You are on page 1of 11

‫علم االجتماع التربوي‪ ‬‬

‫مقدم ــة‪:‬‬
‫‪         ‬اإلنسان كائن اجتماعي يعيش و يقضي معظم وقته في جماعة و في جماعات ‪ ,‬يؤثر فيها و يتأثر بها ‪ ,‬ويتحدد سلوكه‬
‫اإلجتماعي على أساس السلوك اإلجتماعي املصطلح عليه‪.‬‬
‫و الفرد منذ والدته وخالل نموه تطرأ عليه تغييرات جوهرية تشمل جوانب عديدة من شخصيته ‪ ,‬فهو ينمو جسميا و‬
‫فسيولوجيا ‪ ,‬و ينمو عقليا ‪ ,‬و ينمو انفعاليا ‪ ,‬وينمو اجتماعيا‪. ‬‬
‫‪        ‬و لعل الناحية اإلجتماعية هي قطب رحى موضوعنا هذا ‪ ,‬فمنذ طفولة الفرد تنمو لديه القدرة تدريجيا على إنشاء‬
‫العالق ات اإلجتماعي ة م ع اآلخ رين‪ .‬فه و يكتس ب األس اليب الس لوكية و اإلجتماعي ة و اإلتجاه ات و القيم و املع ايير و‬
‫يتعلم األدوار اإلجتماعية ‪ ,‬و هو يتعلم ما يصطلح عليه بالتفاعل اإلجتماعي مع رفاق السن ‪ ,‬و ينمو أخالقيا و دينيا‪. ‬‬
‫‪       ‬لذلك صار لزاما معرفة دوافع السلوك اإلجتماعي بهدف تحديد عالقة الطفل بباقي رفاقه ‪ -‬رفاق الحي و املدرسة‪-...‬‬
‫بغية فهم السلوك و وصفه ‪ ,‬و التنبؤ به ‪ ,‬و التحكم فيه‪ ...‬لنخرج بفهم و تفسير لحياتنا و حياة اآلخرين ‪ ,‬و كذا توجيه‬
‫هذه الحياة توجيها صحيحا‪. ‬‬
‫‪       ‬هنا يأتي علم اإلجتماع التربوي ليمدنا بمادة معرفية جد مهمة لكل التساؤالت املعرفية و التربوية ‪ ,‬فمسألة النشء‬
‫مسألة جوهرية وهي ما يتناول علم اإلجتماع التربوي بالبحث و الدراسة‪ ,‬و القياس اإلجتماعي‪.‬‬
‫و تكمن أهمية هذا العلم في كونه يساهم في تحقيق هدف عام مشترك و هو توجيه النشء ملا يسعده في حياته بتحقيق‬
‫املزيد من الرضا و التكيف اإلجتماعي مع نفسه أوال ‪ ,‬و مع بيئته اإلجتماعية التي يعيش فيها‪.‬‬
‫‪       ‬فم ا ه و علم اإلجتم اع ال تربوي؟ و م اهي مج االت اهتمام ه ؟ و إلى أي ح د يمكن الق ول ب أن علم اإلجتم اع ال تربوي‬
‫ساهم إسهاما فعاال في ميدان التربية و التعليم ؟‬
‫و ما هي أشهر النظريات الحديثة في علم اإلجتماع التربوي ؟ و ما هي يا ترى أهم املراحل و األشواط التي قطعها هذا‬
‫العلم الحديث ؟‬
‫تعريف علم اإلجتماع التربوي‪:‬‬
‫‪  ‬علم اإلجتماع التربوي وهو العلم الذي يدرس أثر العمل التربوي في الحياة االجتماعية‪ ،‬ويدرس في الوقت نفسه‪ ،‬أثر‬
‫الحي اة االجتماعي ة في العم ل ال تربوي‪ ،‬أو ه و العلم االجتم اعي ال ذي ي درس الظ اهرة التربوي ة في مناحيه ا املتع ددة‪ ،‬وفي‬
‫إطار تفاعلها مع الواقع االجتماعي‪ .‬فهو علم قائم بذاته ‪ ,‬و تم استخالصه من علم اإلجتماع العام ‪ .‬وهو علم حديث‬
‫النشأة و فرع من فروعه يعمل على تطبيق املفاهيم و التصورات و املصطلحات الواردة في علم اإلجتماع العام في جانب‬
‫من أهم ميادين املجتمع و هو الجانب التربوي ‪ .‬يمكن القول إذن أن‪  ‬علم اإلجتماع التربوي عبارة عن مزيج مختلط من‬
‫كل من علم اإلجتماع و التربية ‪ ,‬و هو " علم اإلجتماع التربوي " ‪ . 1‬فالعملية التربوية جزء ال يتجزأ من املجتمع ‪ ,‬و هي‬
‫العملية التي تنشئ اإلنسان القادر على تسيير أمور و قيادة التقدم اإلجتماعي و خطط التنمية و تنفيذ مشروعاتها‪. ‬‬
‫‪  ‬يهتم هذا امليدان من علم االجتماع ببحث الوسائل التربوية التي تؤدي إلى نمو أفضل للشخصية‪ ،‬ألن األساس في هذا‬
‫امليدان هو أن التربية عملية تنشئة اجتماعية‪ .‬لذا فإن علم االجتماع التربوي يبحث في وسائل تطبيع األفراد بحضارة‬
‫ً‬
‫مجتمعهم‪ .‬والتربي ة أساس ا ظ اهرة اجتماعي ة‪ ،‬يجب أن ت درس في ض وء تأثيره ا في الظ واهر االجتماعي ة األخ رى من‬
‫سياسية واقتصادية وبيئية وتشريعية‪ ،‬وتأثيرها في املتغيرات االجتماعية األخرى من خالل عمليات التفاعل االجتماعي‪.‬‬
‫من هن ا أك د اإلجتم اعيون ض رورة تحلي ل ال دور ال ذي يق وم ب ه النظ ام ال تربوي في عالقت ه ب أجزاء البن اء االجتم اعي‬
‫الديموغرافية أو االقتصادية أو السياسية‪ ،‬وعالقته بمثالية املجتمع أو نظراته العامة واإليديولوجيات التي تفعل فيه‪.‬‬
‫ويحتل علم االجتماع التربوي مكانة خاصة في البلدان التي تعيش مرحلة نقلة حضارية‪ ،‬إذ تجري مجموعة من التغيرات‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬تلك التغيرات التي تستوجب إعادة النظر في مسائل التربية والتعليم وما يتعلق بها من ظواهر‬
‫اجتماعية تواكب تلك التغيرات وتعمق جذورها‪. ‬‬

