You are on page 1of 10

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة زيان عاشور بالجلفة‬
‫كلية االدب واللغات والفنون‬

‫بحث حول‬

‫االسلوبية وتحليل الخطاب‬

‫تحت إشراف ‪:‬‬ ‫إعداد الطالب‪:‬‬


‫‪‬‬

‫السنة الجامعية‪2021/2022 :‬م‬


‫المقدمة‪:‬‬

‫م**ر المص**طلح األس**لوبي* ع**بر الحقب الزماني**ة التاريخي**ة بع**دة دالالت وذل**ك بحس**ب اقتران**ه بعل**وم أخ**رى‬
‫مثل البالغة والنقد واللغة ‪ ...‬وغيرهم من العلوم اإلنسانية األخ**رى ففي مص**احبته األساس**ية للبالغ**ة مثال‬
‫ومنهجه* *ا* المعي **اري* ك **انت األس **لوبية كأس **لوب ه **و الوس **يلة الوحي **دة لتق **نين األس **س وتحدي* *د* القيم وإ ب **راز*‬
‫المفارق بين األنواع األدبية ثم التقويم على أن هذا العمل أدبي أو أال أدبي‪.‬‬
‫أم***ا في العص* **ور الوس***طى* اق* **ترن ه***ذا المص* **طلح بعلم االجتم **اع فارتب* *ط* بقض* **ية الطبق* **ة في المجتم* **ع‬
‫وتدرجها* في سلم الحياة‪.‬‬
‫ه*ذا م*ا جعلن**ا نق*ول أن الطبق*ة الغني*ة له*ا أس*لوبها* و الفق*يرة بأس*لوبها* الخ**اص ك**ذلك كم*ا أن*ه اق*ترن بعل**و‬
‫اللغ**ة ورك**ز على النس**يج ال**داخلي للنص من خالل النظ**ر إلى األلف**اظ والعب**ارات له**ذا تع**ددت تعريف**ات‬
‫ه **ذا المص **طلح‪ ،‬لكن ال يع **ني أن ه **ذه التعريف **ات متناقض **ة أو ناقص **ة‪ ،‬ب **ل ب **العكس ك **ل منه **ا يخ **دم م **ا‬
‫بعدها؛ فهي بطبيعتها* تعاريف* تراكمية ال تبادلية؛ أي أن الالحق منها ال يغلي السابق تماما‪.‬‬
‫ففي الكث**ير من األحي**ان ه**ذه التعريف**ات الس**ابقة تعت**بر منطلق**ا لالحق**ة تثره**ا وتزي*د* من قوته**ا وح**داثتها‪*،‬‬
‫وهذه من طابع العلوم اإلنسانية الحديثة‪.‬‬
‫المبحث االول‪ :‬ماهية االسلوبية‬

