You are on page 1of 147

‫التمهيد‬

‫‪ .1 .1‬املبحث األول‪ :‬مفهوم التداولية‪:‬‬

‫ً‬
‫تعددت الكلمات التي جعلها اللغويون مقابل أو ترجمة لكلمة )‪ ،(pragmatics‬ومن ذلك‪:‬‬

‫"التداولية‪ ،‬البراجماتية‪ ،‬وعلم التخاطب‪ ،‬والتداوليات‪ ،‬والذريعيات‪ ،‬واملقاماتية‪ ،‬والذرائعية‪،‬‬


‫ً‬
‫وعلم املقاصد واملقامية‪ ،‬وعلم استعمال اللغة"‪ ،1‬وأكثرها استعماًل‪ :‬التداولية‪ ،‬والتداوليات‪،‬‬

‫ولقد اختار البحث مصطلح‪ :‬التداولية من بين هذه الترجمات العديدة لألسباب اآلتية‪:‬‬

‫ً‬
‫ّأوًل‪ :‬التداولية أقرب إلى الفلسفة؛ ألنها منهج تفكير‪ ،‬فتستعمل مفردة‪ ،‬فهي كذلك في‬

‫اللسانيات؛ ألنها تستعمل لتحليل الخطاب في مختلف مجاًلته‪ ،‬كما استعمل املنهج‬

‫البراجماتي في الفلسفة لحل املشكلت الفلسفية املختلفة‪ ،‬فاستعمالها في اللسانيات بصيغة‬

‫املفرد أولى؛ ألن صيغة الجمع تحكم بوجود أكثر من تداولية‪ ،‬ولكن هي تداولية واحدة مع‬

‫اختلف مجاًلت تطبيقها؛ حيث إنها تدرس الخطاب من جانبيه اللغوي وغير اللغوي؛ فاللغة‬

‫وسيلة نقل األفكار‪ ،‬وًل يستقيم تواصل بغيرها؛ لذلك أرجع الفلسفة اختلفاتهم إليها‪ ،‬فهي‬

‫تعمل على إفهام املتلقي معاني املتكلم في جميع املجاًلت‪ ،‬ومختلف النشاطات‪.‬‬

‫ً‬
‫ثنيا‪ :‬كلمة (التداولية) في اللسانيات تعبر عن املصطلح )‪ ،(pragmatics‬فاملعنى اللغوي لكلمة‬

‫(التداولية) هو‪ :‬تبادل األدوار بين املتكلم واملخاطب‪ ،‬حيث‪ّ :‬إن "(دال) الدهر – دولة‪ :‬انتقل‬

‫من حال إلى حال‪ ،‬و(األيام) دارت‪ ،‬و(تداولت) األيدي الش يء‪ :‬أخذته هذه مرة وهذه مرة‪،‬‬

‫ويقال‪ :‬تداول القوم األمر"‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫صالح إسماعيل‪ ،‬نظرية المعنى في فلسفة بول جرايس‪ ،‬دار الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.76 ،2007 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد بن فارس (ت‪395 :‬ه)‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار الفكر‪1979 ،‬م‪.314 ،‬‬

‫‪1‬‬
‫من ثم أفاد املصطلح من املعنى اللغوي أن الش يء الواحد يتناوله أكثر من طرف‪ً ،‬ل‬

‫فضل ألحدهم فيه على اآلخر‪ ،‬فلدًللتها على تداول اللغة بين مستعمليها كانت "هي املكافئ‬
‫ً‬
‫خصوصا إذا أخذنا بعين اًلعتبار أن )‪ (pragmatics‬هي باألساس "دراسة اللغة من‬ ‫األنسب‪،‬‬

‫منظور تداولها بين مستعمليها"‪.‬‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬استعمالها بصيغة املصدر الصناعي‪1‬؛ للدًللة على معنى مجرد من الصفات املختلفة‬

‫التي نختص بها كلمة (التداول) في الخطاب‪ ،‬فبذلك تصبح التداولية هي األنسب؛ ألنها تعني‬

‫بدراسة استعمال املتخاطبين اللغة في جميع خطاباتهم‪.‬‬

‫ر ً‬
‫ابعا‪ :‬التداولية أعم من التخاطب‪ .‬فالتخاطب يخرج الجانب غير اللغوي من الدراسة‪،‬‬

‫في حين تعنى به التداولية؛ إذ تخاطب املتكلم واملستمع يعني‪ :‬إنما "تكلما وتحدثا"‪2‬؛ ألن‬

‫التخاطب في اللغة من "الخطاب واملخاطبة‪ :‬مراجعة الكلم‪ ،‬وقد خاطبه بالكلم مخاطبة‬
‫و ً‬
‫خطابا‪ ،‬وهما يتخاطبان"‪.3‬‬

‫ً‬
‫خامسا‪ :‬مجال التداولية أعم من مجال التخاطب؛ فكل منهما يتعلق باألقوال واملعارف‬

‫واملعتقدات املشتركة‪ ،‬إًل أن مجال التداولية يستعملها استعماًل شامل ودائما‪ّ ،‬أما مجال‬
‫ثم ّ‬
‫فإن املجال التخاطبي محدود من جهتين‪:‬‬ ‫التخاطب فيستعملها في وقت التخاطب؛ "ومن ّ‬

‫من جهة عدد العناصر التداولية املستعملة‪ ،‬ومن جهة زمان هذا اًلستعمال‪ ،‬وهو الوقت‬

‫‪ 1‬عباس حسن‪ ،‬النحو الوافي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.186 /13 ،3‬‬
‫‪ 2‬المعجم الوسيط‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.243/1 ،3‬‬
‫‪ 3‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.361 /1 ،‬‬

‫‪2‬‬
‫الذي تستغرقه املخاطبة‪ ،‬في حين يخلق مجال التداولية من هذين القيدين‪ ،‬فهو يشتمل على‬

‫كل العناصر التداولية‪ ،‬ويمد بها كل مقامات الكلم في جميع أزمنتها وأمكنتها"‪.1‬‬

‫وملا "تعددت اهتمامات التداولية كثرت تعريفاتها؛ ًلهتمام كل تعريف بجانب منها دون‬

‫اآلخر‪ ،‬وقد أرجع الدكتور محمود نحلة صعوبة وضع تعريف جامع مانع للتداولية إلى اتساع‬

‫مجاًلتها وتنوعها وتداخلها مع بعض العلوم التي لها علقة باللغة"‪.2‬‬

‫ً‬
‫ّإن التداولية لها تعريفات في مجموعات متدرجة تصاعديا حسب ما تشتمل عليه‪ ،‬وذلك‬

‫كما يأتي‪:‬‬

‫‪ -1‬املعنى‬

‫هناك تعريفات كثيرة ركزت على جانب املعنى؛ فالتداولية‪ :‬هي "دراسة املعنى الذي‬

‫يقصده املتكلم"‪3‬؛ أي‪ :‬املعنى املراد واملقصود من املتكلم‪ ،‬وليس املعنى املعجمي أو الدًللي‬

‫واختلف معاني األلفاظ ناتج عن دًللة املعنى املعجمي لكل منها‪ ،‬وليس ناتجا من اًلستعمال‬

‫اللغوي لها‪ ،‬فيكون مجاله الدًللة وليس التداولية‪ ،‬ومن ثم فإن الدًللة تبحث في "املستويات‬

‫اللغوية من الصوت إلى النص بتراكيبه النحوية التي تركز على املعنى الحرفي الذي تؤديه‬

‫الجملة‪ ،‬وبعبارة أوضح‪ً :‬ل تلتفت الدًللة في هذا املفهوم الخاص إلى أبعاد غير لسانية‪ ،‬فهي‬

‫تركز على املنطوق"‪.4‬‬

‫‪ 1‬طه عبد الرحمن‪ ،‬تجديد المنهج في تقويم التراث‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪2012 ،4‬م‪.247 ،‬‬
‫‪ 2‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.11 ،‬‬
‫‪ 3‬جورج يول‪ ،‬التداولية‪.19 ،‬‬
‫‪ 4‬د‪ .‬عيد بليع‪ ،‬التداولية البعد الثالث للسيموطيقا‪ ،‬المنفية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪2009 ،1‬م‪.130 ،‬‬

‫‪3‬‬
‫وإذا ما استجد أمر ما في سياق التخاطب ّ‬
‫فإن املتكلم قبل أن يشرع في كلمه يحاول أن‬

‫يأتي خطابه على نسق يلئمه‪ ،‬ومن ثم فالتداولية هي‪" :‬دراسة لظواهر بنية الخطاب اللغوي‬

‫من تضمينات واقتضاءات أو ما يسمى بأفعال الكلم ‪.1"Speech Acts‬‬

‫إن الدًللة في بحثها املعنى تعنى بدًللة اإلشارات املختزنة في ذهن الجماعة اللغوية مما‬

‫اتفقت عليه في استعمالها‪" ،‬وهو علم منتزع من استقراء هذه اللغة"‪ّ ،2‬أما التداولية فإنها‬

‫تعنى بدراسة املعنى الذي يريد املتكلم إيصاله إلى املتلقي بما يشمله من متضمنات متأثرة‬

‫بالسياق‪ ،‬وحال املتخاطبين في اًلستعمال اللغوي‪.‬‬

‫ومن ثم فإن مجال الدًللة "دراسة اللغة التي يتركز اًلنتباه فيها املستعلمين وسياق‬

‫استعمال اللغة بدًل من التركيز على املرجع‪ ،‬وعلقة العلمة بما تحيل إليه‪ ،‬أي‪ :‬علقة الدال‬

‫باملدلول‪ ،‬أو قواعد النحو‪ ،‬أي‪ :‬علقة العلمات فيما بينها في التركيب النحوي"‪.3‬‬

‫‪ -2‬السياق‬

‫ً‬
‫محورا لها‪ ،‬كذلك جعلت‬ ‫ُ‬
‫بعض تعريفات التداولية املعنى‪ ،‬واتخذت منه‬ ‫كما تناولت‬
‫ً‬
‫محورا لها؛ "فالسياق أثره الواضح في تحديد معنى الكلمة؛ حيث ًل‬ ‫مجموعة أخرى السياق‬
‫نهائيا ًّ‬
‫وكليا إًل من خلل سياقه وما يحيط به من ألفاظ توضح‬ ‫تتحدد قيمة أي عنصر لغوي ًّ‬

‫معناه"‪ ،4‬وظروف محيطة ًلبد من وضعها في الحسبان‪.‬‬

‫‪ 1‬إدريس مقبول‪ ،‬األسس اإلبستولوجية والتداولية للنظر النحوي عند سيبويه‪.262 ،‬‬
‫‪ 2‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪.190 /1 ،‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬عيد بليع‪ ،‬التداولية البعد الثالث للسيموطيقا‪ ،‬المنفية‪.17 ،‬‬
‫حمادة صبري صالح‪ ،‬مستويات الداللة في آيات اآلباء و األبناء‪ ،‬رسالة ماجستير مقدمة لكلية اآلداب‪ -‬جامعة كفر الشيخ‪ ،‬للعام‬
‫‪4‬الجامعي ‪.172 ،2015 /2014‬‬

‫‪4‬‬
‫والتداولية هي‪" :‬دراسة لغوية تركز على املستعملين للغة وسياق استعمالها في عملية‬

‫التفسير اللغوي بجوانبها املتنوعة" أو "دراسة املعنى السياقي"‪.1‬‬

‫فالتداولية هي "دراسة العلقات بين اللغة والسياق أو هي دراسة لغاية مستعملي اللغة‬

‫في ربطهم اللغة بسياقاتها الخاصة"‪ ،2‬التي قد تتعدد جوانب كل منها؛ فتؤثر في التراكيب‬
‫اللغوية؛ ُ‬
‫فتحدث التقديم في الخطاب‪ ،‬أو التأخير‪ ،‬أو تحذف‪ ،‬أو تستعمل تعابير تأشيرية‪،‬‬
‫ً‬
‫شكليا في تراكيب اللغة"‪ 3‬التي‬ ‫ومن ثم فإن التداولية "دراسة جوانب السياق التي تشفر‬

‫يستدل املخاطب على املعنى املراد منها لحضوره سياق التخاطب‪ ،‬الذي يعد خطوة تغلف‬

‫املعنى الدًللي وتتطلبه‪ ،‬إًل أنه لم يخرج في تحليله عن إطار اللغة‪.‬‬

‫ويعنى السياق بكل ما سبق مما يساعد في تفسير الرسالة اللغوية‪ ،‬ولكن ُي ّ‬
‫قصر‬
‫ِّ‬
‫في تحليله عن التداولية؛ ألنه ًل يخرج في تحليله عن الجوانب اللغوية‪ ،‬أما التداولية فتراعي‬

‫كل ما يتعلق باملعنى داخل اللغة و وخارجها‪ ،‬وتتأزر مع العلوم املعرفية املختلفة لتفسير‬

‫املعنى التداولي مقصود املتكلم‪ ،‬بما في ذلك زمان ومكان التخاطب وملبساته‪ ،‬وما يؤثر في‬

‫املتخاطبين وأغراضهم‪.‬‬

‫فالكلمة يتحدد معناها في سياقها الذي استعملت فيه‪ ،‬وربما كان لها أكثر من معنى‬
‫معجمي إًل أن اًلستعمال يحدد املعنى املراد منها في سياقها‪" ،‬معنى الكلمة ي ُ‬
‫كمن في‬

‫‪ 1‬جورج يول‪ ،‬التداولية‪.19 ،‬‬


‫‪ 2‬إدريس مقبول‪ ،‬األسس األبستمولوجية والتداولية للنظر النحوي عند سيبويه‪.263 ،‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.12 ،‬‬

‫‪5‬‬
‫استعمالها‪ً ،‬ل تسأل عن املعنى‪ ،‬ولكن سل عن اًلستعمال"‪ .1‬وإذا كانت الغاية هي املعنى املراد‬

‫فإن النظر يتحول قليل بعد التحليل اللغوي إلى غرض املتكلم‪ ،‬وقصده من كلمه‪.‬‬

‫وتحليل السياق من جانب النص بمستوياته الصوتية‪ ،‬والصرفية‪ ،‬واملعجمية‪،‬‬

‫والنحوية‪ ،‬والدًللية يعرف بسياق النص (أو املقال أو السياق اللغوي) فإذا ما خرج عن هذه‬

‫الدائرة إلى جوانب أخرى فهو سياق غير لغوي‪ ،‬فالسياق نوعان‪ :‬األول‪ :‬السياق اللغوي أو‬

‫السياق املقال‪ ،‬واآلخر‪ :‬السياق غير اللغوي‪ ،‬أو سياق الحال‪ ،‬واملقصود باألول "وضع لبنات‬

‫الكلم من حيث املواءمة والتآلف أو اللزوم‪ ،‬بالنظر فيما بينها من ارتباط وموقعية وصلحية‬

‫هذه اللبنة أو تلك في موضعها بالنسبة ملا يسبقها ويلحقها من لبنات‪ ،‬ويتمثل الثاني في‬

‫الظروف وامللبسات اًلجتماعية التي تلف الكلم في املوقف املعين الذي يلقي فيه"‪.2‬‬

‫‪ -3‬التواصل واستعمال اللغة (أثراستعمال اللغة في التواصل)‪:‬‬


‫َ‬
‫للغة أثر بين في التواصل‪ ،‬ومن ث َّم فإدراك املتخاطبين لعناصرها ييسر عملية التواصل‬

‫اللغوي‪ ،‬ومن خلل التراكيب اللغوية الصحيحة‪ ،‬ودًلًلت األلفاظ‪ ،‬حينئذ يقدمون على‬
‫ً‬
‫اًلستعمال اللغوي‪ ،‬بعناصره املؤثرة في املعنى املقصود‪" ،‬وهي أربعة على اإلجمال‪ :‬أوًل‪ :‬أطراف‬
‫ً‬
‫وثالثا‪ :‬السياق اللغوي‬ ‫التخاطب (أو املستعملون للغة)‪ً ،‬‬
‫ثانيا‪ :‬قصودهم وهي درجات ومراتب‪،‬‬
‫اللغوي‪ ،‬ور ً‬
‫ابعا‪ :‬املقام"‪.3‬‬

‫ومن ثم فإن اللغة هي وسيلة التواصل بين املتكلم واملخاطب؛ حيث للمتكلم مع مخاطبه‬

‫طرق عديدة يعبر بها عما يريد‪ ،‬منها‪ :‬الكلم‪ ،‬أو الكتابة‪ ،‬أو اإليماء‪ ،‬أو الحركة‪ ،‬أو الصمت‬

‫‪ 1‬محمد محمد داود‪ ،‬العربية وعلم اللغة الحديث‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪2001 ،‬م‪.197-196 ،‬‬
‫‪ 2‬د‪ .‬كمال بشر‪ ،‬التفكير اللغوي بين القديم والحديث‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪2005 ،‬م‪.368 ،‬‬
‫‪ 3‬إدريس مقبول‪ ،‬األسس اإلبستولوجية والتداولية للنظر النحوي عند سيبويه‪.265 ،‬‬

‫‪6‬‬
‫في مقام يتطلبه؛ ومن َّ‬
‫ثم فإنه التداولية "دراسة اًلتصال اللغوي داخل السياق"‪ 1‬بين طرفي‬ ‫ٍ‬
‫الخطاب اللذين يستعملن اللغة ً‬
‫طبقا ملا يقتضيه ذلك السياق‪ ،‬وما يتواقف مع حال‬

‫املتخاطبين فيه‪ ،‬فالتداولية هي‪" :‬علم اًلستعمال اللساني ضمن السياق"‪.2‬‬

‫‪ -4‬الخطاب‬

‫يعني املتكلم في خطابه بتوضيح املعنى الذي يقصد إفهامه املتلقي‪ ،‬ويطلق على كلم‬

‫املنطوق؛ حيث ّإن "النص في األصل هو النص املكتوب‪ ،‬والخطاب في األصل هو الكلم‬

‫املنطوق‪ ،‬ولكنه يتلبس بصورة اآلخر على التوسع"‪.3‬‬

‫ومما سبق نعلم ّأن التداولية من دراسات اللغوية التي ُعنيت باللغة املنطوقة من خلل‬
‫دراسة لسانيات الجملة‪ ،‬أو لسانيات النص‪ ،‬أما األسلوبية فإنها تعنى بالخطاب؛ حيث ّ‬
‫تعرف‬

‫بأنها‪" :‬دراسة الطرق التي تتجلى بها املقاصد في الخطاب"‪ ،4‬ما يلجأ إليه املتكلم في إيصال‬

‫املعنى املقصود إلى املخاطب‪ ،‬وًل تقتصر عنايتها بالخطاب وحده‪ ،‬بل تعنى كذلك بملبساته‪.‬‬

‫یعنى التحليل التداولي بالخطاب أكثر من النص؛ حيث التعابير اإلشارية التي تعتمد في‬

‫مرجعها على حضور املتخاطبين‪ ،‬أما في النص فإنها تحتاج إلى إحالة ومن ثم فإن التداولية‪:‬‬

‫"دراسة اللغة بوصفها ظاهرة خطابية وتواصلية واجتماعية"‪ .5‬کما تعد التداولية‪" :‬دراسة‬

‫‪ 1‬محمد عديل‪ ،‬التحليل التداولي لخطاب الحجاج النحوي‪ ،‬كتاب اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.251 ،2011 ،1‬‬
‫‪ 2‬عبد الهادي بن ظافر الشهوي‪ ،‬المقاربة التداولية‪.11 ،‬‬
‫‪ 3‬فيليب بالنشيه‪ ،‬التداولية من أوستن إلى غوفمان‪ ،‬تعريب‪ :‬صابر الحباشة‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪2012 ،1‬م‪.18 ،‬‬
‫‪ 4‬محمد عديل‪ ،‬التحليل التداولي‪.251 ،‬‬
‫‪ 5‬فيليب بالنشيه‪ ،‬التداولية من أوستن إلى غوفمان‪.19 ،‬‬

‫‪7‬‬
‫تهتم باللغة في الخطاب وتنظر في الوسميات الخاصة به وقصد تأكيد طابعه التخاطبي"‪1‬؛‬

‫لتبرز أثر السياق وملبساته في إفهام املتكلم وفهم املخاطب‪.‬‬

‫‪ -5‬العالمة ومؤولوها‪:‬‬

‫إن التتابع الصوتي للحروف التي تبني اللفظ علمة على التصور الذهني للش يء‪ ،‬كما تعد‬

‫الغيوم السوداء في السماء علمة املطر‪ ،‬واملشاركون في الخطاب يتبادلون الكلم‪ ،‬وكل منهم‬
‫يقوم بتأويل كلم اآلخر؛ ليصل إلى مقصده منه‪ ،‬ومن َّ‬
‫ثم فإن التداولية هي‪" :‬علم يعالج‬

‫علقة العلمات بمؤوليها"‪ ،2‬الذين يطبقون منطق لغتهم للتواصل فيما بينهم‪ ،‬فالتداولية هي‪:‬‬

‫"مجموعة من البحوث املنطقية اللسانية"‪ 3‬التي يحاول املتخاطبون الوصول بها إلى استعمال‬
‫الجمل الصحيحة في سياقاتها املناسبة‪ً ،‬‬
‫وبناء عليه فالتداولية هي‪" ،‬جزء من اإلنجاز تتعلق‬

‫بدراسة الجمل الصحيحة في سياقها"‪.4‬‬

‫فإذا ما علموا توافق الجمل الصحيحة مع سياقها املناسب لها فإنه يتسنى لهم دراسة‬
‫ًّ‬
‫ظاهريا‪ :‬فالتداولية "دراسة األسس التي‬ ‫الجمل الشاذة؛ ملعرفة سبب خروجها عن املقتض ى‬
‫ًّ‬
‫تداوليا"‪ ،5‬وكذلك التداولية هي‬ ‫نستطيع بها أن نعرف لم كانت مجموعة من الجمل شاذة‬

‫"دراسة للعناصر األساسية التي تعلل وجود الجمل الشاذة أو الخارجة عن القياس‬

‫أو التعبيرات غير املحتملة"‪.6‬‬

‫‪ 1‬فيليب بالنشيه‪ ،‬التداولية من أوستن إلى غوفمان‪.19 ،‬‬


‫‪ 2‬عبد القادر بن ظافر الشهري‪ ،‬المقاربة التداولية‪.29 ،‬‬
‫‪ 3‬فيليب بالنشيه‪ ،‬التداولية من أوستن إلى غوفمان‪.18 ،‬‬
‫‪ 4‬إدريس مقبول‪ ،‬األسس اإلبستولوجية والتداولية للنظر النحوي عند سيبويه‪.264 ،‬‬
‫‪ 5‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.11 ،‬‬
‫‪ 6‬محمود سليمان ياقوت‪ ،‬التراكيب غير الصحيحة نحويًا في كتاب سيبويه‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬األسكندرية‪.192 ،‬‬

‫‪8‬‬
‫ودراسة كيفية إفهام املتكلم مخاطبه يشمل استعماله الجوانب اللغوية واملعنيين‬

‫الحرفي والتداولي‪ ،‬كما يشمل السياق بنوعيه سياق املقال وسياق الحال مراعيا جميع‬

‫املؤثرات املختلفة التي تغلف الكلم من مؤثرات ثقافية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬ونفسية‪ ،‬وغيرها مما‬

‫يضمن األلفاظ أكثر من معناها الحرفي‪ ،‬وًل ريب ّأن إحاطة املخاطب بهذه املؤثرات يساعده‬
‫ّ‬

‫في الوصول إلى املعنى التداولي (مقصد املتكلم)‪.‬‬

‫‪ .2 .1 .1‬مجال التداولية‪:‬‬

‫يختلف التركيب اللغوي باستبدال بعض ألفاظه مع الحفاظ على دًللته؛ ًلختلف‬

‫قدر املخاطب ومكانته لدى املتكلم‪ ،‬أو مكانته اًلجتماعية؛ لذا يجب على املتكلم أن يلحظ‬
‫ً‬
‫أنه ما زال مسئوًل عن رسالته‪ ،‬فإن دوره فيها لم يكتمل إذا اتبع نظام التراكيب اللغوية‪،‬‬

‫وفاضل بين دًللة األلفاظ‪ ،‬فاختار منها ما يناسب املعنى املقصود فحسب‪ ،‬لكنه يجب أن‬

‫يراعي نظام استعمال اللغة وملبسات التخاطب‪ ،‬وإًل لم تصل رسالته كما أراد لها‪.‬‬

‫ومن ثم فمجال التداولية هو املعنى الذي يقصده املتكلم خلل إفهامه مخاطبه‪،‬‬

‫وكيفية استدًلل املخاطب عليه مع مراعاة ملبسات التخاطب‪ ،‬ومن خلل مفهوم التواصل‬

‫تجد ّأن "موضوع التداولية هو اإلنسان نفسه وهو يباشر أدواره اًلجتماعية"‪ ،1‬حيث تعنى‬

‫التداولية باملعنى في جميع مراحله‪ ،‬ولكن من اقتصر في نظره إليها على مرحلة الدًللة أطلق‬

‫‪ 1‬فيليب بالنشيه‪ ،‬التداولية من أوستن إلى غوفمان‪.185 ،‬‬

‫‪9‬‬
‫ََ ْ َ ََ‬
‫صل َها عن الدًللة أطلق عليها‪:‬‬ ‫عليها‪ :‬التداولية املدجمة‪ ،‬وهي "جزء من اللسانيات‪ ،‬ومن ف‬

‫التداولية الجذرية"‪.1‬‬

‫فمجال علم التراكيب ومجال الدًللة دراسة اللغة‪ ،‬أما مجال التداولية فدراسة‬

‫الكلم‪ ،‬والكلم يحمل املعنى التداولي‪ ،‬فل يمكن أن يفصل الكلم عند دراسته عن سياقه‪،‬‬

‫الذي يؤثر فيه‪ ،‬ولذلك ًل بد أن تعتمد على اإلطار اًلجتماعي والثقافي للمتخاطبين‪،‬‬

‫واإلطار الزماني ‪ /‬املكاني لها‪ ،‬لذلك أوجدت اللسانيات اًلجتماعية دراسات داخلية للغة‬

‫وخارجية؛ إذ األولى تعنى باللغة‪ ،‬في حين األخرى تعنى بما عدا ذلك‪ ،‬فل يقتصر مجال‬

‫التداولية على العلقة التكاملية مع اللسانيات في إنتاج معنى املتكلم‪ ،‬ولكنه يدرس تحليل‬

‫الكلم في استعماله التخاطبي‪ ،‬كما يبحث عما وراء التداولية التي تتجه نحو وعي الناس‬

‫التداولي‪ ،‬فمن ميادين التداولية ‪" :‬التربية (حيث اللغة في الوقت ذاته وسيلة وموضوع)‬

‫وفي علقات املساعدة (الطبيب واملريض في علم النفس العلجي) الخطابات اإلعلمية‬

‫واملناورات (السياسية‪ ،‬واإلشهار‪ ،‬وسائل اإلعلم) والخطابات العلمية"‪ ،2‬فأدوات التحليل‬

‫التداولي واحدة‪ ،‬ولكن يتنوع مجال تطبيقها‪.‬‬

‫‪ .2 .1‬املبحث الثاني‪ :‬مفهوم الشعراملعاصر‬

‫ُ‬
‫وامل ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫و ُي ّ‬
‫جدد‬ ‫واملعبر عنه‪،‬‬ ‫عرف الشعر املعاصر أنه الشعر املكتوب في عصره‬
‫َ‬
‫وفهم الشعراء ملفهوم العصرية‪ّ ،‬‬
‫وتفهمهم لروح العصر‬ ‫في قضاياه وظواهره الفنية‪ ،‬بما يتفق‬

‫فيه‪ ،‬وهذه املقالة ستتناول قضايا الشعر املعاصر العربي‪ ،‬الذي ظهرت عصريته من خلل‬

‫جاك موشلر وآن ريبول‪ ،‬القاموس الموسوعي للتداولية‪ ،‬ترجمة‪ /‬مجموعة من األساتذة والباحثين‪ ،‬دار سيناترا‪ ،‬تونس‪،2010 ،‬‬
‫‪1‬ذ‪.37-36‬‬
‫‪ 2‬فيليب بالنشيه‪ ،‬التداولية من أوستن إلى غوفمان‪.186 ،‬‬

‫‪10‬‬
‫ً‬
‫فلسفته الجمالية املتأثرة بحساسية العصر‪ ،‬والناتجة من صميم النص الفني شكل‬
‫ً‬
‫ومضمونا‪ ،‬وليس من مبادئ خارجية مفروضة‪ ،‬ومن ارتباط الشاعر بقضايا عصره وتفاعله‬
‫معها‪ ،‬ومحاولة استكناه الحياة فيها بكل ما يملكه من ثقافة وخبرات ّ‬
‫فنية‪ ،‬ويكون قاد ًرا‬

‫على أن يشارك من خللها خبراته الشعورية مشاركة جماعية‪.1‬‬

‫ّ‬
‫العربي‪ ،‬وكانت مدرسة العقاد‬ ‫و َشه َد القرن العشرون محاوًلت ّ‬
‫عدة لتجديد الشعر‬ ‫ِّ‬
‫ومن فيها من عبد الرحمن شكري‪ ،‬وإبراهيم املازني قد بدأت هذا التجديد الفعلي‪ ،‬وأدخلت‬

‫عليه تعديل جوهريا على املضمون‪ :‬عندما قدمت للقارئ تجربة شعورية تبرز معاناة اإلنسان‬
‫ً‬
‫في الحياة‪ ،‬وكيف واجهها بذكاء‪ ،‬وحذت حذوها مدرسة الشعراء املهجريين إضافة إلى مدرسة‬
‫ً‬
‫مذهبا‪ ،‬فاستمرت عملية‬ ‫أبولو‪ ،‬ولكن لم تكن تجديداتهم جوهرية بما يمكن القول عنه‬

‫التجديد إلى أن صار التجديد الدرامي والتشكيلي للقصيدة قضية من قضايا الشعر‬

‫املعاصر‪ ،‬وفيما يأتي عرض موجز لقضيتين من قضايا الشعر املعاصر املتعلقة بالظواهر‬

‫الفنية‪ ،‬ولم تكن املوضوعات بوصفها موضوعات هي املعاصرة في قضايا الشعر املعاصر‪،‬‬
‫وإنما الرؤية ومنهجية التناول التي ّ‬
‫عبر بها الشعراء عن أفكارهم‪ ،‬ورؤاهم‪ ،‬وتجاربهم‪ ،‬كانت هي‬

‫العصرية‪.‬‬

‫أ‪ .‬مداراألساليب الشعرية املعاصرة‪:‬‬

‫أخذت بحوث الشعرية العربية املحدثة تمتد باتساق‪ ،‬في شعبتين متوازيتين‪ ،‬بل‬

‫ومتداخلتين في بعض األحيان‪ ،‬بين مجموعة من التأملت واألنساق النظرية املتماسكة عن‬

‫‪ 1‬عز الدين اسماعيل‪ ،‬الشعر العربي المعاصر‪ :‬قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ :‬دار الثقافة‪.14-13،‬‬

‫‪11‬‬
‫مفاهيم الشعر وجوهره وتقنياته الشعرية من جانب‪ ،‬وعدد متزايد من التحليلت األلسنية‬

‫لبعض النماذج اإلبداعية الفائقة من جانب آخر‪ .‬حتى أضحى النقد العربي املعتد به وقد نبذ‬
‫ً‬
‫في جملته طريقة املقاربات املضمونية واأليديولوجية املباشرة‪ ،‬محاوًل بجدية ارتياد آفاق‬

‫علمية جديدة في معاينة النصوص والتعرف على ظواهرها النوعية املناسبة‪ .‬وتقدمت بعض‬

‫الدراسات األسلوبية التطبيقية باقتراح عدد من آليات التحليل النص ي‪ ،‬تعتد التي بنسبة‬

‫عالية من ضبط اإلجراءات وتحقيق النتائج إثر تراكم املعرفة بأهم الظواهر الشعرية في‬

‫األدب العربي ومقاييس اختبارها‪.1‬‬

‫ّإن أهمية طرح املشروع لتكوين تصور كلي عن أساليب الشعر العربي املعاصر‪ ،‬تنبع من‬

‫ضرورة ربط املعرفة التجريبية املستمدة من النصوص ذاتها بإطار نظري نوعي يستقطب‬
‫ً‬
‫تأسيسا على ّأن " علم األدب" بمفهومه املحدث كما يبسطه دعاته ليس علما‬
‫ً‬ ‫ويرشد خطواتها‬
‫ًّ‬
‫تحليليا على نمط الرياضيات البحتة‪ ،‬وًل ينبغي أن يقع في هذه الدائرة؛ ألنه علم يحمل في‬
‫ً‬
‫طياته وصفا لألشخاص واألفعال واألشياء وأحوالهم "في إطار املجتمع"‪ ،‬ويعتمد على وقائع‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫وعل ٌم من هذا النوع ًل يثير اًلهتمام‬
‫لغوية ذات خصائص اجتماعية وجمالية معا‪ِّ .‬‬
‫املوضوعي‪ ،‬ما لم تتوافر له الشروط املعرفية والتداولية اآلتية‪:‬‬

‫ً‬
‫ّأوًل‪ :‬أن تكون مشكلته وحلوله مصوغة بلغة مشتركة ومفهومة‪ ،‬بحيث تعزى لكل دال‬

‫فيها ‪-‬بقدر اإلمكان‪-‬دًللة محددة ومشروحة‪ .‬وهذه فرضية اللغة املتخصصة اًلصطلحية‪،‬‬

‫البعيدة عن التهويم األدبي‪.‬‬

‫‪ 1‬فضل‪ ،‬صالح‪ ،‬نقد الشعر أساليب الشعرية المعاصر‪ ،‬دار الكتاب المصري‪ ،‬المجلد الثاني‪2010،‬م‪.43 ،‬‬

‫‪12‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬أن تكون قضاياه ونتائجه قابلة للختبار املوضوعي‪ ،‬أي‪ :‬أن يحكي أن تتشكل‬

‫على أساس تجريبي نقدي‪ ،‬بعون مجموعة من املبادئ املعتمدة على نموذج املنطق الشكلي‪،‬‬

‫وهذه فرضية قابلية اًلختبار‪.‬‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬أن تشير في مجال البحث إلى مشكلت يتم طرحها والسعي إلى حلها على اعتبار أنها‬

‫من "الحاجات العامة" بين علماء األدب ودراسيه‪ ،‬وهذه فرضية املناسبة واألهمية‪.‬‬

‫ر ً‬
‫ابعا‪ :‬أن تكون قابلة للتعليم والتعلم في بعض املؤسسات اًلجتماعية واألكاديمية‬

‫املتخصصة‪ ،‬دون حاجة إلى قدرات فنية خاصة‪ ،‬وهذه فرضية قابلية اًلنتقال‪.1‬‬

‫ب‪ .‬الدرجات الشعرية املعاصرة‬

‫ً‬
‫ميسرا‬ ‫ًّ‬
‫مفاهيميا‬ ‫استجابة للدواعي التي أشرنا إليها‪ ،‬يتعين علينا أن نحدد جها ًزا‬

‫يصطلح لتنظيم املق وًلت التوليدية لألساليب الشعرية املختلفة‪ ،‬ويتسم بجملة من الخواص‬

‫من أهمها‪ :‬املرونة‪ ،‬واًلستيعاب‪ ،‬وقابلية التطبيق‪ ،‬والتدرج من الجزء إلى الكل‪ ،‬ومن السطح‬

‫إلى العمق‪ ،‬وسهولة اًلرتباط باملستويات اللغوية‪ ،‬والتداخل البنيوي في تكوين شبكة الدًللة‪.‬‬
‫ويتمثل في خمس درجات متراكبة‪2‬‬

‫أ‪ .‬درجة اإليقاع‪.‬‬

‫ب‪ .‬درجة النحوية‪.‬‬

‫ت‪ .‬درجة الكثافة‪.‬‬

‫ث‪ .‬درجة التشتت‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫‪Schmidt, Siegfried J. Fundamentanos de la Cienciaempiricia de la Madrid Literatura. Pag.34 .1‬‬
‫‪ 2‬فضل‪ ،‬صالح‪ ،‬شعر هذه األيام‪ ،‬دار الغراب للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪2016 ،‬م‪.17 ،‬‬

‫‪13‬‬
‫ج‪ .‬درجة التجريد‪.‬‬

‫ويمثل مجموعة من األبنية التعبيرية التي توظف بمستويات متعددة في األساليب‬

‫الشعرية بطريقة يمكن أن تخضع للقياس والتحليل؛ إذ تتراوح هذه الدرجات بين األحادية‬

‫والتعدد‪ ،‬في املستويات‪ :‬الصوتية‪ ،‬والنحوية‪ ،‬والدًللية التخييلية‪ ،‬بحيث ُي َع ُّد املستوى‬

‫األخير‪ ،‬وهو محصلة تراكب ما يسبقه التأسيس النوعي للمعالم املائزة بين مجموعات‬

‫األساليب الرئيسية كما سيتضح فيما بعد‪.‬‬

‫ومع أن معظم أدبيات الشعرية األلسنية‪ ،‬والسيميولوجية املحدثة النصية‪ ،‬تدور‬


‫في جملتها حول هذه املحاور‪ ،‬األمر الذي يجعل استيفاء تعريفها ً‬
‫ضربا من السذاجة البادهة‪،‬‬

‫فإنه ًل بد من تحديد هذه املفاهيم اًلصطلحية بشكل موجز؛ للكشف عن خاصية التراكب‬

‫فيها على وجه الخصوص‪ ،‬واإلشارة إلى أهم املظاهر املتعلقة بها في تلك األدبيات‪.‬‬

‫ًّ‬
‫تجريبيا تقترح توزيع‬ ‫ً‬
‫تمهيدا ًلختبارها‬ ‫والفرضية النظرية التي يطرحها هذا البحث‬
‫ً‬
‫األساليب التعبيرية في الشعر العربي املعاصر وجدولتها طبقا لدرجات القيم الشعرية املشار‬

‫إليها في أربعة تنويعات أسلوبية نختار لها األسماء اًلصطلحية اآلتية‪:‬‬

‫ًّ‬
‫نسبيا أعلى درجة في اإليقاع املتصل باإلطار‬ ‫أ‪ .‬األسلوب الحس ي ‪ :‬وتتحقق فيه‬

‫والتكوين‪ ،‬كما يتميز بدرجة نحوية عالية يقابلها انخفاض ملموس في درجتي الكثافة‬
‫ً‬
‫مبدئيا بالجزء األكبر من إنتاج "نزار قباني"‬ ‫النوعية والتشتت‪ .‬ويمكن أن نمثل له‬
‫الذي يتمتع ً‬
‫تبعا لذلك بمعدل مقروئية عالية‪ ،‬ويرث هذه امللمح عن بعض شعراء‬

‫‪14‬‬
‫الجيل السابق عليه خاصة "إلياس أبو شبكة"‪ .‬ويمض ي معه في اًلتجاه ذاته‬
‫‪-‬بتنويعات ‪-‬يسيرة ٌ‬
‫عدد آخر من الشعراء املعاصرين‪.‬‬

‫ب‪ .‬األسلوب الحيوي‪ :‬وهو يرتكز على حرارة التجربة املباشرة املعاشة‪ .‬لكنه يوسع‬
‫ُ‬
‫املسافة بين الدال واملدلول نسبيا لتشمل بقية القيم الحيوية‪ .‬ومع أنه ينمي درجات‬

‫اإليقاع الداخلي بطريقة أوضح فهو يعمد إلى الكسر اليسير لدرجة النحوية ويطمح‬

‫إلى بلوغ مستوى جيد من الكثافة والتنويع دون أن يقع في التشتت‪.‬‬

‫ويستخدم أقنعة تراثية وأسطورية تحتفظ بكل طاقتها التعبيرية‪ .‬وقد يميل‬

‫إلى اًلصطباغ بمسحة ملحمية بارزة‪ .‬ويمثل هذا األسلوب الذي يتمتع بمقروئية‬
‫عالية متميزة ًّ‬
‫نوعيا شعر بدر شاكر السياب في جملته‪ ،‬وأمل ونقله‪ ،‬وأحمد عبد‬

‫املعطي حجازي وغيرهم من الشعراء املعاصرين على اختلف في درجة الحيوية‬

‫والفروق املائزة‪.‬‬

‫ً‬
‫أساسا تعدد األصوات واملستويات اللغوية‪ ،‬وترتفع‬ ‫ج‪ .‬األسلوب الدرامي‪ :‬ويتجلى فيه‬

‫درجة الكثافة؛ نتيجة لغوية التوتر والحوارية فيه‪ .‬ومع احترامه ملغامرة التجربة الكشفية‬

‫إلى جانب التجارب الحيوية املثيرة‪ ،‬فإنه يتميز بنسبة تشتت أوضح دون أ‪ ،‬يخرج عن‬

‫اإلطار التعبيري‪ ،‬ويمثله في تقديري شعر صلح عبد الصبور في جملته‪ ،‬ومحمود درويش‬

‫في بعض مراحله‪ ،‬وعدد آخر من شباب املبدعين العرب‪.‬‬

‫د‪ .‬األسلوب الرؤيوي‪ :‬وتنحو فيه التجربة الحسية إلى التواري خلف طابع األمثولة الكلية‪،‬‬

‫وهذا يؤدي إلى امتداد الرموز في تجليات عديدة ويفتر اإليقاع الخارجي بشكل واضح‪ ،‬وًل‬

‫تنهض فيه أصوات مضادة‪ ،‬بل تأخذ األقنعة في التعدد‪ ،‬ويمض ي باتجاه مزيد من الكثافة‬

‫‪15‬‬
‫والتشتت مع التناقص البين لدرجة النحوية‪ ،‬وتنحو شبكة الصور لنسج غلف يشف‬

‫عن رؤي كلية بارزة‪ ،‬ويمثله شعر عبد الوهاب البياتي في جملته وخليل حاوي‪ ،‬وجزء مهم‬

‫من شعر سعدي يوسف وغيره من الشعراء املعاصرين‪.1‬‬

‫‪ .3 .1‬املبحث الثالث‪ :‬سيرة حياة هاشم الرفاعي‪:‬‬

‫أ‪ .‬ميالد هاشم الرفاعي ونسبه‪:‬‬

‫هو "السيد بن جامع بن مصطفى الرفاعي‪ ،‬ينتهي نسبه إلى اإلمام أبي العباس أحمد‬

‫الرفاعي الكبير املؤسس للطريقة الرفاعية في القرن السادس الهجري بأم عبيدة بالعراق‪ ،‬وفي‬

‫قرية أنشاص الرمل التابعة إلقليم الشرقية بجمهورية مصر العربية‪ ،‬وكان مولد الشاعر في‬

‫منتصف مارس من عام ‪1935‬م‪ ،‬وتوفي في عام ‪1959‬م‪ .‬وقد اشتهر الشاعر باسم جده‪:‬‬
‫هاشم الرفاعي؛ ً‬
‫تيمنا به‪ ،‬وقد كان أحد العلماء الفضلء من أعلم التصوف السني‪ ،‬والذي‬

‫تلقاه عن والده مصطفى‪ ،‬الجد األكبر للعائلة‪ ،‬وكان أحد كبار علماء األزهر الشريف"‪.2‬‬

‫ب‪ .‬أسرته‪:‬‬

‫والد الشاعر هو "الشيخ جامع الرفاعي" الذي ورث ريادة الطريقة الرفاعية إحدى طرق‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شاعرا متصوفا‪ ،‬تلقي العلوم الدينية‪ ،‬وحفظ القرآن الكريم‬ ‫الصوفية عن جده‪ ،‬وكان‬

‫‪1‬‬
‫فضل‪ ،‬صالح‪ ،‬نقد الشعر أساليب الشعرية المعاصر‪ ،‬دار الكتاب المصري‪ ،‬المجلد الثاني‪2010،‬م‪.45-44 ،‬‬
‫‪ 2‬د‪ .‬السالم الباز‪ ،‬محمد عبد‪ ،‬آفاق التداولية في النصوص النثرية‪ ،‬دار النابغة للنشر والتوزيع‪ ،‬طنطا‪ ،‬ط‪2015 ،1‬م‪.53 ،‬‬

‫‪16‬‬
‫على يد والده إًل أنه لم يلتحق بأي معهد علمي‪ ،‬وقد توفي أباه عام ‪1949‬م‪ ،‬وكان الشاعر‬

‫في الرابعة عشر من عمره"‪.1‬‬

‫ً‬
‫واحدا من عشرة أبناء‪ :‬سبعة من الذكور‪ ،‬وثلث من اإلناث‪ ،‬ومن أهم‬ ‫وكان هاشم‬

‫أشقائه الذين أثر فيهم الشاعر شقيقه عبد الرحيم الرفاعي الذي عكف على دراسة األعمال‬

‫الكاملة للشاعر وتحقيقها حتى خرجت طبعتها األولى عام ‪1996‬م‪.‬‬

‫ج‪ .‬تعليمه‬

‫التحق الشاعر بمعهد الزقازيق الديني التابع لألزهر الشريف سنة ‪1947‬م‪ ،‬وحصل‬

‫على الشهادة اًلبتدائية األزهرية عام ‪1951‬م ثم أكمل دراسة الثانوية في هذا املعهد وحصل‬

‫على الشهادة الثانوية عام ‪1956‬م‪ ،‬ثم التحق بدار العلوم‪ ،‬وتوفي قبل أن يتخرج سنة‬

‫‪1959‬م‪2.‬‬

‫ً‬
‫وكان في مراحل دراسته كلها بار ًزا بين زملئه؛ فقد تربي تربية دينية خالصة على يد‬

‫والده‪ ،‬وحفظ القرآن الكريم‪ ،‬وهو صغير وقد بدأت محاوًلته الشعرية وملا يبلغ الثانية عشرة‬

‫من عمره‪ ،‬وكان يقود الطلب في املظاهرات واًلحتفاًلت في أثناء اًلحتلل واألوضاع الفاسدة‬

