبيرة للعمال‪ ،‬العمل الكثيف الذي قامت به‬
‫المؤسسات النقابية‪ ،‬حيث تبين أنه ال يمكن اعتبار بأن الصراع مجرد خلل ألن المجتمع األمريكي كله‬
‫يرتكز على العنف وهو المنطق الذي يعتمد عليه هذا المجتمع أي ان العنف شيء طبيعي وأن تطور‬
‫الصناعة األمريكية ترتكز على العبودية أي أن العنف موجود حتى في الحياة اليومية لذلك أصبح ال‬
‫يمكن اإلكتفاء باعتبار العنف كجهاز وإنما جوهر هذا الجهاز لهذا أصبحت هناك محاوالت لتطبيع‬
‫الوظائفية وإدخال بعض اإلصالحات فيها لكي تعترف به كظاهرة‪ ،‬وهذا العمل قام به في كولومبيا مع‬
‫"البنيوية الوظيفية" مع مرتن والذي أدخل عنصرين جديدين في الوظيفية وهما‪ :‬الوظيفة الظاهرة‬
‫والوظيفة الباطنية (المخفية) وهي عكس الوظيفة المطلقة التي أشرنا إليها أعاله والتي تعتبر أن الظاهرة‬
‫لها وظيفة واحدة فقط مثل المدرسة لها وظيفة واحدة وهي التربية وتكوين النشء‪ ،‬لكن المدرسة حسب‬
‫‪.‬المنظور الجديد تعتبرها أنها لها وظيفة أخرى وهي أنها تبني عالقات التمييز الطبقي‬

‫أما على المستوى المنهجي ‪ ،‬فإن هدف الوظائفية هو بناء نسق نظري عام بإمكانه تفسير المجتمع ككل‪،‬‬
‫فالوظيفية ظهرت كمحاولة رد ضد الماركسية‪ ،‬حتى أن الوظائفية المطلقة أدت وظيفة إيديولوجية ولهذا‬
‫أدخل مرتن تعديل تحت اسم النظريات المتوسطة المدى حيث يقول‪ :‬أن علم االجتماع في هذه المرحلة‬
‫علم شاب لم ينضج بعد وليس له القدرة على إنتاج نظرية شاملة وإذا حاول فإنه يسقط في اتجاهات‬
‫فلسفية‪ ،‬كنظريات الدولة‪ ،‬ولهذه النظريات المتوسطة المدى نقوم بدراسات ميدانية‪ ،‬وبعد مرحلة من‬
‫‪.‬التراكم يصبح من الممكن القيام بعملية التوحيد بين النظريات إلنتاج نظرية موحدة‬

‫وقد سادت الوظائفية في أوروبا وفي الواليات المتحدة األمريكية حتى نهاية الستينات وجاءت الثورة‬
‫الفيتنامية والتي قضت على الوظائفية‪ .‬وقد جاءت هذه المعارضة من رواد االتجاه النقدي الذي تزعمه‬
‫شارل رايت ميلز وكذلك أتباع بيتريم سوروكين لترفض في آن واحد االعتماد على الوظيفية وعلى‬
‫اإلمبريقية لبناء علم االجتماع وتقترح االعتماد على النقد االجتماعي وعلى خيال الباحث لفهم الظواهر‬
‫‪.‬االجتماعية‬