‫المطلب االول‪ :‬تعريف االسلوبية‪:‬‬

‫تعددت تعريفاتها بتعدد م*واد دراس*تها* واهتماماته**ا فم*رة ك*ان االهتم*ام في األدب باللغ*ة وأخ*رى بالمب*دع*‬
‫وما يختلج شخصيته من كل الجوانب وأخرى ثالث*ة بعملي*ة التواص*ل ال*تي تق*ف مرتك*زة على الق*ارئ أو‬
‫المتلقي وتأثراته‪.‬‬
‫واألسلوبية أو " علم األسلوب " علم لغوي حديث يبحث في الوسائل* اللغوية التي تكسب الخط*اب الع*ادي‬
‫أو األدبي خصائص***ه التعبيري***ة والش***عرية‪ ،‬فتم***يزه عن غ***يره‪ ،‬وتعت **بر* الظ **اهرة األس **لوبية في األس***اس‬
‫لغوية‪.‬‬
‫وهي ترجم**ة للمص**طلح الغ**ربي* ذي األص**ل الالتي**ني " ‪" STYISTICS‬و " ‪" STYLUS‬ال**ذي يع**ني‬
‫أداة الكتاب**ة والالحق**ة " ‪" LSTICS‬تع**ني البع**د العقلي المنهجي الموض**وعي‪ *،‬ه**ذا م**ا ذهب إلي**ه إب**راهيم‬
‫‪1‬‬
‫رماني في كتابه " مدخل إلى األسلوبية‪.‬‬
‫ه**ذه الكلم**ة الالتيني**ة ك**انت تع**ني مش**كلة الكتاب**ة إلى أن اكتس**بت داللته**ا االص**طالحية وأص**بحت‬
‫تعني الطريقة الخاصة للكاتب في التعبير‪.‬‬
‫ولق**د أس**همت اللس**انيات على ي**د " دي سوس**ير* " إس**هاما كب**يرا في ظه**ور* علم األس**لوبية خاص**ة‬
‫على يد تلمي*ذه " ش*ارل ب*الي " ال*ذي بعث وأرس*ى* قواع**ده ـ علم األس*لوب‪ ،‬له**ذا نج*ده على ارتب*اط* وثي**ق‬
‫باأللسنية الحديثة‪.‬‬
‫وقد أجمع الكثير من علماء اللغة الحديثة أ‪ ،‬األس*لوبية تش*كل علم*ا قائم*ا بذات*ه ل*ه مقومات*ه وأدوات*ه‬
‫الخاص ***ة وك ***ذا موض* **وعه‪ ،‬ومن بين ه ***ؤالء " جاكبس ***ون " و" ميش* **ال ريف* **اتير " و" س* **تيفن أولم ***ان "و"‬
‫باختين"‬
‫ويعت* **بر* ال* **دكتور " عب* **د الس* **الم المس* **دي* " الس* **باق إلى نق* **ل ه* **ذا المص* **طلح بخصائص* **ه وترويج* **ه بين‬
‫لب**احثين الع**رب‪ ،‬وي**ترجم المس**دي مص**طلح «‪ " STYLISTIQUE‬باألس**لوبية وهي " مفه**وم البحث عن‬
‫األس* **س الموض* **وعية في ح* **دود عقالني* **ة‪ ،‬كم* **ا تبحث عم* **ا يتم* **يز ب* **ه الكالم الف* **ني من بقي* **ة مس* **تويات‬
‫الخط*اب ومن س*ائر* أص*ناف الفن*ون اإلنس*انية إذ نع*ني بدراس*ة الخص*ائص اللغوي*ة ال*تي تنق*ل الكالم من‬
‫مجرد وسيلة إبالغ عادي إلى أداء تأثير فني‪".‬‬
‫وق***د ق***دمت تع***اريف* متنوع***ة في مش***اربها مختلف***ة في اتجاه **ات أص **حابها عن األس **لوب فمن زاوي***ة‬
‫المتكلم أي الباث للخط**اب اللغ*وي لك*ل نص أس**لوبه الخ*اص يكش*ف عن فك**ر ص**احبه ونفس*يته‪ ،‬فالمب*دع*‬

‫أحم**د درويش – األس**لوب واألس**لوبية ‪ ،‬م**دخل في المص**طلح وحق**ول البحث ‪ ،‬ومناهج**ه ‪ ،‬فصول ‪ ،‬مجل**د ‪ ،5‬ع**دد‪، 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫مصر ‪1984‬م ‪ ،‬ص ‪. 68‬‬


‫يق **وم باختي **اره وتجمي **ع وتوزي* *ع* لغت **ه حس **ب وجه **ات نظ **ره المختلف **ة القائم **ة على تركيب **ات اجتماعي **ة‬
‫وأخرى اقتصادية تاريخية وجغرافية وحتى ثقافية عاملة على تكوين شخصيته‪.‬‬
‫من هن**ا ج**از لن**ا الق**ول أن األس**لوب أو علم األس**لوبية ه**و المؤل**ف بمكونات**ه المختلف**ة‪ ،‬وه**ذا م**ا أك**ده "‬
‫أفالطون " حين قال وأكد أنه كما تكون طبائع الشخص يكون أسلوبه وهذا ما ذهب ألي*ه " بيف**ون " على‬
‫أن األس **لوب ه **و اإلنس **ان نفس **ه وغيرهم **ا ممن نظ **روا نظ **رة مزدوج **ة للمب **دع ك **أثر ومص **در للعم **ل‬
‫اإلب**داعي ولغت**ه كنظ**ام بن**ائي معين أراده ه**ذا المؤل**ف للفردي**ة والتم**يز* من خالل اختبارات**ه وتوزيعات**ه‬
‫لتراكيب لغته‪.‬‬
‫وق* **د التفتت األس* **لوبية أيض* **ا لج* **وانب األدب بجدي* **ة إلى عملي* **ة التواص* **ل ال* **تي يش* **ترك فيه* **ا المؤل* **ف‬
‫والمتلقي في النص‪ ،‬فكما أعطي جزء من االهتمام بالمؤلف أعطي نفسه للمتلقي كدور* فعال في العملية‬
‫اإلبداعية‪.‬‬
‫فمن زاوية المخاطب أي المتلقي للخطاب اللغوي‪ ،‬فاألسلوب* ضغط مسلط على المتخاطبين وأن الت**أثير‬
‫الن**اجم عن**ه يع**بر إلى اإلقن**اع أو اإلمت**اع له**ذا وج**دناه في ص**لة دائم**ة ووثيق**ة ب**العلوم* اإلنس**انية األخ**رى‬
‫كاللغوية واالجتماعية وحتى* النفسية والجغرافية والتاريخية‪ ،‬إن هدف علم األسلوب ه**و الكش*ف عن تل*ك‬
‫العالق*ات المتبادل*ة بين ال*دال والم*دلول‪ ،‬ه*ذا من الناحي*ة اللغوي*ة‪ ،‬مم*ا جعل*ه يحت*اج إلى مس*ارات تاريخي*ة‬
‫‪2‬‬
‫وأخرى* نفسية اجتماعية وغيرها للوصول إلى بيت القصيد الذي من أجله وجد عمل أدبي معين‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬إتجاهات األسلوبية‪:‬‬