‫السائدة في مصر‪.‬‬

‫د‪ .‬العوامل التي أثرت في شخصية الشاعر‪:‬‬

‫ومن املؤثرات التي تركت بصمتها في شخصية الشاعر‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ديوان هاشم الرفاعي‪ ،‬األعمال الكاملة‪ :‬عبد الرحيم الرفاعي‪ ،‬مكتبة اإليمان‪ ،‬المنصورة‪.12 ،‬‬
‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪ ،‬األعمال الكاملة‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬محمد حسن بريغش‪ ،‬مكتبة المنار‪ ،‬الزرقاء‪.19 ،‬‬

‫‪17‬‬
‫ً‬
‫ّأوًل‪ :‬األسرة التي نشأ فيها الشاعر؛ فهو سليل أسرة متدينة‪ ،‬عرفت بريادتها لطريقة‬

‫من طرق الصوفية‪ ،‬وقد نشأ في بيت يعنى بالعلم‪ ،‬والتفقه في دين هللا‪ ،‬ويحرص‬

‫على التربية اإلسلمية‪ ،‬إضافة إلى تأثير أخيه مصطفى في شخصيته مما نتج عنه انشغاله‬

‫بالحياة السياسية في مصر‪.‬‬

‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬حضور الشاعر مجالس أبيه‪ ،‬واستماعه لدروس العلم‪ ،‬واألناشيد واًلحتفاًلت‬

‫الدينية‪ ،‬وكذلك استماعه إلى شاعر الربابة في قريته‪ ،‬وكان يستمع للقصائد التي تروي‬

‫قصة أبي زيد الهللي للشاعر فرج السيد‪.1‬‬

‫ً‬
‫ثلثا‪ :‬حفظه لكتاب هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬منذ صغره‪ ،‬وقراءته ملا تركه له والده وأجداده من‬

‫كتب في مكتبه تضم ً‬


‫كثيرا من املؤلفات اإلسلمية إضافة إلى كتب التراث األدبي‪.2‬‬

‫ر ً‬
‫ابعا‪ :‬حفظه لكثير من شعر القدامي‪ ،‬واملعلقات السبع‪ ،‬وشعر املتنبي والبحتري‪،‬‬

‫وإعجابه بشوقي وغيره من الشعراء املحدثين‪ ،‬وقد ترك مجموعة مختارة من شعر املتنبي‪،‬‬

‫مما يدل على شدة حبه وإعجابه به‪.3‬‬

‫ً‬
‫خامسا‪ :‬البيئة الصافية التي نشأ بها‪ ،‬وما فيها من مناظر طبيعية خلبة وصفاء واخضرار‬

‫أثرت في نفسه‪ ،‬وقد أحب تلك الطبيعة وأحب صفاءها وألفتها وطهرها‪ُ ،‬وب ْع ِّد َها عن زيف‬

‫املدينة‪.4‬‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.16 ،‬‬


‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪.17 .‬‬
‫‪ 3‬ديوان هاشم الرفاعي‪ ،‬األعمال الكاملة‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬محمد حسن بريغش‪ ،‬مكتبة المنار‪ ،‬الزرقاء‪.19 ،‬‬
‫‪ 4‬السابق‪.22 ،‬‬

‫‪18‬‬
‫ذ‪ .‬آثارالشاعر‪:‬‬

‫بدأ هاشم الرفاعي قول الشعر وهو في سن مبكرة؛ فلم يكن يبلغ الثالثة عشر‬

‫من عمره حتى نظم أول مقطوعة‪ ،‬وسرعان ما دانت له اللغة وأصبحت طوع أمره؛ فإذا به‬

‫يملئ األسماع بطول البلد وعرضها‪ ،‬وسوق أحاول من خلل السطور اآلتية نحاول رصد‬
‫ً‬
‫التطور الشعري والفكري لدى الشاعر الذي لم يبرع في الشعر الفصيح فقط بل ترك تراثا‬
‫ً‬
‫وعددا من القصص القصيرة‪،‬‬ ‫ً‬
‫كبيرا آخر من األشعار الفكاهية‪ ،‬واألزجال العامية‪ ،‬واألغاني‪،‬‬
‫ً‬
‫وعددا من املحاوًلت املسرحية األخرى التي لم تكتمل‪ ،‬وأعرض‬ ‫ومسرحية (شهيد بني عذرة)‪،‬‬

‫لذلك على النحو اآلتي‪.‬‬

‫‪ -‬شعرالفصحى‪:‬‬

‫ونعرض له على نحو يظهر تطور فكر الشاعر وفعل الزمان والظروف السياسية به‬

‫على النحو اآلتي‪:‬‬

‫في عام ‪1938‬م كتب هاشم ست قصائد‪ ،‬هي‪( :‬فلسطين‪ ،‬وصور ساخرة‪ ،‬وخيانة‪،‬‬

‫وصداقة‪ ،‬ونهج البردة‪ ،‬وأحزان)‪ ،‬فعندما أقرت هيئة األمم مشروع تقسيم فلسطين تحركت‬
‫ّ‬
‫في نفس الشاعر الصيبي النخوة والشهامة العربية فكتب يحث الشباب العربي على التطوع‬

‫والجهاد باكورة شعره "فلسطين" قائل من بحر البسيط‪:‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫وأ سمك ُح سامك واطعن قلب صهيونا‬ ‫ُ‬
‫فأقدم أيها البط ُل‬ ‫الجهاد‬ ‫آن‬

‫َ‬
‫نقبل ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اله ونا‬ ‫يشطر هم ل ن‬ ‫تقسيم ا فق ل ل ُه م والسيف‬ ‫جاؤ وا يريدون‬

‫‪19‬‬
‫ر ً‬
‫ومان ا‪1‬‬ ‫و‬ ‫ترك ا كذا ُف ً‬
‫رس ا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هند ا و‬ ‫َ‬
‫أجمع ها‬ ‫قدم ا ملكنا ز َ‬
‫مام األرض‬ ‫ً‬

‫وقبل نهاية العام ‪ 1949‬م نراه قد نظم مجموعة من القصائد واملقطوعات أسماها‪:‬‬

‫(البراعم)‪ ،‬ومما يدل على تدفق شاعريته في هذه السن املبكرة أنه نظم في هذا العام خمس‬

‫عشرة قصيدة‪ ،‬وهي على الترتيب‪( :‬آًلم عاشق‪ ،‬ومنحة اليمن‪ ،‬وصديقي‪ ،‬وميلد الرسول –‬
‫ّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وعودة األبطال‪ ،‬وملل وضجر‪ ،‬وهجاء‪ ،‬وعقيدة‪ ،‬والشهيد أحمد عبد‬

‫العزيز‪.2)...‬‬

‫وأكثر هذه املقطوعات ضمتها مجموعة‪" :‬نسيم البحر" والتي أعاد تنقيحها‬

‫في مجموعة أخرى أسماها‪" :‬آهات شريدة" زينها برسومه وكتاباته‪ ،‬وضمت تقاربظ أصدقائه‪،‬‬

‫ومن قصيدة "آًلم عاشق" يقول من بحر الطويل‪:‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫سوى لفظه بشرى فذاك ه و السعد‬ ‫تكون ا تعرفان من الهوى‬ ‫فإن لم‬

‫أمس ى وأضحى وما م ن قتله بد‬ ‫فإن الهوى داء إذ ا ملك الفتى‬

‫ْ ُ‬ ‫ً‬
‫الص د ‪3‬‬ ‫ُج ن ن ت بها َح ب ا وأهلكني‬ ‫خليلي رفق ا ال تلوما فإن ن ي‬

‫وقد ألقى معظم هذه القصائد في مناسبات باملعهد‪ ،‬أوفي ذكرى املولد النبوي‬

‫في حضور نائب الدائرة الوفدي الشيخ عبد العظيم عيد؛ حيث كان هاشم ضمن أعضاء‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.339 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.17 ،‬‬
‫‪ 3‬ديوان هاشم الرفاعي‪271 ،‬‬

‫‪20‬‬
‫"رابطة الطلبة" التي أسسها شقيقه األكبر مصطفى الرفاعي‪ ،‬والتي كانت تؤيد حزب الوفد‬

‫أواخر األربعينيات‪.1‬‬

‫وفي عام ‪ 1952‬م ينظم الشاعر مقطوعات شعرية بلغ عددها اثنتين وعشرين‬
‫مقطوعة ما بين مقطوعات تضم على أ بعة أبيات‪ ،‬وقصائد تصل إلى ‪ً 59‬‬
‫بيتا‪ ،‬وقد تنوعت‬ ‫ر‬

‫األغراض التي تناولها بين األشعار الوطنية‪ ،‬إلى أشعار املداعبات إلى أشعار الذكريات الدينية‪،‬‬

‫إلى وصف الطبيعة والربيع‪ ،‬ومن ضمن أشعاره الوطنية في هذا العام قصيدة بعنوان‪" :‬جهاد‬

‫ضائع" حيث قبلت وزارة علي ماهر باشا املفاوضات مع اإلنجليز يقول فيها من بحر الكامل‪:‬‬

‫ً‬ ‫ُ‬
‫ال نرتض ي غير الجهاد سبيال‬ ‫َ‬
‫الزور والتضليال‬ ‫الفؤاد‬ ‫َس ئ َم‬

‫فتيال؟‪2‬‬ ‫َ ْ َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬


‫او ض ة اللئام‬ ‫متى أجد ت مف‬ ‫قالوا‪ :‬مفاوضة فقلت لهم‬

‫ومن قصائده في هذا العام‪ :‬صوت الوطنية‪ ،‬والنائب املحترم‪ ،‬ومولد الرفاعي‪ ،‬وبسمة‬

‫الحياة‪ ،‬وخواطر ثائرة‪ ،‬والتي كتبها حينما اعتقلت وزارة الهللي األحرار والفذائيين‪ ،‬ومن بينهم‬

‫شقيقه األكبر مصطفى الرفاعي‪ ،‬وكان ذلك في العشرين من يوليو‪1952‬م‪ ،‬أي قبل الثورة‬

‫بثلثة أيام‪:‬‬

‫يذوق املر أحرار‬ ‫كذلك في ر َب ا الوادي‬

‫عار‪3‬‬ ‫ُ‬
‫فليس ينال ه‬ ‫متى رفض الهوان فتى‬

‫‪ 1‬السابق‪.18 ،‬‬
‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪.139 ،‬‬
‫‪ 3‬السابق‪.159 ،‬‬

‫‪21‬‬
‫ومن أبرز املسارات التي سار فيها الشاعر هو مسار الدعوة اإلسلمية‪ ،‬وًل سيما مدح‬

‫الرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬والتذكير بمفاخر املسلمين األوائل‪ ،‬فنراه في قصيدة‪ " :‬عيد‬

‫الهجرة" (سبتمبر ‪1952‬م) بيدأ بقوله‪:‬‬

‫ً‬
‫يحكي الربيع بشاشة وجماال‬ ‫عيد على الوادي أتى مختاال‬

‫ً‬
‫ضالال ‪1‬‬ ‫و‬ ‫قهروا فسادا في الورى‬ ‫ه و يوم ذكر مل ن بصادق عزمهم‬

‫‪ -‬الشاعروأشعارالزجل والعامية‪:‬‬

‫ً‬
‫فصيحا وإنما شعر عامية‬ ‫شعرا‬ ‫لقد ترك الشاعر تر ًاثا ً‬
‫كبيرا آخر إًل ّأنه هذه املرة ليس ً‬

‫وأزجال وبعض األشعار الفكاهية‪" ،‬فعلى الرغم من أنه كان شديد اًلعتزاز بكونه أحد شعراء‬
‫ُ‬
‫الفصحى‪ ،‬ومن املعارضين وبشدة اًلتجاه إلى العامية‪ ،‬فإنه قد نشر له الكثير من األزجال‬

‫والشعر الفكاهي بجريدة‪( :‬البعكوكة) التي كانت تصدر في بداية الخمسينيات‪ ،‬تعكس هذه‬

‫األشعار روح الشاعر املرحة"‪.2‬‬

‫ففي زجل بعنوان‪" :‬يكفي بقي هدم في مبانيه" نظمه في (‪ 16‬من يناير ‪:)1950‬‬

‫أفديه بالروح‬ ‫وطني العزيز غالي عليه‬

‫عيان مطروح‬ ‫أنا بت على حالي دهية‬

‫‪ 1‬السابق‪.189 ،‬‬
‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪.88 ،‬‬

‫‪22‬‬
‫من كتر النوح‬ ‫وبكيت عليه مل ّ ا ّ‬
‫عني ه‬

‫مجروح‪1‬‬ ‫ودبلت وشاف قلبي قسية وصبح‬

‫ويستعين الشاعر ببعض أشعار العامية في مناهضة األخلق السيئة واملواقف‬

‫الخارجة على القيم اإلسلمية‪ :‬من سفور‪ ،‬وشرب خمور‪ ،‬وصور خليعة ماجنة‪ ،‬ومن ذلك‬

‫قوله‪:‬‬

‫منها راح انجن‬ ‫شفت الفضايح في السيما‬

‫للفن‪2‬‬ ‫ً‬
‫أبد ا‬ ‫ما بقاش كرامة وال قيمة‬

‫ً‬
‫مادحا في الرعايا اًلنتخابية؛ حيث كان‬ ‫ويقول عن شقيقه األكبر مصطفى الرفاعي‬
‫ً‬
‫مرشحا ملجلس األمة في ‪1957‬م عند دائرة أنشاص‪:‬‬

‫وعا رفنا بنحس بإيه‬ ‫عالم‪ :‬مش باشا وال بيه‬

‫وملا نعوزه في يوم نلقاه‬ ‫خش بيوتنا وخد قهوتنا‬

‫هللا‪3‬‬ ‫سيبوا الدايرة ألهل‬

‫وهناك بعض القصائد واملخطوطات التي فقدت ولم يعثر على أثر لها‪ ،‬وعلى هذا‬
‫ً‬
‫وسبعا وثمانين قصيدة‪ ،‬إضافة إلى املسرحية الشعرية‪ ،‬كما ترك‬ ‫يكون الشاعر قد نظم مائة‬

‫الشاعر بعض املسودات النثرية والشعرية نذكر منها ما يأتي‪:‬‬

‫‪ 1‬السابق‪.456 ،‬‬
‫‪ 2‬السابق‪.456 ،‬‬
‫‪ 3‬السابق‪.357 ،‬‬

‫‪23‬‬
‫ً‬
‫تصورا لها في خمسة فصول‪ ،‬وذلك‬ ‫‪ -‬مسودة نثرية بعنوان‪" :‬الزباء" ملكة تدمر‪ ،‬كتب‬

‫في ‪ 2‬من ديسمبر ‪1956‬م‪.‬‬


‫ً‬
‫تمهيدا‬ ‫‪ -‬مسرحية شعرية بعنوان‪" :‬دماء في اإلسلم" ‪ ،‬كتب أهم أفكارها وأحداثها ً‬
‫نثرا؛‬
‫لصياغتها ً‬
‫شعرا‪.‬‬

‫‪ -‬مسرحية شعرية رمزية عن بلدته أنشاص‪ ،‬يدور الحوار فيها حول أنشاص التاريخ‪.‬‬

‫‪ -‬مسرحية تدور حول حقوق املرأة في الريف بالعامية املصرية‪.‬‬

‫‪ -‬قصص قصيرة واقعية في عامي ‪ 1949-1948‬منها‪ :‬مأساة يتيم‪ ،‬واًلنتقام‪ ،‬واأليام‪،‬‬

‫وأصبح القدر‪.‬‬

‫و‪ .‬وفاة الشاعر‪:‬‬

‫كان هاشم الرفاعي على خلف مع بعض شباب بلدته حول إدارة النادي الثقافي‬

‫الرياض ي الذي أسسه عام ‪ 1950‬م وكان يرأس مجلس إدارته‪ ،‬فإذا بالفريق الثاني يستغل‬
‫َ ُ‬
‫جديدة‪ ،‬ويستولي على ممتلكات النادي؛ حيث‬
‫ٍ‬ ‫فرصة انشغال الشاعر ُويك ّ ِّون مجلس إدار ٍة‬

‫جاء في التحقيق‪ " :‬تجمعنا في مساء األربعاء األول من يوليه ‪ 1959‬م بملعب املدرسة‪ ،‬وجلس‬

‫كل فريق في ناحية وحاول ثالث التوفيق وتهدأة النفوس‪ ،‬ولكن القدر كان أسبق‪ ،‬حيث‬

‫تواجه الفريقان‪ ،‬وحدثت مشادة كلمية‪ ،‬ثم امتدت أيادي الفريقين في اشتباك باأليدي‪ ،‬وما‬
‫ً‬
‫هي إًل لحظات حتى رأيت الشاعر يخطو بعيدا عن املكان‪ ،‬وقد تطلخ ثوبه بالدماء من الجهة‬

‫‪24‬‬
‫اليسرى بظهره‪ ،‬وطلبت منه أن ينام على ظهره‪ ،‬وسألته عن الفاعل الذي طعنه فذكر لي‬

‫اسمه‪ ،‬وتم نقله إلى مستشفى بلبيس املركزي؛ حيث فارق الحياة وسط ذهول أهل القرية"‪.1‬‬

‫ونزل خبر وفاة الشاعر كالصاعقة على عشاقه ومحبيه ومتابعيه حيث ذكرت‬

‫صحيفة الجمهورية أن شقيق الشاعر قد أبلغ سعيد العريان‪ ،‬الوكيل املساعد لوزارة التربية‬
‫ً‬
‫قائل‪ :‬أنت كاذب‪ّ ،‬‬ ‫ًّ‬
‫ثم بكى‬ ‫هاتفيا بخبر مصرع الشاعر فلم يصدق‪ ،‬وصرخ في شقيقه‬ ‫والتعليم‬
‫ً‬
‫وألقى بسماعة الهاتف من يده"‪2‬؛ حيث كان الشاعر قريبا من دولة يوليو إلى درجة كبيرة‬

‫في الفترة من ‪ 1957‬م حتى وفاته‪ ،‬وخاصة وزير التعليم في ذلك الوقت كمال الدين حسين‪.‬‬

‫ز‪ .‬قالوا عن الشاعر‬

‫من الواضح بعد هذا العرض أنه ًل يمكن اختزال هاشم في كونه أحد شعراء الثورة‬

‫فقط‪ ،‬أو على النقيض من ذلك على أنه أحد الشعراء اإلسلميين ونغض الطرف عن مدحه‬

‫للثورة وقادتها‪.‬‬

‫وفي شهر أغسطس من عام ‪ 1959‬م في ذكري األربعين أقيم حفل تأبين عظيم للشاعر باملكان‬

‫الذي سقط فيه بفناء املدرسة اإلعدادية‪ ،‬التي سميت باسمه في بلدته‪ ،‬حضره عدد كبير‬

‫من األدباء والشعراء واملفكرين‪ ،‬والذين أشادوا بأدبه وفكره‪ ،‬وفي ‪ 27‬من أكتوبر من العام‬

‫نفسه أقام املجلس األعلى للفنون واآلداب والعلوم اًلجتماعية حفل تأبين آخر بقاعة‬

‫اًلحتفاًلت الكبرى بجامعة القاهرة تحت رعاية كمال الدين حسين وقدم الحفل يوسف‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪91 ،‬‬


‫‪ 2‬جريدة الجمهورية‪ ،‬ع ‪1959 /7 /3‬م‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫السباعي قائل‪" :‬سمعته ينشد شعره مرة واحدة‪ ،‬فأخذت به‪ ،‬وأحسست أن هللا منحنا موهبة‬

‫فذة‪ ،‬ولم أشك في أن صوته سيرتفع بيننا في كل حفل"‪.1‬‬

‫وقال كمال الدين حسين‪" :‬إن صورة هاشم الرفاعي باقية هنا‪ ،‬في نفوس الشباب‬

‫الذي يعدونه مثل وقدوة معجزة‪ ،‬وقصة باقية هنا بين أبناء هذه الجامعة"‪.‬‬

‫ً‬
‫ورثاه الشاعر السوري شفيق جبري قائل‪:‬‬

‫مألت نو افحها الرحاب‬ ‫يا زهرة لو أمهلت‬

‫على الحمي منك الغياب‪2‬‬ ‫لهفي عليك فهل يطول‬

‫وقال علي الجندي‪ ،‬عميد كلية دار العلوم آنذاك‪ ،‬وقد تحشرجت الكلمات في حلقه‪،‬‬

‫وأغرورقت عيناه بالدموع‪:‬‬

‫لف ُه الغدرفي ظالم القبور‬ ‫لهف نفس ي على الصبا املنضور‬

‫صو ْحت زهره عوادي الشرور‪3‬‬


‫َ‬ ‫لهف نفس ي على القريض املصفى‬

‫وقد قال عنه الدكتور أحمد هيكل‪ ،‬أستاذ األدب وزير الثقافة األسبق‪:‬‬

‫َ‬
‫فلقد كان محنة وعذابا‬ ‫ً‬
‫مصابا‬ ‫فقده َج ّل أن يكون‬

‫رجاء وبهجة وشبابا‪4‬‬ ‫فلقد كان فرحة تفعم (الدار)‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪95 ،‬‬


‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪.96 ،‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪.‬‬
‫‪ 4‬نفسه‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ً‬
‫مصباحا‬ ‫وقال عنه شقيقه األكبر مصطفى الرفاعي‪" :‬كذلك كان هاشم يا أحباب‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وحلما جميل طاف بنا ثم ردنا في عنف‬ ‫أشرق ثم اختنق‪ ،‬زهرة ألقت ثم ذبلت وصحوت‪،‬‬
‫ً‬
‫إلى الواقع وأمل تألأل ثم بان أنه ومض سراب بقيعة"‪.1‬‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.97 ،‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصل األول‬

‫االفتراض املسبق )‪(Presupposition‬‬

‫‪ .1 .1‬املبحث األول‪ :‬مفهوم االفتراض املسبق )‪(Presupposition‬‬

‫اًلفتراض املسبق هو أحد ركائز التداولية اللغوية‪ ،‬و ُي َع ُّد مصد ًرا تواصليا آخر‪ ،‬یعنى‬
‫عملیة ّ‬
‫التخاطب ومدى فهم املتكلمين بعضهم البعض‪ ،‬على الرغم من الغموض‬ ‫بتفسير ّ‬
‫ّ‬
‫املتكلم‪ ،‬كما ّ‬ ‫ظاهرا على الجملة والعبا ات ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫یحدد'' جورج يول ''‬ ‫التي ینطق بها‬ ‫ر‬ ‫الذي قد یبدوا‬
‫ّ‬ ‫مفهوم اًلفتراض على ّأنه‪" :‬علقة بين افتراضين" ‪1‬؛ ّ‬
‫ألن املتكلم في خطابه بأخذ بعين اًلعتبار‬
‫ّ‬
‫للمتلقي‪ ،‬ومن هنا " فاًلفتراض املسبق له بالغ األهمية في عملية‬ ‫ّ‬
‫املعرفیة املشتركة‬ ‫ّ‬
‫الخلفیة‬
‫یتم افتراض وجود أساس السابق لدى ّ‬
‫املتلقي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫التواصل‪ٕ ،‬وانجاز األفعال اللغوية‪ ،‬بحیث ّ‬

‫یعتمد علیه املرسل في بناء خطابه‪ ،‬وینطلق منه ّ‬


‫املتلقي للوصول إلى غایة املرسل" ‪ ،2‬فمثل‬
‫النافذة''‪ ،‬یفترض ّأن النافذة مفتوحة‪ّ ،‬‬
‫وأن هناك سببا یدعو إلى غلق‬ ‫في املثال اآلتي'' ‪:‬أغلق ّ‬

‫السیا ات )‪...‬وا ّن ّ‬ ‫ّ‬


‫املتلقي قادر على إنجاز الفعل الذي طلب منه‪ ،‬وهذا‬ ‫ٕ‬ ‫النافذة( البرد‪ ،‬ضجیج ّ ر‬
‫ًل ّ‬
‫یتحقق إًل في سیاق الخطاب والعلقة بين املتكلمين‪.‬‬

‫‪ 1‬جورج يول‪ ،‬التداولية‪.52 ،‬‬


‫‪ 2‬أحمد فهد صالح شاهين‪ ،‬النظرية التداولية وأثرها في الدراسات النحوية المعاصرة‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬األردن‪.20 ،‬‬

‫‪28‬‬
‫تميز ّ‬
‫الدراسات الحدیثة بين نوعين من اًلفتراض؛ وهما‪:‬‬ ‫و ّ‬

‫أ‪ .‬االفتراض املسبق ّ‬


‫الداللي أو املنطقي‪ ،‬وهو مشروط ّ‬
‫بالصدق بين قضیتين‪ ،‬فإذا كانت‬
‫ن ّ‬
‫الث ّ‬ ‫ّ‬
‫انیة صادقة‪ ،‬فإذا كان قولنا‪( :‬رأیت حصانا)‬ ‫القضیة األولى صادقة وجب أن تكو‬

‫صادقا‪ً ،‬لزم أن یكون قولنا (رأیت حیوانا) صادقا أیضا‪.‬‬


‫ّ‬
‫بقضیة‬ ‫الت ّ‬
‫داولیة غير مشروطة‬ ‫ب‪ .‬االفتراض املسبق التداولي‪ ،‬وهو ّأن اًلفتراضات ّ‬

‫ّ‬
‫الصدق والكذب ‪...‬فإذا قلت مثل ‪:‬محفظتي جدیدة‪ّ ،‬‬
‫ثم قلت ‪:‬محفظة لیست جدیدة‪،‬‬

‫الصادق وهو ّأن هناك‬ ‫فعلى الرغم من ّ‬


‫التناقض الحاصل بين قولين ّ‬
‫فإن اًلفتراض ّ‬

‫محفظة ًل تزال قائمة‪.‬‬


‫ّ‬
‫املستمدة من املعرفة‬ ‫وعلیه‪ّ :‬‬
‫فإن ّ‬
‫ألي خطاب رصیدا من اًلفتراضات املسبقة‪،‬‬
‫عملیة ّ‬
‫التواصل‪ ،‬فنجاحها‬ ‫مهم في ّ‬
‫العامة وسیاق الحال‪ ،‬واًلفتراض املسبق له أثر ّ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خلفیة مشتركة من اًلفتراضات املسبقة‪ٕ ،‬واخفاقها یؤدي إلى سوء‬ ‫یتعلق بوجود‬
‫ّ‬
‫التفاهم‪.‬‬

‫وعند كل عملیة من عملیات التبلیغ‪ ،‬ینطلق األطراف (املتخاطبون) من معطیات‬

‫أساسیة معترف بها ومعروفة‪ .‬وهذه اًلفتراضات املسبقة ًل یصرح بها املتكلمون‪ ،‬وهي تشكل‬

‫خلفیة التبلیغ الضروریة لنجاح العملیة (التبلیغیة)‪ ،‬وهي محتواة في القول سواء تلفظ‬
‫بهذا القول إثباتا أو ً‬
‫نفیا‪ ،‬وهكذا لو قمنا باختبار قول ما‪:‬‬

‫املثال ‪:‬لنتصور الحالة الثانیة ‪:‬یقول الطرف ‪ 1‬إلى الطرف‪: 2‬‬

‫‪ -‬كیف حال زوجتك وأوًلدك؟‬

‫إن هذا یفترض بأن العلقات القائمة بين هذین الشخصين تسمح بطرح مثل هذه األسئلة‬
‫ً‬
‫یرد الطرف الثاني قائل‪:‬‬

‫‪29‬‬
‫‪-‬هو بخير ً‬
‫شكرا‪.‬‬

‫‪-‬األطفال في عطلة‪.‬‬

‫وٕاذا كانت الخلفیة اإلخباریة غير مشتركة بين املتكلمين‪ ،‬فإن الطرف ‪ 2‬قد یتجاهل السؤال‬

‫أویدلي بالخبر الضروري أورفض الكل‪:‬‬

‫‪-‬أنا ًل أعرفكم (‪.)1‬‬

‫‪-‬أنا لست متزوجا (‪.)2‬‬

‫‪-‬لقد طلقت زوجتي (‪.)3‬‬

‫إننا في الواقع نميز بين نوعين من اًلفتراضات املسبقة‪ :‬اًلفتراضات املسبقة اآللیة واملنطقیة‬

‫واًلفتراضات املسبقة األولیة‪.‬‬

‫(رد الفعل ‪( )2‬رد فعل ‪ 1‬و‪)3‬‬

‫"اًلفتراضات املسبقة "كما یرى التداولیون ذات أهمیة قصوى في عملیة التواصل واإلبلغ‬

‫حیث تم اًلعتراف بدورها منذ زمن طویل‪ ،‬وًل یمكن تعلیم الطفل معلومة إًل بافتراض‬

‫مسبق یتم اًلنطلق منه والبناء علیه ‪.‬فمظاهر التواصل السيئ سببها األصلي املشترك هو‬

‫ضعف اًلفتراضات املسبقة‪.‬‬


‫ّ‬
‫لساني ينطلق الشركاء من معطيات وافتراضات معترف بها ومتفق عليها‬ ‫وفي كل تواصل‬
‫ٍ‬
‫بينهم‪ ،‬تشكل هذه اًلفتراضات الخلفية التواصلية الضرورية لتحقيق النجاح في عملية‬

‫التواصل‪ ،‬وهي محتواة ضمن السياقات والبنى التركيبية العامة"‪.1‬‬

‫ّإن املعطيات واًلفتراضات تؤثر في عملية التواصل اللغوي من خلل جانبين اثنين‪ ،‬يمكن‬

‫تلمس هذا التأثير الحاصل من الظروف املحيطة بالخطاب من خللهما على النحواآلتي‪:‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عن العلماء العرب‪.31-30 ،‬‬

‫‪30‬‬
‫أ‪ .‬البنية التركيبية للخطاب‪ ،‬تدل على العوامل املؤثرة في البنية التركيبية‪ ،‬ويمكن‬
‫ًّ‬
‫تداوليا‪.‬‬ ‫ًّ‬
‫تداوليا‪ ،‬و(‪ )2‬الحذف‬ ‫ملحظة ذلك من خلل‪ )1( :‬التقديم‬

‫ب‪ .‬مضمون بالخطاب‪ ،‬يحمل الواقع الذي استعملت فيه اللغة واملوقف الكلمي وأثره‬

‫في مضمون الخطاب‪.‬‬

‫ولقد ظهر لنا جليا بعد هذه التوطئة أنه ًل يمكن بأية حال من األحوال دراسة اللغة‬

‫في اًلستعمال ‪ -‬أي تداوليا‪ -‬بمعزل عن السياق الذي أنتجت فيه وصبغت بلونه‪ ،‬فلقد تأثرت‬

‫به وأثرت فيه ‪ ،‬وعليه سيحاول البحث تتبع أثر هذه السياقات واًلفتراضات املسبقة في بنية‬

‫شعر هاشم الرفاعي ‪ ،‬ودور ذلك كله في نجاح العملية التواصلية بين الشاعر واملخاطبين‪.‬‬

‫إذن يظهر اًلفتراض املسبق م عبرا عن سياق الحال واملناسبة التي قيلت فيها ومن أجلها‬

‫القصيدة والبنية التحتية للغة‪ ،‬من خلل السياق اللغوي والبنى التركيبية للغة موضوع‬

‫الدراسة والبحث‪.‬‬

‫ّإن سياق الحال يشكل الركن الرئيس في صوغ مضمون الخطاب‪ ،‬حيث إن الخطاب يأتي‬

‫حينئذ استجابة ملا تطلبه سياق الحال‪ ،‬أما موضوع تدخل الحال في تشكيلة بنية اللغة‪،‬‬
‫ً‬
‫تقيدا ًّ‬
‫قويا بالنظر إلى الوظائف الدًللية‬ ‫فينطلق (كونو) من مبدأ أن التركيب مقيد‬

‫والتداولية واإلدراكية التي يقوم التي بها اللسان الطبيعي وأن التركيب ًل يمكن أن يفهم الفهم‬

‫امللئم على ضوء هذه الوظائف‪.1‬‬


‫ً‬
‫نسعى انطلقا من هذه الفكرة السابقة إلى فكرة جديدة حظيت باهتمام شديد لدى‬

‫الباحث‪ ،‬وهي محاولة لإلجابة على سؤال راود الباحث مرا ًرا وتكرا ًرا‪ :‬هل يقف تأثير اًلستعمال‬

‫اللغوي على اللغة في مضمونها ودًللتها أم إنه يؤثر في بنيتها التركيبية؟ ًل يمكننا أن نثبت‬

‫‪ 1‬د‪ .‬أحمد المتوكل‪ ،‬اللسانيات الوظيفية مدخل نظري‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪.39 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫صحة رأينا من عدمه ا إًل بعد أن نعرض ملفهوم سياق الحال وأثره في فهم املعنى الصحيح‪،‬‬

‫وكذلك دوره في تشكيل الخلفية التواصلية للمتكلمين‪ ،‬ومن ثم تشكيل اللغة املناسبة‬

‫واملواكبة للحدث القائم‪.‬‬

‫أ‪ .‬سياق الحال )‪(Context of Situation‬‬

‫من األفكار التي حظيت بانتشار في التفكير اللغوي قديمه من لدن أرسطو وحديثه‬

‫وحتى اآلن؛ فكرة سياق الحال‪ ،‬وهي فكرة تجسد خاصية هي أبرز خواص اللغة‪ ،‬وهي‬

‫كونها ظاهرة اجتماعية‪ ،‬فسياق الحال يمثل الشق اًلجتماعي أو املعنى اًلجتماعي لغة‪،‬‬

‫وهو جانب ًل يمكن إغفاله وإًل نكون قد أغفلنا أهم جوانب املعنى‪ ،‬وتجاهنا أهم خواص‬

‫اللغة‪.1‬‬

‫وسياق الحال واحد من القسمين اللذين ًل يذكر أحدهما حتى يستدعي اآلخر‪،‬‬

‫وهذان القسمان هما السياق اللغوي الذي تمثله بنية التراكيب اللغوية بأصواتها‬

‫وكلماتها وجملها وعباراتها‪ ،‬وسياق الحال وهو جملة الظروف املحيطة بالحدث الكلمي‪.2‬‬

‫إذن‪ً :‬ل يمكننا أن نكشف عن املعاني الحقيقة‪ ،‬ومقاصد املتكلمين إًل بالعودة‬

‫إلى السياق الواقع فيه اًلستعمال اللغوي‪ ،‬فالسياق الحالي وإن كان من القرائن‬
‫الخا جية فقد تتوقف عليه اإلفادة كما يقول أستاذنا الدكتور تمام حسان‪َّ :‬‬
‫"إنه من‬ ‫ر‬

‫القرائن الخارجية التي ليست من اللغة‪ ،‬وإن أعانت على اإلفادة أو توقفت اإلفادة عليها‬
‫ً‬
‫أحيانا‪ ،‬وتأتي أهميتها من ارتباطها باملوقف الذي حدث فيه املتكلم‪ ،‬سواء أكان هذا‬
‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫يخيا أم جغر ًّ‬
‫اًلرتباط تار ًّ‬
‫اجتماعيا‪ ..‬إلخ‪ ،‬وقديما رد علي بن أبي طالب ‪-‬كرم هللا‬ ‫افيا أم‬

‫‪ 1‬د‪ .‬فريد حيدر‪ ،‬فصول في علم اللغة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪.119 ،2011 ،‬‬
‫‪ 2‬السابق‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وجهه‪ -‬قول الخوارج‪ً" :‬ل حكم إًل هلل"‪ ،‬بإرجاع العبارة إلى قرائنها الخارجية املتمثلة‬

‫في الصراع العسكري والفكري ورغبة كل من املتصارعين في إحراز النصر على خصمه‬

‫ففصل اإلمام علي بين ما اشتملت عليه هذه العبارة من معنى حرفي مطلق ومعنى مقامي‬

‫مقيد بظروف الصراع‪ ،‬فأما من حيث معناها الحرفي فهي في رأيه ورأي خصومه‪" :‬كلمة‬
‫حق" وأما معناها املقامي فقد‪" :‬أريد بها باطل" ولقد صاغ عبارته هذه في ضوء ما َّ‬
‫عن له‬

‫من قرائن خارجية‪ ،‬وهكذا اختلفت إفادة القول عن "إفادة " القرائن الخارجية‪.‬‬

‫وحقيقة األمر ّأن مراعاة املقام أو الحال في فهم الكلم وتفسير معانيه مبدأ علمي‬

‫مقرر عند العرب على اختلف تخصصاتهم ومسئولياتهم‪ ،‬منذ أزمان قديمة تسبق‬

‫معرفة األوروبيين له بقرون عديدة‪ ،‬ولقد أشار إليه الخليل‪ ،‬وسيبويه وابن هشام‬

‫من النجاة وغيرهم من رجال التفسير والحديث‪ ،‬وعلى القمة من كل هؤًلء رجال البلغة‪.‬‬
‫ً‬
‫تقريبا‬ ‫فلقد كان البلغيون عند اعترافهم بفكرة املقام "متقدمين ألف سنة‬

‫على زمانهم؛ ألن اًلعتراف بفكرتي "املقام" و"املقال" باعتبارها أساسين متميزين من أسس‬

‫تحليل املعنى ُي َع ُّد اآلن في الغرب من الكشوف التي جاءت نتيجة ملغامرات العقل املعاصر‬

‫في دراسة اللغة"‪.1‬‬

‫والرأي عند العارفين أن العبارة املشهورة‪" :‬مطابقة الكلم ملقتض ى الحال" تتضمن‬
‫ّ‬
‫معا؛ إذ َّإن معناها العميق أنه ًل إحراز ملنفعة أو إدراك ملعنى‬
‫بل تفصح عن الجانبين ً‬
‫ً‬
‫ومؤلفا على وجه يطابق الحال‪" ،‬فالنظم والتأليف‬ ‫ً‬
‫منظوما‬ ‫الكلم‪ ،‬ما لم يكن هذا الكلم‬

‫على طريقة مخصوصة رعاية للسياق اللغوي‪ ،‬وملءمته "للحال" رعاية للسياق غير‬

‫‪ 1‬د‪ .‬كمال بشر‪ ،‬التفكير اللغوي بين القديم والجديد‪.373 ،‬‬

‫‪33‬‬
‫اللغوي‪ ،‬و"املقتض ى" هو الرابط والجامع بينهما وحدة متكاملة أو بناء ذا كيان‬

‫مخصوص"‪.1‬‬

‫ب‪ .‬املتكلم واالفتراضات املسبقة‪:‬‬


‫ُت َع ُّد اًلفتراضات املسبقة آلية من آليات املنهج التداولي التي توظف ً‬
‫غالبا في فهم‬
‫ّ‬
‫النص‪ ،‬وتشكل العناية به ً‬
‫جزءا مه ًّما على أساس افتراضات مسبقة تكونت لديه‪ ،‬وبناء‬
‫عليها يوجه خطابه‪ ،‬وفي املقابل ّ‬
‫فإن املتلقي في أثناء تلقيه الخطاب يفترض ما يقصد إليه‬
‫ً‬
‫الخطاب وما يتضمنه من معلومات‪ ،‬وتأسيسا عليه يضع استنتاجاته ليتفاعل بذلك مع‬

‫الخطاب‪ ،‬ويضع اإلجابة والرد املناسب له‪ ،‬فاإلشاريات الضمنية التي يحملها الخطاب لها‬

‫إثر كبير في سيرورة العملية التواصلية " وكلما اتسمت هذه اًلفتراضات باملنطقة‬

‫والصوابية النابضة والنابعة من املحيط اًلجتماعي ومواقفه ازدادت رقعة إيجابية‬

‫التواصل؛ ليتحقق بذلك مبدأ التعاون ومبدأ التأديب"‪.2‬‬

‫ّإن املتخاطبين ينطلقون عند كل عملية من عمليات التبليغ " من معطيات‬

‫وافتراضات معترف بها ومتفق عليها بينهم‪ ،‬تشكل هذه اًلفتراضات الخلفية التواصلية‬

‫الضرورية لتحقيق النجاح في عملية التواصل‪ ،‬وهي محتواه ضمن السياقات والبنى‬

‫التركيبية العامة"‪.3‬‬

‫واًلفتراض املسبق يهتم بدراسة املعارف املشتركة بين املتكلم والسامع‪ ،‬أوبين ما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ينبغي أن يكون معروفا أو يفترض العلم سابقا قبل إجراء الخطاب"‪ ،4‬فهو "مفهوم‬

‫‪ 1‬د‪ .‬تمام حسّان‪ ،‬اللغة العربية معناها ومبناها‪.337 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬شاهر الحسن‪ ،‬علم الداللة السيمانتيكية والبراكماتية في اللغة العربية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪2001 ،‬م‪.176 ،‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪.31-30 ،‬‬
‫‪ 4‬د‪ .‬خليفة بوجادي‪ ،‬في اللسانيات التداولية‪ ،‬بيت الحكمة‪ ،‬الجزائر ‪2009‬م‪.184 ،‬‬

‫‪34‬‬
‫براجماتيكي تتضمنه العبارة في املقام الذي ترد فيه من حيث املعلومات املشتركة‬

‫(املعروفة مسبقا) لدى املتكلم واملخاطب"‪.1‬‬


‫ً‬
‫وتأسيسا‪ ،‬فإن للموقف أهمية بالغة في البحث اللغوي الحديث‪ ،‬بل إننا ًل نكون‬

‫مبالغين ‪-‬كما يذكر األستاذ الدكتور كمال بشر حين ‪-‬نقرر أن أية دراسة لغوية من دون‬

‫اهتمام خاص باملوقف ًل يمكن أن تنجح وأن تقود إلى نتائج علمية صحيحة؛ فاملوقف‬

‫(أو املسرح اللغوي) بالنسبة للكلم إطار عام ذو وحدات متكاملة متفاعلة‪ ،‬وهذا الكلم‬
‫ً‬
‫نفسه ليس إًل وحدة من هذه الوحدات‪ ،‬ومن ثم ًل يمكن فصل هذا الكلم أو عزله بعيدا‬

‫عن بقية البناء؛ إذ هو فيما لو نزع وانعزل عن بقية الوحدات ش يء ممسوخ أو ش يء جامد‬
‫ً‬
‫جمود أمثلة املعلمين في فصول تعليم اللغات‪ ،‬وهو أيضا ًل يعدو حينئذ أن يكون سلسلة‬
‫من األصوات أو ً‬
‫نوعا من الضوضاء الخالية من دفء الجو الطبيعي وحرارته‪ ،‬والعارية‬

‫من روح الواقع والحقيقة"‪.2‬‬

‫وسوف نلحظ دور اًلفتراضات املسبقة من خلل الجوانب اآلتية‪:‬‬


‫ًّ‬
‫تداوليا‪.‬‬ ‫أ‪ -‬التقديم‬
‫ًّ‬
‫تداوليا‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الحذف‬

‫ج‪ -‬اًلفتراض املسبق بين املضمون واملوقف‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬شاهر الحسن‪ ،‬علم الداللة السيمانتيكية والبراكماتية في اللغة العربية‪.176 ،‬‬
‫‪ 2‬د‪ .‬كمال بشر‪ ،‬التفكير اللغوي بين القديم والجديد‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪2005 ،‬م‪.232 ،‬‬

‫‪35‬‬
‫ج‪ .‬التقديم تداوليا‪:‬‬
‫ًّ‬
‫تداوليا‪ ،‬التقديم الذي تحكمه ظروف اًلستعمال اللغوي بين‬ ‫أعني بالتقديم‬
‫الطرفين األساسيين في العملية التواصلية للمتكلم واملخاطب‪ ،‬ومن ثم فإن فيه ً‬
‫سببا لهذه‬

‫الظروف على هذه الصورة‪ ،‬لغرض تداولي أصيل هو مقصد املتكلم‪.‬‬

‫فقد يلجأ املتكلم إلى تغيير مواقع عناصر التركيب ألغراض وغايات تداولية يريد‬
‫ّ‬
‫تحقيقها‪ ،‬إضافة إلى أنه يسعى إلى جعل خطابه يستجيب لحال مخاطبه؛ لتحقيق التفاعل‬

‫واًلنسجام"‪.1‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬يكون السامع عنصرا فاعل في تقرير املعنى املراد‪ ،‬فهو الذي ينفذ إلى‬
‫تناسب البنية مع املعنى‪ ،‬فل يقدر خلف ما تستوجبه البنية؛ ّ‬
‫ألن املعنى ظاهر من بداية األمر‬

‫إن إنتاج املعنى ليس بمنفصل عن تشكيل البنية القادرة على حمل ذلك املعنى؛ ألن‬ ‫أي‪:‬‬

‫املخالفة بينهما تؤدي إلى املحال أو املمتنع‪.2‬‬


‫فالتقدير التداولي إذن يعتمد على اًلستعمال‪ ،‬بمعنى أنه جاء ً‬
‫وليدا للحدث الكلمي الحي‬

‫املشاهد‪ ،‬الذي صاغ بنيته ملعالجة املوقف الكلمي بتحقيق الغرض التواصلي بالوصول‬

‫إلى مقصد املتكلم‪ .‬فالقاعدة التي تحكم مسألة التقديم تستند إلى عنصر غير لغوي وهو‬

‫معرفة ضرورية تقع خارج املنطوق‪ ،‬هي علم السامع‪.3‬‬

‫وهكذا سأتناول في هذا املبحث أثر املخاطب على املتكلم في البنية التركيبية للغة‪،‬‬
‫ً‬
‫والذي يفترض مسبقا علم املتكلم واملخاطب به على حد سواء‪ .‬ولقد ضبط النحاة األوائل‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪.204 ،‬‬


‫‪2‬‬
‫د‪ .‬سعيد بحيري‪ ،‬دراسات لغوية تطبيقية في العالقة بين البنية والداللة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪.231 ،2005 ،‬‬
‫د‪ .‬سعيد بحري‪ ،‬دراسات لغوية تطبيقية‪.245 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪36‬‬
‫الحاًلت املحتملة للجملة العربية في نمطين ًل ثالث لهما؛ األول‪ :‬هو نمط الجملة اًلسمية‪،‬‬

‫وذلك حين تبدأ الجملة باسم‪ ،‬والثاني‪ :‬هو نمط الجملة الفعلية‪ ،‬وذلك حين تبدأ الجملة‬

‫بفعل‪ ،‬ويتكون كل نمط منهما من عنصرين أساسين‪ ،‬هما‪ :‬املسند إليه‪ ،‬واملسند‪.‬‬

