Professional Documents
Culture Documents
المفهوم العام للخطأ
المفهوم العام للخطأ
فمعىن اخلطأ يف اللغة :أن يريد ويقصد أمرا فيقع يف غري ما يريد ،أما اخلطء :فهو اإلمث أو الذنب املتعمد.
وقد قال احلافظ ابن رجب-رمحه اهلل-اخلطأ هو أن يقصد بفعله شيئا فيصادف فعله غري ما قصده مثل ان
يقصد قتل شخص فصادف قتله شخص آخر غري الذي حدده ،وقد قال اجلرجاين:
«اخلطأ هو ما ليس لإلنسان فيه قصد» وهناك عدة تعريفات للخطأ أمجعت على أن اخلطأ كل ما يصدر عن املكلف
1
من قول أو فعل خال عن إرادته وغري مقرتن بقصد منه.
وقد ورد أيضا ،أن اخلطأ يف اللغة بفتح اخلاء والطاء هو فعل غري متعمد ،ومن ذلك ما جاء بقول اهلل تعاىل«:
وم ا ك ان ملؤمن أن يقت ل مؤمن ا إال خط أ 2»...والفع ل من ه أخط أ ،خيط أم ا اخلطء بكس ر اخلاء فه و تعم د ارتك اب
3
احملظور ومن ذلك ما ورد بقوله اهلل سبحانه وتعاىل يف شأن قتل األوالد خشية الفقر «:إن قتلهم كان خطأ كبريا»
والفعل منه خط خيطأ.
1يوسف سعد اهلل اخلوري :القضاء اإلداري " مسؤولية السلطة العامة" اجلزء الثاين ،لبنان ،سنة ،1991ص .43
سورة النساء ،االية .92 2
ثالثا/االلتزام بعدم القيام باألعمال اليت ليس لدى اإلنسان يلزم هلا من قوة أو كفاءة.
رابعا /االلتزام برقابة اإلنسان على من يف رعايته وعلى األشياء اليت يف حوزته.
رغم بساطة ووضوح هذا التعريف وأكثرها تقريبا لفكرة اخلطأ حيث اعترب كل إخالل بالتزام من االلتزامات
األربعة السابقة يقيم ويعقد املسؤولية ،إال أنه وجهت له انتقادات من طرف الفقهاء وأهم هذه االنتقادات هو التقيد
الذي عاب على " بالنيول" من حيث أنه مل يعرف اخلطأ يف حد ذاته بل سرد لنا أنواع وتقسيمات اخلطأ.3
ولكن التعريف الغالب والشائع للخطأ والذي يستوجب قيام املسؤولية هو " الفعل الضار غري املشروع".
وعرف ايضا ":بأنه خمالفة ألحكام القانون تتمثل يف عمل مادي أو يف تصرف قانوين يأخذ صورة عمل اجيايب
4
أو على هيئة تصرف سليب ينشأ عنه عدم القيام مبا يوجبه القانون".
تعددت أنواع وتقسيمات اخلطأ وذلك حسب الزاوية اليت ينظر منها كل دارس وفقيه ،فاخلطأ منظورا إليه من
ع دة أس س ون واحي خمتلف ة وبالت ايل فيمكن أن يك ون اخلط أ اجيابي ا أو خط أ س لبيا وق د يك ون اخلط أ العم دي وخط أ
اإلمهال ،اخلط أ اجلس يم واخلط أ اليس ري ،واخلط أ املدين واخلط أ اجلن ائي واخلط أ الشخص ي واخلط أ غ ري املباش ر أو غ ري
5
الشخصي (خطأ املتبوع-اخلطأ الوظيفي أو املرفقي)
1ماد راغب احللو ،دعاوي القضاء الكامل" وسائل القضاء اإلداري" دار اجلامعة اجلديدة ،اإلسكندرية ،مصر ،سنة ،9313ص939
2حممد بكر حسني :مسؤولية اإلدارة عن أعمال موظفيها" دراسة مقارنة "دار الفكر اجلامعي مصر سنة 9332ص49
3عمار عوابدي :نظرية املسؤولية اإلدارية "دراسة تأصيلية حتليلية ومقارنة "ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1994ص114
4ماجد راغب احللو :الدعاوي اإلدارية ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،مصر ،9334 ،ص.949
5حممد بكر حسني :مسؤولية اإلدارة عن اعمال موظفيها «دراسة مقارنة « ،دار الفكر العريب ،مصر ،9332،ص11
2
أوال/الخطأ اإليجابي و الخطأ السلبي:
اخلطأ اإلجيايب هو اإلخالل بااللتزامات والواجبات القانونية عن طريق ارتكاب واإلتيان بأفعال مينعها أو ينهي عنها
القانون ويرتتب عن ذلك املسؤولية اجلنائية أو املدنية أو املسؤولية اإلدارية وكذلك األفعال اخلاطئة واملنافية لألخالق
ك الغش والت دليس...اخل ،وال يت تس تلزم التع ويض أم ا اخلط أ الس ليب فه و يتجس د يف ص ورة االمتن اع عن الواجب ات
وااللتزام ات ال يت تق ع على ع اتق املكل ف وع دم التح رز واالحتي اط حبكم الق انون أو االتف اق ب دفع الض رر ال ذي ق د
حيصل ،فامتناع اإلدارة مثال عن إصدار قرار خيدم مصلحة أحد األشخاص من اجلمهور العام هو خطأ سليب تسأل عنه
1
اإلدارة نظريا المتناعها.
