You are on page 1of 14

‫بحث‬

‫بحث شامل عن المدرسة البنائية ‪*****:‬‬


‫خطة البحث‬
‫‪-‬مقدمة‬
‫‪ - 1‬تعريف المدرسة البنائية‬
‫‪ – 2‬أهم المفاهيم المركزية لمدرسة البنائية‬
‫‪ – 3‬لمحة تاريخية عن المدرسة البنائية‬
‫‪ - 4‬أهم رواد المدرسة البنائية‬
‫‪ – 5‬أساسيات المدرسة البنائية‬
‫‪ - 6‬مبادئ التعلم في النظرية البنائية‬
‫الخاتـــــــــــــــــــــمة‬
‫قائمة المراجع‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫ال يختلف اثنان في أن موضوع مدارس علم النفس من االمور التي تشغل بال جميع المفكرين و العلماء في علم النفس و‬
‫هو موضوع مثير للجدل حول ماهيته و طبيعة القوانين التي تحكمه و تحدد نظرياته و تطبيقاته و كذلك اختال النظرة الى‬
‫ما يجري داخل االنسان من عمليات و ما يتم في بيئته من تفاعالت تؤدي في مجموعها الى احداث تغييرات في السلوك و‬
‫نمط الحياة‬
‫و لعل المدرسة البنائية من أهم المدارس التي ظهرت في مجال علم النفس و في بحثنا هذا سنتطرق الى ماهية المدرسة‬
‫البنائية ‪ .‬أهم روادها ‪ .‬اساسياتها و أهم المبادئ االساسية‬
‫‪ - 1‬تعريف المدرسة البنائية‬
‫تعتبر نظرية التعلم البنائية ( أو التكوينية) من أهم النظريات التي أحدثت ثورة عميقة في األدبيات التربوية الحديثة‬
‫خصوصا مع جان بياجي ‪ ،‬الذي حاول انطالقا من دراساته المتميزة في علم النفس الطفل النمائي أن يمدنا بعدة مبادئ‬
‫ومفاهيم معرفية علمية وحديثة طورت الممارسة التربوية ‪ .‬كما أنه طبق النتائج المعرفية لعلم النفس النمائي على‬
‫مشروعه االبستيمي (االبستمولوجيا التكوينية) ‪ ،‬ولمقاربة هذه النظرية البنائية في التعلم سننحاول أول‪،‬ا التعرف على‬
‫أهم المفاهيم المركزية المؤطرة لها ‪ ،‬ثم أهم مبادئها ثانيا ‪،‬وبعد ذلك سنتعرف على األبعاد التطبيقية لهذه النظرية في حقل‬
‫التربية (‪)1‬‬
‫‪ – 2‬أهم المفاهيم المركزية لمدرسة البنائية‬
‫مفهوم التكيف ‪ :‬التعلم هو تكيف عضوية الفرد مع معطيات وخصائص المحيط المادي واالجتماعي عن طريق استدماجها‬
‫في مقوالت وتحويالت وظيفية ‪ ،‬والتكيف هو غاية عملية الموازنة بين الجهاز العضوي ومختلف حاالت االضطراب‬
‫والالإنتظام الموضوعية أو المتوقعة والموجود في الواقع ‪ ،‬وذلك من خالل آليتي االستيعاب ‪ l’assimilation‬والتالؤم‬
‫‪:l’accommodation‬‬

‫التالؤم ‪ :‬هو تغيير في استجابات الذات بعد استيعاب معطيات الموقف أو الموضوع باتجاه تحقيق التوازن ‪،‬وحيث إن‬
‫االستيعاب هو إدماج للموضوع في بنيات الذات ‪ ،‬والمالءمة هي تالؤم الذات مع معطيات الموضوع الخارجي ‪.‬‬
‫مفهوم الموازنة والضبط الذاتي ‪ :‬الضبط الذاتي هو نشاط الذات باتجاه تجاوزا االضطراب والتوازن هو غاية اتساقه ‪.‬‬
‫مفهوم السيرورات االجرائية ‪ :‬إن كل درجات التطور والتجريد في المعرفة وكل أشكال التكيف ‪ ،‬تنمو في تالزم جدلي ‪،‬‬
‫وتتأسس كلها على قاعدة العمليات اإلجرائية أي األنشطة العملية الملموسة‪.‬‬
‫مفهوم التمثل والوظيفة الرمزية‪ :‬التمثل ‪،‬عند بياجي‪ ،‬ما هو سوى الخريطة المعرفية التي يبنيها الفكر عن عالم الناس و‬
‫األشياء ‪.‬وذلك بواسطة الوظيفة الترميزية ‪ ،‬كاللغة والتقليد المميز واللعب الرمزي‪...‬والرمز يتحدد برابط التشابه بين‬
‫الدال والمدلول ؛والتمثل هو إعادة بناء الموضوع في الفكر بعد أن يكون غائبا‬
‫مفهوم خطاطات الفعل ‪:‬الخطاطة هو نموذج سلوكي منظم يمكن استعماله استعماال قصديا‪ ،‬وتتناسق الخطاطة مع‬
‫بحث‬
‫خطاطات أخرى لتشكل أجزاء للفعل ‪،‬ثم أنساقا جزيئة لسلوك معقد يسمى خطاطة كلية ‪.‬وإن خطاطات الفعل تشكل ‪،‬‬
‫كتعلم أولي ‪ ،‬ذكاء عمليا هاما ‪،‬وهو منطلق الفعل العملي الذي يحكم الطورالحسي ـ الحركي من النمو الذهني (‪)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سركز ‪ ،‬عجيلي و آخرون ‪ ،‬نظريات التعلم ‪ ،‬ط‪ ، 2‬منشورات جامعة قازيونس ‪ ،‬بنغازي ‪1996‬‬
‫‪ – 3‬لمحة تاريخية عن المدرسة البنائية‬
‫‪ 1875-1930‬هي مدرسة أسسها العالم النفسي فيلهيلم فونت والتي تعرّ ف علم النفس بأن وظيفته هو تحليل الخبرة‬
‫الشعورية أو الوعي إلى عناصره األساسية من أجل معرفة العالقة بين هذه العناصر المختلفة ‪،‬أي أن طريقة البحث هذه‬
‫نفس الطريقة التي يستعملهل الكيميائي أو الفيزيائي في فحص ماهية طبيعة مكونات الخبرة الشعورية مثل األحاسيس‬
‫والمشاعر والخياالت‪.‬وهكذا ركزت المدرسة البنائية على دراسة موضوع الحس واالدراك في مجاالت البصر والحس‪،‬‬
‫ومن أجل ذلك استعملوا طريقة في البحث وهي االستبطان والتي تعني التأصل‪/‬المالحظة الذاتية لخبرة الفرد الذاتية‪ .‬و‬
‫من االنتقادات الموجهة‪ . 1 :‬اإلنسان وهو منفعل ال يستطيع أن يصف الخبرة الشعورية بصورة علمية‪ .2 .‬الطالب الذين‬
‫أجريت عليهم التجارب كانوا يتدربون على هذه التجارب قبل أن تجري عليهم التجارب‪ ،‬مثال كانوا يتعرضون لمثيرات‬
‫سمعية (بأن نسمعهم نغمات مختلفة)‬
‫يعتبر فونت مؤسس المدرسة البنائية في علم النفس‪ .‬وبفضله استقل علم النفس عن الفلسفة‪.‬‬
‫• اهتم بدراسة الوعي (الشعور) من وجهة نظر بنائية أو فيزيائية‪ .‬ونعني بكلمة بنائية هنا تحليل الكل إلى أجزائه أو‬
‫عناصره المختلفة‪ .‬وعلى هذا األساس فان اهتمام فونت كان منصبا على دراسة عناصر الخبرة الشعورية وعالقتها‬
‫الميكانيكية بالجهاز العصبي‪.‬‬
‫• يرى أن الوعي والتفكير والمعرفة هي مجموع هذه العناصر‪.‬‬
‫• ولتحديد عناصر ومكونات الخبرة الشعورية استخدم منهج التأمل الباطني‪.‬‬

‫• يفسر فونت عملية الفهم ‪ Apprehension‬والتي تشمل التفكير بأنها نشاط معرفي للربط بين المحتويات‬
‫العقلية )المدركات الحسية و المشاعر)‪.‬‬
‫• أسس معمله لهذا الغرض عام ‪ ،1879‬ثم اصدر مجلة بعنوان الدراسات الفلسفية عام ‪ 1881‬لنشر نتائج أبحاثه‪.‬‬

‫• يعتبر تكنر ‪ E. Tichener‬والذي عاش في الفترة بين ‪ 1867‬الى ‪ 1927‬من أهم تالمذته‪ ،‬وقد حاول جاهدا من خالل‬
‫العديد من المنشورات و األبحاث نشر البنائية بالواليات المتحدة إال أنها انتهت مع وفاته‪.‬‬
‫• من أهم األفكار التي أضافها تكنر إلى فكر فونت اعتقاده بضرورة ابتعاد علما النفس عن دراسة ما بعد الظواهر‬
‫الفيزيائية في علم النفس لتأثير ذلك على تكامل العلم‪.‬‬

‫• يفسر العمليات العقلية العليا ‪ Thoughts‬إجماال من منطلق بنائي‪ ،‬فيرى أنها مجموعة أفكار ‪ ،‬وان هذه األفكار تتكون‬
‫من مجموعة من الصور الشعورية –المدركة حسيا‪ -‬أو الخياالت‪.‬‬
‫• يفسر تكنر عملية الفهم والتفكير من خالل نظريته في "تقرير المعنى" و التي تقول بأن معاني األشياء تأتى من ارتباط‬
‫االحساسات بالمجال الذي تحدث فيه‪ ،‬أو من خالل ترابطها باالحساسات األخرى السابقة‪.‬‬

‫• حاول البعض تطوير االتجاه ومنهم برنتانو ‪ Berentano‬الذي أسس علم نفس الفعل ‪ Act Psychology‬حيث يعتبر‬
‫دراسة عملية األحداث الشعورية في ارتباطها بالبيئة الخارجية موضوعا لعلم النفس‪ ،‬وبمعنى آخر فان الفعل النفسي‬
‫يكون نتاج للعوامل الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫• وإجماال فان المدرسة البنائية حاولت الربط بين االتجاه الوضعي والحسي في كل من بريطاني وفرنسا باالتجاه العقلي‬
‫األلماني‪.‬حيث ركزوا على المدركات الحسية مع اعترافهم بالعمليات العقلية‪ ،‬إال أن تفسيرهم للعمليات العقلية لم يكن موفقا‬
‫إذ اعتبروه مجموعة لهذه المدركات (تفسير بنائي فيزيائي)‪ ،‬كما أن اعتمادهم على منهج التأمل الباطني ليس علميا‬
‫والمتأمل يتأثر بالذاتية‪ .‬ونتيجة لكل هذه العيوب فقد انتهت المدرسة البنائية بموت تكنر‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]‬
‫بحث‬
‫‪ - 4‬أهم رواد المدرسة البنائية ‪:‬‬
‫للمدرسة البنائية عدة رواد و لعل أشهرهم مؤسهها فيلهيلم فونت و تلميذه تكنر ‪ .‬باالضافة الى عالم النفس السويسري جان‬
‫بياجيه‬
‫‪ 4-1‬فيلهيلم فونت ‪:‬‬