‫د‪ .‬الحذف تداوليا‪:‬‬

‫تدفع دًللة السياق املتكلم في كثير من األحيان إلى اًلختصار والحذف لبعض عناصر‬

‫الجملة‪ ،‬فالكلم بين املتخاطبين تابع للحالة الكلمية بينهم؛ فقد ُيسهب املتكلم وقد يوجز‪،‬‬

‫وقد يذكر وربما يحذف؛ حيث إن الحذف في بناء الجملة أحد املطالب اًلستعمالية‪ ،‬وإذا‬

‫كانت التداولية هي "العلم الذي يهتم بدراسة العوامل التي تؤثر في اختيار الشخص للغة‪،‬‬

‫وتأثير هذا اًلختيار في اآلخرين"‪ 1‬فسيعنى البحث هنا بالحذف املسند إلى دليل حالي بين‬
‫ً‬
‫اعتمادا على سياق الحال واًلستعمال‪.‬‬ ‫املتكلم واملخاطب والذي أجاز للمتكلم الحذف؛‬

‫الحذف أحد طرق اًلفتراض املسبق؛ ألنه يقع بعد رؤية املتكلم لحال املخاطب ومشاهدته‬

‫للحدث الكلمي‪.‬‬

‫ح‪ .‬االفتراض املسبق بين املضمون واملوقف‪:‬‬


‫ُ‬
‫ذكرت ّأن شركاء اللغة ينطلقون من معطيات وافتراضات معترف بها‪،‬‬ ‫سبق وأن‬

‫ومتفق عليها بينهم‪ ،‬والتي تشكل الخلفية التواصلية الضرورية‪ ،‬لتحقيق النجاح في عملية‬

‫التواصل‪ ،‬إذن‪ :‬فما العلقة بين السياق اللغوي والبنية التركيبية‪ ،‬واملوقف أو املناسبات‬

‫دعت إلى الخطاب‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمود سليمان ياقوت‪ ،‬معاجم الموضوعات في ضوء علم اللغة الحديث‪.304 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫الحق أن اًلفتراض املسبق يمثل املعنى الحقيقي للموقف الكلمي في بنية اللغة‪،‬‬

‫فاملوقف نفسه متضمن في بنية اللغة‪ ،‬واًلفتراض املسبق إذن يمثل اللغة الحية التي ًل‬

‫تموت مهما تعاقبت السنون‪ ،‬ومرت العصور‪ ،‬فاملوقف محتزل ضمن هذه البنى التركيبية‬

‫واأللفاظ اللغوية‪.‬‬
‫ً‬
‫ونحن هنا نؤكد على ما ذكرناه آنفا أن املدخل القويم لدراسة اللغة يمكن من خلل‬
‫معرفة سياقها؛ إذ " ّإن محلل الخطاب يعالج مادته اللغوية بوصفها مدونة ًّ‬
‫(نصا) لعملية‬

‫حركية استعملت فيها اللغة كأداة تواصلية في سياق معين من قبل املتكلم أو الكاتب؛‬

‫للتعبير عن معان وتحقيق مقاصد الخطاب"‪.1‬‬

‫ومن هنا ندرك قيمة املوقف الذي قيل فيه الخطاب‪ ،‬فهو املدخل الرئيس في‬

‫التواصل بين املتكلم واملخاطب على السواء‪ .‬فينظر املتكلم إلى ملبسات الخطاب ويضعها‬

‫في الحسبان من موقف‪ ،‬ومخاطب‪ ،‬ومكان‪ ،‬وزمان‪ ،‬ومخزون لغوي مشترك بينه وبين‬

‫املخاطب‪.‬‬

‫وعلى الجانب اآلخر ينطلق الشريك الثاني وهو املخاطب من خلفيته الشاملة واملشتركة بينه‬
‫َّ ُ‬ ‫وبين املتكلم؛ ليتفاعل معه ومن َّ‬
‫ثم يتحقق النجاح للعملية التواصلية والذي يتوقف على‬

‫التوافق بين املتكلم واملخاطب من حيث املعطيات السابقة‪ ،‬والخلفيات املشتركة عن ظروف‬

‫الخطاب‪ ،‬ثم العبور بذلك إلى عملية تواصلية ناجحة عن طريق املوقف الكلمي‪.‬‬

‫‪ 1‬بروان ويول‪ ،‬تحليل الخطاب‪ ،‬ترجمة وتعليق‪ ،‬د‪ .‬محمد لطفي الزليطي‪ ،‬د‪ .‬منير التركيب‪ 1997 ،‬م‪.27 ،‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ .2 .1‬املبحث الثاني‪ :‬االفتراض املسبق )‪ (Presupposition‬في شعرهاشم الرفاعي‬

‫ويتضح من ذلك‪ّ ،‬أن التقديم صنيع املوقف الكلمي يوجبه على املتكلم‪ ،‬فلوًل الحاجة‬

‫إليه والتي أوجبها سياق الحال ما كان للشاعر أن يستعين به‪ ،‬ولكنه جاء لعلة أحدثتها‬

‫ملبسات الخطاب ورغبة املتكلم في الوصول إلى غايته ومقصده "وتقديم املسند إليه إنما‬

‫يكون للدًللة على التأكيد والقوة وأكثر ما نجده في الوعد والضمان؛ ألن من تعده ومن‬

‫تضمن له من شأنه أن يعترضه الشك في تمام الوعد‪ ،‬ولهذا فهو أحوج إلى التوكيد‪ ،‬فتقول‪:‬‬

‫أنا أعطيك‪ ،‬أنا أكفيك"‪.‬‬

‫ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة "رسالة في ليلة التنفيذ" (مارس ‪1955‬م)‪:‬‬
‫ماذا جنى؟ فتمسه أضغاني ‪1‬‬ ‫نحو ُه‬
‫بأي حقد َ‬
‫أنا ال أحس ّ‬

‫فتقديم املسند إليه الضمير "أنا" جاء لغرض مهم وهو التأكيد على ّأن السجين ًل‬
‫ّ‬
‫يحمل في نفسه أي حقد أو ضغينة للسجان‪ ،‬وملا كان الكلم يعترضه الشك؛ إذ كيف‬

‫للسجين أًل يحقد على أداة من أدوات سجنه وهو السجان؟ فاستعان الشاعر بتقديم‬
‫ّ‬
‫املسند إليه "أنا" ليدحض هذا الشك؛ فالسجين يلتمس العذر للسجان؛ حيث يرى أنه ًل‬
‫يملك من أمره ش يء وإن لم ّ‬
‫ينفذ األوامر التي تلزمه بها السلطة الحاكمة الطاغية فسوف‬

‫سلبا على مستقبل أبنائه؛ لذلك قال الشاعر بعدها‪:‬‬‫يفصل من عمله مما يؤثر ً‬
‫لم ُ‬ ‫ُ‬
‫يبد في ظمأ إلى العدوان‬ ‫طيب األخالق مثل َك يا أبي‬
‫هو ُ‬

‫العيال مرار َة الحرمان ‪2‬‬


‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫لكنه إن َن َ‬
‫ذاق‬ ‫ام عني لحظة‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪358 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.358 ،‬‬

‫‪39‬‬
‫وكذلك نرى ّأن الشاعر قد استعان بالتقديم في هذا السياق؛ ليضع مقصده في بؤرة‬

‫اهتمام املخاطب‪ ،‬وتلبية ملتطلبات الخطاب‪.‬‬

‫يعرض البحث في هذا املقام لبعض صور "التقديم والتأخير في شعر هاشم الرفاعي"‬

‫والتي يتضح من خللها أثر املخاطب على املتكلم في ترتيب البنية التركيبية للغة‪ ،‬والذي‬
‫ً‬
‫يفترض مسبقا علم املتكلم واملخاطب به على السواء‪ .‬ومن الشواهد قول الشاعر في قصيدة‬

‫"األسد السجين" (‪ 2‬من ديسمبر ‪ 1952‬م)‪:‬‬


‫َ ُ‬ ‫ول ْم يأ ْ‬ ‫َ‬
‫من شرورالقوم شرق‬ ‫فلم يسلم من األحداث غرب‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ففي الوادي لهم كيد و ُ‬
‫ان إرعاد وبرق‬‫وفي إير‬ ‫مكر‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مصرلها ورثت دمشق‬ ‫بكت‬ ‫وفي مراكش سالت دماء‬
‫ففي ماضيه تكفيروعتق ‪1‬‬ ‫َهبوه أتى الذي عدوه ُج ً‬
‫رما‬

‫يبرهن على ّأن املستعمرين لم يسلم من طيشهم شرق وًل‬


‫ّ‬ ‫حيث أراد الشاعر أن‬
‫ً‬
‫غرب؛ فظلمهم وطغيانهم شمل األقطار جميعا مما جعل الشاعر يستعين في البيت األول‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫وصوًل إلى غرضه بتقديم املفعول به على الفاعل في قوله‪" :‬ولم يأمن شرور القوم شرق"‬
‫ُ‬
‫حيث قدم املفعول به "شرور " على الفاعل "شرق"‪ ،‬وفيما تله استعان بتقديم الخبر شبه‬
‫الجملة على املبتدأ النكرة؛ حيث ًل يجوز تأخير الخبر إذا كان املبتدأ نكرة؛ ّ‬
‫ألن الخبر مع‬

‫وهم بأنه نعت‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪" :‬لهم كيد‪ ،‬وفي إيران إرعاد‬ ‫ُ‬
‫التأخير والحالة هذه ي ِّ‬
‫ّ‬
‫باملقدم وإظها ًرا له‬ ‫ً‬
‫اهتماما‬ ‫وبرق‪ ،‬ففي ماضيه تكفير وعتق" حيث ّ‬
‫قدم الخبر شبه الجملة؛‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وصوًل إلى قصده ً‬
‫وفقا ملتطلبات الخطاب ووصوًل لبؤرة اهتمام املخاطبين‪.‬‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.348 ،‬‬

‫‪40‬‬
‫وما زلنا مع التقديم والتأخير وهذه املرة نعرض لتقديم خبر كان على اسمها في قول‬

‫الشاعر في قصيدة "دماء من السودان"‪:‬‬


‫ّ‬
‫تدبرها أهواؤه ومشاربه ‪1‬‬ ‫فكان له ما شاء من دسائس‬
‫أراد الشاعر أن ّ‬
‫يوبخ أحد أقطاب الفتنة في السودان‪ ،‬فقدم خبر كان شبه الجملة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫"له" على اسمها "ما املوصولة" والتي جاءت بمعنى الذي؛ مراعاة ملتطلبات الخطاب وتحقيقا‬

‫ملقصده حيث أراد الشاعر أن يثبت إدانة املتحدث عنه فهو صاحب الدسائس وهو مدبر‬
‫ً‬
‫اهتماما به‬ ‫ً‬
‫مستعينا في ذلك بتقديم شبه الجملة "له" أي‪ :‬له هو دون سواه؛‬ ‫املجازر‪،‬‬
‫ً‬
‫وتحديدا‬ ‫ً‬
‫وتخصيصا له‬

‫ونلحظ أهمية التقديم وأثره في بناء جسور التواصل بين املتكلم واملخاطب في قول‬

‫الشاعر في قصيدة "دين وعروبة" (نوفمبر ‪1968‬م)‪:‬‬


‫َ ُ‬
‫الك ُتب ‪2‬‬ ‫ّ‬
‫طبه املهجور ملء‬ ‫أنا ُأ َ‬
‫نبيك عن الداء وعن‬

‫فالشاعر أراد أن يذكر اإلنسان العربي املسلم املعاصر "املخاطب" بمجد األجداد‬
‫ً‬
‫مستعينا بتقديم املسند إليه املتمثل في الضمير (أنا) بغرض‬ ‫وسبب زواله وسبل العلج‬

‫توجيه اًلهتمام والنظر إليه على أنه وحده يملك العلج للمخاطب ذلك اإلنسان العربي‬

‫الحائر املضطرب‪ ،‬وًل ريب ّأن استعانة الشاعر بتقديم املسند إليه مردها سياق الحال حيث‬
‫ً‬
‫ومعلنا‬ ‫ً‬
‫مخاطبا‬ ‫يرى أمامه إنسان يعاني من علة إًل أنه املريض ًل يدري لها ً‬
‫سببا فيتوجه إليه‬

‫امتلكه للعلج الذي يتلخص في التأس ي بالسلف؛ ًلستعادة السبيل القويم واسترداد املجد‬

‫الذي كان‪.‬‬

‫‪ 1‬السابق‪352 ،‬‬
‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪375 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫أ‪ .‬الحذف تداوليا‬

‫الحذف أحد طرق اًلفتراض املسبق؛ ألنه يقع بعد رؤية املتكلم لحال املخاطب‬
‫ً‬
‫ومشاهدته للحدث الكلمي‪ .‬فيحذف بعد ذلك اعتمادا على فهم املخاطب ومشاركته‬

‫في املسرح اللغوي ومن شواهد الحذف التداولي في شعر هاشم الرفاعي قوله في قصيدة‬

‫"ذكري املولد" (‪ 30‬من نوفمبر ‪1952‬م)‪:‬‬

‫فيكشف عنه من دجى الشرك غيهبا‬ ‫ٌّ‬


‫نبي أتى والكون في الغي مبادر‬
‫ّ ً‬ ‫ُ ً‬ ‫نبي فيه للعلياء ُ‬
‫با ‪1‬‬‫أمطره غيثا من الهدى صي‬‫و‬ ‫صرح ممن ُع‬ ‫ٌّ‬

‫حيث حذف الشاعر "املتكلم" املسند إليه وصرح باملسند "الخبر" مباشرة وأصل‬
‫ً‬
‫اعتمادا على سياق الحال‪ ،‬فاملخاطب ليس في حاجة لذكر املسند إليه‬ ‫الجملة "هو ٌّ‬
‫نبي"؛‬
‫ّ‬
‫"املبتدأ" وهو النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وًل سيما أنه في سياق املدح‪ ،‬والحذف وقع بناء‬

‫على معرفة مسبقة بما تم حذفه بين املتكلم واملخاطب فهو مختزل للمعنى القائم لدى‬
‫نبي أتى" و ٌّ‬
‫"نبي فيه للعلياء صرح"‪.‬‬ ‫طرفي الخطاب‪ ،‬وقد تكرر ذلك في البيتين‪ٌ " :‬‬
‫ومن ذلك ً‬
‫أيضا قول الشاعر في قصيدة "شباب اإلسلم"‪:‬‬
‫لم ُي ْ‬
‫سلم إلى الخصم العرينا ‪2‬‬ ‫و ْ‬ ‫ْ ُ ّ‬
‫حط ُ‬
‫مه الليالي‬ ‫شباب لم ت‬

‫والتقدير‪" :‬هم شباب" حيث حذف الشاعر املبتدأ "املسند إليه" في سياق املدح‪،‬‬
‫ّ‬
‫وصرح باملسند "الخبر" مباشرة‪ ،‬وذلك إنما مرده إلى اًلفتراض املسبق املنعقد بين املتكلم‬

‫واملخاطبين‪.‬‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.318 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.384 ،‬‬

‫‪42‬‬
‫وحقيقة األمر أننا أمام علقة وثيقة الصلة بين املتكلم واملخاطب وسياق الحال‬

‫الجامع بينهما؛ إذ ًل يمكن بأية حال معرفة املحذوف دون الرجوع إلى سياق الحال‬
‫َ‬
‫وملبسات الخطاب ومن ث َّم فإن الحذف املعتمد على سياق الحال واملقام يتأثر‬

‫بالظروف املحيطة بالخطاب‪ ،‬هذه الظروف قد تكون لصيقة باملقصد اإلنجازي‬

‫للمتكلم‪ ،‬وشديدة التعلق بالقصد‪.‬‬

‫في قصيدة "ميلد الرسول" (نوفمبر ‪ 1953‬م) يقول الشاعر على لسان مشركي قريش‬
‫ّ‬
‫في ذم النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫مهم ُل قوم َ‬
‫شاء أن يتنزعا‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫الجاه والغنى‬ ‫وقالوا‪ :‬فقير ُ‬
‫ينشد‬
‫به من رّثى ّ‬
‫الجن داء تحكما ‪1‬‬ ‫ُ‬
‫افات مجنون‪ ،‬و ُ‬
‫أوهام شاعر‬
‫ُ‬
‫خر‬

‫حيث حذف الشاعر املسند إليه "املبتدأ" في سياق الذم‪ ،‬والتقدير "هو فقير" و "هي‬

‫خرافات مجنون" وهي أوهام شاعر" حيث تم الحذف في اًلستعمال اللغوي‪ ،‬بالتوافق‬

‫بين العنصرين الرئيسين لعملية التواصل وهما‪ :‬املتكلم واملخاطب‪ ،‬وًل سبيل لتأويل‬

‫املحذوف إًل بالعودة للمسرح اللغوي "سياق الحال" وًل يخفى أن الحذف ‪-‬والسياق‬

‫وأوجز من الذكر‪.‬‬ ‫كذلك‪ -‬أبلغ‬

‫ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة "رسالة في ليلة التنفيذ" (مارس ‪1955‬م)‪:‬‬
‫أوضاء ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫إن َ‬‫ُ ْ‬
‫نور الشمس كل مكان‬ ‫و‬ ‫الصباح على الدنى‬ ‫طلع‬ ‫أبتاه‪،‬‬
‫ً‬
‫جديدا مشرق األلوان ‪2‬‬ ‫ً‬
‫يوما‬ ‫ُ‬
‫العصفور بين غصونه‬ ‫َ‬
‫استقبل‬‫و‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.323 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.360 ،‬‬

‫‪43‬‬
‫ُ‬
‫حيث حذف الشاعر حرف النداء مع بقاء أثره‪ ،‬وًلسيما ّأن املنادي كثر ذكره‪،‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ومن ث َّم فإن قيمة العودة إلى‬
‫واعتمادا على اًلفتراض املسبق بين املتكلم واملخاطب‪ِّ ،‬‬
‫سياق الحال تتمثل في منحنا القدرة على تفسير املحذوف الذي توافق عليه املتكلم‬

‫واملخاطب في سياقهما الكلمي‪.‬‬


‫ًّ‬
‫تداوليا قول الشاعر في رثاء زميله أبي الفتوح هلل في قصيدة‬ ‫ومن حذف الحرف‬

‫"دمعة على زميل راحل" (‪ 22‬من أبريل ‪1954‬م)‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫رحلت سعادتنا على األعقاب‬ ‫أأبا الفتوح لئن رحلت فإنما‬
‫وذوى بموتك أي غصن شباب ‪1‬‬ ‫أي الورود غداة فقدك ّ‬
‫صوحت‬

‫حيث حذف الشاعر أداة النداء "يا" وبقي أثرها في املنادي حيث نصب املنادى‬
‫ً‬
‫اعتمادا‬ ‫باأللف؛ ألنه من األسماء الستة "منادي مضاف" وقد حذف الشاعر أداة النداء؛‬

‫على اًلفتراض املسبق‪ ،‬وجدير بالذكر أن النداء هنا ليس على الحقيقة؛ ألن املنادى قد‬
‫مات والشاعر في مقام الرثاء‪ ،‬وقد ّ‬
‫صوغ للشاعر الحذف قرب املنادى من قلب الشاعر‪.‬‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪230 ،‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫اإلشاريات ( ‪) Deicties‬‬

‫‪ .1 .2‬املبحث األول‪ :‬مفهوم اإلشاريات ( ‪) Deicties‬‬


‫ّ‬
‫مأ‪ ،‬ويكون ذلك بالكف والعين والحاجب"‪1‬‬ ‫اإلشارة في اللغة‪ :‬من "أشار إليه ّ‬
‫وشور‪ :‬أو‬
‫كأن يكون ّ‬
‫معبرا‬ ‫ليعين ملخاطبه ً‬
‫شيئا ما أو ليفهمه معنى من خلل سياقها التخاطبي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬

‫عن معنى من املعاني‪ ،‬كالدعوة إلى الدخول أو الخروج‪ ،‬جاء في املعجم الوسيط‪" ،‬اإلشارة‪:‬‬

‫وهي تعيين الش يء باليد ونحوها‪ .‬واإلشارة‪ :‬التلويح بش يء يفهم منه املراد‪ّ .2‬أما اإلشارة‬
‫ّ‬
‫اللغوية التي ًل يتحدد مرجعها إًل في سياق الخطاب الذي وردت‬ ‫اصطلحا فهي العلمات‬
‫ّ‬
‫متحوًلت‪ ،‬وعلى الرغم من أن‬ ‫فيه‪ّ ،‬‬
‫ألنها خالية من ّ‬
‫أي معنى في ذاتها؛ لذلك سميت‪ :‬مبهمات أو‬
‫ّ‬ ‫معين‪ّ ،‬‬
‫كل الكلمات في اللغة تحيل على مدلول ّ‬
‫فإن اإلشارّيات توجد في املعجم الذهني للمتكلم‬ ‫ّ‬

‫باللغة دون ارتباطها بمدلول ّ‬


‫معين‪.3‬‬

‫تاما على السياق الذي تستخدم فيه‪،‬‬ ‫ً‬


‫اعتمادا ّ‬ ‫ّ‬
‫وكل اللغات كلمات وتعبيرات تعتمد‬

‫وًل يستطاع إنتاجها أو تفسيرها بمعزل عنه‪ ،‬فإذا قرأت الجملة اآلتية مقتطعة من سياقها‪:‬‬
‫"سوف يقومون بهذا العمل ً‬
‫غدا" وجدتها شديدة الغموض؛ ّ‬
‫ألنها تحتوي على عدد من‬
‫ً‬
‫اعتمادا ًّ‬
‫تاما على السياق املادي الذي قيلت فيه‪،‬‬ ‫العناصر اإلشارّية التي يعتمد تفسيرها‬

‫‪ 1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1414 ،1‬ه‪.436 /4 ،‬‬
‫‪ 2‬المعجم الوسيط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬ط‪.518/1 ،1‬‬
‫‪ 3‬عبد الهادي بن ظافر الشهوي‪ ،‬استراتيجيات الخطاب (مقارنة لغوية تداولية)‪079 ،‬‬

‫‪45‬‬
‫ومعرفة املرجع الذي تحيل إليه‪ ،‬ومن هذه العناصر‪ :‬واو الجماعة‪ ،‬واسم اإلشارة (هذا)‬
‫ّ‬
‫(غدا)‪ ،‬وًل ّيتضح معنى هذه الجملة إًل إذا عرفنا ما تشير إليه‪.1‬‬
‫وظرف الزمان ً‬

‫إذن أخذ الباحث استنباطا من التعريفات اإلشارّيات السابقة‪ّ ،‬أن اإلشارّيات‬

‫هي الدرجة األولى من درجة التحليل التداولي‪ ،‬وتعني باستجلء مدى ظهور املخاطب‬

‫والسياق الزماني واملكان في الخطاب‪ ،‬وتتبع العناصر اإلشارية املتمثلة في الضمائر وظروف‬

‫الزمان واملكان‪ ،‬وأسماء اإلشارة‪ ،‬وما تحيل عليه في السياق الذي وردت فيه‪.‬‬

‫وقد اختلف الباحثون في أنواع اًلشاريات؛ فمنهم من قسمها إلى خمسة أنواع‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫"إشاريات شخصية‪ ،‬وإشاريات زمنية‪ ،‬وإشاريات مكانية‪ ،‬وإشاريات اجتماعية‪ ،‬وإشاريات‬

‫خطابية ونصية‪ .‬واقتصر بعضهم على الثلثة األولى‪ ،‬وبعضهم على األربعة"‪ ،2‬لهذه وسوف‬

‫أعرض األنواع األربعة‪:‬‬

‫ّ‬
‫الشخصية‬ ‫ّ‬
‫اإلشاريات‬
‫‪Deicties Personal‬‬
‫ّ‬
‫اإلشاريات الزمنية‬
‫‪Deicties Temporal‬‬
‫اإلشارّيات ‪Deicties‬‬
‫ّ‬
‫اإلشاريات املكانية‬
‫‪Deicties Placement‬‬

‫ّ‬
‫اإلشاريات االجتماعية‬
‫‪Deicties Social‬‬

‫‪ 1‬محمد حسن عبد العزيز‪ ،‬علم اللغة الحديث‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬ص ‪347‬‬
‫‪ 2‬جورج يول‪ ،‬التداولية‪.17 ،‬‬

‫‪46‬‬
‫ّ‬
‫الشخصية ‪: Deicties Personal‬‬ ‫أ‪ .‬اإلشارّيات‬

‫يتبادل طرفا التخاطب دوريهما في الكلم؛ فاملتكلم منهما يرسل رسالة لغوية‬

‫إلى مخاطبه؛ ليستدل عليها بمساعدة ملبسات سياق تخاطبهما‪ ،‬ويمكنهما استعمال‬
‫ّ‬
‫إشارات كتعيين ما بحضرتهما في أثناء تخاطبهما‪ ،‬ومن ث َّم "تعد الضمائر‪( :‬أنا)‪ ،‬و(أنت)‪،‬‬

‫و(هو)‪ ،‬واإلشاريات (هذا)‪ ،‬و(ذاك)‪ ،‬و(اآلن)‪ ،‬تعابير تختلف إحالتها بالضرورة بحسب‬

‫ظروف استعمالها"‪ .1‬وفي استعمال املتكلم لكل منها ما يلئم سياق تخاطبه‪ ،‬ليحدد‬

‫املقصود بها‪ ،‬حيث يضفي استعمالها على املعنى أكثر من دًللتها الحرفية‪ ،‬ويدرك ذلك‬

‫في سياق تخاطبه‪ ،‬حتى يتسنى معرفة قصد املتكلم من استعماله‪ ،‬فربما استعمل املتكلم‬

‫اللفظ الذي يحيل به على املخاطب ولكن قصد به السخرية في سياق تخاطبه وقد نبه‬

‫بيرس إلى أن " اإلشارات ينبغي أن تكون محددة املرجع بتحقق العلقة املوجودة‬

‫(‪ )Existential Relation‬بين العلقة وما تدل عليه"‪ ،2‬وتتكون اإلشاريات الشخصية‬

‫من (الضمائر والنداء)‪.‬‬

‫‪ -‬الضمائر‪:‬‬
‫ّ‬
‫أوضح العناصر اإلشارية الدالة على الشخص هي ضمائر املتكلم أنا ونحن‪،‬‬
‫مؤن ًثا‪ ،‬وضمائر الغائب ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مفردا أو ّ‬
‫مثنى أو ً‬ ‫وضمائر الخطاب ً‬
‫مفردا أو‬ ‫جمعا‪ ،‬مذك ًرا أو‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً ّ‬ ‫ّ‬
‫جمعا مذك ًرا أو مؤنثا‪ .‬على أنه قد ينشأ نوع من اللبس في استخدام الضمائر إذا‬ ‫مثنى أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تعددت مراجعها‪ ،‬أو تبادل ّ‬
‫كل من املتكلم واملخاطب أدوار؛ الكلم فأصبح املتكلم‬

‫‪ 1‬فرانسواز أرمينكو‪ ،‬المقاربة التدأو لية‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعيد علوش‪ ،‬دار اإلنماء القومي‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪.41 ،‬‬
‫‪ 2‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.19 ،‬‬

‫‪47‬‬
‫متكلم كلما إلى متك ّلم آخر‪ّ ،‬‬
‫كأن يقول الرجل‪" :‬قال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫مخاطبا واملخاطب متكلما‪ ،‬أو نقل‬

‫زيد إلى صديقه‪ :‬هو قادم الليلة‪ ،‬فل يدري من (هو) أهو فلن أم غيره‪.‬‬

‫وأثر سياق التخاطب في تقسيم الضمائر من حيث الحضور وعدمه إلى ضمائر‬

‫الحضور (املتكلم والتخاطب)‪ ،‬وضمائر الغائب؛ إذ تتغير دًللة كل منها بتغير املتخاطبين‪،‬‬

‫وتداولهم في الخطاب‪ ،‬فالحضور الفعلي العيني للمتكلم واملتكلمين الصادر عنهم الكلم‬

‫واملخاطب املفرد املذكر ليدرك به الضمائر املعبر عنهم بها‪.‬‬

‫‪ -‬ضمائراملتكلم‪:‬‬

‫دًللة ضمير املتكلم أقوى من دًللة ضمائر الخطاب؛ فيقدم ضمير املتكلم‬
‫على ضمير املخاطب‪ّ ،‬‬
‫ثم يأتي بعده ضمير الغائب ومرجع ضمير الحضور تداولي يعلم‬

‫من املقام‪ ،‬ويختلف باختلف أطراف الخطاب؛ فهو حاضر في وقت الكلم يتكلم بنفسه‬
‫ً‬
‫أو حاضر يكلمه غيره‪ ،‬وهذا الحضور يمكن أن يكون حضورا فعليا‪ ،‬أي‪ :‬إن املتكلم‬

‫واملخاطب حاضران في سياق املوقف أو أن املتكلم يقوم باستحضار املخاطب وقت الكلم‬

‫فيخاطبه وكأنه أمامه‪ .‬وضمائر املتكلم‪ ،‬مثل‪( :‬أنا‪ ،‬ونحن‪ ،‬والتاء‪ ،‬والياء‪ ،‬ونا في نحو‪ :‬أنا‬

‫عرفت مقامي‪ ،‬نحن عرفنا مقامنا‪ ،‬وأديناه كامل)‪.‬‬

‫وإضافة إلى ذلك‪ ،‬يكون ضمير املتكلم من "ضمير املتكلم املفرد املتصل"‪ ،‬ويمثل في‬

‫(تاء الفاعل‪ ،‬وياء املتكلم‪ ،‬وضمير املتكلم املفرد املتصل يحيل على ذات الشاعر‪ ،‬ودير‬
‫ً‬
‫متصل بالفعل املاض ي؛ ليؤدي وظيفة الفاعلية كما في‪" :‬أكلت التفاح"‪ ،‬فتاء الفاعل‬

‫في "أكلت" ضمير مفرد متصل‪ ،‬وقد يحمل الضمير املفرد املتصل وظيف املفعول؛ كما‬

‫في‪" :‬أفادني" فياء املتكلم ضمير مفرد متصل‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ّإن "ضمير املتكلم الجمع املنفصل (نحن)" يحمل قيمة تداولية تتمثل في اعتماده‬
‫ً‬
‫أساسا على مبدأ املشاركة بين طرفي العملية التواصلية؛ ألنه يعني املشاركة بين املتكلم‬

‫واملخاطب قبل أن يسوق املتكلم ما يريد قوله مما يسهل مهمته في تعبيره عن التضامن‬

‫مع املخاطب وتوطيد العلقة بينهما بالخطاب‪ .‬فدًللة (نحن)‪ :‬في " نحن نصلي هللا" نجد‬

‫لفظة واحدة في تكوينها‪ ،‬وصيغة مستقلة بنفسها في أداء الغرض وهو التكلم مع الدًللة‬

‫على الجمع‪ ،‬أو على تعظيم املفرد"‪ .1‬إما "ضمير املتكلم الجمع املتصل (نا) فقد يكون‬

‫متصل بالفعل املاض ي كما في " أعطيناها كتبا نافعا"‪.‬‬

‫‪ -‬ضمائراملخاطب‪:‬‬

‫ّإن ضمير املخاطب ًل يقف استعماله في السياق عند اإلحالة على املرجع فقط‪،‬‬

‫بل يتجاوز ذلك ليصبح دليل على غرض تداولي وهو ّأن املشاركين في الحوار يعدون أنفسهم‬

‫ذوي علقة حميمية من الناحية اًلجتماعية‪ ،‬ويمكن تعريف تلك العلقة الحميمية بأنها‬

‫"التعابير عن القيم املشتركة‪ ،‬والقرابة‪ ،‬والجنس‪ ،‬والجنسية‪ ،‬واملوقع الوظيفي وتكرار‬

‫التواصل"‪ .2‬وهذه الضمائر " أنت‪ِّ ،‬‬


‫أنت‪ ،‬أنتم‪ ،‬أنتما‪ ،‬والكاف وفروعها"‪ ،‬كما في" أنت ومالك‬

‫ألبيك"‪.‬‬

‫‪ -‬النداء‪:‬‬

‫وجدير بالذكر أن النداء " يدخل في اإلشارة إلى الشخص‪ ،‬وهو ضميمة اسمية تشير‬

‫إلى مخاطبه؛ لتنبيهه‪ ،‬أو توجيهه‪ ،‬أو استدعاته‪ ،‬وهي ليست مدمجة فيما يتولوها من كلم‪ ،‬بل‬

‫‪ 1‬عباس حسن‪ ،‬النحو الوافي‪.212 /1 ،‬‬


‫‪ 2‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬إستراتيجيات الخطاب‪.288 ،‬‬

‫‪49‬‬
‫تنفصل عنه بتنغيم يميزها"‪ ،1‬والنداء ًل يفهم إًل إذا اتضح املرجع الذي يشير إليه‪ ،‬كما‬

‫في النحو" يا أبنائي‪ً ،‬ل تتكاسلوا في التعلم"‪ .‬فحرف "يا" في أو ل الجملة يكون من حروف‬

‫النداء‪.‬‬

‫‪ -‬أسماء اإلشارة‪:‬‬

‫بلفظة ليست من األفعال‪ ،‬وإن كانت تؤول بمعنى الفعل‬


‫ٍ‬ ‫اإلشارة عمل لغوي يتحقق‬

‫(أشير) ومدلولها إنما يتحقق بمعناها الوضعي من دًللة على دور الشخص في الخطاب‬

‫وعلى العدد‪ ،‬والجنس واملحل اإلعرابي‪ ،‬ولكن من شأنها أن تكون فارغة من حيث املعنى‬

‫املقصود بها‪ ،‬وفراغها هذا جزء من دًللتها الوضعية‪ ،‬ولهذا فإن استعمالها يشترط بوجود‬

‫ما يرفع عنها اإلبهام‪ ،‬ويجعلها قادرة على اإلحالة‪ ،‬وهي في التسمية الوضعية تكون مبهمة؛‬

‫ألن إبهامها الوضعي تغير‬‫ًلفتقا ها إلى مفر‪ ،‬وفي التسمية اًلستعمالية غير مبهمة؛ ّ‬
‫ر‬
‫ً‬
‫باًلستعمال؛ ذلك أن مفردات اللغة لم توضع اعتباطا‪ .‬فل معنى لوجود اعتماد على اإلشارة‪،‬‬

‫واستعماًل على انتقاء ش يء وتعيينه قد يخصص بالصفة‪.2‬‬

‫"ويستعمل املتكلم ضمائر الحضور‪ ،‬وأسماء اإلشارة ملا هو مدرك ببصره في سياق‬
‫ّ‬
‫التخاطب؛ ألنه حين يريد اإلشارة إلى ش يء بحضرته تلزمه إشارة حسية‪ ،‬فيستخدم في ذلك‬

‫أسماء مبهمة؛ ألنها تفسر بما حصره من أشياء يريد أن يشير بها إليك‪ ،‬كما يتغير املشار إليه‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي‪.18 ،‬‬


‫د‪ .‬عمر محمد عوني‪ ،‬أسماء اإلشارة في القرآن الكريم دراسة تأويلية‪ ،‬رسالة دكتورة لجامعة الموصل العراقية‪،2003 ،‬‬
‫‪.2022‬‬

‫‪50‬‬
‫تبعا لدًللة اإلشارة دائما في الكلم"‪ .1‬وأسماء اإلشارة تتكون من‪ :‬هذا‪ ،‬وهذان‪ ،‬وهؤًلء‪،‬‬

‫وهذه‪ ،‬وهاتان‪ ،‬وذلك‪ ،‬وتلك‪ ،‬وأولئك‪ ،‬وهنا‪ ،‬وهناك‪ ،‬وهنالك‪.‬‬

‫‪ -‬أسماء املوصول‬
‫ً‬
‫اسم املوصول لغة اسم غامض مبهم يحتاج دائما في تعيين مدلوله وإيضاح املراد‬

‫منه إلى أحد شيئين‪ :‬إما جملة وإما شبه جملة‪ ،‬ويرى السكاكي أن "اسم املوصول ُيستخدم في‬

‫الكلم إذا كان صحيح إحضاره في ذهن السامع بواسطة ذكر جملة معلومة اًلنتساب إلى‬

‫مشار إليه"‪ .2‬وعند التعامل مع اًلسم املوصول يجب التيقظ؛ لوجود صلة املوصول‪ ،‬إذ هي‬

‫التي تكون الدًللة التي يشير إليها اًلسم املوصول؛ ألن الدًللة تتحدد بعناصرها فمن‬

‫شروطها " أن تكون معلومة للمخاطب في اعتقاد املتكلم قبل ذكر املوصول؛ ألن القصد‬

‫من الصلة تعريف املوصول بما يعلمه املخاطب من حالة اإلخبار عنه"‪ .3‬وتتكون أسماء‬

‫املوصول من‪ :‬الذي‪ ،‬واللذان‪ ،‬والذين‪ ،‬والتي‪ ،‬واللتان‪ ،‬واللتين‪ ،‬واللئي‪ ،‬واللتي‪ ،‬واللواتي‪.‬‬

‫‪ -‬ضمائرالغيبة‬

‫ضمير الغيبة نحو (هي‪ ،‬هو‪ ،‬هم‪ ،‬هن‪ ،‬و‪ .).....‬وصاحبه غير مشاهد‪ ،‬أو معروف‬

‫ومرجعه إما أن يذكر في الكلم متقدما أو متأخرا عنه‪ .‬أو يستغنى عن ذكره بدًللة الحال‬

‫عليه بقول األستاذ عباس حسن "وأما ضمير الغائب فصاحبه غير معروف؛ ألنه غير حاضر‬

‫‪ 1‬محمد عبد السالم الباز‪ ،‬آفاق التداولية في النصوص النثرية‪ ،‬دار النابغة للنشر والتوزيع‪.22 ،‬‬
‫‪ 2‬السكاكي‪ ،‬مفتاح العلوم‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد هنداوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 2000 ،1‬م‪.318 ،‬‬
‫‪ 3‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬األساليب اإلنسانية في النحو العربي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.350 ،2‬‬

‫‪51‬‬
‫وًل مشاهد‪ ،‬فلبد لهذا الضمير من ش يء يفسره‪ ،‬ويوضح املراد منه‪ ،‬واألصل في هذا الش يء‬

‫املفسر املوضح أن يكون في غير ضمير الشأن متقدما على الضمير ومذكورا قبله؛ ليبين‬
‫ً‬
‫معناه أو ًل ويكشف املقصود منه"‪.1‬‬
‫ّ‬
‫وتعي َن بدًللة الحال‪ ،‬كأنه يسبقه ش يء‬
‫فضمير الغيبة تداولي إذا لم يذكر في الكلم‪َّ ،‬‬

‫معنوي (أي‪ :‬ش يء غير لفظي) يدل عليه؛ كأن تجلس في قطار ومعك أمتعة السفر‪ ،‬ثم تقول‪:‬‬

‫يجب أن يتحرك في معياده؛ فالضمير (هو) فاعل املضارع (يتحرك) والضمير الهاء لم يسبقها‬

‫مرجع لفظي‪ ،‬وإنما يسبقها في النفس ما يدل على املرجع من غير ألفاظ تسمى‪( :‬القرينة‬
‫املعنوية أو املقام) وإذا تعين مرجعه من السياق اللغوي فقد ّ‬
‫دل على مرجعه ولم يكن‬
‫ًّ‬
‫تداوليا‪" .‬فيدخل في اإلشاريات إذا كان ًّ‬
‫حرا‪ ،‬أي‪ً :‬ل يعرف مرجعه من السياق اللغوي‪ ،‬فإذا‬

‫عرف مرجعه من السياق اللغوي خرج من اإلشاريات"‪.2‬‬

‫ب‪ .‬اإلشارّيات الزمنية ‪:Deicties Temporal‬‬


‫ّ‬ ‫تدل على مان ّ‬
‫اإلشاريات الزمنية كلمات ّ‬
‫يحدده السياق بالقياس إلى زمان املتكلم‪،‬‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فزمان املتكلم هو مركز اإلشارة الزمانية في الكلم‪ ،‬فإذا لم يعرف زمان املتكلم أو مركز‬

‫اإلشارة الزمانية التبس األمر على السامع أو القارئ ‪-‬فقولك مثل‪ :‬بعد أسبوع‪ ،‬يختلف‬

‫مرجعها إذا قلتها اليوم‪ ،‬أو قلتها بعد شهر‪ ،‬أو بعد سنة‪ ،‬وكذلك إذا قلت‪ :‬نلتقي الساعة‬

‫‪ 1‬عباس حسن النحو الوافي‪.255 /1 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.18 ،‬‬

‫‪52‬‬
‫العاشرة فزمان التكلم وسياقه هما اللذان يحددان املقصود بالساعة العاشرة صباحا أو‬
‫ً‬
‫مساء من هذا اليوم‪ ،‬أو اليوم الذي يليه"‪.1‬‬
‫ً‬
‫وزمن الفعل (نلتقي) ينفي أن يكون اللقاء قد حدث فعل‪ ،‬بل يصرف زمن اللقاء‬
‫إلى من لم يمض بعد‪ ،‬ومثل ذلك كلمات‪ ،‬مثل‪ :‬أمس‪ً ،‬‬
‫وغدا‪ ،‬واآلن‪ ،‬واألسبوع املاض ي‪ ،‬ويوم‬ ‫ز‬

‫الجمعة‪ ،‬والسنة املقبلة‪ ،‬ومنذ شهر‪ ....‬إلخ‪ ،‬فهي كلمات ًل تتغير معناها إًل باإلشارة إلى زمان‬

‫بعينه بالقياس إلى زمان التكلم أو مركز اإلشارة الزمانية"‪.2‬‬

‫على أن "اإلحالة للزمان لها علقة وطيدة بالسياق الذي ترد فيه‪ ،‬في حالة اتساع‬
‫ً‬
‫دًللة بعض العناصر اإلشارية في التعبير عن الزمان‪ ،‬فمثل يتجاوز مدلول كلمة (اليوم)‬

‫في عبارة "بنات اليوم" دًللة هذ العنصر اإلشاري إلى الزمن الكوني الذي يتحد بأربع وعشرين‬

‫ساعة إلى أن يشمل العنصر الذي نعيش فيه‪ ،‬فهذه الدًللة اإلضافية موكوله إلى السياق‬

‫الذي ترد فيه العناصر اإلشارية"‪.3‬‬

‫ومما تجدر اإلشارة إليه‪ّ ،‬أن املقياس الشعوري يختلف في صميمه عن املقياس‬

‫الزماني‪ ،‬الذي يعتم د في القياس على األشهر واألسابيع واأليام والساعات؛ ألن الفترات الزمنية‬

‫املوضوعية قد تنكمش في شعور اإلنسان أو تتمدد وتبدو طويلة‪ .‬وذلك تبعا ملجرى الشعور‬

‫وسرعة ذلك املجرى؛ حيث ًل وجود للحياة اإلنسانية دون اًلنفعال أو الشعور الدائم بالذات‬
‫ً‬
‫استنادا‬ ‫فاإلنسان يعيش في مشقة نفسية دائمة‪ ،‬فهوبين توقع املستقبل‪ ،‬ومعاناة الحاضر‪،‬‬

‫على ميزانه النفس ي واًلجتماعي من املاض ي‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.192 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.20-19 ،‬‬
‫‪ 3‬السابق نفسه‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫وتنقسم اإلشاريات الزمانية إلى‪ :‬اسم الوقت‪ ،‬وما له علقة باسم الوقت‪ .‬ومن اسم‬

‫الوقت‪ :‬اليوم‪ ،‬وغدا‪ ،‬والليلة‪ ،‬والبارحة‪ ،‬والساعة‪ ...... ،‬إلخ‪ ،‬وما له علقة باسم الوقت منه‪:‬‬

‫"اسم العدد املميز به"‪ ،1‬مثل قولنا‪" :‬قضيت في الطريق إلى الحج ثلثة أيام وكلي شوق للبيت‬

‫الحرام" فالتعبير ب (ثلثة أيام) يناسب ما طويت عليه نفس املتكلم من لهفة وشوق للحج‬

‫وزيارة البيت الحرام‪ ،‬وقد ذكر العدد وميز بالزمن‪ .‬وقد نحذف الزمن ونبقي على صفته نحو‬

‫قولنا‪" :‬جالست العلماء طويل"‪ ،‬فحذف الزمن وأبقى على الصفة‪ ،‬وهي (طويل) وفهم ذلك‬

‫من خلل السياق‪.‬‬

‫ومما تجدر اإلشارة إليه أن نقطة مركز اإلشاريات الزمانية هي وقت التلفظ بها‪:‬‬

‫لذا أصبحت معيا ًرا لتقسيم األفعال‪ ،‬حيث يشمل الفعل الحدث والزمن‪ ،‬فالفعل ينقسم إلى‬

‫ماض ي‪ ،‬ومضارع‪ ،‬وأمر‪ ،‬وذلك حسب وقت تلفظ كل منهم مقارنة بوقت الحدث‪ ،‬فلحظة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صحيحا ًل بد من العلم بها‪ ،‬وربما أسقط املتكلم‬ ‫التلفظ هي املرجع‪ ،‬ولتأويل الخطاب تأويل‬

‫اإلشاريات الزمانية على غير استعمالها بما يناسب سياق تخاطبه‪ ،‬ومن ذلك أن يسجل قول‬
‫ً‬
‫املتكلم‪" :‬لست هنا اآلن ‪ ".....‬في جهاز السكرتير للهاتف (مسقطا) أن اآلن ستنطبق على أي‬

‫وقت يتصل خلله أحد ما‪ ،‬وليس على الوقت الذي سجلت فيه الكلمات"‪.2‬‬

‫ّ‬
‫املكانية ‪: Deicties Placement‬‬ ‫ت‪ .‬اإلشارّيات‬
‫ّ‬
‫هي عناصر تشير إلى أماكن يعتمد استعمالها وتفسيرها على معرفة مكان املتكلم‬
‫ّ‬
‫وقت التكلم‪ ،‬أو على مكان آخر معروف للمخاطب أو السامع‪ ،‬ويكون لتحديد املكان أثره في‬