ثانيا/الخطأ العمدي وخطأ اإلهمال:
عمدا وعن عمد :أي قصدا وليس خطأ أو صدفة ،وقد يقصد الفاعل فعله و
العمد مصدر من الفعل َع َم َد ويقال فعله ً
اآلثار املرتتبة على فعله ،أي تعمد الفعل و النتيجة معا وقد يقصد الفعل فقط دون أن يقصد النتيجة ،و اخلطأ حسب
تعريف ه( إدراك الفاع ل لإلخالل يف فعل ه) أين يتض ح احلد األدىن من اإلدراك أو التمي يز ح ىت يق وم اخلطأ ،2فاخلط أ
العمدي (اجلرم) فيتحقق إذا اجتهت إرادة الفاعل إىل حتقيق الضرر بالغري كما أن اخلطأ العمدي هو اإلخالل بواجب
أو التزام قانوين مقرتن بقصد اإلضرار بالغري ،فخطأ العمد حيتوي على عنصرين اثنني :فعل أو امتناع عن فعل يعد
إخالال بالتزام أو واجب قانوين سابق وعنصر قصد ونية اإلضرار أي اجتاه اإلرادة إىل إحداث الضرر ،فاخلطأ العمدي
يتكون من عنصرين موضوعي (املادي)و الشخصي(النفسي) معا ،فاألول هو إخالل باحلقوق و االلتزامات القانونية
السابقة و الثاين يتمثل و يتجسد يف قصد اإلضرار بالغري أو هو العمل الذي يضر مبصلحة الغري عن قصد وبدون وجه
3
حق ،أما اخلطأ غري العمد يتحقق إذا مل يرد فاعله النتيجة الضارة ،يسميه أتباع النظرية التقليدية بنسبة اجلرمية.
أم ا خط أ اإلمهال فه و اإلخالل ب واجب ق انوين س ابق مق رتن ب إدراك هلذا اإلخالل دومنا قص د اإلض رار ب الغري ،وم ادام
مقرتنا بإدراك املخل لاللتزام القانوين السابق فهو يتكون من ذات العنصرين اللذين يتكون منهما اخلطأ العمدي ،فهو
اخلطأ الذي ال يتفق مع احليطة اليت تتطلبها احلياة االجتماعية ويفرضها القانون.
ويقسم خطأ اإلمهال حسب درجته إىل قسمني أو نوعني مها اخلطأ اجلسيم واخلطأ اليسري.
أما اخلطأ اجلنائي فهو ذلك اإلخالل بواجب أو التزام قانوين تفرضه أو تقرره قواعد العقوبات بنص خاص
فاخلطأ اجلنائي يشكل ركن من أركان املسؤولية اجلنائية.
وعليه ميكننا القول إن اخلطأ املدين أعم من اخلطأ اجلنائي ،إذا أن كل خطأ جنائي يعد يف ذات الوقت خطأ
مدنيا والعكس غري صحيح.
إن التساؤل الذي طرح يف إطار مسؤولية الدولة واإلدارة العامة من أعماهلا الضارة هو األساس الذي مبوجبه تسأل إذا
كانت أعماهلا أو أعمال موظفيها سببا حلدوث أضرار بالغري؟
هل ميكن القول واجلزم بأن هذا األساس هو اخلطأ؟ وهل يعتقد أن اإلدارة العامة ختطأ؟
إن ه دفنا يف ه ذا اجملال ه و حتدي د موق ع اخلط أ وأث ره يف إط ار املس ؤولية اإلداري ة كأس اس ق انوين يق رر قي ام
مسؤولية اإلدارة العامة.
أما األستاذ " دجيي" " "Duguitفريجع أساس املسؤولية إىل مبدأ الضمان أو ما يعرف بنظرية الضمان حيث يرى أنه
إىل ج انب احلق يف األمن يوج د ال تزام ب األمن ويف حتق ق األمن تتحق ق أعظم النت ائج ،حيث ي ؤدي األمن إىل خل ق
ووجود جاهودات اإلنسان الساعية إىل ازدهار نشاطه فاألمن ليس غاية بل هو وسيلة لتمكني الناس من ممارسة أقدس
الواجبات واحلقوق وهو العمل فضمان األمن يقيم ويعقد مسؤولية السلطة اإلدارية عندما يتعرض أمن أحد األفراد أو
األشخاص إىل التهديد واخلطر بوقوع الضرر.