‫مجاالت اهتمام علم االجتماع التربوي‪:‬‬

‫يهتم علم اإلجتماع التربوي بمسائل مثل إيصال القيم االجتماعية والثقافية والتربوية والدينية والوطنية إلى الطفل عن‬
‫طريق النظام التعليمي‪ ،‬كما أنه يدرس املحددات االجتماعية التي تؤثر في تقرير السياسات التربوية وأهداف النظام‬
‫التعليمي‪ ،‬وك ذلك ت أثير املؤسس ات االجتماعي ة في النظ ام التعليمي‪ ،‬وت أثير العالق ة بين املدرس ة واألس رة‪ ،‬في التحص يل‬
‫املدرس ي للتالمي ذ‪ ،‬ودور النظ ام التعليمي في الح راك االجتم اعي‪ ،‬وأث ر األنم اط الثقافي ة الس ائدة على النظ ام املدرس ي‪،‬‬
‫والتعلم عن طري ق جماع ات األق ران‪ ،‬والعالق ات بين أف راد تل ك الجماع ات‪ ،‬ودور التربي ة في إع داد الناش ئة لس وق‬
‫العمل‪ ،‬والتحليل االجتماعي لبنية النظام املدرسي والعالقات السائدة فيه‪ ،‬ودور النظام املدرسي بصفته أداة للسيطرة‬
‫االجتماعي ة والض بط‪ ،‬وإع ادة إنت اج العالق ات االقتص ادية واالجتماعي ة الس ائدة‪ ،‬وتحدي د الطبق ات االجتماعي ة‬
‫ً‬
‫املس تفيدة من النظ ام املدرس ي‪ ،‬وال تي تطبع ه بخصائص ها اللغوي ة والثقافي ة‪ ،‬وأخ يرا دور التربي ة في عملي ات التح ديث‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫‪  ‬و غ ني عن البي ان أن علم اإلجتم اع ال تربوي ي روم من خالل دراس ته للحق ل ال تربوي س بر أغ وار العالق ة املعق دة بين‬
‫الفرد و الجماعة من جهة و بين الجماعة و باقي الجماعات من جهة أخرى ‪ .‬كما يدرس عالقة املجتمع بالتربية و تأثير‬
‫التربية فيه ‪ .‬فالدراسة ليست سهلة و ميسرة كما قد يبدو للبعض ‪ .‬ألن هناك عقبات تتضح و تظهر – الرواسب أو‬
‫املخلفات التربوية – قد تمارس ضغوطات من شأنها أن تعرقل عمليات التنمية و التطوير‪. ‬‬
‫‪  ‬كما يعمل علم اإلجتماع التربوي من خالل تحليله مليدان التربية و التعليم محاولة تكريس مبدأ " تكافؤ الفرص" حيث‬
‫يجعل له معنى حقيقيا داخل الشق التربوي و ليس مجرد شعار يرفع هنا و هناك ‪ ,‬و ذلك من أجل الترقي و الصعود في‬
‫سلم الحراك اإلجتماعي وفق استعدادات التالميذ و ميوالتهم و قدراتهم و تمثالتهم و طموحاتهم وليس وفق ما كونوه‬
‫من مكانات موروثة‪. ‬‬
‫فعلم اإلجتماع التربوي ‪ ,‬و باختصار يكرس جهده لفهم العالقة بين التلميذ و املدرسة و املجتمع‪. ‬‬
‫فهو يهتم بالنظام التربوي ككل متكامل بكل ما يضمه من مؤسسات تربوية و اجتماعية ‪ ,‬أوجدها املجتمع بهدف تعليم‬
‫أبنائه و تربية النشء في مختلف مراحل العمر السنية و كافة مراحل التعليم ‪ ,‬و كذا اإلهتمام بمختلف جوانب التلميذ‬
‫املعرفية والوجدانية و اإلنفعالية‪ ,‬و كافة ما يحيط باملجتمع التعليمي من مشكالت و معيقات‪.‬‬
‫مراحل تطور علم اإلجتماع التربوي‪:‬‬
‫‪                  ‬ظه ر ه ذا العلم نتيج ة لجمل ة من التط ورات اإلجتماعي ة‪ ،‬منه ا توق ع دور النظ ام التعليمي في ترس يخ‬
‫الديمقراطية االجتماعية والتربوية والحراك االجتماعي عن طريق التحصيل املدرسي‪ ،‬وإعداد التالميذ للحصول على‬
‫ف رص عم ل‪ ،‬وتعزي ز دور املدرس ة في التنش ئة االجتماعي ة للطف ل‪ ،‬و يقص د بالتنش ئة االجتماعي ة العملي ة ال تي عن‬
‫طريقه ا يس عى اآلب اء إلى إحالل ع ادات و دواف ع جدي دة مح ل ع ادات ودواف ع ك ان الطف ل ق د كونه ا بطريق ة أولي ة في‬
‫املرحلة السابقة ‪ .‬أو بعبارة أخرى هي العملية التي يهدف اآلباء من ورائها إلى جعل أبنائهم يكتسبون أساليب سلوكية و‬
‫دوافع وقيم واتجاهات يرضى عنها اﻤﻟﺠتمع وتتقبلها الثقافة الفرعية التي ينتمون إليها‪.‬‬

‫‪        ‬وتمثل أعمال إميل دوركهايم‪ ،Émile Durkheim (1858-1917)  ‬وماكس فيبر‪ ،Max Weber (1864-1920) ‬وكارل‬
‫ماركس‪ ،Karl Marx (1818-1883) ‬املقدمات النظرية لوالدة علم اإلجتماع التربوي‪ .‬وقد تجلى إسهام كل منهم في هذا‬
‫املج ال في كتب ه‪ ،‬إذ كتب دوركه ايم‪« :‬التربي ة واملجتم ع» ‪ Éducation et sociologie‬و«التط ور ال تربوي في فرنس ة«‬
‫‪ Évolution pédagogique en France‬وأس هم كت اب م اكس في بر «األخالق البروتس تنتية وروح الرأس مالية» ‪L'éthique‬‬
‫‪ Protestante et l'esprit du capitalisme‬في شرح التطور االجتماعي الرأسمالي في أوربة الغربية‪ ،‬وعرض كارل ماركس‬
‫الفك ر االجتم اعي ال تربوي بش رح ت أثير البني ة التحتي ة‪ ،‬وأنم اط اإلنت اج وعالق ات اإلنت اج‪ ،‬على البني ة الفوقي ة كالبن اء‬
‫الثقافي والحقوقي للمجتمع والنظام التربوي واملدرسي السائد‪ ،‬كما ركز على أهمية املوازين الطبقية في العملية التربوية‪،‬‬
‫وعلى قيم كل طبقة اجتماعية وتصوراتها‪ .‬وانتقد تربية األطفال بأساليب اإلكراه في املجتمعات الرأسمالية‪.‬‬