‫اس**تفادت األس**لوبية من جه**ود معت**برة في الدراس**ات النقدي**ة وال**تي اهتم فيه**ا النق**اد بتص**نيف* االتجاه**ات‬
‫األس **لوبية قص **د الخ **روج بتحلي **ل الخط **اب األدبي إلى دراس **ة وص **فية دقيق **ة وتحلي **ل علمي موض **وعي*‬
‫مقنع‪.‬‬
‫ه**ذا أدى إلى وج**ود* اتجاه**ات مختلف**ة لألس**لوبية س**وء ارتبطت ب**النص ومنش**ئه أو متلقي**ه أو اقتص**رت‬
‫عليه فقط ومن أهم االتجاهات‪:‬‬
‫‪ -‬األسلوبية التعبيرية‪:‬‬
‫ظهرت األسلوبية كاتجاه نقدي في الق*رن التاس*ع عش*ر على ي*د " ش*ارل ب*الي " في النق*د األدبي الغ*ربي‪،‬‬
‫لكن مالمحها لم تح*دد إال في الق*رن العش*رين كمنهج نق*دي مس*تقل بذات*ه‪ ،‬حيث اس*تفاد في التأس*يس له*ذا‬
‫العلم من أستاذه " فاردينان دي سوسير* " خاصة في بعض االنجازات اللغوية‪.‬‬
‫ركز " شارل بالي " في هذه األسلوبية على الطابع الوج**داني ال**ذي يعت**بر العالم**ة الفارق**ة في أي*ة عملي*ة‬
‫تواص**ل بين الب**اث والمتلقي‪ ،‬وق**د اعتم**د على اللغ**ة الش**ائعة‪ ،‬لغ**ة التواص**ل الي**ومي‪ ،‬دون اللغ**ة األدبي**ة‪،‬‬
‫لغة اإلبداع باعتبارها خطاب بسيط* بعيد عن التعقيد‪ ،‬معبر بصدق عن األحاسيس والمش**اعر ال**تي ت*ؤثر*‬

‫األدبية‪ ،‬دار صفاء عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ،2006 ،1‬ص ‪18‬‬