‫‪ 1‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬أو ضح المسالك إلى ألفية ابن مالك‪ ،‬دار الطالئع‪ ،‬القاهرة‪ 2004 ،‬م‪.194 /2 ،‬‬
‫‪ 2‬جورج يول‪ ،‬التداولية‪.33 ،‬‬

‫‪54‬‬
‫اختيار العناصر التي تشير إليه قربا أو بعدا أو وجهة‪ ،‬ويستحيل على الناطقين باللغة أن‬
‫ّ‬
‫يستعملوا أو يفسروا كلمات‪ ،‬مثل‪ :‬هنا وهناك‪ ،‬وهذا وذاك ونحوها إًل إذا وقفوا على ما تشير‬

‫إليه بالقياس إلى مركز اإلشارة إلى الكلم‪.‬‬


‫ّ‬
‫"أحب العمل هنا"‪ ،‬فهل هو يعني‪ :‬في هذا املكتب أم في هذه‬ ‫فإذا قال شخص‪:‬‬

‫املؤسسة‪ ،‬أم في هذا البلد‪ ،‬أم في هذه الدولة أم في غير ذلك من األماكن؟ فكلمة "هنا" تعبير‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إشاري ًل يمكن تفسيره إًل بمعرفة املكان الذي يقصد املتكلم اإلشارة إليه‪ ،‬وثمة ظروف‬

‫للمكان تقوم بهذه الوظيفة اإلشارية‪ ،‬مثل‪ :‬فوق وتحت وأمام وخلف‪ ،‬وهي عناصر يشار بها‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫إلى مكا ن ًل يتحدد إًل بمعرفة موقع املتكلم واتجاهه‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬يخظى مكان التخاطب بعناية فائقة في التداولية؛ إذ يؤثر على‬

‫املخاطبين في األلفاظ املناسبة لتخاطبهم؛ حيث يكون املتكلم مركزا لتقسيم اإلشاريات‬

‫املكانية في قربها منه أو بعدها عنه‪ ،‬ويضفي ذلك معاني جديدة ًل يجملها اللفظ‪ ،‬يستدل بها‬

‫املتلقي على قصد املتكلم (املعنى التداولي) وتسمى‪ :‬اإلشاريات املكانية (الظرف) وهو" ما كان‬

‫وعاء لش يء‪ ،‬وتسمى األواني ظروفا ألنها أوعية ملا يجعل فيها‪ ،‬وقيل لألزمنة واألمكنة ظروف؛‬

‫ألن األفعال توجد فيها فصارت كاألوعية لها"‪ .1‬أما التعابير اإلشارية للمكان املتضمنة معنى‬

‫(في) فإنها ظرف مكان منصوب‪ ،‬وذلك إن كان مبهما أو صيغ من املصدر للدًللة على مكان‬
‫ً‬
‫وقوعه مشتركا مع عامله في لفظه‪.‬‬

‫وتنقسم اإلشاريات املكانية حسب مركزها (املتكلم) إلى‪ :‬قريب‪ ،‬وبعيد‪ ،‬يقال للقريب‬

‫منها‪( :‬هنا)‪ ،‬ويشار إلى املكان البعيد بقولك‪( :‬هناك وهنالك)‪ ،‬كما يراعى في تقسيم اإلشاريات‬
‫ً‬
‫املكانية حال املخاطب؛ حيث إن لها أثرا في انتقاء املتخاطبين ما يطابق سياق تخاطبهما‪" .‬فإن‬

‫‪ 1‬حاشية الصبان على شرح األشموني على ألفية ابن مالك‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪.125/2 ،‬‬

‫‪55‬‬
‫ً‬
‫كان في استطاعة املخاطب رؤية املشار إليه َع َّد ُه املتكلم قريبا وإًل استعمل التعابير اإلشارية‬

‫للمكان البعيد الذي ًل يمكن رؤيته‪ ،‬مثل‪ :‬هذا وهنا – أي‪ :‬يمكن رؤيته – وهما مختلفان عن‬

‫(ذلك)‪ ،‬و(هناك) اللتين تشيران إلى أشياء ابتعدت لتصبح خارج مجال الرؤية"‪.1‬‬

‫وللمكان على مستوى النص الشعري وجود خاص؛ إذ ًل يرتبط بوجود مرجعي‬

‫أو إحالة واقعية‪ ،‬و" هو جزء من البنية النصية‪ ،‬وقد يرتبط بعنصر سياقي آخر كالزمان‪ ،‬أو‬

‫الذوات‪ ،‬وفي ارتباطه بهذه العناصر يبني إحالته النصية الداخلية التي تجعل هذه العناصر‬

‫السياقية‪ ،‬تتحول من اإلحالة املرجعية إلى اإلحالة الشعرية التي ًل تبني صورة عن العالم‬

‫الواقعي‪ ،‬ولكن تسمح ببناء تصور عن العالم املمكن "‪.2‬‬

‫وهذا ما يؤكد عليه بعض الباحثين من أن عناصر اإلشارة إلى املكان قد تنقل لإلشارة‬
‫ّ‬
‫وتسمى عندئذ‪ :‬اإلشارة الوجدانية‬ ‫إلى ما يسمونه‪ ،‬املسافة العاطفية ‪Emotional Distance‬‬

‫‪ Deictic Empathic‬وهو قريب مما أسماه علماء املعاني عندنا‪ :‬التحقير بالقرب نحو قوله‬

‫تعالى‪ " :‬أهذا الذي يذكر آلهتكم" ‪ ،3‬والتعظيم بالبعد كقوله –عز وجل‪" -‬آلم‪ ،‬ذلك‬

‫الكتاب"‪.4‬‬

‫ّ‬
‫االجتماعية ‪:Deicties Social‬‬ ‫ث‪ .‬اإلشاريات‬

‫واإلشاريات اًلجتماعية "ألفاظ وتراكيب تشير إلى العلقة اًلجتماعية بين املتكلمين‬

‫واملخاطبين من حيث هي علقة رسمية ‪ Formal‬أو علقة ألفة ومودة ‪ ،Intimacy‬والعلقة‬

‫‪ 1‬جورج يول‪ ،‬التداولية‪.32 ،‬‬


‫‪ 2‬محمد خطابي‪ ،‬سياقات النص‪.103 ،‬‬
‫‪ 3‬سورة األنبياء‪ ،‬آية‪.36 :‬‬
‫‪ 4‬سورة البقرة‪ ،‬اآليات من‪.2-1 :‬‬

‫‪56‬‬
‫ً‬
‫ومقاما‬ ‫الرسمية يدخل فيها صيغ التبجيل ‪ Honorifics‬في مخاطبة من هم أكبر ً‬
‫سنا‬
‫ً‬
‫من املتكلم‪ ،‬أو مراعاة للمسافة اًلجتماعية بينها‪ ،‬أو حفظا للحوار في إطار رسمي كاستخدام‬
‫أنتم للمفرد املخاطب‪ ،‬ونحن للمفرد املعظم َن ْف َس ُه‪ ،‬وهي تشمل ً‬
‫أيضا األلقاب‪ ،‬مثل‪ :‬فخامة‬

‫الرئيس‪ ،‬اإلمام األكبر‪ ،‬جللة امللك‪ ،‬سمو األمير‪ ،‬فضيلة الشيخ‪ ،‬كما تشمل‪ :‬السيد‪،‬‬

‫والسيدة‪ ،‬واآلنسة‪ ،‬ويدخل فيها حضرتك‪ ،‬وسيادتك‪ ،‬وجنابك‪ ،‬وقد يقتصر بعضها‬

‫على الرجال‪ ،‬مثل‪ :‬معالى الباشا‪ ،‬وقد يقتصر بعضها على النساء‪ ،‬مثل‪ :‬الهانم‪ ،‬أما اًلستعمال‬
‫ً‬
‫غير الرسمي فهو معفي من هذه القيود جميعا"‪.1‬‬

‫ويحدد (هاليداي) مثل أبعاد للموقف الكلمي على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬املجال ‪ :Field‬ويقصد به موضوع الحدث اللغوي وهدفه بعبارة أخرى‪ :‬ماذا يقال؟‬

‫وملاذا؟‬

‫‪ -۲‬القناة ‪ :Mode‬ويقصد بها وسيلة اًلتصال‪ ،‬وقد تكون مكتوبة‪ ،‬أو منطوقة بمختلف‬

‫أشكالها‪ :‬رسالة خطية‪ ،‬أو رسالة مسجلة على شريط‪ ،‬إعلن على شاشة التلفاز‪ ....‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -3‬العلقة ‪ :Tenor‬ويقصد بها ما بين املتحدث واملخاطب من روابط‪ ،‬وقد يكون املتحدث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صديقا للمخاطب‪ ،‬وقد يكون ر ً‬
‫ئيسا له في العمل‪ ،‬وقد يكون رجل دين‪ ،‬وقد يكون قاضيا‬
‫ً‬
‫عاشقا يبث غرامه إلى محبوبته‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ً‬
‫سجينا‪ ،‬وقد يكون‬ ‫يسأل‬

‫وعلى آية حال ثمة صلة وثقى بين العلقات اًلجتماعية‪ ،‬وتحديد الوحدات اللغوية‬
‫التي يختارها‪ ،‬فقد ًلحظ (ديل هايمز) أن العلقة بين املتكلم واملخاطب تتضمن ً‬
‫أبعادا‪ ،‬من‬

‫أهمها‪:‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.26 ،‬‬

‫‪57‬‬
‫‪ -1‬بعد القوة ‪ Power‬أو السلطة‪ ،‬والتي يباشرها املتكلم على املخاطب أو العكس؛ فقد يكون‬
‫ً‬
‫مساويا له ‪ Equal‬أو أدنى منه ‪.Subordinate‬‬ ‫أحدهما أقوى نفوذا من اآلخر‪ ،‬أو‬
‫‪ -2‬التلحم ‪ Solidarity‬وهو يحدد ً‬
‫وفقا لدرجات العلقة بين املتكلم واملخاطب‪ ،‬فقد تكون‬

‫وثيقة أو حميمة ‪ Intimate‬وقد تكون بعيدة أو ضعيفة ‪.Distant‬‬

‫‪ -3‬العمر‪ ،‬فقد يكون أحدهما أسن من اآلخر‪ ،‬أو مقارًبا له أو دونه‪.‬‬

‫‪ -4‬الجنس‪ ،‬فقد يكون أحدهما ر ًجا أو امرأة‪.1‬‬


‫ً‬
‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬فإن العلقة اًلجتماعية تظهر من خلل اللغة في مفرداتها‬
‫وتراكيبها‪ ،‬ومن ّ‬
‫ثم يمكننا اًلستعانة بالتراكيب اللغوية‪ ،‬واملواقف الكلمية‪ ،‬لتحديد هذه‬

‫العلقة القائمة بين املتكلم واملخاطب‪.‬‬

‫‪ .2 .2‬املبحث الثاني‪ :‬اإلشاريات ( ‪ ) Deicties‬في شعرهاشم الرفاعي‪:‬‬


‫ّ‬
‫الشخصية ‪: Deicties Personal‬‬ ‫أ‪ .‬اإلشارّيات‬

‫‪ -‬ضمائر‪:‬‬

‫نبدأ في دراسة أشعار هاشم الرفاعي؛ لنقف على الدور الذي تؤديه العناصر اإلشارية‬

‫في تواصل الشاعر مع مخاطبيه‪ ،‬ذلك الشاعر الذي تجاوز في أشعاره هموم وطنه املحلية‬

‫والوقوف في وجه الظلم والطغيان بكل صوره إلى دائرة أو سع وأرحب وهي دائرة العروبة‬

‫واإلسلم؛ فانطلق يحمل هموم املسلمين والعرب‪ ،‬يناهض الظلم يعشق الحياة الكريمة‪ً ،‬ل‬

‫قيد‪ً ،‬ل إرهاب‪ً ،‬ل استخفاف باإلنسان؛ حيث يقول في قصيدة‪" :‬رسالة في ليلة التنفيذ"‬

‫مارس ‪1955‬م‪:‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمد حسام عبد العزيز‪ ،‬علم اللغة االجتماعي‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪.273 ،‬‬

‫‪58‬‬
‫يغلي دم األحرار في شرياني‪1‬‬ ‫فإذا سقطت سقطت أحمل عزتي‬

‫ويبكي أحوال املسلمين محاوًل إيقاظهم من هذا الثبات العميق‪ ،‬ويذكرهم بمجدهم‪،‬‬

‫ويحثهم على الوحدة والتضامن؛ للتصدي للعدو أيا كان‪ ،‬فهم شباب اإلسلم وعلى عواتقهم‬

‫تقع مسئولية استعادة أمجاد اإلسلم؛ حيث يقول في قصيدة‪" :‬شباب اإلسلم ‪ 9‬من فبراير‬

‫‪1959‬م‪:‬‬
‫ً‬
‫وأخضعه ا جدود خالدونا‬ ‫ملكنا هذه الدنيا قرونا‬

‫وال نسينا‪2‬‬ ‫وسط رنا صحائف من ضياء فما نس ي الزمان‬


‫وذلك من خلل تعيين نفسه على رأس العملية التواصلية‪ً ،‬‬
‫معبرا عن دواخل نفسه‪،‬‬

‫واإلشاريات هنا تدخل في نسيج البينة العميقة للخطاب‪ ،‬ومدلولها مرتبط باملقام الذي ترد‬

‫فيه‪ ،‬وفيما يلي نعرض لإلشاريات الشخصية في شعر هاشم الرفاعي‪.‬‬

‫‪ -‬ضمائراملتكلم‪:‬‬

‫من األمثلة الشعرية لضمائر املتكلم في شعر هاشم الرفاعي كقوله في قصيدة "‬

‫وصية ًلجىء" (‪ 18‬من نوفمبر ‪ 1958‬م)‪.‬‬


‫ً‬
‫أنا يا بني غدا سيطويني الغسق‬
‫لم يبق من ّ‬
‫ظل الحياة سوى رم ق‬
‫القلق‪3‬‬ ‫وحطام قلب عاش مشبوب‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.360 ،‬‬


‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪.383 ،‬‬
‫‪ 3‬السابق‪.378 ،‬‬

‫‪59‬‬
‫فالشاعر على رأس العملية التواصلية باستخدام الضمير املنفصل (أنا) الذي يدل‬

‫على املتكلم‪ ،‬إًل أن السياق وحده أفاد أن املتكلم هو اللجئ الفلسطيني الذي شعر بدنو‬
‫مخاطبا جعله ً‬
‫ابنا للمتكلم تكتمل‬ ‫ً‬ ‫األجل فأراد أن يوص ي ابنه‪ ،‬حيث ّ‬
‫جرد الشاعر من نفسه‬

‫العملية التواصلية‪ ،‬ويعبر من خللها عن الحال التي آلت إليها األوضاع في فلسطين املحتلة‪.‬‬

‫ومثال آخر قوله في قصيدة "رسالة في ليلة التنفيذ" مارس‪1955 ،‬م‪:‬‬

‫أنا لست أدري ‪ ،‬هل ستذكر قصتي أم سوف يعروها دجى النسيان‬

‫األوثان‪1‬‬ ‫متأخرا أم هادم‬ ‫أم أنني سأكون في تا ريخنا‬

‫فالشاعر هنا يستخدم ضمير املتكلم املنفصل املفرد (أنا)؛ ليعبر عن حيرته وقلقه‬

‫من أن يزيف التاريخ ويتحول من إنسان رفض الذل والهوان وضحى بنفسه في سبيل ذلك‪،‬‬

‫إلى متآمر ًل قيمة لتضحياته‪ ،‬وقد تنس ى قصته وًل يذكرها أحد‪.‬‬
‫ً‬
‫مخاطبا والده الذي تخيل أنه يرسل إليه رسالة في آخر‬ ‫ومن ذلك ً‬
‫أيضا قول الشاعر‬

‫ليلة في حياته‪ ،‬ليلة تنفيذ حكم اإلعدام فيه يحثه على الصمود والجلد في مواجهة صدمة‬

‫إعدام ولده‪ ،‬فيقول‪:‬‬


‫ّ ً‬ ‫َ‬ ‫أنا ال أ ُ‬
‫في زحمة اآلالم واألشجان‬ ‫تعيش محط ما‬ ‫يد ك أن‬‫ر‬
‫غير مدان‪2‬‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬
‫قد سي ق نح و املوت‬ ‫املصفود في أغالله‬ ‫إن ابن ك‬

‫فهو يطلب من والده أن يتحمل وأن يواجه اآلًلم واألحزان‪ ،‬فابنه قد سيق نحو املوت غير‬
‫ّ‬
‫مدان‪ ،‬فكل جريمته أنه رفض الطغيان واملهانة‪.‬‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.360 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.361 ،‬‬

‫‪60‬‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬جاء ضمير املتكلم املفرد املتصل في قول الشاعر في قصيدة "شم‬

‫النسيم" ( ّأول يونيو‪1955‬م)‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫سنا في فجر أيامي‬ ‫ذكرت بهم عهودا من‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مج س مة ألحالمي‬ ‫أ َر وني صورة املاض ي‬
‫َل َه ْو ا في ّ‬
‫ظل أو هامي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫تماما قد لهوت كما‬
‫بغير آالمي‪1‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شعرت‬ ‫الشباب فما‬ ‫وأدركت‬

‫يعبر الشاعر عن إثارته برؤيته ألطفال قريته عند شروق الشمس وهم يمزحون‪،‬‬

‫ويلعبون‪ ،‬ويلهون‪ ،‬ويأكلون في أمان وسلم وعفوية وكأنهم ملئكة‪ ،‬ذلك املشهد الذي عاد‬

‫بالشاعر إلى ذكريات املاض ي في وقت أيامه في وقت الفجر وصباه وكيف أنه كان يلعب ويهيم‬
‫ً‬
‫مستخدما في ذلك ضمير املتكلم‬ ‫تماما‪ً ،‬‬
‫حزينا على أيامه املاضية الناصعة التي انطوت‬ ‫مثلهم ً‬
‫ُ‬
‫أدركت‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ولهوت‪ ،‬وأو هامي‪،‬‬ ‫ُ‬
‫"ذكرت‪ ،‬وأروني‪ ،‬وأيامي‪ ،‬وأحلمي‪،‬‬ ‫املفرد املتصل والذي تمثل في‪:‬‬
‫ُ‬
‫وشعرت‪ ،‬وآًلمي" تاء الفاعل املتصلة بالفعل املاض ي تارة‪ ،‬وياء املتكلم التي حملت وظيفة‬

‫املضاف إليه تارة أخرى‪.‬‬

‫ومن ذلك قول الشاعر في مسرحيته "شهيد بني عذرة" على لسان هصر بن مالك‬
‫ً‬
‫موجها حديثه ًلبن أخيه عورة بن حزام‪:‬‬

‫فرضاك ما أ رج و ونت عليم‬ ‫ً‬


‫قالب ا ‪-‬‬ ‫ّ‬
‫أبني ما زوجتها – لك –‬

‫ولها أ ردت العيش وه و نعيم‬ ‫لكنني شئت السعادة ال بنتي‬


‫لزعيم‪2‬‬ ‫ّ‬
‫بهنائها بين الورى‬ ‫أبغي الهناء لها وإن أثالة‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.443 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.509 ،‬‬

‫‪61‬‬
‫بدأ الشاعر حديثه على لسان هصر بن مالك والد عفراء محبوبة عورة بن حزام‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ومبررا ًلبن أخيه السبب الحقيقي لخ ِّلف ِّه‬ ‫مسندا البنوة باستخدام ياء املتكلم‪،‬‬ ‫وابنة عمه‪،‬‬
‫ّ‬
‫وعده معه بتزويجه ابنته (عفراء)‪ ،‬وأنه ما فضل ابن أخيه اآلخر (أثالة) إًل ألنه أغنى‬

‫من عورة‪ ،‬وقادر على أن يوفر ًلبنته الحياة املليئة بالنعيم والهناء‪ ،‬مستخدما في ذلك ضمير‬
‫املتكلم املفرد املتصل املتمثل في "ياء املتكلم" التي وقعت في محل الجر باإلضافة في نحو ّ‬
‫"أبني‪،‬‬

‫وابنتي" أو في محل نصب اسم لحرف ناسخ في‪" :‬لكنني" أو في صورة التاء الواقعة في محل رفع‬
‫وشئت‪ ،‬وأ ُ‬
‫دت"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فاعل في نحو‪" :‬زوجتها‪،‬‬
‫ر‬

‫وقد أبدع هاشم الرفاعي في استخدام "ضمير املتكلم الجمع املنفصل (نحن)"‬
‫في اقتحامه لألحداث الجارية في بلد مصر وغيرها من بلد املسلمين ً‬
‫داعيا الشباب والشيوخ‬

‫إلى الصحوة اإلسلمية فيقول في قصيدة " شرق وغرب" (سبتمبر ‪1954‬م)‪:‬‬

‫لهم ال نستحق الن َس با‬ ‫ال تقولوا‪ :‬نحن ُع رب إننا‬


‫ً‬ ‫َ‬
‫الغ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫رب طفال ما حبا‬ ‫ح ين ك ان‬ ‫كان هذا الشرق في الدهر ف ت ى‬
‫ََ ً‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬
‫ُ‬
‫الرأس لديهم ذ ن با‬ ‫َو غ د ا‬ ‫ُ‬
‫األذناب رأسا للورى‬ ‫عادت‬
‫الط ُن َب ا‪1‬‬ ‫ْ‬
‫وط ُد وا للعلم هذي‬ ‫اليوم م ْن َرك ب األو لى‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫نحن‬ ‫َ‬
‫أين‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫موجها حديثه للجميع شيوخا وشبابا مشعرا من‬ ‫استخدم الشاعر الضمير (نحن)‬
‫ً‬
‫املسلمين إياهم بوحدة املصير‪ ،‬موبخا لهم فهم ًل يستحقون النسب للعرب أصحاب نهضة‬
‫ً‬
‫الشرق متسائل‪ :‬أين أصبحوا من العلماء الذين سادوا الدنيا بالعلم وسيطروا على مجريات‬

‫األمور‪.‬‬

‫ديوان هاشم الرفاعي‪.354 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪62‬‬
‫ّإن ضمير (نحن) الذي ورد في هذه األبيات مرتين‪ ،‬من أصناف تلك اإلشاريات‬
‫ً‬
‫الشخصية التي تدل على املتكلم الحاضر انطلقا من أنه يسمى "ضمير املتكلم واملخاطب‬

‫(ضمير الحضور)؛ ألن صاحبه ًل بد أن يكون حاضرا وقت النطق به‪".‬‬

‫ويقول الشاعر في قصيدة "غرام ًلجئ"‪ ،‬تلك القصيدة التي لم تكتمل بسبب وفاة‬

‫الشاعر (أو اخر يونيو ‪1959‬م)‪:‬‬


‫نيام‪1‬‬ ‫أمي لتحملنا ونحن‬ ‫لم أدر ساعتها ملاذا أسرعت‬
‫َ َ‬
‫ت َح َّدث الشاعر بلسان ًلجيء يصور غرامه ويناجي وطنه السليب متحدثا‬

‫إلى محبوبته حول ذكريات احتلل وطنه حين أسرعت أمه لتحمله وأخوته وهم نيام؛ لتهرب‬
‫ذاكرا أنه لم يدر ساعتها السبب؛ لصغر سنه ّ‬
‫وعبرر عن ذلك‬ ‫بهم من مصير الوطن السليب‪ً ،‬‬
‫مستخدما جملة الحال‪ " :‬ونحن نيام" يقصد هو وإخوته ً‬
‫ممهدا لذلك بضمير الجمع‬ ‫ً‬ ‫بقوله‬

‫املتصل (نا) في قوله‪" :‬لتحملنا"‪.‬‬

‫قد استخدام الشاعر الضمير (نا) في أكثر من غرض منها على سبيل املثال الفخر‪،‬‬

‫ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة "شباب اإلسلم"‪:‬‬


‫َ‬ ‫ً‬
‫وأخض َعها جدود خالدونا‬ ‫ملكنا هذه الدنيا قرونا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فما نس َي الزمان وال نسينا‬ ‫ص َحائف من ضياء‬ ‫وسط ْرنا َ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫غداة الروع تأبى أن تلينا‬ ‫حملناها سيوفا ال معات‬
‫أيت الهو َل و َ‬
‫الفتح املبينا‬
‫َ‬
‫ر‬ ‫إذا َخ َر َج ْت من األغماد ً‬
‫يوما‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫نؤديبهم أباة قادرينا‬ ‫وكنا حين يرمينا أناس‬
‫وس له الجبينا‪2‬‬ ‫بطغيان َن ُد ُ‬ ‫ُ‬ ‫كنا حين يأخذنا ٌّ‬ ‫ّ‬
‫ولي‬ ‫و‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪389 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.383 ،‬‬

‫‪63‬‬
‫ً‬
‫مفتخرا بالسلف والجدود الذين‬ ‫فالشاعر استخدم ضمير املتكلم الجمع املتصل (نا)‬

‫ملكوا الدنيا عدة قرون‪ ،‬ودانت لهم رقاب الجبابرة‪ً ،‬ل ينس ى التاريخ مواقفهم العظيمة‪،‬‬
‫وكنا‪ ،‬يرمينا‪ّ ،‬‬
‫وكنا‪ ،‬يأخذنا) أراد‬ ‫وذلك من خلل الكلمات‪( :‬ملكنا‪ ،‬وسطرنا‪ ،‬وحملناها‪ّ ،‬‬

‫ّ‬
‫من ذلك أن يذكر شباب األمة باملجد الذي كان؛ ليكون ذلك مقدمة ًلستعادة الصحوة‬

‫اإلسلمية وبث روح اإلقدام واإلباء في نفوس الشباب ًلسيما أن الشاعر "ألقى هذه القصيدة‬

‫في ندوة أقيمت بجمعية الشباب املسلمين مساء ‪ 9‬من فبراير ‪1959‬م ملناقشة انحراف‬

‫وشباب كائن اآلن‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫شباب كان‬
‫ٍ‬ ‫الشباب" ‪ ،1‬فهو يعقد مقارنة بين‬

‫‪ -‬ضمائراملخاطب‬

‫وردت بعض ضمائر املخاطب املفرد في قول الشاعر في قصيدة‪" :‬مصر الجريحة"‬

‫(يوليو‪1951‬م)‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫إني أنا "مصر" التي تتوجع‬ ‫أختاه؟ قالت يا فتى‬ ‫من أنت يا‬

‫ُمجزع ‪2‬‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬


‫فقدهما مصاب‬ ‫هذان‬ ‫أبكي على مجدي و أند ُب عزتي‬

‫أراد الشاعر أن يصف ما يقع بمصر من اضطرابات وأحداث سياسية فتمثلها‬

‫حسناء تمش ي شاكية في الليل أنهكها األنين‪ ،‬فدار حوار بينه وبينها قائم على خصيصة‬

‫أنت؟ قالت‪ .‬أنا مصرية (من جنسيتها) (املخاطب)‪ ،‬ثم انتزعت‬


‫اًلستحضار‪ ،‬فيسألها‪ :‬من ِّ‬
‫قيادة العملية التواصلية وأصبحت تؤدي دور املتكلم في البيت الثاني موضحة أنها تبكي‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.383 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.134 ،‬‬

‫‪64‬‬
‫ُ‬
‫على مجدها الذي خبا وعزتها التي فقدت‪ ،‬مستعينا في إيصال مقصده بضمير املخاطب‬

‫املنفصل املؤنث (أنت) الذي وقع في محل رفع مبتدأ مؤخر‪ ،‬وقد اعتمد على النداء‬

‫في (يا أختاه)؛ للتنبيهها وإشعارها باألمان باستخدام لفظ‪( :‬أختاه) إضافة إلى ضمير املتكلم‬

‫املفرد املتصل العائد على مصر (ياء املتكلم) في‪( :‬مجدي‪ ،‬وعزتي)‪.‬‬

‫ّأما عن ضمير املخاطب املثنى املتصل فمن ذلك قول الشاعر في قصيدة‪ " :‬آًلم‬
‫ً‬
‫جحيما ًل يطاق‬ ‫عاشق"‪ ،‬والتي قال في إهدائها إلى التي شغلت قلبي البكر‪ ،‬وأشعلت فيه‬

‫(عام ‪1949‬م)‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫هند‬ ‫ّ‬
‫الحب عينكما‬ ‫وهل أسهمت في‬ ‫أصابكما َو ْج ُد‬
‫َ‬ ‫قفا ّ‬
‫حدثاني ْ‬
‫هل‬

‫الس ُ‬ ‫َ َ‬ ‫كما َذ َاق َها َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬


‫هد‪1‬‬ ‫ص ٌّب أضر به‬ ‫نار الهوى ول ْهي َب ُه‬
‫قتما َ‬ ‫و َهل ذ‬

‫وقد استخدم ضمير املثنى املخاطب (ك) في‪ :‬أصابكما‪ ،‬عينكما) والتي وقعت (كاف‬
‫الخطاب) في األولى في محل نصب مفعول به‪ ،‬وفي الثانية (عينكما) في محل ّ‬
‫جر مضاف إليه‪،‬‬

‫ّأما عن التاء املتحركة في (ذقتما) فقد وقعت في محل رفع فاعل‪ ،‬وياء املتكلم في (حدثاني)‬

‫في محل نصب مفعول به‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬اعتماد الشاعر على ضمير املخاطب الجمع في قوله في قصيدة‬

‫"شرق وغرب" (سبتمبر ‪1954‬م)‪:‬‬


‫ال تناموا‪َ ،‬ب َلغ الس ُ‬
‫يل الزبى‬ ‫انه ُ‬
‫ضوا‬ ‫يا بني اإلسالم ُهبوا و َ‬

‫ُرْتبا ‪1‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬


‫فيه حينا إذا َس َم ْوتم‬ ‫عهدا َس َمت أ ْمجا ُدكم‬ ‫واذكروا‬

‫ديوان هاشم الرفاعي‪.271 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪65‬‬
‫استخدم الشاعر النداء؛ لتنبيه أبناء اإلسلم واستدعاء إنصاتهم‪ ،‬ثم استعان‬

‫بضمير املخاطب الجمع املتصل واملتمثل في نحو‪( :‬هبوا‪ ،‬ونهضوا‪ ،‬وًل تناموا‪ ،‬واذكروا) وكلها‬

‫وقعت وأو الجماعة فيها في محل رفع فاعل‪ ،‬وكلها أفعال أمر الغرض منها النصح‪ ،‬والحث‪،‬‬

‫واإلرشاد واستنهاض الهمم؛ ًلستعادة املجد الذي كان‪ ،‬عدا‪ً( :‬ل تناموا) فهو أسلوب نهي‬

‫الغرض منه الدعوة لليقظة فلم يعد هناك مجال للتكاسل‪ ،‬والنوم‪ ،‬باإلضافة إلى استخدام‬

‫كاف الخطاب في (كم) في (أمجادكم) والتي وقعت في محل جر مضاف إليه‪ ،‬والتاء في (تم) في‬

‫كلمة (سموتم) والتي وقعت في محل رفع فاعل‪.‬‬

‫‪ -‬النداء‬

‫وقد كثر النداء في شعر هاشم الرفاعي‪ ،‬ومن ذلك قوله في قصيدة‪ " :‬شرق وغرب"‬

‫(سبتمبر ‪1956‬م)‪:‬‬
‫الزَبى‪2‬‬ ‫ُ‬
‫السيل‬ ‫ال تناموا‪ ،‬بلغ‬ ‫يا بني اإلسالم هبوا و ُ‬
‫انهضوا‬

‫حيث يبدأ النداء ونسب األبناء لإلسلم؛ تشريفا لهم واستنهاضا لهممهم‪ ،‬ويقول في‬

‫مطلع قصيدة‪" :‬رسالة في ليلة التنفيذ" (مارس ‪1955‬م)‪:‬‬


‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫منتظران ‪3‬‬ ‫الجالد‬ ‫ُ‬
‫الحبل و‬‫و‬ ‫أبتاه ماذا قد يخط َبناني‬

‫حيث حذف أداة النداء مع بقاء أثرها؛ فقد عبر باملنادى مباشرة في مطلع القصيدة‪،‬‬

‫ويقول في مطلع قصيدة " الجزائر الثائرة" (‪ 28‬من سبتمبر ‪1958‬م)‪:‬‬


‫ب هواك الدم فو َق ُت َ‬
‫رب ك ي ا جز ا ئر‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.357 ،‬‬


‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪.357 ،‬‬
‫‪ 3‬السابق‪.358 ،‬‬

‫‪66‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ثائر ‪1‬‬ ‫يجري وين ُب ُع من ُح شاش ة كل‬

‫ً‬
‫تضامنا مع‬ ‫حيث اعتمد على النداء في (يا جزائر) وهو نداء استهل به القصيدة؛‬
‫ً‬
‫مصورا‬ ‫الغدائيين في الجزائر‪ ،‬ولم تتصل أداة النداء (يا) باملنادى بل انفصلت عنه‪ ،‬والتنعيم‬

‫اإلنسان العربي واملسلم بالحائر املتردد الذي يسير في الظلم بخطوات متعثرة يبدوا عليه‬

‫التعب واإلجهاد‪.‬‬

‫‪ -‬أسماء اإلشارة‬

‫(هذا) من أسماء اإلشارة التي اعتمد عليها الشاعر هاشم الرفاعي في قصيدة‪" :‬رسالة‬

‫في ليلة التنفيذ" (مارس ‪1955‬م)‪:‬‬

‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ثوان‪2‬‬ ‫َبشريت ْي وتمور بعد‬ ‫هذا حديث النفس حين تشق عن‬

‫واسم اإلشارة (هذا) أصله‪( :‬ذا) حيث الهاء للتنبيه‪ ،‬وذا اسم إشارة مبني على السكون‬

‫في محل رفع مبتدأ‪ ،‬ويستخدم اإلشارة للقريب‪ ،‬حيث استخدامه الشاعر؛ ليشير إلى الحديث‬

‫الذي دار بينه وبين نفسه حين سألته‪:‬‬


‫َ َ‬
‫ما ضرني لوقد َسكت‪ ،‬وكلما غلب األس ى بالغت في الكتمان‬

‫فيصف ألبيه في رسالته هذا الحديث‪ ،‬حيث تسأله نفسه ما الذي كان يضرها لو سكتت‬
‫ً‬
‫مثل الساكتين‪ ،‬وكلما استمرت األس ى والظلم بالغت هي السكوت‪ ،‬مشيرا لذلك باسم اإلشارة‬

‫(ذا)‪.‬‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.364 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.360،‬‬

‫‪67‬‬
‫لذلك فإن أسماء اإلشارة تصنف ضمن ضمائر الحضور‪ ،‬ألنها تحيل على حاضر‬

‫في وقت الكلم‪ .‬ومن ذلك أيضا قول في قصيدة " وصية ًلجيء"‪:‬‬
‫ْ ً‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ ُ ُ َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫اك ق ْد َع رف ت َك ط ف ال‬ ‫ت ل َك الرب وع ه ن‬

‫‪1‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬


‫حين َي ُج ُ‬ ‫َ‬
‫وب حقال‬ ‫الزهر‬‫يجني السنا و‬

‫حيث اسم اإلشارة (تلك) مكون من (تي ‪ً +‬لم البعد ‪ +‬كاف الخطاب) حيث (تي) اسم‬

‫إشارة مبني على الكسر في محل مبتدأ‪ ،‬واللم‪ً :‬لم البعد حرف مبني على السكون‪،‬‬

‫والكاف كاف الخطاب‪ .‬وقد استخدمت (تلك) لإلشارة إلى الجمع البعيد وهي الربوع‬

‫الفلسطينية التي عرفها اًلبن وعرفته طفل وهو يجني الزهور يجوب الحقول‪ ،‬وتجدر اإلشارة‬

‫إلى أن أسماء اإلشارة تدل على استحضار الذوات في أثناء الخطاب‪.‬‬

‫‪ -‬أسماء املوصول‪:‬‬

‫ومن األمثلة الشعرية على األسماء املوصولة قول الشاعر هاشم الرفاعي في قصيدة‬

‫"نواب األمة" (يوليو ‪1957‬م)‪:‬‬

‫َ‬
‫ال يفتحون بغير ما تهوى فما‬ ‫فحركه ْم ُدمى‬
‫ّ‬ ‫هاهم كما تهوى‬

‫َ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ّ‬
‫ل ُيصفقوا إن شئت أن تتكلما‬ ‫لنعلم أنهم قد جمعوا‬ ‫إنا‬

‫َ‬ ‫َ َ‬
‫وتسلما ‪1‬‬ ‫َ‬
‫ملصر‬ ‫َهتفوا بأن تحيا‬ ‫ص َب ْبت لنا األس ى‬ ‫و ُ‬
‫هم الذين إذا‬

‫‪ 1‬السابق‪.379 ،‬‬

‫‪68‬‬
‫يصور هاشم الرفاعي حال نواب األمة وموقفهم من الرئيس؛ فهو يراهم دمى يحركها‬

‫حسبما يريد وكيفما يشاء‪ ،‬فهم ًل ينطقون بغير ما يريد ودورهم يقتصر على التصفيق لكل‬
‫ً‬
‫ما يقول‪ ،‬وًل يعرفون للعتراض أو النقد سبيل حتى إذا أردت (أيها الرئيس) األذى واألس ى‬

‫للشعب فلن يقوموا بغير الهتاف والتأييد‪ ،‬وقد استعان الشاعر باسم املوصول املشترك (ما)‬

‫بمعنى (الذي) في قوله (كما ًل تهوى) وكذلك في قوله‪( :‬ما تهوى) وكان اإلعراب من وصلة‬

‫املوصول الجملة الفعلية (تهوى) والضمير مستتر تقديره أنت‪ ،‬واسم املوصول (الذين) الذي‬

‫يعود على جماعة نواب األمة وهو اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع؛ ليعبر من خلله‬

‫عن املواقف املخذية لنواب الشعب‪.‬‬

‫وكذلك قول الشاعر في قصيدة "األزهر" (‪1958‬م)‪:‬‬


‫ً‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪2‬‬ ‫من َم ْج د ه َع َرضا له أو َج وهرا‬ ‫ما أ َب ق ت األ يد ي التي َع َب ث ت ب ه‬

‫يبكي األحوال التي أصبح عليها األزهر الشريف كعبة العلماء ومنارته الذي لم يبق‬

‫األيدي العابثة الطامعة الحاقدة أي ش يء من مجده ًل في الشكل وًل في املضمون‪.‬‬

‫واسم املوصول املختص (التي) وصف به هذه األيدي العابثة‪ ،‬وملا كانت (التي) اسما‬
‫ً‬
‫غامضا ً‬ ‫ً‬
‫مبهما كان لهذا الغموض واإلبهام أثره في غموض املعنى الكلي وإبهامه جاء‬ ‫موصوًل‬

‫بجملة صلة املوصول (عبثت به) والتي تضمنت ضمير (الهاء) الذي يعود على اسم املوصول‬

‫مما أدى إلى وضوح املعنى وتبيان مقصد الشاعر وتنديده بفعل هذه األيدي التي تعبث باألزهر‬

‫وتاريخه‪.‬‬

‫ديوان هاشم الرفاعي‪.418 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫السابق‪.123 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪69‬‬
‫ويقول الشاعر في قصيدة "دماء في السودان" (مارس ‪1954‬م)‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫علينا وإن الحق ال شك غالبه‬ ‫إ ال إن االستعمار قد كان باغيا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫عدوا لنا َب ْي ن البالد ن َج ان ُب ُه‬ ‫وكل الذي آو إليه نعد ُه‬
‫َم طالبه ‪1‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫أخا ثورة حتى ت جاب‬ ‫الشعب الذي هب ثائرا‬ ‫وسوف يرى‬

‫نتحدث األبيات عند اًلستعمار وإنه مهما بلغ ظلمه فل بد للحق أن ينتصر وكل‬

‫من لجأ للستعمار فهو عدو لنا ًل علقة لنا به‪ ،‬وعلى النقيض من ذلك فإن من وقف مع‬

‫أهل السودان الفدائيين فهو رفيق كفاح وأخو ثورة لن يهدأ حتى تجاب املطالب واعتمد على‬

‫اسم املوصول (الذي) في هذه األبيات مرتين؛ األولى‪( :‬الذي أوى إليه) والثانية‪( :‬والذي هب‬
‫ً‬
‫ثائرا) واسم املوصول املختص (الذي) مبني على السكون‪ ،‬وهو اسم مبهم وغامض ًل يفهم‬

‫معناه إًل عن طريق جملة صلة املوصول التي توضح املعنى وتزيل اإلبهام واملتمثلة في (أو إليه‪،‬‬

‫متصل في األولى (الهاء) وعلى ضمير‬


‫ٍ‬ ‫ضمير بار ٍز‬ ‫وهب ً‬
‫ثائرا) الجملتين فعليتان اشتملتا على‬
‫ٍ‬
‫مستتر في الثانية‪.‬‬
‫ٍ‬

‫‪ -‬ضمائرالغيبة‬

‫من اعتماده على الضمير الغيبة املفرد قوله في قصيدة‪" :‬رسالة ليلة التنفيذ"‬

‫(مارس‪1955 ،‬م)‪:‬‬
‫لم ُ‬ ‫ُ‬
‫يبد في ظمأ إلى الطغيان‬ ‫طبي ُب األخالق مثل َك يا أبي‬
‫ُهو ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لكنه إن َ‬
‫العيال مرارة الحرمان‬ ‫ذاق‬ ‫عني لحظة‬ ‫نام‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.352 ،‬‬

‫‪70‬‬
‫لرثاني ‪1‬‬ ‫ً‬ ‫لوكان م ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫شاعرا‬ ‫ثلي‬ ‫املروع سحنة‬ ‫فلربما وهو‬
‫السجان املكلف بحراسته فهو على الرغم من إنه ّ‬
‫سجانه‬ ‫ّ‬ ‫حيث وصف هاشم الرفاعي‬

‫فإنه هاشما لم يشعر نحوه بأي حقد أو ضغينة‪ ،‬وإنما قد مدحه الشاعر‪ ،‬فهو يراه طيب‬

‫األخلق مثل أبيه ًل يجب الظلم أو العدوان لكن هذا عمله لو تكاسل عنه ولو لحظة لشردت‬

‫أو ًلده‪.‬‬

‫وهنا نتوقف مع قيمة تداولية تتمثل في سمو خلق السجين (املتكلم) وموضوعيته‬
‫فل يستطيع ٌ‬
‫أحد أن يلومه إن حقد على السجان أو كرهه فهو أداة من أدوات الطغيان‬

‫والظلم الذي ألم بالشاعر وقد استعان الشاعر بالضمير الغائب املتمثل في (هو‪ ،‬ولكنه‪،‬‬
‫ّ‬
‫السجان ومعرفته بمكنون نفس هذا السجان املغلوب على أمره‬ ‫ً‬
‫موضحا إحساسه تجاه‬ ‫وهو)‬
‫ً‬
‫شاعرا لرثى السجين‪.‬‬ ‫الذي لوكان‬
‫ً‬
‫ومن استخدامه لضمير الغائب الجمع مادحا عائلة الرفاعي يقول في قصيدة "مولد‬

‫الرفاعي" (‪ 22‬مايو‪ 1952‬م)‪:‬‬


‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫هامي ا‬ ‫هم القطر كال بل ُه م الغ يث‬ ‫رجال إذا ما املزن ضن ت بمائها‬
‫َ‬
‫عدت من دار لهم عدت ر ً‬ ‫َ َ‬ ‫متى َت أتيهم َ‬
‫اضي ا‬ ‫وإن‬ ‫السماح ة والندى‬ ‫تلق‬
‫ً‬
‫هادي ا‪2‬‬ ‫للخير‬ ‫َ‬
‫عاش‬ ‫كثير األيادي‬ ‫أب وهم إمام ُالهدى والجود هاشم‬

‫وقد استخدم في سبيل توضيح فكرته الضمير الغائب الجمع املنفصل مثل (هم‬

‫القطر‪ ،‬وهم الغيث) أو متصل في مثل‪( :‬تأتيهم‪ ،‬ولهم‪ ،‬وأبوهم) واستعان الشاعر بضمائر‬
‫ُ‬
‫الغياب رغم حضور املمدوحين ‪-‬حيث ألقي هذه القصيدة في الليلة الختامية ملولد جده‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.359 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.91 ،‬‬

‫‪71‬‬
‫السيد الرفاعي بأنشاص في ‪ 22‬مايو‪ 1952‬م‪ ،-‬ألنه التعبير عن الحاضرين بضمائر الغائب‬

‫سبيل من سبل الفخر التي يلجأ إليها الشعراء؛ لتباين قيمة املتحدث عنهم وعظمتهم‬

‫وفضلهم‪.‬‬

‫اإلشارّيات الزمنية ‪:Deicties Temporal‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫وتتمثل في استعمال األلفاظ الدالة على الزمن‪ ،‬لكن هذ اًلستعمال خاضع ملا‬

‫يقصده الشاعر فهي ًل تدل على زمن معين وًل يمكن للقارئ أن يدرك دًللته إًل بمعرفة‬

‫السياق الذي وردت فيه‪ ،‬ومن ذلك قول هاشم الرفاعي في قصيدة "رسالة ليلة التنفيذ"‬

‫(مارس‪1955 ،‬م)‪:‬‬
‫وجداني‪1‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تمور في‬ ‫والذكريات‬ ‫الليل من حولي هدوء قاتل‬

‫وقوله في القصيدة نفسها‪:‬‬


‫ّ‬
‫وأحس أن ظالمها أكفاني‬ ‫تبق إال ليلة أحيا بها‬‫َلم َ‬

‫ُجثماني‪2‬‬ ‫هذا ‪ -‬و ُ‬ ‫ُ‬ ‫ستمر يا ْأب ُ‬


‫تحمل بعدها‬ ‫تاه‪ -‬لست أشك في‬

‫والقارئ للبيتين اآلخرين ًل يستطيع أن يدرك أن الليلة املقصودة هي ليلة تنفيذ حكم‬

‫اإلعدام في هذا السجين إًل من خلل السياق الذي وردت فيه‪ ،‬فما هي إًل سويعات وينفذ‬

‫فيه حكم اإلعدام الظالم‪ ،‬تلك الليلة املظلمة وكأن ظلمها كفن السجين الذي يلف فيه‪ ،‬وهي‬

