Professional Documents
Culture Documents
مصطفى بولحيا
أنفاس نت
صدر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر سنة 2013كتاب سوسيولوجيا التنظيمات أسس واتجاهات للباحث
والسوسيولوجي المغربي الدكتور جمال فزة أستاذ علم االجتماع بجامعة محمد الخامس أكدال بالرباط .يقع المؤلف في 215
صفحة من الحجم الكبير ،موزعة على فصلين ،يضم كل منهما ثالثة محاور متناسقة
:رهان الكتاب1.
يرمي الكاتب من وراء مؤلفه إلى االسهام في تعويض النقص الحاصل في موضوع سوسيولوجيا التنظيمات في المكتبة
العربية .نقص ال يقتصر ،على حد قول الكاتب ،على الجانب الكمي بل إنه يمس الجانب الكيفي أيضا .فقد وقع المفكرون
العرب الذين تناولوا هذا الموضوع في منزلقين :أولهما هو "اعتبار سوسيولوجيا التنظيمات فرعا تطبيقيا للسوسيولوجيا
".العامة ،والثاني يكمن في النزعة الماهوية الحدية التي ميزت هذه الدراسات السيما أثناء تعريفها لعلم اجتماع التنظيم
وبهذا فإن الكاتب يرى "أن سوسيولوجيا التنظيمات في العالم العربي ال تعاني من أزمة عمل أو تطبيق فحسب ،وإنما تع^^اني
أزمة نظر ".الشيء الذي يفرض على الباحثين في ه^^ذا المج^^ال إع^^ادة النظ^ر في األدوات المنهجي^^ة المس^^تعملة ،ب^^ل وفحص
األسس والمبادئ التي يقوم عليها علم االجتماع برمته والنظر في مدى مالءمتها لمعالجة ما تحفل به مختل^^ف التنظيم^^ات من
مش^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^اكل وس^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^لوكات.
إن ره^^ان الك^^اتب من خالل دراس^^ته ه^^ذه أعم^^ق من أن " ينحص^^ر في أف^^ق سوس^^يولوجيا عالجي^^ة ،ب^^ل يتع^^داه إلى مس^^توى
سوسيولوجيا نقدية مرتبطة ارتباطا وثيقا باالختيارات النظرية واإلبستمولوجية ".وهنا فإن الكاتب ي^^دعو إلى التعام^^ل الح^^ذر
مع المنهج العلمي المتبع في دراسة التنظيمات وعدم التعامل معه باعتباره فرعا مستقال بعيدا^ عن أي خلفي^^ة فلس^فية أو موق^ع
اجتماعي .ذلك أن السلوك التنظيمي سلوك نسقي و" فصل الفاعل عن السياق النسقي الذي يحدد سلوكه ق^^د يح^^ول بينن^^ا وبين
اكتشاف الدوافع الحقيقية للفعل ".وأمام اإلشكاالت االبستمولوجية التي تطرحها الميتودولوجيا يرى الب^^احث أن تقني^^ة نمذج^^ة
األفعال التواصلية التي يطرحها أليكس موشيلي يمكن االعتماد عليها في تأويل السلوك التنظيمي ب^^النظر إلى ه^^امش الحري^^ة
ال^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ذي تترك^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ه للب^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^احث .
القض^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ايا المطروح^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ة:
يتضمن الفصل األول " في إبستيمولوجيا سوسيولوجيا التنظيم^ات" ثالث^ة مح^اور .يتن^اول المح^ور األول " من األش^ياء إلى
التنظيمات" هذا االرتباط المنهجي الذي الزم السوسيولوجيا ،منذ نشأتها ،بالعلوم الطبيعية .وهو ارتباط كان وراء مي^^ل رواد
السوس^^يولوجيا األوائ^^ل إلى تن^^اول موض^^وعاتهم كأش^^ياء رغب^^ة منهم في نق^^ل نم^^وذج الفيزي^اء ال^^تي تق^^وم على الموض^وعية
والحتمية إلى الظواهر االجتماعية .وه^^ذا التص^ور لموض^^وع الدراس^^ة اتخ^^ذ وجهين أح^دهما ه^و اعتب^ار موض^وع الدراس^ة
مقتطعا مباشرة من الواقع وثانيهما هو اإلقرار باإلمكاني^^ة المعرفي^^ة والنظري^ة لتط^ابق النم^^وذج العقلي م^ع "حقيق^ة الواق^^ع".