‫إعادة بناء علم االجتماع الفرنسي ‪2-‬‬

‫شهد علم االجتماع الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية انجاز عدة مشاريع ساهمت في مباشرة سيرورة‬
‫إعادة بنائه لتجاوز مرحلة العقم والتقهقر التي شهدها بعد وفاة إيميل دوركايم وعدم تمكن أتباعه‬
‫ومعارضه من مواصلة المشوار وهناك عدة مؤشرات لعملية إعادة البناء‪ .‬حيث انهارت المدرسة‬
‫الدوركايمية ومنعت كتب دوركايم وذلك بسبب النظام الفاشي وتغير القيادة إلى انجلترا وهذه االيديولوجية‬
‫الفاشية كانت ال تعترف بالعقالنية العلمية‪ .‬إلى جانب أيضا سبب آخر والذي أدى إلى انهيار علم‬
‫االجتماع الدوركايمي هو أنه لم يتنبأ بظهور هذا المجتمع الجديد والمتمثل في النازية والفاشية ولم يستطع‬
‫تفسير هذه الظواهر وبالتالي أدى ذلك إلى التخلي عنه واإلبتعاد عن هذه المدرسة شيئا فشيئا‪ .‬وانتقلت في‬
‫فرنسا شيء من الوعي االجتماعي إلى إشكالية الوجود سواء الوجود المادي أو الوجود المعاش كالفلسفة‬
‫الوجودية (لجون بول سارتر) ثم انتقلت من إشكالية الحدث إلى إشكالية المعنى‪ ،‬أي ال تهتم بالحوادث‬
‫‪.‬التاريخية وإنما بمعنى هذه الحوادث‬

‫البناء المؤسساتي لممارسة علم االجتماع‬


‫وقد حدث ذلك بتخصيص مكانة لعلم االجتماع في الهيئات العلمية التي أسست بعد الحرب العالمية الثانية‬
‫مثل المركز الوطني للبحث العلمي والمعهد الوطني للدراسات الديموغرافية والمعهد الوطني‬
‫لإلحصائيات والدراسات االقتصادية والمعهد الفرنسي للرأي العام‪ .‬كما ظهر التدعيم المؤسساتي لعلم‬
‫االجتماع بتدريسه في العديد من الجامعات في إطار ليسانس خاصة به وكذلك بتأسيس العديد من المراكز‬
‫والمخابر المتخصصة في البحث السوسيولوجي وإصدار العديد من المجالت مثل الفاتر الدولية لعلم‬
‫‪.‬االجتماع والمجلة الفرنسية لعلم االجتماع ومجلة علم اجتماع العمل‬

‫انتشار امبريقية ظرفية‬

‫بعد عودة عدد من الجامعيين من أمريكا‪ ،‬بدأت بوادر تحول في االتجاهات النظرية لعلم االجتماع‬
‫الفرنسي وتمثل ذلك في االعتماد على البحث اإلمبريقي وعلى المسعى اإلجرائي وراح علم االجتماع‬
‫الفرنسي يأخذ من التطورات المنهجية للسوسيولوجية التجريبية السائدة في الواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬
‫بدأت تبرز سوسيولوجية جديدة تتغذى من علم االجتماع األمريكي من جهة ومن السوسيولوجية‬
‫األمريكية‪ .‬إال أن العمل بهذا التقليد لم يكن شامال وكليا وكما هو معمول به في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية وتميز بكونه ناتج عن ظروف خاصة بالطلب الظرفي للخبرة السوسيولوجية وبكون االعتماد‬
‫على المسعى اإلجرائي الكمي موجه لمعالجة إشكاليات منهجية مرتبطة بأهداف البحث مما أعطى لشبكة‬
‫‪.‬المتغيرات والمؤشرات الكمية المعمول بها محدودية‬

‫دور جورج قورفيتش‬

‫لعب جورج قورفيتش دورا كبيرا في إعادة بناء علم االجتماع الفرنسي سواء على مستوى التدريس‬
‫ووضع المؤسسات وكذلك فيما يخص التوفيق ما بين التنظير والتطوير المنهجي‪ .‬وتظهر مساهمته‬
‫واضحة في تكوين جيل من الباحثين الكبار أمثال ميشال كروزيه وفرانسوا بوريكو وأالن تورين‬
‫وجورج فريدمان‪ .‬كما تظهر مساهمته في تدعيم التكوين بعدد من المؤلفات التي أصبحت مصادر‬
‫‪Traité de sociologie‬‬ ‫كالسيكية في علم االجتماع مثل‬