‫ّ‬ ‫فن األسلوب دراسة وتطبيق عبر العصور‬
‫حميد أدم تويني‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫في المتلقي‪ ،‬حيث ن**رى " ب**الي " في طرح**ه األس**لوبي* أن العاطف**ة س**لطان يس**يطر على العملي**ة اللغوي**ة‬
‫بغض النظ**ر عن العق**ل‪ ،‬معلال ذل**ك أن اإلنس**ان في ج**وهره ك**ائن ع**اطفي قب**ل ك**ل ش**يء وأن اللغ**ة هي‬
‫الكاشف عن ه*ذا الك*ائن‪ ،‬وق*د ت*أثرت المدرس*ة الفرنس*ية بأس*لوبية " ب*الي" لتع*رف اتس*اعا على ي*د " بي*ار‬
‫ج **يرو " وغ **يره‪ .‬كم **ا ك **ان له **ا ص **دا في النق **د الع **ربي فق **د ت **رجمت أعمال **ه ـ باليـ على ي **د الكث **ير من‬
‫الباحثين العرب منهم " شكري* محمد عياد " " إذ ضمن كتابه " اتجاهات البحث األسلوبي* ترجمة لفصل‬
‫من كت**اب " ش**ارل ب**الي " من كتاب**ه " اللغ**ة والحي**اة " وك**ذا " ص**الح فض**ل " و "حم**ادي* ص**مود " كلهم‬
‫حاولوا الكشف عن آراء " بالي " في األسلوبية مترجمين أقواله ومقوالته عنها‪.‬‬
‫وعلى حس**ب م**ا س**بق ذك**ره فاألس**لوبية التعبيري**ة هي الكش**ف عن الطاق**ات التعبيري**ة الموج**ودة داخ**ل‬
‫اللغة فالتعبيرية عمل تطبيقي علمي يعمل على إعطاء اإلط**ار األساس**ي األس**لوبي* للغ**ة معين**ة من خالل‬
‫تحديد الموق**ف الكالمي مطبق*ا نت**ائج علم األس*لوب الع*ام ال**ذي يق*وم على " الص**وت والكلم**ة وال**تركيب‪".‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -‬األسلوبية النفسية‬
‫يعت**بر العم**ل اإلب**داعي الم**دخل األساس *ي* إلى ع**الم المب**دع ال**داخلي وك**ذا نفس**ه المبدع**ة وذل**ك من‬
‫خالل المعجم الفردي والتراكيب الخاصة‪ ،‬ومن رواد هذا االتج**اه " كيوس**بيتزر* " وال**ذي يؤك**د أن العم**ل‬
‫اإلب**داعي ترجم**ة لذاتي**ة ونفس**ية المب**دع‪ ،‬فاألس**لوبية النفس**ية تبحث في التح**والت اللغوي**ة وتتبعه**ا بدق**ة‬
‫على ي**د المب**دع من أج**ل خصوص**يته وتف**رده وكأنه**ا ـ األس**لوبية النفس**ية ـ أش**به بدراس**ة الس**ير الذاتي**ة‬
‫للمبدعين والكتاب‪ ،‬وذلك باستنطاق لغة النص وما تحمله من دالالت نفسية معينة‪ ،‬وقد* تجلت األسلوبية‬
‫النفس* **ية كب* **اقي االتجاه* **ات األس* **لوبية في النق* **د الع* **ربي المعاص* **ر ف* **راح الب* **احثون الع* **رب ي* **ترجمون‬
‫ويتأثرون بآرائها ومبادئها ومن بينهم‪ :‬عبد الفتاح صبور‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬حمادي صمود‪...‬‬
‫‪ -‬األسلوبية البنيوية " الوظيفية‪":‬‬
‫ينطل**ق البحث األس**لوبي* الب**نيوي* في تحليل**ه لألث**ار األدبي**ة من خالل الب**نى اللغوي**ة المش**كلة له**ا‪،‬‬
‫فهي تؤس **س منهج **ا غايت **ه دراس **ة النص **وص انطالق **ا من لغته **ا وم **ا تحدث **ه اللغ **ة من تج **اور* مفرداته **ا‬
‫وتراكيبه**ا‪ ،‬له**ذا فهي ت**رى أن المن**ابع الحقيقي**ة للظ**اهرة األس**لوبية ليس**ت فق**ط في اللغ**ة وإ نم**ا أيض**ا في‬
‫نمطيتها‪.‬‬
‫ترك**ز األس**لوبية البنيوي**ة على م**دى تناس**ق أج**زاء النص ورص**د انس**جامها‪ ،‬كم**ا تعت**ني بعالق**ة‬
‫التكام**ل والتن**اقض بين الوح**دات اللغوي**ة المكون**ة للنص وبال**دالالت واإليح**اءات‪ ،‬له**ذا فهي تأخ**ذ بع**دا‬
‫ألس**نيا قائم**ا على علمي المع**اني والص**رف* وعلم ال**تراكيب‪ ،‬وق**د وج**د ه**ذا االتج**اه أقالم**ا نقدي**ة عربي**ة‬

‫*رية‪ ،‬مص***ر ط ‪،6‬‬


‫النهض **ة المص * ّ‬
‫األدبي **ة‪ *،‬مكتب* *ة* ّ‬
‫ّ‬ ‫تخليلي **ة ألص **ول األس **اليب‬
‫ّ‬ ‫بالغي **ة‬
‫ّ‬ ‫*لوبية دراس **ة‬
‫أحم **د ال ّش* *ايب‪ ،‬األس * ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪1966‬م‪ ،‬ص ‪44‬‬