واعترب األستاذ "إيزمان" يف شق آخر أن مبدأ املساواة أمام األعباء العامة هو أساس غري مباشر للمسؤولية
اإلدارية ،وبذلك يكون قد استبعد اخلطأ كأساس للمسؤولية
أما األستاذة "سعاد الشرقاوي" فقد قسمت مسؤولية اإلدارة إىل قسمني ويف مرحلتني او مستويني ،يف حالتها
املتحركة الديناميكية ،املستوى األول (مرحلة التتبع) أين تقوم العالقة فيها بني السلطة اإلدارية والشخص املضرور
فقط وخيتفي شخص املوظف العام فإن حسبها أن أساس املسؤولية يف هذه املرحلة هو فكرة "الضمان" وبالتايل محاية
كاملة للمضرور جتاه اإلدارة وحقه يف التعويض على اعتبار هذه األخرية مدين مل وغري مماطل.
ومل يؤكد األستاذ عمار عوابدي على فكرة اخلطأ كأساس قانوين تقوم عليه املسؤولية اإلدارية متأثرا بذلك مبا
جاء به األستاذ "فالني" سابقا الذي يعترب أن الشخص املعنوي يتصرف حبكم الضرورة عن طريق أنسان وبالتايل فان
طبيعة هذا النوع من املسؤولية ختتلف عن طبيعة املسؤولية عن الفعل الشخصي فاالدارة شخصا معنويا عاما ،ال إرادة
ذاتية له والعقل له مثل الشخص الطبيعي ،ومن مث فهي غري قادرة على ارتكاب األخطاء.1
وقد أكد ذات األستاذ يف مرجع أخر ان أساس مسؤولية السلطة اإلدارية العامة على اعمال موظفيها هو خطا من
نوع خاص دون ان يفصل يف ذلك.
الفرع الثاني اعتبار الخطأ شرطا لقيام المسؤولية اإلدارية وليس أساسا لها
إن اعتبار اإلدارة العامة مسؤولة على أعمال موظفيها غري املشروعة و اليت نتجت عنها أضرار لألفراد ،إال أن
طبيعة هذه املسؤولية ختالف طبيعة املسؤولية الشخصية ،حيث أن اخلطأ الشخصي فيها يعد أساسا قويا وكافيا لتحميل
عبء املسؤولية املتمثل يف التعويض ،ولكن هذا اخلطأ إذا كان يصلح ويقوم أساسا يف املسؤولية املدنية ،فإنه ال يصلح
ألن يك ون أساس ا للمس ؤولية اإلداري ة ،حيث أن اإلدارة العام ة ش خص معن وي ع ام ال إرادة ذاتي ة وال عق ل ل ه مث ل
الشخص الطبيعي ومن مث فهي غري قادرة على إثبات وارتكاب األفعال اليت تكون اخلطأ الذي يعقد مسؤوليتها.
وعلى ح د تعت رب األس تاذ "ف الني«":ال توج د أب دا يف الق انون اإلداري مس ؤولية عن الفع ل الشخص ي ألن
الشخص املعنوي مثل الدولة أو أي مجاعة تتصرف دائما حبكم الضرورة عن طريق إنسان ،ونتيجة لذلك فإن مسؤولية
1
اإلدارة ال ميكن أن تكون مسؤولية عن فعل الغري أو مسؤولية من فعل الشيء»
وي رى األس تاذ أن مس ؤولية اإلدارة عن أعماهلا هي يف احلقيق ة مس ؤولة عن فع ل الغ ري أساس ها االل تزام
بالض مان ،كم ا ي رى أن اخلط أ ش رط من ش روط حتق ق مس ؤولية اإلدارة ول ذلك ال ميكن أن يك ون أساس ا هلذه
املسؤولية ،فاستخدام اإلدارة لتابعني (املوظفني) ميكن أن يرتبكوا أخطاء ختلق أضرار تضمن اإلدارة التعويض عنها.
