Professional Documents
Culture Documents
مقدم ــة:
اإلنسان كائن اجتماعي يعيش و يقضي معظم وقته في جماعة و في جماعات ,يؤثر فيها و يتأثر بها ,ويتحدد سلوكه
اإلجتماعي على أساس السلوك اإلجتماعي املصطلح عليه.
و الفرد منذ والدته وخالل نموه تطرأ عليه تغييرات جوهرية تشمل جوانب عديدة من شخصيته ,فهو ينمو جسميا و
فسيولوجيا ,و ينمو عقليا ,و ينمو انفعاليا ,وينمو اجتماعيا.
و لعل الناحية اإلجتماعية هي قطب رحى موضوعنا هذا ,فمنذ طفولة الفرد تنمو لديه القدرة تدريجيا على إنشاء
العالق ات اإلجتماعي ة م ع اآلخ رين .فه و يكتس ب األس اليب الس لوكية و اإلجتماعي ة و اإلتجاه ات و القيم و املع ايير و
يتعلم األدوار اإلجتماعية ,و هو يتعلم ما يصطلح عليه بالتفاعل اإلجتماعي مع رفاق السن ,و ينمو أخالقيا و دينيا.
لذلك صار لزاما معرفة دوافع السلوك اإلجتماعي بهدف تحديد عالقة الطفل بباقي رفاقه -رفاق الحي و املدرسة-...
بغية فهم السلوك و وصفه ,و التنبؤ به ,و التحكم فيه ...لنخرج بفهم و تفسير لحياتنا و حياة اآلخرين ,و كذا توجيه
هذه الحياة توجيها صحيحا.
هنا يأتي علم اإلجتماع التربوي ليمدنا بمادة معرفية جد مهمة لكل التساؤالت املعرفية و التربوية ,فمسألة النشء
مسألة جوهرية وهي ما يتناول علم اإلجتماع التربوي بالبحث و الدراسة ,و القياس اإلجتماعي.
و تكمن أهمية هذا العلم في كونه يساهم في تحقيق هدف عام مشترك و هو توجيه النشء ملا يسعده في حياته بتحقيق
املزيد من الرضا و التكيف اإلجتماعي مع نفسه أوال ,و مع بيئته اإلجتماعية التي يعيش فيها.
فم ا ه و علم اإلجتم اع ال تربوي؟ و م اهي مج االت اهتمام ه ؟ و إلى أي ح د يمكن الق ول ب أن علم اإلجتم اع ال تربوي
ساهم إسهاما فعاال في ميدان التربية و التعليم ؟
و ما هي أشهر النظريات الحديثة في علم اإلجتماع التربوي ؟ و ما هي يا ترى أهم املراحل و األشواط التي قطعها هذا
العلم الحديث ؟
تعريف علم اإلجتماع التربوي:
علم اإلجتماع التربوي وهو العلم الذي يدرس أثر العمل التربوي في الحياة االجتماعية ،ويدرس في الوقت نفسه ،أثر
الحي اة االجتماعي ة في العم ل ال تربوي ،أو ه و العلم االجتم اعي ال ذي ي درس الظ اهرة التربوي ة في مناحيه ا املتع ددة ،وفي
إطار تفاعلها مع الواقع االجتماعي .فهو علم قائم بذاته ,و تم استخالصه من علم اإلجتماع العام .وهو علم حديث
النشأة و فرع من فروعه يعمل على تطبيق املفاهيم و التصورات و املصطلحات الواردة في علم اإلجتماع العام في جانب
من أهم ميادين املجتمع و هو الجانب التربوي .يمكن القول إذن أن علم اإلجتماع التربوي عبارة عن مزيج مختلط من
كل من علم اإلجتماع و التربية ,و هو " علم اإلجتماع التربوي " . 1فالعملية التربوية جزء ال يتجزأ من املجتمع ,و هي
العملية التي تنشئ اإلنسان القادر على تسيير أمور و قيادة التقدم اإلجتماعي و خطط التنمية و تنفيذ مشروعاتها.
يهتم هذا امليدان من علم االجتماع ببحث الوسائل التربوية التي تؤدي إلى نمو أفضل للشخصية ،ألن األساس في هذا
امليدان هو أن التربية عملية تنشئة اجتماعية .لذا فإن علم االجتماع التربوي يبحث في وسائل تطبيع األفراد بحضارة
ً
مجتمعهم .والتربي ة أساس ا ظ اهرة اجتماعي ة ،يجب أن ت درس في ض وء تأثيره ا في الظ واهر االجتماعي ة األخ رى من
سياسية واقتصادية وبيئية وتشريعية ،وتأثيرها في املتغيرات االجتماعية األخرى من خالل عمليات التفاعل االجتماعي.