‫حاولت أن تخوض في غمار البنيوية مترجمين وش**ارحين ومستكش*فين ومن بينهم " ف**ؤاد أب**و منص**ور "‬
‫النقد البنيوي* الحديث " عبد السالم المسدي " محاوالت األسلوبية الهيكلية‪".‬‬
‫‪ -‬األسلوبية اإلحصائية‪:‬‬
‫وتعتم*د* ه**ذه األس**لوبية على اإلحص**اء الرياض*ي* لل**دخول إلى النص**وص األدبي**ة‪ ،‬حيث يتم فيه**ا إحص**اء‬
‫وإ براز معدالت التك*رار في مختل**ف المع*اجم س*واء أك**انت إفرادي*ة أو تركيبي**ة أو إيقاعي**ة‪ ،‬وه*ذه العملي*ة‬
‫ضرورية في الكشف عن القدرات الفردية للمبدع ومدى اختالفها عن قدرات مبدع أخر ومن أهم رواد‬
‫هذا المذهب " جون ك**وهن " وق**د تجلت األس**لوبية اإلحص*ائية بوض*وح* في النق**د الع**ربي المعاص**ر حيث‬
‫ب **رزت في الترجم **ة والش **روح وك **ذا مح **اوالت التط **بيق على النص **وص األدبي **ة ومن بين أهم رواده**ا*‬
‫العرب صالح فضل ومحمد العمري‪.‬‬
‫من هنا نجد أن األسلوبية باتجاهاتها نظرة مهم**ة في ب**اب النق**د األدبي‪ ،‬فهي انح**راف عن المعي**ار‬
‫الم**ألوف والمت**داول في بن**اء الكالم اإلب**داعي‪ ،‬والوحي**دة إلى ح**د م**ا في رص*د* مك**امن الجم**ال الف**ني في‬
‫النصوص‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬

‫المطلب االول‪ :‬مقوالت األسلوبية‪:‬‬

‫وتتحدد* مقوالت األسلوبية في ثالثة عناصر‪ :‬االختيار‪-‬التركيب‪-‬االنزياح‪.‬‬


‫أ‪-‬االختيار‪:‬‬
‫إن لغ**ة النص األدبي هي لغ**ة مم**يزة‪ ،‬وه**ذا التم**يز ي**بين لن**ا أن الك**اتب أو الش**اعر ق**د اخت**ار من المعجم‬
‫اللغوي الضخم مجموع**ة من الكلم**ات ح*تى يس**تطيع تك**وين رس*الته وإ ح**داث األث*ر المرج*و منه*ا وبالت**الي‬
‫التواص**ل م**ع المتلقي‪ ،‬فلغ**ة النص اإلب**داعي األدبي هي لغ**ة مخت**ارة بعناي**ة ودق**ة‪ ،‬وله**ذا أجم**ع الب**احثون‬
‫على أن الكتابة أو النظم قوامها* اختي**ار المعجم الخ*اص إلح*داث األث*ر الف**ني‪ ،‬ومن ذل**ك م**ا قال*ه جوزي*ف*‬
‫ش **ريم‪" :‬إن الكتاب **ة إجم **اال والكتاب **ة الش **عرية خاص **ة هي ن **وع من =االختي **ار=‪ ،‬يق **وم ب **ه الش **اعر على‬
‫"الجم*ل تول**د عن طري*ق* سلس**لة من‬‫مستوى* كل بيت من أبي**ات قص*يدته"* ‪ ،‬وأثبت تشومس**كي* ذل**ك بقول**ه‪ُ :‬‬
‫االختي**ارات للكلم**ات داخ**ل الجمل**ة"‪ ،‬وه**و ص**احب النح**و التولي**دي* (أو التح**ويلي)‪ ،‬وال**ذي يس**مح بتولي**د‬
‫جملة من البدائل األسلوبية والكلمات حتى تمكن الكاتب أو الشاعر من فرص**ة إيج**اد خي**ارات واس**عة في‬
‫‪4‬‬
‫استعمال اللغة‪.‬‬
‫ب‪-‬التركيب‪:‬‬
‫إن ت**ركيب النص اإلب**داعي خاص**ة حين ثورت**ه على النم**ط النح**وي* المعت**اد ال**ذي يح**ترم* ق**انون النح**و‪،‬‬
‫وتكوين* **ه ل* **تركيب جدي* **د غ* **ير م* **ألوف ل* **دى المتلقي ه* **و ال* **ذي يبعث الدهش* **ة والت* **وتر‪ ،‬ومن هن* **ا ك* **انت‬