‫‪           ‬ومهد هؤالء الرواد لتطور علم االجتماع التربوي‪ ،‬فقد بحث جاكار‪ P.Jaccard ‬في كتابه «علم االجتماع التربوي» (‬
‫‪ )1963‬أفكار دوركهايم‪ ،‬كما درس كل من جيرار‪ A.Girard ‬وباستيد‪ ،K.Pastide ‬أثر االنتماء االجتماعي في قوة التحصيل‬
‫املدرسي في بحثهما «حول الطبقة االجتماعية‪،‬‬
‫وديمقراطي ة التعليم»‪ ،‬ع ام ‪ ،1963‬وكتب ب ول كالرك‪ Paul Clerc ‬ح ول «األس رة والتوجي ه املدرس ي لتالم ذة الص ف‬
‫السادس االبتدائي»‪ .‬ولعل أكثر األعمال إثارة لالهتمام والجدل هي الدراسة التي قام بها كل‬
‫من بوردي و‪ Bourdieu ‬وباس رون‪ J.C.Passeron ‬بعن وان «إع ادة اإلنت اج‪ :‬ح ول نظري ة نظ ام التعليم» ‪La reproduction:‬‬
‫‪  pour une théorie du système d'enseignement‬وهي دراسة‬
‫تكشف عن أن النظام التعليمي السائد في فرنسا يعيد بناء العالقات اإلنتاجية القائمة على تعزيز السيطرة االقتصادية‬
‫للطبقات السائدة‪.‬‬
‫ولعل أبرز األعمال املهمة التي صدرت في بريطانيا هو ما قام به فريد كالرك‪ ،‬حول «التربية والتغير االجتماعي» الصادر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في لندن عام ‪ ،1940‬محلال تاريخ التربية في املجتمع البريطاني‪ ،‬وداعيا إلى توظيفها في خدمة الطبقات السائدة‪ ،‬واهتم‬
‫ً‬
‫باسيل برنشتاين‪ Basil Brenstien ‬عام ‪ 1975‬بمسألة العالقة بين اللغة واالنتماء الطبقي‪ ،‬مبينا أن لغة النظام املدرسي‬
‫في بريطاني ة ك انت وم اتزال تعكس فك ر الطبق ات املتوس طة في املجتم ع البريط اني‪ .‬وق دمت مرغ ريت آرشر‪Margaret‬‬
‫‪ Archer‬في كتابها «األصول االجتماعية لألنظمة التربوية» ‪ Social Origins of Educational Systems‬الصادر في لندن عام‬
‫ً‬
‫‪ ،1967‬تحليال للقوى االجتماعية التي أثرت في تطور النظام املدرسي لخدمة مصالحها االجتماعية واالقتصادية‪ .‬وبين‬
‫فرانك مسغروف‪ F. Musgrove ‬في كتابه «املدرسة والنظام االجتماعي» ‪ School and Social Order‬الصادر في لندن عام‬
‫‪ ،1968‬دور املدرسة في تعزيز التفاوت الطبقي بين طالبها‪ ،‬ويؤكد كتاب مايكل دون املعروف باسم «التربية في بريطانيا»‬
‫ً‬
‫‪ Education in Britain‬الصادر في لندن عام ‪ 1979‬وفي الفصل املعنون باسم «التربية والفقر»‪ ،‬الحقيقة نفسها مبينا أن‬
‫النظام التعليمي في بريطانيا جعل الناس املستفيدين منه قادرين على تحسين ظروف حياتهم املعيشية‪.‬‬

‫وق ام ج ون دي وي‪ J. Dewey (1859-1952)  ‬بدراس ات تربوي ة واجتماعي ة وخاص ة في كتابي ه «املدرس ة واملجتم ع» ‪The‬‬
‫ً‬
‫‪ School and Society‬ع ام ‪ ،1899‬و«الديمقراطي ة والتربي ة» ‪ Democracy and Education‬ع ام ‪ 1916‬مبين ا أث ر الحي اة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫االجتماعية التقليدية في العمل التربوي‪ ،‬وترك هذان الكتابان أثرا تربويا كبيرا في الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وكانت‬
‫ً‬
‫مؤلفات ه إجم اال م ؤثرة في التربي ة واملجتم ع الع المي بترك يزه على الخ برة والحري ة والديمقراطي ة والتع اون بين التالمي ذ‬
‫وأبن اء املجتم ع‪ .‬ويؤك د دات ون‪ S.T.Datun ‬في كتاب ه «الج وانب االجتماعي ة للتربي ة» ع ام ‪ ،1900‬ض رورة رب ط التربي ة‬
‫بخ برات الطف ل االجتماعي ة في املنزل واملجتم ع املحلي‪ .‬وك ان له نري س وزلو‪ H. Suzzlo ‬فض ل اس تعمال تعب ير «علم‬
‫االجتماع التربوي» في الواليات املتحدة األمريكية أول مرة عام ‪ 1910‬في جامعة كولومبية‪.‬‬

‫ً‬
‫وفي املرحلة نفسها صدر أيضا كتاب وليم هاولي سميث‪« W.H.Smith ‬مدخل إلى علم االجتماع التربوي»‪ ،‬الذي عرف هذا‬
‫العلم بأنه «يستخدم نظرية علم االجتماع وميادينه في دراسة قضايا التربية ونظرياتها وممارستها»‪.‬‬