من هن ا أك د اإلجتم اعيون ض رورة تحلي ل ال دور ال ذي يق وم ب ه النظ ام ال تربوي في عالقت ه ب أجزاء البن اء االجتم اعي
الديموغرافية أو االقتصادية أو السياسية ،وعالقته بمثالية املجتمع أو نظراته العامة واإليديولوجيات التي تفعل فيه.
ويحتل علم االجتماع التربوي مكانة خاصة في البلدان التي تعيش مرحلة نقلة حضارية ،إذ تجري مجموعة من التغيرات
االقتصادية واالجتماعية ،تلك التغيرات التي تستوجب إعادة النظر في مسائل التربية والتعليم وما يتعلق بها من ظواهر
اجتماعية تواكب تلك التغيرات وتعمق جذورها.
يهتم علم اإلجتماع التربوي بمسائل مثل إيصال القيم االجتماعية والثقافية والتربوية والدينية والوطنية إلى الطفل عن
طريق النظام التعليمي ،كما أنه يدرس املحددات االجتماعية التي تؤثر في تقرير السياسات التربوية وأهداف النظام
التعليمي ،وك ذلك ت أثير املؤسس ات االجتماعي ة في النظ ام التعليمي ،وت أثير العالق ة بين املدرس ة واألس رة ،في التحص يل
املدرس ي للتالمي ذ ،ودور النظ ام التعليمي في الح راك االجتم اعي ،وأث ر األنم اط الثقافي ة الس ائدة على النظ ام املدرس ي،
والتعلم عن طري ق جماع ات األق ران ،والعالق ات بين أف راد تل ك الجماع ات ،ودور التربي ة في إع داد الناش ئة لس وق
العمل ،والتحليل االجتماعي لبنية النظام املدرسي والعالقات السائدة فيه ،ودور النظام املدرسي بصفته أداة للسيطرة
االجتماعي ة والض بط ،وإع ادة إنت اج العالق ات االقتص ادية واالجتماعي ة الس ائدة ،وتحدي د الطبق ات االجتماعي ة
ً
املس تفيدة من النظ ام املدرس ي ،وال تي تطبع ه بخصائص ها اللغوي ة والثقافي ة ،وأخ يرا دور التربي ة في عملي ات التح ديث
االجتماعي.
و غ ني عن البي ان أن علم اإلجتم اع ال تربوي ي روم من خالل دراس ته للحق ل ال تربوي س بر أغ وار العالق ة املعق دة بين
الفرد و الجماعة من جهة و بين الجماعة و باقي الجماعات من جهة أخرى .كما يدرس عالقة املجتمع بالتربية و تأثير
التربية فيه .فالدراسة ليست سهلة و ميسرة كما قد يبدو للبعض .ألن هناك عقبات تتضح و تظهر – الرواسب أو
املخلفات التربوية – قد تمارس ضغوطات من شأنها أن تعرقل عمليات التنمية و التطوير.
كما يعمل علم اإلجتماع التربوي من خالل تحليله مليدان التربية و التعليم محاولة تكريس مبدأ " تكافؤ الفرص" حيث
يجعل له معنى حقيقيا داخل الشق التربوي و ليس مجرد شعار يرفع هنا و هناك ,و ذلك من أجل الترقي و الصعود في
سلم الحراك اإلجتماعي وفق استعدادات التالميذ و ميوالتهم و قدراتهم و تمثالتهم و طموحاتهم وليس وفق ما كونوه
من مكانات موروثة.
فعلم اإلجتماع التربوي ,و باختصار يكرس جهده لفهم العالقة بين التلميذ و املدرسة و املجتمع.
فهو يهتم بالنظام التربوي ككل متكامل بكل ما يضمه من مؤسسات تربوية و اجتماعية ,أوجدها املجتمع بهدف تعليم
أبنائه و تربية النشء في مختلف مراحل العمر السنية و كافة مراحل التعليم ,و كذا اإلهتمام بمختلف جوانب التلميذ
املعرفية والوجدانية و اإلنفعالية ,و كافة ما يحيط باملجتمع التعليمي من مشكالت و معيقات.
مراحل تطور علم اإلجتماع التربوي:
ظه ر ه ذا العلم نتيج ة لجمل ة من التط ورات اإلجتماعي ة ،منه ا توق ع دور النظ ام التعليمي في ترس يخ
الديمقراطية االجتماعية والتربوية والحراك االجتماعي عن طريق التحصيل املدرسي ،وإعداد التالميذ للحصول على
ف رص عم ل ،وتعزي ز دور املدرس ة في التنش ئة االجتماعي ة للطف ل ،و يقص د بالتنش ئة االجتماعي ة العملي ة ال تي عن
طريقه ا يس عى اآلب اء إلى إحالل ع ادات و دواف ع جدي دة مح ل ع ادات ودواف ع ك ان الطف ل ق د كونه ا بطريق ة أولي ة في
املرحلة السابقة .أو بعبارة أخرى هي العملية التي يهدف اآلباء من ورائها إلى جعل أبنائهم يكتسبون أساليب سلوكية و
دوافع وقيم واتجاهات يرضى عنها اﻤﻟﺠتمع وتتقبلها الثقافة الفرعية التي ينتمون إليها.