‫الرؤية والتّطبيق‪ ،‬دار المسيرة‪ ،‬ط‪2007 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫األسلوبية ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ 4‬يوسف أبو العدوس‪،‬‬
‫األسلوبية متتبعة له محاولة طرح السؤال "لماذا؟"‪ ،‬واإلجابة عن هذا الس**ؤال والتوص*ل* إلى فهم ال**تركيب‬
‫الط**ارئ* له**و بح**ق الس**بيل إلى فهم العم**ل األدبي والوق**وف* على فنيت**ه وإ بداعيت**ه‪ ،‬فـ‪:‬ج**ون ك**وهين ي**رى‬
‫بأنه‪":‬ال يتحقق الشعر إال بقدر تأمل اللغة وإ عادة خلقها مع كل خطوة‪.‬‬
‫وه**ذا يف**ترض تكس**ير الهياك**ل الثابت**ة للغ**ة وقواع *د* النح**و" ‪ ،‬ألن‪":‬لك**ل أديب طريق**ة خاص**ة في اس**تخدام*‬
‫الكلم***ة وت***ركيب الجمل***ة من حيث النح***و البالغي‪...‬يجب أن ن **درك أن ال **تركيب=التش **كيل=اللغ***وي ه***و‬
‫الم**ادة الحقيقي**ة المش**كلة لفن األدب‪ ،‬له**ذا ينبغي ب**ذل جه**د كب**ير في التع**رف على كيفي**ة اس**تخدام األديب‬
‫للغ**ة" ‪ ،‬خاص**ة إذا علمن**ا أن واح**دا من الش**عراء الكب**ار وه**و مالرمي**ه‪":‬ع* َّ*رف نفس**ه بالعب**ارة العجيب**ة=أن**ا‬
‫مركب="‪ ،‬وقد اعتنى قدماء علماء العرب بفكرة أهمية التركيب فهذا عبد الق*اهر الجرج*اني يق*ول‪":‬الكالم‬ ‫ِّ‬
‫ال يس **تقيم وال تحص **ل منافع **ه ال **تي هي ال **دالالت على المقاص **د إال بمراع **اة أحك **ام النح **و في اإلع **راب‬
‫وال***ترتيب* الخ***اص"‪ ،‬األم***ر ال***ذي دف***ع بـ‪:‬مص***طفى ناص***ف إلى التص **ريح بأن **ه( عب **د الق **اهر)‪":‬ح** ّ*رض‬
‫الب**احثين على أن يعي**دوا* ق**راءة الش**عر الع**ربي في ض**وء فك**رة تنظيم* الكلم**ات"‪ ،‬وال س**بيل إذن من أج**ل‬
‫الوقوف على أدبية األدب إال النظر في كيفية تشكيله وهندسته‪.‬‬
‫ج‪-‬االنزياح‪:‬‬
‫يش**رح لن**ا انكفس**ت االنزي**اح (أو االنح**راف)بقول**ه‪ :‬سنس**تعمل مص**طلح انح**راف لنقص**د ب**ه الخالف بين‬
‫النص والمعي**ار النح**وي الع**ام للغ**ة‪ ،‬وله**ذا ف**االنحراف يع**ني ع**دم النحوي**ة وع**دم القب**ول" ‪ ،‬ويح**دد ب**ول‬
‫وبين مص**طفى‬
‫ف**اليري األس**لوب بأن**ه انح**راف عن قاع**دة أو معي**ار* م**ا‪ ،‬أي انح**راف عن ق**انون النح**و‪ّ ،‬‬
‫ناصف* أن‪":‬االستعارة انحراف عن األسلوب الواضح الدقيق"* ‪.‬‬
‫ف**االنحراف* إذن ه**و الخ**روج عن الم**ألوف المعت**اد في الكالم الع**ادي بين األف**راد* في المجتم**ع‪ ،‬واالتج**اه‬
‫نحو صيغة كالمية تبعث اإليح*اء وتحث على التأوي*ل‪ ،‬وبالت*الي خل*ق الت*وتر واالس*تغراق* في حال*ة الت*أثر‬
‫ومحاول **ة الش **رح‪ ،‬أو كم **ا يس **ميه بعض الب **احثين بـ‪":‬م **واطن الخ **روج على المس **توى* الع **ام ال **ذي علي **ه‬
‫‪5‬‬
‫االستعمال العادي للغة‪.‬‬
‫وإلض **اءة مفهوم **ه لالنح **راف عن الس **ياق ي **ورد ريف **اتير* مص **طلحين ه **امين وهم **ا‪ :‬االرت **داد والتن **اص‪،‬‬
‫تعدل معانيها بأخرى*‬
‫ويعني* باألول تلك الوقائع األسلوبية التي سبق للقارئ اكتشاف* قيمها ثم ال تلبث أن ّ‬
‫بناء على ما يكتشفه القارئ وهو م*اض في قراءت*ه‪ ،‬كم*ا يع*ني بالتن*اص ذل*ك األث*ر ال*ذي ينش*أ عن ت*راكم‬
‫عدد من المسالك األسلوبية لتحدث قوة تعبيرية الفتة‪ ،‬والتي يعدها مثاال للوعي البالغ باستعمال اللغة ‪.‬‬
‫إن‪":‬االنزياح هو وسيلة الشاعر إلى خلق لغة شعرية داخل لغة النثر‪ ،‬ووظيف**ة خل**ق اإليح**اء" ‪ ،‬لكن يبقى‬
‫السؤال جوهريا‪ *:‬إلى أي حد يمكن أن يستمر االنزياح؟‪ ،‬وهل وظيفة خل*ق اإليح*اء م*برر ك*اف لمراوغ*ة‬
‫الق*ارئ واالبتع*اد* عن ش*ريحة كب*يرة من الق*راء‪ ،‬م*ا دام أن ه*دف األدب حس*ب البعض ه*و تبلي*غ الرس*الة‬
‫وبناء فعل التواصل؟ إنه سؤال نضعه هنا على أمل اإلجابة عليه في المستقبل‪.‬‬