‫ويطلق البعض على جورج باين‪ ،G.Payne ‬لقب «أبو علم االجتماع التربوي» فقد أصدر نشرة علم االجتماع التربوي‬
‫عام ‪ ،1928‬التي أصبحت فيما بعد النشرة الرسمية للجمعية الوطنية لعلم االجتماع التربوي التي تأسست عام ‪.1923‬‬
‫وفي الستينات والسبعينات من القرن العشرين حصلت أزمات اجتماعية في الواليات املتحدة األمريكية بسبب البطالة‬
‫والجريم ة والص راعات العرقي ة‪ ،‬وص درت مجموع ة من الدراس ات املهم ة ح ول ديمقراطي ة التعليم‪ ،‬لع ل أش هرها‬
‫الدراسة املشتركة لكل من باول وجنتس‪ Bowels-  Gentis ‬بعنوان «النظام املدرسي في أمريكة الرأسمالية» ‪Schooling‬‬
‫‪ in Capitalist America‬الص ادرة ع ام ‪ ،1977‬وك ذلك دراس ة إيف ان إيليتش‪ I.Iliych ‬الش هيرة بعن وان «الالمدرس ية»‬
‫‪ .Deschooling‬لقد حلل كل من باول وجنتس الطابع الطبقي للنظام املدرسي في الواليات املتحدة األمريكية الذي يعزز‬
‫ف رص أبن اء الطبق ة الغالب ة من الطالب في النج اح االقتص ادي واملادي‪ ،‬في حين اهتم ايليتش ببي ان مس اوئ النظ ام‬
‫املدرس ي وطابع ه القه ري‪ ،‬ول ذلك نعته ا به ذه التس مية ودع ا إلى التعلم ال ذاتي والتعلم عن طري ق جماع ات األق ران‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التعليمية‪ ،‬وكتب بعد ذلك عددا من الكتب باالتجاه نفسه مدعما أقواله بتطور التقنيات ونظم املعلومات وتغيرها مما‬
‫يؤدي إلى تغييرات اجتماعية وتربوية سريعة‪.‬‬

‫ويحل ل باتري ك في تز‪ Patrich Fitz ‬في كتابه «التربي ة والح راك االجتم اعي في االتح اد الس وفييتي» ‪Education and Social‬‬
‫‪ Mobility in the Soviet Union‬الصادر في لندن عام ‪ ،1979‬دور املدرسة السوفييتية في تمكين أبناء الطبقات الفقيرة‬
‫من املجتمع السوفييتي من تحسين ظروف حياتهم املعيشية‪.‬‬

‫وأسهمت الدراسات االجتماعي ة في دول العالم الث الث في الكش ف عن مختل ف أشكال القه ر االجتماعي والثق افي الذي‬
‫تعرضت لـه مجتمعات تلك الدول في حقبة الهيمنة االستعمارية‪ ،‬مما أدى إلى تعزيز تخلفها الثقافي والتربوي‪ ،‬ويمكن‬
‫اإلشارة هنا إلى كتاب فرانز فانون «معذبو األرض» ودراسة ج‪ .‬كابرال‪«  J.kabral ‬السلطة واإليديولوجية» ‪Power and‬‬
‫‪.Ideology‬‬
‫وق د بينت بعض الدراس ات الص ادرة في تل ك املجتمع ات مس ؤولية األنظم ة املدرس ية في عه ود االس تعمار عن األمي ة‬
‫الواسعة التي خلفتها في تلك املجتمعات بعد استقاللها‪ ،‬وخاصة اقتصار تعليمها على نخب معينة كي تخدم في أجهزتها‬
‫اإلدارية‪ ،‬وكشف باولو فرايري‪ Paulo Freiri ‬زيف حمالت محو األمية الرسمية في مجتمعات أمريكة الجنوبية والطابع‬
‫القهري ملضامين املقررات املعتمدة في تلك الحمالت ملحو أمية الفقراء من سكان األحياء الفقيرة في البرازيل‪ ،‬ودعا إلى‬
‫«تعليم للكبار» قائم على توعية الدارسين في صفوف محو األمية ملجتمعاتهم‪ ،‬والتخلص من هامشيتهم االجتماعية‬
‫‪ ‬ويتضمن كتابه «تربية املقهورين» ‪Pedagogy of the Oppressed‬‬

‫‪ ‬وكت اب «التربي ة من أج ل الحري ة» ‪ Education for Freedom‬إش ارات واض حة لتمكين األم يين الكب ار من التح رر من‬
‫دونيتهم االجتماعية والثقافية‪.‬‬

‫بحق وقهم االجتماعي ة واالقتص ادية‪ ،‬وتعزي ز ثقتهم بأنفس هم‪ ،‬مم ا ي تيح لهم اإلس هام في اإلنت اج االقتص ادي والثق افي‬
‫ملجتمع اتهم‪ ،‬والتخلص من هامش يتهم االجتماعي ة‪ .‬ويتض من كتاب ه «تربي ة املقه ورين» ‪Pedagogy of the‬‬
‫‪ Oppressed‬وكت اب «التربي ة من أج ل الحري ة» ‪ Education for Freedom‬إش ارات واض حة لتمكين األم يين الكب ار من‬
‫التحرر من دونيتهم االجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وانتش رت أفك ار فراي ري في أمريك ة الالتيني ة وبقي ة أرج اء الع الم‪ ،‬ول ذلك اخت ير رئيس ا فخري ا ملؤتمر تعليم الكب ار في‬
‫العالم الذي عقد في جومتيان في تايلند عام ‪.1990‬‬