‫فيلهلم ماكسميليان فونت (بااللمانى‪ ()Wilhelm Maximilian Wund:‬ولد‪ 16 :‬اغسطس ( اوت ) ‪ - 1832‬توفي ‪:‬‬
‫‪ 31‬اغسطس ( اوت ) ‪ ) 1920‬عالم الماني يعتبر اكبر عالم فى تاريخ علم النفس‪ .‬تتلمذ على يد ميللر وبعد ذلك درس‬
‫الفسيولوجيا وبعدها الطب‪ .‬اهتم بعلوم الطبيعه والكيمياء والطب التجريبى وبعد ذلك تحول اهتمامه للسايكولوجيا‪ .‬اسس‬
‫سنة ‪ 1879‬اول معمل تجريبى لعلم النفس‪ .‬واسس مجله لنشر ابحاثه سنة ‪.1881‬‬
‫‪ 4-2‬تكنر ‪ :‬عاش في الفترة بين ‪ 1867‬إلى ‪ 1927‬من أهم تالمذة فيلهيلم فونت ‪ ،‬وقد حاول جاهدا من خالل العديد من‬
‫المنشورات واألبحاث نشر البنائية بالواليات المتحدة إال أنها انتهت مع وفاته‪.‬‬
‫‪ 4-3‬جان بياجيه‬

‫جان بياجيه (بالفرنسية‪( )Jean Piaget :‬ولد ‪ 9‬أغسطس ( اوت ) ‪ - 1896‬توفي ‪ 16‬سبتمبر ‪ )1980‬كان عالم نفس‬
‫وفيلسوف سويسري يشتهر بصياغته لنظرية تطور اإلدراك‪ .‬أنشأ بياجيه في عام ‪ 1965‬مركز نظرية المعرفة الوراثية‬
‫في جنيف وترأسه حتى وفاته في عام ‪ .1980‬يعتبر بياجيه رائد المدرسة البنائية في علم النفس‬
‫‪ – 5‬أساسيات المدرسة البنائية عند بياجيه‬
‫‪1‬ـ ﻳﺮى أن ﻣﺎ ﻳﻨﻈﻢ ﻧﻤﻮ اﻟﺬﻛﺎء ھﻮ ﻧﻔﺲ اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪد اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻌﺎم‬
‫ﻟﻺﻧﺴﺎن ‪ ،‬واﻟﺘﻐﯿﺮات ﻓﻲ ﻓﺴﯿﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺤﯿﺔ ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻒ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﻔهم أو ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻋﻨﺪ‬
‫اﻷﻓﺮاد ﺣﯿﺚ ﻳﺤﺎول اﻗﺘﻔﺎء أﺛﺮ اﻧﺘﻘﺎل اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺗﻄﻮر ﻣﻌﺮﻓﻲ إﻟﻰ‬
‫ﻣﺮﺣﻠﺔ أﺧﺮى ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺒﺎدئ اﻟﻤﻮازﻧﺔ ﻳﺴﺘﻄﯿﻊ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻜﻮن فهما أﻛﺜﺮ دﻗﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ‪ ،‬وھﺬه ھﻲ ﻣﺒﺎدئ اﻟﺘﻌﻠﻢ ﻣﻦ وﺟﻪ ﻧﻈﺮ ﺑﯿﺎﺟﯿﻪ ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اﻟﻨﻤـﻮ اﻟﻤﻌﺮﻓـﻲ ﺣـﺼﯿﻠﺔ اﻟﺘﻔﺎﻋـﻞ ﺑـﯿﻦ ﻋﻮاﻣـﻞ اﻟﻨـﻀﺞ اﻟﺒﯿﻮﻟـﻮﺟﻲ واﻟﺒﯿﺌـﺔ‬
‫اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻟﺘﻮازن ‪ .‬ﻷن اﻟﻄﻔـﻞ ﻳﻜﺘـﺴﺐ ﻣـﻦ ﺧـﻼل ھـﺬا اﻟﺘﻔﺎﻋـﻞ‬
‫اﻟﺨﺒﺮات اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻨﻪ ‪ ،‬وﻳﺘﻌﻠﻢ ﻛﯿﻒ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ھﺬه اﻟﺒﯿﺌﺔ ‪ ،‬وﻳﻜﺘﺴﺐ‬
‫أﻧﻤﺎﻃﺎ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﺑﺪﻣﺠﮫﺎ ﻓﻲ ﺗﻨﻈﯿﻤﻪ اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ‪ ،‬وﻗﺪ ﺗﺴﻘﻂ ﻣﺎ ﻗﺒﻠها‬
‫ﻣﻦ اﻷﻧﻤﺎط اﻷﻗﻞ ﻧﻀﺠﺎ أو ﺗﻌﺪﻟها ﻟﺘﻨﺘﻈﻢ داﺧﻞ اﻟﻨﻤﻂ اﻟﺠﺪﻳﺪ ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻟﯿﺲ ﺗﻄـﻮرا ﺑـﻞ ﻛﯿﻔـﻲ ﻓـﻲ أﺳـﺎﻟﯿﺐ اﻟﺘﻔﻜﯿـﺮ ووﺳـﺎﺋﻠﻪ ‪،‬‬
‫ﻳﺨﻀﻊ ﻟﺘﺘﺎﺑﻊ ﻣﺘﺪرج ‪ ،‬ﻟﻪ ﻓﺌﺎت أﻋﻤﺎر ﺗﻘﺮﻳﺒﯿﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﮫﺎ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻣﻤﯿﺰة ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻌﻠﻢ المفهوم اﻟﻤﺤﺪد إﻻ إذا ﻛﺎن اﻟﻄﻔﻞ ﻗﺪ اﻛﺘﺴﺐ اﻟﻜﻔﺎءة‬
‫‪ 7‬ـ ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ أن اﻟﺘﻌﻠﻢ اﻟﺬي ﻟـﻪ ﻣﻌﻨـﻰ أو اﻟـﺘﻌﻠﻢ اﻟﺤﻘﯿﻘـﻲ ‪ ،‬ھـﻮ‬
‫اﻟﺘﻌﻠﻢ اﻟﺬي ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻦ اﻟﺘﺄﻣﻞ أو اﻟﺘﺮوي ﻓﺎﻟﺘﻌﺰﻳﺰ ﻋﻨﺪ ﺑﯿﺎﺟﯿﻪ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺌـﺔ‬
‫ﻛﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻮل ﺑﻞ أن اﻟﺘﻌﺰﻳﺰ ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ أﻓﻜﺎر اﻟﻤﺘﻌﻠﻢ ذاﺗﻪ ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻘﻀﯿﺔ ﻗﯿﺎس اﻟﺘﻌﻠﻢ ﻓﺈن ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺑﯿﺎﺟﯿﻪ أﻗﺮب إﻟﻰ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺗﻮﻟﻤـﺎن‬
‫ﻣﻨها إﻟﻰ ﻧﻈﺮﻳﺔ ھﻞ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻄﻔﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻢ ﻛﯿﻒ ﻳﺠـﺪ ﺷـﯿﺌﺎ ﺗـﻢ اﺧﻔـﺎؤه ﺣـﺪﻳﺜﺎ‬
‫بحث‬
‫ﺗﺤﺖ ﺻﻨﺪوق ﻣﺎ ﻓﺈن ھﺬا اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺬي ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻷﺷـﯿﺎء اﻟﻤﺨﻔﯿـﺔ ﻗـﺪ‬
‫ﺗﻌﻠﻢ اﻟﺨﺮﻳﻄﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﯿﺔ ﻟﻸﺷﯿﺎء اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻄﻔﻞ ﺗﻌﻠﻢ‬
‫أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺮد اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﯿﻪ ﺗﻘﺪﻳﻤها ﻓﻲ ﺣﻀﻮر ﻣﺜﯿﺮ ﻣﻌﯿﻦ ‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ اﻷﺣﺪاث اﻟﺒﯿﺌﯿﺔ ﻻ ﺗتعدى ﻛﻮﻧها ﻣﺤـﺪدات ﺗﻌﻠـﻢ ﺧﺎرﺟﯿـﺔ وﻻ ﺗﻤﺜـﻞ أﻛﺜـﺮ ﻣـﻦ‬
‫ﻣﺼﺪر واﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ‪ .‬واﻟﺪﻣﺎغ اﻟﻨﺎﺿﺞ ﻓﯿﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ أﻛﺜـﺮ ﺑﻜﺜﯿـﺮ‬
‫ﻣﻤﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﯿﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ ھﻨﺎك أﺷﯿﺎء ﻳﺘﻌﻠﻤها اﻟﻄﻔﻞ وھﻮ ﻓـﻲ ﻃـﻮر ﻧﻤـﻮه ﻻ ﻳﻤﻜـﻦ ﺗﻔـﺴﯿﺮھﺎ ﻋـﻦ‬
‫ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﺤﺪدات اﻟﻤﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻟﻨﻀﺠﯿﺔ وﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﯿها ﺑﯿﺎﺟﯿـﻪ ﻋﻤﻠﯿـﺔ‬
‫اﻟﻤﻮازﻧﺔ ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ - 1‬الزيات ‪ ،‬فتحي مصطفى ‪ ،‬األسس المعرفية للتكوين العقلي و تجهيز المعلومات ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مطابع الوفاء ‪1995‬‬
‫‪ 11‬ـ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺎھﯿﻢ اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ اﻟﺘﻜﯿﻒ اﻟﺬي اﻋﺘﺒﺮه ﻧﺰﻋﺔ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ إﻟـﻰ مالءﻣـﺔ‬
‫ﻧﻔﺴها ﻣﻊ اﻟﺒﯿﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﯿﺶ ﻓﯿها ‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ اﻹﺳـهام اﻟﺤﻘﯿﻘـﻲ ﻟﺒﯿﺎﺟﯿـﻪ ﻳﺘﻤﺜـﻞ ﻓـﻲ وﺻـﻒ ﻃﺒﯿﻌـﺔ ﺗﻜﯿـﻒ اﻟﻌـﻀﻮﻳﺔ‬
‫‪ 13‬ـ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻤﺜﻞ واﻟﻤﻮاءﻣﺔ ﻣﺴﺆوﻟﺘﺎن ﻋﻦ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻜﯿـﻒ اﻟﻌـﺎم ﻟﻠﻜـﺎﺋﻦ ‪ ،‬أو‬
‫ﻋﻤﻠﯿﺔ اﺳﺘﻌﺎدة اﻟﺘﻮازن ‪ .‬والمالءﻣﺔ ﺑﺪون اﻟﺘﻤﺜﻞ ﻗﺪ ﺗﺆدي إﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺧﺎﻃﺌﺔ ‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ اﻟﺘﻮازن ھﻮ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺗﻨﻈﯿﻢ داﺧﻠﯿﺔ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﻤﻔهوم اﻟﺘﻜﯿﻒ ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺮد ‪ ،‬وﻧﻌﻨﻲ‬
‫ﺑﻪ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻔﻆ اﻟﺘﻮازن ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻤﺜﻞ واﻟمالءﻣﺔ أﺛﻨﺎء ﺗﻔﺎﻋلهما ﻣﻌﺎ ‪.‬‬