وذلك من خالل رده إلى العالقات األولية الضرورية والثابتة التي تحدده .إن االعتق^اد بأن^^ه ال يمكن تن^^اول السوس^^يولوجيا إال
في إطار تصورها كعلم دقيق يفرض منهجا أحادي^^ا ه^^و اإلمبريقي^^ة .وتس^^ليمنا بالموض^^وعية يجعلن^^ا نق^^ر بثب^^وت العالق^^ة بين
األش^^^^^^^ياء وفق^^^^^^^ا لمب^^^^^^^دأ الس^^^^^^^ببية ال^^^^^^^ذي يع^^^^^^^ني ب^^^^^^^أن نفس األس^^^^^^^باب دائم^^^^^^^ا تعطي نفس اآلث^^^^^^^ار.
ثمة مبدأ ابستمولوجي واحد يحكم توجه دوركهايم سواء أنظر إلى الظاهرة االجتماعية من الزاوي^ة الدياكروني^ة التطوري^ة أو
من الزاوية السانكرونية البنيوية فيما بع^د في أعمال^^ه ،وه^و أن "الظ^اهرة المركب^ة تج^د مب^دأ تفس^يرها في الظ^واهر األولي^^ة
البس^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^يطة ال^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^تي توج^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^د في أساس^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ها".
إن المنطق الذي يميز العلم الكالسيكي كما يذهب إلى ذلك الكاتب ،والذي يجد أساس^^ه في المنهج ال^^ديكارتي ،ه^^و أن معرفتن^^ا
باألشياء البسيطة تمكنن^^ا من اإلمس^^اك بالك^^ل الم^^ركب .غ^^ير أن دوركه^^ايم يب^^دو وكأن^^ه ينح^^و عكس أس^اس العلم الكالس^^يكي
"الديكارتي" هذا ،أي تفكيك الظواهر المركبة وردها إلى عناصرها البسيطة األولية ،التي تتخذ خصائص األشياء .إال أن م^^ا
ي^^^^^^^^^رمي إلي^^^^^^^^^ه في الحقيق^^^^^^^^^ة ه^^^^^^^^^و رفض^^^^^^^^^ه رد الظ^^^^^^^^^واهر االجتماعي^^^^^^^^^ة إلى ظ^^^^^^^^^واهر فردي^^^^^^^^^ة.
يلتقي دوركهايم مع ديكارت في سعيهما إلى تغيير جذري في طريقة البحث وأن األول يحذو حذو الثاني في جعله أجدر بلقب
"ديك^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ارت علم االجتم^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^اع".
ع^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^بر مفه^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^وم النسق
استعرض الكاتب بعد ذلك النقد الذي وجهه جون لويس لوم^^وان للمنط^^ق ال^^ديكارتي متج^^اوزا إي^^اه بتقديم^^ه للمقارب^^ة النس^^قية
كطريق لتحقيق رغبتهما في توحي^^د من^اهج العل^وم .وإذا ك^ان ديك^^ارت ق^د ح^دد أس^س منهج^^ه في قواع^د أربع^^ة هي البداه^ة
والتحلي^ل وال^ترتيب والمراجع^^ة واالحص^اء ف^إن لوم^^وان اس^^تعاض عن تل^ك األربع^^ة بأربع^^ة أخ^رى هي المالءم^^ة والكلي^ة
والقص^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^دية والتع^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^الق.
لقد ولج مفهوم النسق حقل االجتماع مبكرا من خالل مفهومي الوحدة والتفاعل .غير أن فكرة النسق في بدايتها ^،ينقل الك^^اتب
عن إدغار موران ،هي مجرد رد فعل على اختزالية التفسيرات الكالس^^يكية وتفكيكيته^^ا ،حيث رجحت فك^^رة الكلي^^ة فس^^قطت
بدورها في تفسيرات كلياتية .وكانت النتيج^^ة هي إع^^ادة ش^^كل من أش^^كال االختزالي^^ة من خالل مفه^^وم "الك^^ل" .وكاتبن^^ا هن^^ا
وسطي يبحث عن مكان خارج االختزالية والكليانية معا ،من خالل مبدأ " ال يغفل الكل أمام األجزاء واألج^^زاء أم^^ام الك^^ل".
ومن جانب آخر يستعرض الكاتب وجهة نظر برتالنفي حول مشروعية صياغة نظرية في النس^^ق الع^^ام في مع^^رض حديث^^ه
عما يشهده العلم الح^^ديث من التخص^^ص وتخص^^ص التخص^^ص وغي^^اب االمت^^دادات والجس^^ور بين ه^^ذه التخصص^^ات .لكن
وعلى الرغم من ذلك فإن ثمة تشابه في النظريات والنماذج المص^اغة " لمعالج^ة قض^ايا تنتمي إلى مي^ادين مختلف^ة ومتباين^ة
ج^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ذريا".