‫أشهر النظريات الحديثة في علم اإلجتماع التربوي‪:‬‬

‫‪(       ‬التفاعلية الرمزية‪ ،‬والنظرية املعرفية(‬


‫إذا كان علم اإلجتماع التربوي علم حديث النشأة و فرع من فروع علم اإلجتماع العام‬
‫يعمل على تطبيق املفاهيم و التصورات و املصطلحات الواردة‪  ‬في جانب من أهم ميادين املجتمع و هو الجانب التربوي‬
‫كما أسلفنا الذكر‪. ‬‬
‫و يعمل على دراسته دراسة علمية‪ ،‬لذلك و حتى تتصف هذه الدراسة بالعلمية كان البد أن تتسم ببعض املواصفات‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪        -‬أن تنطلق من نظرية علمية‪،‬لها من الخصائص والشروط ما يؤهلها لتوسم بالعلمية‪،‬ولعل أهم شروط النظرية‬
‫العلمي ة هي‪،‬الوض وح والدق ة واإليج از‪،‬والتف رد ال ذي يع ني تجنب تك رار م ا اليجب تك راره‪،‬وأن تتس م بالواقعي ة في‬
‫صياغتها وطرحها‪،‬وقابلة لالختبار في امليدان‪،‬فضال عن قدرتها على التنبؤ بمسار الوقائع والظاهرات‪.‬‬
‫ومن هنا يتجلى لنا مفهوم النظرية العلمية وهي كما عرفها عبد الباسط عبد املعطي‪:‬‬
‫"نس ق فك ري اس تنباطي متس ق ح ول ظ اهرة أو مجموع ة من الظ اهرات املتجانس ة‪،‬يح وي‪-‬أي النس ق‪ -‬إط ارا تص وريا‬
‫ومفهومات وقضايا نظرية توضح العالقات بين الواقع وتنظمها بطريقة دالة وذات معنى‪،‬كما أنها ذات بعد إبريقي بمعنى‬
‫اعتماده ا على الواق ع ومعطيات ه‪،‬وذات توجي ه تنب ئي يس اعد على تفهم مس تقبل الظ اهرة ول و من خالل تعميم ات‬
‫احتمالية"( )‬
‫‪       ‬‬
‫فإذا كانت النظرية العلمية وصفية وتفسيرية في األساس‪ ،‬فإن وظيفة النظرية التربوية‪-‬كما يقول بول هيرست ‪ -‬هي‬
‫التشخيص والعالج‪ .‬وإذا كانت النظرية العلمية تحاول وصف وتفسير ما هو قائم‪ ،‬فإن النظرية التربوية تصف وتقرر‬
‫ما ينبغي عمله مع الناشئة‪ ،‬وتوجه وترشد املمارسات التربوية‪) ( .‬‬

‫وتتسم النظريات التربوية بجملة من األهداف تجعل لها أهمية مرموقة في دراسة الظاهرة التربية‪،‬ولعل من بين أهم‬
‫هذه األهداف مايلي‪:‬‬
‫‪-1‬دراسة الظواهر التربوية من حيث طبيعتها وما تتسم به من خصائص وسمات‪ ،‬والتي بفضل هذه األخيرة تجعل منها‬
‫ً‬
‫موضوعا متميزا لعلم االجتماع التربوي‪.‬‬
‫‪-2‬التعرف على الوقائع الثقافية واالجتماعية والشخصية املرتبطة بالظاهرة التربوية في نشأتها وتطورها‪.‬‬
‫‪ -3‬فهم طبيعة العالقات التي تربط الظواهر التربوية بعضها ببعض‪ ،‬والتي تربطها بغيرها من الظواهر االجتماعية في‬
‫املجتمع‪.‬‬
‫‪-4‬الكش ف عن أبع اد أو الوظ ائف االجتماعي ة‪،‬ال تي تؤديه ا الظ واهر والنظم التربوي ة بالنس بة للج وانب االجتماعي ة‬
‫والثقافية في املجتمع‪.‬‬
‫‪ -5‬تحديد املضمون األيدلوجي للتربية وآثاره على العمليات التربوية‪.‬‬
‫‪ -6‬تحدي د الق وانين االجتماعي ة العام ة ال تي تحكم الظ واهر التربوي ة وم ا يرتب ط به ا من وق ائع اجتماعي ة وثقافي ة‬
‫وشخصية‪.‬‬
‫‪ -7‬تحليل التربية كوسيلة للتقدم االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬بعدما قدمنا ملحة بسيطة عن تعريف النظرية وما تتسم به من شروط‪ ،‬وما األهداف التي ترمي إليها‪ ،‬سوف نحاول في‬
‫األسطر القادمة أن نعرج على أهم النظريات الحديثة التي عالجت موضوعات وميادين خاصة بالتربية‪ ،‬ولعل أبرز ما‬
‫نتعرض عليه من هذه النظريات هي‪:‬‬

‫ً‬
‫‪ ‬أوال‪ :‬التفاعلية الرمزية‪: Symbolic Interactionalism ‬‬
‫األساسية التي تعتمد عليها النظرية االجتماعية‪ ،‬في تحليل األنساق‬
‫ِ‬ ‫‪            ‬تعتبر التفاعلية الرمزية واحدة من املحاور‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫ً‬
‫وهي تب دأ بمس توى الوح دات الص غرى‪ ،)MICRO( ‬منطلق ة منه ا لفهم الوح دات الك برى‪ ،‬بمع نى أنه ا تب دأ ب األفراد‬
‫ً‬ ‫وس لوكهم كم دخل لفهم النس ق االجتم اعي(‪ .)1‬فأفع ُ‬
‫ال األف راد تص بح ثابت ة لتش كل بني ة من األدوار؛ ويمكن النظ ر إلى‬
‫هذه األدوار من حيث توقعات البشر بعضهم تجاه بعض من حيث املعاني والرموز(‪ .)2‬وهنا يصبح التركيز إما على ُب نى‬
‫األدوار واألنساق االجتماعية‪ ،‬أو على سلوك الدور والفعل االجتماعي‪.‬‬
‫ُ‬
‫ومع أنها ترى البنى االجتماعية ضمنا‪ ،‬باعتبارها بنى لألدوار بنفس طريقة بارسونز‪ ، Parsons ‬إال أنها ال تشغل نفسها‬
‫بالتحلي ل على مس توى األنس اق(‪ ،)3‬بق در اهتمامه ا بالتفاع ل الرم زي املتش كل ع بر اللغ ة‪ ،‬واملع اني‪ ،‬والص ور الذهني ة‪،‬‬
‫استنادا إلى حقيقة مهمة‪ ،‬هي أن على الفرد أن يستوعب أدوار اآلخرين‪.‬‬
‫إن أصحاب النظرية التفاعلية يبدأون بدراستهم للنظام التعليمي من الفصل الدراسي (مكان حدوث الفعل االجتماعي)‪.‬‬
‫فالعالقة في الفصل الدراسي والتالميذ واملعلم‪ ،‬هي عالقة حاسمة؛ ألنه يمكن التفاوض حول‬
‫الحقيق ة داخ ل الص ف‪ ،‬إذ ي درك التالمي ذ حقيق ةكونهم م اهرين أو أغبي اء أو كس الى‪ .‬وفي ض وء ه ذه املق والت يتفاع ل‬
‫التالميذ واملدرسون بعضهم مع بعض‪ ،‬حيث يحققون في النهاية نجاحا أو فشال تعليميا(‪.)4‬‬
‫أشهر ممثلي النظرية التفاعلية الرمزية‪:‬‬
‫‪     )1‬جورج هربرت ميد‪:George H. Mead (1863-1931) ‬‬
‫طول الفترة من (‪ )1931-1894‬أن يبلور على‬ ‫استطاع جورج ميد في محاضراته التي كان يلقيها في جامعة شيكاغو‪ ،‬على ِ‬
‫نحو متقن‪ ،‬األفكار األساسية لهذه النظرية(‪.)5‬‬