‫‪ 15‬ـ ﻳﺤﺪث اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻧﻤﺎﺋﯿﺔ ﻋﻘﻠﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﺣﻠـﺔ اﻟﺘـﻲ ﺗﻠيها ﺑـﺼﻮرة‬
‫ﺗﺪرﻳﺠﯿﺔ ﻧﺎﻣﯿﺔ ‪ ،‬ﻳﺤﺪث اﺧﺘﻼل اﻟﺘﻮازن ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺮد ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﺗﺴﻌﻔﻪ ﺑﻨـﺎه اﻟﻌﻘﻠﯿـﺔ‬
‫ﺑﺈدراكها ﺑﺸﻜﻞ واﺿﺢ ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﺆدي إﻟـﻰ ﻋﻤﻠﯿـﺔ اﻟمالءﻣـﺔ وﻳـﺘﻢ ذﻟـﻚ ﺑﺎﻛﺘـﺴﺎب‬
‫وﺗﻌﻠﻢ ﺑﻨﻰ ﻋﻘﻠﯿﺔ أو اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺴﺎﻋﺪ اﻟﻜﺎﺋﻦ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺎدة اﻟﺘﻮازن‬
‫‪ ،‬وﻳﺤﺘﻔﻆ اﻟﻜﺎﺋﻦ بهـﺬا اﻟﺘـﻮازن إﻟـﻰ أن ﻳﻮاﺟـﻪ ﻣﻮاﻗـﻒ ﺟﺪﻳـﺪة أﺧـﺮى ‪ ،‬ﻓﯿﺨﺘـﻞ‬
‫ﺗﻮازﻧﻪ ﻣـﻦ ﺟﺪﻳـﺪ وﻳﻌﻤـﻞ ﻋﻠـﻰ اﺳـﺘﻌﺎدﺗﻪ ﻣـﻦ ﺟﺪﻳـﺪ وھﻜـﺬا ﻳـﺘﻌﻠﻢ وﻳﻜﺘـﺴﺐ‬
‫وﻳﺮﻗﻰ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻧﻤﺎﺋﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﯿها ‪.‬‬
‫‪ 16‬ـ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻮازن ﺗﺒﺪأ ﺑﺒﻌﺾ اﻻﺿﻄﺮاب إذ ﻳـﺸﻌﺮ اﻹﻧـﺴﺎن ﺑـﺄن ھﻨـﺎك ﺷـﯿﺌﺎ‬
‫ﻟﯿﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮام ‪ ،‬ﻓﯿﻄﻠﻖ ﺑﻌـﺾ اﻟﺘﻨﻈﯿﻤـﺎت ﻣـﻦ أﺟـﻞ اﻟﻌﻤـﻞ ﻋﻠـﻰ ﺗﺨﻔﯿـﻒ‬
‫ﺣﺪة اﻻﺿﻄﺮاب ‪ ،‬ﺳـﻮاء ﺑﻤـﺎ ﻳﺘـﻮﻓﺮ ﻟﺪﻳـﻪ ﻣـﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣـﺎت ) اﻟمالءﻣـﺔ ( أو ﺑـﺘﻌﻠﻢ‬
‫ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺟﺪﻳﺪة )‬
‫‪ 17‬ـ اﻻﺣﺘﻔــﺎظ ﻳﻌﻨــﻰ اﺣﺘﻔــﺎظ اﻟــﺸﻲء ﺑــﺒﻌﺾ ﺧﻮاﺻــﻪ ﺑــﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣــﻦ ﺗﻐﯿﯿــﺮه‬
‫بحث‬
‫اﻟﻈﺎھﺮي أو اﻟﺸﻜﻠﻲ وھﻮ ﻣﻔﺘﺎح اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﺤﺴﯿﺔ ‪.‬‬
‫‪ 18‬ـ أﻧﻤﺎط اﻻﺣﺘﻔﺎظ فهي ‪:‬‬
‫أ ـ ﺣﻔﻆ اﻟﻌﺪد ‪ :‬ﻳﺒﻘﻰ ﻋﺪد ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﻤﺎ ھﻮ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ أﻋﯿﺪ ﺗﺮﺗﯿبها ‪ 6‬ـ‬
‫‪ 7‬ﺳﻨﻮات‬
‫ب ـ ﺣﻔﻆ اﻟﻤﺎدة ‪ :‬ﺗﺒﻘﻰ ﻛﻤﯿﺔ اﻟﻤﯿﺎه ﻛﻤﺎ ھﻲ ﺣﺘـﻰ ﻟـﻮ اﺧﺘﻠـﻒ ﺷـﻜﻠها ‪ 7‬ـ ‪8‬‬
‫ﺳﻨﻮات‬
‫ج ـ ﺣﻔﻆ اﻟﻄﻮل ‪ :‬ﻳﺒﻘﻰ ﻣﺠﻤﻮع أﻃﻮال ﺧﻂ ﻣﺎ ﺛﺎ ﺑﺘﺎ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ اﻧﻘﻄﻊ‬
‫ورﺗﺐ ﻛﯿﻔﻤﺎ اﺗﻔﻖ ‪ 7‬ـ ‪ 8‬ﺳﻨﻮات ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الزيات ‪ ،‬فتحي مصطفى ‪ ،‬مرجع سابق‬
‫د ـ ﺣﻔﻆ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ ‪ :‬ﺗﺒﻘﻰ ﻛﻤﯿﺔ اﻟﺴﻄﺢ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻄﺖ ﺑﺄرﻗـﺎم ﻣﻌﯿﻨـﺔ ﻛﻤـﺎ ھـﻲ‬
‫ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺗﺮﺗﯿﺐ ھﺬه اﻷرﻗﺎم ‪ 8‬ـ ‪ 9‬ﺳﻨﻮات ‪.‬‬
‫ھـ ـ ﺣﻔـﻆ اﻟـﻮزن ‪ :‬ﻳﺒﻘـﻰ وزن ﺷـﻲء ﻛﻤـﺎ ھـﻮ ﺣﺘـﻰ ﻟـﻮ ﺗﻐﯿـﺮ ﺷـﻜﻠﻪ ‪ 9‬ـ ‪10‬‬
‫ﺳﻨﻮات ‪.‬‬
‫‪ 19‬ـ ﺗﺸﯿﺮ اﻟﺘﺮاﻛﯿـﺐ اﻟﻤﻌﺮﻓﯿـﺔ أو اﻷﺑﻨﯿـﺔ اﻟﻌﻘﻠﯿـﺔ إﻟـﻰ اﻟﻘـﺪرات اﻟﻌﻘﻠﯿـﺔ ﻟﺪﻳـﻪ‬
‫وﺗﻘﺮر ﻣـﺎ ﻳﻤﻜـﻦ اﺳـﺘﯿﻌﺎﺑﻪ ﻓـﻲ زﻣـﻦ ﻣﺤـﺪد ‪ ،‬وھـﻲ ﺟـﺰء ﻣـﻦ ﻋﻤﻠﯿـﺔ اﻟﺘﻜﯿـﻒ‬
‫وﻣﺴﺎھﻤﺔ ھﺬه اﻟﺘﺮاﻛﯿﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈتها إذا ﺗﻢ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻃﻔﻞ واﻹﺻﻐﺎء‬
‫إﻟﯿﻪ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ واھﺘﻤﺎم ‪.‬‬
‫‪ 20‬ـ ﺗﺘﻐﯿﺮ اﻟﺘﺮاﻛﯿﺐ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ ﻣﻊ اﻟﻌﻤﺮ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﺗﻔﺎﻋﻞ اﻟﻔﺮد ﻣﻊ اﻟﺒﯿﺌﺔ ‪ ،‬وﻛﻠﻤﺎ ﻧﻤـﺎ‬
‫اﻟﻔﺮد ﻛﺎن ﺗﻔﺎﻋﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﺒﯿﺌﺔ أﻛﺜﺮ ﺧﺼﺒﺎ وﺛﺮاء ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﻄﻮرت ﺧﺼﺎﺋﺺ ذﻛﺎﺋـﻪ‬
‫ﻧﻮﻋﺎ ﺑﺸﻜﻞ أﺳﺮع ‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ ﻳﺸﯿﺮ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻌﻘﻠﻲ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﻟـﺪى اﻟﻔـﺮد ﻓـﻲ ﻣﺮﺣﻠـﺔ‬
‫ﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻞ ﺣﯿﺎﺗﻪ ‪.‬‬
‫‪ 22‬ـ ﺗﻌﺮف اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ ﺑﺄﻧها ﺗﺮاﻛﯿـﺐ ﻣﻌﺮﻓﯿـﺔ وﺿـﻌﺖ ﻓـﻲ ﻋﻤـﻞ ﻣـﺎ ‪ ،‬أو‬
‫ھﻲ أدوات اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ‪ ،‬ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﻔﻜﺮ اﻟﻄﻔﻞ ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﻮم ﺑﻌﻤﻠﯿﺔ ﻋﻘﻠﯿﺔ ﺣﯿﺚ ﻳـﻀﻊ‬
‫اﻟﺘﺮﻛﯿﺐ اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺘﻄﺒﯿﻖ ‪ ،‬وﻳﻔﻜﺮ وﻳﻨﺎﻗﺶ وﻳﺘﺴﺎءل ‪ ،‬ﻹﻧﻪ ﻳﻘﻮم ﺑـﺄداء‬
‫إﺟﺮاء ﻋﻘﻠﻲ ‪.‬‬
‫اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻳﺪﺧﺮ ﻟﺪى اﻷﻃﻔﺎل إﻟﻰ ﻣـﺎ وراء اﻟﻤﺮﺣﻠـﺔ ﻗﺒـﻞ اﻹﺟﺮاﺋﯿـﺔ أو اﻟﺤﺪﺳـﯿﺔ ‪،‬‬