لقد "اتجهت األبحاث اتجاهات مخالفة تماما لما رسمه برنامج البحث كما تصورته الميكانيكا الكالس^^يكية" .أي من االهتم^^ام
باألجزاء البسيطة إلى االهتمام بالكل المركب والعالقات التي تنشأ بين األجزاء .بل إن ملمحا آخر ذا أهمي^^ة كب^^يرة يتجلى في
"تجريد الفيزياء النظرية من ذلك االمتياز الذي كان لها من دون باقي العلوم ...من كونها النم^وذج ال^^ذي يجب أن يحت^^ذى ب^^ه
من طرف كل علم يسعى ليثبت مشروعيته" .وعلى هذا األس^^اس ف^^إن هن^^اك ض^رورة ص^^ياغة نظري^^ة تنطب^^ق على مجم^^وع
األنس^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^اق من أج^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ل تط^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ور العلم.
إلى مفه^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^وم التنظيم:
" إن الدارة "كل -أجزاء" ال تكتمل إال من خالل فكرة التنظيم" .هكذا يفسر الكاتب جم^^ال ف^^زة تل^^ك العالق^^ة الجدلي^^ة
بين الكل واألجزاء المكونة له" .فالكل باعتباره كلية منظمة،يفعل في أجزائ^^ه باس^^تمرار وعلى نح^^و رجعي" .وهن^^ا يق^^دم لن^^ا
مثال الجملة ،فمعرفتنا بداللة األلفاظ المكونة لها وخضوعها للقواعد المعنوية ،على أهمية ذلك ،ال يكفي بل إن على الجمل^^ة
أن تمارس فعال رجعيا على ألفاظها إلى " ،أن تتبلور األلفاظ بشكل نهائي من خالل الجملة والجملة من خالل األلف^اظ .غ^ير
أن ه^^ذه النظ^^رة إلى الك^^ل ال تجع^^ل من^^ه "حقيق^^ة في ذاته^^ا " فه^^و اليعم^^ل كك^^ل إال إذا عملت األج^^زاء ك^^أجزاء والعكس
ب^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^العكس .
ومن هذا يخلص مع الكاتب إلى أن هذا " التعقد البيولوجي والسوسيولوجي الذي يبدو في أساسه " واحدا لكنه جزء تض^^منه
مس^^^^^^تويات متع^^^^^^ددة من التنظيم والوج^^^^^^ود والكينون^^^^^^ة ،يص^^^^^^ير متع^^^^^^ددا ب^^^^^^ل ومتناقض^^^^^^ا م^^^^^^ع ذات^^^^^^ه".
" إن الكل ليس يقينا" إذ ليس ثمة حدود مرسومة بين نسق ما وأنساق األنساق التي يرتبط بها .إنه كل وجزء من كل أكبر في
اآلن نفس^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ه " على ح^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^د تعب^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ير كوش^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^تلر.
إن الصعوبة التي وجدها المؤلف في تحديد الكل ،والتي يرجعها إلى حرصه الشديد^ وإلى وعيه بالتعقد الذي يطب^^ع الظ^^واهر
الحية في األساس ،هذه الصعوبة جعلته يعتبر مفاهيم النوع والفرد والمجتمع عناصر مترابطة ينحت بعض^^ها بعض^^ا ويرج^^ع
بعض^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ها إلى بعض وهي في ال^^^^^^^^^^^^^^^^^^^وقت نفس^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ه متنافس^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ة ومتناقض^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ة .
لقد أصل الكاتب لمفهوم التنظيم كنسق وألهميته المنهجية واإلبستمولوجية من خالل نقطة النهاية التي وضعها ه^^اينزبرغ في
مشوار الفيزياء الكالسيكية التي تؤكد "أن فهم خصائص األجسام المركبة يكمن في فهم خصائص األجسام البسيطة المش^^كلة
لها" .مفندا ذلك فيما سماه الكاتب انقالبا ابستمولوجيا ،بكون العناصر تأخذ من خص^^ائص النس^^ق أك^^ثر مم^^ا يأخ^^ذ النس^^ق من
خص^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ائص العناص^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ر المش^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^كلة ل^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ه.
يصرح الكاتب أن إصراره على مجاوزة الخلفية اإلمبريقية لمفه^^وم التنظيم تكمن وراءه رغبت^^ه في المس^^اهمة في البحث عن
موقع للسوسيولوجيا فيما يحدث من اضطراب عميق لمعايير "العلمية"؛ مؤمنا أن مفهوم التنظيم يقع في صلب عملي^ة تح^ول
جذري للفلسفة السوس^^يولوجية .إن أهمي^^ة مفه^^وم التنظيم ليس^^ت في كون^^ه موض^^وعا جدي^^دا فتح أف^^ق اش^^تغال السوس^^يولوجيا
فحس^^^^^^^^^^^^^^ب ،ب^^^^^^^^^^^^^^ل إن^^^^^^^^^^^^^^ه ك^^^^^^^^^^^^^^ان أيض^^^^^^^^^^^^^^ا في طريق^^^^^^^^^^^^^^ة االش^^^^^^^^^^^^^^تغال ذاته^^^^^^^^^^^^^^ا.