وتمثل أعمال إميل دوركهايم ،Émile Durkheim (1858-1917) وماكس فيبر ،Max Weber (1864-1920) وكارل
ماركس ،Karl Marx (1818-1883) املقدمات النظرية لوالدة علم اإلجتماع التربوي .وقد تجلى إسهام كل منهم في هذا
املج ال في كتب ه ،إذ كتب دوركه ايم« :التربي ة واملجتم ع» Éducation et sociologieو«التط ور ال تربوي في فرنس ة«
Évolution pédagogique en Franceوأس هم كت اب م اكس في بر «األخالق البروتس تنتية وروح الرأس مالية» L'éthique
Protestante et l'esprit du capitalismeفي شرح التطور االجتماعي الرأسمالي في أوربة الغربية ،وعرض كارل ماركس
الفك ر االجتم اعي ال تربوي بش رح ت أثير البني ة التحتي ة ،وأنم اط اإلنت اج وعالق ات اإلنت اج ،على البني ة الفوقي ة كالبن اء
الثقافي والحقوقي للمجتمع والنظام التربوي واملدرسي السائد ،كما ركز على أهمية املوازين الطبقية في العملية التربوية،
وعلى قيم كل طبقة اجتماعية وتصوراتها .وانتقد تربية األطفال بأساليب اإلكراه في املجتمعات الرأسمالية.
ومهد هؤالء الرواد لتطور علم االجتماع التربوي ،فقد بحث جاكار P.Jaccard في كتابه «علم االجتماع التربوي» (
)1963أفكار دوركهايم ،كما درس كل من جيرار A.Girard وباستيد ،K.Pastide أثر االنتماء االجتماعي في قوة التحصيل
املدرسي في بحثهما «حول الطبقة االجتماعية،
وديمقراطي ة التعليم» ،ع ام ،1963وكتب ب ول كالرك Paul Clerc ح ول «األس رة والتوجي ه املدرس ي لتالم ذة الص ف
السادس االبتدائي» .ولعل أكثر األعمال إثارة لالهتمام والجدل هي الدراسة التي قام بها كل
من بوردي و Bourdieu وباس رون J.C.Passeron بعن وان «إع ادة اإلنت اج :ح ول نظري ة نظ ام التعليم» La reproduction:
pour une théorie du système d'enseignementوهي دراسة
تكشف عن أن النظام التعليمي السائد في فرنسا يعيد بناء العالقات اإلنتاجية القائمة على تعزيز السيطرة االقتصادية
للطبقات السائدة.
ولعل أبرز األعمال املهمة التي صدرت في بريطانيا هو ما قام به فريد كالرك ،حول «التربية والتغير االجتماعي» الصادر
ً ً
في لندن عام ،1940محلال تاريخ التربية في املجتمع البريطاني ،وداعيا إلى توظيفها في خدمة الطبقات السائدة ،واهتم
ً
باسيل برنشتاين Basil Brenstien عام 1975بمسألة العالقة بين اللغة واالنتماء الطبقي ،مبينا أن لغة النظام املدرسي
في بريطاني ة ك انت وم اتزال تعكس فك ر الطبق ات املتوس طة في املجتم ع البريط اني .وق دمت مرغ ريت آرشرMargaret
Archerفي كتابها «األصول االجتماعية لألنظمة التربوية» Social Origins of Educational Systemsالصادر في لندن عام
ً
،1967تحليال للقوى االجتماعية التي أثرت في تطور النظام املدرسي لخدمة مصالحها االجتماعية واالقتصادية .وبين
فرانك مسغروف F. Musgrove في كتابه «املدرسة والنظام االجتماعي» School and Social Orderالصادر في لندن عام
،1968دور املدرسة في تعزيز التفاوت الطبقي بين طالبها ،ويؤكد كتاب مايكل دون املعروف باسم «التربية في بريطانيا»
ً
Education in Britainالصادر في لندن عام 1979وفي الفصل املعنون باسم «التربية والفقر» ،الحقيقة نفسها مبينا أن
النظام التعليمي في بريطانيا جعل الناس املستفيدين منه قادرين على تحسين ظروف حياتهم املعيشية.