‫إعادة بناء وبناء علم االجتماع في البلدان األوروبية ‪3-‬‬

‫أما في البلدان األوروبية األخرى فقد شهد علم االجتماع سيرورة إعادة بناء في عدد منها مثل ألمانيا‬
‫وبريطانيا وبناء في عدد آخر مثل بلجيكا واسبانيا وإيطاليا‪ .‬قامت عملية إعادة البناء في كل من ألمانيا‬
‫وبريطانيا على التوفيق ما بين الوفاء للمرجعية الفلسفية والتنظيرية وضرورة إدخال التطوير المنهجي‬
‫والعمل بتأثير االتجاهات القادمة من الواليات المتحدة األمريكية‪ .‬أما في اسبانيا وبلجيكا وإلى حد أقل في‬
‫إيطاليا فإن عملية البناء قد انطلقت من وجود مناخ اجتماعي وسياسي مناسب لتطور البحث في علم‬
‫االجتماع وهذا ما استدعى إعادة النظر في الموروث العلمي وتوظيف مرجعيات من البلدان األوروبية‬
‫‪.‬وأمريكا‬

‫تدويل علم االجتماع ‪4-‬‬

‫بظهور علم االجتماع في االتحاد السوفيتي (سابقا) وفي عدد من بلدان المعسكر الشرقي وتكون ممارسة‬
‫سوسيولوجية متميزة في بلدان أمريكا الالتينية‪ ،‬خرجت ممارسة علم االجتماع من النطاقين األوروبي‬
‫واألمريكي وبدأت تظهر تقاليد جديدة لها مثل التقليد الذي ظهر في أمريكا الالتينية والقائم على البحث‬
‫‪.‬من أجل التنمية أو الحث النضالي‬

‫‪:‬المفكرون الذين برزت أفكارهم خالل ‪1968 -1945‬‬

‫تالكت بارسونز (‪ ،)1979 -1902‬بيتريم سوروكين (‪ ،)1968 -1889‬ادورنو تيودور (‪-1903‬‬


‫‪ ،)1969‬بتر بلو‪ ،‬لويس كورزنروبرت داهل‪ ،‬ايتزبوني اميطاي‪ ،‬ربرت مرتن‪ ،‬تشارلز رايت ميلز (‬
‫‪ ،)1962 -1916‬ميردل قونر (‪ ،)1987 -1898‬دافيد ريزمن‪ ،‬صامويل ستوفلر (‪،)1960 -1900‬‬
‫ريمون أرون (‪ ،)1983 -1905‬جورج بالوندي‪ ،‬روجي باستيد (‪ ،)1974 -1898‬ريمون بودون‪،‬‬
‫بيار بورديو‪ ،‬فرانسوا بوريكو‪ ،‬شومبار دو لو‪ ،‬ميشال كروزي‪ ،‬هنري مندراس‪ ،‬إدغار مورن‪ ،‬بيار‬
‫نافل‪ ،‬ألن تورين‪ ،‬جون دانيا رينو‪ ،‬بازل برستين‪ ،‬توم بوتومور‪ ،‬قالس دافيد‪ ،‬جون قولدثور‪ ،‬رالف‬
‫‪.‬داهرندورفهلموت شيلسكي‪ ،‬فرانكو فراروتي فورتلدو سيلسو‪ ،‬هنري قندر‪ ،‬فرانكرودولوف ستفهنقن‬

‫المرحلة السادسة (‪ :)1990 -1968‬انفجار النماذج‬

‫مع نهاية الستينات دخلت المجتمعات الغربية في أزمة وبدأت تظهر تحوالت في المجتمعات االشتراكية‬
‫وظهرت مجتمعات مستقلة في إفريقيا في حين دخلت مجتمعات أمريكا الالتينية في عهد التغيرات مما‬
‫يوحي أن العالم مقبل على عهد جديد‪ .‬وقد انعكست هذه التحوالت على ممارسة علم االجتماع في مختلف‬
‫البلدان حيث ظهر اتجاه قوي إلى انفجار النماذج التحليلية وتقهقر النظريات التي تشكلت في السنوات‬
‫‪:‬السابقة‪ .‬ومن أبرز النماذج التي ظهرت نذكر ما يلي‬