المح^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ور الث^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^اني :ض^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^د دورك^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ايم :
يسجل الكاتب أن ميزه سوسيولوجيا دوركايم هي " ميلها إلى دراسة الواقع االجتماعي في كليته ،واهتمامها بالعناصر العامة
والثابتة ...وجراء هذا الموقف المنهجي العام ،يغفل دوركايم الطبيعة المتداخل^ة ،والمعق^دة للواق^ع االجتم^اعي ،كم^^ا يص^رفه
هذا الموقف الذي يربح من االمتداد بقدر ما يخسر من العمق في معالجة مختلف مستويات الواقع اآلخر بطريقة متمفصلة" .
بين الكاتب بعد ذلك إيمان دوركهايم بإمكانية تحرير موضوع البحث من أي أثر لتدخل ذات الب^^احث وبإمكاني^^ة خل^^ق مس^^افة
عقلية بين الباحث وموضوع بحثه ،هذا على خالف األدبي^^ات السوس^^يولوجية المعاص^^رة ال^^تي ت^^رى ب^أن الب^^احث في العل^^وم
االجتماعية ال ولن يتمكن^ من دراسة الواقع االجتماعي بعيدا عن ذاتيه ،بل إن هذا التداخل بين ال^ذات والموض^^وع في العل^^وم
االجتماعية يصل في األدبيات المعاصرة إلى مستوى المشكل اإلبستمولوجي األساس إذ هو الذي يحدد خصوص^^ية الظ^^اهرة
اإلنسانية مقارنة مع علوم الطبيعة .وهو الشيء الذي يسمح بظهور مناطق ظل ،حسب تعب^^ير الك^^اتب ،ال يج^^د له^^ا البرن^^امج
العلمي الكالس^^^^^^^^^^^^^^^^^يكي تفس^^^^^^^^^^^^^^^^^يرا س^^^^^^^^^^^^^^^^^وى طرده^^^^^^^^^^^^^^^^^ا إلى حق^^^^^^^^^^^^^^^^^ل األع^^^^^^^^^^^^^^^^^راض.
ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى مفهوم المؤسسة والتصور الذي لحقه في كل من سوسيولوجيا دوركهايم ،واألدبيات السوسيولوجية
المعاصرة وتجاوز هذه األخيرة لألولى .فالمؤسسة لم يعد ينظر إليها " ككلية مكتملة ومنس^^جمة وثابت^^ة ،وإنم^^ا كعملي^^ة دائم^^ة
تتحقق من خاللها كلية األشكال االجتماعية .لم تعد المؤسسة شيئا ،بل ممارسة ،ولم يعد بإمكاننا أن نعرفها في ذاتها ككينونة؛^
فهي ال توج^^^د س^^^وى من خالل ه^^^ذه الحرك^^^ة الدائم^^^ة والمتناقض^^^ة من اله^^^دم وإع^^^ادة البن^^^اء لألش^^^كال االجتماعي^^^ة".
وعلى هذا األس^اس ،ف^إن سوس^يولوجيا التنظيم^^ات وهي ت^^زيح الموض^وع االجتم^اعي من البني^^ات والوظ^ائف باتج^اه الفع^^ل
والسلوك فإنها تفتح آفاقها على أسئلة ومشاكل جديدة ال يتسع لها جراب رواد علم االجتماع وهي "المشاكل واألسئلة المتعلقة
بمع^^^ايير الس^^^لوك وال تقني^^^ات الفع^^^ل داخ^^^ل التنظيم^^^ات وال^^^تي يص^^^عب اختزاله^^^ا في عالق^^^ات ثابت^^^ة ومس^^^تقرة".
في معرض نقد الكاتب لمنهجية دوركهايم في سعيه إلى تحقيق التضامن االجتماعي والسير السليم والع^^ادي للمجتم^^ع ومن تم
تمييزه بين الحالة المرضية والحالة السليمة يؤكد د فزة أن سوسيولوجيا التنظيمات تتجاوز هذا التطور وتشيد بالمقابل مفهوم
"االثار الجانبية " وهي آثار ناجمة عن تنظيم الفعل في حد ذاته .ومن تم فليست حاالت مرضية بقدر ماهي خاصية "أساسية
من خص^^ائص االجتم^^اع البش^^ري المنظم ،تس^^اعدنا على القي^^اس المنهجي لم^^دى اقترابن^^ا أو ابتعادن^^ا مم^^ا س^^مته المن^^اهج
الكالس^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^يكية ^،بـ "الح^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^االت الطبيعي^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^ة"^.