وق ام ج ون دي وي J. Dewey (1859-1952) بدراس ات تربوي ة واجتماعي ة وخاص ة في كتابي ه «املدرس ة واملجتم ع» The
ً
School and Societyع ام ،1899و«الديمقراطي ة والتربي ة» Democracy and Educationع ام 1916مبين ا أث ر الحي اة
ً ً ً
االجتماعية التقليدية في العمل التربوي ،وترك هذان الكتابان أثرا تربويا كبيرا في الواليات املتحدة األمريكية ،وكانت
ً
مؤلفات ه إجم اال م ؤثرة في التربي ة واملجتم ع الع المي بترك يزه على الخ برة والحري ة والديمقراطي ة والتع اون بين التالمي ذ
وأبن اء املجتم ع .ويؤك د دات ون S.T.Datun في كتاب ه «الج وانب االجتماعي ة للتربي ة» ع ام ،1900ض رورة رب ط التربي ة
بخ برات الطف ل االجتماعي ة في املنزل واملجتم ع املحلي .وك ان له نري س وزلو H. Suzzlo فض ل اس تعمال تعب ير «علم
االجتماع التربوي» في الواليات املتحدة األمريكية أول مرة عام 1910في جامعة كولومبية.
ً
وفي املرحلة نفسها صدر أيضا كتاب وليم هاولي سميث« W.H.Smith مدخل إلى علم االجتماع التربوي» ،الذي عرف هذا
العلم بأنه «يستخدم نظرية علم االجتماع وميادينه في دراسة قضايا التربية ونظرياتها وممارستها».
ويطلق البعض على جورج باين ،G.Payne لقب «أبو علم االجتماع التربوي» فقد أصدر نشرة علم االجتماع التربوي
عام ،1928التي أصبحت فيما بعد النشرة الرسمية للجمعية الوطنية لعلم االجتماع التربوي التي تأسست عام .1923
وفي الستينات والسبعينات من القرن العشرين حصلت أزمات اجتماعية في الواليات املتحدة األمريكية بسبب البطالة
والجريم ة والص راعات العرقي ة ،وص درت مجموع ة من الدراس ات املهم ة ح ول ديمقراطي ة التعليم ،لع ل أش هرها
الدراسة املشتركة لكل من باول وجنتس Bowels- Gentis بعنوان «النظام املدرسي في أمريكة الرأسمالية» Schooling
in Capitalist Americaالص ادرة ع ام ،1977وك ذلك دراس ة إيف ان إيليتش I.Iliych الش هيرة بعن وان «الالمدرس ية»
.Deschoolingلقد حلل كل من باول وجنتس الطابع الطبقي للنظام املدرسي في الواليات املتحدة األمريكية الذي يعزز
ف رص أبن اء الطبق ة الغالب ة من الطالب في النج اح االقتص ادي واملادي ،في حين اهتم ايليتش ببي ان مس اوئ النظ ام
املدرس ي وطابع ه القه ري ،ول ذلك نعته ا به ذه التس مية ودع ا إلى التعلم ال ذاتي والتعلم عن طري ق جماع ات األق ران
ً ً
التعليمية ،وكتب بعد ذلك عددا من الكتب باالتجاه نفسه مدعما أقواله بتطور التقنيات ونظم املعلومات وتغيرها مما
يؤدي إلى تغييرات اجتماعية وتربوية سريعة.
ويحل ل باتري ك في تز Patrich Fitz في كتابه «التربي ة والح راك االجتم اعي في االتح اد الس وفييتي» Education and Social
Mobility in the Soviet Unionالصادر في لندن عام ،1979دور املدرسة السوفييتية في تمكين أبناء الطبقات الفقيرة
من املجتمع السوفييتي من تحسين ظروف حياتهم املعيشية.
وأسهمت الدراسات االجتماعي ة في دول العالم الث الث في الكش ف عن مختل ف أشكال القه ر االجتماعي والثق افي الذي
تعرضت لـه مجتمعات تلك الدول في حقبة الهيمنة االستعمارية ،مما أدى إلى تعزيز تخلفها الثقافي والتربوي ،ويمكن
اإلشارة هنا إلى كتاب فرانز فانون «معذبو األرض» ودراسة ج .كابرال« J.kabral السلطة واإليديولوجية» Power and
.Ideology
وق د بينت بعض الدراس ات الص ادرة في تل ك املجتمع ات مس ؤولية األنظم ة املدرس ية في عه ود االس تعمار عن األمي ة
الواسعة التي خلفتها في تلك املجتمعات بعد استقاللها ،وخاصة اقتصار تعليمها على نخب معينة كي تخدم في أجهزتها
اإلدارية ،وكشف باولو فرايري Paulo Freiri زيف حمالت محو األمية الرسمية في مجتمعات أمريكة الجنوبية والطابع
القهري ملضامين املقررات املعتمدة في تلك الحمالت ملحو أمية الفقراء من سكان األحياء الفقيرة في البرازيل ،ودعا إلى
«تعليم للكبار» قائم على توعية الدارسين في صفوف محو األمية ملجتمعاتهم ،والتخلص من هامشيتهم االجتماعية
ويتضمن كتابه «تربية املقهورين» Pedagogy of the Oppressed
وكت اب «التربي ة من أج ل الحري ة» Education for Freedomإش ارات واض حة لتمكين األم يين الكب ار من التح رر من
دونيتهم االجتماعية والثقافية.
