You are on page 1of 4

‫مجاالت البحث ال ّتداولي‪:‬‬

‫نظ ار لظروف نشاة التداولية‪ ،‬واهتمامها بالمعنى المراد في داخل السياق بين متكلم بعينه ومتلقي بعينه‪ ،‬ونظ ار لترتيب البحث‬
‫التداولي بعد البحث التركيبي والبحث الداللي‪ ،‬نالحظ اتساع مجاالت البحث في التداولية‪ ،‬فالتداولية تعرض للمعنى االستعمالي‪ ،‬وهذا‬
‫يتضمن دراسة المنطوق اللغوي‪ ،‬وبعد ذلك دراسة المتكلم وكل ما يتصل به‪ ،‬وما هدفه أو قصده‪ ،‬ثم المتلقي وعالقته بالمتكلم‪ ،‬ومعرفة‬
‫العناصر األخرى التي تؤثر في فهم المعنى‪ ،‬فقام الباحثون بالتأكيد على أن البحث التداولي يقوم على أربعة جوانب هي‬

‫‪ .1‬اإلشاريات (‪.)Deixis‬‬
‫‪ .2‬اإلفتراض السابق (‪.)Presupposition‬‬
‫‪ .3‬االستلزام الحواري (‪.)Conversational implicature‬‬
‫‪ .4‬األفعال الكالمية (‪.)Speech acts‬‬
‫اإلشاريات ‪:Deixis‬‬

‫يوجد في كل اللغات كلمات وتعبيرات تعتمد اعتمادا تاما على السياق الذي تستخدم فيه‪ ،‬وال يستطاع إنتلجها أو تفسيرها‬
‫بمعزل عنه‪ ،‬فاذا قرأت الجملة اآلتية مقتطعة من سياقها (سوف يقومون بهذا العمل غدا) وجدتها شديدة الغموض؛ النها تحتوي على‬
‫عدد من العناصر اإلشارية التي تعتمد تفسيرها اعتمادا تاما على السياق الذي قيلت فيه‪ ،‬ومعرفة المرجع الذي تحيل إليه‪ ،‬ومن هذه‬
‫العناصر‪ :‬وا و الجماعة‪ ،‬واسم اإلشارة (هذا) وظرف الزمان (غدا)‪ ،‬وال يتضح معنى هذه الجملة إال إذا عرفنا ما تشير إليه‪.‬‬

‫وأيضا قد تسمى المعينات‪ ،‬وهي تعبيرات تحيل إلى مكونات السياق اإلتصالي‪ ،‬وهي المتكلم والمتلقي وزمن المنطوق ومكانه‪.‬إلخ‪.‬‬
‫وتنقسم اإلشارية إلى‪:‬‬

‫‪ .1‬اإلشاريات الشخصية ‪.Personal Deixis‬‬


‫‪ .2‬اإلشاريات الزمني ‪.Temporal Deixis‬‬
‫‪ .3‬اإلشاريات المكنية ‪.Spatial Deixis‬‬
‫‪ .4‬اإلشاريات االجتماعية ‪.Social Deixis‬‬
‫اإلشاريات الشخصية ‪:Personal Deixis‬‬

‫أ وضح العناصر اإلشارية الدالة على الشخص هي الضمائر المتكلم أنا ونحن‪ ،‬وضمائر المخاطب مفردا ومؤنثا‪ ،‬وضمائر‬
‫الغيبة مفردا أو مثنى أو جمعا مذك ار أو مؤنثا‪.‬‬

‫وقد ينشأ نوع من اللبس في استخدام الضمائر إذا تعددت مراجعها‪ ،‬أو تبادل كل من المتكلم والمخاطب أدوار الكالم فأصبح‬
‫المتكلم مخاطبا والمخاطب متكلما‪ ،‬أو نقل متكلم كالما لمتكلم آخر‪ ،‬كأن يقول رجل‪ :‬قال زيد أنا قادم الليلة‪ /‬هو قادم الليلة‪ ،‬فال يدري‬
‫من (أنا) أهو زيد أم غيره‪.‬‬

‫اإلشاريات الزمنية ‪:Temporal Deixis‬‬

‫وهي كلمات تدل على زمان يحدده السياق بقياس إلى زمان المتكلم‪ ،‬فزمان المتكلم هو مركز اإلشارة الزمنية في الكالم‪ ،‬فإذا‬
‫لم يعرف زمان المتكلم أو مركز اإلشارة ال زمنية التبس األمر‪ ،‬فإذا قلت مثال "نلتقي الساعة العاشرة" نجد أن زمان التكلم وسياقه يحددان‬
‫المقصود بالساعة العاشرة صباحا أم مساء اليوم أو غدا‪.‬‬

