لقد ظهرت الماركسية كمذهب و تيار فكري في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في شرق أوربا ،و سميت كذلك نسبة لمؤسسها كارل ماركس ،حيث استوحى نظريته من التراث الفكري آنذاك والذي عاصر فيه الفلسفة الكالسيكية األلمانية، االقتصاد السياسي الكالسيكي االنجليزي و االشتراكية الفرنسية ،حيث كانت نظريته مادية بحتة بعيدة عن الميتافيزيقية و المثالية تدور حول ملكية األفراد لوسائل اإلنتاج و التي تملكها الطبقة الرأسمالية و طبقة البروليتاريا الكادحة و تطور المجتمع من طبقة إلى أخرى حيث ال يتم هذا التحول إال بوجود الصراع بين هذه الطبقات كما وضع قوانين جدلية و تاريخية و اتخذها كمنهج لنظريته، حيث كان يطمح إلى قيام مجتمع شيوعي إال أن هذا الطموح اصطدم بواقع الرأسمالية المتعصب و لم تضمحل الرأسمالية لتحل محلها االشتراكية و من ثم الشيوعية ،هذا ما أدى ببعض المفكرين لنقد نظريته و نعتها بالناقصة ،ليأتي من بعده تالمذته و مفكرين معجبين بنظريته اتبعوا خطاه و درسوا الواقع المعاش بتطبيق النظرية الماركسية الكالسيكية عليه فوجدوها تحوي على نقائص ،مما اضطرهم إلى تحديث النظرية التقليدية و اكتشاف طبقة وسطى في المجتمع و إضافة بعض المفاهيم التي كانت غائبة عن كارل ماركس مع حفاظهم على األساس و لب النظرية الكالسيكسة و من خالل عرضنا لمحاضرة اليوم سنقف عند ابرز محطات المدرسة الماركسية التقليدية و نحاول توضيح اهم االهداف التي ترتكز عليها نظرياتها و افكار روادها -1مدخل الى المدرسة الماركسية التقليدية:
-1-1 نبذة حول حياة كارل ماركس:
ولد كارل ماركس في الخامس من ماي عام ، 1818ينحدر من عائلة مثقفة ميسورة الحال ،درس الحقوق في جامعة بون ثم جامعة برلين و اهتم بالفلسفة و التاريخ ،و في سنة 1841قدم أطروحته الجامعية حول فلسفة أبيقور ،و كانت مفاهيمه هيجيلية بحتة ،وبعد تخرجه أقام في بون أمال في الحصول على منصب أستاذ جامعي لكن السياسة الرجعية القائمة حالت دون ذلك تأثر ماركس بكل من االقتصاد االنجليزي الذي ساد انجلترا بعد االنقالب الصناعي ،والذي أسسه ادم سميث و دافيد ريكاردو اللذان أثارا نظرية القيمة في العمل وتأثر ماركس كذلك بالمذهب االشتراكي الفرنسي وقد كان ماركس فيلسوفا ومفكرا مادياً ،وألف مع زميله فردريك انلجز. مجموعة من الكتب شرحا فيها أفكارهما و يعدان أول المؤسسين للشيوعية الحديثة التي بدأت من ألمانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ،ثم تابعها في نفس االتجاه لينين وغيره من مفكري المادية أو الماركسية أو الشيوعية الحديثة في القرن العشرين ،وهو صاحب مقولة "الدين هو أفيون الشعوب" ألن الدين ال يشجع الفكر الحر الذي ينتج بل يبقيهم كالمخدرين دون طموح للتقدم والتغيير ,و من اهم مؤلفاته "بيان الحزب الشيوعي" و "راس المال" -1-2تعريف المدرسة الماركسية التقليدية:
المدرسة الماركسية او المدرسة االشتراكية هي مدرسة
اقتصادية اسسها كارل ماركس قائمة علي الفكر االقتصادي االشتراكي ،حيث صاحبت الثورة الصناعية الليبرالية تعاسة كبيرة للطبقة العاملة وبؤس مدقع في أوساطها واستغالل كبير لألطفال والنساء الذين كانوا يعملون في المناجم والمعامل وساعد المستوى المنخفض لألجور أصحاب األموال من تكديسها أو استثمارها الشيء الذي أدى إلى تقدم اقتصادي كبير على حساب تضحيات اجتماعية وقد عارض هذه األوضاع كثير من الذين ينزعون إلى التيار االشتراكي -1-3عوامل ظهور المدرسة الماركسية التقليديةو تطورها: مكننا القول بأن الظروف التي أعانت كارل ماركس على وضع نظريته كانت ظروفا ً سياسية ،واقتصادية ،واجتماعية، وفكرية ،سادت في عصره وعاشها في بداية حياته مثل التناقضات التي جاء بها تطور النظام