‫إن كانت األخيرة إًل أنه من املؤكد أنها ستمر فكل هم يمكن أي نزول سوى هم وعبء هذه‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.358 ،‬‬


‫‪ 2‬السابقـ ‪.358‬‬

‫‪72‬‬
‫الليلة التي لن يعيش سواها وما زلنا مع الليل ولكن هذه املرة من قصيدة‪" :‬الدستور الخالد"‬

‫(فبراير‪ 1951 ،‬م)‪:‬‬


‫الجنبات ‪1‬‬ ‫نمش ي بليل حالك‬ ‫ً‬
‫بعضا من صواب إننا‬ ‫ُ‬
‫قوم‬ ‫يا‬

‫ينادي الشاعر قومه‪ :‬كيف لنا أن نترك القرآن الكريم ذلك الدستور الخالد ونأخذ‬

‫دستورنا وقوانينا من فرنسا؟! ويطلب منهم أن يعودوا لصوابهم فقد وصل األمر إلى حد ًل‬

‫يمكن السكوت عليه‪ ،‬فقد أصبحنا نمش ي في طريق حالك السواد وكأنه دياجير الظلم البهيم‪،‬‬

‫وًل يمكن تحديد الدًللة الزمانية لليل إًل من خلل السياق‪.‬‬

‫ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة "شرق وغرب" مقارًنا بين ما كان عليه الشرق‬

‫من تقدم وحضارة وما آلت إليه األحوال اليوم (سبتمبر‪ 1954 ،‬م)‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وآر ُاه اليوم أمس ي ُم ْجدبا‬ ‫وقديما كان خصبا مثمرا‬

‫ََ ً‬ ‫وغدا َ‬
‫الر ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫أس لديهم ذنبا‬ ‫األذناب رأسا للورى‬ ‫عادت‬

‫الط ُنبا ‪2‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫وطدوا للعلم هذي‬ ‫اليوم من َركب األلى‬ ‫نحن‬ ‫أين‬

‫فبعد إن كان الشرق في مقدمة الركب الحضاري أصبح في املؤخرة وسيطر الغرب‬

‫على املقدمة‪ ،‬وقد استخدم الشاعر كلمة (اليوم) مرتين في هذه األبيات واملقصود بها العصر‬

‫الذي نحيا فيه؛ عصر الخزي والتخلف واًلضمحلل ألهل الشرق الذين تخلوا عن موقعهم‬
‫أذنابا ًل يملكون من أمرهم ً‬
‫شيئا‪.‬‬ ‫بين مصاف العلماء واملفكرين وساروا ً‬

‫ويقول في القصيدة نفسها‪:‬‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.344 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.354 ،‬‬

‫‪73‬‬
‫ُقلبا ‪1‬‬ ‫يومهم ما أرى األي َ‬
‫ام إال‬ ‫األمس‪ .‬وهذا ُ‬
‫ُ‬ ‫فلنا‬

‫فإن كان لنا األمس وليس املقصود باألمس هنا اليوم املاض ي وإنما القرون املاضية‬

‫التي امتلك فيها الشرق زمام األمور؛ فقد أصبح العصر الذي نحياه عصر سيادة الغرب‬

‫فاأليام ِّد َو ٌل‪ ،‬يوم لنا ويوم علينا‪ ،‬ونجد أن الزمن النحوي في صراع مع الزمن الكوني في كثير‬

‫من اًلستعماًلت‪ ،‬وًل يحل هذا الصراع سوى السياق ومرجع اإلشارة‪ ،‬غير أننا نركز في بحثنا‬

‫على الزمن النحوي فكلمتي‪" :‬أمس – اليوم" الواردتين في األبيات ًل تتحددان بأربع وعشرين‬

‫ساعة كدًللة الزمن الكوني‪ ،‬وإنما بقرون عديدة ساد فيها الشرق "أمس" في املاض ي‪ ،‬وقرون‬

‫يسود فيها "اليوم" الغرب‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن للزمن النحوي دوره في عملية التواصل‪ ،‬ومرد ذلك إلى قوة العلقة‬

‫بينه وبين السياق‪ ،‬التي هي بدورها علقة بين املتكلم واملخاطب وًل سيما أنه املخاطب جزء‬

‫من السياق‪ ،‬فالزمن النحوي له "وظيفة في السياق يؤديها الفعل أو الصفة أو ما نقل‬

‫إلى الفعل من األقسام األخرى للكلم كاملصادر والخوالف‪ ......‬وإن كان النحو هو نظام‬

‫العلقات في السياق فمجال النظر في الزمن النحوي هو السياق وليس الصيغة املنعزلة"‪.2‬‬
‫ً‬
‫ومن ذلك التعبير بلفظة غدا عن املستقبل‪ ،‬ومنه قول الشاعر في قصيدة‪" :‬وصية‬

‫ًلجئ" (‪ 18‬من نوفمبر‪1958 ،‬م)‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫غبار قبري عن يدك‬ ‫فإذا نفضت‬
‫‪3‬‬ ‫َ‬
‫ومضيت تلتمس الطريق إلى غدك‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.354 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬تمام حسان‪ ،‬اللغة العربية معناها ومبناها‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪.241 -240 ،2009 ،2‬‬
‫‪ 3‬ديوان هاشم الرفاعي‪.378 ،‬‬

‫‪74‬‬
‫فالغد ليس املقصود به اليوم التالي‪ ،‬ولكن املقصود املستقبل؛ أي مستقبل ذلك‬

‫اًلبن الذي يتحمل مسئولية استرداد الوطن السليب‪ ،‬والذي ًل بد له أ‪ ،‬ينفذ الوصية وينشر‬
‫دماء املعتدين على قبر والديه وأخيه هؤًلء الذين استشهدوا؛ ً‬
‫دفاعا عن وطنهم وديارهم‪.‬‬
‫ومنه قول الشاعر ً‬
‫أيضا في قصيدة "أغنية أم" (‪19‬من مارس‪1959 ،‬م)‪:‬‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫غد َك الذي كنا نؤ ّم ُل أن ُيصاغ من الورود‬
‫بالحديد ‪1‬‬ ‫وه من نار ومن ُظلم َت َ‬
‫دج َج‬ ‫نسج ُ‬
‫ُ‬

‫وقد ضاع حلم الوالدين في صياغة مستقبل مشرف ًلبنهما فها هو هذا املستقبل‬

‫"الغد" صاغه املعتدون من نار‪ ،‬وظلم‪ ،‬وعدوان فتحول حلم الغد واملستقبل إلى كابوس؛‬

‫حيث استعان الشاعر بلفظ‪" :‬غدك" املحدد بأربع وعشرين ساعة كزمن كوني ليدل على‬

‫املستقبل غير املحدد وغير املعلوم املدة‪.‬‬

‫ج‪ .‬تحليل اإلشارّيات املكانية‪Deicties Placement‬‬


‫َ‬
‫واسع‬ ‫إن املكان يحظى بمكانة فائقة األهمية في التداولية؛ إذ يؤثر في السياق تأثيرا‬

‫املجال‪ ،‬وله على مستوى النص الشعري وجود خاص‪ ،‬إذ هو جزء من البنية النصية وقد‬

‫نجح هاشم الرفاعي في اإلفادة من األماكن في قصائده ألبعد حد‪ ،‬ومن ذلك قوله في قصيدة‬

‫"الجزائر الثائرة" (‪ ۲8‬من سبتمبر‪1958 ،‬م)‪:‬‬


‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وقد انحت فوق الجراح‬
‫َ‬
‫ٌّأم ت َعض على السالح‬
‫ُْ‬
‫الجزائر ‪1‬‬ ‫َمنزوعة من َجنب جالد‬

‫ديوان هاشم الرفاعي‪.386 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪75‬‬
‫يصور الشاعر صورة األم الثكلي حين يقتل العدو الفرنس ي طفلها ويسيل دمه‬
‫ً‬
‫مستخدما في إيصال فكرته بعض‬ ‫على الرمال‪ ،‬وإصرارها على اًلستمرار في قتال العدو‪،‬‬
‫ً ً‬
‫األماكن (فوق‪ ،‬جنب‪ ،‬الجزائر) حيث رسمت هذه اإلشارات املكانية مشهدا رائعا يظهر طغيان‬

‫وظلم العدو (املستعمر الفرنس ي) في قتله ألطفال وشباب الجزائر وأهلها دون شفقة أو رحمة‬

‫هكذا صاغت اإلشاريات املكانية مقصد املتكلم وبغيته من الخطاب فهو عنصر مشارك‬

‫في صنع النص‪.‬‬


‫واملتأمل في شعر هاشم الرفاعي يجد ّأنه كان للمكان وجود ٌّ‬
‫جلي في قصائده‪ ،‬وًل يما‬
‫ً‬
‫ّأن الشاعر كان مهموما بكل األقطار العربية واإلسلمية خاصة التي تعاني مرارة اًلحتلل‬

‫وطمع الطامعين وحقد الحاقدين املحتلين‪ ،‬فالشاعر يملؤه الشوق واألمل في عودة هذه‬

‫األقطار إلى ما كانت عليه من مجد وريادة واستقلل فتتحول دًللة املكان من الدًللة‬
‫ً‬
‫الجغرافية إلى دًللة شخصية ًل يمكن فهمها والوعي بأهميتها إًل اعتمادا على السياق‪،‬‬
‫ً‬
‫ونلمح ذلك في معظم قصائده فيقول متحدثا عن قريته التي ولد فيها في قصيدة‪" :‬تحية‬

‫الشباب" (يوليو‪ 1950 ،‬م)‬


‫َ َ‬ ‫أنشاص يا ُ‬
‫ودرة العرش املكين‬ ‫تاج البالد‬

‫َ‬
‫ستخلعين ‪2‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والخمول‬ ‫التكاسل‬ ‫الرداء من‬ ‫هذا‬

‫فالشاعر قال هذه األبيات تحية لشباب أنشاص قريته ومسقط رأسه‪ ،‬فعلى أيديهم‬

‫سوف تتخلص أنشاص من التكاسل والخمول‪ ،‬فاستخدام الشاعر للمكان (أنشاص) يوحي‬

‫بحبه لقريته وحرصه عليها وعلى نهضتها ويشجع هؤًلء الشباب الذين يرغبون في النهوض‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.366 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.342 ،‬‬

‫‪76‬‬
‫علما بأن املكان في هذا السياق (أنشاص) يمثل ً‬
‫جزءا من البنية النصية ًل يمكن‬ ‫ببلدهم ً‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إهماله‪ ،‬ونراه يخطوا خطوة أكثر اتساعا متحدثا عن مصر وطنه الحبيب قائل في قصيدة‪:‬‬

‫"مصر في امليدان" (أكتوبر‪ 1951 ،‬م)‪:‬‬


‫َ ُ‬
‫و َسنا الخلود يشع من ماضيك‬ ‫ُ‬
‫يفيض من واديك‬ ‫نبغ الجهاد‬

‫َ‬
‫أبوك ‪1‬‬ ‫مصرو ُ‬
‫النيل العظيم‬ ‫ُ‬ ‫يا‬ ‫ُ‬
‫الفخار وكيف ال‬ ‫وإليك َينتس ُب‬

‫فوطن الشاعر مصر هو نبغ الجهاد وماضيه يشع منه ضوء الخلود والفخر ينتسب‬

‫إليه‪ ،‬فهو ابن النيل‪ ،‬وقد استخدم في تبيان فكرته اإلشاريات املكانية املتمثلة في‪( :‬واديك‪،‬‬

‫ومصر‪ ،‬والنيل) حيث تضافرت اإلشاريات املكانية مع مقصد املتكلم من أجل تحقيق تواصل‬
‫ً‬
‫ناجح فهي ًل تأتي عبثا‪ ،‬وإنما هي جزء أصيل في العملية التواصلية وليست فضلة يمكن‬

‫اًلستغناء عنها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ثم يحلق الشاعر في سماوات األقطار العربية فهو كما أسفلنا مهموم بحال العرب‬

‫واملسلمين فيقول في قصيدة‪" :‬محبة اليمن" (‪1948‬م)‪:‬‬


‫َ‬
‫أقام في األنحاء‬ ‫َ‬
‫الدمار‬ ‫تجد‬ ‫َ‬
‫اليوم واألرجاء‬ ‫انظر (لصنعا)‬

‫دم الشهداء ‪2‬‬ ‫ُ‬


‫حيث جرى ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫في األرض‬ ‫تفاقم شرها‬ ‫الحروب وقد‬ ‫تجد‬

‫ويقول في قصيدة‪" :‬دماء في السودان" (أول مارس ‪1954‬م)‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الدم املهراق وانهل ساكبه‬ ‫فسال‬ ‫الخرطوم من ذا أثارها‬ ‫أال سائل‬

‫أقاربه ‪1‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫ليردي بكف املرء فيها‬ ‫املكر نصله‬ ‫رمتها سيوف أرهف‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.137 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.340 ،‬‬

‫‪77‬‬
‫ثم يحلق ً‬
‫بعيدا في سماوات األقطار اإلسلمية حيث يقول في قصيدة "األسد‬
‫ً‬
‫السجين" متحدثا عن محمد وصفي رئيس وزراء إيران األسبق في (ديسمبر ‪195۲‬م)‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ساق إلى القيود وتسترق‬‫ت‬ ‫رأى إيران قد أضحت بنيها‬

‫ً‬
‫ولوكان الوصول لها يشق‬ ‫فشاء لنيل عزتها بلوغا‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬


‫طرق ‪2‬‬ ‫ولو ُملئت له باملوت‬ ‫وصم َم أن ينال املجد ً‬
‫قصرا‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫مهموما‬ ‫فالشاعر لم يكن مهموما بقضايا قريته أو وطنه مصر فقط ولكنه كان‬

‫بقضايا جميع األقطار العربية واإلسلمية‪ ،‬بل باإلنسانية كلها؛ فهو يهوى الحياة الطيبة‬

‫الكريمة لكل إنسان‪ ،‬وقد استخدم في سبيل ذلك التصريح ببعض أسماء األماكن؛ ليدل‬

‫على حزنه عليها وعلى الحال التي آلت إليه وعلى آماله في أن تنال كل هذه األقطار حريتها‬

‫وعزتها من جزاري الغرب‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى ّأن املتأمل في اإلشاريات املكانية عند هاشم‬

‫الرفاعي يجد أنه لم يستخدمها ملجرد اإلشارة ملكان بعينه على حد الوصف والتحديد فقط‪،‬‬

‫اعتمادا على ّأن املكان جزء مهم من السياق‬


‫ً‬ ‫ولكن ليقنعنا بالواقع األليم الذي وصلنا إليه‬

‫من أركان الرسالة التي يحاول املتكلم إيصالها للمتلقي‪.‬‬ ‫وهو بدوره‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.350 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.347 ،‬‬

‫‪78‬‬
‫ّ‬
‫االجتماعية ‪:Deicties Social‬‬ ‫اإلشاريات‬ ‫د‪.‬‬
‫فإن العلقة اًلجتماعية تظهر من خلل اللغة في مفرداتها وتركيبها‪ ،‬ومن ّ‬
‫ثم يمكننا‬

‫اًلستعانة بالتراكيب اللغوية‪ ،‬واملواقف الكلمية؛ لتحديد هذه العلقة القائمة بين املتكلم‬

‫واملخاطب‪ ،‬ومن ذلك في شعر هاشم الرفاعي قصيدة‪" :‬شهيد بن عذرة" فهو يقول على لسان‬

‫عورة‪:‬‬

‫ضاق الفؤاد بها وملا يسأل‬ ‫لكن لي يا عم عندك حاجة‬


‫ّ‬
‫ملؤمل ‪1‬‬ ‫أال تجود بها – أبى –‬ ‫أخش ى إذا ما جئت أطلب نيلها‬
‫ً‬
‫موجها إلى عمه (هصر) يشير إلى علقة األلفة‬ ‫نجد النداء في قول عورة بن حزام‬
‫واملحبة واإلكبار والتعظيم وذلك في حال ذكر أداة النداء (يا ُّ‬
‫عم) وفي حال حذفها في (أبى)‪،‬‬

‫بل إن النداء هنا يقيم علقة اجتماعية تطلبها سياق الحال وعظم الطلب الذي يتقدم به‬
‫ً‬ ‫املتكلم (عورة) إلى املخاطب (هصر) والذي ّ‬
‫قدم له املتكلم له طويل ويتلخص في طلبه الزواج‬

‫من ابنة عمه (املخاطب) عفراء‪.‬‬


‫ً‬
‫ويقول في قصيدة "مولد النور" ‪ 1954‬م مادحا الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إليك فريدة َعصماء‬ ‫مني‬ ‫يا سيد الشفعاء هذي مدحتي‬

‫إله ُه إطراء‬
‫أثنى عليه ُ‬ ‫َ‬
‫عليك فهل ملن‬ ‫هللا قد أثنى‬

‫اإلهداء ‪2‬‬ ‫مثلى ملثلك َي ُ‬ ‫َ‬


‫جمل‬ ‫فاقبل تحية شاعر لو أن من‬

‫ختم الشاعر مدحه للرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بهذه األبيات التي أظهر فيها‬
‫الشاعر إكباره وتعظيمه وثناءه على خير الخلق هللا أجمعين سيد الشفعاء وذلك يعد ر ً‬
‫فعا‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.419 -418 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.336 ،‬‬

‫‪79‬‬
‫ملنزلة الشاعر؛ ألن مدح الرسول صلى هللا عليه وسلم رفعة للمادح وليس للممدوح ًل سيما‬

‫ّأن املمدوح وقد أثنى عليه هللا‪ ،‬وتمثل املدح في النداء‪( :‬يا سيد الشفعاء) الذي يفيد التعظيم‬

‫والتمجيد والثناء‪ ،‬واألمر املتمثل في قوله‪ " :‬فاقبل تحية شاعر " غرضه الرجاء والتعظيم‬

‫وإظهار الحب فهو أمر من األدنى لألعلى‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫االستلزام الحواري )‪(Conversation Implicature‬‬

‫‪ .1 .3‬املبحث األول‪ :‬مفهوم االستلزام الحواري )‪(Conversation Implicature‬‬


‫ً‬
‫كان اًلستلزام الحواري "ما يرمي إليه املتكلم بشكل غير مباشر‪ ،‬جاعل مستمعه‬
‫ً‬
‫يتجاوز املعنى الظاهري لكلمه إلى معنى آخر"‪ .1‬ويعرف أيضا أنه "املعنى التابع للدًللة‬

‫األصلية للعبارة"‪.2‬‬

‫ويعرفه الدكتور بنعيس ى أزاييط‪ ،‬تحت العنوان "املعنى املستلزم املضمر" بقوله‪ّ :‬إن‬
‫ًّ‬
‫تخاطبيا بأوقتها‬ ‫املعنى املستلزم املضمر يتولد من عدم إخضاع الصيغة اللغوية املرسلة‬
‫كليا أو ًّ‬
‫جزئيا"‪.3‬‬ ‫اًلستلزامية املشتقة للمبادئ الحوارية وقوانينها الفرعية‪ًّ ،‬‬

‫فاًلستلزام الحواري يكشف عن الجانب اآلخر من التواصل‪ ،‬يجوز تسميته‬

‫بالتواصل غير املعلن – التواصل غير املباشر ‪ ،-‬بدليل ّأن املتكلم يقول كلما ويقصد غيره‪،‬‬
‫كما أن السامع يسمع ً‬
‫كلما ويفهم منه غير ما سمع"‪4‬‬

‫وبالجملة فإن اًلستلزام الحواري ينجم عن العدول عن إحدى القواعد املتحكمة‬

‫في الحوار اللغوي مع التشبث بمبدأ التعاون‪ ،‬فاًلستلزام الحواري يكشف عن الجانب اآلخر‬

‫من التواصل‪ ،‬ويجوز تسميته بالتواصل غير املعلن والتواصل غير املباشر‪ ،‬بدليل أن املتكلم‬
‫كلما ويقصد غيره‪ ،‬كما أن السامع يسمع ً‬
‫كلما ويفهم منه غير ما سمع"‪.5‬‬ ‫يقول ً‬

‫‪ 1‬العياشي‪ ،‬أدواري‪ ،‬االستلزام الحواري‪ ،‬االستلزام الحواري في التداولي اللساني‪.104 ،‬‬


‫‪ 2‬نفسه‬
‫‪ 3‬د‪ .‬بنعيسي عسو أزاييط‪ ،‬الخطاب اللساني العربي‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬األردن‪.120 ،‬‬
‫‪ 4‬العياشي‪ ،‬أدراوي‪ ،‬االستلزام الحواري‪ ،‬االستلزام الحواري في التداولي اللساني‪.130 ،‬‬
‫‪ 5‬السابق‪.104 ،‬‬

‫‪81‬‬
‫ويمكننا أن نضوغ ً‬
‫تعريفا للستلزام الحواري فنقول‪" :‬املقصد الذي يرمي إليه املتكلم‬
‫ً‬
‫ويدركه املخاطب دون تصريح اعتمادا على السياق التداولي" ومن ثم فهو قصد غير مباشر‪،‬‬
‫وبالتالي فعل إنجازي غير مباشر ً‬
‫أيضا"‪.1‬‬

‫ًلحظ جرايس‪ ،‬أن اللغات الطبيعية "يمكن في بعض املقاومات أن تدل على معنى‬

‫غير املعنى الذي يوحي به محتواها القضوي (أو معناها الحرفي)‪ ،‬ولوصف هذه الظاهرة‪،‬‬

‫يقترح جرايس وضع مجموعة من القواعد يعدها ضابطة لكل حوار لغوي" ‪ ،2‬فلقد كانت‬

‫نقطة البدء عند جرايس ‪ Grice.p.h.‬هي أن الناس في حواراتهم قد يقولون ما يقصدون‪ ،‬وقد‬

‫يقصدون عكس ما يقولون‪ ،‬فجعل كل همه إيضاح اًلختلف بين ما يقال ‪، What is Said‬‬

‫وما يقصده ‪ ،What is Mean‬فما يقال هوما تعنيه الكلمات والعبارات بقيمها اللفظية ‪Face‬‬
‫ً‬
‫اعتمادا على أن‬ ‫‪ ، Value‬وما يقصد هوما يريد املتكلم أن يبلغه السامع على نحو غير مباشر؛‬

‫السامع قادر على أن يصل إلى مراد املتكلم بما يتاح له من أعراف اًلستعمال ووسائل‬
‫اًلستدًلل‪ ،‬فأراد أن يقيم ً‬
‫معبرا بين ما يحمله القول من معنى صريح ‪ Explicit Mean‬وما‬

‫يحمله من معنى متضمن ‪ Inexplicit Mean‬فنشأت عنده فكرة اًلستلزام ‪.3 " Implicature‬‬

‫ولقد ُع ِّن َي جرايس باملقصد وما يقصده املتكلم‪ ،‬أكثر من أي ش يء آخر‪ ،‬وجعل شغله‬

‫الشاغل تفسير ما يقصده املتكلمون في حوارتهم‪ ،‬عن طريق غير مباشر‪ ،‬أي‪ :‬عن طريق‬

‫العدول عن املعنى املباشر للعبارة إلى مقصد املتكلم غير املباشر‪ ،‬وقد اتخذ من مبدئه‬
‫ً‬
‫التعاوني سبيل للوصول إلى هدفه وتطبيق نظريته‪ ،‬ولم يعنه أي ش يء آخر‪ ،‬غير تحقيق‬

‫‪ 1‬د‪ .‬أحمد المتوكل‪ ،‬اللسانيات الوظيفية (مدخل نظري)‪.260 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.34-33 ،‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬صالح إسماعيل‪ ،‬نظرية المعنى في فلسفة بول جرايس‪.64 ،‬‬

‫‪82‬‬
‫ً‬
‫مؤسسا ًلتجاه من أهم اًلتجاهات في البحث التداولي‪ ،‬ونال‬ ‫مآربه‪ ،‬ولقد كان سعى جرايس‬

‫هذا السعي رضا املعاصرين له واعتراضهم؛ فمنهم من سار على دربه‪ ،‬ومنهم من نقده وطوره‪،‬‬
‫ّ‬
‫غير أنه في واقع األمر يبقى جرايس املؤسس األول لهذا اًلتجاه‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬استنبط الباحث عن املعنى اًلستلزام الحواري هو أبرز الظواهر التي تميز‬
‫اللغات الطبيعية‪ ،‬وذلك على اعتبار ّأن عملية التخاطب ً‬
‫كثيرا ما تحمل معاني عديدة ًل‬

‫تنحصر فيما تدل عليه صيغتها الصورية‪ً ،‬لسيما ّأن اًلستلزام الحواري أو التأول الدًللي‬

‫للنصوص‪ ،‬يحمل داخله معاني ظاهرية وباطنية‪ ،‬يحددها السياق العام لقراءة النص‪.‬‬

‫أ‪ .‬االستلزام الحواري واألفعال الكالمية غيراملباشرة‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫أصبح مفهوم الفعل الكلمي نواة مركزية في الكثير من األعمال التداولية‪ ،‬وفحواه ّأن‬
‫ماديا ًّ‬ ‫ً‬
‫نشاطا ًّ‬
‫نحويا يتوسل‬ ‫كل ملفوظ ينهض على نظام شكلي دًللي إنجازي تأثيري‪ ،‬ويعد‬
‫ً‬
‫أفعاًل قولية لتحقيق أغراض إنجازية (كالطلب‪ ،‬واألمر‪ ،‬والوعد‪ ،‬والوعيد‪ ...‬إلخ) وغايات‬

‫تأثيرية تخص ردود فعل املتلقى (كالرفض‪ ،‬والقبول)‪ ،‬ومن ثم فهو فعل يطمح إلى أن يكون‬
‫مؤسساتيا‪ ،‬ومن ّ‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫فعل ً‬ ‫ً‬
‫ثم إنجاز‬ ‫اجتماعيا‪ ،‬أو‬ ‫تأثيريا‪ ،‬أي‪ :‬يطمح إلى أن يكون تأثيرا في املخاطب‬

‫ش يء ما"‪.1‬‬

‫واملفهوم السابق يمثل الفعل الكلمي املباشر‪ ،‬الذي يظهر فيه مقصد املتكلم‬

‫من خلل قوله مباشرة دون تأو يل أو عودة إلى السياق‪ .‬أما األفعال الكلمية غير املباشرة‪،‬‬
‫ً‬
‫فهي التي تدل هيئتها التركيبية على معنى ًل يقصده املتكلم‪ ،‬فكأنه يقول شيئا ويعني شيئا‬

‫‪ 1‬د‪ .‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪.40 ،‬‬

‫‪83‬‬
‫آخر"‪ .1‬وبناء على ذلك يظهر لنا أن الفعل الكلمي غير املباشرة أحد شقي الفعل الكلمي؛‬
‫ثم إنجا ًزا ًّ‬
‫لغويا‪ ،‬بيد أنه غير مصرح به من خلل البنية‬ ‫كلميا‪ ،‬ومن ّ‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫مقصدا‬ ‫حيث إنه يمثل‬

‫اللفظية‪ ،‬لكنه يستشف من خلل مبادئ الحوار والسياق التداولي‪.‬‬

‫يقول جاك ليرو‪ " :‬تعطي الدًللة التصويرية لنفسها مهمة دراسة الكفاية الدًللية‬

‫للغة من اللغات‪ ،‬وإنها لتدرس بذلك املضمون الدًللي للنصوص‪ ،‬أي‪ :‬تدرس معناها " الحرفي"‬

‫أو اللساني‪ ،‬بينما تدرس اللسانيات التداولية معنى العبارات من خلل العلقة مع سياق‬

‫التعبير"‪.2‬‬

‫ب‪ .‬االستلزام الحواري واألفعال اإلنجازية غيراملباشرة‬

‫تشير القوة اإلنجازية لفعل كلمي ما إلى الخصائص املعجمية والصورية لذلك‬

‫الفعل الكلمي التي تحدد استعماله لتحقيق قصد تواصلي ما"‪ ،3‬فتداولية أفعال الكلم‬

‫في حقيقة األمر هي تداولية الفعل الكلمي اإلنجازي‪ ،‬فهو يؤدي أفعاًل لغوية كاإلخبار وتوجيه‬

‫األسئلة وإعطاء األوامر‪ ،‬وعمل الوعود‪ ،‬واًلعتذارات وآخر‪ ،‬فكل من األفعال اللغوية‬

‫السابقة كاإلخبار والطلب ونحوهما يسمى باسم الغرض اإلنجازي ‪ Purposeilloc‬أو املقصد‬

‫اإلنجازي "‪.4‬‬
‫ً‬
‫وما دام اًلستلزام الحواري فعل كلميا غير مباشر يمثل قصدا غير مباشر‪ ،‬فهو‬

‫فعل إنجازي غير مباشر‪ ،‬فالقصد يساوي اإلنجازي‪ .‬ولقد ًلحظ بعض الباحثين أننا نتواصل‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.117 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬منذر عياشي‪ ،‬اللسانيات والداللة‪ ،‬دراسات لغوية‪ ،‬مركز اإلنماء الحضاري‪ ،‬حلب‪.71 ،1996 ،‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬أحمد المتوكل‪ ،‬الخطاب وخصائص اللغة العربية‪.56 ،‬‬
‫‪ 4‬د‪ .‬محمد العبد‪ ،‬النص والخطاب واالتصال‪.287 ،‬‬

‫‪84‬‬
‫باألفعال اإلنجازية املباشرة‪ ،‬فاألفعال اإلنجازية التي ًل تستخدم إًل مباشرة قليلة ًّ‬
‫جدا‪ ،‬وهي‬

‫تقصر في الغالب على ما يسمى‪ :‬األفعال املؤسساتية أو التشريعية كالتوكيل إن استخدمت‬

‫هنا غير مباشرة فسوف تؤدي إلى اللبس وضياع الحقوق"‪.1‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫فالفعل اإلنجازي يرتبط ارتباطا وثيقا بمقصد املتكلم‪ ،‬وعلى السامع أن يبذل الجهد‬

‫الكافي للوصول إليه؛ ولهذا يقوم قصد املتكلم الذي يعبر عنه باإلنجاز بدور مركزي في نظرية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫محوريا‬ ‫مباشرا أم غير مباشر يعد مفهوما‬ ‫الفعل الكلمي"‪ .2‬فالفعل اإلنجازي سواء أكان‬

‫في نظرية األفعال الكلمية"‪ .3‬ومن ثم فهو مركز اًلهتمام ومناط الدراسة التداولية بأسرها‪.‬‬
‫وقبل أن ّ‬
‫نعرف بدور اًلستلزام الحواري اإلنجازي في نظرية األفعال الكلمية‪ ،‬والتي هي لب‬
‫ً‬
‫نعرف أو ًل بكيفية حصول هذا املعنى املستلزم الحواري‪ُ .‬ويولد‬
‫الدراسة التداولية‪ ،‬يجب أن ّ‬

‫املعنى املستلزم املضمر ً‬


‫بناءا على خرق أحد القوانين الفرعية‪ ،‬واملندرجة ضمن قوانين‬
‫ًّ‬
‫تخاطبيا بقوتها اًلستلزامية‬ ‫التخاطب العامة‪ ،‬فهو يتولد من عدم إخضاع الصيغة املرسلة‬

‫كليا أو ًّ‬
‫جزئيا"‪.4‬‬ ‫املشتقة الحوارية وقوانينها‪ًّ ،‬‬

‫االستلزام الحواري بين مبدأ التعاون واملبادئ التداولية للحوار‬ ‫ت‪.‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫واسعا في تطوير التداوليات اللغوية‬ ‫ًل يخفى أن مبدأ التعاون التخاطبي قد فتح بابا‬
‫وتنويع الدراسات املتعلقة بموضوع التواصل اإلنساني‪ّ ،‬‬
‫لكن اًلعتراضات التي وردت‬

‫على هذا املبدأ أو التعديلت التي أدخلت عليه‪ ،‬بلغت النهاية في الكثرة‪ .‬فليتش يرى أن‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.86 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.71 ،‬‬
‫‪ 3‬السابق‪.73 ،‬‬
‫‪ 4‬د‪ .‬بنعيسى عسو أزاييط‪ ،‬الخطاب اللساني العربي‪.120-119 ،‬‬

‫‪85‬‬
‫اًلعتراضات على مبدأ التعاون لجرايس‪ ،‬وجهت له على أساس كونه ًل يدافع عن بداهة‬

‫استعمال اللغة الواقعية‪ ،‬فقد وقع اًلحتجاج بأن القيود التحاورية‪ ،‬مثل تلك القيود‬

‫املوضوعية على مبدأ التعاون‪ً ،‬ل يكون لها تأثير ما؛ ألن معظم الجمل الخبرية ًل توجد لها‬

‫وظيفة حاملة ملعلومة‪.‬‬

‫ويرى ليتش أنه "قد وقع احتجاج آخر مضمونه ّأن قواعد مبدأ التعاون ليست كلية‬
‫ّ‬
‫وًل شاملة للغة‪ ،‬ألنه توجد جماعات لغوية ًل تطبق عليها‪ ،‬ويرد هذه اًلنتقادات‪ ،‬حيث إنه‬

‫يراها ليست بضرورة مجحفة فكلي يرفض مبدأ التعاون على أسس كمية محضة كان ينبغي‬

‫أن يساء فهم قواعد املعايير اإلحصائية وهذا لم يحصل"‪.1‬‬

‫" ولم يستوقف أي من اًلعتراضات على مبدأ التعاون الدكتور طه عبد الرحمن‪،‬‬

‫إًل اعتراض واحد‪ ،‬وهو مبدأ التعاون والقواعد املتولدة منه ًل تضبط إًل الجانب التبليغي‬
‫ً‬
‫من التخاطب‪ ،‬أما الجانب التهذيبي منه‪ ،‬فقد أسقط اعتباره إسقاطا" ‪ . 2‬ومجمل اًلنتقادات‬

‫التي وجهت "لجرايس" لم تأبه بما أشار إليه في عبارته التي جاء فيها‪ :‬هناك أنواع شتى لقواعد‬

‫أخرى جمالية واجتماعية وأخلقية‪ ،‬من قبل لتكون مؤدبا‪ ،‬والتي يتبعها عادة املتحاورون في‬

‫أحاديثهم والتي قد تولد معان غير متعارف عليها‪.‬‬

‫‪ 1‬جيوفري ليتش‪ ،‬مبادئ التداولية‪.108 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬طه عبد الرحمن‪ ،‬اللسان والميزان‪.239 ،‬‬

‫‪86‬‬
‫ث‪ .‬االستلزام الحواري واألساليب اإلنشائية الطلبية‪:‬‬

‫اإلنشاء لغة‪ :‬اإليجاد واإلحداث واإلبداع‪ ،‬وهو في التصنيف البلغي يقابل الخبر‪،‬‬
‫ويقصد به إيجاد معنى بلفظ يقارنه في الوجود‪ ،1‬فاإلنشاء ً‬
‫طلبا أو غير طلب هو الكلم الذي‬
‫ً‬
‫صدقا وًل ً‬
‫كاذبا؛ ألنه ًل يخبر بحصول ش يء أو عدم حصوله فيكون له واقع خارجي‬ ‫ًل يحتمل‬

‫يطابقه‪ ،‬وإنما هو طلب على سبيل اإليجاب‪ ،‬مثل‪ :‬اجتهد‪ ،‬أو على سبيل السلب‪ ،‬مثل‪ً :‬ل تؤخر‬

‫عملك إلى الغد‪.2‬‬


‫ً‬
‫موجودا عند الطلب‪ ،‬مكا يتضمن‪:‬‬ ‫فالطلبي هو ما يطلب به حصول ش يء لم يكن‬

‫األمر‪ ،‬والنهي‪ ،‬واًلستفهام‪ ،‬والتمني‪ ،‬والنداء‪ ،‬أما غير الطلبي فهوما ًل يطلب به حصول ش يء‬

‫أو عدم حصوله‪ ،‬ومنه‪ :‬صيغ املدح والذم‪ ،‬والقسيم والتعجب‪ ،‬وصيغ العقود‪ .3‬ونحن‬

‫معنيون باإلنشاء الطلبي إذا إنه أقرب إلى صميم بحثنا‪ :‬من حيث إنه يحمل معاني أخرى غير‬
‫معانيه الحقيقة‪ ،‬تختلف ً‬
‫طبقا للعوامل املؤثرة فيها‪ ،‬وتتولد مطابقة ملقام إنجازها‪ ،‬فاملعاني‬

‫املتولدة حينئذ هي ما نسميها باملعاني املستلزمة حوارًّيا‪.‬‬

‫ونرى أن اإلخلل بشروط اإلجراس على األصل مخالفة للمقام‪ ،‬أي‪ّ :‬إن القول غير‬
‫مناسب للمقام‪ ،‬ومن ّ‬
‫ثم فهو إخلل بقاعدة العلقة املناسبة والورود وامللئمة ‪(MAXIM OF‬‬

‫)‪ RELEVANCE‬والتي تقول "ليناسب مقالك مقامك‪ ،‬وترمي إلى أن يناسب القول ما هو‬

‫مطلوب في كل مرحلة‪ ،‬أي‪ :‬وجود تعلق الخبر باملقام‪ ،‬وبهذه املخالفة الصريحة تتولد املعاني‬

‫املستلزمة حوارًّيا‪ ،‬والتي تناسب مقام اإلنجاز‪ .‬أما قوله‪" :‬تولد منها ما ناسب املقام"‪ ،‬فهو‬

‫د‪ .‬صباح عبيد دراز‪ ،‬األساليب اإلنشائية أسرارها البالغية في القرآن الكريم‪ ،‬مطبعة األمانة‪.70 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬د‪ .‬عبده عبد العزيز قلقية‪ ،‬البالغة االصطالحية‪.146 ،‬‬


‫‪ 3‬السابق‪.147 ،‬‬

‫‪87‬‬
‫إشارة مهمة إلى دور السياق املقامي أو السياق التداولي‪ ،‬في إعانة املتكلم على تحقيق‬
‫ً‬
‫اعتمادا ً‬
‫كليا على املقام‪.‬‬ ‫مقاصده غير املباشرة‪ ،‬والتي يعتمد تبليغها‬

‫وإذا كانت "الوظيفة التواصلية في اللغة العربية‪ ،‬وهي كغيرها من اللغات‪ ،‬كانت‬

‫وما زالت الهدف األساس ي الذي يرمي إليه كل متكلم بها لنقل أفكاره بألفاظ مخصوصة‬

‫متناسبة مع مقامتها"‪ ،1‬فإن اًلستلزام الحواري من خلل اإلتيان بأسلوب لغوي بليغ يظهر‬
‫ً‬
‫براعته وملكاته‪ ،‬لكنه يعمد إلى عدم التصريح بمقصده‪ ،‬نزوًل على بعض ملبسات الخطاب‪،‬‬

‫التي توجب عليه عدم التصريح‪ ،‬وعندئذ يكون التلميح أبلغ من التصريح‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن البلغيين قد عدوا الخروج عن املعاني الحقيقة لألساليب‬


‫ً‬
‫اإلنشائية أغراضا بلغية‪ ،‬وبما أن هذه املعاني املتولدة أغراض فهي بمثابة أفعال إنجازية‪،‬‬
‫ً‬
‫فالغرض أو املقصد يساوي اإلنجاز في البحث التداولي‪ ،‬والباحث يميل إلى تسميتها أغراضا‬

‫معان يريد املتكلم تبليغها للمستمع‪ ،‬ومن ثم فهي مقاصد وأفعال‬


‫بلغية؛ حيث إنها تحمل ٍ‬
‫إنجازية‪ ،‬لكنها غير مباشرة؛ ألنها غير مصرح بها‪.‬‬

‫ويرى الدكتور تمام حسان ّأن لإلنشاء الطلبي تسعة أقسام‪ :‬استفهام‪ ،‬وأمر‪ ،‬ونهي‬

‫وعرض‪ ،‬وتخضيض‪ ،‬وتمن‪ ،‬وترج‪ ،‬ودعاء‪ ،‬ونداء"‪ .2‬وجعلها السكاكي خمسة محصورة‬

‫في‪ :‬التمني‪ ،‬واًلستفهام‪ ،‬واألمر‪ ،‬والنهي‪ ،‬والنداء"‪.3‬‬

‫وتحضر اآلن القاعدة الذهبية التي صاغها أسلفنا العظام‪" :‬لكل مقام مقال"‪،‬‬

‫إذ يقول السكاكي‪ً" :‬ل يخفي عليك أن مقامات الكلم متفاوتة‪ ،‬فمقام الشكر يباين مقام‬

‫‪ 1‬د‪ .‬خديجة الصافي‪ ،‬نسخ الوظائف النحوية في الجملة العربية‪.56 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬تمام حسان‪ ،‬اللغة العربية معناها ومبناها‪.244 ،‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬السكاكي‪ ،‬مفتاح العلوم‪.155-153 ،‬‬

‫‪88‬‬
‫الشكاية‪ ،‬ومقام التهنئة يباين التعزية‪ ،‬ومقام املدح يباين مقام الذم‪ ،‬ومقام الترغيب يباين‬
‫ً‬
‫ابتداء يغاير‬ ‫مقام الترهيب‪ ،‬ومقام الجد في جميع ذلك يباين مقام الهزل‪ ،‬وكذا مقام الكلم‬
‫مقام الكلم ً‬
‫بناء على اًلستخبار أو اإلنكار‪ ،‬ومقام البناء على السؤال يغاير مقام البناء‬

‫على اإلنكار‪ ،‬وجميع ذلك معلوم لكل لبيب"‪.1‬‬

‫ّإن الشاعر يهدف إلى إسماع صوته للجميع واستغلل قدراته اللغوية ملد جسور‬

‫التواصل مع متلقيه فكان ينطلق في أغلب قصائده من منطلق الحث والنصح واإلرشاد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والحماسة والفخر واملدح أحيانا والذم أحيانا أخرى؛ وذلك ليتمكن من نيل اهتمام املتلقي‬
‫ً‬
‫معتمدا في جل تخاطبه مع املتلقي الذي يعمل على‬ ‫مما يفسح املجال لتقديم أفكاره‬

‫استحضاره على اًلستفهامات والنداءات وغيرها من صور اإلنشاء الطلبي مما يجبر املتلقي‬

‫على البحث عن أجوبة مما يحدث التفاعل مع الشاعر وها نحن نعرض للمعاني املستلزمة‬

‫حوارًّيا في األساليب اإلنشائية ‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬


‫ً‬
‫أ‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا في األمر‪:‬‬

‫جملة األمر هي إحدى الجمل الحافزة على إيقاع حدث ما وهي عند البلغيون‪" ،‬طلب‬
‫ً‬
‫طلبا جاز ًما غير كفء على جهة اًلستعلء‪ ،‬ومعنى اًلستعلء عد اآلمر نفسه عاليا‬
‫فعل ً‬

‫سواء أكان ً‬
‫عاليا في نفسه أم ًل"‪ .2‬واألمر الحقيقي هو طلب الفعل على سبيل اإلستعلء‬

‫واإللزام فإذا اختل الشرطان السابقان كلهما أو أحدهما فل تدل صيغ األمر‬

‫على معانيها الحقيقة‪ .‬ولألمر أربع صيغ‪:‬‬

‫‪ 1‬السابق‪.158 ،‬‬
‫‪ 2‬د‪ .‬صباح دراز‪ ،‬األساليب اإلنشائية‪.15 ،‬‬

‫‪89‬‬
‫ٰ َ ْ ٰ ُ ْ ٰ َ ُ َّ َ ٰ َ ْ ٰ ُ ْ ُ ْ َ َ ۙ‬
‫ص ِّب ًّيا﴾‪.1‬‬ ‫‪ -‬فعل األمر كقوله تعالى‪﴿ :‬ييحيى خ ِّذ ال ِّكتب ِّبقو ٍة ۗواتينه الحكم‬
‫ٰۤ َ‬
‫أمرا عند البلغين ًل النحاة كقوله تعالى‪﴿ :‬يـاي َها الذ ۡي َن‬ ‫‪ -‬اسم فعل األمر‪ ،‬ويسمى ً‬
‫ُ‬ ‫َ َ ََ ُ َ‬ ‫َ ُ ۡ ََۡ ُ ۡ َۡ ُ َ ُ ۡ َ َ ُ ُ‬
‫ضرك ۡم م ۡن ضل اذا ۡاهتد ۡيت ۡم ؕ الى ّٰلل َم ۡرج ُعك ۡم َجم ۡي ًعا‬ ‫امنوا عليكم انفسكم ال ي‬
‫ُُۡ َ ُ َ‬ ‫َ َ ُُ‬
‫ف ُيـن ّـبـئك ۡم ب َما كنت ۡم ت ۡع َمل ۡون﴾‪.2‬‬
‫ٖۗ‬ ‫ْ ُ‬
‫‪ -‬املضارع املجزوم بلم األمر كقوله تعالى‪﴿ :‬ل ُينف ْق ذ ْو َس َعة ّم ْن َس َعته﴾‪.3‬‬
‫َ َْ َ َّ‬
‫الرقاب﴾‪ ،4‬وصيغة األمر‬ ‫‪ -‬املصدر النائب عن فعل األمر كقوله تعالى‪﴿ :‬فضرب‬

‫قد تستعمل في غير الطلب فتفيد معاني أخرى عديدة تستنتج من السياق‬

‫وقرائن الكلم‪.‬‬

‫ب‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا باستخدام أسلوب النهي‪:‬‬

‫النهي أحد أغراض األسلوب اإلنشائي‪ ،‬وهو في اًلصطلح‪" :‬طلب الكف‬

‫عن الفعل استعلء"‪ ،5‬وًل يختلف عن األمر من حيث شروط جريانه على األصل‬

‫وهما‪ :‬شرط اًلستعلء‪ ،‬وشرط إلزام املخاطب به ز فإذا اختل الشرطان أو أحدهما‪،‬‬
‫ً‬
‫جديدا بناء على خرق العلقة بين مقام النهي والقول املنطوق‬ ‫استلزم ذلك معنى‬

