Professional Documents
Culture Documents
من المتفق عليه،على مستوى اإلجراءات أن نميز في بحوث العلوم اإلنسانية بين تلك التي
تهدف إلى قياس الظواهر عن تلك التي تسمح بأخذ معطيات كيفية ال يمكن قياسها
أوعدها.لهذا تتطلب المناهج الكيفية والكمية مجموعة من اإلجراءات المختلفة.
إن المناهج الكمية تهدف في األساس إلى قياس ظاهرة موضوع الدراسة .وقد تكون هذه
القياسات من النوع الترتيبي( )ordinalesمثل" : أكثر من أوأقل من"أوعددية وذلك
باستعمال الحساب.إن أغلبية البحوث في العلوم اإلنسانية تستعمل القياس؛وكذلك األمر
حينما يتم استعمال المؤشرات ،النسب،المتوسطات أواألدوات التي يوفرها اإلحصاء بصفة
عامة.فإننا نستنجد بالمناهج الكمية أثناء محاولة معرفتنا ،مثال :تطور أسعار االستهالك
منذ عشر سنوات ،نية التصويت في االنتخابات القادمة،االرتباط بين درجة التحضر
ونسبة المواليد.
لذا مناهج الكيفية فيهدف في األساس إلى فهم ظاهرة موضوع الدراسة .وعليه ينصب
االهتمام هنا أكثر على حصر معنى األقوال التي تم جمعها أوالسلوكات التي تمت
مالحظتها .لهذا يركز الباحث أكثر على دراسة الحالة أودراسة عدد قليل من األفراد،
فعندما يحاول الباحث معرفة أطوار تعلم الطفل ،أواألحداث التي طبعت عشرية
زمنية،أوتصورات فكرة السعادة في البلدان المختلفة ،فإنه يستعين في ذلك بالمناهج
الكيفية.
لقد ظلت المناهج الكمية ومنذ زمن طويل مناوئة للمناهج الكيفية.
تعتمد المناهج الكمية على صيغ رياضية للواقع،ونظرا إلى استعماالتها العادية والمتكررة
من طرف علوم الطبيعية فقد اعتبرت منذ البداية أنها أكثر صرامة وعلمية من المناهج
الكيفية،حيث أدى هذا بالعلوم اإلنسانية إلى االعتقاد ولمدة طويلة أن نموها ومصدقياتها
مرهونان باستعمال أكثر للتعميم في بحوثها .كما استعانت بعض التخصوصات فروع
العلوم اإلنسانية مثل االقتصاد،الجغرافيا،علم االجتماع،علم النفس وعلوم
اإلدارة،بالرياضيات في دراستها للظواهر.
ألن طبيعة موادها ومواضيعها تتقبل ذلك بكل سهولة.ومع ذلك فإنه ال يمكن إخضاع
الظواهر اإلنسانية دائما للتكميم (إعطاء قيمة كمية)،لذا هي ملزمة أيضا باستخدام المناهج
الكيفية التي تستعين أكثر باألحكام ،وبدقة ومرونة المالحظة أوبفهم التجارب التي يعيشها
األفراد.
إضافة إلى ما تقدم فإن الظواهر اإلنسانية ومهما كانت دقة القياسات الكمية المستعملة في
قياسها ،ستظل محتفظة ببعدها الكيفي.
فعندما يتحدث المرء مثال عن درجة الرضي عن العمل ،أودرجة النزعة المحافظة لدى
مجموعة بشرية ما،أواالزدهار في دولة ما،وهي كلها ظواهر لها قياسات حسابية ،فإن
المصطلحات المستعملة هي من طبيعة كيفية وتعود إلى حقائق إنسانية ال تستجيب أبداً
للقياسات الكمية التي تمت تهيئتها من أجل ذلك.فالرضى والنزعة المحافظة واالزدهار؛
مصطلحات تشير أصال إلى تقدير الواقع ،ويبقي الحساب ليس أكثر من مجرد
تكميم(إعطاء قيمة كمية).
إن األهداف المتبعة والمواد المتوفرة هي التي تحدد إما درجة التكميم (إعطاء قيمة كمية)
أوالمسعى الكيفي الذي ينبغي اعتماده ،ألننا عندما نريد قياس نوعية ظاهرة ما،فإن األعداد
في حد ذاتها ال تضيف شيئا مهما كانت دقيقة،وعكس ذلك،فإن وصفاً نوعياً مفصال سيكون
عديم الفائدة إذا كان المعطى الرقمي أكثر وضوحاً ،يبقي األهم في أخذ كل الوسائل
الضرورية Zلتعميق موضوع الدراسة وتحليل كل جوانبه.
إن هاتين العمليتين المنهجيتين الكبيرتين هما اآلن مكسبين تشترك فيهما العلوم اإلنسانية.