‫اإلشاريات المكانية ‪:Spatial Deixis‬‬

‫‪1‬‬
‫وهي عناصر تشير إلى أماكن يعتمد استعمالها وتفسيرها على معرفة مكان المتكلم ووقت التكلم‪ ،‬أو على مكان آخر معروف‬
‫للمخاطب أو السامع‪ ،‬ويكون لتحديد المكان أثره في اختيار العناصر التي تشير إليه قربا أو بعدا‪ ،‬ويستحيل على الناطقين باللغة أن‬
‫يفسروا كلمات مثل هنا وهناك‪ ،‬وهذا وذاك ونحوها إال إذا وقفوا على ما تشير إليه بالفياس إلى مركز اإلشارة إلى الكالم‪ ،‬فهي تعتمد‬
‫على السياق المادي المباشر الذي قيلت فيه‪.‬‬

‫اإلشاريات االجتماعية ‪:Social Deixis‬‬

‫وهي ألفاظ أو عبارات تشير إلى العالقة االجتماعية بين المتكلمين والمخاطبين من حيث هي عالقة رسمية ‪ ،formal‬أو غير رسمية‬
‫‪ ،informal‬أو عالقة حميمة ‪ intimacy‬أو غير حميمة ‪ non-intimacy‬أو غير ذلك من مستويات العالقة‪.‬‬

‫والعالقة الرسمية يدخل فيها صيغ التبجيل(‪ )honorific forms‬في مخاطبة من هم أكبر سنا ومقاما من المتكلم كاستخدام ‪ vous‬في‬
‫اللغة الفرنسية للمفرد المخاطب تبجيال له‪ ،‬أو مراعاة للمسافة االجتماعية‪ ،‬أو حفظا للحوار في إطار رسمي‪ .‬أما االستعماالت غير‬
‫الرسمية والحميمة فتتخلص من هذه القيود جميعا‪.‬‬

‫اإلشاريات االجتماعية في اللغة العربية تشمل صيغ‪:‬‬

‫‪ .1‬األلقاب مثل فخامة الرئيس‪ ،‬األمام األكبر‪ ،‬جاللة الملك‪ ،‬سمو األمير‪ ،‬فضيلة الشيخ‪،‬‬
‫‪ .2‬السيد‪ ،‬السيدة‪ ،‬اآلنسة‪،‬‬
‫‪ .3‬حضرتك‪ ،‬سيادتك‪ ،‬سعادتك‪ ،‬جنابك‪،‬‬
‫االفتراض السابق ‪:Presupposition‬‬

‫يعنى االفتراض السابق بالمعلومات المشتركة بين المتكلم والمتلقي‪ ،‬أي يوجه المتكلم حديثه إلى السامع على أساس مما‬
‫يفترض سلفا انه معلوم له‪ ،‬فإذا قال رجل لرجل آخر (أغلق النافذة)‪ ،‬فالمفترض سلفا أن النافذة مفتوحة‪ ،‬وأن هناك مبر ار يدعو إلى‬
‫إغالقها‪ ،‬وأن المخاطب قادر على إغالقها‪ ،‬وأن المتكلم في منزلة اآلمر‪ ،‬وكل ذلك موصول بسياق الحال وعالقة المتكلم بالمخاطب؛‬
‫وتتضح أهمية االفتراض السابق في تأسيس المتكلم حديثه وتواصله مع المتلقي على أساس المعلومات السابقة المشتركة بينهما‪.‬‬

‫االستلزام الحواري ‪:Conversational implicature‬‬

‫يرجع البحث في هذا المجال إلى الفيلسوف "جرايس" أن الناس في حوارتهم‪:‬‬

‫‪ .1‬قد يقولون ما يقصدون‪،‬‬


‫‪ .2‬قد يقصدون أكثر مما يقولون‪،‬‬
‫‪ .3‬قد يقصدون عكس ما يقولون‪.‬‬

‫فحاول إيضاح االختالف بين ما يقال وما يقصد‪ ،‬فما يقال هو ما تعنيه الكلمات والعبارات بقيمها اللفظية الظاهرة‪ ،‬وما يقصد‬
‫هو ما يريد المتكلم أن يبلغه إلى السامع على نحو غير مباشر‪ ،‬اعتمادا على أن السامع قادر على أن يصل إلى مراد المتكلم بما يتاح‬
‫‪inexplicit‬‬ ‫له من أعراف االستعمال ووسائل االستدالل فحاول إقامة معب ار بين المعنى الصريح ‪ explicit meaning‬والمععنى المتضمن‬
‫‪ meaning‬ومن هنا نشأت فكرة االستلزام ‪ .implicature‬ورأى جرايس أن من أهم مبادئ لحل مشكلة سوء التفاهم الذي تنشأ بين الناس‬
‫مبدأ التعاون ومبدأ التأدب في الكالم‪.‬‬