‫النماذج التحليلية األنجلوساكسونية الجديدة ‪1-‬‬


‫فقدت الوظيفية البارسونزية هيمنتها بعد تعرضها لعدة انتقادات كما أصبحت اإلمبريقية تقليدا عاديا بعد‬
‫أن حدث تقارب ما بين المسعى الكيفي والمسعى الكمي‪ .‬وقد سمح هذا التحول بظهور نماذج جديدة ولعل‬
‫‪.‬أهمها هيز‬

‫األشكال الجديدة للتفاعلية الرمزية (سنقدم شرحا مفصال لنظرية التفاعلية الرمزية الحقا)‬

‫‪1‬‬
‫بفضل أعمال رواد مدرسة شيكاغو الثانية تطورت التفاعلية الرمزية حيث ظهرت نظرية الملصقات‬
‫لهووارد صامويل بيكر بمساعدة كل من أدوين لومرت وادفيد مازا‪ .‬كما أنتج أرفين قوفمن نموذجا‬
‫مسرحيا لدراسة التفاعالت االجتماعية‪ 2‬واقترح هارولد قارفنكل نموذج االتنوميتودولوجيا لدراسة‬
‫التفاعالت من خالل تحليل المحادثة بين األفراد باعتبارها الوسيلة التي تسمح بدراسة المناهج التي‬
‫يستعملها األفراد في عالقاتهم االجتماعية‪ .‬وقد حاول أرون سيكورل تطبيق مقاربة قائمة على تحليل‬
‫عمليات اإلدراك لمحتوى المحادثة بين األفراد لدراسة تشكل العالقات االجتماعية‪ .‬أما أتباع ألفرد شوتز‬
‫فقد بنوا نموذج دراسة بناء العالقات االجتماعية من طرف األفراد في وضعياتهم االجتماعية وعرف هذا‬
‫‪.‬النموذج بالمقاربة الفينومولوجية أو الظاهرتية (سنقوم بشرح هذه النظرية والنظريات األخرى الحقا)‬

‫ظهور نماذج التبادل االجتماعي ونماذج اإلختيار العقالني‬

‫إلى جانب المقاربات التفاعلية ظهرت نماذج تقوم على فهم العالقات االجتماعية بين األفراد باالعتماد‬
‫على مفاهيم علم االقتصاد أي اعتبار إقامة هذه العالقات كصفقات تبرم بين األفراد عند شعورهم بتحقيق‬
‫مستوى مقبول من اإلشباع وهذا ما نجده في نظرية التبادل االجتماعي أو اعتبار إقامة العالقات‬
‫االجتماعية كنتيجة لتطبيق عقالنيات نفعية من طرف األفراد باعتبارهم يملكون عقالنية تحقيق أكبر‬
‫‪.‬قدر من المنفعة بأقل التكاليف وهذا ما نجده في مختلف نظريات االختيار العقالني‬

‫عودة علم االجتماع التاريخي‬

‫بعد انهيار الوظيفية البارسونزية وتقلص االتجاه البنيوي‪ ،‬بدأت مالمح توظيف الماركسية الجديدة‬
‫وإرث علم االجتماع النقدي في بلورة االتجاه التاريخي في الدراسات السوسيولوجية وظهر ذلك في‬