‫فيه‪.‬‬

‫ت‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا في أسلوب االستفهام‪:‬‬

‫‪ 1‬سورة مريم‪ ،‬اآلية‪.12 :‬‬


‫‪ 2‬سورة المائدة‪ ،‬آية‪.105 :‬‬
‫‪ 3‬سورة الطالق‪ ،‬آية ‪.7‬‬
‫‪ 4‬سورة محمد‪ ،‬آية ‪.4‬‬
‫‪ 5‬التفتازاني‪ ،‬مختصر السعد‪ ،‬شرح تلخيص كتاب مفتاح العلوم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪.213 ،1‬‬

‫‪90‬‬
‫ً‬
‫اًلستفهام على أصله طلبا للجواب‪ ،‬وبمعناه اًلشتقاقي املباشر هو‪ :‬طلب الفهم‪،‬‬

‫قالوا أي‪ :‬إ ّن اًلستفهام الحقيقي هو السؤال عما يجهله السائل‪ ،‬وهو في هذه الحالة‬
‫ينتظر ً‬
‫جوابا‪ ،‬لكن صيغ اًلستفهام قد تؤدي معاني أخرى غير السؤال‪ ،‬وهذه املعاني‬
‫تفهم من سياق الكلم وقرائن األحوال"‪ ،1‬ومن ّ‬
‫ثم إذا خالف اًلستفهام طلب الجواب‬
‫ً‬
‫تولدت معان مستلزمة حواريا تناسب مقام إنجازها وتظهر مقصد املتكلم من اإلتيان به‬

‫على هذه الطريقة‪.‬‬


‫ً‬
‫ث‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا في أسلوب النداء‪:‬‬
‫"النداء هو طلب اإلقبال حقيقة‪ ،‬مثل يا بني‪ ،‬ويا صديقي‪ ،‬أو ً‬
‫حكما‪ :‬مثل‬

‫(يا جبال أوبي معه)‪ ،‬وطلب اإلقبال بشقيه يتم بحرف من حروف النداء"‪ .2‬فإجراء‬
‫ّ‬
‫النداء على األصل إن كان هدفه طلب اإلقبال إًل أنه قد يستلزم حوارًّيا معاني‬
‫ً‬
‫جديدة تدرك بمعونة السياق اعتمادا على خرق قاعدة العلقة بين املقام واملقال‬

‫وعندئذ يدرك املخاطب اليقظ أن املتكلم ًل يقصد مجرد توجيه النداء له‪ .‬وجدير‬

‫بالذكر أن التعبير عن التعظيم في صورة النداء‪ ،‬خرق لقاعدة الطريقة ‪Maxim of‬‬
‫ً‬
‫مصرحا به في قوله‪ ،‬ولكن مع ذلك‬ ‫‪ ،Manner‬التي تلزم املتكلم أن يصوغ مقصده‬
‫ً‬
‫استطاع املتكلم أن يصل إلى مقصده حيث جعل النداء معبرا للوصول إلى مراده‪.‬‬

‫ً‬
‫ج‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا في التمني‪:‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬عبده قليقلة‪ ،‬البالغة االصطالحية‪.167 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬عبده قليقلة‪ ،‬البالغة االصطالحية‪.181 ،‬‬

‫‪91‬‬
‫هو األسلوب اإلنشائي الذي يطلب فيه املتكلم ما هو ممتنع الحدوث أو‬
‫ً‬
‫الوقوع‪ ،‬وهو كما ذكر السكاكي "أن تطلب كون غير الواقع فيما مض ى واقعا فيه مع‬
‫يء على سبيل املحبة"‪2‬‬ ‫حكم العقل بامتناعه"‪ ،1‬ويرى التفتازاني أنه "طلب حصول ش‬

‫أي‪ :‬أن املتمني ًل يطمع في حصول األمر الذي يتمناه‪.‬‬

‫والكلمة املوضوعة في األصل للتمني هي (ليت)‪ ،‬وقد يعدل املتكلم عن دًللة‬

‫التمني غير املتحقق ب "ليت" إلى ما يوحي بتحقيقه فيستعمل أدوات بديله نحو‪:‬‬

‫(هل‪ ،‬ولو)‪ .‬ويقول السكاكي‪" :‬وكأن الحروف املسماه بحروف التنديم والتحضيض‬

‫وهي‪ :‬هل‪ ،‬وأًل‪ ،‬ولوًل‪ ،‬ولوما‪ ،‬مأخوذة منها‪ ،‬أي‪ :‬هل‪ ،‬لو مركبة مع ًل وما املزيدتين‬
‫ً‬
‫مطلوبا بالتزام التركيب‪ ،‬التنبيه على إلزام (هل‪ ،‬ولو) معنى التمني‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬هل‬

‫أكرمت ز ًيدا‪ ،‬أو أًل بقلب الهاء همزة‪ ،‬أو لوًل‪ ،‬أو لوما‪ ،‬كان املعنى‪ :‬ليتك أكرمت ز ًيدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متولدا معنى التنديم‪ ،‬وإذا قيل‪" :‬هل تكرم زيدا‪ ،‬أو لوًل فكان املعنى‪ :‬ليتك تكرمه‪،‬‬
‫ً‬
‫متولدا منه معنى السؤال"‪.3‬‬

‫ج‪ .‬الجملة الخبرية واملعاني املستلزمة حواريا‪:‬‬

‫و َس ُن ْع َنى في مبحثنا هذا باملقاصد غير املباشرة املتولدة عن الجمل الخيرية بأنواعها‬

‫الثلثة املثبتة‪ ،‬واملنفية‪ ،‬واملؤكدة‪ ،‬محاولين الربط بين الخروج على مقتض ى الظاهر واملعاني‬

‫املستلزمة من هذا الخروج فيما يأتي‪:‬‬

‫‪ 1‬السكاكي‪ ،‬مفتاح العلوم‪.428 ،‬‬


‫‪ 2‬التفتازاني‪ ،‬مختصر السعد شرح تلخيص كتاب مفتاح العلوم‪.194 ،‬‬
‫‪ 3‬السكاكي‪ ،‬مفتاح العلوم‪.427 ،‬‬

‫‪92‬‬
‫أ‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا في الجملة الخبرية املثبتة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املتأمل في الخطاب العربي عموما وشعر هاشم الرفاعي خصوصا يلحظ ّأن هناك‬
‫ً‬
‫جمل كثيرة تدل في بعض املقامات على معنى غير الذي يوحي بها معناها الحرفي‪ ،‬وذلك‬

‫مرده إلى السياقات أو املقامات التي ترد فيها‪ .‬ونجد أن هناك تحوًل للفعل الكلمي من‬
‫ّ‬
‫خبر يندرج ضمن اإلخباريات ‪ assertives‬إلى ح ٍث وتوجيه وإرشاد يندرج ضمن التوجيهات‬

‫أو الطلبيات ‪.directives‬‬

‫ب‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا في الجملة الخبرية املنفية‪:‬‬

‫النفي من العوارض املهمة التي تعرض لبناء الجملة فتفيد عدم ثبوت املسند‬

‫للمسند إليه في الجملتين اًلسمية والفعلية على السواء "فالنفي يتجه في حقيقته‬
‫إلى املسند‪ّ ،‬‬
‫وأما املسند إليه فل ينفى"‪.1‬‬
‫والنفي كاإلثبات ًل يكون إًل ً‬
‫خبرا‪ ،‬أي‪ :‬يحتمل الصدق والكذب لذاته‪ ،‬وأدوات النفي‬
‫في العربية‪ :‬ليس‪ ،‬وما‪ ،‬وًل‪ ،‬ولم‪ ،‬وملا‪ ،‬ولن‪ْ ،‬‬
‫وإن "‪ ،2‬منها ما يختص ينفي الجملة اًلسمية‪،‬‬
‫ً‬
‫جميعا‬ ‫ومنها ما يختص بنفي الجملة الفعلية‪ ،‬ومنها ما هو مشترك بينهما‪ ،‬وهذه األدوات‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫ًل يختص بالنفي فقط منها إًل (لم ولن) وأما ما عداهما من أدوات النفي‪ ،‬فإن كل منها‬

‫له استعمال آخر أو أكثر في اللغة‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمد حماسة عبد اللطيف‪ ،‬بناء الجملة العربية‪.280 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.284-283 ،‬‬

‫‪93‬‬
‫ت‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا في الجملة الخبرية املؤكدة‪:‬‬

‫اللغة العربية ثرية باملؤكدات التي تعمل على توكيد وتقوية الخبر‪ ،‬مما يزيد من درجة‬

‫الشدة للغرض املتضمن في القول مقارنة بالخبر العادي‪ ،‬والتوكيد "معنى مستفاد‬

‫من صيغ وأساليب لغوية معينة معروفة في العربية‪ ،‬وغرض تواصلي‪ ،‬يستخدمه املتكلم‬

‫لتثبيت الش يء في نفس املخاطب وإزالة ما بها من شكوك"‪ .1‬والتوكيد الخاص بالجملة‬

‫الخبرية ًل يخرج ألبتة من تصنيفه عند سيرل من ضمن اإلخباريات ‪ ،assertives‬بل إنه‬

‫يزيد قوة الفعل اإلنجازي‪.‬‬

‫‪ .2 .3‬املبحث الثاني‪ :‬االستلزام الحواري )‪ (Conversation Implicature‬في شعر‬

‫هاشم الرفاعي‬

‫أ‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا في األمر‪:‬‬

‫ومن ذلك قول الشاعر في مطلع قصيدة فلسطين ‪1948‬م‪:‬‬


‫وامسك ُحسامك واطعن قلب صهيونا ‪2‬‬ ‫الب ُ‬
‫طل‬ ‫ُ‬
‫الجهاد فأقدم أي َها َ‬ ‫آن‬

‫حيث ع ّبر الشاعر عن األمر باألفعال‪( :‬أقدم‪ ،‬وأمسك‪ ،‬اطعن) وهي أفعال أمر على‬

‫صيغة األمر املباشر توضح رغبته في النيل من الصهاينة؛ الذين احتلوا فلسطين‪ ،‬لكننا‬

‫حين نتأمل هذا املثال نجد األمر قد خرج عن معناه الحقيقي؛ إذ لم يأت على جهة‬

‫اًلستعلء واإللزام وبذلك اخترقت قاعدة العلقة ‪ .Maxim of relevance‬والدليل‬

‫على ذلك القرينة اللفظية في البيت التالي‪:‬‬

‫‪ 1‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪.206-205 ،‬‬


‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪339 ،‬‬

‫‪94‬‬
‫يشطرهم َلن َ‬
‫نقبل ال ُهونا‪1‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والسيف‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫جاءوا يريدون تقسيما فق ْل ل ُه ْم‬

‫فاملعنى الحرفي الصريح هو األمر‪ّ ،‬أما املعنى املستلزم حوارًّيا فهو الحث والنصح‬

‫واًللتماس‪ ،‬وًلسيما ّأن الشاعر ًل يملك سلطة اًلستعلء واإللزام بالنسبة إلى املخاطب‪.‬‬

‫ولنتوقف مع مطلع قصيدة "محنة اليمن" (‪ ۲۲‬من مارس ‪ 1948‬م)‪:‬‬


‫اليوم واألرجاء تجد الدمارَ َ‬
‫أقام في األنحاء‬ ‫َ‬ ‫انظر "الصنعا"‬

‫دم الشهداء ‪2‬‬ ‫ُ‬


‫حيث جرى ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫في األرض‬ ‫تفاقم شرها‬ ‫الحروب وقد‬ ‫تجد‬

‫جرد من نفسه مخاط ًبا يتوجه إليه بفعل األمر‪ ،‬وقد جاء األمر على صيغة‬
‫فالشاعر َّ‬

‫ً‬
‫أساسا للدًللة على األمر لكننا نلمس في هذا املثال خروجا عن معنى‬ ‫(افعل) التي وضعت‬

‫األمر الحقيقي وذلك من خلل اآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬لم يأت األمر على جهة اًلستعلء؛ إذ إنه جاء من متسا ٍو مع املأمور في الرتبة‬

‫فخالف قاعدة العلقة املنظمة للمقام‪ ،‬فاملقام مقام أمر حيث القرينة اللفظية‬
‫املتمثلة في جواب الطلب ّ‬
‫وكأن الشاعر (اآلمر) أراد أن يعلل األمر فجاء بجوابين‬
‫للطلب‪ :‬األول‪( :‬تجد الدمار والثاني (تجد الحروب) ومن َّ‬
‫ثم يستطيع املخاطب أن‬

‫يستنتج املعنى املستلزم حوارًيا وهو القائم على خرق قاعدة العلقة‪ ،‬فاملعنى‬

‫الحرفي (الصريح) هو األمر‪ ،‬إًل ّأن املعنى املستلزم حوارًّيا هو النصح واًللتماس‬

‫واإلرشاد‪.‬‬

‫‪ 1‬السابق‪.339 ،‬‬
‫‪ 2‬السابق‪.340 ،‬‬

‫‪95‬‬
‫ً‬
‫وكثيرا ما يخرج الشاعر باألمر عن معناه الحقيقي إلى إفادة املدح واًللتماس‬ ‫‪-‬‬

‫وًلسيما في مطلع قصائد‪ ،‬ولعل من أبرزها قول الشاعر في قصيدة‪" :‬تحية‬

‫الشباب" (يوليو‪ ۱۹۹۰‬م)‬

‫خيرَالكتائب أجمعين‬ ‫َ‬


‫الشباب العاملين‬ ‫ح ّي‬
‫د ليرفعوا هللا د ْ‬ ‫َ‬ ‫َمن َشي ُدوا ْ‬
‫ين ‪1‬‬ ‫صر َح الرشا‬

‫حيث أراد أن يمدح شباب قريته أنشاص الذين يعكفون على نهضة قريتهم‬
‫ورفع شأنها فاعتمد على فعل األمر‪ّ ( :‬‬
‫حي) طالبا التحية من مخاطب متخيل‪ ،‬إًل‬

‫ّأن األمر خرج عن معناه الحقيقي إلى معنى مستلزم حوارًّيا وهو الحث واًللتماس‬

‫واملدح؛ ودليل ذلك‪ّ ،‬أن األمر خرج ليس على جهة اًلستعلء؛ ألن اآلمر واملأمور‬

‫متساويان في الرتبة‪ ،‬فتحول األمر عن معناه الحقيقي ليناسب مقام اإلنجاز‪.‬‬

‫ب‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا باستخدام أسلوب النهي‪:‬‬

‫ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة‪" :‬أغنية أم"‬


‫ال ُتصغ يا ولدي إلى ما لفقوه ور ّد ْ‬
‫دوه‬
‫ْ‬
‫فحرروه‬ ‫من أنهم قاموا إلى الوطن الذليل‬
‫ذاك ما جاروا عليه وکب ْ‬
‫لوه ‪2‬‬ ‫َ ً‬
‫حقا َ‬ ‫لوكان‬

‫حيث يتحدث الشاعر بلسان األم التي توجه النصح لرضيعها والتي تخلت‬

‫أنه يفهم ما ترمي إليه‪ ،‬معتمدة على صيغة النهي املكونة من (ًل) الناهية مقرونة‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.342 ،‬‬


‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪.388 ،‬‬

‫‪96‬‬
‫بفعل مضارع (ًل تصغ) والتي يمكن تحليلها باًلستعانة بآلية اًلستلزام الحواري التي‬

‫تجعل منها جملة منجزة في مقام محدد تخرج بمقتضاه إلى النصح واإلرشاد‬

‫واًللتماس‪ ،‬وليس اًللتماس هنا يعني ّأن األم (اآلمر) و(الرضيع) (املأمور) متساويان‬

‫في الرتبة‪ ،‬وإنما مرد اًللتماس إلى تلمسها وتمنيها أن يكون كلمها مفهوما بالنسبة‬

‫ًلبنها الرضيع إضافة إلى امتلكها سلطة التوجيه‪.‬‬

‫ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة‪" :‬دين وعروبة" (‪ 12‬من نوفمبر ‪ ۱۹۰۸‬م)‪:‬‬
‫هكذا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫نهبا لشتى الریب‬ ‫مشبوب األس ى‬ ‫التقف حيران‬
‫من قديم لست باملغترب‪1‬‬ ‫معا‬ ‫ُ‬
‫سلكناه ً‬ ‫َ‬
‫ذلك الدر ُب‬

‫فالشاعر يوجه حديثه لإلنسان العربي املسلم حيث وجده مضطرًبا متعثر‬

‫الخطى فأراد أن ينصحه ويذكره بماض ي األجداد وعزتهم‪ ،‬معتمدا على أسلوب النهي‬

‫(ًل تقف) واملكون من (ًل) الناهية مقرونة بفعل مضارع ًل يمكن تحليلها على أن‬

‫تتضمن فعل نهي‪ ،‬وإنما يقتض ي تحليلها اًلعتماد على القواعد الحاكمة للستلزام‬

‫الحواري‪ ،‬مما يسير لينا الوقوف على مقصد الشاعر وهو النصح واإلرشاد‬

‫واًللتماس ‪ ،‬ولم ينصرف النهي للكف عن عمل الفعل على طريقة اًلستعلء ما أدى‬

‫إلى خرق قاعدة العلقة بين املقال واملقام فتولد معنى جديد يناسب املقام ويمثل‬
‫َّ‬
‫املقصد الحقيقي للمتكلم وهو النصح واإلرشاد واًللتماس لذلك وف َر لنا قرينة‬

‫لفظية تؤيد قوله واملتمثلة في البيت اآلتي‪:‬‬


‫من قديم لست باملغترب ‪2‬‬ ‫معا‬ ‫ُ‬
‫سلكناه ً‬ ‫َ‬
‫ذلك الدر ُب‬

‫‪ 1‬السابق‪.375 ،‬‬
‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪.375 ،‬‬

‫‪97‬‬
‫ليعلل النهي ألنه ًل يملك سلطة النهي للمخاطب‪.‬‬

‫ومن ذلك قول هاشم في قصيدة "رسالة من افريقية" على لسان الجندي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫موجها حديثه ملحبوبته طالبا منها أن تتوجه لسلطات اًلحتلل في بلدها بهذه‬ ‫املقاتل‬

‫الرسالة (‪ 9‬من أكتوبر ‪۱۹۰۸‬م)‪:‬‬


‫َ‬
‫األبصارعن ضوء الصباح‬ ‫قولي لهم‪ :‬ال تغمضوا‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الكفاح‬ ‫ال توصدوا اآلذان قد دوت أناشيد‬
‫َ‬
‫الصوت القوي بما لدينا من سالح ‪1‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫لن نسكت‬

‫فالشاعر على لسان الجندي املحتل يوجه رسالة ملعشوقته لتتوجه إلى‬
‫ً‬
‫معتمدا على أسلوب النهي في قوله‪ً( :‬ل تغمضوا) و(ًل‬ ‫أصحاب القرار في بلدها‬

‫توصدوا)‪.‬‬

‫املعاني املستلزمة حواريا في أسلوب االستفهام‪:‬‬ ‫ت‪.‬‬

‫ويتجلى ذلك في مواضع كثيرة بالنسبة إلى شعر هاشم الرفاعي ومنها قوله في قصيدة‬

‫"جمال يعود من (باندونج)" (مایو‪1955‬م)‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ّ َ‬
‫ملن ن صبت م هذه األعالم ا ؟‬‫و‬ ‫عالم ُت هل لون عالم ا؟‬ ‫قومي‬
‫أبصرت فيه حرا ر ًة وز ً‬
‫حام ا ؟‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫موكب ا‬ ‫وألي عيد ْ‬
‫قد أقمتم‬ ‫ّ‬

‫الحياة َت َع س ًف ا و ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً َ‬
‫ظالم ا ؟‬ ‫َع َرف‬ ‫صار وادي النيل ُح را بعد أن‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫هل‬
‫ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫هل َ‬
‫ً‬
‫أعوام ا ؟‬ ‫من بعد أن ذ قنا األس ى‬ ‫ستور البالد ُي ظل ها‬
‫ُ‬ ‫عاد ُد‬

‫‪ 1‬السابق‪.371 ،‬‬

‫‪98‬‬
‫الحكام ا ؟‪1‬‬ ‫ُ‬
‫يحاسب‬ ‫في البرملا ن‬ ‫َه ل َ‬
‫قام م ن بعد التجب ر نائب‬

‫ثم يقول في القصيدة نفسها‪:‬‬


‫ً‬ ‫ُ‬
‫األلوف وقل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َم ن َ‬
‫دته وسام ا ؟‬ ‫هذي‬ ‫اسمه‬ ‫الصنديد رد َد ت‬ ‫ذلك‬
‫وأحل م ْن ُح ّر ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حرا ما ‪2‬‬ ‫الد ماء‬ ‫ليس َم ن فاق الطغاة ضرا وة‬
‫أو َ‬

‫هذه اًلستفهامات التي استهل بها الشاعر قصيدته ‪ -‬التي قالها بمناسبة عودة‬

‫الرئيس جمال عبد الناصر من مؤتمر عدم اًلنحياز‪ ،‬والذي عقد في باندونج بأندونيسيا‬

‫والواردة بعد صيغ استفهامية (علم‪ ،‬أي‪ ،‬هل‪َ ،‬من) ًل يمكن تحليلها على إنها استفهامات‬
‫تتطلب ً‬
‫جوابا‪ ،‬وإنما يقتض ي تحليلها اًلعتماد على آلية اًلستلزام الحواري‪ ،‬والذي يجعل من‬

‫الجمل السابقة جمل منجزة في مقامات محددة تخرج بمقتضاها إلى اًلستنكار والتعجب‬

‫املمزوج بالتحسر على ما وصلت إليه أحوال مصر واملصريين ولقد استطاع املتكلم (الشاعر)‬

‫أن يوصل لنا هذه األغراض اعتمادا على خرق قاعدة العلقة ًلسيما أن هذه اًلستفهامات‬
‫أسئلة عما هو معلوم‪ ،‬ومن َّ‬
‫ثم خرق قاعدة املناسبة أو العلقة بين اًلستفهام الحقيقي‬
‫َ‬
‫املتطلب جوابا واملقام الذي جاء فيه‪ ،‬ومن ث َّم استلزم على املخاطب أن يدرك قصد املتكلم‬

‫من هذا الخرق‪ ،‬وهو اًلنكسار والتوبيخ والتحسر‪.‬‬


‫ً‬
‫ومن ذلك أيضا قول الشاعر في قصيدة‪" :‬زفرة" (إبريل ‪1955‬م)‪:‬‬
‫َ‬
‫بال لسان أو فم‬ ‫أأظل أمض ي في الحياة‬
‫َ‬
‫عيش العبد ‪ ...‬عیش األبكم‬ ‫أعيش َ‬
‫عيش الذل‬ ‫و ُ‬

‫‪1‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫اللمستبد املجرم‬ ‫ألقي الهوان و أنحني‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.404 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫فالشاعر ما زال ثائرا على األوضاع في مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر حيث‬

‫قال في بداية القصيدة والتي نظمها في إبريل ‪1955‬م‪:‬‬


‫من جمال‪ .....‬من صالح ‪2‬‬ ‫دامي الفؤاد من التعسف‬
‫ً‬
‫اعتمادا على صيغة اًلستفهام املبدوءة بحرف اًلستفهام (أ) إًل إن‬ ‫فهو يتساءل‬

‫اًلستفهام في غير مقام اًلستخبار وطلب العلم؛ حيث خرج عن غرضه األصلي املباشر إلى‬

‫غرض تواصلي يفرضه املقام الوارد فيه اًلستفهام ويمتنع إجراء املعنى األصلي املباشر إلى‬

‫معنى فرعي غير مباشر‪ ،‬فالشاعر مستنكرا األوضاع التي آلت إليها مصر متوجها بحديثه إلى‬

‫مخاطب هو ابن مصر‪ ،‬مستخدما اًلستفهام في غير مقامه‪ ،‬ما نتج عنه معنى جديد غير‬

‫املعنى الحقيقي للستفهام هو(اإلنكار) وهو يمثل قصد املتكلم‪ ،‬فاملتكلم (الشاعر) أراد أن‬

‫يظهر ملخاطبه الشعور بالظلم والطغيان والحياة املستبدة وانعدام الحرية فصاغه في صورة‬

‫استفهام غير مناسب للمقام ‪.‬‬

‫أ‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا في أسلوب النداء‪:‬‬

‫وفي شعر هاشم الرفاعي يعد اإلنسان املصري العربي املسلم هو املخاطب األول‬

‫(املنادى) وًل سيما أنه يدعو الشباب العربي واملسلم إلى التضامن ونبذ الفتن واستعادة‬

‫املجد الذي غاب‪ ،‬والثورة على األوضاع الراهنة السيئة وكلها أغراض تستوجب بث روح‬

‫الخطابية في النص‪.‬‬

‫ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة‪" :‬تحية الشباب" (‪1950 /۷‬م)‪:‬‬


‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مصباح اليقين‬ ‫املجد‬ ‫يافتية اإلرشاد ُجند‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪402 ،‬‬


‫‪ 2‬نفسه‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫للهدى في العاملين‬ ‫َ‬
‫املشاعل‬ ‫فخر َم ْن َح َم َل‬
‫يا َ‬

‫ْت عيو ُن الحاسد ْ‬


‫ين ‪1‬‬ ‫سيروا إلى العلياء ال قر‬

‫فالشاعر يخاطب الشباب الفتي من طلبة أنشاص الذين قامت على أكتافهم (رابطة‬

‫الطلبة) والتي أسست ألجل النهوض بالقرية‪ ،‬والتضامن لرفعة شأنها معتمدا على صيغة‬

‫النداء املكونة من حرف النداء‪( :‬يا) واملنادی‪( :‬فتية ‪ ،‬فخر) ًل يمكن أن تذهب بها واملقام‬

‫كذلك مذهب النداء لغرض الحضور؛ إذ هم (املخاطبون) حاضرون على مسرح الحوار‪،‬‬

‫وإنما يقتض ي تحليلها اًلعتماد على آلية اًلستلزام الحواري التي تجعل من الندائية (یا‬

‫فتية اإلرشاد‪ ،‬يا فخر من حمل املشاعل) جملتين منجزتين في مقام محدد وهو(الثناء‬

‫واملدح) فاملعنى الحرفي نداء شباب رابطة الطلبة بأنشاص ‪ ،‬واملعنى املستلزم حوارًّيا‬

‫والناتج عن خرق قاعدة العلقة بين املقام واملقال هو التعظيم والثناء واملدح حيث أراد‬

‫هاشم أن يشجع هذه املجموعة من الشباب على السعي نحو نهضة قريتهم كمثال للقرية‬
‫ّ‬
‫املصرية التي ينهض بها أبناؤها – فعظم قدرهم ومكانتهم‪ ،‬ولقد كان هذا التعظيم واملدح‬

‫هو املقصد الحقيقي للمتكلم‪ ،‬فاملوقف موقف تشجيع وحث‪ ،‬وًل أبلغ حينئذ من أن‬

‫يمنحهم الشاعر قدرا من التعظيم واملدح يستطيع اإلنسان من خلله أن ينجز غرضه‬

‫من الخطاب بصفة عامة ومن النداء بصفة خاصة‪.‬‬

‫ولقد استلزم النداء املدح والحث في قول هاشم موجها النداء إلى مصطفى النحاس ‪-‬‬

‫زعيم حزب الوفد ‪ -‬في قصيدة‪" :‬تحية الشعر إلى الزعيم" (إبريل ‪1920‬م)‪:‬‬
‫عدوا للبالد َل ُدودا ‪2‬‬
‫واطرد ً‬ ‫عيم النيل ّ‬
‫جد ْد َمجده‬ ‫قم يا ز َ‬
‫ْ‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.342 ،‬‬


‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪.143 ،‬‬

‫‪101‬‬
‫فجملة النداء ًل يمكن التعامل معها على ّأنها تتضمن النداء لغرض اًلستدعاء أو‬

‫التنبيه وإنما يذهب بنا التحليل مذهب آخر اعتمادا على آلية اًلستلزام الحواري التي‬

‫تجعل منه جملة منجزة في مقام محدد (مقام املدح والثناء والحث) وقد جاء النداء‬

‫كتمهيد ملا يطلبه الشاعر من املمدوح حيث يريده أن يحمل على عاتقه مسئولية تجديد‪.‬‬

‫وطرد العدو اللدود من البلد‪ ،‬ونتج هذا الغرض (املدح) اعتمادا على خرق قاعدة‬

‫العلقة بين املقام واملقال؛ حيث ّإن النداء هذه اإلجراء‪ ،‬إذ كيف يوص ى الغائب؟ فقد‬
‫ً‬
‫جاء النداء مخالفا مقام النداء؛ إذ املقام ليس مقام نداء حيث إن املنادى غائب ًل يمكن‬
‫له أن يسمع النداء؛ إذن فقد ّ‬
‫عبر الشاعر عن غرضه بطريقة غير مباشرة فاملعنى‬

‫الحرفي (الصريح) هو النداء واملعنى املستلزم حوارًّيا هو املدح والثناء والحث‪.‬‬


‫وعلى النقيض ً‬
‫تماما فقد يستلزم النداء الذم‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة‪:‬‬
‫ً‬
‫متوجها بالنقد والذم" إلى الحكومة األحزاب األخرى خاصة الحزب السعدي‬ ‫"بين عهدين"‬

‫مقارًنا حكومتهم بحكومة الوفد الذي كان يؤيده حيث يقول في (‪ 20‬من ديسمبر ‪1949‬م)‪:‬‬
‫ّ‬
‫وهد دوا‬ ‫َ‬
‫النفوس‬ ‫بسالح ْ‬
‫هم هذي‬ ‫ُ‬
‫القوم األلى قد أ رهبوا‬ ‫يا أيها‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سي ّ‬
‫‪1‬‬ ‫أسود‬ ‫ظلم وعدوان وحك م‬ ‫سج ُل التا ريخ أن بعهدك ْم‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حيث ّإن من ينتقدهم الشاعر ليسوا موجودين وجودا فعليا في مسرح الحوار إًل أنه‬
‫استحضرهم ومن ّ‬
‫ثم ًل يمكن تحليل النداء على أنه مجرد نداء للحضور أو التنبيه وإنما‬

‫يقتض ي تحليل النداء باًلعتماد على آلية اًلستلزام الحواري التي تجعل النداء جملة‬

‫منجزة في مقام محدد وهو(الذم) فاملنادون يرهبون الناس بأسلحتهم ويهددونهم حتى‬
‫أصبح عهدهم ر ً‬
‫مزا للظلم والعدوان والحكم األسود وقد اعتمد الشاعر في توصيل‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.133،‬‬

‫‪102‬‬
‫غرضه على خرق قاعدة العلقة بين املقام واملقال فكان املعنى الحرفي (الصريح) هو‬

‫النداء على حكومة األحزاب املنافسة للوفد واملعنى املستلزم حواريا هو الذم والنقد‬

‫واًلنتصار لحزبه (الوفد)‪.‬‬

‫ب‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا في التمني‪:‬‬

‫والتمني في شعر هاشم الرفاعي قليل‪ ،‬وربما كان مرد ذلك إلى أن الشاعر يرى ّأن ما‬

‫يدعو إليه من استرداد مجد اإلسلم والعروبة‪ ،‬وتخليص مصر من اًلحتلل والظلم‪،‬‬
‫والحياة في حرية أمر غير مستحيل‪ ،‬فهو مؤمن ً‬
‫إيمانا عميقا بأ ّن املجد اإلسلمي والعربي‬

‫سیبعث من جديد على يد الشباب‪ ،‬ومن التمني قول الجندي املحتل في قصيدة‪" :‬رسالة‬

‫من أفريقية" (أكتوبر ‪1975‬م)‪:‬‬


‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وددت لو ظفروا بقائدي الشهم األمين‬
‫َ‬
‫خلف مكتبه الحصين ‪1‬‬ ‫ذاك الذي ألف التثاؤب‬

‫فالجندي املحتل (املتكلم) بلغ به الضجر أن نتمنى أن لو ظفر مقاومو اًلحتلل‬


‫من أهل أفريقية بقائده‪ ،‬وقد ّ‬
‫صور ذلك في صورة من صور التهكم والسخرية‪ ،‬فعلى‬
‫ّ‬
‫الرغم من أنه القائد فإنه يعيش في منأى عن الخطر خلف املكتب املحصن‪ ،‬بل وصل به‬

‫األمر إلى الرغبة املتتابعة في النوم‪ ،‬فاملتكلم هنا خرج بالتمني من دائرة املستحيل إلى عالم‬
‫ً‬
‫اإلمكانية‪ ،‬فليس مستحيل أن تصل املقاومة لرأس قائده‪ ،‬بل إنه أمر مباح‪ ،‬فانتقل‬
‫ً‬
‫باألمنية من املعنى الحقيقي للتمني إلى معنى آخر استلزمه التمني حواريا وهو الرغبة في‬

‫التخلص من قائده النائم خلف مكتبه الحصين وهو وزملؤه يذيقون املوت ليل نهار‪.‬‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.369 ،‬‬

‫‪103‬‬
‫وقد يستلزم التمني معنى اليأس‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة‪" :‬في الربيع"‬

‫(أبريل‪1955‬م)‪:‬‬
‫وجود ‪1‬‬ ‫وليس لبطش الحاكمين‬ ‫أال ليت شعري هل نعيش مرة‬

‫فجملة التمني باستخدام األداة (ليت) ًل يمكن تحليلها على أنها تتضمن مجرد‬

‫إفصاح الشاعر عن أمنيته‪ ،‬وإنما يقتض ي تحليلها اًلعتماد على آلية اًلستلزام الحواري التي‬

‫تجعل منها جملة منجزة في مقام محدد هو التعبير عن اليأس في وجود الحياة دون ظلم‬

‫وطغيان الحكام‪ ،‬وذلك بناء على خرق قاعدة العلقة بين املقام واملقال‪ ،‬فلقد أراد الشاعر‬

‫أن يعبر عن يأسه من كف الحكام عن الطغيان فاستخدم التمني مع اًلستفهام (هل نعيش‬
‫مرة وليس لبطش الحاكمين وجود؟) فقد ظهر ًّ‬
‫جليا خروج التمني مصحوبا باًلستفهام عن‬

‫املعنى الحقيقي لهما عندما خالف مقام اإلنجاز‪.‬‬

‫وخلصة األمر ّأن بإخضاع الشاعر التمني أللية اًلستلزام الحواري استطاع‬

‫أن يكشف لنا عن املقاصد الحقيقية للمتكلم؛ حيث اتخذ من التمني طريقا للوصول إلى‬

‫مقصده‪.‬‬

‫ت‪ .‬الجملة الخبرية واملعاني املستلزمة‬

‫‪ -‬املعاني املستلزمة حواريا في الجملة الخبرية املثبتة‪:‬‬

‫يتجلى ذلك في شعر هاشم الرفاعي في قصيدة‪" :‬دين وعروبة" (‪12‬من نوفمبر‬

‫‪1958‬م)‪:‬‬

‫جاءهم باملجد والنور نبي‬ ‫ثم في يوم أ ّبي مشرق‬

‫‪1‬السابق‪.281 ،‬‬

‫‪104‬‬
‫َمن أجابوه ومن لم ُيجب‬ ‫ظل ما َ‬
‫جاء به‬ ‫فسما في ّ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫کم أس ى قد حط ُه عن منكب‬ ‫صف د‬ ‫کم رقاب ً‬
‫فكها من‬
‫ُ‬
‫الق ُ‬ ‫ً َ‬
‫ضب‬ ‫سادة تحت ظالل‬ ‫ومش ى في ساحة املجد بهم‬
‫ُأ ْفع َم ْت آی ُات ُه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بالع َجب‬ ‫ُ‬
‫العالم عنهم نبأ‬ ‫عرف‬
‫َ‬
‫الرومان بالرمح أبي ‪1‬‬ ‫َقو َ‬
‫ض‬ ‫لم يز ْل في خاطري أن الذي‬

‫حيث أراد الشاعر أن يخبر املخاطبين من بني العروبة واإلسلم بأمور يعلمونها؛ وهي‬

‫ّأن النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬أخرج العرب والعالم أجمع من الظلمات إلى النور‪ ،‬وارتقى‬
‫بهم وحررهم من ذل العبودية حتى ذاع صيتهم في الدنيا كلها‪ ،‬وصنع لهم ً‬
‫مجدا و ًّ‬
‫عزا وأقام‬

‫لهم دولة استطاعت أن تقوض دولة الرومان وغيرها من اإلمبراطوريات العاتية‪ ،‬وملا كان‬

‫هذا األمر معلوم للمخاطبين فقد خرق املتكلم قاعدة الخبر والتي تقض ي بأن تكون إفادة‬

‫املخاطب على قدر حاجته ‪ ،‬ولكن بهذا الخرق أراد املتكلم تبليغ املخاطبين مقصده والذي‬

‫يدرك من خلل اإلتيان به بطريقة غير مباشرة وهو حثهم واستنهاضهم للعمل‬

‫على استعادة أمجاد اإلسلم‪ ،‬ولقد استعان بالتعبير عن مقصده باملعنى املستلزم حوارًّيا‬

‫وذلك أفضل له وأقوى في توضيح فكرته من التصريح باملقصد مباشرة‪.‬‬

‫وفي قصيدة أخرى بعنوان‪" :‬شرق وغرب" يقول هاشم (سبتمبر ‪1954‬م)‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َس ّخروا والذ َر َة ْ‬
‫أن ينالوا في السماء الكوكبا‬ ‫بل قد أو شكوا‬
‫ََْ‬
‫في فخار يركبون الس ُحبا‬ ‫بلغوا للبحرقا ًعا و أنثنوا‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من فنون قد أثارت َع َجبا‬ ‫أضاء الكون ما جاؤوا به‬ ‫و َ‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.376 ،‬‬

‫‪105‬‬
‫َ َ َ ُ ُ ْن َ‬ ‫احر ُزوا َق َ‬
‫القصبا ‪1‬‬ ‫بيننا من يحرزو‬ ‫ص َب السبق وما‬ ‫َ‬

‫لم يكن سرد الشاعر لتقدم الغرب مقارنة بالشرق املتخلف عن الركب الحضاري‪،‬‬

‫وبلوغ الغرب السحاب وأعماق البحار وإحرازه السبق في كل مناحي العلم مجرد إخبار‬

‫فقط‪ ،‬بل هناك غرض حقيقي ومقصد كلمي سعى إليه املتكلم (الشاعر) وهو تحريك‬
‫الهمة والحث على األخذ بأسباب التقدم والرقي والعلم العصري‪ ،‬وقد ّ‬
‫تعمد الشاعر خرق‬

‫قاعدة الخبر‪ ،‬إذ أخبر املخاطب بما يعلم وًل يخفى عليه ‪ ،‬ومما سبق ندرك أن انتهاك‬

‫قواعد الحوار املتفرعة عن مبدأ التعاون يأتي ألغراض حقيقية هيفي الوقت نفسه‬

‫مقاصد الخطاب‪ ،‬مما يجعلنا نؤكد َّأن هذا اًلنتهاك عنصر أصيل من عناصر التواصل‬

‫وتحقيق املقاصد‪.‬‬

‫ولقد تحول الفعل الكلمي في املثل السابق عن اًلخباريات إلى التوجيهيات‪ ،‬حيث‬

‫إنه يحث املخاطبين على السعي الدؤوب ًلستعادة املجد‪ ،‬ويقول الشاعر في قصيدة‬

‫"شباب اإلسلم" (‪ 9‬من فبراير ‪ ۱۹۰۹‬م)‪:‬‬


‫ّ‬
‫وما َع رفوا سوى اإلسالم دينا‬ ‫ذل لوا ُس َ‬
‫بل املعالي‬ ‫شباب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫کر ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َت َع ه ُ‬
‫طاب في الدنيا غ صونا‬ ‫یم ا‬ ‫فأنبتهم نبات ا‬ ‫ده م‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫فسالت ع ندهم ً‬
‫ماء معين ا‬ ‫ُ‬
‫الحياض مباركات‬ ‫ُه م ور دوا‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ً‬
‫والح صونا‪2‬‬ ‫َي د ك ون املعاق َل‬ ‫إذا شه دوا الوغ ی کانوا ک م اة‬

‫فقد استلزم الشاعر بانتهاكه لقاعدة الخبر‪ ،‬باإلخبار عما هو معلوم للمخاطب‬
‫َّ‬
‫مقصدا جديدا‪ ،‬فحواه حث شباب اإلسلم من األجيال الحالية على اليقظة واتخاذ‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.354 ،‬‬


‫‪2‬ديوان هاشم الرفاعي‪384 ،‬‬

‫‪106‬‬
‫أسلفهم قدوة يسيرون على هداهم‪ ،‬فاملعنى الحرفي (الصريح) لهذه الجمل املتوالية‬

‫املثبتة يتلخص كما ذكرنا في الفخر بشباب اإلسلم من السلف إًل أن املعنى املستلزم‬

‫حواريا هو الحث على استنهاض الهمم واتخاذ شباب السلف قدوة ومثال يحتذى إلعادة‬

‫املجد الذي كان‪ ،‬ولقد تحول الفعل الكلمي عن اإلخباريات إلى التوجيهيات أو الطلبيات‪.‬‬

‫ث‪ .‬املعاني املستلزمة حواريا في الجملة املنفية‪:‬‬


‫ً‬
‫ونحن معنيون في هذا املقام باملعاني املستلزمة حوارًيا اعتمادا على النفي في شعر‬

‫هاشم الرفاعي والتي لم يصرح بها من خلل املعنى الحرفي للجملة الخبرية املنفية ومن‬

‫ذلك قول الشاعر في قصيدة‪" :‬الجزائر الثائرة" (‪ ۲۸‬من سبتمبر ‪۱۹۵۸‬م)‪:‬‬

‫لن نس تكين لبطش جزاري فرنسا‬


‫ً‬
‫لن تع رف اآلمال في األض الع يأسا‬
‫يأس ًا ‪1‬‬ ‫والصبح نبذ ره على اآلكام‬

‫الشاعر أراد أن يثبت عن طريق النفي على لسان أحد فدائي الجزائر ّأنهم لن‬

‫يستسلموا لبطش املحتل الفرنس ي‪ ،‬ولن ييأسوا من تحقيق النصر‪ ،‬مستعينا بأداة‬

‫النفي (لن) مرتين والتي تفيد تأبيد النفي‪ ،‬بيد أن مقصده لم يكن مجرد اإلخبار ولكن‬

‫إظهار اإلصرار على القضاء على املحتل‪ ،‬وبث روح الجهاد في نفوس الجزائريين وتحذير‬
‫ً‬
‫العدو املحتل‪ ،‬وفي سبيل تحقيق مقصده خرق قاعدة كيف الخبر؛ إذ إنه لم يقدم دليل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫تضليل‬ ‫خداع أو‬ ‫على صحة خبره‪ ،‬ولكنه محترم ملبدأ التعاون‪ ،‬أي‪ :‬إنه ًل يقصد‬
‫املخاطب‪ ،‬ومن َّ‬
‫ثم أوجب على املخاطب أن يفهم قصده من هذا الخرق‪ ،‬فهو متحمل‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.364 ،‬‬

‫‪107‬‬
‫املسئولية الكاملة لكلمه‪ ،‬وقد تحول الفعل الكلمي عن اإلخباريات إلى اإليقاعيات أو‬

‫اإلعلنيات‪.‬‬

‫ولقد استخدم الشاعر املعنى املستلزم حوارًّيا في عقد مقارنة بين شباب اإلسلم‬

‫في السلف وشبابه اآلن فقال في قصيدة‪" :‬شباب اإلسلم" (‪ ۹‬من فبراير ‪ 1959‬م)‪:‬‬

‫ولم يسلم إلى الخصم العرينا‬ ‫شباب لم تحطمه الليالي‬

‫وقد ملئ وا نواد ي هم مجونا‬ ‫ولم تشهدهم األقداح يوما‬


‫ّ‬
‫ولكن العال صيغت لحونا‬ ‫وما عرفوا األغاني مائعات‬

‫وعل ًم ا ال بأجرئهم عيونا‬ ‫وقد دانوا بأعظمهم نضاال‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫ويأتلفون مجتمعا رز ينا‬ ‫عذاب ا‬ ‫فيتحدون أخالقا‬

‫وال عرف التخنث في بنينا‬ ‫ف ال عرف الخالعة في بنات‬

‫ولم يتق بل بوا في امللحدينا‬ ‫ولم يتشدقوا بقشور علم‬


‫مثقفونا ‪1‬‬ ‫خطير کي ُي قال ‪:‬‬ ‫ولم يتبجحوا في كل أ مر‬

‫لقد أراد الشاعر أن يقر ويؤكد على أهمية التأس ي تكرار بشباب اإلسلم في العصور‬

‫املضيئة حتى يسير شباب اإلسلم اليوم على هداهم‪ ،‬ولكنه عبر عن هذا املقصد بانتهاك‬

‫لقاعدة من قواعد الحوار وهي قاعدة الخبر؛ إذ إنه أخبر املخاطبين بأمور يعلمها‬

‫الجميع‪ ،‬وهل هناك من يجهل أخلق املسلمين األوائل الذين رفعوا راية الدين عالية‬
‫ً‬
‫مستعينا باملعاني املستلزمة حوارًّيا‬ ‫خفاقة؟ إًل ّأنه أراد أن ّ‬
‫يوجه شباب اليوم إلى سبيلهم‬

‫في الجملة الخبرية املنفية املتمثلة في (لم تحطمه ‪ ،‬لم يسلم‪ ،‬لم تشهدهم‪ ،‬ما عرفوا‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.384 ،‬‬

‫‪108‬‬
‫فاعرف‪ ،‬وًل عرف‪ ،‬لم يتشدقوا‪ ،‬لم يتقيبوا‪ ،‬لم يتبجحوا) ومن َّ‬
‫ثم فقد تحول الفعل‬

‫الكلمي من اإلخباريات إلى الطلبيات أو التوجيهيات‪ ،‬فاملعنى الحرفي (الصريح) هو‬

‫التذكير بفضل شباب اإلسلم ومآثرهم ‪ ،‬واملعنى املستلزم حوارًّیا (غير الصریح) هو حث‬

‫شباب اليوم من املسلمين ونصحهم وإرشادهم للقتداء بشباب اإلسلم في عصور‬

‫النهضة اإلسلمية؛ ًلستعادة مقدمة الركب الحضاري من جديد‪.‬‬

‫ومن ذلك قول هاشم في قصيدة‪" :‬أضواء من السماء" (أو ل ديسمبر ‪۱۹۰۸‬م)‪:‬‬
‫ُ‬
‫ل كن ه خ لف على األطماع‬ ‫وهللا ما اختلفوا ملصلحة الور ی‬