‫وقد جمع له تالميذه كتابا بعد وفاته‪ ،‬يحتوي على معظم أفكاره التي كانوا يدونوها في محاضراته‪ ،‬تحت عنوان‪Mind,( :‬‬
‫‪.)Self and Society, 1934‬‬
‫ويبدأ ميد بتحليل عملية االتصال‪ ،‬وتصنيفها إلى صنفين‪ :‬االتصال الرمزي‪ ،‬واالتصال غير الرمزي‪ .‬فبالنسبة لالتصال‬
‫الرمزي فإنه يؤكد بوضوح على استخدام األفكار واملفاهيم‪ ،‬وبذلك تكون اللغة ذات‬
‫أهمي ة بالنس بة لعملي ة االتص ال بين الن اس في املواق ف املختلف ة‪ ،‬وعلي ه ف إن النظ ام االجتم اعي ه و نت اج األفع ال ال تي‬
‫يصنعها أفراد املجتمع‪ ،‬ويشير ذلك إلى أن املعنى ليس مفروضا عليهم‪ ،‬وإنما هو موضوع خاضع للتفاوض والتداول بين‬
‫األفراد(‪.)6‬‬
‫‪     )2‬هربرت بلومر‪:H. Blumer (1900-1986) ‬‬
‫وهو يتفق مع جورج ميد في أن التفاعل الرمزي هو السمة املميزة للتفاعل البشري‪ ،‬وأن تلك السمة الخاصة تنطوي‬
‫على ترجمة رموز وأحداث األفراد وأفعالهم املتبادلة‪ .‬وقد أوجز فرضياته في النقاط التالية(‪:)7‬‬
‫•‪       ‬إن البشر يتصرفون حيال األشياء على أساس ما تعنيه تلك األشياء بالنسبة إليهم‪.‬‬
‫•‪     ‬هذه املعاني هي نتاج للتفاعل االجتماعي اإلنساني‪.‬‬
‫وتعدل‪ ،‬ويتم تداولها عبر عمليات تأويل يستخدمها كل فرد في تعامله مع اإلشارات التي يواجهها‪.‬‬ ‫تحو ُر ّ‬
‫•‪     ‬هذه املعاني َّ‬
‫‪     )3‬إرفنج جوفمان‪:ErvingGoffman (1922-1982) ‬‬
‫وقد وجه اهتمامه لتطوير مدخل التفاعلية الرمزية لتحليل األنساق االجتماعية‪ ،‬مؤكدا على أن التفاعل – وخاصة‬
‫النمط املعياري واألخالقي‪ -‬ما هو إال االنطباع الذهني اإلرادي الذي يتم في نطاق املواجهة‪ ،‬كما أن املعلومات تسهم في‬
‫تعريف املوقف‪ ،‬وتوضيح توقعات الدور(‪.)8‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫‪     )4‬كما أن هناك عددا كبيرا من العلماء الذين لم تناقش أعمالهم بشكل واسع‪ ،‬مع أنهم من أعالم ومؤسسي النظرية‬
‫التفاعلية الرمزية‪ .‬ومنهم‪:‬‬
‫•‪      ‬روبرت بارك‪ .Robert Park، (1864-1944) ‬ووليم إسحاق توماس‪ .W. I. Thomas، (1863-1947) ‬وهما من مؤسسي‬
‫النظرية‪.‬‬
‫•‪      ‬مانفرد كون‪ .ManferdKuhn، (1911-1963) ‬وهو عالم اجتماع أمريكي‪ ،‬ومن رواد مدرسة (آيوا) للتفاعلية الرمزية‪.‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫•‪      ‬وكذلك كل من ميلتزر‪ ،Meltzer ‬وهيرمان‪ ،Herman ‬وجالسر‪ ،Glaser ‬وستراوس‪ِ ،Sturauss ‬‬
‫مصطلحات النظرية‪:‬‬
‫‪      .1‬التفاعل‪ :Interaction ‬وهو سلسة متبادلة ومستمرة من االتصاالت بين فرد وفرد‪ ،‬أو فرد مع جماعة‪ ،‬أو جماعة‬
‫مع جماعة‪.‬‬
‫‪      .2‬املرونة‪ :Flexibility ‬ويقصد بها استطاعة اإلنسان أن يتصرف في مجموعة ظروف بطريقة واحدة في وقت واحد‪،‬‬
‫وبطريقة مختلفة في وقت آخر‪ ،‬وبطريقة متباينة في فرصة ثالثة‪.‬‬
‫‪      .3‬الرموز‪ :Symbols ‬وهي مجموعة من اإلشارات املصطنعة‪ ،‬يستخدمها الناس فيما بينهم لتسهيل عملية التواصل‪،‬‬
‫وهي سمة خاصة في اإلنسان‪ .‬وتشمل عند جورج ميد اللغة‪ ،‬وعند بلومر املعاني‪ ،‬وعند جوفمان االنطباعات والصور‬
‫الذهنية(‪.)9‬‬
‫‪      .4‬الوعي الذاتي‪ :Self- Consciousness ‬وهو مقدرة اإلنسان على تمثل الدور‪ ،‬فالتوقعات التي تكون لدى اآلخرين عن‬
‫سلوكنا في ظروف معينة‪ ،‬هي بمثابة نصوص يجب أن نعيها حتى نمثلها‪ ،‬على حد تعبير جوفمان(‪.)10‬‬