بحق وقهم االجتماعي ة واالقتص ادية ،وتعزي ز ثقتهم بأنفس هم ،مم ا ي تيح لهم اإلس هام في اإلنت اج االقتص ادي والثق افي
ملجتمع اتهم ،والتخلص من هامش يتهم االجتماعي ة .ويتض من كتاب ه «تربي ة املقه ورين» Pedagogy of the
Oppressedوكت اب «التربي ة من أج ل الحري ة» Education for Freedomإش ارات واض حة لتمكين األم يين الكب ار من
التحرر من دونيتهم االجتماعية والثقافية.
ً ً
وانتش رت أفك ار فراي ري في أمريك ة الالتيني ة وبقي ة أرج اء الع الم ،ول ذلك اخت ير رئيس ا فخري ا ملؤتمر تعليم الكب ار في
العالم الذي عقد في جومتيان في تايلند عام .1990
وتتسم النظريات التربوية بجملة من األهداف تجعل لها أهمية مرموقة في دراسة الظاهرة التربية،ولعل من بين أهم
هذه األهداف مايلي:
-1دراسة الظواهر التربوية من حيث طبيعتها وما تتسم به من خصائص وسمات ،والتي بفضل هذه األخيرة تجعل منها
ً
موضوعا متميزا لعلم االجتماع التربوي.
-2التعرف على الوقائع الثقافية واالجتماعية والشخصية املرتبطة بالظاهرة التربوية في نشأتها وتطورها.
-3فهم طبيعة العالقات التي تربط الظواهر التربوية بعضها ببعض ،والتي تربطها بغيرها من الظواهر االجتماعية في
املجتمع.
-4الكش ف عن أبع اد أو الوظ ائف االجتماعي ة،ال تي تؤديه ا الظ واهر والنظم التربوي ة بالنس بة للج وانب االجتماعي ة
والثقافية في املجتمع.
-5تحديد املضمون األيدلوجي للتربية وآثاره على العمليات التربوية.
-6تحدي د الق وانين االجتماعي ة العام ة ال تي تحكم الظ واهر التربوي ة وم ا يرتب ط به ا من وق ائع اجتماعي ة وثقافي ة
وشخصية.
-7تحليل التربية كوسيلة للتقدم االجتماعي.
-بعدما قدمنا ملحة بسيطة عن تعريف النظرية وما تتسم به من شروط ،وما األهداف التي ترمي إليها ،سوف نحاول في
األسطر القادمة أن نعرج على أهم النظريات الحديثة التي عالجت موضوعات وميادين خاصة بالتربية ،ولعل أبرز ما
نتعرض عليه من هذه النظريات هي:
ً
أوال :التفاعلية الرمزية: Symbolic Interactionalism
األساسية التي تعتمد عليها النظرية االجتماعية ،في تحليل األنساق
ِ تعتبر التفاعلية الرمزية واحدة من املحاور
االجتماعية.
ً
وهي تب دأ بمس توى الوح دات الص غرى ،)MICRO( منطلق ة منه ا لفهم الوح دات الك برى ،بمع نى أنه ا تب دأ ب األفراد
ً وس لوكهم كم دخل لفهم النس ق االجتم اعي( .)1فأفع ُ
ال األف راد تص بح ثابت ة لتش كل بني ة من األدوار؛ ويمكن النظ ر إلى
هذه األدوار من حيث توقعات البشر بعضهم تجاه بعض من حيث املعاني والرموز( .)2وهنا يصبح التركيز إما على ُب نى
األدوار واألنساق االجتماعية ،أو على سلوك الدور والفعل االجتماعي.
ُ
ومع أنها ترى البنى االجتماعية ضمنا ،باعتبارها بنى لألدوار بنفس طريقة بارسونز ، Parsons إال أنها ال تشغل نفسها
بالتحلي ل على مس توى األنس اق( ،)3بق در اهتمامه ا بالتفاع ل الرم زي املتش كل ع بر اللغ ة ،واملع اني ،والص ور الذهني ة،
استنادا إلى حقيقة مهمة ،هي أن على الفرد أن يستوعب أدوار اآلخرين.
إن أصحاب النظرية التفاعلية يبدأون بدراستهم للنظام التعليمي من الفصل الدراسي (مكان حدوث الفعل االجتماعي).