‫‪1‬‬
‫تطلق تسمية نظرية الملصقات على مجموعة من التحاليل الفردية من تحاليل هوارد بيكر وهي تسمية تشكلت باستعمال ‪-‬‬
‫المصطلحات التي استعملها هذا الباحث في دراسته حول المدمنين على المخدرات‪ .‬ويمكن تلخيص هذه النظرية بالقول أن‬
‫هذه النظرية تعتبر االنحراف هو إنتاج اجتماعي وليس صفة خاصة بالفرد الذي أطلقت عليه صفة المنحرف نتيجة قيامه‬
‫بسلوك مخالف لما هو مهتاد عليه اجتماعيا‪ .‬يقول هوارد بيكر حول هذه النقطة بالذات كما يلي‪" :‬من هذا المنظور‪ ،‬فإن‬
‫االنحراف ليس خاصية للفعل المرتكب من طرف الفرد بل هو نتيجة لتطبيق األفراد اآلخرين لمعايير العقاب لهذا الفرد‬
‫الذي قام بهذا الفعل‪ .‬المنحرف هو الفرد الذي نجح األفراد اآلخرون في وضع ملصقة على فعله والسلوك المنحرف هو‬
‫‪".‬السلوك الذي يصنف تحت هذه الملصقة‬
‫‪2‬‬
‫سنعود إليها الحقا عند شرحنا لنظرية التفاعلية الرمزية في الجزء الثاني من الدروس ‪-‬‬
‫الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا وخاصة في أبحاث كل من دافيد وف وتيلي وكليفورد قيرتز‬
‫‪.‬وروبرت بالح‬

‫تطور االتجاه اإلمبريقي التحليلي‬

‫وأما هذا االنفجار لنماذج جديدة لم تنهار اإلمبريقية كلية بل شهدت تطورا محسوسا في اتجاه تحسين‬
‫‪.‬األدوات اإلحصائية لتكييفها مع دراسة المشاكل االجتماعية‬

‫االتجاهات األربعة لعلم االجتماع الفرنسي (اإلتجاهات الشمولية) ‪2-‬‬

‫في سياق هذا التحول الذي شهدته ممارسة علم االجتماع تميز تطور علم االجتماع الفرنسي بظهور‬
‫أربعة اتجاهات وهي البنيوية التوليدية التي وضعها بيار بورديو والفعلوية التي صاغها أالن تورين‬
‫والتحليل االستراتيجي الذي بناه ميشال كروزيه وهو باحث في علم االجتماع التنظيمات وأخيرا‬
‫الفردانية المنهجية التي طبقها ريمون بودون‪ .‬وتتميز هذه االتجاهات األربعة أنها تشكل توظيفا تجديديا‬
‫لالتجاهات االنجلوساكسونية وقراءة متجددة للنظريات الموروثة عن المؤسسين الرئيسين لعلم االجتماع‬
‫‪.‬الفرنسي بشكل خاص وعلم االجتماع في أوروبا بشكل عام‬

‫‪:‬وسنقوم بشرح هذه النظريات باختصار الحقا‬

‫علم االجتماع في البلدان األخرى ‪3-‬‬

‫تميز وضع علم االجتماع في كل من بريطانيا وايطاليا وبلجيكا وألمانيا بمحاولة تجاوز أزمة الستينات‬
‫بالسعي للتوفيق ما بين النماذج االنجلوساكسونية والنظريات الموروثة عن المؤسسين لعلم االجتماع وهذا‬
‫ما أدى إلى تعايش بين االتجاهات النظرية واالتجاهات اإلمبريقية كما يبدو ذلك واضحا في كل من‬
‫‪.‬بريطانيا وإلى حد أقل في ألمانيا‬

‫أما في بلدان أوروبا الشرقية فقد انهار فيها لعلم االجتماع الموروث عن العهد االشتراكي بعد سقوط‬
‫االتحاد السوفيتي واألنظمة االشتراكية في بلدان المعسكر الشيوعي‪ .‬ولم يستطيع علم االجتماع في بلدان‬
‫‪.‬أمريكا الالتينية تجاوز انتهاء عهد التنمية والتخلص من االمبريالية‬