‫‪ 5‬منذر عياشي‪ ،‬مقاالت في االسلوبية‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬ط‪ ،1990 ،1‬ص ‪.192‬‬
‫وتتخ **ذ* األس***لوبية من الخط***اب األدبي عام***ة م***ادة وغاي***ة له***ا‪ .‬يق **ول الب **احث اللبن **اني ب ّس* *ام برك***ة‪" :‬إن‬
‫األس**لوبية تحلي**ل لخط**اب من ن**وع خ*اص‪ ،‬فهي وإ ن ك**انت تعتم*د على قاع*دة نظري*ة (لس*انية أو س**يميائية‬
‫أو براغ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تحليل الخطاب واالسلوبية‬

‫ومن هن**ا ن**درك أم**ر تج**اوز* البالغ**ة ب**ل اتس**اع رقع**ة التعام**ل م**ع الخط**اب لتش**مل الشـعرية واالسـلوبية‬
‫وميـادين األلسـنية األخـرى بهـدف تحقيـق مهمـة دارسـة خـواص الخطـاب الفنيـة والنوعيـة‪ .‬علـى أننـا ال‬
‫نلغي أهمي**ة البالغـة فـي عصـرها إذ ك**انت تمثـل منهجـاً متكـامالً فـي تحليـل الخطـاب ودارسـة أنماط**ه‬
‫فـن القـول‪ ،‬وعنـدما تحولـت الـى دارسـة‬ ‫فضالً عن االهتمام بوسائط اقنـاع المخاطـب‪ ،‬وهـي بـذلك مثلـت ّ‬
‫الخطـاب االدبـي اصـبحت تمثـل فـن الشـعر‪ ،‬وبعـد ذلـك انفرجـت زاويـة منظورهـا* لتهـتم بتنظـيم الكـالم‬
‫ٕوٕا ق امـة االسـلوب الرفيـع‪ ،‬ممـا جعلهـا تأخـذ طـابع القاعـدة‪ .‬فالبالغـة كانـت منهجـاً متك**امالً في تحلي**ل‬
‫الخطاب وهي فن اللغة وفن االدب في الوقت ذاته‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مرتكـز ألسـني فـي مـداها االول‪،‬‬ ‫نخلص من ه **ذا الى مالحظ **ة ان نظري **ة تحلي **ل الخط **اب تق **وم علـى‬
‫‪6‬‬
‫فوظيفة دارس الخطاب األولى هي التمييز بين األبنية األساسية واإلضافية في لغة الخطاب‪.‬‬
‫وبحس **ب رأي "ف **ان دي **ك" يمكنن **ا إدارج البحث التحليلي التجريبـي* للخطـاب األدبـي وكـذلك كـل أنـواع‬
‫الخطابات األخرى ضمن حقل البحث العام لأللسنية وعلوم االتصال‪.‬‬
‫وكـل تلـك المباحـث تؤسـس لوجـود علـم تحليـل الخطـاب الـذي يتعـدى البالغـة بتوجهـات جديـدة فـي‬
‫مح**ورين عم**ودي* يتمثـل بالشـعرية التـي تهـتم بصـنف الخطـاب األدبـي وأفقـي* يتمثـل باألسـلوبية التـي‬
‫تدرس كل أنوع الخطاب بما فيها األدبي‪.‬‬
‫وق**د أخـذت األسـلوبية بفعـل التحـول الرومـانتيكي* دور الب**ديل المكم**ل عـن البالغـة بصفـتها منهجـاً فـي‬
‫دارسـة الخطـاب وتحليلـه‪ ،‬واختصـت بدارسـة مالمـح الموهبـة والتفـرد واالب **داع فـي الخط **اب االدبـي‬
‫واهتمـت باإلمكانـات االسـلوبية للغـة والوظيفـة االنفعالي*ة والش*عرية والتأثيري*ة في تحلي*ل عملي*ة التواص*ل‬
‫الف**ني‪ .‬بي**د ان آلي**ات البالغـة تكـون حاضـرة بصـيغة جديـدة فـي منهجيـات الـدرس األسـلوبي* فضـالً* عـن‬
‫أثـر اللسـانيات والسـيميوطيقا والشـعرية‪ ،‬في س**بيل ان تص**بح االس**لوبية منهج *اً متك**امالً لمعالج**ة أنم**اط‬
‫التعبير والتواصل بأنواعها‪.‬‬