فالعالقة في الفصل الدراسي والتالميذ واملعلم ،هي عالقة حاسمة؛ ألنه يمكن التفاوض حول
الحقيق ة داخ ل الص ف ،إذ ي درك التالمي ذ حقيق ةكونهم م اهرين أو أغبي اء أو كس الى .وفي ض وء ه ذه املق والت يتفاع ل
التالميذ واملدرسون بعضهم مع بعض ،حيث يحققون في النهاية نجاحا أو فشال تعليميا(.)4
أشهر ممثلي النظرية التفاعلية الرمزية:
)1جورج هربرت ميد:George H. Mead (1863-1931)
طول الفترة من ( )1931-1894أن يبلور على استطاع جورج ميد في محاضراته التي كان يلقيها في جامعة شيكاغو ،على ِ
نحو متقن ،األفكار األساسية لهذه النظرية(.)5
وقد جمع له تالميذه كتابا بعد وفاته ،يحتوي على معظم أفكاره التي كانوا يدونوها في محاضراته ،تحت عنوانMind,( :
.)Self and Society, 1934
ويبدأ ميد بتحليل عملية االتصال ،وتصنيفها إلى صنفين :االتصال الرمزي ،واالتصال غير الرمزي .فبالنسبة لالتصال
الرمزي فإنه يؤكد بوضوح على استخدام األفكار واملفاهيم ،وبذلك تكون اللغة ذات
أهمي ة بالنس بة لعملي ة االتص ال بين الن اس في املواق ف املختلف ة ،وعلي ه ف إن النظ ام االجتم اعي ه و نت اج األفع ال ال تي
يصنعها أفراد املجتمع ،ويشير ذلك إلى أن املعنى ليس مفروضا عليهم ،وإنما هو موضوع خاضع للتفاوض والتداول بين
األفراد(.)6
)2هربرت بلومر:H. Blumer (1900-1986)
وهو يتفق مع جورج ميد في أن التفاعل الرمزي هو السمة املميزة للتفاعل البشري ،وأن تلك السمة الخاصة تنطوي
على ترجمة رموز وأحداث األفراد وأفعالهم املتبادلة .وقد أوجز فرضياته في النقاط التالية(:)7
• إن البشر يتصرفون حيال األشياء على أساس ما تعنيه تلك األشياء بالنسبة إليهم.
• هذه املعاني هي نتاج للتفاعل االجتماعي اإلنساني.
وتعدل ،ويتم تداولها عبر عمليات تأويل يستخدمها كل فرد في تعامله مع اإلشارات التي يواجهها. تحو ُر ّ
• هذه املعاني َّ
)3إرفنج جوفمان:ErvingGoffman (1922-1982)
وقد وجه اهتمامه لتطوير مدخل التفاعلية الرمزية لتحليل األنساق االجتماعية ،مؤكدا على أن التفاعل – وخاصة
النمط املعياري واألخالقي -ما هو إال االنطباع الذهني اإلرادي الذي يتم في نطاق املواجهة ،كما أن املعلومات تسهم في
تعريف املوقف ،وتوضيح توقعات الدور(.)8
ً ً
)4كما أن هناك عددا كبيرا من العلماء الذين لم تناقش أعمالهم بشكل واسع ،مع أنهم من أعالم ومؤسسي النظرية
التفاعلية الرمزية .ومنهم:
• روبرت بارك .Robert Park، (1864-1944) ووليم إسحاق توماس .W. I. Thomas، (1863-1947) وهما من مؤسسي
النظرية.
• مانفرد كون .ManferdKuhn، (1911-1963) وهو عالم اجتماع أمريكي ،ومن رواد مدرسة (آيوا) للتفاعلية الرمزية.
وغيرهم.
• وكذلك كل من ميلتزر ،Meltzer وهيرمان ،Herman وجالسر ،Glaser وستراوسِ ،Sturauss
مصطلحات النظرية:
.1التفاعل :Interaction وهو سلسة متبادلة ومستمرة من االتصاالت بين فرد وفرد ،أو فرد مع جماعة ،أو جماعة
مع جماعة.
.2املرونة :Flexibility ويقصد بها استطاعة اإلنسان أن يتصرف في مجموعة ظروف بطريقة واحدة في وقت واحد،
وبطريقة مختلفة في وقت آخر ،وبطريقة متباينة في فرصة ثالثة.