إن الرغبة التي تملكت دوركهايم في الفصل بين ما هو سيكولوجي وم^^ا ه^^و سوس^^يولوجي" ،دفعت ب^^ه إلى الس^^قوط في حكم
قبلي مفاده ان المشاعر الفردية مغلقة وتوجد في حالة تعارض مع حقيقة رفيعة خالصة تمثل الخير األس^^مى ،ال^^ذي تنب^^ع من^^ه
القيم األخالقية " .وهنا يرد الكاتب هذا المنزلق إلى غياب مفاهيم اساسية لدى دوركهايم وهي مفهوم التفاعل ومفهوم التنظيم.
لقد تبلورت القضايا السوسيولوجية ،منذ نشأة السوسيولوجيا ،بطريقتين مختلفتين ناشئتين^ عن تجاذب الموض^^وع االجتم^^اعي
بين نزعتين متعارضتين" ^:نزعة حتمية تهتم بالقواعد البنيوية العامة للمجتمع ،ونزعة إرادية تعطي األولوي^^ة لحري^^ة الفاع^^ل
االجتماعي ،والمعاني التي يمنحها ألفعاله" .وهنا ضاعت على السوسيولوجيا فرصة التراكم سواء على مس^^توى المن^^اهج أو
التيمات .وهو الشيء الذي تدورك باكتشاف مفهوم التنظيم الذي يؤلف بين النزعتين.
تعتبر الفردانية الميتودولوجية أن "البنيات االجتماعية " هي نتاج ألفعال فردية .وتطمح إلى مجاوزة االختزالية التي ميزت
.تصور النظرية االقتصادية والفلسفة السياسية
يستعرض الكاتب في هذه النقطة ذلك السجال الدائر بين ريمون بودون وبورديو .ففي حين يرى هذا األخير أن اإلرث
الثقافي له دور محوري في تحديد^ سلوكات األفراد واتجاهاتهم ضمن "إعادة اإلنتاج االجتماعي " نجد بودون في كتابه "
تفاوت الحظوظ" تحديدا ال يعير اإلرث الثقافي نفس األهمية بقدر ما يعتبره ثانويا في تفسير تفاوت الحظوظ بين المتمدرسين
.وهو الموضوع الذي اشتغل عليه في الكتاب
:االتجاه 1.
:يقوم االتجاه التفاعلي الرمزي على أسس وفرضيات معرفية نجملها في ما يلي
فرضية البروز أو االنبثاق" :وهي فكرة تقوم على أساس أن اإلنسان يتوفر على قدرة الكالم واللغة ،وبالتالي إمكانية التفكير
".والتنسيق والتواصل
فرضية السيرورة :وتقوم على " واقع غياب أي فعل إنساني يستمد قيمته من ذ اته ،لتقف بالتالي على واقع أو حقيقة واحدة
".هي التغير المستمر للنشاط اإلنساني
فرضية اإلرادية :تقوم على "أساس اعتبار الفرد الوحدة االجتماعية األساسية للتحليل .فهي تعرف اإلنسان كفاعل ومرسل"
.في نفس اآلن .في مقابل التعريف الوضعي الذي يقوم على أساس اعتبار اإلنسان منفعال ومتلقيا
يخلص الكاتب إلى أن التيار التفاعلي الرمزي ساعدنا ،ليس فقط في فهم دوافع الفعل لدى األفراد في عالقتهم بالسياق
.وإكراهات النسق ،بل ايضا في فهم كيف تتحول الدوافع الفردية إلى دوافع جماعية
تحت عنوان :األثنومتيودولوجيا :غارفينكل ضد بارسونز ،يستعرض الكاتب وجهتي النظر المتباينتين^ لدى كل من
غارفينكل وبارسونز .فدوافع الفاعلين حسب هذا األخير "تندرج في إطار نماذج معيارية بحكم التصرفات والسلوكات
المتبادلة بين األفراد .الشيء الذي يفسر استقرار النظام االجتماعي وإعادة إنتاجه عند كل حالة من حاالت االجتماع البشري.