الرأسمالي في أوروبا خالل القرن التاسع عشر بين طبقة المالك الرأسماليين وطبقة العمال الكادحين هذا و تجدر االشارة الى ان التطور الكبير الذي قطعه علم الطبيعة خالل القرن التاسع عشر يتمثل في الكف عن دراسة األشياء والوقائع منفصلة عن بعضها البعض ،والتحول إلى علم نظري يسعى إلى تفسير هذه الوقائع ،وإيضاح الصلة بينها على أساس ديالكتيكي ، وقد ساعدت النظريات واالكتشافات الكبرى في علم الطبيعة إبان القرن التاسع عشر على تشكيل النظرية المادية الجدلية إلى الطبيعية ،كاكتشاف بقاء الطاقة وتحولها ،ونظرية تركيب الكائنات الحية من خاليا ،ونظرية داروين التطورية .اضافة الى الفقر المذقع و االوضاع المزرية التي كان يعيشها عامة الناس ماعدا قلة منهم و كذا االضطهاد الكنسي الذي كان يمارس شتى الضغوط على المجتمع االوروبي -2اهم نظريات المدرسة الماركسية التقليدية:
-2-1 نظرية الصراع الطبقي:
يعد كارل ماركس مؤسس اتجاه الصراع الذي هو أحد االتجاهات األساسية في النظرية االجتماعية ،و السبب في هذا الصراع هو صراع قائم على المصالح بين الطبقات االجتماعية و التي اعتبرها ماركس تناقضات داخلية تظهر في المجتمع و تنجم أساسا من تأثير عالقات اإلنتاج على حياة الناس و التي تؤثر على طريقة تفاعلها فالطبقات المالكة لوسائل اإلنتاج تكون قادرة على استغالل الطبقات األخرى لصالحها و من جهة أخرى فأن الطبقات التي يقع على كاهلها نتائج االستغالل مهتمة بإحداث تغييرات أساسية في هذا النظام ،لتضع حدا الستغالله إذا أصبح لدى تلك الطبقات وعي كاف تصبح الثورة ال مفر منها و من نتائج هذه الثورة المزيد من التقدم التكنولوجي الذي لم يكن متواجدا من قبل -2-2المادية الجدلية:
هي تلك النظرية التي تقرر بأن المادة هي كل الوجود ،وان
مظاهر الوجود على اختالفها ما هي إال نتيجة تطور متصل للقوى المادية ،وان ما هو عقلي يتطور عما هو مادي والبد أن يفسر على أساس طبيعي.ان اول من وضع مبادئ المادية الجدلية هو الفيلسوف األلماني كارل ماركس الذي أسسها مع صديقه فردريك انجلز ولكن الذي دعى إليها ونشرها هو لينين ،ويطلق على هذه الفلسفة اسم" المادية الجدلية" لقد تأثر ماركس بالفلسفة األلمانية المادية التي كانت سائدة في عصره ،فأخذ عن (هيجل) الجدل حيث يكمن محور الديالكتيك الهيجلي يتمثل في أن المتناقضات تنشأ في العقل الجمعي أوال ثم تنعكس على أرض الواقع لكن هذه الجدلية لم تعجب ماركس و انجلز ،و قاال بأن المذهب الهيجلي يمشي على رأسه و ال بد أن يعاد إلى توازنه و يمشي على قدميه و أخذ ماركس وانجلز من الديالكتيك الهيجلي نواته المعقولة نابذين قشرته المثالية وطوراها ابعد من ذلك لكي يضفوا عليها شكال علميا اكثر وتقوم المادية الجدلية عند كارل ماركس على قوانين ثالثة و هي كالتالي: قانون وحدة األضداد وصراعها: يقوم اساسا على ان كل شيء طبيعي وكل ظاهرة تشتمل على طرفي تضاد ،وال يمكن أن يظل هذان الطرفان في سالم فمن المحتم ان يتولد الصراع بينهما وهذا الصراع بينهما ال يقضي على وحدة الشيء أو الظاهرة ،بل يقضي إلى تغلب الطرف المعبر عن التقدم على الطرف اآلخر فيحدث التحول ،وهذا هو السبيل الى التطور ،ويرى ماركس أننا نجد التضاد في الشيء الواحد وأن التحول يحدث حينما يتغلب طرف على اآلخر دون القضاء على وحدة الشيء ،وبالتطبيق على الواقع السياسي نجد أن المجتمع الرأسمالي يشمل على البروليتاريا والبرجوازية ،وكل طبقة منها تفترض وجود الطبقة األخرى على الرغم من تضادهما ،إذ أنهما سيؤلفان وحدة النظام الرأسمالي قانون االنتقال من التغير الكمي الى التغير الكيفي: يوضح هذا القانون كيف يسير التطور ،فالتغير الكمي يحدث من ناحية المقدار أما التغير الكيفي فيحدث من التحول