‫ثانيا‪ :‬النظرية املعرفية في علم االجتماع التربوي‪:‬‬


‫يعرف جورج غورفيتش علم اجتماع املعرفة على أنه‪ :‬دراسة الترابطات التي يمكن قيامها بين األنواع املختلفة للمعرفة‬
‫من جهة‪ ،‬واألطر االجتماعية من جهة ثانية(‪ .)11‬فعلم اجتماع املعرفة يركز على الترابطات الوظيفية القائمة بين أنواع‬
‫وأشكال املعرفة‪ ،‬بحد ذاتها‪ ،‬ثم بينها وبين األطر االجتماعية‪ ،‬مما يكشف عن أن عصب املعرفة يكمن في وظائفها(‪.)12‬‬ ‫ِ‬
‫أما علم اجتماع املعرفة التربوي فيعرفه يونج‪ M. Young ‬على أنه‪ :‬املبادئ التي تقف خلف كيفية توزيع املعرفة التربوية‬
‫وإعطائه ا قيمته ا‪ ،‬ومعرف ة ثقاف ة الحس الع ام‪ ،‬وكي ف يمكن ربطه ا باملعرف ة املقدم ة في‬
‫ِ‬ ‫وتنظيمه ا‪ ،‬وكيفي ة انتقائه ا‬
‫املدارس‪ ،‬واعتبارها املدخل الحقيقي للتعليم(‪.)13‬‬
‫وبن اء على ذل ك يهتم علم اجتم اع التربي ة املع رفي ب البحث في الثقاف ات الفرعي ة داخ ل املجتم ع‪ ،‬وعملي ة التنش ئة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وأثر ذلك على قيم الطفل واتجاهاته‪ ،‬ومستوى تحصيله األكاديمي واللغوي‪ .‬ويهتم أيضا بالبحث في طبيعة‬
‫العالق ة املتبادل ة بين التعليم والتغ ير االجتم اعي‪ ،‬وتحلي ل املدرس ة كمؤسس ة تربوي ة‪ ،‬معتم دا في ذل ك على اس تخدام‬
‫األسلوب السوسيولوجي الدقيق‪.Micro – SociologicalApproach(14) ‬‬

‫ُ‬
‫مصطلحات النظرية املعرفية‪:‬‬
‫‪      .1‬نظم املعرفة‪ :‬ويعنى بها أن املعرفة اجتماعية؛ ألن إنتاج املعرفة ليس عمال فرديا‪ ،‬وإنما هو عمل جماعي‪.‬‬

‫‪      .2‬توزي ع املعرف ة‪ :‬تأخ ذ املعرف ة أش كاال هرمي ة تبع ا لت درجها في القيم ة؛ ألن تم يز بعض املع ارف عن بعض ها اآلخ ر‬
‫شرط ضروري لبعض الجماعات‪ ،‬وذلك لكي يكتسب املنتفعون منهم أهمية وشرعية ملكانتهم االجتماعية العالية‪.‬‬

‫‪      .3‬املوضوعية والنسبية‪ :‬إن املعيار الوحيد للمعرفة هو تحسين األوضاع اإلنسانية‪ ،‬فاملعرفة القائمة على السياقات‬
‫االجتماعية جاءت لحل مشكلة اإلنسان(‪.)15‬‬