أما غارفينكل ـ مؤسس التيار اإلثنوميتودولوجي ـ " فهو ال يعتبر العالقة بين الفاعل والوضعية نتاجا لمضامين أو قواعد
.أخالقية وإنما هي نتاج لسيرورات تأويلية
الفصل الثاني :باراديغمات
على غرار الفصل األول ،يتضمن هذا الفصل ثالثة محاور .في المحور األول المعنون بـ :التيار الكالسيكي ومدرسة
العالقات اإلنسانية :التنظيم بين الحاجة إلى البرقرطة وخطر االستالب البيروقراطي يتحدث الكاتب عن تلك الصعوبة التي
ميزت البدايات األولى لعلم التنظيم ،وهي صعوبة ترجع إلى هذا التمنع الذي يطبع مشاكل التنظيم والتواصل إلى الحد الذي
جعل رواده يبدون وكأن خبرتهم شأن ذاتي ال يتاح ألحد غيره .وقد استطاع هؤالء الرواد نقل هذا الحقل من اإلمبريقية
الصرفة إلى ميدان العلم حيث تسود الضرورة والقاعدة والقانون كما استطاعوا أن يوفروا للباحث عدة منهجية تساعده على
.سلك أفضل السبل لمعالجة المشاكل التنظيمية
ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى عرض تصور هنري فايول ،من خالل كتابه " اإلدارة الصناعية والعامة" ،الذي اعتبر المقال
المؤسس لعلم اإلدارة مبرزا بنيته^ المنهجية وخطوطه العريضة من قبيل وظائف التنظيم والقدرات الضرورية لتأديتها
والشروط أو المبادئ األساسية لإلدارة ويخلص إلى أن " المشاكل التي أرقت هنري فايول ـ في دراسته للظاهرة التنظيميةـ
"هي في األساس نقص البرقرطة الذي هيمن على عمل وسير التنظيمات في عهده .حيث كانت هذه األخيرة ترزح تحت
".رحمة العفوية والتلقائية والخبرة اإلمبريقية ،بعيدا^ عن أي محاولة لتقعيد النظر في الشأن التنظيمي
وتحت عنوان تايلور :الطريقة المثلى والوحيدة لتنظيم العمل ،يستعرض الكاتب النظرية التايلورية ومنهج تايلور في التغلب
على ما يشكله التقاعس المقصود أو ما سماه الكاتب التهاون المنظم من عائق أمام ما يعتبره التسيير الجيد .تهاون ال يرجع
إلى مشكلة األجر فحسب ،بل إلى الخوف من البطالة وإلى "عدم فعالية الطرق اإلمبريقية التي تنجم عن وجود تنوع كبير
في الطرق واألدوات الكفيلة "بإنجاز نفس المهام" .وفي سعيه إلى تحسين اإلنتاج والرفع من جودة المنتوج عبر تقسيم العمل
.فإن غاية ذلك كله هي تحقيق الرفاهية لكل من المشغل واألجير على حد سواء
على الرغم من االختالف بين سوسيولوجيا فيبر واالتجاه الوظيفي فإن نموذجه في التنظيم البيروقراطي يبقى قريبا من
التقليد الوظيفي بالمقارنة مع االتجاهين النقدي والتفاعلي .وهذا ما حدا بكثير من الباحثين ،يقول الكاتب ،إلى إدراج اسم فيبر
.في قائمة رواد التيار الكالسيكي في علم اجتماع التنظيم
يميز فيبر مفهوم "الهيمنة"^ عن مفهوم "السلطان" حيث يرى أن األول شكل خاص من الثاني ..وتعمل الهيمنة في التنظيمات
االجتماعية بطريقتين؛ فإما أن يفصح األفراد والجماعات عن سلوكات االمتثال والخضوع على نحو تلقائي وعلى أساس
التعود ،وإما أن يكون الخضوع نتيجة العتبارات عقالنية هادفة" .كما أن للهيمنة ثالثة أنماط كما حددها فيبر "فإما أن تتخذ
الشرعية طابعا عقالنيا فتكون الهيمنة قانونية ،وإما أن تستند إلى الدين واألعراف ونظام القرابة ،فتكون الهيمنة تقليدية ،وإما
أن تستند الشرعية إلى مواهب وقدرات خاصة يتمتع بها بعض األشخاص دون غيرهم من الناس ،فتكون الهيمنة
".كاريزمية
يؤكد الكاتب أن تيار العالقات اإلنسانية يتألف من مكونين رئيسيين؛ "فهو يشمل ،من جهة ،مدرسة العالقات اإلنسانية التي
طورت مباحثها على أنقاض المدرسة الكالسيكية في التنظيم .ومن جهة أخرى ،نظرية الحلقات البيروقراطية المفرغة التي
".قامت على أنقاض النموذج المثالي للبيروقراطية كما تصوره فيبر
بالنسبة لتيار العالقات اإلنسانية ،فهو يرجع مشاكل التنظيمات "إلى طبيعة الخصائص المركبة والمعقدة لبعض الشخصيات،