‫‪:Principle of co-operation‬‬ ‫مبدأ التعاون‬

‫‪2‬‬
‫يعد من أهم المبادئ التي تهتم به التداولية ألنه مهم في إنجاح المحادثة‪ ،‬أي أن المتحادثين يتعاونون الستمرار الحديث من‬
‫خالل المساهمة والمشاركة في الحدث الكالمي المتواصل‪ .‬وهو أن تجعل إسهامك في التخاطب بحسب الحاجة؛ أي يقع في الحال‬
‫التي ينبغي أن يقع فيها‪ ،‬وفقا للغرض المقبول‪ ،‬ووفقا التجاه المبادلة الكالمية‪ .‬ومبدأ (التعاون) يتجسد في أربعة مبادئ فرعية هم‪:‬‬

‫مبدأ الكم ‪ :Principle of quantity‬هو أن تجعل إسهامك في الحوار بالقدر المطلوب دون أن تزيد عليه أو تنقص منه‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫مبدأ الكيف ‪ :Principle of quality‬هو أال تقل ما تعتقد أنه غير صحيح‪ ،‬وال تقل ما ليس عندك دليل عنه‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫مبدأ المناسبة‪ /‬العالقة ‪ :Principle of relevance/ relation‬هو أن تجعل كالمك ذا عالقة مناسبة بالموضوع؛ ولهذا المبدأ‬ ‫‪.3‬‬
‫مظهران وهما أن إسهامك يرتبط بمحور بعينه ويكون لهدف بعينه‪.‬‬
‫مبدأ الطريقة‪ :Principle of manner‬هو أن تكن واضحا ومحددا؛ فتجنب الغموض واللبس‪ ،‬وأوجز‪ ،‬ورتب كالمك‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫ولكن المالحظ أن الناس كثير ما يخالفون هذا المبدأ‪ ،‬فرأى كثير من الباحثين أن مبدأ التعاون تعبير عن فردوس الفالسفة‬
‫وإنه ال يمت إلى الواقع بصلة‪ ،‬وهذا االنتهاك للمبادئ هو الذي أدى إلى االستلزام الحواري‪.‬‬

‫مبدأ التأدب في الكالم‪:‬‬

‫وهذا المبدأ ال يقل أهمية عن مبدأ التعاون‪ ،‬يفرض على المتحدثين أن يحترم بعضهم بعضا في الكالم كأن يحاول شخص‬
‫االعتذار أو تهوين تبليغ خبر أو مؤلم أو مزعج‪ .‬ويختلف مبدأ التأدب في الكالم من بلد لبلد ومن حضارة لحضارة أخرى؛ فنجد مثال‬
‫اختالف طرق "االعتذار" بين البالد العربية وكوريا؛ فيبدأ الكوريون باالعتذار مباشرة ثم قول األسباب ولكن االعتذار عند العرب غير‬
‫مباشر‪ ،‬فيبدأ العرب بقول األسباب ثم االعتذار‪ ،‬وأحيانا قد يؤدي هذا االختالف بين الثقافات والحضارات إلى سوء التفاهم بين‬
‫الشعوب‪.‬‬

‫األفعال الكالمية ‪:Speech acts‬‬

‫"الفعل الكالمي" هو كل ملفوظ ينهض على نظام شكلي داللي إنجازي تأثيري‪ ،‬ويعد نشاطا ماديا نحويا يتوسل أفعال قولية‬
‫‪ locutionary act‬لتحقيق أغراض إنجازية كالطلب واألمر والوعد والوعيد‪ ،‬وغايات تأثيرية‪ illocutionary act‬تخص ردود فعل المتلقي‬
‫كالرفض والقبول‪ ،‬ومن ثم فهو فعل تأثيريا أي يكون ذا تأثير في المخاطب اجتماعيا أو مؤسساتيا‪ ،‬ومن ثم إنجاز شيئا ما‪.‬‬

‫وقد توصل أوستن إلى تقسيم "الفعل الكالمي الكامل" إلى ثالثة أفعال فرعية‪:‬‬

‫‪ .1‬فعل القول‪ /‬الفعل اللغوي‪ /‬الفعل اللفظي ‪ :Locutionary act‬هو يتألف من أصوات لغوية تنتظم في تركيب نحوي صحيح ينتج‬
‫عنه معنى محدد‪ ،‬وهو المعنى األصلي‪.‬‬
‫‪ .2‬الفعل اإلنجازي‪ /‬الفعل المتضمن في القول ‪ :Illocutionary act‬هو ما يؤديه الفعل اللفظي من معنى إضافي يكمن خلف المعنى‬
‫األصلي (أي ينجز األشياء واألفعال االجتماعية بالكلمات)‪.‬‬
‫‪ .3‬الفعل التأثيري‪ /‬الفعل الناتج عن القول ‪ :Perlocutionary act‬هو األثر الذي يحدثه الفعل اإلنجازي في السامع‪.‬‬

