You are on page 1of 4

‫‪1‬‬

‫ج‬
‫االّتاهـات األسلوبية‬

‫ميكننا القول؛ إ ّن دي سوسًن يعود لو الفضل يف نشأة الدرس األسلويب‪ ،‬الذي أفاد من اللسانيات‪ ،‬ومن‬
‫ذلك ضلا ىذا العلم (األسلوبية)‪ ،‬منحى م ّكنو من تبوئ مكانة مرموقة ضمن سلتلف ادلناىج العلمية‪ ،‬وشلا زاد يف‬
‫االذباىات يف زلوريٌن كبًنين‪":‬ىناك نوعان من‬
‫كل ىذه ّ‬ ‫تنوع اذباىاهتا ومدارسها‪ ،‬وميكننا أن طلتصر ّ‬‫إثرائها‪ّ ،‬‬
‫يعّبان عن نوعٌن من أنواع اسرتاتيجيات التحليل اخلطايب‪ ،‬وعلا‪:‬أسلوبية اإلنتاج وأسلوبية التلقي‪ 1".‬مث‬
‫األسلوبيات ّ‬
‫‪2‬‬
‫يؤكد ج‪.‬مولينيو‪ " :‬األسلوبية ىي يف هناية األمر أسلوبية التلقي"‪.‬‬
‫كما ميكن تصنيفها ضمن تيارين فلسفيٌن أساسيٌن؛ األول ىو التيار الوضعي الذي يعتمد أساسا على‬
‫عالقة الفكر ابحلياة‪ ،‬كما يقوم وفق أتسيس العلوم اإلنسانية على قواعد ذبريبية وعقلية معاً‪ .‬والثاين ىو التيار املثايل‬
‫الذي يعتمد على النقد ادلادي التحليلي‪ .‬ومن ىذا التصنيف تّبز‪ -‬على التوايل ‪ -‬مدرستان أساسيتان علا‪ :‬ادلدرسة‬
‫الفرنسية‪ ،‬وادلدرسة األملانية‪.‬‬
‫ومن ىهنا صنّفت األسلوبية ضمن اّتاهات دبصطلحات متع ّددة؛ (أسلوبية التعبري أو األسلوبية الوصفية‬
‫أو أسلوبية اللغة)‪ ،‬و(أسلوبية الفرد أو أسلوبية الكاتب أو األسلوبية األدبية أو األسلوبية التكوينية أو األسلوبية‬
‫النقدية)‪ ،‬و(أسلوبية املتلقي أو األسلوبية البنيوية أو األسلوبية الوظيفية‪ )...‬وىذا التنوع يف ادلصطلح قد يكون‬
‫نتيجة موضوعات األسلوبية الواسعة‪ ،‬إذ نالحظ أ ّن يدىا امت ّدت إىل جوانب عديدة؛ فكرية ولغوية ولسانية ونفسية‬
‫واجتماعية ورايضية ومجالية‪ ،‬وىذه ىي ادلادة األساس اليت هبا ربيا األسلوبية‪ ،‬ومنها تقتين أدواهتا النقدية لتخوض هبا‬
‫يف أعماق النص األديب وحواشيو‪.‬‬
‫وسنقف عند أبرز االذباىات األسلوبية؛‬
‫‪ .1‬أسلوبية التعبري‪.‬‬
‫‪ .2‬أسلوبية الفرد‪.‬‬
‫‪ .3‬أسلوبية املتلقي‪.‬‬
‫‪ .4‬األسلوبية اإلحصائية‪.‬‬