أو إلى عيب يشوب عملية التواصل .أي إلى مشاكل تتعلق بعدم التفاهم بين األفراد على وجه العموم" .فاألمر يتعلق بدواع
سيكولوجية دون سواها .أما نظرية الحلقات المفرغة فهي "تنطلق أساسا من كون سلوكات األفراد داخل التنظيمات ال تتفق
تماما والمهام الموكولة لها من طرف األدوار الرسمية .فهي ترجع في جزء كبير منها إلى وجود بنية ال شكلية تتوارى خلف
".البنيات الرسمية ،التي من المفروض أن تؤطر سلوكات وتصرفات األفراد داخل التنظيم
المحور الثاني :المقاربة النسقية والتحليل االستراتيجي :من نظرية في التنظيم إلى نظرية في الفعل المنظم
تقف النظرية النسقية في وجه أي تفسير يعيد مبدأ العلية الذي تشبثت به المدرسة الكالسيكية أي بمنطق السبب والنتيجة وفي
المقابل فهي تفتح البحث على آفاق أرحب فالنسق يفترض "البحث عن أكثر من سبب واحد لفهم ظواهر السلوك اإلنساني،
".كما يفترض وجود ترابطات بين هذه األسباب
لقد وقف الكاتب عند نسق الفعل االجتماعي وشروطه الثالث التي حددها بارسونز والمتمثلة في البنية والوظيفة وسيرورات
النسق .كما وقف عند الفرق الجوهري بين نسق الفعل عند بارسونز ونسق الفعل عند ميشيل كروزيي؛ فهو عند الثاني ذو
.طابع ملموس وعند األول ذو طابع مجرد
ومن جانب آخر ،فهناك تمييز بين التحليل االستراتيجي وبين التحليل النسقي فخاصية هذا األخير تكمن "في طابعه المجرد
والعام؛ حيث كان بمثابة إطار لتحليل األدوار العامة الموجهة قبليا باتجاه التساند الوظيفي" .أما التحليل االستراتيجي فهو
"ينطلق من مسلمة أساسية هي أن النسق بناء اجتماعي وليس معطى طبيعيا" .إنه يهتم بالكشف عن النسق الذي يتأطر
ضمنه السلوك التنظيمي .وبهذا فإن التحليل االستراتيجي يتجاوز التحليل النسقي بالنظر إلى شمولية مقاربته التي تهتم
بتقلبات عالم التنظيم والعالقات المتبادلة التي تدور بداخله .ولألهمية االبستمولوجية لتحليل بيرنو في هذا المقام فقد قدم
الكاتب تصوره المبني على سؤال جوهري هو :كيف نفسر سلوكات األفراد أو الجماعات الصغرى داخل التنظيمات؟
ليخلص إلى أن إمكانية تأثر السلوك الفردي بالظاهرة الثقافية ال ينبغي أن يخفي أن هذا التأثر ال يتم بشكل مباشر بل من
خالل وسائط مؤسساتية وتنظيمية ^.وفي اإلطار ذاته ينتقد بيرنو تيار العالقات اإلنسانية كونه " لم يلغ السياق أو البيئة
الخارجية من اعتباراته فحسب ،وإنما أسقط من حسابه التفكير في االندماج االجتماعي للفرد .وألغى من اعتباراته أن
".االستراتيجيات والسلوكات تتحدد في العالقة مع اآلخرين ،أكثر مما تتحدد تبعا للحاجات والحوافز الفردية
لم ينظر الكاتب إلى تلك اآلثار الجانبية التي ترافق التنظيم على أنها ثانوية ،بل إنها ذات طابع أساسي" .إنها تعبير عن
التعارض األساسي بين ميل األفراد نحو التحرر واتجاه معايير الجماعة نحو الحد من الحرية الفردية" .ومن هنا تأتي أهمية
السلطان بما هو تلك " القدرة التي يتوفر عليها بعض األفراد لدفع اآلخرين إلى التصرف بما يخدم مصالحهم" كأساس للفعل
.المنظم
المحور الثالث :المقاربة النسقية التواصلية
في مقابل التصور الميكانيكي للتنظيم والذي اتسم به االتجاه الكالسيكي" ،تجرد المقاربة النسقية لألفعال التواصلية التنظيم
من أي طابع واقعي لتجعل منه بناء ،أو حقيقة من الدرجة الثانية" .كما أن النظرية النسقية التواصلية ،و خالفا لما كان عليه
الحال قبال من استعارة النماذج النظرية من عالم األعضاء الحية أو من طريقة عمل اآللة .فإنها تستعيرها من عالم
.المعلوميات والسيبرنتيقا وشبكات التواصل .وهنا نجد الشبكات التراتبية والشبكات السوسيومترية وشبكات اتخاذ القرار
غير أن ثمة من اهتدى إلى استعارات سياسية مثل منتزبيرغ وميشيل كروزيي وغيرهما فحددوا الغايات األساسية التي تحكم
الصراع بين الفاعلين داخل التنظيم في القيادة والتيكنوقراط والمصالح الوظيفية والمصالح اإلجرائية والوظائف األساسية.