وانض م ج انب من الفق ه الفرنس ي إىل األس تاذ" ف الني" يف تأس يس مس ؤولية الدول ة بص فة عام ة عن أعم ال
سلطاهتا العامة على فكرة الضمان ،فذهب األستاذ " "Faureإىل إمكانية وجود أساس تؤسس عليه مسؤولية الدولة
عن أعماهلا بنفي اخلط أ عن الدول ة إذا نظرن ا إىل مس ؤولية الدول ة على أهنا مس ؤولية عن فع ل الغ ري ،وي رى أن املادة
1014من القانون املدين الفرنسي و اليت تنص على ضمان املتبوع أخطاء التابع رغم أهنا ال تنطق على عالقة اإلدارة
1عمار عوابدي :األساس القانوين ملسؤولية اإلدارة عن أعمال موظفيها ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،1919 ،ص24
6
مبوظفيه ا ،إال أن ه ميكن القي اس عليه ا عن د البحث عن أس اس للمس ؤولية اإلداري ة ومن مث يك ون األس اس الوحي د
1
للمسؤولية هو فكرة الضمان ويظل اخلطأ و احلال كذلك شرطا من شروط حتقق هذه املسؤولية.
ـ
-9
وعلي ه ف إن ج انب من الفق ه ي رى أن اخلط أ ش رطا أساس يا إلل زام اإلدارة بتع ويض األض رار وليس أساس ا قانوني ا هلذه
املسؤولية ،أي أن اخلطأ وسيلة تربير مسؤولية اإلدارة فقط ،فإذا كان الذي يتحمل العبء هو ذمة مالية أخرى غري
مرتكب اخلطأ فيعد اخلطأ جارد شرط إلعمال مسؤولية اإلدارة وليس أساسا قانونيا لقيامها ولذا ال ميكن أن تكون
2
أساسا للمسؤولية بل شرط الزم لقيامها.
وم ا دامت نظ رة ه ؤالء الفقه اء هي اس تبعاد اخلط أ كأس اس للمس ؤولية واعتب اره ج ارد ش رط الزم لقيامه ا
وتربيرا هلا ،فكان عليهم أن يقدموا األساس القانوين هلا وقد كانت إجابتهم يف ذلك بأنه ميكن تصور أساس املسؤولية
اإلدارية يف الفكرة التالية :تستهدف املرافق العامة حتقيق الصاحل العام أو اخلري العام للجماعة ولذا يستفيد أفراد اجلماعة
من هذه املزايا ،فإذا ترتب على تسيري مرفق من املرافق ضرر خاص ألحد األفراد ،فمن العدل أن يتحمل مجيع أفراد
الشعب عبء جربه.
وحسب األستاذ A.Delaubadereال ميكن ان ينسب اخلطأ يف جمال القانون اإلداري اىل اإلدارة مباشرة فاخلطأ
يرتكب من قبل موظفني جمهولني وتتحمل املسؤولية ذمة مالية أخرى غري ذمة مرتكب اخلطأ وهو ما يبني ان اخلطأ
3
ليس سوى شرط قيام املسؤولية وليس أساسا هلا
الفرع الثالث :اعتبار الخطأ اساس المسؤولية اإلدارية بصفة أصلية والمخاطر استثناءا
فاخلط أ ال ذي ي ؤدي إىل املس ؤولية اإلداري ة ه و اخلط أ املرفقي ومن مث وجب حتدي د طبيع ة اخلط أ ال ذي ي رتتب
عليه حتما وبالضرورة وجود املسؤولية اإلدارية من عدمها ،كما أن درجة اتصال هذا اخلطأ باملرفق اإلداري إمنا يؤدي
إىل حتديد مسؤولية اإلدارة عن أخطاء موظفيها بنطاق معني ،فقد تتحمل اإلدارة التعويض املستحق للمضرور كلية
وبصفة هنائية إذا كان اخلطأ الذي ارتكبه املوظف ذا صلة وثيقة باملرفق ال ينفك عنه ،ويف صورة أخرى قد تضمن
ويف ذل ك أص درت احملكم ة اإلداري ة العلي ا حكم ا هلا يف الطعن رقم 1993جلس ة 14/39/1990حيث
جاء فيه «:إن قضاء هذه احملكمة قد استقر على أن مناط مسؤولية اإلدارة عن القرارات الصادرة منها هو وجود خطأ
من جانبها ،بأن يكون القرار اإلداري غري مشروع ويلحق صاحب الشأن ضررا وأن تقوم عالقة السببية بني اخلطأ
2
والضرر»
وقد جاءت أحكاما أخرى مشاهبة ملا جاء يف منطوق هذا احلكم واليت استخدمت فيها نفس العبارات تقريبا كالطعن
رقم 9401ص 99جلسة 03/11/1911وغريها.
وقد اعتربت األستاذة "سعاد الشرقاوي" على أساس ما سبق ذكره أن اخلطأ هو أساس املسؤولية اإلدارية
ولكن يف املرحلة الثانية أين يؤسس مبدأ الغرم بالغنم كأساس للمس ؤولية يف هذه املرحلة ولكن يف حالة ما إذا كانت
املسؤولية مسؤولية املوظف الشخص ية ،إذن اخلطأ هو األساس باختالف صور اخلطأ الشخصي أو اخلطأ التأدييب أو
اجلنائي.