‫‪ 23‬ـ ﺗﺸﯿﺮ اﻟﻮﻇﯿﻔﺔ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻠﺠﺄ إﻟﯿها اﻟﻔﺮد ﻋﻨﺪ ﺗﻔﺎﻋﻠﻪ ﻣﻊ‬
‫ﻣﺜﯿﺮات اﻟﺒﯿﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌها وھـﻲ ﺛﺎﺑﺘـﺔ ﻻ ﺗﺘﻐﯿـﺮ ﻋﻨـﺪ اﻹﻧـﺴﺎن وﺑﺎﻟﺘـﺎﻟﻲ‬
‫بحث‬
‫ﻓهي ﻣﻮروﺛﺔ ‪.‬‬
‫‪ 24‬ـ اﻷﻧﻤﺎط اﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﻣﻦ اﻟـﺴﻠﻮك ھـﻲ اﻟـﺪﻟﯿﻞ اﻟﻤﻼﺣـﻆ ﻟﻺﺟـﺮاءات اﻟﻔﻌﻠﯿـﺔ‬
‫ﻓﺎﻟﻄﻔﻞ ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﺘﺮاﻛﯿﺐ أو اﻷﺑﻨﯿﺔ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ ﻟﻠﻘﯿﺎم ﺑﻮﻇﺎﺋﻒ ﻋﻘﻠﯿﺔ ﺗﻤﻜﻨـﻪ ﻣـﻦ‬
‫أداء اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺬي ﺗﺤﻞ ﺑﻪ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ‪ .‬وﻳﻤﻜﻦ إﻋـﺎدة ھـﺬا اﻟـﻨﻤﻂ اﻟﻤﻨـﺘﻈﻢ ﻣـﻦ‬
‫اﻟﺴﻠﻮك ﺑﺴهوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﻤﺸﺎ ﺑهة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الزيات ‪ ،‬فتحي مصطفى ‪ ،‬مرجع سابق‬
‫‪ 25‬ـ ﻳﺸﯿﺮ اﻟﻼﺗﻤﺮﻛﺰ إﻟﻰ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺎﻣﻞ واﺣﺪ ﻓـﻲ اﻟﻤﻮﻗـﻒ‬
‫اﻟﻨﻔﺴﻲ ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ أو اﻟﺜﺒﺎت ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻄﻔﻞ ﻗﺎدرا ﻋﻠﻰ‬
‫اﻋﺘﻤﺎد اﻟﺸﻜﻞ أو اﻟﻤﻘﺪار أو اﻟﺤﺠﻢ ﻓﻲ آن واﺣﺪ ﻣﻌـﺎ ‪ .‬ﻓـﺴﻮف ﻳـﺬھﺐ اﻟﻄﻔـﻞ‬
‫ﻗﺒﻞ ﺳﻦ اﻟﻤﺪرﺳﺔ إﻟﻰ أن اﻹﻧﺎء اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻳﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ ﻣﺎء أﻛﺜﺮ ﻷﻧﻪ ﻳﺮﻛـﺰ ﻋﻠـﻰ‬
‫اﻻرﺗﻔﺎع وﺣﺪه ‪ .‬واﻟﺘﺼﻨﯿﻒ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺘﻐﯿـﺮ ﻻ ﻳﻤﻜـﻦ أن ﻳﺘﺤﻘـﻖ ﻣـﺎ ﻟـﻢ ﻳﺘﺤﻘـﻖ‬
‫اﻟﻼﺗﻤﺮﻛــﺰ ‪ .‬وﻳﻤﻜــﻦ أن ﻳﻜــﻮن اﻟﻄﻔــﻞ ﻗــﺎدرا ﺑــﺪون اﻟﻼﺗﻤﺮﻛــﺰ ﻋﻠــﻰ ﺗــﺼﻨﯿﻒ‬
‫اﻟﺤﯿﻮاﻧﺎت ﻛﺎﻟﻘﻄﻂ واﻟﻜﻼب ‪ .‬وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻨﯿﻔﮫﺎ إﻟﻰ ﻛﻼب ﺑﯿﺾ‬
‫وﺳﻮد وﻗﻄﻂ ﺑﯿﺾ وﺳﻮد ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜـﻦ ﻗـﺎدرا ﻋﻠـﻰ أن ﻳﺄﺧـﺬ ﺑﺎﻻﻋﺘﺒـﺎر أﻛﺜـﺮ ﻣـﻦ‬
‫ﺻﻔﺔ ﻣﻤﯿزة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الزيات ‪ ،‬فتحي مصطفى ‪ ،‬مرجع سابق‬
‫‪ - 6‬مبادئ التعلم في النظرية البنائية‬
‫من أهم مبادئ التعلم في هذه النظرية نذكر ‪ :‬التعلم الينفصل عن التطور النمائي للعالقة بين الذات‬
‫والموضوع ؛ التعلم يقترن باشتغال الذات على الموضوع وليس باقتناء معارف عنه؛ االستدالل شرط لبناء المفهوم‪،‬‬
‫حيث المفهوم يربط العناصر واألشياء بعضها ببعض والخطاطة تجمع بين ما هو مشترك وبين األفعال التي تجري في‬
‫لحظات مختلفة ‪ ،‬وعليه فإن المفهوم اليبنى إال على أساس استنتاجات استداللية تستمد مادتها من خطاطات الفعل؛ الخطأ‬
‫شرط التعلم‪ ،‬إذ أن الخطأ هو فرصة وموقف من خالل تجاوزه يتم بناء المعرفة التي نعتبرها صحيحة؛ الفهم شرط‬
‫ضروري للتعلم ؛ التعلم يقترن بالتجربة وليس بالتلقين ؛ التعلم هو تجاوز ونفي لإلضطراب‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ - 2‬عبد الهادي ‪ ،‬جودت نظريات التعلم و تطبيقاتها التربوية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬الدار العلمية الدولية ‪ ،‬دار الثقافة ‪2000 ،‬‬
‫مما سبق نرى بأن المدرسة البنائية قدمت الكثير لعلم النفس‬
‫قـــــــــائمة المراجع ‪:‬‬
‫‪ -1‬سركز ‪ ،‬عجيلي و آخرون ‪ ،‬نظريات التعلم ‪ ،‬ط‪ ، 2‬منشورات جامعة قازيونس ‪ ،‬بنغازي ‪1996‬‬
‫‪ 2‬الزيات ‪ ،‬فتحي مصطفى ‪ ،‬األسس المعرفية للتكوين العقلي و تجهيز المعلومات ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مطابع الوفاء ‪1995‬‬
‫‪ 3‬عبد الهادي ‪ ،‬جودت نظريات التعلم و تطبيقاتها التربوية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬الدار العلمية الدولية ‪ ،‬دار الثقافة ‪2000 ،‬‬
‫" بحث حول الهوية والثقافة "‬
‫بحث‬
‫إن الحمد هلل نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستهديه‪ ،‬ونعوذ به من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مضل له‪ ،‬ومن‬
‫يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن الثقافة تشكل ضمن النسق االجتماعي العام نسقا ً فرعيا ً متميزاً ومستقالً‪ ،‬لكنه يتفاعل مع بقية األنساق الفرعية األخرى‬
‫ويتطور معها وبها‪ ،‬وتقوم الثقافة بتكوين جملة الطرائق والمعايير التي تحكم رؤية اإلنسان للواقع‪ ،‬لذلك فإن الثقافة هي‬
‫مجموع القيم والقواعد واألعراف والتقاليد والخطط التي تبدع وتنظم الدالالت العقلية والروحية والحسية‪ ،‬وتعمل على‬
‫الحفاظ على توازن النسق االجتماعي واستقراره ووحدته وتوحيد األنساق الفرعية للنسق االجتماعي عن طريق توحيد‬
‫األنماط العقلية التي تحكمها‪ ،‬فالثقافة تغذي األنساق الفرعية للنسق االجتماعي بقيم مماثلة فتخلق نسيجا ً اجتماعيا ً واحداً‬
‫قادراً على إعادة إنتاج نفسه‪ .‬لذلك فإن الثقافة في الحقيقة ليست إال المجتمع نفسه وقد أصبح مظهراً للوعي أو وعياً‪ ،‬وهذا‬
‫الوعي هو في ذات الوقت وعي للذات‪ ،‬ومسألة الهُوية توحي وللوهلة األولى‪ ،‬إلى المسألة األوسع وهي مسألة الهُوية‬
‫االجتماعية التي تعد الهُوية إحدى مكوناتها‪ ،‬إذا ال يمكننا التطرق إلى مفهوم الهُوية إال إذا حددنا بعدها االجتماعي وعليه‬
‫تعبر الهُوية االجتماعية محصلة مختلف التفاعالت المتبادلة بين الفرد مع محيطه االجتماعي القريب والبعيد‪ ،‬والهُوية‬
‫االجتماعية للفرد تتميز بمجموع انتماءاته في المنظومة االجتماعية؛ كاالنتماء إلى طبقة جنسية أو عمرية أو اجتماعية أو‬
‫مفاهيمية‪ ،‬وهي تتيح للفرد التعرف على نفسه في المنظومة االجتماعية وتمكن المجتمع من التعرف عليه‪ ،‬ولكن الهُوية‬
‫االجتماعية ال ترتبط باألفراد فحسب‪ ،‬فكل جماعة تتمتع بهوية تتعلق بتعريفها االجتماعي وهو تعريف يسمح بتحديد‬
‫موقعها في المجموع االجتماعي‪]1[.‬‬
‫ومن خالل هذه المقدمة الجامعة لموضوع هذا البحث المختصر تحت عنوان‪( :‬الهوية والثقافة) جعلت البحث على ثالثة‬
‫مباحث رئيسة‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الهوية والثقافة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬العالقة بين الهوية والثقافة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حدود الهوية‪.‬‬
‫نسأل هللا العلي القدير التوفيق والسداد‪ ،‬وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫مفهوم الهوية والثقافة‬
‫مفهوم الهوية‪:‬‬
‫يُعرِّ ف المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية "الهوية" فلسفيا ً بأنها‪( :‬حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن‬
‫غيره‪ ،‬أو هي بطاقة يثبت فيها اسم الشخص وجنسيته ومولده وعمله‪ ،‬وتسمي البطاقة الشخصية أيضا)‪]2[ .‬‬
‫وأما في اللغة اإلنجليزية فتعني "الهوية"‪( :‬تماثل المقومات أو الصفات األساسية في حاالت مختلفة وظروف متباينة‪،‬‬
‫وبذلك تشير إلي الشكل التجميعي أو الكل المركب لمجموعة من الصفات التي تكون الحقيقة الموضوعية لشيء ما‪ ،‬والتي‬
‫بواسطتها يمكن معرفة هذا الشئ وغيره على وجه التحديد)‪]3[ .‬‬
‫وأما آراء المفكرين حول مفهوم الهوية فيالحظ أن األمر ال يختلف كثيراً‪ ،‬وإن كان يتصف بأنه أكثر تحديداً ؛ ألنه يرتبط‬
‫بالبُعد الثقافي أو االجتماعي للمصطلح‪ ،‬فقد عرَّ فها سعيد إسماعيل علي بأنها‪( :‬جملة المعالم المميزة للشئ التي تجعله هو‬
‫هو‪ ،‬بحيث ال تخطئ في تمييزه عن غيره من األشياء‪ ،‬ولكل إنسان شخصيته المميزة له‪ ،‬فله نسقه القيمي ومعتقداته‬
‫وعاداته السلوكية و ميوله واتجاهاته وثقافته‪ ،‬وهكذا الشأن بالنسبة لألمم والشعوب)‪]4[ .‬‬
‫وأشار محمد عمارة‪( :‬أن هوية الشيء ثوابته التي ال تتجدد وال تتغير‪ ،‬وتتجلي وتفصح عن ذاتها دون أن تخلي مكانتها‬
‫لنقيضها طالما بقيت الذات علي قيد الحياة‪ ،‬فهي كالبصمة بالنسبة لإلنسان يتميز بها عن غيره وتتجدد فاعليتها‪ ،‬ويتجلى‬
‫وجهها كلما أزيلت من فوقها طوارئ الطمس‪ ،‬إنها الشفرة التي يمكن للفرد عن طريقها أن يعرف نفسه في عالقته‬
‫بالجماعة االجتماعية التي ينتمي إليها‪ ،‬والتي عن طريقها يتعرف عليه اآلخرون باعتباره منتميا ً لتلك الجماعة)‪]5[ .‬‬
‫ويرى محمود أمين‪( :‬أن الهوية ليست أحادية البنية‪ ،‬أي ال تتشكل من عنصر واحد‪ ،‬سواء كان الدين أو اللغة أو العرق أو‬
‫الثقافة أو الوجدان أو األخالق‪ ،‬أو الخبرة الذاتية أو العلمية وحدها‪ ،‬وإنمـا هي محصلة تفاعل هذه العناصر كلها)‪]6[ .‬‬
‫وأشار محمد إبراهيم عيد‪( :‬الهوية‪ :‬مفهوم اجتماعي نفسي يشير إلي كيفية إدراك شعب ما لذاته‪ ،‬وكيفية تمايزه عن‬
‫اآلخرين‪ ،‬وهي تستند إلي مسلمات ثقافية عامة‪ ،‬مرتبطة تاريخيًا بقيمة اجتماعية وسياسية واقتصادية للمجتمع)‪]7[ .‬‬
‫بحث‬
‫وع ًّر فها إسماعيل الفقي‪( :‬أنها مجموعة من السمات الثقافية التي تتصف بها جماعة من الناس في فترة زمنية معينة‪ ،‬والتي‬
‫تولد اإلحساس لدي األفراد باالنتماء لشعب معين‪ ،‬واالرتباط بوطن معين‪ ،‬والتعبير عن مشاعر االعتزاز‪ ،‬والفخر بالشعب‬
‫الذي ينتمي إليه هؤالء األفراد)‪]8[.‬‬
‫وأوضح شهيب عادل أن الهُوية االجتماعية‪( :‬تحدد هوية المجموعة ‪ -‬المجموعة تضم أعضاء متشابهين فيما بينهم بشكل‬
‫من األشكال‪ ،-‬في هذا المنظور تبرز الهُوية الثقافية باعتبارها صيغة تحديد فئوي للتمييز بين نحن وهم‪ ،‬وهو تمييز قائم‬
‫على االختالف الثقافي‪]9[ .‬‬
‫ومن المفاهيم التي قدمت للهوية الثقافية ما تبنته منظمة اليونسكو بقولهم‪( :‬أن الهوية الثقافية تعني أوالً وقبل كل شيء أننا‬
‫أفراد ننتمي إلي جماعة لغوية محلية أو إقليمية أو وطنية‪ ،‬بما لها من قيم أخالقية وجمالية تميزها‪ ،‬ويتضمن ذلك أيضًا‬
‫األسلوب الذي نستوعب به تاريخ الجماعة وتقاليدها وعاداتها وأسلوب حياتها‪ ،‬وإحساسنا بالخضوع له والمشاركة فيه‪ ،‬أو‬
‫تشكيل قدر مشترك منه‪ ،‬وتعني الطريقة التي تظهر فيها أنفسنا في ذات كلية‪ ،‬وتعد بالنسبة لكل فرد منا نو ًعا من المعادلة‬
‫األساسية التي تقرر‪ -‬بطريقة إيجابية أو سلبية – الطريقة التي ننتسب بها إلي جماعتنا والعالم بصفة عامة)‪]10[.‬‬
‫مفهوم الثقافة‪:‬‬
‫مفهوم (الثقافة) هو من المفاهيم الملتبسة في كل اللغات ألنه يراد التعبير بكلمة واحدة عن مضمون شديد التركيب والتعقيد‬
‫والتنوع والعمق واالتساع ويضاعف االلتباس أن علم الثقافة واالنثروبولوجيا الثقافية وعلم اجتماع المعرفة وعلم البرمجة‬
‫العصبية اللغوية‪ ،‬ما زالت ُتدرس على نطاق ضيق كتخصصات فردية ولم تصبح من العلوم التي يقرأها كل الدارسين‬
‫كالفيزياء والجغرافيا والكيمياء والتاريخ لذلك ظل معظم الناس ال يعرفون الحقائق الهامة التي توصلت إليها العلوم‬
‫اإلنسانية‪]11[.‬‬
‫معان عدة‪ ،‬من أبرزها قول ابن منظور‪( :‬الحذق والفهم وسرعة التعلم)‪]12[ .‬‬
‫ٍ‬ ‫والثقافة في اللغة العربية تطلق على‬
‫ويقول فريد وجدي‪( :‬ثقف يثقف ثقافة‪ :‬فطن وحذق‪ ،‬وثقف العلم في أسرع مدة أي‪ :‬أسرع أخذه‪ ،‬وثقفه يثقفه ثقفاً‪ :‬غلبه في‬
‫الحذق‪ ،‬والثقيف‪ :‬الحاذق الفطن)‪ ،‬والقواميس الحديثة تقول‪( :‬ثقف ثقافة‪ :‬صار حاذقا ً خفيفاً‪ ،‬وثقف الكالم فهمه بسرعة)‪،‬‬
‫وفي هذه النصوص من التشابه مايدعونا إلى أن نعدها نسخا ً مكررة نقل بعضها من بعض‪]13[.‬‬
‫وأبرز التعريفات الغربية للثقافة الذي تردد صداه لدى الغربيين ثم لدى العرب كثيراً هو تعريف (ادوارد تايلر) عام‬
‫‪ 1871‬م في كتابه (الثقافة البدائية) الذي يقول فيه‪( :‬ذلك الكل المركب ‪ -‬بعض الترجمات تقول المعقد – الذي يضم‬
‫المعرفة‪ ،‬والمعتقدات‪ ،‬والفن‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والقانون‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬وكل العادات والقدرات التي يكتسبها اإلنسان من حيث هو‬