.3الرموز :Symbols وهي مجموعة من اإلشارات املصطنعة ،يستخدمها الناس فيما بينهم لتسهيل عملية التواصل،
وهي سمة خاصة في اإلنسان .وتشمل عند جورج ميد اللغة ،وعند بلومر املعاني ،وعند جوفمان االنطباعات والصور
الذهنية(.)9
.4الوعي الذاتي :Self- Consciousness وهو مقدرة اإلنسان على تمثل الدور ،فالتوقعات التي تكون لدى اآلخرين عن
سلوكنا في ظروف معينة ،هي بمثابة نصوص يجب أن نعيها حتى نمثلها ،على حد تعبير جوفمان(.)10
ُ
مصطلحات النظرية املعرفية:
.1نظم املعرفة :ويعنى بها أن املعرفة اجتماعية؛ ألن إنتاج املعرفة ليس عمال فرديا ،وإنما هو عمل جماعي.
.2توزي ع املعرف ة :تأخ ذ املعرف ة أش كاال هرمي ة تبع ا لت درجها في القيم ة؛ ألن تم يز بعض املع ارف عن بعض ها اآلخ ر
شرط ضروري لبعض الجماعات ،وذلك لكي يكتسب املنتفعون منهم أهمية وشرعية ملكانتهم االجتماعية العالية.
.3املوضوعية والنسبية :إن املعيار الوحيد للمعرفة هو تحسين األوضاع اإلنسانية ،فاملعرفة القائمة على السياقات
االجتماعية جاءت لحل مشكلة اإلنسان(.)15
.4رأس املال الثق افي :Cultural Capital يعرف ه بوردي و على أن ه :ال دور ال ذي تلعب ه الثقاف ة املس يطرة أو الس ائدة في
مجتمع ما ،في إعادة إنتاج أو ترسيخ بنية التفاوت الطبقي السائد في ذلك املجتمع.
النظرية املعرفية:
ِ ومن أشهر ممثلي
.1مايكل يونج:M. Young
َ
الذي أعلن مولد علم اجتم اع املعرفة عام ،1971في كتابه( :علم اجتم اع التربية الجديد) .وهو ي رى بأن علم اجتماع
التربي ة التقلي دي كل ه ب اء بالفش ل؛ ألن الب احثين أخ ذوا املش كالت مأخ ذ التس ليم على أنه ا مش كالت التربي ة الج ديرة
بالدراس ة ،من غ ير أن يح اولوا فحص قيم ة تل ك املش كالت نفس ها ،لت بين أهميته ا بالنس بة للتربي ة .فاملدخل الحقيقي
لإلصالح هو خلق املواقف املشكلة ،وأن تضع املعرفة التربوية نفسها موضع الشك والتساؤل ،فيتغير الجدل حول
قضايا التربية ،وتتولد نظريات خصبة ،وبحوث جديدة في مجال البرامج الدراسية(.)16
.2برونر:J. Bruner
ال ذي ت زعم حرك ة الع ودة إلى األساس يات .Back – to Basic – Movement إث ر مح اوالت إص الح التعليم ،بع د أزم ة
سبوتنيك عام 1957م .وكان كتابه الشهير (العمليةالتربوية) .The Process of Educationبمثابة إنجيل إصالح املنهج في
التعليم االبتدائي والثانوي.
ولب نظرية برونر هو الدعوة إلى تجديد البنية األساسية للتعليم ،مع املحافظة على الحواجز بين كل مادة وأخرى .وهو
يعتمد على مسلمة مؤداها :أن كل األنشطة العقلية في أي موقع من ميادين املعرفة هي واحدة ،مهما تضخمت املعرفة
أو تقلصت(.)17
.3بيير بورديو:
إن املقولة الرئيسية التي بنى عليها بورديو نظريته ،هي أن الثقافة وسط يتم به ،ومن خالله عملية إعادة
إنتاج بنية التفاوت الطبقي .ويستند بورديو في إثبات هذه املقولة وتحليلها إلى نظريتين ،هما(:)18
• مفهوم رأس املال الثقافي.TheCultural Capital
• مفهوم الخصائص النفسية.The Habitus
فالثقافة عند بورديو تفرض مبادئ بناء الواقع االجتماعي الجديد ،كما أنها –كأنساق رمزية -هي بمثابة رأس مال قابل
للتحول إلى رأس مال اقتصادي أو اجتماعي أو أي شكل آخر من رؤوس األموال املختلفة(.)19
.4ومن ممثلي النظرية املعرفية في علم اإلجتماع التربوي كل من:
فلود ،Floud وهالسي ،Halsey ومارتن.Martin
تعقيب
إن النظرية التفاعلية الرمزية ،ال تقدم مفهوما شامال للشخصية ،فأصحاب النظرية وعلى رأسهم بلومر يقرون بأن
هذه النظرية يجب أال تشغل نفسها بموضوع الشخصية كما ينشغل بها علم النفس .وهذا سبب واضح ،ومبرر جوهري
على قل ة االس تفادة من ه ذه النظري ة في املي دان ال تربوي ،على ال رغم من وج ود بعض األبح اث القليل ة املنش ورة هن ا
وهناك.