أم ا األس تاذ عم ار عواب دي فريى بأن أس اس مس ؤولية الس لطة اإلداري ة العام ة عن أعم ال موظفيه ا ه و اخلط أ وق د
اعتربه خطأ من نوع خاص ،غري أنه مل يفصل يف هذا اخلطأ اخلاص وعليه وبالرغم من هذه االختالفات يف اآلراء
والنظري ات املتباين ة للخط أ وموقع ه يف املس ؤولية اإلداري ة يبقى القض اء اإلداري ينظ ر إلي ه من زاوي ة أن ه يش كل س ببا
كافيا لقيام مسؤولية اإلدارة أو املوظف بغض النظر على اعتباره أساسا هلا أو شرطا أو غ ري ذلك محاية للمضرور
وحتقيقا للعدالة وتاليف جمافاهتا ذلك أن اخلطأ طرف أساسي يف معادلة يصعب فيها تالفيه أو نفيه أو استبعاده هذه
3
املعادلة اليت يقوم عليها أساس التعويض.
المطلب الثالث محاوالتـ تحديد مفهوم الخطأين الشخصي والمرفقي بواسطة المعاييرـ الفقهية
والقضائيةـ
:
1حممود عاطف البنان :الوسيط يف القضاء اإلداري ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،مصر ،1993،ص.375
2جابر جاد نصار :املرجع السابق ،ص.101
3سليمان الطماوي :القضاء اإلداري ،الكتاب الثاين ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،مصر ،1992،ص.191
8
وه و أول معي ار قدم ه الفق ه وأسس ه الفريي ار " "La ferrièreعقب حادث ة ليمونيي ه ك اريول "
،"Lemonnierيق وم ه ذا املعي ار على أس اس ال نزوات الشخص ية للموظ ف املنس وب إلي ه اخلط أ ،فه و معي ار
شخص ي ،حيث ي رى أن اخلط أ يعت رب شخص يا إذا ك ان العم ل الض ار مطبوع ا بط ابع شخص ي ،يكش ف عن اإلنس ان
بضعفه وشهواته وعدم تبصره ويقوم على أساس القصد السيء لدى املوظف وهو يؤدي واجبات وظيفته ،فكلما قصد
النكاية أو األضرار أو فائدته الشخصية كان اخلطأ شخصيا يتحمل نتائجه ،أما إذا كان الفعل الضار الذي وقع من
املوظف غري مطبوع هبذا الطابع الشخصي مبعىن أال يكون مليوله الشخصية أي دخل فيه ،فإن ذلك ينب عن موظف
1
عرضة للخطأ و الصواب ،ولذا جيب البحث وراء هذه النية السيئة الشخصية .
يبقى هذا املعيار شخصي ليس من السهل تطبيقه بدقة ،كما أنه خيالف ما ذهب إليه جالس الدولة من إدخال
حالة اخلطأ اجلسيم يف إطار اخلطأ الشخصي.
ذلك إذا انكشفت شخصية املوظف يف أخطاء مادية أو اعتداء مادي أو غفلة فينسب اخلطأ ملوظف وليس للوظيفة "
2
وق د أوج ده الفقيه " هوريـو" ال ذي يعترب اخلطأ شخص يا إذا أمكن فصله عن الوظيف ة ،وإن اخلطأ الشخص ي
املنفصل عن الوظيفة هو اخلطأ الذي يرتكبه خارج نطاق الوظيفة وليس له عالقة بواجبات الوظيفة مطلقا ولذلك
يلتزم املوظف بالتعويض سواء أكان ذلك يف حياته اخلاصة أو أثناء قيامه بواجبات وظيفته 2وبسببها ،شرط أن يكون
الفعل الضار منبت الصلة بالعمل الوظيفي أو إذا كان فعله الضار مطبوعا بطابع شخصي يكشف عن االنسان بضعفه
وعواطفه وهتوره فقد حاول " هوريـو" أن يوضح معياره بالتفرقة بني حالتني :3
1حسن خليل :القضاء اإلداري ،تنظيم القضاء اإلداري يف لبنان،الدار اجلامعية،مصر.،دس ن ،ص901
2ماجد راغب احللو :القضاء اإلداري ،دار املطبوعات اجلامعية ،االسكندرية ،مصر ،1991،ص.421
9
-حالة الخطأ المنفصل انفصال معنويا عن واجبات الوظيفة
وهنا العمل اخلاط يندرج يف واجبات الوظيفة ماديا ،لكن ألغراض حمددة ،ومثال ذلك األمر الصادر من أحد العمد
بقرع األجراس احتفاال مبأمت مدين ال تقرع له األجراس.