‫‪:‬المفكرون الذين برزت أفكارهم خالل ‪1990 -1968‬‬

‫ألكسندر جيفري‪ ،‬هوارد بيكر‪ ،‬برجر بيتر‪ ،‬طومس لوكمن‪ ،‬هربرت بلومر‪ ،‬بتر بلو‪ ،‬أرون سيكورل‪،‬‬
‫هارولد قارفنكلن ارفن قوفمن‪ ،‬ألفن قولدنر‪ ،‬البرت هيرشمن‪ ،‬ارفن هوروفتز‪ ،‬جورج هومنس‪ ،‬هوجس‬
‫فريرت‪ ،‬ستروس انسلم‪ ،‬لويس التوسير ‪ ،‬لوك بولتنسكي‪ ،‬مانويل كلستلس‪ ،‬فرانسوا دوبي‪ ،‬ميشال‬
‫‪.‬مافيزولي‪ ،‬رونو سانسوليون يوغن هابرمس‪ ،‬أولصن مانكور‪ ،‬انطوني قيدنس‬

‫المرحلة السابعة (‪ :)2015 -1990‬عولمة ممارسة علم االجتماع‬

‫األحداث التي يشهدها العالم منذ نهاية التسعينات إلى يومنا هذا أدت إلى العودة إلى المسعى الشمولي لبناء‬
‫نظريات جديدة لفهم ما يجري في كل بلد خاضع للعولمة باإلعتماد على المسعى‬
‫‪ ،‬أي اعتبار الظاهرة إنتاج لألفراد في سياق محدد من تبادل التأثير بين النسق‬ ‫البنائي‬
‫وهذا ما دفع إلى اللجوء إلى نظريات األنساق والبيولوجيا المعاصرة ‪ constructivisme‬ومحيطه‬
‫والرياضيات والسبرنيطيقا كما حدث في المقاربات الوظيفية الجديدة في علم االجتماع وفي العلوم‬
‫‪.‬السياسية‬

‫المفكرون الذين برزت أفكارهم خالل ‪2015 -1990‬‬

‫‪.‬نفس المفكرين الذين برزوا خالل المرحلة السابقة‬

‫وفيما يلي سنكتشف سويا متى تبدأ المرحلة الحديثة في علم االجتماع وذلك من خالل التطرق إلى‬
‫‪.‬تصنيف النظريات السوسيولوجية‬

‫ثالثا‪ :‬تصنيف النظريات السوسيولوجية‬

‫يتبين من خالل العرض السابق على الرغم من كونه مقتضبا وبسيطا أن تطور علم االجتماع تميز بتنوع‬
‫النماذج التحليلية التي ظهرت وتطورت عبر مختلف المراحل التي أشرنا إليها‪ ،‬إال أنه يمكن النظر إليها‬
‫اعتمادا على تصنيف تناول الواقع االجتماعي من منظورين رئيسيين‪ :‬منظور مقاربة هذا الواقع انطالقا‬
‫من الكل االجتماعي للوصول إلى األفراد ومنظور مقاربة نفس الواقع انطالقا من الفرد للوصول إلى‬
‫الكل االجتماعي‪ ،‬وهذا ما أطلق عليه بعض علماء االجتماع ومن بينهم فيليب كوركوف في كتابه المعنون‬
‫‪ ,les nouvelles sociologies‬باإلشكالية البنائية ‪ . problématique constructiviste‬وهي اإلشكالية التي‬
‫تسعى لتجاوز المقابالت الكالسيكية بين المجتمع والفرد‪ ،‬النسق والفاعل‪ .‬إال أنه توخيا للتبسيط‪ ،‬نقترح‬
‫تناول هذه االتجاهات إلى فئتين‪ :‬االتجاهات الكليانية ‪ courants holistes‬واالتجاهات الفردانية ‪courants‬‬