‫عضو في مجتمع)‪ ،‬وفي هذا التعريف عناصر مهمة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن قضايا الثقافة هي القضايا ذات البُعد اإلنساني – ال المادي – عقائديًا‪ ،‬وقيماً‪ ،‬وفنوناً‪ ،‬ونظماً‪ ،‬وأعرافاً‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن هذه القضايا تتمثل في صورة بناء متكامل وليست جزئيات منفصلة عن بعضها‪.‬‬
‫‪ -3‬أنها ليست تميزاً فرديا ً لشخص؛ وإنما هي اجتماعية‪ ،‬فالشخص يعيشها في ظل مجتمع أو أمة تعيشها كذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬أنها ليست معارف نظرية ؛ فلسفة‪ ،‬أو فكراً مجرداً‪ ،‬ولكنها حياة اجتماعية‪ ،‬وواقع فكري وسلوكي يتحرك به الناس‪.‬‬
‫‪ - 5‬أنها بمجموعها مميزة ألهل ذلك المجتمع‪ ،‬أو لتلك األمة عن مجتمعات وأمم أخرى‪ ،‬وهذا هو الواقع فإن التمايز بين‬
‫األمم إنما هو بهذه القضايا‪ :‬العقائد‪ ،‬والقيم‪ ،‬والنظم‪ ،‬واألعراف‪ ،‬أي‪ :‬الثقافة‪.‬‬
‫وهناك تعريفات كثيرة للثقافة لكن هذا أشهرها‪ ،‬ثم إنها تكاد تتفق على مضمون ماذكر في التعريفات السابقة‪]14[ .‬‬
‫ومن الخصائص الرئيسية لمفهوم الثقافة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إنها من اكتشاف اإلنسان باعتبارها مكتسبة وليست وراثية أو غريزية‪ ،‬وباالستناد إلى ذلك ال يمكن أن نجد أية ثقافة‬
‫لدى الحيوان العتماده على الغريزة‪ ،‬إذن الثقافة إنسانية المالمح‪ ،‬وال مجال لقيام أي ِة ثقاف ٍة دون الوجود اإلنساني الذي ينمي‬
‫هذه الثقافة ويكتسبها عن الغير من خالل تطور حياته االجتماعية فنا ً وفكراً وسلوكاً‪.‬‬
‫‪ - 2‬الثقافة تنتقل من جيل آلخر‪ ،‬ومن مجتمع آلخر‪ ،‬من خالل العادات والتقاليد والقوانين واألعراف‪ ،‬وعملية النقل هذه تتم‬
‫من خالل التعلم‪ ،‬مع إضافة كل جيل لما يكتسبه مما يطرأ على حياته من قيم ومبادئ وأفكار وسلوكيات جديدة نتيجة لتغير‬
‫الظروف‪.‬‬
‫بحث‬
‫‪ - 3‬الثقافة قابلة للتعديل والتغير من جيل آلخر‪ ،‬حسب الظروف الخاصة بكل مرحلة‪ ،‬ويمكن لألجيال الجديدة أن تضيف‬
‫قيما ً ومفاهيم جديدة لم تكن موجودة لدى األجيال السابقة‪]15[ .‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫العالقة بين الهوية والثقافة‬
‫ثمة عالقة وثيقة بين الهوية والثقافة‪ ،‬بحيث يتعذر الفصل بينهما‪ ،‬وإذ أن ما من هوية إال وتختزل ثقافة‪ ،‬وقد تتعدد الثقافات‬
‫في الهوية الواحدة‪ ،‬كما أنه قد تتنوع الهويات في الثقافة الواحدة‪ ،‬وذلك مايعبَّر عنه بالتنوع في إطار الوحدة‪ ،‬فقد تنتمي‬
‫هوية شعب من الشعوب إلى ثقافات متعددة‪ ،‬تمتزج عناصرها‪ ،‬وتتالقح مكوناتها‪ ،‬فتتبلور في هوية واحدة‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫المثال‪ ،‬فإن الهوية اإلسالمية تتشكل من ثقافات الشعوب واألمم التي دخلها اإلسالم سواء اعتنقته أو بقيت على عقائدها‬
‫التي كانت تؤمن بها‪ ،‬فهذه الثقافات التي امتزجت بالثقافة العربية اإلسالمية وتالحقت معها‪ ،‬العربية اإلسالمية‪ ،‬فهي جماع‬
‫هويات األمم والشعوب التي انضوت تحت لواء الحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬وهي بذلك هوية إنسانية‪ ،‬متفتحة‪ ،‬وغير‬
‫منغلقة‪]16[ .‬‬
‫والعالقة بين الهُوية والثقافة‪ ،‬فإنها تعني عالقة الذات باإلنتاج الثقافي‪ ،‬وال شك أن أي إنتاج ثقافي ال يتم في غياب ذات‬
‫مفكرة‪ ،‬دون الخوض في الجدال الذي يذهب إلى أسبقية الذات على موضوع االتجاه العقالني المثالي‪ ،‬أو الذي يجعل‬
‫الموضوع أسبق من الذات‪ ،‬وإن كل ما في الذهن هو نتيجة ما تحمله الحواس وتخطه على تلك الصفحة (ذهن اإلنسان)‬
‫كما يذهب لوك‪ ،‬واالتجاه التجريبي بشكل عام‪]17[ .‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫حدود الهوية‬
‫يرى بارث أن األهم في عملية اكتساب الهوية هو إرادة وضع حد بين "هم"و"نحن" وبالتالي إقامة ما يسميه بـ "الحد"‬
‫والحفاظ عليه‪ ،‬وبشكل أدق‪ ،‬فإن الحد في الموضوع ينجم عن اتفاق بين ذلك الحد الذي تزعم الجماعة بأنها وضعته لنفسها‬
‫وبين الحد الذي يريد اآلخرون وضعه لها‪ ،‬طبعا ً الحد المقصود هنا هو الحد االجتماعي الرمزي‪ ،‬وإن ما يفصل بين‬
‫مجموعتين عرقيتين ‪ -‬ثقافيتين ليس االختالف الثقافي كما يتصور الثقافيون خطأ؛ إذ يمكن للجماعة أن تعمل تماما ً وفي‬
‫كنفها شيء من التعددية الثقافية‪ ،‬ويعود السبب في هذا الفصل‪ ،‬أي وضع " الحد"‪ ،‬إلى إرادة الجماعة في التميز‬
‫واستخدامها لبعض السمات الثقافية كمحددات لهويتها النوعية‪ ،‬ومن شأن الجماعات القريبة من بعضها ثقافيا ً أن تع َّد نفسها‬
‫غريبة تماما ً عن بعضها بعض بل ومتعادية حينما تختلف حول عنصر منعزل في المجموعة الثقافية‪]18[ .‬‬
‫إن تحليل بارث يتيح التخلص من الخلط الشائع بين "الثقافة" و"الهوية" والتطبع بطابع ثقافة معينة ال يقتضي امتالك هوية‬
‫خاصة بشكل آلي‪ ،‬والهوية العرقية‪ -‬الثقافية تستخدم الثقافة لكنها نادراَ ما تستخدم الثقافة كلها‪ ،‬ويمكن للثقافة نفسها أن تجيَّر‬
‫بشكل مختلف‪ ،‬أي متعارض في االستراتيجيات المختلفة الكتساب الهوية على عكس قناعة واسعة االنتشار‪ ،‬فإن العالقات‬
‫التي تدوم فترة طويلة بين المجموعات العرقية ال تؤدي بالضرورة إلى اإللغاء المتدرج لالختالفات الثقافية‪ ،‬بل غالبا ً ما‬
‫تنتظم هذه العالقات بشكل تحافظ معه على االختالف الثقافي بل أحيانا ً تزيد هذا االختالف عن طريق لعبة الدفاع‬
‫(الرمزي) عن حدود الهوية‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أن "الحدود" ال تتبدل‪]19[ .‬‬
‫ويعتبر بارث أن الحد يشكل فرزاً اجتماعيا ً يمكن تجديده باستمرار من خالل التبادالت‪ ،‬وكل تغير يصيب الحالة‬
‫االقتصادية أو السياسية من شأنه التسبب في انزياحات الحدود‪ ،‬ودراسة هذه االنزياحات ضرورية إذا رمنا تفسير تنوعات‬
‫الهوية‪ ،‬وبالتالي فإن تحليل الهوية ال يمكن أن يكتفي بمقاربة تزامنية‪ ،‬بل عليه أيضا ً أن يخضع لمقاربة تطورية‪ ،‬وبالتالي‬
‫ليس هناك هوية ثقافية بذاتها لها تعريف ثابت‪ ،‬وينبغي على التحليل العلمي أن يكف عن زعمه في إيجاد تعريف صحيح‬
‫للهويات الخاصة التي يقوم بدراستها‪ ،‬والمسألة ليست معرفة من هم "الكورسيكيون "بالفعل على سبيل المثال‪ ،‬بل هي‬
‫معرفة داللة اللجوء إلى اكتساب الهوية "الكورسيكية"‪ ،‬وإذا اتفقنا على أن الهوية هي بناء اجتماعي فإن السؤال المالئم‬
‫الوحيد الذي يجب طرحه هو‪":‬كيف ولماذا وبواسطة من‪ ،‬وفي وقت ما وفي سياق معين حصلت‪ ،‬واحتفظ بها‪ ،‬أو أصبحت‬
‫عرضة للنقاش والجدل‪ ،‬إحدى الهويات الخاصة"‪]20[ .‬‬
‫انتهى البحث‬
‫وآخر دعوانا الحمد هلل رب العالمين‬
‫وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين‪.‬‬
‫[‪ ] 1‬انظر‪ :‬الثقافة والهوية (إشكالية المفاهيم والعالقة)‪ ،‬شهيب عادل‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫بحث‬
‫[‪ ]2‬انظر‪ :‬المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪.‬‬
‫[‪ ] 3‬انظر‪ :‬الثقافة العربية اإلسالمية بين التأليف والتدريس‪ ،‬رشدي أحمد طعيمة‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫[‪ ] 4‬انظر‪ :‬التربية اإلسالمية وتحديات القرن الحادي والعشرين‪ ،‬سعيد إسماعيل‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫[‪ ]5‬انظر‪ :‬مخاطر العولمة علي الهوية الثقافية‪ ،‬محمد عمارة‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫[‪ ]6‬انظر‪ :‬الهوية مفهوم في طور التشكيل‪ ،‬محمود أمين‪ ،‬ص ‪.376‬‬
‫[‪ ] 7‬انظر‪ :‬الهوية الثقافية العربية في عالم متغير‪ ،‬محمد إبراهيم عيد‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫[‪ ]8‬انظر‪ :‬مفهوم العولمة وعالقته بالهوية‪ ،‬إسماعيل الفقي‪ ،‬ص ‪.205‬‬
‫[‪ ] 9‬انظر‪ :‬الثقافة والهوية (إشكالية المفاهيم والعالقة)‪ ،‬شهيب عادل‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫[‪ ] 10‬انظر‪ :‬دور التربية في مواجهة تداعيات العولمة على الهوية الثقافية‪ ،‬حمدي حسن المحروقي‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫[‪ ] 11‬انظر‪ :‬الثقافة والهوية (إشكالية المفاهيم والعالقة)‪ ،‬شهيب عادل‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫[‪ ]12‬انظر‪ :‬مادة (علم) في لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪.‬‬
‫[‪ ]13‬انظر‪ :‬مشكلة الثقافة‪ ،‬مالك بن نبي‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫[‪ ] 14‬انظر‪ :‬المثقف العربي بين العصرانية واإلسالمية ومقومات الفاعلية الثقافية للمثقف المسلم‪ ،‬عبدالرحمن الزنيدي‪،‬‬
‫ص ‪.14‬‬
‫[‪ ] 15‬انظر‪ :‬الثقافة والهوية (إشكالية المفاهيم والعالقة)‪ ،‬شهيب عادل‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫[‪ ] 16‬انظر‪ :‬الحفاظ على الهوية والثقافة اإلسالمية‪ ،‬عبدالعزيز التويجري‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫[‪ ] 17‬انظر‪ :‬الثقافة والهوية (إشكالية المفاهيم والعالقة)‪ ،‬شهيب عادل‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫[‪ ] 18‬انظر‪ :‬مفهوم الثقافة في العلوم االجتماعية‪ ،‬دوني كوش‪ ،‬ترجمة قاسم المقداد‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫[‪ ] 19‬انظر‪ :‬مفهوم الثقافة في العلوم االجتماعية‪ ،‬دوني كوش‪ ،‬ترجمة قاسم المقداد‪ ،،‬ص‪.111‬‬
‫[‪ ]20‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫بحث شامل حول انثروبولوجيا‬
‫تع ّد دت الدراسات واالتجاهات التي تناولت األنثروبولوجيا‪ ،‬في اآلونة األخيرة‪ ،‬بوصفها علما ً حديث العهد‪ ،‬على الرغم من‬
‫مرور ما يقرب من القرن وربع القرن على نشأة هذا العلم‪.‬‬
‫لقد ا ّت سعت مجاالت البحث والدراسة في هذا العلم الجديد‪ ،‬وتداخلت موضوعاته مع موضوعات بعض العلوم األخرى‪ ،‬وال‬
‫سيّما علوم األحياء واالجتماع والفلسفة‪ .‬كما تع ّددت مناهجه النظرية والتطبيقية‪ ،‬تبعا ً لتعدّد تخصّصاته ومجاالته‪ ،‬وال سيّما‬
‫في المرحلة األخيرة حيث التغيرات الكبيرة والمتسارعة‪ ،‬التي كان لها آثار واضحة في حياة البشر كأفراد و كمجتمعات ‪.‬‬
‫وبما أنّ األنثروبولوجيا تهت ّم بدراسة اإلنسان‪ ،‬شأنها في ذلك شأن العلوم اإلنسانية األخرى‪ ،‬فهي ترتبط ارتباطا ً وثيقا ً‬
‫بالمجتمع اإلنساني الذي توجد فيه‪ ،‬حيث تعكس بنيته األساسية والقيم السائدة فيه‪ ،‬وتخدم بالتالي مصالحه في التحسين‬
‫والتطوير ‪.‬‬
‫ثمّة من ير ّد بدايات تاريخ األنثروبولوجيا إلى العصور القديمة‪ ،‬إالّ أنّ األنثروبولوجيين الغربيين‪ ،‬وال سيّما األوروبيون‪،‬‬
‫يرون أنّ األصول النظرية األساسية لعلم األنثروبولوجيا‪ ،‬ظهرت إبّان عصر التنوير في أوروبا (عصر النهضة األوروبية‬
‫)‪ ،‬حيث تمّت كشوفات جغرافية وثقافية ال يستهان بها‪ ،‬لبالد ومجتمعات مختلفة خارج القارة األوربية ‪.‬‬
‫وقد ق ّد مت هذه الكشوفات معلومات هامة عن الشعوب القاطنة في تلك البالد‪ ،‬أدّت إلى تغيّرات جذرية في االتجاهات‬
‫الفلسفية السائدة آنذاك‪ ،‬عن حياة البشر وطبيعة المجتمعات اإلنسانية وثقافاتها وتطوّ رها‪ .‬وهذا ما أدّى بالتالي إلى تطوير‬
‫المعرفة األنثروبولوجيّة‪ ،‬واستقاللها فيما بعد عن دائرة الفلسفة االجتماعية ‪.‬‬
‫بحث‬
‫لقد انحسرت الفلسفة – إلى ح ّد ما – في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أمام التفكير العلمي‪ ،‬حيث تطوّ رت العلوم‬
‫االجتماعية واستطاع العالم البريطاني ‪ /‬إدوارد تايلور‪ / E. Tylor‬أن يرى في تنوّ ع أساليب حياة الشعوب وتطوّ رها‪،‬‬
‫ظاهرة جديرة بالدراسة‪ ،‬وأنّ علما ّ جديداً يجب أن ينشأ ويقوم بهذه المهمّة‪ .‬وسمّى تايلور هذه الظاهرة بـ" الثقافة ‪Culture‬‬
‫أو الحضارة ‪. " Civilization‬‬