فالعم ل اخلاط ين درج ضمن واجبات الوظيفة مادي ا ولكن غ ري تلك اليت استخدم لتحقيقها ويرى األس تاذ " ماجد
راغب احلل و" أن اخلط أ الشخص ي ه و ذل ك ال ذي يق ع منفص ال عن ممارس ة أعم ال الوظيف ة مادي ا او معنوي ا ،واخلط أ
املنفصل ماديا هو ذلك املرتكب خارج إطار الوظيفة ودون أي عالقة هبا كأن يصدم موظف عام أثناء نزهته بسيارته
اخلاصة أحد املارة فيصيبه بضرر ،أما اخلطأ املنفصل عن الوظيفة معنويا فهو الذي يتصل هبا ماديا أما لوقوعه أثناء
1
اخلدمة أو باستخدام أدوات العمل ولكنه مع ذلك ليس من األخطاء العادية اليت يتعرض هلا شاغل الوظيفة.
ه ذا املعي ار أيض ا منتق د ،فه و أوس ع من الالزم يف بعض األحي ان ،ألن ه جيع ل ك ل خط أ مهم ا ك ان تافه ا
شخص يا جملرد أن ه منفص ل عن واجب ات الوظيف ة ،كم ا أن ه من ناحي ة أخ رى ال يش مل األخط اء املتص لة بواجب ات
الوظيفة إذا ما كانت على درجة كبرية من اجلسامة.
كم ا يؤخ ذ علي ه أن ض يق من نط اق اخلط أ الشخص ي حيث خيرج من نط اق اخلط أ الشخص ي األخط اء
املتصلة بواجبات الوظيفة حىت ولو كانت أخطاء جسيمة.
وقد أتى به الفقيه " دجيـي" " " Duguitوأساس هذا املعيار هو الغاية اليت يهدف إليها املوظف من تصرفه
اخلاط ،فإذا كان املوظف قد قصد بعمله حتقيق أغراض الوظيفة فإن خطأه يعد خطأ مرفقيا ويعترب من األخطاء
املنسوبة إىل املرفق العام ،أما إذا كان الغرض حتقيق أغراض شخصية أي أغراض ال عالقة هلا بالوظيفة فإن اخلطأ
3
يعترب شخصيا.
ومعىن ذلك أن املوظف يسأل عندما يستفيد أو يستغل سلطات وظيفته ،وال يسأل حني يباشر سلطات
هذه الوظيفة،ومن األمثلة التطبيقية القضائية هلذا املعيار حكم أصدره جالس الدولة الفرنسي بتاريخ 91/39/193
0بعنوان" "Zimmermannوتتخلص وقائعه يف أن اثنني من موظفي مصلحة الطرق و الكبار ى عمدا إىل
اس تخراج الرم ال و األحج ار الالزم ة ألعم ال الص يانة من أرض خاص ة مملوك ة لعائل ة" "Zimmermannمث
أص در م دير املقاطع ة ق رارا بتحدي د أم وال الدول ة العام ة يف ه ذه املنطق ة م دخال ض من ه ذه احلدود العام ة األرض
س الفة ال ذكر وذل ك محاي ة هلؤالء املوظفني من وق وع أي ة مس ؤولية عليهم ،ذل ك أن ه م ىت اعت ربت ه ذه األرض من
األموال العامة فإن االستيالء على األحجار و الرمال هبا يعد فعال مشروعا كما أصدر أمرا ثانيا بإزالة األسوار اليت
مارسولون وآخرون :أحكام املبادئ يف القضاء اإلداري الفرنسي ،ترمجة أمحد يسري ،الطبعة العاشرة ، ،دار الفكر العريب ،مصر ،1991،ص ص،911 3
911
1رشيد خلويف :قانون املسؤولية اإلدارية ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1991،ص.13
10
أقامتها هذه العائلة حول أراضيهم خوفا من االعتداء عليها ولقد اعترب جالس الدولة الفرنسي عمل املدير هذا خطأ
مرفقيا ال شخصيا بالرغم من جسامة هذا اخلطأ على اعتبار أنه مل يعمل بقصد حتقيق غرض شخصي و إمنا كان
1
الغرض محاية موظفيه أي حتقيق أغراض هي أغراض الوظيفة العامة.
وبالرغم من وضوح وبساطة هذا املعيار ،فإنه ال يصور حقيقة الواقع وال يتفق دائما مع القضاء ألنه يؤدي
عمال إىل إعفاء املوظف من املسؤولية يف كل احلاالت اليت ال يكون خطؤه فيها مشوب بسوء النية.
كما يؤخذ عليه أن يضيق نطاق اخلطأ الشخصي على حاالت التصرف بسوء نية ،فغالبا هذا املعيار ال
يتف ق م ع أحك ام القض اء ،ألن ه جيع ل اخلط أ مرفقي ا يف غ الب األح وال ال يت ينتفي فيه ا س وء الني ة بغض النظ ر على
جسامة اخلطأ.