‫‪ - 1‬بسام بركة – مقدمة ادلرتجم لكتاب (األسلوبية) جلورج مولينيو‪ -‬ص ‪.12‬‬
‫‪ - 2‬ادلرجع نفسو والصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪-1-‬‬
‫أسلوبية التعبري‬
‫يعتّب شارل ابيل ‪-‬كما سبق ذكره‪ -‬مؤسس األسلوبية احلديثة ورائدىا األول‪ ،‬وذلك يف بداية القرن‬
‫مؤسس األسلوبية التعبًنية"‪.3‬‬
‫مؤسس علم اللغة احلديث‪ ،‬فإ ّن ابيل يع ّد ّ‬
‫العشرين‪" ،‬إذا كان دي سوسًن يع ّد ّ‬
‫أنتج ابيل عدة مؤلفات يف األسلوبية ىي‪ ":‬مصنف األسلوبية الفرنسية" (‪ ،)1202‬مث "اللغة‬
‫واحلياة"(‪ ،)1213‬و"اللسانيات العامة واللسانيات الفرنسية"(‪ )1232‬و" األسلوبية الفرنسية" (‪ .4)1251‬و شارل‬
‫ابيل يع ّد تلميذ العامل األلسين فرديناند دي سوسًن‪ ،‬ومواطنو‪ ،‬حيث ولد جبنيف ‪Genève ،‬وهبا مات‪ .‬وكان قد‬
‫قام رفقة زميلو (سشهاي) بنشر زلاضرات أستاذعلا د‪.‬سوسًن(‪( :)1213-‬دروس يف اللسانيات العامة) بعد وفاتو‪،‬‬
‫أتسست قواعده النهائية‪ ،‬مثلما‬
‫وذلك سنة ‪ " ،1216‬فمنذ ‪ 1202‬كدان صلزم مع ش‪.‬ابيل أ ّن علم األسلوب قد ّ‬
‫أرسى أستاذه ف‪.‬دي سوسًن أصول اللسانيات احلديثة"‪.5‬‬
‫لقد أعطى شارل ابيل أو ٍ‬
‫لوايت ألسلوبيتو‪ ،‬واعتمد أساسا على اجلانب العاطفي والوجداين للغة‪ ،‬وارتباط‬
‫ىذه اللغة ابلعالقة ادلوجودة بٌن الفكرة وكيفية توصيلها للمتلقي‪ ،‬بشحناهتا ومضموهنا الوجداين‪ ،‬وىذا ىو أساس‬
‫يعّب عن انشغالو وأتثره ابلثورة اللسانية السوسورية‪ ،‬قوامو أ ّن " التعبًن فعل‬
‫الدراسة األسلوبية عنده‪ ،‬وىو هبذا إظلا ّ‬
‫يعّب عن الفكر بوساطة اللغة"‪ ،6‬وىي عبارة عن دراسة العالقة بٌن الشكل وادلضمون(الفكر)‪ ،‬وىذا ال ػليد عن‬ ‫ّ‬
‫تعبًن القدماء ونظرهتم‪ ،‬وىو ابلتايل تالحم والتقاء مع أصول البالغة القدمية‪ ،‬ومن ىنا "فإ ّن دراسة التعبًن تقف‬
‫على انصية اللغة والتفكًن"‪ .7‬ويؤكد ابيل أ ّن الوجدان ىو الرابط األساس للعملية التواصلية بٌن ِ‬
‫ادلرسل وادلتلقي‪،‬‬
‫معتمدا على إشارات ورموز تثًن انتباه ادلتلقي من أمر وهني وتر ّج واستفهام‪ ،‬وىذه " تولّد انطباعا خاصا يف‬
‫‪8‬‬
‫تقسم الواقع اللغوي‬
‫ادلتلقي‪ :‬وىو األثر" ‪ ،‬وإبجابتها عن السؤال اآليت‪ :‬كيف يكتب الكاتب؟ فإ ّن أسلوبية ابيل ّ‬
‫بٌن ادلخاطب وادلتلقي إىل قسمٌن رئيسٌن‪:‬‬
‫‪ -2‬ما ىو حامل لذاتو‪(.‬الفكر)‪.‬‬
‫ما ىو مشحون ابلعواطف واالنفعاالت‪(.‬الوجدان)‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ - 3‬أمحد درويش‪ -‬األسلوب واألسلوبية‪ -‬رللة فصول‪ -‬اجمللد ‪ -4‬ع‪ -2‬أكتوبر‪/‬نوفمّب‪/‬ديسمّب‪ -2873‬ص ‪.53‬‬
‫‪I- Traité de stylistique française‬‬ ‫‪.4‬‬
‫‪II- Le langage et la vie.‬‬
‫‪III- Linguistique générale et linguistique française.‬‬
‫‪IV- La stylistique française.‬‬
‫‪ - 5‬عبد السالم ادلسدي‪ -‬األسلوبية و األسلوب‪ -‬ص‪.12‬‬
‫‪ - 6‬ب‪.‬غًنو‪ -‬األسلوب واألسلوبية‪-‬ص ‪.21‬‬
‫‪ - 7‬ادلرجع السابق‪ -‬ص‪.21‬‬
‫‪ - 8‬ج‪.‬مولينيو‪ -‬األسلوبية‪ -‬ص‪.52‬‬
‫‪3‬‬