‫ومع دخول األنثروبولوجيا مجال القرن العشرين‪ ،‬بأحداثه وتغيّراته العلمية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬طرأت عليها تغيّرات‬
‫جوهرية في موضوعها ومنهج دراستها‪ ،‬حيث تخلّت عن المنهج النظري وأخذت بالمنهج التطبيقي باعتبارها ظاهرة‬
‫ّ‬
‫والتأث ر بينها وبين منظومة العلوم االجتماعية واإلنسانية األخرى‪ .‬حيث أصبحت‬ ‫علميّة‪ ،‬إضافة إلى تحديد عالقة التأثير‬
‫ّ‬
‫النظرة الشاملة تميّز المنهج األنثروبولوجي‪ ،‬الذي يتطلب دراسة أي موضوع – مهما كانت طبيعته وأهدافه‪ -‬دراسة كليّة‬
‫متكاملة‪ ،‬تحيط بأبعاده المختلفة‪ ،‬وبتلك التفاعالت المتبادلة بين أبعاد هذا الموضوع وجوانب الحياة األخرى السائدة في‬
‫المجتمع ‪.‬‬
‫ويأتي هذا الكتاب‪ ،‬ليلقي الضوء على أبرز الجوانب في علم األنثروبولوجيا‪ ،‬من حيث أبعاده النظرية والتطبيقية‪ .‬ولذلك‪،‬‬
‫قسّم الكتاب إلى ثالثة أبواب تضمّن ك ّل منها عدداً من الفصول‪ ،‬على النحو التالي ‪:‬‬
‫الباب األوّ ل – تضمّن ثالثة فصول‪ ،‬تح ّد ثت عن ‪ :‬مفهوم األنثروبولوجيا وأهدافها‪ ،‬ونشأتها وتاريخها‪ ،‬وعالقتها بالعلوم‬
‫األخرى ‪.‬‬
‫الباب الثاني‪ -‬تضمّن ستة فصول‪ ،‬تح ّدثت عن ‪ :‬الدراسات األنثروبولوجية وا ّتجاهاتها المعاصرة‪ ،‬والفروع األنثروبولوجية‬
‫(العضوية – النفسيّة‪ -‬الثقافية‪ -‬االجتماعية )‪ ،‬والمنهج األنثروبولوجي والدراسات الميدانية ‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ -‬تضمّن ثالثة فصول‪ ،‬تح ّد ثت عن ‪ :‬البناء االجتماعي ووظائفه‪ ،‬واألنثروبولوجيا في المجتمع الحديث‪،‬‬
‫واال ّتجاه نحو أنثروبولوجية عربية‪.‬‬
‫واألمل في أن يق ّد م هذا الكتاب‪ ،‬رؤية واضحة عن هذا العلم الحديث (األنثروبولوجيا)‪ ،‬على األق ّل في مجتمعنا وجامعاتنا‪،‬‬
‫ّ‬
‫األعزاء‪.‬‬ ‫وبما يح ّقق الفائدة المرجوّ ة لطلبتنا‬
‫في ‪ 2003 / 5 /20‬المؤلِّف‬