‫جاءوه فانتهبوه باإلجماع‬ ‫فإذا رأوا حقا ضعافا أهله‬


‫بقالع ‪1‬‬ ‫ُ ّ َ ْ‬
‫ص ن ت من دينها‬ ‫قد ح‬ ‫والضعف ال يح يا بأية أمة‬

‫أراد الشاعر أن يحذر املسلمين من أصحاب األطماع من املستعمرين واملحتلين‬

‫مؤكدا ّأن أطماعهم هي التي تحركهم وليست‬


‫ً‬ ‫من دول الغرب مستعينا بالقسم والنفي‬

‫مصلحة األوطان كما يدعون‪ ،‬فهم يسارعون باًلنقضاض على حق الضعفاء في أي‬
‫موطن فلبد للمسلمين أن يحصنون أنفسهم بالتمسك باإلسلم‪ ،‬إًل أنه لم ّ‬
‫يعبر عن‬
‫هذا القصد مباشرة بل ّ‬
‫عبر عن طريق انتهاك قاعدة من قواعد الحوار وهي قاعدة‬
‫الخبر؛ إذ إنه ّ‬
‫صرح للمخاطبين بما يعلمون فالضعف كل الضعف والهوان في البعد عن‬
‫اإلسلم إًل ّأن سياق املوقف قد تطلب من املتكلم (الشاعر) أن ّ‬
‫يعبر عن مقصده‬

‫باًلستعانة بالجملة الخبرية املنفية‪( :‬ما اختلفوا ‪ً ،‬ل يحيا)‪ ،‬واًلستلزام الحواري يكون‬

‫أقوى في توصيل مقاصد املتكلم عن التعبير املباشر الصريح وًلسيما ّأن املخاطب يقوم‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.195 ،‬‬

‫‪109‬‬
‫بخطوات محسوبة يتجه بها خطوة تلو األخرى حتى يصل إلى مقاصد املتكلم مما يثير‬
‫ً‬
‫استعدادا لتلقي مقاصد املتكلم‪.‬‬ ‫انتباهه ويجعله أكثر‬

‫وبهذا فقد تحول الفعل الكلمي من اإلخباريات إلى الطلبيات حيث النصح والتحذير‬

‫من غدر املحتلين واملغتصبين حقوق الدول الضعيفة‪.‬‬

‫ولقد استعان الشاعر باملعنى املستلزم الحواري للجملة الخيرية املنفية في قصيدة‪:‬‬

‫"جزار الغرب" (‪ 5‬من ديسمبر ‪۱۹۰۷‬م) قائل‪:‬‬


‫ً‬
‫ناشرا للمظالم‬ ‫زناد أس ي أو‬ ‫ّ‬
‫الحق مور ًب ا‬ ‫وما ه و بالباغي على‬

‫تذيب الورى في شرها املتفاقم‬ ‫وليس بمن يسعى إلى بعث فتنة‬

‫وال يرتض ي في حقه من مس اوم‬ ‫ً‬


‫تزاحم ا‬ ‫ولكنه يبغي الحياة‬
‫حيث ّ‬
‫عبر الشاعر بعدد من األخبار املنفية املتوالية املتمثلة في (ما هو بالباغي‪ ،‬ليس‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫قصدا غير مباشر ممثل في استشراف األمل في صحوة الشرق‬ ‫ليحملها‬ ‫بمن يسعی)‬
‫من جديد‪ ،‬وأ ّنه لن يقبل أن يساومه ٌ‬
‫أحد في حقه‪ ،‬وسوف يستعيد العزة واملجد الذي‬

‫كان‪ ،‬ولكنه في سبيل ذلك قد خرق قاعدة من القواعد (كيف الخبر)؛ إذ إنه لم يقدم‬
‫ً‬
‫تضليل ومن َّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ثم‬ ‫خداعا أو‬ ‫دليل على ما ذكره‪ ،‬إًل أنه محترم مبدأ التعاون؛ ألنه لم يقصد‬

‫استدع األمر من املخاطب أن يسير خطوة تلو األخرى ليصل ملراد املتكلم‪ ،‬وقد تحول‬

‫الفعل الكلمي من اإلخباريات إلى اإلعلنيات‪.‬‬

‫ج‪ .‬املعاني املستلزمة في الجملة الخبرية املؤكدة‬

‫من األبيات التي استعان فيها الشاعر بأكثر من مؤكد من مؤكدات الخبر هذه األبيات‬

‫من قصيدة‪" :‬يوم الحرية" (‪1903‬م)‪:‬‬

‫‪110‬‬
‫ً‬
‫و إننا َأمة من شأنها الكرم‬ ‫لوال وفاء بنا عشنا نقدسه‬

‫إليهم‪ ،‬وطعين الظهرينهزم‬ ‫ما كان للنصريوم الكرب من سبل‬

‫فليفخرالنيل وليبذخ بنا الهرم‬ ‫إنا سنعلنها شعواء باسلة‬


‫وما القتال سوى الهول الذي علموا‪1‬‬ ‫وما القتال سوى املوت الذي عرفوا‬

‫أراد الشاعر أن يفخر بموقف الشعب املصري إبان الحرب العاملية الثانية‬

‫وبالتحديد في موقعة (العلمين) بين األملان واإلنجليز إذ كان من اليسير أن يهاجم‬

‫املصريون اإلنجليز من ظهرهم‪ ،‬هذا املعنى املقصد الحقيقي للمتكلم وهو الفخر بوفاء‬

‫الشعب املصري‪ ،‬والتهوين من أمر جيش اًلحتلل اإلنجليزي‪.‬‬

‫واملعنى املستلزم حوارًّيا بهذه الطريقة يكون ممثل للقصد الحقيقي للمتكلم ويكون‬
‫ً‬
‫أسرع إلى ذهن املخاطب‪ ،‬وأقرب موقعا في نفسه متفوقا على املعنى الحرفي الصريح‪ ،‬وقد‬
‫استعان الشاعر بعدة مؤكدات متوالية هي‪َّ :‬‬
‫("إن")‪ ،‬والنفي بما واًلستثناء بسوی مما‬

‫أضاف للمعنى شحنات قوية من التوكيد والتمكين في نفوس املخاطبين‪.‬‬

‫ويقول الشاعر في قصيدة "بنت العروبة" من وحي زميليه في كلية دار العلوم (‪ ۲‬من‬

‫ديسمبر ‪۱۹۵۷‬م)‪:‬‬

‫إني ألعمل للسالم لغرس أ زهار الوئام‬


‫الظالم‪2‬‬ ‫هللا يشهد ما بذ رت بذور شر في‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.238 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.242 ،‬‬

‫‪111‬‬
‫حيث أكد الشاعر الخبر مستعينا ب‪َّ ( :‬إن واسمها واللم)؛ ليؤكد خبره ويبلور‬

‫مقصده حيث إن تأكيد اإلثبات يمكن أن يتم " باللم فقط أو بها مع قد قبل الفعل‪ ،‬أو‬

‫بوضع إ َّن واسمها الضمير قبل الفعل املراد تأكيده‪ ،‬أو باللم قبل الفعل ونون التوكيد‬

‫بعده‪.‬‬

‫ويتضح من ذلك أن الجملة الخبرية املؤكدة‪ ،‬والجملة الخبرية املثبتة ًل فرق بينها‬

‫من حيث الزمن‪ ،‬وإنما يكون الفرق في التأكيد وعدمه"‪ ،1‬وقد أكد الشاعر على لسان‬
‫إحدى الفتيات أنها تسعى للسلم كإحدى فتيات العروبة وًل تسعى باملرة للشر ًل ً‬
‫تدبيرا‬
‫ً‬
‫وًل تنفيذا‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد خرق الشاعر قاعدة كيف الخبر‪ ،‬إذ َّإن هذه الفتاة لم تقدم دليل على صحة‬

‫خبرها ولكنها محترمة ملبدأ التعان أي إ ّنها ًل تقصد خداعا وًل تضليل للمخاطب‪،‬‬

‫وبالتالي أو جب على املخاطب أن يفهم قصده من هذا الخرق‪ ،‬وهو املعنى املستلزم‬

‫حوارًّيا من هذه الجملة املثبتة املؤكدة و يتمثل في‪( :‬توضيح املوقف من السلم والحرب‬

‫فهي مساملة مادام هناك سلم إًل أن ذلك ليس معناه الرضا بالذل واملهانة‪ ،‬ودليل ذلك‬

‫قولها‪:‬‬
‫َ‬
‫تضام‬ ‫لكنن ي آب ى ألرض ي أن ّ‬
‫تذل ! وأن‬
‫سهام‪2‬‬ ‫هذي يدي فيها اإلخاء وفي يدي األخرى‬

‫وبذلك فقد تحول الفعل الكلمي من اإلخباريات إلى اإليقاعيات أو اًلعلنيات ومن‬

‫ذلك قول الشاعر في قصيدة‪" :‬صوت التحرير" (‪ ۱۹‬من مارس ‪1953‬م)‪:‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬تمام حسان‪ ،‬اللغة العربية معناها ومبناها‪.247 ،‬‬


‫‪ 2‬ديوان هاشم الرفاعي‪.277 ،‬‬

‫‪112‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫قد فاض يمن ا بالبالد وأ غد قا‬ ‫عهد ا تکاثر خيره‬ ‫إن ي أرى‬
‫‪1‬‬ ‫فيه النظام باالتحاد قد التق ى‬ ‫عهد تفرد باملحاسن وحده‬
‫أراد الشاعر أن ّ‬
‫ينبه املخاطبين لعظمة العهد الذي يعيشونه وهو عهد التحرير بعد‬

‫ثورة ‪1952‬م‪ ،‬ذلك العهد الذي جاء بعد طول مذلة واحتلل حيث كان الشاعر‬
‫ً‬
‫جميعا يأمل الخير فيه‪ ،‬فقد قصد إلى مدح هذه الحقبة من تاريخ مصر‬ ‫كاملصريين‬

‫وأراد التنبيه على استغللها حتى ًل يعود الوضع كما كان عليه من طغيان واحتلل‬
‫ّ‬
‫مباشرا فقد استعان ببعض أدوات التوكيد ( ّإن ‪+‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تصريحا‬ ‫إًل أنه لم يصرح بذلك‬

‫اسمها‪ ،‬قد) وقد خرق قاعدة كم الخبر؛ حيث إن األخبار التي أو ردها معلومة‬

‫للمخاطبين إًل أنه استعان باًلستلزام الحواري؛ ليفصح عن مقصده الذي يسعى‬

‫لتمكينه من نفس املخاطب‪ ،‬وبذلك تحول الفعل من اإلخباريات إلى التوجيهات‪.‬‬

‫وهكذا ندرك أهمية اًلستلزام الحواري في الوقوف على مقاصد املتكلم وًل سيما‬

‫أن التداوليين قد أشاروا إلى أن املقاصد غير املباشرة تستعمل في اللغة أكثر‬

‫من املقاصد املباشرة‪ ،‬إًل إن البحث قد حاول إدراك كيفية الوصول إلى التعبير بهذه‬

‫املعاني من خلل الجملة الخيرية بأنواعها الثلثة‪ :‬املثبتة‪ ،‬واملنفية‪ ،‬واملؤكدة‪.‬‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.277 ،‬‬

‫‪113‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫األفعال الكالمية )‪(SPEECH ACTS‬‬

‫‪ .1 .4‬املبحث األو ل‪ :‬مفهو م األفعال الكالمية ‪(SPEECH ACTS):‬‬

‫تظل نظرية األفعال الكلمية واحدة من أهم املجاًلت في الدرس التدأو لي‪ ،‬إن لم‬
‫ً‬
‫تكن أهمها جميعا‪" ،‬بل التداولية في نشأتها األو لى كانت مرادفة لألفعال الكلمية"‪ ،1‬فل تعد‬

‫نظرية أفعال الكلم حلقة من حلقات التداولية أو مرحلة من مراحلها؛ "ألن البحث في نظرية‬
‫أفعال الكلم جاء متز ً‬
‫امنا مع البحث التدأو لي"‪.2‬‬

‫وترى هذه النظرية أن التواصل اللغوي يكمن أسا ًسا في إنجاز عمل يتحقق‬
‫في مجموعة أفعال كلم‪ّ ،‬‬
‫وأن الوحدة اللغوية ليست الرمز‪ ،‬أو الكلمة أو الجملة‪ ،‬بل هي‬

‫إنجاز الفعل اللغوي‪ ،‬أي‪ :‬إ َّن هذه النظرية "تضع املتكلم في الدرجة األو لى في عملية الكلم‬
‫معتبرة العلقة التدأو لية بين املتكلم واللغة التي يستعملها اإلشكال اللساني األساس ي؛ ّ‬
‫ألن‬

‫هذه العلقة هي التي تتحكم في التأو يل الدًللي"‪.3‬‬

‫و" لقد انبثقت نظرية الفعل الكلمي ‪ speech acts theory‬من مناخ فلسفي عام هو‬

‫تيار الفلسفة التحليلية بما احتوته من مناخ وتیارات وقضايا"‪ ، 4‬ويطلق على هذه النظرية‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.42 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬عيد بليغ‪ ،‬التداولية‪ ،‬والبعد الثالث في سيموطيقا مودس إلى النقد األدبي والبالغة‪.229 ،2009 ،‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬أحمد اإلدريس‪ ،‬تداوليات الخطاب ولسانيات السكاكي‪.28 ،‬‬
‫‪ 4‬د‪ .‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند علماء العرب‪.17 ،‬‬

‫‪114‬‬
‫ً‬
‫أيضا‪" :‬نظرية الحدث الكلمي‪ ،‬ونظرية الحدث اللغوي‪ ،‬والنظرية اإلنجازية‪ 1"،‬وكذلك يطلق‬

‫عليها‪ :‬نظرية األعمال اللغوية‪.‬‬

‫وإذا كانت التدأو لية ‪ pragmatics‬هي املكون الرئيس الثالث في أي نظرية سیمائية‬
‫للغة (مع علم النحو‪ ،‬وعلم الدًللة) ‪ّ ،‬‬
‫"فإن نظرية الفعل الكلمي من املكونات الثلثة في قيام‬

‫التدأو لية اللغوية"‪.2‬‬

‫إن مفهوم األفعال الكلمية مفهو م تدأو لي منبثق من مناخ فلسفي عام هو تیار‬

‫الفلسفة التحليلية بما احتوته من تيارات وقضايا‪" ،‬وإذا كان مفهو م الفعل قد أصبح نواة‬

‫مركزية في الكثير من األعمال التدأو لية‪ ،‬ففحواه أنه كل ملفوظ ينهض على نظام شكلي دًللي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ماديا نحو ًّيا يتوسل أفعاًل قولية لتحقيق‬
‫فضل عن ذلك‪ ،‬يعد نشاطا ًّ‬‫إنجازي تأثيري‪ .‬و‬

‫أغراض إنجازية (كالطلب واألمر والوعد والوعيد ‪ ...‬الخ)‪ ،‬وغايات تأثيرية تخص ردود فعل‬
‫املتلقي (كالرفض والقبول)‪ ،‬ومن ثم فهو فعل يطمح إلى أن يكون فعل ًّ‬
‫تأثيريا‪ ،‬أي‪ :‬يطمح إلى‬
‫ًّ‬
‫سساتيا‪ ،‬ومن ثم إنجاز ش يء ما"‪.3‬‬ ‫ًّ‬
‫اجتماعيا أو مؤ‬ ‫أن يكون ذا تأثير في املخاطب‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬وجد أو ستن ‪ Austin‬مؤسس هذه النظرية وواضع املصطلح الذي‬
‫ً‬
‫تعرف به اآلن في الفلسفة وفي اللسانيات املعاصرة‪" ،‬حيث كان املصطلح مستعمل من ِّقبل‬

‫لغويين وبنائيين‪ ،‬وأمثال بلومفیلد ‪ Bloomfield‬في العقد الثالث من القرن العشرين‪ ،‬غير أن‬

‫معناه الحديث من إبداع أو ستن "‪.4‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.61 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.13 ،‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪.17 ،‬‬
‫‪ 4‬صالح إسماعيل عبد الحق‪ ،‬التحليل اللغوي عند مدرسة إكسفورد‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنش ‪1993‬م‪.183 ،‬‬

‫‪115‬‬
‫وكان "أوستن قد تأثر بما نبه إليه فتجنشتاین ‪ Wittgenestein‬من ّأن اللغة‬
‫ً‬
‫حشدا من اًلستعماًلت األخرى للغة‬ ‫قد تستخدم لوصف العالم من حولنا َب َ‬
‫يد أن هناك‬
‫ً‬ ‫ًل تصف العالم ‪ ،‬كاألمر‪ ،‬واًلستفهام‪ ،‬والشكر‪ ،‬واللعن‪ ،‬والتحية‪ ،‬والدعاء‪ ،‬و َّ‬
‫قدم ثبتا طويل‬

‫بهذه اًلستعماًلت املختلفة للغة‪ ،‬وأطلق عليها ألعاب اللغة ‪ Language games‬وأسمى کل‬

‫استعمال منها لعبة؛ ألن له قواعد يتفق عليها مستعملواللغة كي يتفق اللعبون على قواعد‬

‫اللعبة‪ ،‬ورأى أن كل نوع من ألعاب اللغة محكوم بنوع مخصوص من السياق اًلجتماعي‬
‫ً‬
‫ومحدد بأعراف اجتماعية معينة‪ ،‬ومن ثم فإن كل لعبة من ألعاب اللغة‪ ،‬وأرس ى مبدأ أو‬
‫اهتماما مسأو ًيا ألي استخدام آخر‪ً ،‬‬
‫مثيرا للجدل عند‬ ‫ً‬ ‫استخدام من استخداماتها يستحق‬

‫الفلسفة ‪ :‬املعنى هو اًلستعمال ‪.1" Meaning is use‬‬

‫وتقوم أطروحة الفعل الكلمي األو ستينية على جملة من األفكار‪ ،‬بدأها بمعارضة‬

‫أطروحة فلسفة اللغة الوضعيين‪ ،‬أو ما أسماه أو ستين‪ :‬باملغالطة الوصفية‪ ،‬التي ضيقت‬

‫في رأيه املجاًلت الواسعة للغة بسجنها في مجال الوصف؛ حيث ميزوا بين الجمل الوصفية‬

‫(الخبرية) التي تخضع ملعيار الصدق والكذب‪ ،‬وفقا املطابقتها أو مخالفتها للواقع الخارجي‪ ،‬بل‬

‫إن كان في استطاعته أن يضيف فل بأس‪ ،‬وعلى ذلك فقد أضاف إليها سيرل ‪Searle‬‬

‫وسيظهر ذلك فيما بعد‪ ،‬غير أنه يجب علينا أن نعرف بها بش يء من التفصيل‪.‬‬

‫ً‬
‫أ‪ .‬أو ال‪ :‬مفهو م الفعل‪:‬‬
‫ُ‬
‫وهو يعني أن اللغة ًل تستعمل فقط لتمثيل العالم‪ ،‬ولكن تستعمل باملقابل في إنجاز‬

‫أفعال‪ ،‬أي‪ :‬إ ّن اإلنسان املتكلم وهو يستعمل اللغة‪ً ،‬ل ينتج كلمات دالة على معنى‪ ،‬بل يقوم‬

‫د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.62 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪116‬‬
‫ً‬ ‫بفعل‪ ،‬ویمارس ً‬
‫تأثيرا" وهذا انطلقا من مناداة رواد املدرسة الفلسفية التحليلية (أو ستن ‪-‬‬

‫سيرل) بضرورة اعتماد هذا املفهو م‪ ،‬واملقصود بأفعال الكلم امللفوظات املتحققة فعل‪،‬‬

‫ومحدد"‪.1‬‬
‫ٍ‬ ‫من قبل مستعمل للغة معين‪ ،‬وفي موقف‬

‫ب‪ .‬ثانيا‪ :‬الفعل اللفظي (التعبيري) ‪:Locutionary act‬‬

‫وهو الذي يتحدد في األصوات اللغوية التي يتلفظ بها املتكلم التي تنتظم في ترکیب نحوي‬

‫يجعل لها دًللة"‪ ،‬أو هو الفعل الذي يعني النشاط اللغوي الصرف‪ ،‬ويقصد بذلك "األصوات‬
‫ً‬
‫التي يخرجها املتكلم والتي تمثل قوًل ذا معنى‪ .‬ويعرفه أو ستن بأنه‪ :‬نتاج جملة مزودة بمعنى‬

‫ومرجع‪ ،‬وهذان العنصران يكونان الدًللة ‪ Signification‬باملعنى التقليدي للكلمة"‪.2‬‬

‫وهو يتفرع إلى ثلثة أفعال‪ :‬صغری "هي الفعل الصوتي‪ ،‬والفعل الصرفي التركيبي‪،‬‬

‫والفعل الدًللي"‪.3‬‬
‫وهذه األفعال تلتقي ً‬
‫معا؛ لتشكل الفعل التعبيري اللفظي؛ إذ يقول أو ستن‪" :‬إنني أسمي‬

‫فعل "قول ش يء ما" باملعنى العادي التام أداء للفعل التعبيري‪ ،‬وأسمي دراسة املنطوقات حتى‬
‫هذه النقطة ومن الجوانب باسم‪ :‬دراسة التعبيرات أو الوحدات التامة للكلم"‪4.‬‬

‫ت‪ .‬ثالثا‪ :‬الفعل الغرض ي أو اإلنجازي ‪:llocutionary act‬‬


‫ً‬
‫مقصودا‬ ‫قصديا أو ًّ‬
‫تأثيريا‬ ‫ًّ‬ ‫ويقصد به أن املتكلم حين يتلفظ بقول ما فهو ينجز معنى‬

‫وهو ما أسماه أو ستن بقوة الفعل‪ ،‬وقد اشترط أو ستن لتحقيق هذا املعنى اإلنجازی ضرورة‬

‫‪ 1‬د‪ .‬نواري سعودي أبوزيد‪ ،‬في تداولية الخطاب األدبي‪.27-26 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬قدور عمران‪ ،‬البعد التداولي والحجاجي‪.45 ،‬‬
‫‪ 3‬صالح إسماعيل عبد الحق‪ ،‬التحليل اللغوي عند مدرسة أكسوفرد‪.183 ،‬‬
‫‪ 4‬السابق‪.185 ،‬‬

‫‪117‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫توفر السياق العرفي املؤسساتي لغة ومحيطا وأشخاصا‪ .1‬ولقد ذهب أو ستن إلى أن أداء‬

‫الفعل التعبيري هو بصفة عامة وعلى نحو مجرد أداء لفعل آخر يطلق عليه اسم الفعل‬

‫الغرض (اإلنجازي)‪.‬‬
‫ث‪ .‬ر ً‬
‫ابعا‪ :‬الفعل التأثيري ‪:Perlocutionary act‬‬

‫بإنتاجنا للفعل اللفظي أو التعبيري ومن خلله فعل الكلم اإلنجازي نكون أمام إنتاج‬

‫فعل کلم ثالث هو فعل الكلم التأثيري‪ ،‬ونعني بذلك ّأن "الكلمات التي ينتجها املتكلم في بنية‬

‫نحوية منتظمة محملة بمقاصد معينة في سياق محدد تعمل على تبلیغ رسالة‬
‫ً‬
‫وتحدث أثرا عند املتلقي"‪.2‬‬

‫ويراد به األثر الذي يخلفه الفعل اللفظي أو اإلنجازي على املخاطب‪ ،‬وهو ما يظهر عادة‬

‫في رد فعله‪ ،‬كأن ينفعل بالقول‪ ،‬فينزعج أو يغضب‪ ،‬أو يمتثل له‪ ،‬فيفرح أو يبتشر‪ .‬لذا‬

‫يختص هذا الفعل باملخاطب‪ ،‬وهذا يعني من جملة ما يعني أن "املتكلم يحأو ل من خلل هذا‬
‫ّ‬
‫الفعل أن يؤثر على قناعات وأفكار ومشاعر مستمعه ويستميله إليه"‪.3‬‬

‫األفعال اإلنجازية املباشرة وغيراملباشرة‪:‬‬

‫كان أو ستن قد فرق بين األفعال اللفظية واألفعال اإلنجازية وفرق بين األفعال‬

‫اإلنجازية الصريحة واألو لية ‪ ،primary‬ثم جاء سيرل ‪ Searle‬فخطأ في هذا اًلتجاه خطوة‬

‫أخرى واسعة تتمثل في "التمييز بين ما أسماه األفعال اإلنجازية املباشرة ‪ direct‬وغير املباشر‬

‫‪ 1‬د‪ .‬قدور عمران‪ ،‬البعد التدأو لي والحجاجي‪.56 ،‬‬


‫‪ 2‬صالح إسماعيل عبد الحق‪ ،‬التحليل اللغوي عند مدرسة أكسفورد‪.197 ،‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬قدور عمران‪ ،‬البعد التدأو لي والحجاجي‪.57 ،‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ indirect‬الحرفية ‪ literal‬وغير الحرفية ‪ non - literal‬أو الثانوية ‪ secondary‬واألو لية‬
‫ً‬
‫‪ ،primary‬وأكثرها شيوعا عنده هو املصطلح األو ل املباشرة وغير املباشر "‪.1‬‬

‫ويحتل سيرل منزلته املتميزة في إعادة بناء الخطوات الضرورية إلنتاج فعل إنجازي‬

‫أولى من فعل إنجازي حرفي‪" ،‬وهي إعادة بناء مؤسسة على حقائق عن املخاطبات‪ ،‬وأسس‬

‫التعأو ن الخطابي‪ ،‬ونظرية األفعال الكلمية‪ ،‬وخلفية املعلومات املشتركة بين املتخاطبين‪،‬‬

‫ومبدأ اًلستدًلل"‪.2‬‬

‫فمن اإلشكاليات املركزية في تداولية أفعال الكلم إشكالية أفعال الكلم‬

‫غير املباشرة ‪ indirect speech acts‬جوهر هذه اإلشكالية "املسافة بين القول واملقصد‬

‫وطبقات املعني املتعددة‪ ،‬بين معنى قضوي حرفي ‪ literal propositional meaning‬والفعل‬

‫الذي ينجزه املتكلم في السياق‪ ،‬املتكلم ًل يقول ما يعنيه في كل مناسبات املنطوق على نحو‬

‫مباشر"‪.3‬‬

‫أ‪ .‬األفعال اإلنجازية املباشرة‪.‬‬

‫"األفعال اإلنجازية املباشرة عند سيرل هي التي تطابق قوتها اإلنجازية مراد املتكلم‪،‬‬
‫ً‬
‫مطابقا مطابقة تامة وحرفية ملا يريد أن يقول‪ ،‬وهو يتمثل في معاني‬ ‫فيكون معنى ما ينطق‬

‫الكلمات التي تتكون منها الجملة‪ ،‬وقواعد التأليف التي تنتظم بها الكلمات في الجملة‪،‬‬
‫ويستطيع السامع أن يصل إلى مراد املتكلم إلدراكه لهذين العنصرين ً‬
‫معا" ‪. 4‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.83 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬محمد العبد‪ ،‬نظرية الحدث اللغوي‪.32 ،‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬محمد العبد‪ ،‬النص والخطاب واالتصال‪.129 ،‬‬
‫‪ 4‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.84 ،‬‬

‫‪119‬‬
‫ب‪ .‬األفعال اإلنجازية غيراملباشرة‬

‫األفعال اإلنجازية غير املباشرة عند سيرل هي التي تخالف فيها قوتها اإلنجازية مراد‬

‫املتكلم‪ ،‬فالفعل اإلنجازي يؤدي على نحوغير مباشر من خلل فعل إنجازي آخر؛ " فلو أنك‬

‫قلت لصاحبك وأنتما جالسان إلى املائدة‪" :‬هل تناولني امللح؟" فأن هذا فعل إنجازي غير‬

‫مباشر؛ إذ معناه الحرفي هو اًلستفهام‪ ،‬وهو مصدر بالدليل اإلنجازي ‪illocutionary‬‬

‫‪ indicator‬وهو "ه "‪ ،‬لكن اًلستفهام غير مراد لك‪ ،‬وأنت ًلتنتظر أن يجيبك صاحبك بنعم‬

‫أو بل‪ ،‬بل مرادك أن تطلب منه طلبا مهذبا أن ينأو لك امللح‪ ،‬وظاهر إذ إن الفعل اإلنجازي‬

‫السابق فعل إنجازي غير مباشر؛ إذ تخالف قوته اإلنجازية غير الحرفية التي هي مراد املتكلم‬

‫مع ملحظة أن التنغيم يختلف ًلختلف القوة اإلنجازية حرفية وغير حرفية"‪.1‬‬

‫‪ .1 .4 .3‬األفعال اإلنجازية في شعرهاشم الرفاعي‪:‬‬


‫َ‬
‫ق ِّب َل نقاد األدب فكرة اإلنجازية بوصفها أحد األمور التي تساعد على تمييز خصائص‬
‫ُ‬
‫الخطاب األدبي‪ ،‬وأكد املنظرون طويل على أننا يجب أن ن ْع َنى بما تفعله اللغة‪ ،‬مثلما نعنى بما‬
‫وفلسفيا لهذه الفكرة‪ ،‬أي إن هناك ً‬
‫صنفا‬ ‫ًّ‬ ‫تبريرا ًّ‬
‫لغويا‬ ‫تقول‪ ،‬ومفهو م الفعل اإلنجازي يقدم ً‬

‫من املنطوقات يفعل شيئا ما في الغالب‪ ،‬وأ ّن املنطوق األدبي مثل اإلنجازي‪ً " ،‬ليشير إلى‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الحالة التي كانت عليها األمور سلفا فحسب‪ ،‬ذلك إنه يخلق الحالة ألموره‪ ،‬أو شئونه التي‬

‫يسير إليها في عديد من الوجوه ونختار منها وجهين‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫وجد الشخصيات أو أفعالها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫حدث‪ ،‬أو ي ِّ‬
‫أ‪ -‬ي ِّ‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمد العبد‪ ،‬نظرية الحدث اللغوي‪.20 ،‬‬

‫‪120‬‬
‫وجد األفكار واملفاهيم التي ينشرها‪.1‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حدث‪ ،‬أو ي ِّ‬
‫ب‪ -‬ي ِّ‬
‫ً‬
‫إن اإلنجازية باختصار " تركز اًلنتباه على استعمال اللغة بوصفها نشاطا وصناعة‬

‫للعالم تشبه اللغة األدبية‪ ،‬التي كان ينظر إليها سل ًفا على أنها ش يء هامش ي‪ ،‬وتساعدنا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على أن نفكر في األدب بوصفه فعل‪ ،‬أو حدثا"‪.2‬‬

‫ّإن العلقة بين أفعال الكلم واألدب " قد ًل تتوقف عند اعتبار ما قدمته التداولية‬

‫في مجال التفكير حول اللغة‪ ،‬وبالفعل فهي تدفع إلى تمييز خصوصية امللفوظات األدبية‬

‫كلم؛ حيث إن األدب مكون من أفعال وليس ملفوظات معزولة وإن كان‬
‫باعتبارها أفعال ٍ‬
‫ليس بإمكاننا حصر الخيال األدبي في موقف املتكلم بالنسبة لتلفظه الخاص بها‪ ،‬أنه من بين‬

‫خصوصيات الخطاب األدبي جعل مفهو م املتلفظ نفسه مسألة إشكالية وتمیيز الشخص‬

‫الذي يكتب عن صور الكاتب التي يمكن أن تحددها املؤسسة األدبية"‪.3‬‬


‫ّ‬ ‫ً‬
‫إن النظر إلى األدب بوصفه منطوقا إنجازًّيا في صالحه "من حيث إنه ليس مقوًلت‬

‫زائفة وتافهة‪ ،‬ولكن يأخذ موقعه بين أفعال اللغة التي تحول العالم خالقة لألشياء التي‬

‫تسميها "‪.4‬‬

‫إن التمثيل ألي خطاب يمتلك فاعلية بالغة؛ ًل تكائه على تاريخ من الخبرة الجمالية‪،‬‬

‫وتفعيله ألقص ى مستويات اللغة في التأثير‪ ،‬وللشعر خاصية املوسيقى التي تنفعل لها‬

‫النفوس وتتأثر بها القلوب‪ ،‬والتي تعد جوهر الشعر وأقوى عناصر اإليحاء فيه‪ ،‬وذلك‬

‫من خلل امتلكه الوزن واإليقاع الذي يولد ذلك التناغم فتطرب له النفوس وتتفاعل معه‪،‬‬

‫‪ 1‬جونثان كولر‪ ،‬مدخل إلى النظرية األدبية‪.135 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق نفسه‪.‬‬
‫‪ 3‬دومينيك مانقينو‪ ،‬تدأو لية الخطاب األدبي‪ ،‬دراسة وترجمة‪ :‬منى بدري‪.82 ،‬‬
‫‪ 4‬جونثان كولر‪ ،‬مدخل إلى النظرية األدبية‪.135 ،‬‬

‫‪121‬‬
‫فالوزن هو الوسيلة التي تمكن الكلمات من أن يؤثر بعضها في البعض اآلخر على أو سع‬

‫نطاق ممكن‪.‬‬

‫هذا فضل عن ّأن العرب كانوا يعتقدون بوجود علقة بين الجن والسحر والشعر‪،‬‬

‫وكانوا ينسبون املوهبة الشعرية لشيطان يوحيها‪ ،‬واإلخبار عن هذا اًلعتقاد ينتشر في كتب‬

‫األدب والتاريخ العربية‪" ،‬ولعل حيرة العرب أمام شدة تأثير هذه الكلمات املنمقة الحكيمة‪،‬‬

‫وعدم مقدرتهم على فهم مصدرها وتعلیل تأثيرها‪ ،‬هي التي ردت األسباب إلى قوى خارجية‬

‫جعلت للشعر مركزا مرموقا " ‪ ،1‬وليس أدل على هذا من الخبر اآلتي‪ " :‬كانت القبيلة‬

‫من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها بذلك ‪ ،‬وصنعت األطعمة ‪ ،‬واجتمعت‬
‫ّ‬
‫النساء يلعبن باملزاهر ‪ ،‬كما يصنعن في األعراس ‪ ،‬ويتباشر الرجال والولدان ؛ ألنه حماية‬
‫َ‬
‫ألعراضهم‪ ،‬وذ ُّب عن أحسابهم وتخليد ألثرهم‪ ،‬وإشادة بذكرهم ‪ ،‬وكانوا ًل يهنئون إًل بغلم‬

‫يولد ‪ ،‬أو فرس تنتج ‪ ،‬أو شاعر ينبغ فيهم"‪.2‬‬


‫وًل ريب ّأن قدرة الشاعر هذه على الفعل في املتلقي‪ ،‬قد حملت املجتمع العربي‬

‫على اإلقرار بسلطة الخطاب واًلحتفاء بها وبأصحابها شعراء كانوا أو خطباء‪ ،‬وما اًلستعاذة‬

‫من فتنة القول إًل إقرار صريح بسلطة النص وقدرة صاحبه التأثيرية حتى ليصور الحق‬

‫في صورة الباطل والباطل في صورة الحق‪.‬‬


‫إذن‪ :‬الشعر ّ‬
‫محرك تاريخي يصنع األحداث أو يغير مجراها‪ ،‬ويوجهها نحو الغاية التي‬

‫يريد الشاعر‪.‬‬

‫‪ 1‬ريتشاردز‪ ،‬مبادئ النقد األدبي‪.194 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬مصطفى درواش‪ ،‬خطاب الطبع والصنعة "رؤية نقدية في المنهج واألصول"‪.110 ،‬‬

‫‪122‬‬
‫ً‬ ‫وًل ريب ّأن الوعي الكامل لحقيقة دور الشعر بوصفه ً‬
‫سلحا فتاكا في وجه الخصوم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫خالدا ًل يبلی ‪ ...‬جعل أغلب الدارسين ًل يع ّد‬
‫سجل ً‬ ‫وناشرا للمآثر يؤثر في الرأي العام‪ ،‬و‬
‫ًّ‬
‫إبداعيا فحسب‪ ،‬بل هو فكر وتصورات ومفاهیم لها أثرها اللغوي الفاعل في‬ ‫الشعر ف ًّنا‬

‫نفوس املتلقين وتوجهاتهم‪ ،‬فالشعر "ليس كلمات مصفوفة على ورقة أو في كتاب ولكنه بناء‬

‫ينهض داخل نفسية املتلقي"‪.1‬‬

‫ولعل من الضروري أن نضيف ملحوظة مهمة في هذا اإلطار تتصل بقيمة البيئة‬
‫الثقافية في تحديد وظيفة الشاعر الفعلية (التأثيرية)‪ ،‬فالشعر "ًل يؤثر في اآلخرين ّ‬
‫ويغير من‬
‫ً‬
‫سلوكهم ومواقفهم‪ ،‬ويبدل من واقعهم إًل إذا كان منخرطا في نظرية بلغية لم للشعر بهذه‬

‫القدرة العجيبة وتعترف بسلطانه على النفوس والعقول من جهة‪ ،‬ومخاطبا من جهة أخرى‬

‫متلقين يعترفون للشاعر بمنزلة الريادة‪ ،‬ويعدونه بمثابة الرائد القادر على الفعل والتأثير"‪.2‬‬

‫وًل يخفى أن الشعر في الحقب املاضية كان له حضور كبير ومؤثر في نفسية املتلقي‬

‫وهذه الخصائص التي ميزت الشعر عن سواه من فنون األدب األخرى مما جعله أقدر‬

‫على حمل مضامين الخطابات املختلفة التي تدعوإلى إنجاز أعمال أو أفعال في أثناء النطق‬

‫بها‪.‬‬

‫تتمثل األفعال الكلمية في هذا املقام في الطلبيات والتي تتناسب مع السياق الذي‬

‫ترد فيه إًل إنها تخرج عن األغراض األصلية التي وضعت لها‪ ،‬وقد صيغت في هيئة طلبية‬

‫تستدعي مطلوبا يثبت حصوله بتلفظه وهو طلب املشاركة التخاطبية التي تمثل العوض عما‬

‫افتقده الشاعر أو مایود حصوله مثل استنهاض الهمم والثورة على اًلستبداد والطغيان‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمد عبد اللطيف‪ ،‬الخطاب في الشعر‪ ،‬دار البركة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.169 ،‬‬
‫‪ 2‬د‪ .‬سامية الدريدي‪ ،‬الحجاج في الشعر القديم‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬األردن‪.73 ،‬‬

‫‪123‬‬
‫وتعمل هذه األغراض الشعرية الطلبية على استدراج املخاطبين عن طريق‬

‫اًلستفهامات والنداءات واألوامر والنواهي ‪ ......‬إلخ‪ ،‬والتي تخرج إلى اًلستمالة في حالة انعدام‬

‫ردود األفعال املنتظرة أو املفترضة‪ ،‬وتتضافر هذه األساليب لزيادة القوة اإلنجازية لألفعال‬

‫فقد نجد اًلستفهام مع األمر في البيت الشعري نفسه واملرجح والحال كذلك ما يتلءم مع‬

‫قصد املتكلم في ذلك السياق التواصلي من خلل اًلعتماد على الغرض املتضمن في القول‬

‫في ذلك املوضع ‪ ،‬ونحن ًل نطلق حكما قيميا على األفعال الكلمية من حيث قدرتها‬
‫َ‬
‫على اإلنجاز والتأثير في املتلقي‪ ،‬ومن ث َّم القول‪ :‬إنها ناجحة من حيث تطبيق القوة اإلنجازية‬

‫على املتلقي‪ ،‬بل حتى وإن لم تدفعه لإلنجاز‪ ،‬فإنها على األقل توجهه للفعال حيث تجعله‬

‫يتفاعل مع ما يطرحه املتكلم من أفكار‪.‬‬

‫‪ .2 .4‬املبحث الثاني‪ :‬األفعال الكالمية )‪ (SPEECH ACTS‬في شعرهاشم الرفاعي‬

‫كان هاشم الرفاعي يهدف إلى إسماع صوته لكل ذي نخوة أو صاحب قرار‬
‫ًّ‬
‫وأحسن استغلل قدراته في مد جسور التواصل مع متلقيه مستغل ما يملكه من أدوات‬
‫ً‬
‫داعما فكرة املشاركة؛ ليكسب اهتمام املتلقي بها يقوله‪ ،‬وليفسح املجال داخل‬ ‫اللغة‬

‫القصائد لتقديم أفكاره‪.‬‬

‫وها نحن نعرض في السطور اآلتية لألفعال الكلمية في هيئتها الطلبية في شعر هاشم‬

‫الرفاعي‪ ،‬وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬

‫أ‪ .‬األمر‬

‫يقول الشاعر في قصيدة‪" :‬تحية األشبال" (‪۲۰‬من أبريل ‪1953‬م)‪:‬‬

‫‪124‬‬
‫جددوا اآلمال للعهد الجديد‬ ‫أي ها الشباب في النيل السعيد‬

‫مصر نادت فاستج ی بوا ل لنداء‬ ‫واعلموا بالح زم والعزم الوط يد‬

‫باتحاد ونظام وعم ل‬ ‫سا رعوا للمجد ي ا کنز األمل‬


‫األو فياء‪1‬‬ ‫فاعملوا وهللا يرعي‬ ‫كل من سار على الد رب وصل‬
‫وجه الشاعر لألشبال في مصر عدة أو امر تتمثل في‪ّ ( :‬‬
‫جددوا‪ ،‬اعملوا‪،‬‬ ‫حيث ّ‬

‫استجیبوا‪ ،‬سارعوا‪ ،‬فاعملوا) بصيغة األمر املباشر إًل أن هذه األو امر قد خرجت عن‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫توجيها وحثا‬ ‫معناها الحقيقي إذا لم يأت األمر على جهة اًلستعلء واإللزام إًل إنها أنجزت‬

‫ودعوة ًلستنهاض الهمم للتحاد والعمل الجاد في نظام حتى يتم ألشبال مصر تحقيق األحلم‬

‫وبناء مستقبل مشرق استجابة وتلبية لنداء مصر الغالية‪.‬‬

‫وأكثر ما يميز استعمال أسلوب األمر في شعر هاشم الرفاعي هو التعبير عن أبعاد‬

‫العلقة باآلخر وًل سيما في الخروج عن الغرض األصلي إلى أغراض أخرى تستفاد من السياق‬
‫إًل ّإنها في األغلب األعم ًل تخرج عن كونها ً‬
‫طلبا غرضه النصح والحث واإلرشاد واستنهاض‬

‫الهمم ًلستعادة مجد اإلسلم الذي كان‪ ،‬وتخليص األقطار العربية واإلسلمية‬

‫من اًلستبداد واًلحتلل بشتى صوره‪.‬‬


‫ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة‪" :‬صوت الوطنية" (ما س ‪۱۹۵۲‬م)‪ً :‬‬
‫مؤيدا ترشيح‬ ‫ر‬

‫النحاس في اًلنتخابات‪:‬‬
‫ّ‬
‫التبرم‬ ‫برمنا بها فوض ى وطال‬ ‫تقد ْم فأنت اليوم من يتقد م‬
‫م أ تم‪2‬‬ ‫و أنت لها أقبل ففي النيل‬ ‫قضية وادي النيل ضي عها ال هو ى‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.216 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪216 ،‬‬

‫‪125‬‬
‫حيث ّ‬
‫توجه الشاعر (املتكلم) باألمر للنحاس زعيم حزب الوفد بالتقدم واإلقبال على‬
‫ً‬
‫مستعينا بفعلي‬ ‫الترشح في اًلنتخابات‪ ،‬فهو الذي يستطيع أن ينتصر لقضية وادي النيل‪،‬‬
‫أمر‪ ،‬هما‪( :‬تقدم‪ ،‬أقبل) ليس على الوجه الحقيقي لألمر‪ ،‬و ّإنما التم ً‬
‫اسا ورجا ًء؛ ّ‬
‫ألن الشاعر‬ ‫ٍ‬
‫ًل يملك سلطة اإللزام أو اًلستعلء؛ ولذلك نرى ّأن الشاعر يتقدم باألمر ثم يقدم تعليل‬
‫قدم األمر في قوله‪ّ ( :‬‬
‫تقدم ) ثم علل‪ ( :‬فأنت اليوم من يتقدم ) وقال‪ ( :‬أقبل ) ّ‬
‫ثم‬ ‫لطلبه حيث ّ‬

‫علل‪( :‬ففي النيل مأتم)‪ ،‬وبالتالي فقد فرض املوقف التواصلي أفعاًل متضمنة في القول‬

‫تستمد قوتها اإلنجازية من السياق‪.‬‬

‫ويقول الشاعر في قصيدة‪" :‬مولد الرفاعي" (مایو‪۱۹۵۲‬م) والتي ألقاها في الليلة‬

‫الختامية ملولد جده هاشم الرفاعي بأنشاص الرمل‪:‬‬


‫ْ‬
‫وسل الغو انيا‬ ‫وكف عن التشيب‬ ‫ً‬
‫جانب ا‬ ‫دع الوجد و اترك ذكرك العشق‬

‫وم ّج د بذكر األكرمين القو افيا‬ ‫وسر با لقوافي نح وقوم أعزة‬

‫هم القطر كال بل هم الغيث هاميا‬ ‫رجال إذا ما ا مل زن ضنت ب م ائها‬


‫‪1‬‬

‫ً‬
‫شاعرا آخر يلتمس منه ترك الحديث في العشق‬ ‫حيث ّ‬
‫يجرد الشاعر من نفسه‬

‫والوجد والتوجه ملدح القوم األكرمين وهم جدوده فهم أهل السماحة والندى وبذكرهم‬

‫تمجد القوافي إًل أن الشاعر ًل يملك سلطة اإللزام أو اًلستعلء على الشاعر (املخاطب)‬
‫ً‬
‫ملمحا آخر وهو‬ ‫بسبب التماسه مدح أجداده في البيت الثالث إضافة إلى أن األبيات تحمل‬