‫‪      .4‬رأس املال الثق افي‪ :Cultural Capital ‬يعرف ه بوردي و على أن ه‪ :‬ال دور ال ذي تلعب ه الثقاف ة املس يطرة أو الس ائدة في‬
‫مجتمع ما‪ ،‬في إعادة إنتاج أو ترسيخ بنية التفاوت الطبقي السائد في ذلك املجتمع‪.‬‬
‫النظرية املعرفية‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ومن أشهر ممثلي‬
‫‪     .1‬مايكل يونج‪:M. Young ‬‬
‫َ‬
‫الذي أعلن مولد علم اجتم اع املعرفة عام ‪ ،1971‬في كتابه‪( :‬علم اجتم اع التربية الجديد)‪ .‬وهو ي رى بأن علم اجتماع‬
‫التربي ة التقلي دي كل ه ب اء بالفش ل؛ ألن الب احثين أخ ذوا املش كالت مأخ ذ التس ليم على أنه ا مش كالت التربي ة الج ديرة‬
‫بالدراس ة‪ ،‬من غ ير أن يح اولوا فحص قيم ة تل ك املش كالت نفس ها‪ ،‬لت بين أهميته ا بالنس بة للتربي ة‪ .‬فاملدخل الحقيقي‬
‫لإلصالح هو خلق املواقف املشكلة‪ ،‬وأن تضع املعرفة التربوية نفسها موضع الشك والتساؤل‪ ،‬فيتغير الجدل حول‬
‫قضايا التربية‪ ،‬وتتولد نظريات خصبة‪ ،‬وبحوث جديدة في مجال البرامج الدراسية(‪.)16‬‬
‫‪      .2‬برونر‪:J. Bruner ‬‬
‫ال ذي ت زعم حرك ة الع ودة إلى األساس يات‪ .Back – to Basic – Movement ‬إث ر مح اوالت إص الح التعليم‪ ،‬بع د أزم ة‬
‫سبوتنيك عام ‪1957‬م‪ .‬وكان كتابه الشهير (العمليةالتربوية) ‪ .The Process of Education‬بمثابة إنجيل إصالح املنهج في‬
‫التعليم االبتدائي والثانوي‪.‬‬
‫ولب نظرية برونر هو الدعوة إلى تجديد البنية األساسية للتعليم‪ ،‬مع املحافظة على الحواجز بين كل مادة وأخرى‪ .‬وهو‬
‫يعتمد على مسلمة مؤداها‪ :‬أن كل األنشطة العقلية في أي موقع من ميادين املعرفة هي واحدة‪ ،‬مهما تضخمت املعرفة‬
‫أو تقلصت(‪.)17‬‬
‫‪      .3‬بيير بورديو‪:‬‬
‫إن املقولة الرئيسية التي بنى عليها بورديو نظريته‪ ،‬هي أن الثقافة وسط يتم به‪ ،‬ومن خالله عملية إعادة‬
‫إنتاج بنية التفاوت الطبقي‪ .‬ويستند بورديو في إثبات هذه املقولة وتحليلها إلى نظريتين‪ ،‬هما(‪:)18‬‬
‫•‪     ‬مفهوم رأس املال الثقافي‪.TheCultural Capital ‬‬
‫•‪     ‬مفهوم الخصائص النفسية‪.The Habitus ‬‬
‫فالثقافة عند بورديو تفرض مبادئ بناء الواقع االجتماعي الجديد‪ ،‬كما أنها –كأنساق رمزية‪ -‬هي بمثابة رأس مال قابل‬
‫للتحول إلى رأس مال اقتصادي أو اجتماعي أو أي شكل آخر من رؤوس األموال املختلفة(‪.)19‬‬
‫‪      .4‬ومن ممثلي النظرية املعرفية في علم اإلجتماع التربوي كل من‪:‬‬
‫فلود‪ ،Floud ‬وهالسي‪ ،Halsey ‬ومارتن‪.Martin ‬‬
‫تعقيب‬
‫إن النظرية التفاعلية الرمزية‪ ،‬ال تقدم مفهوما شامال للشخصية‪ ،‬فأصحاب النظرية وعلى رأسهم بلومر يقرون بأن‬
‫هذه النظرية يجب أال تشغل نفسها بموضوع الشخصية كما ينشغل بها علم النفس‪ .‬وهذا سبب واضح‪ ،‬ومبرر جوهري‬
‫على قل ة االس تفادة من ه ذه النظري ة في املي دان ال تربوي‪ ،‬على ال رغم من وج ود بعض األبح اث القليل ة املنش ورة هن ا‬
‫وهناك‪.‬‬
‫كم ا أن التفاعلي ة الرمزي ة أغفلت الج وانب الواس عة للبني ة االجتماعي ة؛ ل ذلك نج دها ال تس تطيع ق ول أي ش ئ عن‬
‫ظواهر اجتماعية كالقوة والصراع والتغير‪ ،‬وأن صياغتها النظرية مغرقة في الغموض‪ ،‬وأنها تقدم صورة ناقصة عن‬
‫الفرد‪.‬‬
‫أم ا فيم ا يتعل ق بالنظري ة االجتماعي ة في علم االجتم اع‪ ،‬فيمكن الق ول بأنه ا املج ال الس ائد حالي ا في علم االجتم اع‬
‫ال تربوي‪ ،‬وق د انف ردت باس م‪( :‬علم االجتم اع ال تربوي الجدي د)؛ ألنه ا جمعت بين أس لوب البحث ال دقيق‪ ،‬باس تخدام‬
‫أسلوب املالحظة‪ ،‬واملالحظة باملشاركة داخل الغرفة الصفية‪ ،‬وبين أسلوب البحث االجتماعي الواسع‪ ،‬الذي اشتمل‬
‫واسعة كالقهر‪ ،‬والصراع‪ ،‬والتغير‪ ،‬والحراك االجتماعي‪ ،‬ودور التربية في ذلك‪.‬‬‫ٍ‬ ‫على قضايا‬
‫ولعل الدراسة التي قامت بها نيل كيدي‪ .Nell Keddie ‬في إحدى املدارس اإلنجليزية‪ ،‬بعنوان‪:‬‬
‫"معرفة الفصل املدرسي" من بين الدراسات القليلة التي أجريت في إطار هذا االهتمام باملعرفة التي توجد لدى املعلمين‬
‫حول تالميذهم‪ ، ،‬وهي نموذج الهتمامات علم إجتماع التربية الجديد‪.‬‬
‫خاتمة‪: ‬‬
‫‪           ‬يحظى الفكر التربوي باهتمام كبير‪ ،‬كونه املنطلق األساسي لتكريس قيم األصالة في املجتمع واملرتكز األهم في بناء‬
‫مس تقبل يحق ق اس تثمارا أمث ل ملعطي ات الحاض ر‪ ،‬مجس دا من خالل ذل ك تطلع ات الف رد واملجتم ع على ح د س واء‪ ،‬في‬
‫إطار مشروع حضاري متكامل‪.‬‬
‫‪         ‬من هنا يبدو البحث في موضوع الفكر التربوي ‪ ،‬مرتبطا بالبحث في مضامين الفكر التربوي ‪ ،‬في ماضيه وحاضره‪،‬‬
‫وفي اهتماماته وتطلعاته‪ ،‬وفي أساليبه وأغراضه‪،‬فاملجتمع محتاج إلى التربية‪،‬وخاصة أن التربية تهدف جملة ما تهدف‬
‫إليه إلى تكييف اإلنسان مع مجتمعه بما فيه من أنماط ثقافية وعادات مختلفة‪،‬وذلك باستفادتها من النتائج التي توصل‬
‫إليها علم االجتماع التربوي وتسعى إلى تطبيقها في امليدان‪  ،‬هذا األخير الذي يدرس‪  ‬األنشطة التي تقام داخل املدرسة‬
‫ويرص د التف اعالت االجتماعي ة والنفس ية ال تي تتم داخ ل النس ق ال تربوي في املؤسس ة التعليمي ة ‪ ،‬كم ا يعكس ت أثيرات‬
‫املجتم ع على املدرس ة والتالمي ذ واملدرس ين ورج ال اإلدارة التربوي ة‪ .‬و يعم ل على تحلي ل أش كال األنش طة التربوي ة‪،‬‬
‫كأنشطة املدرسين والتالميذ واإلداريين داخل املؤسسة املدرسية‪  .‬ويقوم بوصف طبيعة العالقات واألنشطة التي تتم‬
‫بينهم‪.‬‬

‫ولكن ما يتبادر لألذهان هو إلى أي حد يعمل علم اإلجتماع التربوي على كشف الواقع السوسيولوجي املعاش في عالقته‬
‫التفاعلي ة م ع الواق ع ال تربوي؟ خصوص ا أم ام اص طدامه م ع‪  ‬م ا تش هده املجتمع ات من تغ ير في بنيته ا وثقافته ا‪،‬فه ل‬
‫باستطاعته أن يكشف‪  ‬عن بعد سوسيولوجي جديد للوقائع والظواهر االجتماعية التي تحدث في عصرنا هذا؟ وهل‬
‫نجح فعال‪  ‬علم االجتم اع ال تربوي في تش خيص الظ واهر التربوي ة و معالجته ا بالش كل ال ذي يخ دم مص لحة النش ء ؟ أم‬
‫ص ار مج رد أداة مس خرة في أي دي طيق ة مس يطرة اقتص اديا تعم ل على إنت اج نفس الطبق ات الرمزي ة‪ ،‬أي أن املدرس ة‬
‫تعم ل على إع ادة نفس قيم الطبق ة الحاكم ة عن طري ق تش ريب أبن اء الطبق ات ال دنيا نفس القيم الثقافي ة واللغوي ة‬
‫للطبق ة الحاكم ة ؟ ومن هن ا‪ ،‬ف الفقراء الينتج ون ع بر املؤسس ة التعليمي ة س وى الطبق ة البروليتاري ة‪ ،‬بينم ا‬
‫البورجوازيون اليكونون سوى ورثة السلطة والجاه‬

You might also like