في الكيف أو الصفات ،ويرى ماركس انه عندما تتراكم التغيرات الكمية و تتزايد ،فإن التغير الكيفي ال يلبث أن يتم ،كما يرى انه إذا اختفت الملكية الرأسمالية وهي الكيفية األساسية للنظام الرأسمالي وحلت محلها الملكية االشتراكية ،فإن نظاما جديداً يحل محل النظام الرأسمالي وهو النظام االشتراكي ،وبينما يحدث التغير من الرأسمالية إلى االشتراكية فجأة أي باالنقالب الثوري المباغت ،نجد أن االنتقال من االشتراكية إلى الشيوعية ال يتم فجأة بل بالتغيير المستمر البطيء قانون نفي النفي: وهذا القانون يكشف عن االتجاه العام للتطور في العالم المادي ،فتاريخ المجتمع اإلنساني يتألف من حلقات نفي النظم الجديدة للنظم القديمة ،فقد قضت الرأسمالية على مجتمع اإلقطاع ثم قضى المجتمع االشتراكي على مجتمع الرأسمالية وكل نظام يشتمل في نفسه على مبادئ كامنه في ذاته تكون هي االساس في القضاء عليه فالمجتمع الرأسمالي يحوي في ذاته على مبادئ و الواقع ان الشئ الجديد يستبقي من القديم أفضل ما فيه فيدمجه فيه ويرفعه إلى األعلى إن المادية الجدلية ،ال تناقش األمور الغيبية ،ألنها ال تؤمن إال بالمادة المحسوسة ،وترى المادية الجدلية أن كل ما في الوجود يضمن عناصر متناقضة ،و متصارعة ،وان التصارع بين النقيضين (الشيء وضده) ينشأ عنه شيء أرقى مرتبة منه، وهذا ما يوضح طبيعة التطور ويجعل منه تقدما ً وهو ما يعرف بقانون نفي النفي -2-3المادية التاريخية: هي امتداد و نتاج تطبيق المنطق الجدلي على التطور التاريخي للمجتمع ،و هي علم يفسر لنا كيفية تطور القوانين االجتماعية وكذا نظرية سوسيولوجية ،استخدمها ماركس في دراسة المجتمع لتحليل جوانبه المادية و قضية اإلنتاج االقتصادي و هي أساس دراسته ،و مغزاها أن المادة أو الوجود هما أصل ظهور الوعي أو الفكر ،و التي اتخذ منها ماركس محورا لنظريته ،حيث هي إيديولوجية واضحة المعالم تمكننا من معرفة األساس المادي و االقتصادي للعالم و هي في تطور مستمر على أساس جدلي ،فهي التي تبحث عن القوانين العامة و القوى الدافعة لتطور المجتمع اإلنساني بصورة عامة و دراسة تاريخ المجتمعات و الشعوب و تاريخ تغير و تطور النظم االقتصادية و االجتماعية، و أيضا تدرس قوانين الحياة المعاصرة سواء كانت رأسمالية أو اشتراكية .ففي رأي ماركس أن المجتمع ناتج من حركة المادة التي تشكل الطبيعة و خاصة أشكالها الطبيعية ،حيث يقول أن سلف المجتمع البشري هو قطيع حيواني ينمو و يقوم على أساس الطعام و الجنس و تحوله البيولوجي إلى مجتمع بشري كان نتاج تأثير مباشر للعمل و النشاط المزود باألدوات و لتحقيق هدف محدد كان ال بد من خلق أدوات ضرورية للعمل على تطوير أشياء طبيعية و كان المجتمع البشري نتاج سعي اإلنسان إلى تغير صفاته من جهة و كذا األدوات التي يؤثر بها في الطبيعة من جهة اخرى فظهرت هناك روابط في العمل ،فتفاعل الطبيعة و المجتمع شرط ضروري لقيام المجتمع بوظائفه و تطوره و من ثم تؤثر الطبيعة في المجتمع و يؤثر هو عليها حسب آليات محددة. وحسب الدراسة التاريخية لماركس رأى أن اإلنتاج المادي هو أساس وجود المجتمع فكل من الرؤى السياسية ،األخالقية، التشريعية و الدينية تقوم على أساس اإلنتاج و هو األساس االقتصادي للمجتمع و هذا األخير يقوم على طبقات تعكسها المصالح المتضاربة و التي تقوم على العداء و من ثم قدم وجود المادة على الوعي و بنى علم االجتماع على اساس قاعدتين هما: الوجود االجتماعي :و يتمثل في الظواهر المادية في المجتمع (نشاط ،إنتاج ،عمل ،استغالل و تأثير الطبيعة) الوعي االجتماعي :و هو مجموعة الظواهر الروحية من أفكار ،نظريات ،مشاعر ،تقاليد و أعراف و التي تعكس الوجود االجتماعي للناس في مجتمع ما و باختصار فان جوهر المادية التاريخية يعود إلى البناء الفوقي للمجتمع الذي هو ناتج البناء التحتي للمجتمع ،حيث أن هذا األخير هو مجموع عالقات المجتمع االقتصادية ،و البناء الفوقي هو القوانين واألخالق والسياسات العامة ،و تعتبر الماركسية أن البناء الفوقي للمجتمع يعكس بنائه التحتي ، فمثال في المجتمع الرأسمالي تتولد دولة تخدم المصالح الرأسمالية وأحزاب ال تتناقض مع الرأسمالية و تسن القوانين بما يخدم الرأسمالية -3تقييم الماركسية التقليدية:
-3-1 انتقادات للمدرسة الماركسية التقليدية:
ان الماركسية و كغيرها من النظريات تعرضت لنقد العديد من المفكرين و من بينهم "بوتومور" و الذي قام بنقد الماركسية التقليدية من خالل الجوانب االتية: االهمية التي اوالها ماركس للطبقة و الصراعات الطبقية في تفسير التغيرات التاريخية االساسية في المجتمع البشري جعلته يهمل عالقات اجتماعية اخرى على جانب كبير من االهمية خاصة القومية والصراع بين االمم -عدم كفاءة الماركسية في تفسير العالقات الطبقية في انماط المجتمعات المغايرة للنمط الراسمالي -لم يعمق بناء المجتمعات الحديثة الهوة بين البرجوازية و البروليتاريا و لم تختلف منه الشرائح الوسطى من السكان كما ان الطبقة البروليتارية لم تحقق نموا في الوعي االجتماعي بحيث تقوم بدورها التاريخي في الثورة على ما تصور ماركس -3-2ازمة الماركسية:
قبل ظهور الرئيس غورباتشوف و افول الشيوعية في اوروبا
الشرقية عاشت الماركسية في جدال عنيف بعد ان اضحت كثير من القضايا اكثر وضوحا .و هناك قلة من الماركسيين االن تؤمن بالحتمية التاريخية باستثناء البنيويين الفرنسيين اللذين قاموا بمجرد احالل العوامل الثقافية محل العوامل االقتصادية كما ان مجموعة من الماركسيين في اوروبا الشرقية تؤيد استخدام الوسائل العنيفة لتحقيق التغير في اوروبا الغربية و هذا على الرغم من النظر الى هذه الوسائل على انها وسائل مشروعة لالطاحة بنظم الحكم االستغاللية و غير الممثلة في العالم الثالث و يمكن القول ايضا ان معظم الماركسيين اليوم اصبحوا ديمقراطيين بمعنى انهم االن ال يؤيدون حكم الحزب الواحد -3-3 مبادئ المدرسة الماركسية التقليدية :تقوم النظرية الماركسية على عدة مبادئ أهمها: *أنها تعبير عن صراع طبقي ومصالح مادية *المهم ليس فهم العالم بل العمل على تغييره *المادة توجه العالم وتفسر التاريخ *التاريخ عند الماركسية عبارة عن صراع بين الطبقات نتيجة عوامل اقتصادية *االقتصاد وعالقات اإلنتاج هما أساس كل ظاهرة اجتماعية * الدعوة لتغير العالم لصالح الكادحين (البروليتاريا) *تفسير األحداث والتاريخ بناءا على نظام الملكية *محاربة األديان واعتبارها وسيلة لتخدير الشعوب ،وخادما ً للرأسمالية واإلمبريالية *اإليمان بأزلية المادة وأن العوامل االقتصادية هي المحرك األول لألفراد والجماعات *األخالق نسبية وهي انعكاس آللة اإلنتاج *القضاء على االستغالل الفردي وسحق الفرد الخاتمــــــــــــــــــــــــــة على الرغم من االنتشار الواسع للرأسمالية أو ما يسمى اليوم باإلمبريالية في العالم و سيطرتها على دول العالم الثالث ،و الذي تولدت عليه األزمة المالية الحديثة و ما خلفته من مشاكل ،حيث وقفت الرأسمالية حاجزا أمام تطور المجتمعات ،عن طريق االستغالل االجتماعي و السياسي و االقتصادي للعمال ،و على الرغم من انهيار اإلتحاد السوفياتي سابقا إال أن النظرية الماركسية سواء الكالسيكية أو المحدثة استطاعت أن تترك بصمتها و تراثها ال يزال يتجدد و ال سيما في أكبر دولة في العالم و هي الصين، حيث تركت إسهامات كارل ماركس و أنصاره أثرا كبيرا في الفكر اإلنساني و دراسته للمشاكل الواقعية في العصر الحديث و كذا المساهمة في تطور النظرية السوسيولوجية عامة