‫ىذا يؤكد مدى ارتباط ابيل ببالغة القدماء‪" ،‬كيف يكتب الكاتب؟ فالبالغة القدمية أجابت وما تزال‬
‫ذبيب ابلتأكيد عن ىذا السؤال‪ ،‬بيد أ ّن األلسنيٌن احملدثٌن يكتسي عندىم ىذا السؤال معىن سلتلفاً‪ ،‬أل ّن منطلقهم‬
‫ىو القارئ وليس الكاتب كما كان‪ ،‬وىذا يتمثل يف اعتبار األثر الفين سواء أكان قصة أو قصيدة أو مسرحية‪،‬‬
‫وانطالقا من ذلك األثر‪-‬وقد أصلز‪ -‬فال يكون البحث عن سبب كتابة الكاتب ذاك األثر‪ ،‬وال ح ى يف احلقيقة‬
‫‪9‬‬
‫القراء‪"...‬‬
‫كيف كتبو‪ ،‬ألنّو سؤال تقليدي‪ ،‬وإظلا يكون البحث يف احلقيقة وظيفيا؛ كيف يؤثر يف ّ‬
‫ادلعّب عن األفكار بواسطة موقف وجداين‪ ،‬وىذا التعبًن مير من خالل‬
‫ولذا تعتّب اللغة عند ابيل ىي ادلرتجم و ّ‬
‫وخصوصياتو‪ ،‬ومالبسات نصو أو إصلازه الفكري والتعبًني‪ ،‬أل ّن‬ ‫مفردات اللغة وتراكيبها دون مراعاة ادلتكلم‬
‫ىذه ‪ -‬حسب ابيل‪ -‬ليست من اىتمامات األسلوبية‪ ،‬وإّظلا من صلب النقد األديب ويف رلال أحباثو‪ ،‬ولذا فهو‬
‫يرى أن اخلطاب نوعان؛ حامل لذاتو وغًن مشحون‪ ،‬وما ىو مشحون ابلعواطف واالنفعاالت‪ ،‬ويبقى يف كل ىذا‪،‬‬
‫أ ّن ادلتكلم غلسد ويرتجم ما غلول بو فكره بكل موضوعية‪ ،‬ومطابقا للواقع‪ ،‬تنضاف إليو تلك العناصر الوجدانية‬
‫ادلرتمجة للعواطف من خالل ظروف اجتماعية يشارك يف بلورهتا احمليط والبيئة واخليال‪ ،‬وابلتايل يكون دور اللغة‬
‫كشف واستكشاف للجانبٌن الفكري والعاطفي الوجداين للمتكلم‪.‬‬
‫وما غلب ذكره والوقوف عليو‪ ،‬أ ّن ابيل ال يعًن أي اىتمام أو مباالة للغة األدبية‪ ،‬ألهنا ترتكز أساساً على‬
‫صممها ابيل‪ -‬تعبًنية حبتة وال‬
‫الشعور ادلتعلق ابالنطباعات اإلػلائية‪ ،‬والقيم اجلمالية‪ " ،‬فأسلوبية التعبًن ‪-‬كما ّ‬
‫تعين إالّ اإليصال ادلألوف والعفوي‪ ،‬وتستبعد كل اىتمام مجايل أو أديب"‪ ،10‬ولذا نُلفي شارل ابيل‪ ،‬يهتم ابلعفوية‬
‫يف التعبًن وربليل سياقو‪ ،‬وكذا االىتمام ابنفعاالت ادلتكلم إلنشاء ما يسمى بلسانيات الكالم‪ ،‬ح ى غلعل‬
‫أسلوبيتو تنأى عن كل ما يدور يف فلك لغة اجلمال ولغة العدول واالضلراف واللغة األدبية اليت ذلا تراكيبها اخلاصة‪،‬‬
‫وعناصرىا األسلوبية ادلتميزة‪ ،‬وىذه من اختصاصات النقد األديب‪ " ،‬وىكذا نرى أ ّن الدرس يف أسلوبية التعبًن يقوم‬
‫ادلتضمن فيو‪ ،‬ولكنّها ال تتجاوز‪ ،‬يف‬
‫َّ‬ ‫على إبراز دور العالقات اليت تربط بٌن الشكل اللغوي والتعبًن الوجداين‬
‫الوقت نفسو‪ ،‬حيّز اللغة من حيث ىي حدث لساين خلطاب نفعي‪ ،‬يتجلى يف استعمال الناس لو يف حياهتم‬
‫اإليصالية اليومية"‪ ،11‬وابلتايل‪ ،‬فأسلوبية التعبًن ىي رلموعة من العناصر اللغوية اليت تؤثر عاطفيا يف السامع أو‬
‫ادلتلقي بشكل أمشل وأوضح‪.‬‬
‫الصدد ما قام بو ابيل‪ ،‬إ ْذ كان لو " الفضل يف ابتكار موضوع أسلوبيتو بوضوح‪ ،‬كما كان‬
‫ونسجل يف ىذا ّ‬
‫لو الفضل يف تسجيل احلدود اليت أرادىا ضيّقة بوعي كامل‪ ،‬إنّو ضيّق حقل دراستو‪ ،‬وجعلو حكرا على الناحية‬
‫الوجدانية‪ ،‬أي أنّو أبعد القيم التعليمية واجلمالية"‪ ،12‬وجعل أسلوبيتو ال تعيش إالّ يف رلال اخلطاب األلسين العام‪،‬‬
‫‪9‬‬
‫‪- Georges Mounin- CLEFS POUR LA LINGUISTIQUE- éditions SEGHERS, PARIS‬‬
‫‪1968,1971- P- 153‬‬
‫‪ - 10‬ب‪ .‬غًنو‪ -‬األسلوب واألسلوبية‪ -‬ص‪.33‬‬
‫‪ - 11‬منذر عياشي‪ -‬مقاالت يف األسلوبية‪ -‬ص‪.34‬‬
‫‪ - 12‬ادلرجع السابق‪ -‬ص‪.26‬‬
‫‪4‬‬