ومؤاده أن املوظف يعد مرتكبا خلطأ شخصي كلما كان اخلطأ جسيما ،حبيث يصل إىل درجة ارتكاب جرمية
تدخل حتت طائلة قانون العقوبات ،أو كان اخلطأ ال ميكن اعتباره من املخاطر العادية اليت يتعرض هلا املوظف يف
1
أداء عمله اليومي.
أو كان اخلطأ من اجلسامة حبيث ال ميكن اعتباره من املخاطر العادية اليت يتعرض هلا املوظف يف أداء عمله اليومي .
2
وعليه فإنه يتضح أن اخلطأ اجلسيم ميكن حصره يف حالتني وهي:
األولى :إذا تصرف املوظف بسوء نية.
الثانية :إذا كان اخلطأ جسيما وال ميكن عده من األخطاء العادية للوظيفة
وقد قال هبذا املعيار للتمييز بني اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي الفقيه" "DOUC.RASYوهو يفرتض
بداءة أن وجود خطأ يرتبط حتما وبالضرورة مع وجود التزام أخل به الشخص الذي ارتكب اخلطأ.
1حممد أنور محادة :املسؤولية اإلدارية والقضاء الكامل ،دار الفكر اجلامعي ،اإلسكندرية ،مصر9332،ص.41
2ماجد راغب احللو :املرجع السابق ،ص ص.421 ،421
11
ويفرق " "RASYبني نوعني من االلتزامات ترتب أخطاء خمتلفة من حيث طبيعتها:1
فهن اك من ناحي ة أوىل التزام ات عام ة يق ع عبء احرتامه ا على اجلمي ع ،ومن مث إذا خالفه ا املوظ ف فإن ه يع د
مرتكبا خلطأ شخصي ،يسأل عنه بصفة شخصية يف ماله اخلاص.
وهناك من ناحية أخرى التزامات ترتبط بالعمل الوظيفي ،ومن مث فإن اإلخالل هبا يعد خطأ مرفقيا يسأل
1
عنه املرفق وال يسأل عنه املوظف.
وذهب أنص ار ه ذا املعي ار إىل الق ول ب أن القض اء ق د أخ ذ ب ه مس تندين يف ذل ك إىل احلكم الص ادر ع ام 1941
والذي قضى مبسؤولية اإلدارة عند االعتداء الذي قام به بعض اجلنود دون أن مينعهم قائدهم من ذلك ،حيث اعترب
2
اخلطأ املنسوب إىل القائد و املتمثل يف عدم قيامه مبنع جنوده من االعتداء الذي قاموا به خطأ مرفقيا.
تع رض ه ذا املعي ار كس ابقيه للنق د حيث أخ ذ علي ه أن القض اء الفرنس ي مل يتبن اه بص فة دائم ة ،فأحك ام
ج الس الدول ة ال يت طبقت ه قليل ة ،إض افة إىل ص دور العدي د من األحك ام القض ائية خالف ا هلذا املعي ار حيث قض ت
باعتبار اخلطأ شخصيا رغم أن االلتزام الذي أخل به التزام خاص مرتبط بالعمل الوظيفي إضافة إىل أن هذا املعيار
ي ؤدي إىل اعتب ار األخط اء اجلس يمة أي ا ك انت درج ة جس امتها أخط اء مرفقي ة م ىت ص درت نتيج ة إلخالل ب التزام
وظيفي.
1عبد الغين بسيوين عبد اهلل :القضاء اإلداري ،الدار اجلامعية ،مصر ،1999،ص.213
12
المبحث الثاني:
اخلطأ املرفقي هو النظام العادي للمسؤولية اإلدارية ،فت رتتب املسؤولية اإلدارة مىت وجد خطأ مرفقي ،إال أنه اتضح أن
اإلدارة العمومية قد تلحق أض رارا بالغري أثناء القيام بنشاطاهتا املختلفة دون إمكان إثبات ارتكاب خطأ من جانبها ،مما
أدى مبجلس الدولة الفرنسي إىل سد الفجوة بتصوره لنوع جديد من املسؤولية اليت تقوم دون ال زام املتضرر بإثبات وجود
خطأ مرفقي .فإذا كانت املسؤولية اإلدارية على أساس اخلطأ تقوم على ركن اخلطأ وركن الضرر والعالقة السببية بني اخلطأ
والض رر ،ف إن مس ؤولية اإلدارة دون خط أ هي تل ك املس ؤولية ال يت تق وم على رك نني فق ط مها الض رر والعالق ة الس ببية بني
الضرر ونشاط اإلدارة املشروع ،دون اشرتاط اخلطأ فيها.