‫‪.Individualistes‬‬
‫ولتوضيح هذا الموقف‪ ،‬من الضروري إعطاء تعريفين بسيطين‪ :‬تعريف لالتجاهات الكليانية وتعريف‬
‫لالتجاهات الفردانية مع التأكيد أن هذا التصنيف ال يعني إقامة تعارض بل يشير إلى موقفين لتنظيم‬
‫‪.‬الصيغ النظرية لدراسة الواقع االجتماعي‬

‫تعريف االتجاهات الكليانية أو الشمولية ‪Courants holistes‬‬

‫تقوم االتجاهات التي تصنف ضمن االتجاهات الشمولية أو الكليانية على مبدأ أساسي وهو اعتبار‬
‫المجتمع مركز التحليل السوسيولوجي وأن الكل االجتماعي يختلف عن حصيلة جمع األفراد وهذا ما‬
‫يعني أنه لفهم سلوك األفراد ودراسة الوقائع االجتماعية يتعين دراسة الكل االجتماعي من خالل معرفة‬
‫النظام ‪ L’ordre‬الذي يحكم سيره‪ .‬وتستعمل هذه النظريات مفاهيم مثل‪ :‬النسق ‪ Système‬والبنية‬

‫‪ Structure‬والمعايير ‪ Normes‬والقواعد ‪ Règles‬والوظيفة‪ Fonction‬وغيرها من المفاهيم التي تسمح بفهم‬

‫األجزاء بربطها بفهم الكليات ‪. Totalités‬‬

‫وتعتبر أطروحات إيميل دوركايم المصدر الرئيسي لنشأة وتطور االتجاهات المصنفة ضمن الموقف‬
‫‪:‬الكلياني ومن أبرز هذه االتجاهات نذكر‬

‫الثقافوية ‪ Le culturalisme‬ومن أبرز رواده في االنثروبولوجيا روث بينيدكت ‪(1887- Ruth Benedict‬‬

‫ومرغريت ميد (‪ )1978 -1901‬ورالف لينتون (‪ )1953 -1893‬وفي علم االجتماع روبرت )‪1948‬‬
‫‪.‬ليند و هيلن ليند و ليود وارنر و روبرت هوقارت‬

‫الوظيفيات ‪ Les fonctionnalismes‬ومن أبرز روادها في علم االجتماع روبرت مرتن وتلكوت بارسونز‬

‫‪.‬وجيفري الكسندر ونيكوالس نومن‬

‫البنيويات ‪.Les structuralismes‬ومن أبرز روادها في علم االجتماع بيار بورديو وأنطوني جيدنس‬

‫االتجاهات المقارنة ‪ Les courants comparatistes‬ومن أبرز روادها في علم االجتماع سيمور مرتن‬

‫ليبست (نيويورك) وصمويل نوا ايزنشتاد )‪. (Varsovie 1923‬‬

‫الفعلوية ‪ L’actionnisme‬ومن أبرز روادها في علم االجتماع ألن تورين (‪)1925‬‬


‫النظرية النقدية ‪ La théorie critique‬ومن أبرز روادها في علم االجتماع يورغن هابرمس (‪)1929‬‬

‫الماركسية الجديدة ‪- Le néo marxisme‬ومن أبرز روادها في علم االجتماع رالف داهرندورف (‪1929‬‬

‫‪.‬وماكس هورخايمر (‪ )1973 -1895‬وتيودور ادرنو (‪2009) )1969 -1903‬‬

‫االتجاهات الفردانية‬

‫انطالقا من أطروحات ماكس فيبر ظهرت عدة اتجاهات سوسيولوجية تقوم على مبدأ أساسي يتمثل في‬
‫تصور المجتمع على أساس اعتبار الفرد هو القيمة المركزية وهذا يستدعي إعطاء األهمية للفرد في‬
‫التحليل واعتبار الظواهر أو الوقائع االجتماعية بإرجاعها إلى األفراد أي هي نتيجة إلقامة عالقات بين‬
‫األفراد انطالقا من دوافعهم ونواياهم أو األهداف التي يسعون إلى بلوغها وتبعا لظروف حدوث هذه‬
‫العالقات أو هذه الظواهر‪ .‬وهذا ألن هذه الظواهر ليست نتيجة محدد مسبقا ولكن هي ممارسات يومية‬
‫‪.‬وملموسة تحدث في ظرف اجتماعي محدد في المجتمع‬