‫‪ 6‬منذر عياشي‪ ،‬مقاالت في االسلوبية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.195‬‬


‫وبوس**اطة هـذا المـنهج نسـتطيع* الوصـول* الـى إمكانيـة دارسـة البنيـة ومعرفـة األسـلوب بصـفته ظـاهرة‬
‫خاصـة فـي االسـتعمال اللغـوي‪ ،‬أو األلس*ني‪ ،‬يعنـى بدارسـة مجـال التصـرف ولكـن ض*من حـدود القواع*د‬
‫في انتظ **ام جه **از اللغ **ة وتكام **ل منهج البحث األس **لوبي* بثالث **ة أج **زاء‪ :‬أولهـا لغـوي يبحـث فـي انتظ **ام‬
‫التعبيرات اللغوية والثاني* عملي تواص*لي يهتم بعوام*ل إقامـة الخطـاب وعناصـره‪ ،‬نعنـي بـذلك المرسـل‪،‬‬
‫كـأن يكـون المؤلـف‪ ،‬والمتلقـي و السـياق‪ ،‬كالتـاريخي‪ ،‬والجـزء الثالـث األخيـر جمـالي أدبـي يهتم بالت*أثير‬
‫في الق**ارئ والش**رح االدبي‪ .‬وبه**ذا تك**ون األس**لوبية مي**داناً مش**تركاً لتحلي**ل الخط**اب بـين عل**وم اللس**انيات‬
‫والنقد االدبي‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬

‫نوع*ا‬
‫األس**لوب ه**و طريق**ة للتعب**ير عن األفك**ار وال* ّ*رؤى* المختلف**ة باس**تخدام* اللغ**ة‪ ،‬ويع* ّ*د‪ ‬األس**لوب األدبي‪*ً  ‬‬
‫والتقريري**ة‪ ،‬بمع**نى أن**ه‬
‫ّ‬ ‫*ني بعي**د عن المباش**رة‬ ‫مهم*ا من ه**ذه األس**اليب‪ ،‬فيس**تخدم األديب اللغ**ة بأس**لوب ف* ّ‬ ‫ً*‬
‫*داعي ابتك* **اري‪ ،‬يختل* **ف في* **ه عن المتكلم الع* **ادي ال* **ذي يعتم* **د على اللغ* **ة في‬
‫يس* **تخدم اللغ* **ة بأس* **لوب إب* * ّ‬
‫تواصله اليومي* مع الناس‪ ،‬وتدل كلمة أس**لوب على القيم**ة األدبي**ة‪ ،‬ومن خالله**ا يحكم على النص األدبي‬
‫وتالي *ا*‬
‫تمي**ز نص عن غ**يره‪ ،‬وطريق**ة ت**رتيب األلف**اظ م**ع بعض**ها‪ً ،‬‬
‫ب**الجودة أو ال**رداءة‪ ،‬وهي تش**ير إلى ّ‬
‫حديث حول األسلوبية وتحليل الخطاب‬
‫ٌ‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ -‬أحمد درويش* – األس**لوب واألس**لوبية‪ ،‬م**دخل في المص**طلح وحق**ول البحث‪ ،‬ومناهج**ه‪ ،‬فصول‪ ،‬مجل**د‬
‫‪ ،5‬عدد‪ ،1‬مصر ‪1984‬م‪.‬‬

‫*رية‪،‬‬
‫النهض**ة المص* ّ‬
‫األدبي**ة‪ ،‬مكتب**ة ّ‬
‫ّ‬ ‫تخليلي**ة ألص**ول األس**اليب‬
‫ّ‬ ‫بالغي**ة‬
‫ّ‬ ‫*لوبية دراس**ة‬
‫‪ -‬أحم**د ال ّش*ايب‪ ،‬األس* ّ‬
‫مصر ط‪1966 ،6‬م‪.‬‬

‫األدبية‪ ،‬دار صفاء عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬


‫ّ‬ ‫فن األسلوب دراسة وتطبيق عبر العصور*‬‫‪ -‬حميد أدم تويني‪ّ ،‬‬
‫الرؤية والتّطبيق‪ ،‬دار المسيرة‪ ،‬ط‪2007 ،1‬م‪.‬‬
‫األسلوبية ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬يوسف* أبو العدوس‪،‬‬
‫‪ -‬منذر عياشي‪ ،‬مقاالت في االسلوبية‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬ط‪.1990 ،1‬‬

You might also like