و"تلجأ األطراف المتصارعة إلى آلية التفاوض من أجل حل نزاعاتها؛ حيث تتقاطع أهداف البعض بينما تتنابذ^ أهداف
".البعض اآلخر ،فتتشكل تحالفات وتنبثق ألعاب جديدة تقوم على أساس التمتع بأكبر قدر من السلطان
يرى الكاتب أن النسق يتألف من مجموعة ألعاب تفاعل .غير أن التفاعل هنا يبتعد عن السببية الخطية ليرتمي في سببية
دائرية .وهذا المنطق الدائري للعلية أو الترابط التفاعلي بين أجزاء النسق هو ما يضفي معنى على فعل تواصلي ،وبالتالي
فإن فلسفة التدبير كما يطرحها علم اإلدارة ،ال ترجع إلى شخصية المسير ،أو إلى األفعال التي يقوم بها ،وإنما تعود أساسا
.إلى طبيعة اللعبة التي تجمع الرؤساء بالمرؤوسين
إن إيمان الكاتب بجدوى تقنية نمذجة األفعال التواصلية التي وضعها أليكس موشيلي جعله يخصص لها حيزا مهما ختم به
.المحور األخير من كتابه راميا بذلك إلى أن تكون قاعدة يستند عليها البحث الميداني في تحليل السلوكات التنظيمية
لن تغفل عين القارئ وهو يقلب صفحات الكتاب ذلك البناء المنهجي الرصين الذي تتبعه الكاتب وهو يؤلف بين محاوره
وفقراته؛ فثمة تسلسل منطقي بين األفكار وسرد كرونولوجي لمسار التنظيم في حقل المعرفة العلمية عموما وفي علم
االجتماع على وجه الخصوص .هذا التسلسل المنطقي لم يكن لدواع مرتبطة بما يقتضيه منهج البحث العلمي فحسب ،بل إن
الغرض من ذلك أعمق وأجل يتمثل في رغبة الكاتب في الوقوف على االتجاهات التي تناولت التنظيم واكتشاف منطق حكم
تعاقب هذه االتجاهات .ومن تم فاألمر ال يتعلق بتناول وصفي يكتفي بذكر واقع الحال بقدر ما هو توغل في البنيات العميقة
لهذه االتجاهات والمقابلة فيما بينها .وإال فإن التصنيف الذي وضعه ،والذي ميز به بين تايلور وكروزيي والذي بموجبه عد
تايلور ضمن التيار الكالسيكي لن يكون ذا معنى خاصة إذا علمنا أن تايلور سبق كروزيي إلى فرضية الفاعل العقالني الذي
.يبلور خططا واستراتيجيات بما يخدم أهدافه ومصالحه
لقد صال بنا الكاتب وجال في حقل المعرفة العلمية عموما وفي علم فيزياء الكوانتا خصوصا باعتبارها أم السوسيولوجيا.
وأسكن بحثه أعالما بصموا حقل المعرفة السوسيولوجيا بشكل عميق .وأعاد قراءة المؤلفات الكالسيكية التي بدت نتائجها
مسلمات ،فوقف على ما بين سطورها مستحضرا سياقها التاريخي الذي برزت فيه ،الشيء الذي كفل للباحث إمكانية
استبصار نتائج جديدة شكلت قيمة مضافة للعمل ككل .بذلك يكون قد قعد للتنظيمات منذ بداياتها بما يخدم الهدف المصرح
به ،والذي يتجلى في إخراجها من منطقة الفرع التطبيقي للسوسيولوجيا العامة إلى أفق أوسع وأرحب يبحث في األسس
.االبستمولوجية والمشاكل الميتودولوجية المرتبطة بها
لقد استحضر الكاتب وهو يؤلف فقرات الكتاب ذلك البعد البيداغوجي الذي يسكنه؛ فوجدناه يذيل كل فصل بخالصة مركزة
يشرح فيها مجمل استنتاجات الفصل .كما اعتمد وهو يبسط أفكاره خطاطات توضيحية وإطارات تفسيرية .وهذا من شأنه أن
. ييسر للقارئ مهمة االستيعاب والفهم
إننا نعترف في قراءتنا لهذا الكتاب أننا حلقنا عاليا حول الكثير من الموضوعات واألفكار العميقة والتفاصيل الدقيقة الغنية
والمغنية ولم نوفها حقها ،مدركين تمام اإلدراك أن القراءة في حد ذاتها ليست ،بأي حال من األحوال ،إعادة نشر للكتاب
بصيغة مختصرة بقدر ما هي محاولة ترمي إلى بسط الخطوط التي تبدو في نظر القارئ عريضة في المؤلف ،وإن من
.شأنها أن تحفز القارئ المهتم على التوغل في عالم الكتاب األصلي