‫ورأى أوستن ان الفعل اللفظي ال ينعقد الكالم إال به‪ ،‬والفعل التأثيري ال يالزم األفعال جميعا فمنها ما ال تأثير له في‬
‫السامع‪،‬فوجه اهتمامه إلى الفعل اإلنجازي ونشا النظرية اإلنجازية‪ .‬ولقد قدم أوستن تصنيفا لألفعال الكالمية على أساس قوتها اإلنجازية‬
‫‪ illocutionary force‬إلى خمسة أصناف‪:‬‬

‫أفعال األحكام‪ :‬وهي تتمثل في حكم يصدره قاض أو حكم‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫أفعال الق اررات‪ :‬تتمثل في إتخاذ قرار بعينه كالحرمان أو الطرد‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أفعال التعهد‪ :‬تتمثل في تعهد المتكلم بفعل شئ مثل الوعد أو القسم أو الضمان‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫‪3‬‬
‫أفعال السلوك‪ :‬وهي رد فعل لحدث ما كاإلعتذار أو الشكر أو المواساة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫أفعال اإليضاح‪ :‬وتستخدم إليضاح وجهة النظر أو بيان الرأى مثل اإلعت ار أو الموافقة أو التشكيك‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫ونجد أن ما قدمه أوستن لم يكن كافيا لوضع نظرية متكاملة لالفعال الكالمية‪ ،‬فجاء سيرل وطور هذه النظرية على اساس‬
‫"األفعال اإلنجازية" و" القوة اإلنجازية" كما يلي‪:‬‬

‫نص على أن الفعل اإلنجازي هو الوحدة الصغرى لالتصال اللغوي‪ ،‬وأن للقوة اإلنجازية دليل يسمى "دليل القوة االنجازية"‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫يبين لنا نوع الفعل اإلنجازي الذي يؤديه المتكلم بنطقه للجملة‪.‬‬
‫الفعل الكالمي ال يقتصر على مراد المتكلم فقط‪ ،‬ولكنه مرتبط بالعرف اللغوي واالجتماعي‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫جعل سيرل شروط المالئمة أربعة وهم‪:‬‬

‫الشرط المحتوى القضوي‪ :‬يتحقق في فعل الوعد‪.‬‬ ‫•‬

‫الشرط التمهيدي‪ :‬يتحقق إذا كان المتكلم قادر على إنجاز الفعل‪.‬‬ ‫•‬

‫الشرط اإلخالص‪ :‬يتحقق حين يكون المتكلم مخص في أداء الفعل‪ ،‬فال يقول غير ما يعتقد‪ ،‬وال يزعم إنه قادر على فعل ما‬ ‫•‬

‫ال يستطيع‪.‬‬
‫الشرط األساسي‪ :‬يتحقق حين يحاول المتكلم التأثير في السامع لينجز الفعل‪.‬‬ ‫•‬

‫من ثم قدم سيرل تصنيفا بديال لما قدمه أوسطن لألفعال الكالمية يقوم على أساس ثالثة أسس منهجية هي‪:‬‬

‫‪.Illocutionary point‬‬ ‫‪ .1‬الغرض اإلنجازي‬


‫‪.direction of fit‬‬ ‫‪ .2‬اتجاه المطابقة‬
‫‪ .3‬شرط اإلخالص ‪.sincerity condition‬‬

‫وثم جعلها خمسة اصناف‪:‬‬

‫اإلخباريات‪ ،‬التوجيهات‪ ،‬اإللزاميات‪ ،‬التعبيرات‪ ،‬اإلعالنيات‬

‫وأخي ار استطاع سيرل أن يميز بين األفعال اإلنجازية المباشرة وهي التي تطابق قوتها اإلنجازية مراد المتكلم‪ ،‬واألفعال‬
‫اإلنجازية الغير المباشرة وهي التي تخالف فيها مراد المتكلم‪ .‬وبهذا طور سيرل نظرية أوستن لألفعال الكالمية على أساس األفعال‬
‫اإلنجازية‪ ،‬وبهذا ال تكون اللغة مجرد أداة للتواصل كما تتصورها المدارس الوظيفية أو رموز للتعبير عن الفكر‪ ،‬وإنما هي أداة لتغيير‬
‫العالم وصنع أحداثه والتغيير فيه‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like