‫وهناك عدة اتجاهات يمكن تصنيفها ضمن االتجاهات الفردانية ويمكن أن نذكر من بينها االتجاهات‬
‫‪:‬التالية‬

‫التفاعلية الرمزية ومن أبرز روادها هربرت جورج بلومر و هوارد صول بيكر و بيتر برجر و طومس‬
‫‪.‬لوكمن و هارولد قارفنكل و ارفين قوفمن‬

‫‪.‬نظرية التبادل االجتماعي ومن أبرز روادها جورج هومنس‬

‫نظريات االختيار العقالني ومن أبرز روادها نخبة من الباحثين في االقتصاد وعلم االجتماع الذين‬
‫‪.‬يشتركون في بناء نماذجهم التحليلية انطالقا من توظيف مفهوم العقالنية‬

‫وكنتيجة للتحوالت التي شهدها الحقل السوسيولوجي في كل من أوروبا وأمريكا وبروز تقاليد أخرى في‬
‫أمريكا الالتينية وبلدان المعسكر االشتراكي في ظرف تميز بالحركة الفكرية‪ ،‬ظهر اتجاه إلى الجمع ما‬
‫بين الموقفين وهذا ألن فهم الظواهر االجتماعية يمكن أن ينطلق من المجتمع ليصل إلى األفراد الذين هم‬
‫وراء هذه الظواهر‪ ،‬كما يمكن اإلنطالق من األفراد الذين ينشجون أو يعيدون إنتاج هذه الظواهر‬
‫للوصول إلى المجتمع‪ .‬وقد تطلب ذلك إعادة النظر في المفاهيم األساسية للموقفين‪ .‬ومن هذه المفاهيم‪:‬‬
‫النسق‪ ،‬البنية‪ ،‬العون االجتماعي‪ ،‬الفاعل االجتماعي‪ ،‬الفعل االجتماعي‪ .‬ومن بين المحاوالت التي هي‬
‫‪.‬اآلن في طور التكون المقاربة المعروفة بالمقاربة البنيوية ‪L’approche constructiviste‬‬

‫هذه أهم األفكار التي يمكن للطالب في بداياته األولى في حقل علم االجتماع معرفتها واإلطالع عليها‬
‫وبالخصوص إعطاء نظرة شاملة على أهم النظريات وتصنيفها ومراحل تطور هذا العلم عبر مراحل‬
‫تاريخية وتقديم حوصلة عن أهم المفكرين في علم االجتماع إلى أن نصل إلى تقديم نبذة وجيزة عن أهم‬
‫النظريات السوسيولوجية وبالخصوص المعتمدة أكثر عند علماء االجتماع وذلك في الدروس القادمة‪،‬‬
‫وفي انتظار ذلك يسعدني أن أوجهكم نحو اإلطالع أكثر إلى بعض المراجع حول النظريات لمزيد من‬
‫الفهم وينبغي لكم تسجيل بعض المالحظات وأهم األفكار أو النقاط الغامضة والتي يسرني تقديم المساعدة‬
‫‪.‬لكم وسنلتقي في الدروس الموالية لتقديم أهم النظريات السوسيولوجية في علم االجتماع‬

‫‪.‬وفي انتظار ذلك أتمنى لكم التوفيق وقراءة مثمرة وطيبة إلى أمل أن نلقاكم في الدروس المقبلة بحول هللا‬

‫بالتوفيق أستاذة المقياس‪ :‬د‪ .‬قاسمي وهيبة‬

You might also like