كم ا أن التفاعلي ة الرمزي ة أغفلت الج وانب الواس عة للبني ة االجتماعي ة؛ ل ذلك نج دها ال تس تطيع ق ول أي ش ئ عن
ظواهر اجتماعية كالقوة والصراع والتغير ،وأن صياغتها النظرية مغرقة في الغموض ،وأنها تقدم صورة ناقصة عن
الفرد.
أم ا فيم ا يتعل ق بالنظري ة االجتماعي ة في علم االجتم اع ،فيمكن الق ول بأنه ا املج ال الس ائد حالي ا في علم االجتم اع
ال تربوي ،وق د انف ردت باس م( :علم االجتم اع ال تربوي الجدي د)؛ ألنه ا جمعت بين أس لوب البحث ال دقيق ،باس تخدام
أسلوب املالحظة ،واملالحظة باملشاركة داخل الغرفة الصفية ،وبين أسلوب البحث االجتماعي الواسع ،الذي اشتمل
واسعة كالقهر ،والصراع ،والتغير ،والحراك االجتماعي ،ودور التربية في ذلك.ٍ على قضايا
ولعل الدراسة التي قامت بها نيل كيدي .Nell Keddie في إحدى املدارس اإلنجليزية ،بعنوان:
"معرفة الفصل املدرسي" من بين الدراسات القليلة التي أجريت في إطار هذا االهتمام باملعرفة التي توجد لدى املعلمين
حول تالميذهم ، ،وهي نموذج الهتمامات علم إجتماع التربية الجديد.
خاتمة:
يحظى الفكر التربوي باهتمام كبير ،كونه املنطلق األساسي لتكريس قيم األصالة في املجتمع واملرتكز األهم في بناء
مس تقبل يحق ق اس تثمارا أمث ل ملعطي ات الحاض ر ،مجس دا من خالل ذل ك تطلع ات الف رد واملجتم ع على ح د س واء ،في
إطار مشروع حضاري متكامل.
من هنا يبدو البحث في موضوع الفكر التربوي ،مرتبطا بالبحث في مضامين الفكر التربوي ،في ماضيه وحاضره،
وفي اهتماماته وتطلعاته ،وفي أساليبه وأغراضه،فاملجتمع محتاج إلى التربية،وخاصة أن التربية تهدف جملة ما تهدف
إليه إلى تكييف اإلنسان مع مجتمعه بما فيه من أنماط ثقافية وعادات مختلفة،وذلك باستفادتها من النتائج التي توصل
إليها علم االجتماع التربوي وتسعى إلى تطبيقها في امليدان ،هذا األخير الذي يدرس األنشطة التي تقام داخل املدرسة
ويرص د التف اعالت االجتماعي ة والنفس ية ال تي تتم داخ ل النس ق ال تربوي في املؤسس ة التعليمي ة ،كم ا يعكس ت أثيرات
املجتم ع على املدرس ة والتالمي ذ واملدرس ين ورج ال اإلدارة التربوي ة .و يعم ل على تحلي ل أش كال األنش طة التربوي ة،
كأنشطة املدرسين والتالميذ واإلداريين داخل املؤسسة املدرسية .ويقوم بوصف طبيعة العالقات واألنشطة التي تتم
بينهم.
ولكن ما يتبادر لألذهان هو إلى أي حد يعمل علم اإلجتماع التربوي على كشف الواقع السوسيولوجي املعاش في عالقته
التفاعلي ة م ع الواق ع ال تربوي؟ خصوص ا أم ام اص طدامه م ع م ا تش هده املجتمع ات من تغ ير في بنيته ا وثقافته ا،فه ل
باستطاعته أن يكشف عن بعد سوسيولوجي جديد للوقائع والظواهر االجتماعية التي تحدث في عصرنا هذا؟ وهل
نجح فعال علم االجتم اع ال تربوي في تش خيص الظ واهر التربوي ة و معالجته ا بالش كل ال ذي يخ دم مص لحة النش ء ؟ أم
ص ار مج رد أداة مس خرة في أي دي طيق ة مس يطرة اقتص اديا تعم ل على إنت اج نفس الطبق ات الرمزي ة ،أي أن املدرس ة
تعم ل على إع ادة نفس قيم الطبق ة الحاكم ة عن طري ق تش ريب أبن اء الطبق ات ال دنيا نفس القيم الثقافي ة واللغوي ة
للطبق ة الحاكم ة ؟ ومن هن ا ،ف الفقراء الينتج ون ع بر املؤسس ة التعليمي ة س وى الطبق ة البروليتاري ة ،بينم ا
البورجوازيون اليكونون سوى ورثة السلطة والجاه