‫‪cc‬‬

‫الباب األوّ ل ‪:‬‬


‫مفهوم األنثروبولوجيــا وأهدافها‬
‫وعالقتها بالعلوم األخرى‬
‫الفصل األول – مفهوم األنثروبولوجيا وطبيعتها وأهدافها‬
‫الفصل الثاني – نشأة األنثروبولوجيا وتاريخها‬
‫الفصل الثالث‪-‬عالقة األنثروبولوجيا بالعلوم األخرى‬
‫الفصل األول‬
‫مفهوم األنثروبولوجيا وطبيعتها وأهدافها‬
‫مقــدّمـة‬
‫أوالً‪ -‬مفهوم األنثروبولوجيا‬
‫ثانياً‪ -‬طبيعة األنثروبولوجيا‬
‫ثالثاً‪ -‬أهداف األنثروبولوجيا‬
‫مقدّمــة ‪:‬‬
‫بحث‬
‫يجمع الباحثون في علم " األنثروبولوجيا " على أ ّن ه علم حديث العهد‪ ،‬إذا ما قيس ببعض العلوم األخرى كالفلسفة والطب‬
‫والفلك ‪ ..‬وغيرها‪ .‬إالّ أنّ البحث في شؤون اإلنسان والمجتمعات اإلنسانية قديم قدم اإلنسان‪ ،‬مذ وعى ذاته وبدأ يسعى‬
‫للتفاعل اإليجابي مع بيئته الطبيعية واالجتماعية ‪.‬‬
‫لقد درج العلماء والفالسفة في كل مكان وزمان عبر التاريخ اإلنساني‪ ،‬على وضع نظريات عن طبيعة المجتمعات‬
‫البشرية‪ ،‬وما يدخل في نسيجها وأبنيتها من دين أو ساللة‪ ،‬ومن ث ّم تقسيم ك ّل مجتمع إلى طبقات بحسب عاداتها ومشاعرها‬
‫ومصالحها‪ .‬وقد أسهمت الرحالت التجارية واالكتشافية‪ ،‬وأيضا ً الحروب‪ ،‬بدور هام في حدوث االتصاالت المختلفة بين‬
‫الشعوب والمجتمعات البشرية‪ ،‬حيث ق ّربت فيما بينها وأتاحت معرفة ك ّل منها باآلخر‪ ،‬وال سيّما ما يتعلّق باللغة والتقاليد‬
‫والقيم ‪ ..‬ولذلك‪ ،‬فمن الصعوبة بمكان‪ ،‬تحديد تاريخ معيّن لبداية األنثروبولوجيا‪.‬‬
‫أوالً‪-‬مفهوم األنثروبولوجيا‬

‫إنّ لفظة أنثروبولوجيا ‪ ،Anthropology‬هي كلمة إنكليزية مشت ّقة من األصل اليوناني المكوّ ن من مقطعين ‪ :‬أنثروبوس‬
‫‪ ، Anthropos‬ومعناه " اإلنسان " و لوجوس ‪ ،Locos‬ومعناه " علم "‪ .‬وبذلك يصبح معنى األنثروبولوجيا من حيث‬
‫اللفظ " علم اإلنسان " أي العلم الذي يدرس اإلنسان ‪.‬‬

‫(‪)Nicholson, 1968, P.1‬‬

‫ولذلك‪ ،‬تعرّ ف األنثروبولوجيا‪ ،‬بأ ّن ها العلم الذي يدرس اإلنسان من حيث هو كائن عضوي حي‪ ،‬يعيش في مجتمع تسوده‬
‫نظم وأنساق اجتماعية في ظ ّل ثقافة معيّنة ‪ ..‬ويقوم بأعمال متعدّدة‪ ،‬ويسلك سلوكا ً محدّداً؛ وهو أيضا ً العلم الذي يدرس‬
‫الحياة البدائية‪ ،‬والحياة الحديثة المعاصرة‪ ،‬ويحاول التنبّؤ بمستقبل اإلنسان معتمداً على تطوّ ره عبر التاريخ اإلنساني‬
‫الطويل‪ . .‬ولذا يعتبر علم دراسة اإلنسان (األنثروبولوجيا) علما ً متطوّ راً‪ ،‬يدرس اإلنسان وسلوكه وأعماله (أبو هالل‪،‬‬
‫‪ ،1974‬ص ‪)9‬‬
‫وتعرف األنثروبولوجيا أيضاً‪ ،‬بأ ّن ها علم (األناسة) العلم الذي يدرس اإلنسان كمخلوق‪ ،‬ينتمي إلى العالم الحيواني من جهة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى أ ّنه الوحيد من األنواع الحيوانية كلّها‪ ،‬الذي يصنع الثقافة ويبدعها‪ ،‬والمخلوق الذي يتميّز عنها جميعا ً ‪.‬‬
‫( الجباوي‪ ،1997 ،‬ص ‪)9‬‬
‫كما تع ّرف األنثروبولوجيا بصورة مختصرة وشاملة بأ ّنها " علم دراسة اإلنسان طبيعيا ً واجتماعيا ً وحضاريا ً " (سليم‪،‬‬
‫‪ ،1981‬ص ‪ )56‬أي أنّ األنثروبولوجيا ال تدرس اإلنسان ككائن وحيد بذاته‪ ،‬أو منعزل عن أبناء جنسه‪ ،‬إ ّنما تدرسه‬
‫بوصفه كائنا ً اجتماعيا ً بطبعه‪ ،‬يحيا في مجتمع معيّن لـه ميزاته الخاصة في مكان وزمان معينين ‪.‬‬
‫فاألنثروبولوجيا بوصفها دراسة لإلنسان في أبعاده المختلفة‪ ،‬البيوفيزيائية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬فهي علم شامل يجمع بين‬
‫ميادين ومجاالت متباينة ومختلفة بعضها عن بعض‪ ،‬اختالف علم التشريح عن تاريخ تطوّ ر الجنس البشري والجماعات‬
‫العرقية‪ ،‬وعن دراسة النظم االجتماعية من سياسيّة واقتصادية وقرابية ودينية وقانونية‪ ،‬وما إليها ‪ ..‬وكذلك عن اإلبداع‬
‫اإلنساني في مجاالت الثقافة المت ّن وعة التي تشمل ‪ :‬التراث الفكري وأنماط القيم وأنساق الفكر واإلبداع األدبي والفني‪ ،‬بل‬
‫والعادات والتقاليد ومظاهر السلوك في المجتمعات اإلنسانية المختلفة‪ ،‬وإن كانت ال تزال تعطي عناية خاصة للمجتمعات‬
‫التقليدية‪( .‬أبو زيد‪ ،2001 ،‬ص ‪)7‬‬
‫وهذا يتوافق مع تعريف ‪ /‬تايلور‪ /‬الذي يرى أنّ األنثروبولوجيا ‪" :‬هي الدراسة البيوثقافية المقارنة لإلنسان " إذ تحاول‬
‫الكشف عن العالقة بين المظاهر البيولوجية الموروثة لإلنسان‪ ،‬وما يتلقاه من تعليم وتنشئة اجتماعية‪ .‬وبهذا المعنى‪ ،‬تتناول‬
‫األنثروبولوجيا موضوعات مختلفة من العلوم والتخصّصات التي تتعلّق باإلنسان ‪.‬‬
‫ثانياً‪-‬طبيعة األنثروبولوجيا‬
‫إنّ الشعوب الناطقة باللغة اإلنكليزية جميعها‪ ،‬تطلق على علم األنثروبولوجيا ‪ " :‬علم اإلنسان وأعماله " بينما يطلق‬
‫المصطلح ذاته في البلدان األوروبية غير الناطقة باإلنكليزية‪ ،‬على " دراسة الخصائص الجسمية لإلنسان"‪ .‬ويصل هذا‬
‫االختالف إلى طبيعة علم األنثروبولوجيا ‪ ..‬فبينما يعني في أوروبا‪ ،‬األنثروبولوجيا الفيزيقية‪ ،‬وينظر إلى علمي اآلثار‬
‫واللغويات كفرعين منفصلين‪ ،‬فإنّ األمريكيين يستخدمون مصطلح (اإلثنولوجيا أو اإلثنوغرافيا) لوصف (اإلثنوجرافيا‬
‫الثقافية) والتي يطلق عليها البريطانيون (األنثروبولوجيا االجتماعية) ‪.‬‬
‫ففي إنكلترا مثالً‪ ،‬يطلق مصطلح األنثروبولوجيا‪ ،‬على دراسة الشعوب وكياناتها االجتماعية‪ ،‬مع ميل خاص للتأكيد على‬
‫دراسة الشعوب البدائية‪ .‬أمّا في أمريكا‪ ،‬فيرى العلماء أنّ األنثروبولوجيا‪ ،‬هي علم دراسة الثقافات البشرية البدائية‬
‫والمعاصرة‪ ،‬في حين أنّ علماء فرنسا يعنون بهذا المصطلح‪ ،‬دراسة اإلنسان من الناحية الطبيعية‪ ،‬أي " العضوية " ‪.‬‬
‫( كلوكهون‪) 209 ،1964 ،‬‬
‫بحث‬
‫فعلم األنثروبولوجيا ير ّك ز اهتمامه على كائن واحد‪ ،‬هو اإلنسان‪ ،‬ويحاول فهم أنواع الظاهرات المختلفة التي ّ‬
‫تؤثر فيه ‪..‬‬
‫في حين تر ّكز العلوم األخرى اهتمامها على أنواع محدّدة من الظاهرات أ ّنى وجدت في الطبيعة ‪.‬وكان علم‬
‫األنثروبولوجيا‪ ،‬وما زال‪ ،‬يحاول فهم ك ّل ما يمكن فهمه أو معرفته عن طبيعة هذا المخلوق الغريب الذي يسير على‬
‫قدمين‪ ،‬وكذلك فهم سلوكه الذي يفوق طبيعته الجسمية غرابة ‪.‬‬
‫ومع أنّ علماء األنثروبولوجيا‪ ،‬استطاعوا استخدام بعض األساليب التي طوّ رتها العلوم االجتماعية‪ ،‬فإ ّنهم قلّما اضطروا‬
‫إلى انتظار تطوّ ر مثل هذه األساليب ‪ ..‬والواقع أنّ إسهامهم في تطوّ ر العلوم االجتماعية‪ ،‬ال يق ّل شأنا ً عن إسهام هذه العلوم‬
‫في تطوّ ر األنثروبولوجيا‪ .‬ولذلك‪ ،‬ينقسم علم األنثروبولوجيا إلى قسمين أساسيين كبيرين ‪ :‬يبحث األول في اإلنسان‪،‬‬
‫ويعرف باألنثروبولوجيا الطبيعية‪ ،‬في حين يبحث الثاني في أعمال اإلنسان‪ ،‬ويعرف باألنثروبولوجيا الثقافية ‪/‬‬
‫الحضارية ‪ (.‬لينتون‪ ،1967 ،‬ص ‪)16-15‬‬
‫واستناداً إلى هذه المنطلقات‪ ،‬فقد ح ّد دت الباحثة األمريكية ‪ /‬مارغريت ميد‪ /‬طبيعة علم األنثروبولوجيا وأبعاده‪ ،‬بقولها ‪" :‬‬
‫إ ّننا نص ّن ف الخصائص اإلنسانية للجنس البشري (البيولوجية والثقافية) كأنساق مترابطة ومتغيّرة‪ ،‬وذلك عن طريق نماذج‬
‫ومقاييس ومناهج متطوّ رة‪ .‬كما نهت ّم أيضا ً بوصف النظم االجتماعية والتكنولوجية وتحليلها‪ ،‬إضافة إلى البحث في اإلدراك‬
‫العقلي لإلنسان وابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصاالته‪ .‬وبصفة عامة‪ ،‬نسعى – نحن األنثروبولوجيين –لتفسير نتائج‬
‫دراساتنا والربط فيما بينها في إطار نظريات التطوّ ر‪ ،‬أو ضمن مفهوم الوحدة النفسيّة المشتركة بين البشر ‪Mead, ("..‬‬
‫‪)1973, p.280‬‬