‫املدح والثناء على جدوده األكرمين‪ ،‬وقد كان السياق مصدر القوة اإلنجازية املستمدة‬
‫ً‬
‫اعتمادا على األفعال املتضمنة في القول والتي فرضها املوقف التواصلي‪.‬‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪88 ،‬‬

‫‪126‬‬
‫ب‪ .‬النهي‪:‬‬

‫يقول الشاعر في قصيدة‪" :‬دماء في السودان" (أو ل مارس ‪1954‬م)‪:‬‬


‫كاذبه ‪1‬‬ ‫ً‬
‫كعهدك به مخلف الوعد‬ ‫والتلق باال للوعود فإنه‬

‫حيث أراد الشاعر أن يحذر الشعب السوداني من تصديق وعود املحتلين فاستعان‬

‫بأسلوب النهي املكون من (ًل) الناهية ‪ +‬الفعل املضارع في قوله‪ً( :‬لتلق باًل) إًل أن النهي لم‬
‫يأت على جهة اًلستعلء؛ ألن الناهي ًل يملك من أمر املنهي ً‬
‫شيئا‪ ،‬إنما جاء على جهة النصح‬
‫ً‬
‫واإلرشاد والتوعية‪ ،‬وقد استغل الشاعر القوة املتضمنة في النهي وصوًل إلى مقصده‪ ،‬بل‬

‫وزادته قوة إنجازية‪.‬‬


‫وقد أتبع النهي بقوله‪( :‬فإنه كعهدك فيه مخلف الوعد كاذبه) ً‬
‫تبريرا للنهي الذي ذكره‬

‫الشاعر فهو‪ً ،‬ل يملك سلطة إلزام املخاطب بتنفيذ النهي‪.‬‬

‫ويقول الشاعر في قصيدة‪ " :‬فتية التحرير " (‪1954‬م)‪:‬‬


‫ً‬
‫وقد ب ّد لوا لون ا ر أيت األفاعيا‬ ‫ً‬
‫أعداء ‪ ،‬إذا ما ر أيتهم‬ ‫نباحث‬
‫‪2‬‬ ‫فإنا لقينا بالخداع الدواه يا‬ ‫فال تطمعوا أن يتركوا النيل عن رض ى‬

‫حيث أراد الشاعر أن يشير إلى أن املفأو ضات مع األعداء ضياع للوقت والجهده وًل‬

‫سيما ّأنهم يتلونون بألوان عدة کاألفاعي‪ ،‬فلن يتركوا مصر إًل عنوة‪ ،‬فقد عنينا من خداعهم‬
‫ً‬
‫كثيرا‪ ،‬فاستعان بأسلوب النهي في قوله‪ً( :‬لتطمعوا) للوصول إلى مقصده من تحذير‬

‫املخاطبين‪ ،‬ولكن النهي لم يأت على جهة اًلستعلء‪ ،‬بل جاء ليفيد النصح واإلرشاد والتوعية‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.352 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.231،‬‬

‫‪127‬‬
‫ّ‬
‫بكيد املحتلين ولذلك فقد أعقبه الشاعر بالتبرير املتمثل في قوله " فإنا لقينا بالخداع‬
‫الدواهيا " ومن َّ‬
‫ثم فقد خرج األسلوب عن املعنى األصلي إلى املعنى الذي يفرضه السياق‪.‬‬

‫وما زلنا مع أسلوب النهي املتمثل في‪ً( :‬لتطمعوا) ولكن في قصيدة أخرى بعنوان‪:‬‬

‫"مصر بين احتللين" (أكتوبر ‪1954‬م) حيث يقول‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ال تطمعوا في نيل االستقالل‬ ‫الجالء فقل ت ‪ُ :‬ح ل ُم خيال‬
‫َ‬ ‫قالوا‬
‫األغالل ‪1‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫إن الجالء تحط م‬ ‫خروج جيش غاصب‬ ‫ليس الجالء‬

‫أراد الشاعر اإلشارة إلى ّأن الشعب ما زال قيد اًلحتلل حتى بعد جلء اإلنجليز‬

‫عن مصر‪ ،‬ولكن اًلحتلل هذه املرة احتلل داخلي (محلي) فل يقتصر معنى الجلء على‬

‫مغادرة الدولة املحتلة ملصر وإنما الجلء يعني تحطم كل األغلل وزوال اًلستبداد‬

‫والطغيان فاستعان في سبيل توصيل مقصده ووضعه في بؤرة اهتمام املخاطبين بأسلوب‬

‫النهي املتمثل في‪ً( :‬لتطمعوا) إًل أن النهي لم يأت على جهة اًلستعلء؛ ألن الناهي واملنهي‬

‫متسأو يان في الرتية ودليل ذلك لجوء الناهي (املتكلم) إلى تبرير النهي الذي تقدم واملتمثل‬

‫في البيت التالي والذي يدور معناه کما أسلفنا حول َّأن الجلء يعني تحطم كل القيود ًّأيا كان‬

‫مصدرها‪.‬‬

‫‪ .3 .4 .4‬االستفهام‬

‫يقول الشاعر في قصيدة بعنوان‪" :‬آًلم عاشق" (عام ‪1949‬م)‪:‬‬


‫ً‬
‫جحيما ًليطاق"‪:‬‬ ‫ً‬
‫معلقا عليها بقوله‪" :‬إلى التي شغلت قلبي البكر‪ ،‬وأشعلت فيه‬
‫وهل أسهدت في الحب ع ی نک ما ه ُ‬
‫ند‬ ‫ق فاحد ثاني هل أصابك م ا وجد‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.393 ،‬‬

‫‪128‬‬
‫السهد‪1‬‬ ‫ک م ا ذاقها ص ٌّب أ ضر به‬ ‫وهل ذقت م ا نار ال هو ى وله يبه‬
‫فالشاعر أراد أن يظهر فعل العشق به واملعاناة التي يحياها ّ‬
‫فجرد من تفسه‬

‫صاحبين له وتوجه إليهما باستفهامات غرضها الصريح واملباشر هو اًلستخبار وطلب العلم‬

‫إًل َّأنه تجأو زه إلى غيره؛ حيث أراد به ومن خلل اًلستفهامات املتعددة مستعي ًنا بأداة‬
‫ً‬
‫اًلستفهام (هل) تأسيس علقة تواصلية وطيدة مع املخاطبين أمل في استئناسهم بكلمه‬

‫ومحأو لتهم للتخفيف عنه؛ لذا كان الخطاب معهم بهدف مد جسور التواصل‪ ،‬ومحاولة‬

‫التأثير النفس ي فيهم لتوجيههم إلى قصده من الخطاب‪ ،‬وهو إدراك مدى تأثير العشق على‬

‫قلبه البكر‪.‬‬

‫ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة‪" :‬جلد الكنانة" (مارس ‪1955‬م)‪:‬‬


‫ُ‬
‫عن سادة األحزاب واإلخوان‬ ‫هبني خ دعت بكل ما زی فته‬
‫والطغيان ‪2‬‬ ‫أم راح نهب الحقد‬ ‫هل خان قائدنا نج ی ب َع هد نا‬
‫ً‬
‫موجها له‬ ‫ً‬
‫واصفا إياه بجلد الكنانة‬ ‫يتوجه الشاعر بخطاب شديد اللهجة للرئيس‬
‫ً‬
‫سؤاًل مضمونه‪ :‬تخيل أ ّني َّ‬
‫صدقت كل اإلدعاءات املزيفة في حق األحزاب‪ ،‬فهل خان الرئيس‬

‫محمد نجيب العهد أم نهبته األطماع والضغائن؟‬

‫والشاعر ًل يقصد مجرد اًلستخبار أو طلب العلم فإنه على علم باإلجابة إًل أنه أراد‬

‫أن ّيوبخ رجال النظام ويظهر البطش والظلم واإلدعاءات الكاذبة التي مورست على كثير من‬

‫القيادات وعلى رأسهم الزعيم محمد نجيب وًلسيما أن اًلستفهام هنا كفعل كلمي‪ ،‬يحمل‬
‫ً‬
‫واضحا للظلم الواقع على أصحاب الرأي فاًلستفهام مرآة تكشف أسف الشاعر‬ ‫استنكا ًرا‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.271 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.271 ،‬‬

‫‪129‬‬
‫على األو ضاع التي وصلت إليها مصر‪ ،‬ويقول الشاعر في قصيدة‪" :‬أم النوائب" (نوفمبر‬

‫‪۱۹۰۳‬م)‪:‬‬

‫منهم قرار بكابوس من العمم‬ ‫ماذا فعلنا بهم حتى يضايقنا‬


‫األشهر الحرم ‪1‬‬ ‫فكيف نلبسها في‬ ‫هذي العائم فوق الرأس كا رثة‬

‫حيث ثار الشاعر على قرار األزهر بإلزام الدعاة خاصة أبناء املعاهد األزهرية بزي‬
‫معين‪ ،‬ويری أن ذلك ليس من الدين في ش يء و ّ‬
‫عبر عن ذلك مستعينا باًلستفهام في قوله‪:‬‬
‫ً‬
‫"(ماذا فعلنا بهم‪ ،‬فكيف نلبسها) حيث يظهر الشاعر فعل كلم ًّيا يتجسد من خلل غضبه‬

‫الشديد من هذه القرار‪ ،‬واًلستفهام هنا ليس على جهة اًلستخبار عن ش يء وإنما على جهة‬

‫اًلستنكار والرفض لهذا اًلستفهام في هذا السياق (ماذا‪ ،‬وكيف) يظهر الحيرة واًلستنكار‪.‬‬

‫‪ .4 .4 .4‬النداء‪:‬‬

‫يقول الشاعر في قصيدة‪" :‬تحية الشعر" (‪ ۱۷‬من مارس ‪1954‬م) التي يحيي فيها شيخ‬

‫املعهد‪:‬‬
‫ّ‬
‫حملت لك اإلكبار والتمجيدا‬ ‫يا أيها النحرير إ ن قلوبنا‬
‫فريدا‪2‬‬ ‫يحكي طرا ًزا في الرجال‬ ‫أقسمت مثلك في املجامع نادر‬

‫حيث أراد الشاعر أن يمدح شيخ املعهد ويثني عليه فبدأ القصيدة بأسلوب النداء‬

‫املتمثل في قوله‪( :‬يا أيها النحرير) وًل شك ّأن النداء هنا ليس على الحقيقة؛ ألنه ليس الغرض‬
‫ّ‬
‫منه استدعاء املخاطب وحضوره؛ ألنه حاضر بالفعل‪ ،‬ولكن غرض النداء الذي يمكن أن‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.378 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.362 ،‬‬

‫‪130‬‬
‫يستنبط من خلل السياق هو التعظيم واملدح‪ ،‬وًلسيما بعد أن ألقي املمدوح شيخ املعهد‬

‫محاضرة قيمة عن الفطرة اإلنسانية وعلقتها بالدين والتدين‪.‬‬


‫وجدير بالذكر أن املتكلم وًلسيما (الشاعر) كثيرا ما يلجأ إلى النداء؛ ً‬
‫تقربا إلى الذوات‬
‫التي يقصدها و ً‬
‫جذبا ًلنتباه املتلقي وتعاطفه‪ ،‬وامللحظ أن أكثر املخاطبين في شعر هاشم‬

‫الرفاعي هو اإلنسان العربي املسلم الذي دائما ما يخاطبه الشاعر؛ انطلقا من وحدة الدم‬
‫والنسب واملصير والدين مما يجعل املخاطب يشاركه همومه التي هي في األغلب همهما ً‬
‫معا‪.‬‬

‫ومنه قول الشاعر في قصيدة‪" :‬يوم الجلء" (‪ ۲۷‬من يوليو‪1954‬م)‪:‬‬


‫حرا ‪1‬‬ ‫ويا وادي األحرار عدت لنا‬ ‫فيا مصر هذي ساعة املجد قد دنت‬

‫حيث أراد الشاعر أن يحتفل بتوقيع اتفاقية الجلء بين الحكومة املصرية‬

‫والحكومة البريطانية فاستعان بأسلوب النداء؛ ليوحي بقرب املنادي إلى قلبه وفخره بها‬

‫وذلك في قوله‪( :‬یا مصر‪ ،‬يا وادي األحرار) والنداء هنا لم يأت تعبيرا عن املعنى األصلي؛‬
‫ّ‬
‫ألن املنادی غير عاقل فل يمكن أن يكون الغرض من النداء اًلستدعاء أو التنبيه‪ ،‬وإنما‬

‫يمكن أن ُيستنبط خلل سياق املوقف أن النداء الغرض منه في األول‪( :‬يا مصر) إظهار‬

‫السعادة والبشر باتفاقية الجلء‪ ،‬والثاني‪( :‬يأو ادي األحرار) الغرض منه التعظيم والثناء‪،‬‬

‫فقد استغل الشاعر القوة املتضمنة في النداء للتعبير عن السعادة وتعظيم وادي النيل‪.‬‬

‫ومن ذلك قول الشاعر في قصيدة‪" :‬فتاة القرية" (ديسمبر ‪ 1954‬م)‪:‬‬

‫على سندس الخضرة الناضرة‬ ‫رويدك أيتها السائرة‬


‫العاط رة ‪2‬‬ ‫ک م ا مرت النسمة‬ ‫أ راك مررت بشط الغد ی ر‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.235 ،‬‬


‫‪ 2‬السابق‪.106 ،‬‬

‫‪131‬‬
‫ً‬
‫غزًل ً‬
‫عفيفا يشم منه التزامه العاطفي‪ ،‬وقد‬ ‫حيث أراد الشاعر أن يتغزل في محبوبته‬

‫استعان في غزله أمامه وطهارة فؤاده فتخيلها تسير على السندس في منظر بالنداء محذوف‬

‫األداة‪ ،‬ولم يكن النداء على األصل؛ ألن املنادى ًليسمع النداء فليس الغرض منه اًلستدعاء‬

‫أو التنبيه‪ ،‬وإنما الغرض الذي يمكن أن يستنبط من السياق هو إظهار اإلعجاب بل العشق‬

‫ملحبوبته؛ حيث استمد الفعل املتضمن في القول القوة اإلنجازية من خلل سياق الحال‪.‬‬

‫ت‪ .‬التمني‪:‬‬

‫يقول الشاعر في مسرحية شهيد بني عذرة على لسان عروة يخاطب قلبه وقد دني‬

‫من دار عفراء معشوقته والتي تزوجت من ابن عمها اآلخر (أثالة) على الرغم شغفها بعروة‬

‫وشغفه بها‪:‬‬

‫رواجع‪1‬‬ ‫أال ليت أو قات الكثيب‬ ‫فيهتف قلبي حين يشتد وجده‬

‫ثم يقول‪:‬‬

‫فياليت شعري هل تصان الودائع‬ ‫فيادا رة البلقاء تلك وديعة‬

‫وإن جن ليل ي أنكرتني املضاجع‬ ‫نهاري به اآلالم والبث والغني‬

‫أراد الشاعر على لسان (عروة) أن يظهر حبه ملعشوقته عفراء‪ ،‬وتمنيه أن يعود‬

‫الزمن بهما للخلف؛ فتوجه بالخطاب إلى قلبه مرة وإلى دارة البلقاء مرة أخرى‪ ،‬ومن املعلوم أن‬

‫الكلمة املوضوعة في األصل للتمني هي (ليت) وقد استعان بها الشاعر في هذا املقام مرتين‬

‫(ليت أو قات الكثيب رواجع‪ ،‬ليت شعري)؛ ليشير إلى استحالة تحقيق مطلبه وأمنيته فقد‬
‫تزوجت معشوقته من ابن عمه ر ً‬
‫غما عنه وعنها‪ ،‬فهام على وجهه ولحق به املرض والذي لم‬

‫‪ 1‬ديوان هاشم الرفاعي‪.522 ،‬‬

‫‪132‬‬
‫سببا‪ ،‬فخرج إلى الصحراء في طريقه إلى ديار عفراء (مقر إقامتها في بيت زوجها) ً‬
‫ممنيا‬ ‫يعلم له ً‬

‫النفس أن يلوذ بنظرة منها ولكن هيهات‪ ،‬كيف له ذلك وقد أصبحت زوجة آلخر هو ابن عمه‬

‫(أثالة)‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ّأن الشاعر يدرك ً‬
‫تماما أن رؤيته لحبيبته أو ظفره بها أصبح ً‬
‫أمرا‬
‫ً‬
‫مستحيل لكنه يستغل الشحنة القوية املتضمنة في فعل التمني؛ لينفث عما بنفسه أس ى‬
‫نادر ًّ‬
‫جدا وًلسيما أنه يرى‬ ‫وحزن ويأس قاتل‪ .‬وجدير بالذكر أن التمني في شعر هاشم الرفاعي ٌ‬

‫َّأن كل مادعا إليه من وحدة العرب واملسلمين واستنهاض الهمم واستعادة أمجاد اإلسلم التي‬

‫كانت واًلنتصار على اًلستبداد والطغيان أمور ممكنة غير مستحيلة الحدوث‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫الخاتمة‬

‫الحمد هلل‪ ،‬والصلة والسلم على رسول هللا‪ ،‬وبعد‪ .‬فقد ّ‬


‫اهتم هذا البحث بدراسة‬

‫تحليل التداولية في شعر هاشم الرفاعي‪ ،‬وكانت التداولية تفسيرا ملا عجزت الدًللة عنه؛‬

‫حيث بدأت بدراسة املعنى بد ًءا من تلفظ املتكلم به إلى استدًلل املخاطب‪ ،‬ولها أهمية كبيرة‬

‫ملا ينبغي على املتخاطبين اتباعه‪ ،‬ليدرك املخاطب قصد املتكلم وينجز املتكلم الفعل‬

‫اإلنجازي‪.‬‬

‫‪ -‬اًلستحضار من أهم الخصائص التي يمكن أن نسندها لشعر هاشم الرفاعي‪ ،‬فقد‬

‫يستحضر األشخاص والذوات في ذهنه‪ ،‬وكأنه يجالسها‪ ،‬حيث سمحت له اللغة بامتلكها‬

‫من خلل اكتساب السلطة بالخطاب‪ ،‬واستعمالها وتضمين هذا اًلستعمال املقاصد‬

‫املختلفة‪.‬‬

‫‪ -‬استعان الشاعر بضمير املتكلم (نحن)؛ ألنه يحمل قيمة تداولية تتمثل في اعتماده‬

‫أساسا على مبدأ املشاركة بين طرفي العملية التواصلية؛ حيث يعني املشاركة بين املتكلم‬

‫واملخاطب قبل أن يسوق املتكلم ما يريد قوله مما يسهل مهمته في تعبيره عن التضامن مع‬

‫املخاطب وتوطيد العلقة بينهما بالخطاب‪.‬‬

‫‪ -‬ضمير املخاطب ًل يقف استعماله في السياق عند اإلحالة على املرجع فقط‪ ،‬بل‬

‫يتجاوز ذلك ليصبح دليل على غرض تداولي‪ ،‬وهو أن املشاركين في الحوار يعتبرون أنفسهم‬

‫ذوي علقة وثيقة من الناحية اًلجتماعية‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫‪ -‬استعان هاشم الرفاعي بضمير الغائب كثيرا وًل سيما في التعبير عن فقدان السبق‬

‫اإلسلمي وضياع مجد السلف؛ مما يناسبه أن يعبر عنه بضمير الغائب الذي يعبر عن‬

‫الغياب وعدم الحضور‪.‬‬

‫‪ -‬ضمير الشأن يثير ذهن املتلقي‪ ،‬و ُي ْع ِّمل فكره؛ لذا استعان به الشاعر؛ تشويقا له‬

‫وجذبا ًلنتباهه‪ ،‬فيقبل عليه ويتطلع إلى ما يزيل إبهامه‪.‬‬

‫‪ -‬املقياس الشعوري يختلف في صميمه عن املقياس الزماني‪ ،‬الذي يعتمد في القياس‬

‫على األشهر واألسابيع واأليام والساعات؛ ألن الفترات الزمنية املوضوعية قد تنكمش في‬

‫شعور اإلنسان أو تتمدد وتبدو طويلة طبقا ملوقفه النفس ي والشعوري‪.‬‬

‫‪ -‬نقطة مركز اإلشاريات الزمانية هي وقت التلفظ بها‪ ،‬لذا أصبحت معيارة التقسيم‬

‫األفعال‪ ،‬حيث يشمل الفعل الحدث والزمن‪.‬‬

‫‪ -‬يحظى املكان بمكانة فائقة األهمية في التداولية؛ إذ يؤثر في السياق تأثيرا واسع‬

‫املجال‪ ،‬وله على مستوى النص الشعري وجود خاص؛ إذ هو جزء من البنية النصية‪.‬‬
‫‪ -‬تظهر العلقة اًلجتماعية من خلل اللغة في مفرداتها وتركيبها‪ ،‬ومن ّ‬
‫ثم يمكننا‬

‫اًلستعانة بالتراكيب اللغوية‪ ،‬واملواقف الكلمية؛ لتحديد هذه العلقة القائمة بين املتكلم‬

‫واملخاطب‪.‬‬

‫‪ -‬لسياق الحال دوره في التواصل اللغوي؛ حيث إنه يمثل افتراضا مسبقا للتواصل‬

‫اللساني‪ ،‬وكذلك يمثل لب العملية اللغوية التواصلية‪ ،‬إذا كانت السياقات اللغوية والبنى‬

‫التركيبية تحوي اًلفتراضات املسبقة وامللبسات املحيطة بالخطاب‪.‬‬

‫‪ -‬من امللحظ أن األغراض غير املباشرة والتي تستلزم حوارًّيا في ديوان هاشم تدور‬

‫في معظمها حول الحث‪ ،‬والنصح واإلرشاد‪ ،‬واستنهاض الهمم والفخر باألمجاد واألجداد‬

‫‪135‬‬
‫(التوجيهيات) ولعل مرد ذلك إلى إن الشاعر قد اتخذ وجهة الدفاع عن اإلسلم والعروبة‬

‫والوقوف في وجه الظلم والطغيان وسلب الحريات في أي مكان وعلى أي أرض‪ ،‬والدعوة‬
‫ً‬
‫إلى استعادة املجد املسلوب سبيل له‪.‬‬

‫‪ -‬إن الوصول إلى مقصد املتكلم هو الطريق الوحيد للتواصل اللغوي‪ ،‬وهو اإلنجاز‬

‫الحقيقي لهذا التواصل فل فرق بين املقصد والغرض واإلنجاز‪.‬‬

‫‪ -‬لم يعتمد الشاعر على طريق واحد لتبليغ مقصده‪ ،‬بل تعددت طرقه‪ ،‬وتتنوعت‬
‫سبیله لتفي بمقصده‪ ،‬سواء صرح به أم لم يصرح‪ ،‬وربما يقصد باملصرح به ًّ‬
‫خفيا‪ ،‬ويتوسل‬

‫به للوصول إلى هذا املقصد الخفي‪ ،‬الذي يمثل مقصده الحقيقي‪.‬‬

‫‪ -‬املعاني املستلزمة حواريا تمثل املقاصد الحقيقية للمتكلم‪ ،‬واًلتيان بها في هذه‬

‫الصورة‪ ،‬هو نوع من الثراء اللغوي‪ ،‬الذي يطوع اللغة طبقا ملقام إنجازها‪.‬‬

‫‪ -‬تمثل القواعد العامة للستلزام الحواري اإلطار العام للوصول إلى مقصد املتكلم‬

‫غير املصرح به‪ ،‬إضافة إلى معونة املقام وقرائن األحوال في الوصول إلى ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬من األهمية بمكان استنطاق األقوال للوصول إلى مقصد املتكلم الحقيقي على الرغم‬

‫من أنها عملية معقدة‪ً ،‬ل يمكن إدراكها والتعامل معها من دون األخذ بجميع األسباب‬

‫املعينة على ذلك‪ ،‬وأهمها آلية اًلستلزام الحواري‪.‬‬

‫‪ً -‬ليمكن الوصول إلى املعنى املستلزم حواريا بمعزل عن السياق بشقيه‪ :‬واملقام‪،‬‬

‫وملبسات الحوار‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬تمثل األساليب الخبرية والطلبية مجاًل خصبا اعتمد عليه الشاعر في توليد املعاني‬

‫املستلزمة حوارًّيا‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫‪ -‬أدى اًلستلزام الحواري من خلل األساليب الخبرية والطلبية دو ًرا ًّ‬
‫مهما في تبلیغ‬

‫الشاعر هاشم الرفاعي مقاصده‪ ،‬وربما كانت املعاني املستلزمة حوارًّيا من خلل هذه‬

‫األساليب أوجز وأبلغ وأقوى منها وهي مصرح بها‪.‬‬

‫‪ -‬تمثل سلسلة األفعال اإلنجازية املباشرة مقاصد املتكلم مع وضع سیاق املوقف‬

‫في اًلعتبار‪.‬‬

‫‪ -‬تتنوع األفعال اإلنجازية بين اإلخباريات ‪ assertives‬ممثلة في األخبار املتعددة‪،‬‬

‫والطلبات أو التوجيهات ‪ directives‬ممثلة في األمر والنهي والتحذير وغيرها من األغراض‪.‬‬

‫‪ -‬قامت عناصر تقوية القوة اإلنجازية اللغوية بدور مشهود في بلورة مقاصد الشاعر‬

‫هاشم الرفاعي وتمكينها في نفس املخاطبين الذين يتوجه إليهم الشاعر بالخطاب‪ ،‬ومن ثم‬

‫إنجاز مقاصده إنجا ًزا ناج ًحا قو ًّيا‪.‬‬

‫‪ -‬استفاد الشاعر من عناصر تقوية القوة اإلنجازية غير اللغوية متمثلة في سلطة‬

‫املتكلم الواقعية‪ ،‬وكان لها أثر واضح في صبغ املنطوقات اإلنجازية بقوة إنجازية إضافية وًل‬

‫سيما في بابي األمر والنهي‪.‬‬

‫‪ -‬من املمكن أن يكتفي املتكلم باإلفصاح عن مقاصده دون عناصر تقوية مقاصده‬

‫ولكن ليس بهذه الدرجة من القوة أو اإلنجاز‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫املصادرواملراجع‬
‫ً‬
‫ّأوال‪ :‬الكتب‪:‬‬

‫‪ ‬القرآن الكريم‬

‫‪ ‬أحمد بن فارس (ت‪395 :‬ه)‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السلم محمد هارون‪،‬‬
‫دار الفكر‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬هاشم الرفاعي‪ ،‬ديوان هاشم الرفاعي‪ ،‬األعمال الكاملة‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬محمد حسن‬
‫بريغش‪ ،‬مكتبة املنار‪ ،‬الزرقاء‪ ،‬ط ‪1985 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ ‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دًلئل اإلعجاز‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود محمد شاكر‪ ،‬مطبعة املدني‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪۱۹۹۲ ،3‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬عبده قليقلة‪ ،‬البلغة اًلصطلحية‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪۱۹۹۲ ،3‬م‪.‬‬
‫‪ ‬فاطمة الطيال بركة‪ ،‬النظرية األلسنية عند رومان جاكسون‪ ،‬دراسة ونصوص‪،‬‬
‫املؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪۱۹۹۳ ،۱‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬منذر عياش ي‪ ،‬اللسانيات والدًللة‪ ،‬دراسات لغوية‪ ،‬مركز اإلنماء الحضاري‪ ،‬حلب‪،‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬تمام حسن‪ ،‬اللغة العربية معناها ومبناها‪ ،‬الهيئة املصرية العامة العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪1997 ،۲‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬طه عبد الرحمن‪ ،‬اللسان وامليزان أو التكوثر العقلي‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪1998 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 1999 ،4‬م‪.‬‬
‫‪ ‬السكاكي أبو يعقوب يوسف بن أبي بكرة ‪626‬ه‪ ،‬مفتاح العلوم‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد‬
‫هنداوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2000 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬محمد حماسة عبد اللطيف‪ ،‬النحو والدًللة‪ ،‬مدخل لدراسة املعنى النحوي الدًللي‪،‬‬
‫دار الشروق‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪2000 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬محمد طاهر عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬بيروت‪ 1420 ،‬هـ‪ ۲۰۰۰ ،‬م‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫‪ ‬محمد محمد داود‪ ،‬العربية وعلم اللغة الحديث‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬الزمخشري‪ ،‬شرح املفصل‪ ،‬قدم له ووضح حواشيه وفهارسه‪ :‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2001 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬محمد محمد داود‪ ،‬العربية وعلم اللغة الحديث‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪ ۲۰۰۱ ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬فرانسواز أرمينكو‪ ،‬املقاربة التداولية‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعيد علوش‪ ،‬دار اإلنماء القومي‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط ‪2002 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬محمد عبد الواحد حجازي‪ ،‬األطلل في الشعر العربي ‪ -‬دراسة جمالية‪ ،‬دار الوفاء لدنيا‬
‫الطباعة والنشر‪ ،‬األسكندرية‪ ،‬ط ‪ ۲۰۰۲ ، 1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬محمد حماسة عبد اللطيف‪ :‬بناء الجملة العربية‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬التفتازاني‪ ،‬مختصر السعد‪ ،‬شرح تلخيص كتاب مفتاح العلوم‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد‬
‫هنداوي‪ ،‬صيدا‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2003 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬أو ضح املسالك إلى ألفية ابن مالك‪ ،‬دار الطلئع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ ‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تداولية‪ ،‬دار‬
‫الكتاب الجديد املتحدة‪ ،‬ط ‪2004 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬سعيد بحيري‪ ،‬دراسات لغوية تطبيقية في العلقة بين البنية والدًللة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪،‬‬
‫القاهرة‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬كمال بشر‪ ،‬التفكير اللغوي بين القديم والحديث‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬کمال بشر‪ ،‬التفكير اللغوي بين القديم والحديث‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪2005 ،‬م‬
‫‪ ‬الفيروز أبادي (ت‪ 817 :‬هـ )‪ ،‬القاموس املحيط ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،8‬‬
‫‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ ‬محمد عناني‪ ،‬املصطلحات األدبية الحديثة‪ ،‬الشركة املصرية العاملية للنشر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط ‪2006 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ ‬إدريس مقبول‪ ،‬األسس اإلبستولوجية والتداولية للنظر النحوي عند سيبويه‪ ،‬عالم‬
‫الكتب الحديث‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫‪ ‬صلح إسماعيل‪ ،‬نظرية املعنى في فلسفة بول جرايس‪ ،‬دار الحديثة للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬عيد بليغ‪ ،‬التداولية البعد الثالث للسيموطيقا‪ ،‬املنوفية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪2009 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬محمد حسام عبد العزيز‪ ،‬علم اللغة اًلجتماعي‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.۲۰۰۹‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬د‪ .‬محمد العبد‪ ،‬العبارة واإلشارة دراسة في ّ‬
‫نظرية اًلتصال‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬ط ‪،4‬‬
‫‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ ‬جاك موشلر وآن ريبول‪ ،‬القاموس املوسوعي للتداولية‪ ،‬ترجمة‪ /‬مجموعة من األساتذة‬
‫والباحثين‪ ،‬دار سيناترا‪ ،‬تونس‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬املعجم الوسيط‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬ط ‪2011 ،5‬م‪.‬‬
‫‪ّ ‬‬
‫محمد حسن عبد العزيز‪ ،‬علم اللغة الحديث‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪2011 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬محمود نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي املعاصر‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬فريد حيدر‪ ،‬فصول في علم اللغة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2011 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ ‬محمد عديل‪ ،‬التحليل التداولي لخطاب الحجاج النحوي‪ ،‬كتاب اإلنصاف في مسائل‬
‫الخلف بين النحوين الكوفيين والبصريين ألبي البركات األنباري (‪ 557‬هـ) نموذجا‪ ،‬دار‬
‫البصائر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪.2011 ،1‬‬
‫‪ ‬محمد إبراهيم عبادة‪ ،‬معجم مصطلحات النحو والصرف والعروض والقافية‪ ،‬مكتبة‬
‫اآلداب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪2011 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬العياش ي‪ ،‬أدراوي‪ ،‬اًلستلزام الحواري‪ ،‬اًلستلزام الحواري في التداولي اللساني‪ ،‬دار‬
‫األمان‪ ،‬ط‪1432 ،1‬ه – ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ ‬محمد عديل‪ ،‬التحليل التداولي لخطاب الحجاج النحوي‪ ،‬كتاب اإلنصاف في مسائل‬
‫الخلف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2011 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬فيليب بلنشيه‪ ،‬التداولية من أوستن إلى غوفمان‪ ،‬تعريب‪ :‬صابر الحباشة‪ ،‬عالم الكتب‬
‫الحديث‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪2012 ،1‬م‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬قدور عمران‪ ،‬البعد التداولي والحجاجي في الخطاب القرآني‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪،‬‬
‫‪۲۰۱۲‬م‪.‬‬
‫‪ ‬عباس حسن‪ ،‬النحو الوافي‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2012 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ ‬حاشية الصبان على شرح األشموني على ألفية ابن مالك‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪2012 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ ‬طه عبد الرحمن‪ ،‬تجديد املنهج في تقويم التراث‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫‪2012‬م‪.‬‬
‫‪ ‬محمد عبد السلم الباز‪ ،‬آفاق التداولية في النصوص النثرية‪ ،‬دار النابغة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬طنطا‪ ،‬ط ‪2015 ،1‬م‪.‬‬

‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬املجالت والدوريات‪:‬‬

‫‪ ‬د‪ .‬تمام حد حسان‪ ،‬اإلفادة والعلقات البيانية‪ ،‬مجلة اللغة العربية‪،‬‬


‫الجزء‪1989،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬مصطفي درواش‪ ،‬خطاب الطبع والصنعة "رؤية نقدية في املنهج واًلصول"‪ ،‬مقالة‬
‫من منشورات اتحاد الكتاب العرب‪.2008 ،‬‬
‫‪ ‬إسهامات أساسية في العلقة بين النص والنحو والدًللة‪ ،‬مقابل الجملة‪ ،‬نقله إلى‬
‫العربية وعلق عليه‪ :‬سعيد حسن بحيري‪ ،‬مؤسسة املختار‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪۲۰۱۰ ،۲‬م‪.‬‬
‫‪ ‬زايد بن مهلهل العقيق‪ ،‬علم اللسانيات دراسة في املفهوم واملنهج والعلقة‬
‫بالدراسات األسلوبية‪ ،‬حولية كلية اللغة بالزقازيق جامعه األزهر‪ ،‬العدد ثلثون‪،‬‬
‫‪ 1421‬هـ ‪ ۲۰۱۰-‬م‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬الكتب املترجمة للعربية‪:‬‬

‫‪ ‬إ‪.‬م‪.‬بوشنسكي‪ ،‬الفلسفة املعاصرة في أوربا‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عزت قرني‪ ،‬عالم املعرفة‪،‬‬


‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سبتمبر ‪۱۹۹۲‬م ‪.‬‬
‫‪ ‬براون ويول‪ ،‬تحليل الخطاب‪ ،‬ترجمة وتعليق‪ :‬د‪ .‬محمد لطفي الزليطي‪ ،‬د‪ .‬سعود‪،‬‬
‫‪۱۹۹۷‬م‪.‬‬
‫‪ ‬ب‪.‬براون ‪ ،‬ج – بول‪ ،‬تحليل الخطاب‪ ،‬ترجمة وتعليق‪ :‬محمد لطفي الزليطي‪ ،‬منير‬
‫تركي‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ ،‬د‪ .‬ط ‪۱۹۹۷ ،‬م ‪.‬‬
‫‪ ‬فان دايك‪ ،‬النص والسياق‪ ،‬استقصاء البحث في الخطاب الدًللي والتداولي‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫عبد القادر قنيني‪ ،‬أفريقيا الشرق‪۲۰۰۰ ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬جرهارد هلبش‪ ،‬تاریخ علم اللغة الحديث‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعيد حسن بحيري‪ ،‬مكتبة زهراء‬
‫الشرق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪۲۰۰۳ ،۱‬م‪.‬‬
‫‪ ‬جون سيرل‪ ،‬العقل واللغة واملجتمع (الفلسفة في العالم الواقعي)‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعيد‬
‫الغانمي‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪2006 - 1427 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ ‬إميل بنفست‪ ،‬عن الذاتية في اللغة‪ ،‬ضمن تلوين الخطاب فصول مختارة من‬
‫اللسانيات والعلوم الدًللية واملعرفية والحجاج‪ ،‬الدار املتوسطية للنشر‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪2007‬م‪.‬‬
‫‪ ‬جاك موشلر وآن ريبول‪ ،‬القاموس املوسوعي للتداولية‪ ،‬ترجمة‪ :‬مجموعة من‬
‫األساتذة والباحثين بإشراف‪ :‬عز الدين املجدوب‪ ،‬املركز الوطني للترجمة‪ ،‬دار‬
‫سیناترا‪ ،‬تونس‪۲۰۱۰ ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬دانيال تشاندلر‪ ،‬أسس السيميائيات‪ ،‬ترجمة‪ :‬طلل وهبة‪ ،‬املنظمة العربية للترجمة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪۲۰۰۸ ،۱‬م‪.‬‬
‫‪ ‬ترجمة‪ :‬عبد القادر قنيني‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬املغرب‪ ۲۰۰۸ ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬راث كيمبسون‪ ،‬نظرية علم الدًللة (السيانطيقا)‪ ،‬ترجمة‪ ،‬عبد القادر قنيني‪ ،‬الدار‬
‫العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬دار األمان‪ ،‬الرباط‪.۲۰۰۹ ،‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ ‬جون ًلنكشو أوستن‪ ،‬نظرية أفعال الكلم العامة؛ كيف ننجز األشياء بالكلم‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬عبدالقادر قنيني‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬املغرب‪.2010 ،‬‬
‫‪ ‬جوتس هند ًلنج‪ ،‬مدخل إلى نظرية الفعل‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعيد حسين بحيري‪ ،‬مكتبة‬
‫زهراء الشرق‪ ،‬ط ‪۲۰۱۲ ،۱‬م‪.‬‬
‫‪ ‬جورج يول‪ ،‬التداولية‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬قص ي العتابي‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1431 ،1‬هـ ‪۲۰۱۰ -‬م‪.‬‬
‫‪ ‬جوناثان کولر‪ ،‬مدخل إلى النظرية األدبية‪ ،‬ترجمة‪ :‬مصطفى بيومي‪ ،‬املشروع القومي‬
‫للترجمة‪ ،‬املجلس األعلى للثقافة‪.2011 ،‬‬
‫‪ ‬ريتشاردز‪ ،‬مبادئ النقد اًلدبي‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد مصطفى بدوي‪ ،‬املشروع القومي‬
‫للترجمة‪ ،‬املجلس األعلى للثقافة‪.2011 ،‬‬
‫‪ ‬تشارز موریس‪ ،‬رواد الفلسفة البرجماتية‪ ،‬ترجمة‪ :‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫دار املعرفة الجامعية‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬جيوفري ليتش‪ ،‬مباديء التداولية‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد القادر قنين‪ ،‬أفريقيا الشرق‪،‬‬
‫املغرب‪۲۰۱۳ ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬فرانسواز أرمينكو‪ ،‬املقاربة التداولية‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعيد علوش‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬املغرب‪2014 ،‬‬

‫ر ً‬
‫ابعا‪ :‬الرسائل الجامعية‪:‬‬

‫‪ ‬عمر محمد عوني‪ ،‬أسماء اإلشارة في القرآن الكريم دراسة تأويلية‪ ،‬رسالة دكتوراه‬
‫مقدمة لجامعة املوصل العراقية‪ ،‬العام الجامعي ‪ 1424‬هـ – ‪ ۲۰۰۳‬م‪.‬‬
‫‪ ‬منى بدري‪ ،‬دومينيك مانقينوا‪ ،‬تداولية الخطاب األدبي‪ ،‬رسالة ماجستير مقدمة‬
‫لكلية اآلداب جامعة الجزائر‪ ،‬العام الجامعي ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ ‬عائشة عويسات‪ ،‬تواصلية األسلوب في روميات أبي فراس الحمداني‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير مقدمة لكلية اآلداب واللغات‪ ،‬الجامعة الجزائرية‪ ،‬العام الجامعي ‪- 2009‬‬
‫‪ ۲۰۱۰‬م ‪2009- .‬م‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫‪ ‬حماده صبري صالح‪ ،‬مستويات الدًللة في آيات األباء واألبناء‪ ،‬رسالة ماجستير‬
‫مقدمة لكلية اآلداب – جامعة كفر الشيخ‪ ،‬العام الجامعي ‪2014/2015‬‬
‫‪ ‬أحمد أحمد أحمد كنون‪ ،‬معايير التداولية في خطب الخلفاء الراشدين‪ ،‬دكتوراة‪،‬‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬جامعة كفر الشيخ‪ ،‬العام الجامعي ‪ 2014‬م ‪2015 -‬م ‪.‬‬
‫‪ ‬محمد عبد السلم الباز‪ ،‬التداولية في األعمال النثرية الكاملة لعلي الجارم‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه مقدمة لكلية اآلداب – جامعة كفر الشيخ‪ ،‬العام الجامعي ‪ 2015 2014‬م‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫ملخص الرسالة‬

‫تحتوي الرسالة على الدراسة اللغوية التداولية من خلل شعر هاشم الرفاعي‪.‬‬
‫وكانت الرسالة تحتوي على أربعة فصول‪ :‬حيث تناول الفصل ّ‬
‫األول‪ :‬اًلفتراض املسبق‪ .‬وقد‬

‫اشتمل على مبحثين‪ :‬املبحث األول املدخل النظري‪ ،‬واملبحث الثاني‪ :‬الدراسة التطبيقية‪.‬‬
‫َ‬
‫مفاهيم اًلفتراض املسبق ًّ‬ ‫ُ‬
‫واملثال‬
‫ِّ‬ ‫وأنواعها‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫كليا من اللغة واًلصطلح‪،‬‬ ‫وتناول هذا البحث‬

‫اللغو ّ ِّي من شعر هاشم الرفاعي‪.‬‬

‫ُ‬
‫توصلت إلى نتيجة ّأن اًلفتراض املسبق هو أحد ركائز التداولية اللغوية‪،‬‬ ‫ومن الباب‬

‫فهم املتكلمين بعضهم‬ ‫َ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ َ ُّ‬


‫ويعد مصدرا تواصليا آخر‪ ،‬یعنى بتفسير عملیة التخاطب ومدى ِّ‬
‫ظاهرا على الجملة والعبا ات ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫التي ینطق بها‬ ‫ر‬ ‫البعض‪ ،‬على الرغم من الغموض الذي یبدو‬
‫ّ‬
‫املتكلم‪.‬‬

‫وفي الفصل الثاني يتناول اإلشاريات‪ ،‬وقد اشتمل على مبحثين‪ :‬املبحث األول‪ :‬املدخل‬
‫َ‬
‫وأنواعها‪.‬‬ ‫النظري‪ ،‬واملبحث الثاني‪ :‬الدراسة التطبيقية‪ .‬وتناول هذا البحث مفهوم اإلشاريات‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ ّ‬
‫وت َم ِّث ُل اإلشاريات اللبنة األولى لعملية التواصل بين طرف ْي العملية التواصلية‪ ،‬وبمثابة ال َح َج ِّر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫املشاركة الحقيقية بين طرف ْيها‪.‬‬ ‫لبداية عملية حوارية ناجحة ناجزة قائمة على‬
‫ِّ‬ ‫األساس ي‬
‫ِّ‬

‫وتناول الفصل الثالث اًلستلزام الحواري‪ .‬ويقصد باًلستلزام الحواري "ما يرمي إليه‬
‫ً ُ َ َُ َ َُ‬
‫جاوز املعنى الظاهري لكلمه إلى معنى آخر"‪.‬‬ ‫مباشر‪ ،‬جاعل مست ِّمعه يت‬
‫ٍ‬ ‫املتكلم بشكل غير‬
‫التابع ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫للدًللة األصلية للعبارة"‬
‫ِّ‬
‫أيضا أنه "املعنى ُ‬ ‫ُوي َع َّرف‬

‫‪145‬‬
ُ َ َ ّ
‫ وتظ ُّل نظرية‬.‫فنتحدث عن األفعال الكلمية‬ ‫ وهو الفصل األخير‬،‫أما الفصل الرابع‬
ً ً
‫ "بل‬،‫ إن لم تكن َأه َّم َها جميعا‬،‫األفعال الكلمية واحدة من أهم املجاًلت في الدرس التداولي‬
ً ََ ُ ُ ً
‫الكلم َحلقة‬
ِّ ‫أفعال‬
ِّ ‫ فل ت َع ُّد نظرية‬،"‫التداولية في نشأتها األولى كانت مرادفة لألفعال الكلمية‬
َ
‫حلقات التداولية أو مرحلة من مراحلها؛ "ألن البحث في نظرية أفعال الكلم جاء ُمت َز ِّام ًنا‬
ِّ ‫من‬

.‫مع البحث التداولي‬

The thesis contains the pragmatic linguistic study through the poetry of

Hashem Ar-Rifai. The thesis contained four chapters: the first chapter is the

presupposition. It included two topics: the first topic, the theoretical approach,

and the second topic: the applied study. This research explain the concepts of the

presupposition entirely from language and terminology, and its types, and the

linguistic example from the poetry of Hashem Al-Rifai.

In this Chapter, Explain the presupposition is one of the pillars of linguistic

pragmatics, and is another communicative source, concerned with explaining the

process of communication and the extent to which the speakers understand each

other, despite the ambiguity that appears on the sentence and the phrases

uttered by the speaker.

In the second chapter, Explain the denotations, and it included two

sections: the first topic: the theoretical approach, and the second topic: the

applied study. This research explain the concept of signs, and their types. The

146
signs represent the first building block of the communication process between

the two sides of the communicative process, and the cornerstone for the

beginning of a successful and accomplished dialogue process based on real

partnership between its two parties.

The third chapter explain the dialogue requirement. Dialogic implied

means "what the speaker aims indirectly, causing his listener to transcend the

apparent meaning of his words to another meaning." It is also defined as "the

meaning of the original connotation of the phrase"

As for the fourth chapter, which is the last chapter, we talk about verbal

verbs. The theory of speech acts remains one of the most important areas in the

deliberative lesson, if not the most important of them all, "in fact, pragmatics in its

first inception was synonymous with speech acts." Because the research in the

theory of speech acts came in tandem with the pragmatic research.

147

You might also like