‫ِ‬
‫لتوسع بدورىا مفهوم الوجدانية‪ ،‬وابلتايل‪،‬‬
‫وىذا ما دفع أتباع شارل ابيل إىل توسيع رقعة الدراسة األسلوبية‪ّ ،‬‬
‫"فالتعبًنية اتّسعت فيما بعد لتشمل دراسة التعبًن األديب"‪.13‬‬
‫فال ميكن لألسلوبية أن تعيش دبعزل عن القيم اجلمالية‪ ،‬وال ميكنها أن تعيش إالّ يف أرضية خصبة‪ ،‬تستند‬
‫من جهة إىل علم اللغة‪ ،‬ومن جهة أخرى إىل البالغة‪ ،‬وللبالغة عالقة محيمة وعريقة ابلنقد واألدب وخباصة‬
‫الشعر‪ ،‬والشعر قوامو اجلمال‪ ،‬وال يستقيم إالّ ابضلراف اللغة وانزايحها‪ ،‬وىذه وغًنىا دفعت أتباع ش‪.‬ابيل إىل‬
‫تصحيح ادلسار الذي خطّو ورمسو ألسلوبيتو‪ " ،‬لقد سارعوا إىل نبذ العلمانية اإلنسانية فوظفوا العمل األسلويب‬
‫بشحنات التيار الوضعي فقتلوا وليد ابيل يف مهده‪ ،‬ومن أبرز ىؤالء يف ادلدرسة الفرنسية؛ م‪.‬كراسو ( ‪Marcel‬‬
‫‪14‬‬
‫عّب " منذ ‪ 1241‬عن أزمة الدراسات األسلوبية‬ ‫‪ )Cressot‬وج‪.‬ماروزو (‪ ، )Jules Marouzeau‬الذي ّ‬
‫وىي تتذ بذب بٌن موضوعية اللسانيات ونسبية االستقراءات وجفاف ادلستخلصات‪ ،‬فنادى حبق األسلوبية يف‬
‫شرعية الوجود ضمن أفنان الشجرة اللسانية العامة"‪.15‬‬
‫صممها ابيل وخلفاؤه ‪ -‬ىي دراسة القيمة األسلوبية‬
‫ومن ىذا كلو‪ ،‬نستنتج "أ ّن أسلوبية التعبًن‪ -‬كما ّ‬
‫ليعّب عن نفسو"‪ ،16‬فهي تدرس العالقة بٌن الصيغ والفكر يف رلملو‪ ،‬وىذا ردبا‬‫لألدوات اليت يستخدمها التفكًن ّ‬
‫يقابل العالقة بٌن الشكل وادلضمون‪ ،‬وقد يؤدي إىل الدراسة البالغية القدمية أو جانب منها‪ ،‬وابلتايل فهي دراسة‬
‫تقييمية تقعيدية‪ ،‬ألهنا ال زبرج عن نطاق اللغة وال تتعدى وقائعها‪ ،‬فهي‪-‬إذن‪ -‬وصفية حبتة‪ ،‬هتتم ابلنتائج وتتوقف‬
‫على علم الداللة‪ ،‬ودراسة ادلعاين لذاهتا‪.‬‬

‫‪ - 13‬ادلرجع نفسو‪ -‬ص‪.27‬‬


‫‪ - 14‬ينظر عبد السالم ادلسدي‪ -‬األسلوبية واألسلوب‪ -‬ص‪.12-12‬‬
‫‪ - 15‬ادلرجع نفسو‪ -‬ص ‪ -11‬وعنو‪ ،‬ينظر ص‪-Jules Marouzeau- Précis de stylistique ،12‬‬
‫‪française,Paris,Masson et Cie 1969.‬‬
‫‪ - 16‬بيًن جًنو‪ -‬األسلوب واألسلوبية‪ -‬ص‪.36‬‬

You might also like