‫وتأسيسا ً على ما تقدّم‪ ،‬فإنّ األنثروبولوجيا هي العلم الذي يدرس اإلنسان‪ ،‬ويدرس أوجه الشبه وأوجه االختالف بينه وبين‬
‫الكائنات الحيّة األخرى من جهة‪ ،‬وأوجه الشبه واالختالف بين اإلنسان وأخيه اإلنسان من جهة أخرى‪.‬‬
‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬يدرس السلوك اإلنساني ضمن اإلطار الثقافي واالجتماعي بوجه عام‪ .‬فال تهت ّم األنثروبولوجيا باإلنسان‬
‫الفرد‪ ،‬كما تفعل الفيزيولوجيا أو علم النفس‪ ،‬وإ ّنما تهت ّم باإلنسان الذي يعيش في جماعات وأجناس‪ ،‬وتدرس الناس في‬
‫أحداثهم وأفعالهم الحياتية ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ -‬أهداف دراسة األنثروبولوجيا‬
‫استناداً إلى مفهوم االنثروبولوجيا وطبيعتها‪ ،‬فإنّ دراستها تح ّقق مجموعة من األهداف‪ ،‬يمكن حصرها في األمور التالية ‪:‬‬
‫‪ -3/1‬وصف مظاهر الحياة البشرية والحضارية وصفا ً دقيقاً‪ ،‬وذلك عن طريق معايشة الباحث المجموعة أو الجماعة‬
‫المدروسة‪ ،‬وتسجيل ك ّل ما يقوم به أفرادها من سلوكات في تعاملهم‪ ،‬في الحياة اليوميّة ‪.‬‬
‫‪ - 3/2‬تصنيف مظاهر الحياة البشرية والحضارية بعد دراستها دراسة واقعية‪ ،‬وذلك للوصول إلى أنماط إنسانية عامة‪ ،‬في‬
‫سياق الترتيب التطوّ ري الحضاري العام لإلنسان ‪( :‬بدائي‪ -‬زراعي‪ -‬صناعي – معرفي – تكنولوجي)‬
‫‪ -3/3‬تحديد أصول التغيّر الذي يحدث لإلنسان‪ ،‬وأسباب هذا التغيّر وعملياته بد ّقة علمية ‪ ..‬وذلك بالرجوع إلى التراث‬
‫اإلنساني وربطه بالحاضر من خالل المقارنة‪ ،‬وإيجاد عناصر التغيير المختلفة ‪.‬‬
‫شرات والتوقعّات ال ّت جاه التغيير المحتمل‪ ،‬في الظواهر اإلنسانية ‪ /‬الحضارية التي تتمّم دراستها‪،‬‬
‫‪ -4/3‬استنتاج المؤ ّ‬
‫وبالتصوّ ر بالتالي إلمكانية التنبؤ بمستقبل الجماعة البشرية التي أجريت عليها الدراسة‪( .‬لينتون‪ ،1964 ،‬ص‪)15‬‬
‫ويبدو أنّ التباين العرقي بين بني البشر‪ ،‬هو الخاصة البيولوجية التي تستأثر باهتمام العالِم الحديث‪ ،‬أكثر من سائر‬
‫الخواص البيولوجية األخرى عند اإلنسان‪ .‬ويبذل المص ّنفون العرقيون محاوالت دائبة للتوصّل إلى تصنيف عرقي مثالي‪.‬‬
‫فكان من نتائج انشغال علماء األنثروبولوجيا الجسمية بمشكلة العرق‪ ،‬أن اكتسب مفهوم النوع (العرق) رسوخا ً أعاق‬
‫التفكير بالكائن البشري ذاته‪ .‬فاألصناف العرقية البشرية ظلّت‪ ،‬وإلى عهد قريب‪ ،‬تعتبر كيانات ثابتة نسبياً‪ ،‬وقادرة على‬
‫الصمود أمام تأثيرات البيئة أو قوى التغيّر الفطرية‪.‬‬
‫ويالحظ أنّ التطرّ ف في تمجيد فكرة العرق‪ ،‬أ ّد ى إلى فرض عدد محدود من التصنيفات الصارمة على بني البشر الذين‬
‫يمتازون بتنوّ ع ال ح ّد له‪ ،‬وأ ّد ى بالتالي إلى زج األفراد في هذه التصنيفات‪ ،‬بصورة تطمس صفاتهم األصلية الخاصة‪.‬‬
‫(لينتون‪ ،1967 ،‬ص ‪)46‬‬
‫إنّ اهتمام األنثروبولوجيا بدراسة المجتمعات اإلنسانية كلّها‪ ،‬وعلى المستويات الحضارية كافة‪ ،‬يعتبر منطلقا ً أساسيا ً في‬
‫فلسفة علم األنثروبولوجيا وأهدافها‪ .‬ولكن على الرغم من التو ّس ع في مجال الدراسات األنثروبولوجية‪ ،‬فما زالت‬
‫االهتمامات التقليدية لألنثروبولوجيا‪ ،‬وال سيّما وصف الثقافات وأسلوب حياة المجتمعات‪ ،‬ودراسة اللغات واللهجات‬
‫المحلية وآثار ما قبل التاريخ‪ ،‬تّؤ كد وال شك‪ ،‬تف ّرد مجال األنثروبولوجيا عمّا عداها من العلوم األخرى‪ ،‬وال سيّما علم‬
‫االجتماع‪( .‬فهيم‪ ،1986 ،‬ص ‪) 35‬‬
‫بحث‬
‫ومن هنا كانت أهميّة الدراسات األنثروبولوجية في تحديد صفات الكائنات البشرية‪ ،‬وإيجاد القواسم المشتركة فيما بينها‪،‬‬
‫بعيداً عن التع ّ‬
‫ص ب واألحكام المسبقة التي ال تستند إلى أية أصول علمية‪.‬‬
‫وإذا كان علم األنثروبولوجيا‪ ،‬بدراساته المختلفة‪ ،‬قد استطاع أن ينجح في إثبات الكثير من الظواهر الخاصة بنشأة اإلنسان‬
‫وطبيعته‪ ،‬ومراحل تطوّ ره الثقافي ‪ /‬الحضاري‪ ،‬فإنّ أه ّم ما أثبته هو‪ ،‬أنّ الشعوب البشرية بأجناسها المتعدّدة‪ ،‬تتشابه إلى‬
‫ح ّد التطابق في طبيعتها األساسية‪ ،‬وال سيّما في النواحي العضوية والحيوية ‪.‬‬
‫***‬
‫مصادر الفصل ومراجعه‬
‫‪ -‬أبو هالل‪ ،‬أحمد (‪ )1874‬مق ّد مة في األنثروبولوجيا التربوية‪ ،‬المطابع التعاونية‪ ،‬األردن‪ ،‬عمّان ‪.‬‬
‫‪ -‬سليم‪ ،‬شاكر (‪ )1981‬قاموس األنثروبولوجيا‪ ،‬جامعة الكويت ‪.‬‬
‫‪ -‬الجباوي‪ ،‬علي (‪ )1996/1997‬األنثروبولوجيا – علم اإلناسة‪ ،‬جامعة دمشق ‪.‬‬
‫ص ة األنثروبولوجيا – فصول في تاريخ علم اإلنسان‪ ،‬عالم المعرفة (‪ ،)98‬شباط‪ ،‬الكويت ‪.‬‬
‫‪ -‬فهيم‪ ،‬حسين (‪ )1986‬ق ّ‬
‫‪ -‬كالكهون‪ ،‬كاليد (‪ )1964‬اإلنسان في المرآة‪ ،‬ترجمة ‪ :‬شاكر سليم‪ ،‬بغداد ‪.‬‬
‫‪ -‬لينتون‪ ،‬رالف (‪ ) 1964‬دراسة اإلنسان‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عبد الملك الناشف‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -‬لينتون‪ ،‬رالف (‪ ) 1967‬األنثروبولوجيا وأزمة العالم الحديث‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عبد الملك الناشف‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪.Nicholson, C. (1968) Anthropology and Education , London -‬‬

‫‪Mauduit, J. A (1960) Mannuel d, Athnographie, Payoy, Paris -‬‬

You might also like