تق ررت نظري ة املس ؤولية اإلداري ة دون خط أ يف األص ل حلماي ة مص لحة املتض رر من نش اط اإلدارة ،وض مان حق ه يف
التعويض بأيسر الطرق ،والذي ال ميكن أن يتحقق له استنادا لنظرية املسؤولية اإلدارية التقليدية(على أساس اخلطأ) ،اليت
يستلزم لتطبيقها إثبات توفر ركن اخلطأ إىل جانب الضرر ،واملسؤولية اإلدارية دون خطأ هي املسؤولية اليت ال تقوم على
أساس خطأ ارتكبته اإلدارة وإمنا تقوم على أساس ضرر أحلقته بأحد األشخاص مبناسبة قيامها بأنشطتها ،حبيث يتجاوز
هذا الضرر يف خطورته وخصوصيته األضرار العادية اليت يتحملها األفراد يف اجملتمع.
أسس املسؤولية اإلدارية دون خطأ هي العوامل اليت تؤدي إىل تقرير مسؤولية اإلدارة العمومية وإلزامها بتعويض املتضرر،
وإص الح الض رر اخلاص واجلس يم ال ذي أص ابه بس بب أنش طتها ،ومن ه ذه أس س مب دأ الغنم ب الغرم ،مب دأ التض امن
االجتماعي ،مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة ومبدأ العدالة اجملردة.
13
إن أس اس املس ؤولية وفق ا هلذا املب دأ ليس اخلط أ املف رتض ،وإمنا ه و مب دأ االرتب اط بني املن افع واملغ ارم وه و األس اس
الوحيد للمسؤولية اإلدارية ،ويعترب مبدأ الغنم بالغرم أو االرتباط بني املنافع واألعباء أساسا قانونيا لنظرية املخاطر ،ويقصد
به أن من أنشأ خماطر ينتفع هبا أو منها ،يلتزم بتحمل تبعة األضرار النامجة عنها ،فإن الشخص املسؤول وفقا هلذه النظرية
هو الشخص الذي ينتفع من استعمال الشيء ،وبتطبيق ذلك على نشاط اإلدارة العمومية ،فإن اجلماعة اليت تعود عليها
املنافع والفوائد من األنشطة اليت تقوم هبا السلطات اإلدارية لتحقيق املصلحة العامة تتحمل مقابل هذه املنافع عبء دفع
التع ويض للشخص ال ذي تض رر بسبب تلك األعم ال اإلدارية ،عن طريق التع ويض الذي تدفعه الدولة باس م اجلماعة
العامة من اخلزينة العامة اليت تتكون من جمموع الرسوم والضرائب اليت يدفعها أفراد هذه اجلماعة.
إن التض امن االجتم اعي يف اجملتم ع ،وال ذي يق وده وحيرك ه ويوجه ه الض مري اجلم اعي للجماع ة ،يس توجب وحيتم على
ه ذه اجلماع ة أن ترف ع وت دفع الض رر اخلاص واالس تثنائي ال ذي أص اب أح د األش خاص بفع ل نش اط اإلدارة وأن جترب
وتصلح هذا الضرر عن طريق التعويض الذي تدفعه الدولة للمضرور باسم اجلماعة من اخلزينة العامة حتقيقا للعدالة.
14
الثالث مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة
إن املبدأ املساواة القانونية يعين املساواة بني اجلميع يف احلقوق واملنافع (أي املساواة أمام القانون وأمام الوظائف
العمومي ة وأم ام خدمات املراف ق العمومي ة) واملس اواة يف التك اليف والواجب ات العام ة ( أي املس اواة أم ام الض رائب
واملساواة يف أداء اخلدمة العمومية) ،ومبدأ املساواة يف حتمل األعباء العامة يعد من املبادئ الدستورية ،يلتزم كل
من املشرع واإلدارة العمومية باحت ارمه ،وهو ضمانة أساسية من ضمانات حقوق األفراد وحرياهتم.
يعت رب مب دأ مس اواة يف حتم ل األعب اء أساس ا للمس ؤولية دون خط أ ،فال يتحم ل الف رد أو بعض أف راد اجلماع ة
وح دهم األض رار الناجتة عن نش اط اإلدارة ح يت وان ك ان ه ذا النش اط مش روعا ،واال اعت رب ذل ك خرق ا للمب دأ،
لذلك جيب على اإلدارة العمومية يف مثل هذه احلالة دفع التعويض بتوزيع هذه األعباء على اف راد اجلماعة حتقيقا
ملبدأ املساواة يف حتمل األعباء العامة.
مبدأ العدالة اجملردة يقضي وحيتم رفع الضرر عن صاحبه مهما كان مصدره مشروعا أو غري مشروع حيت يتمكن
املتضرر من نشاط اإلدارة العمومية أن يستأنف حياته الطبيعية ،فمبدأ العدالة اجملردة هو الغاية اجملسدة يف فكرة
الصاحل العام املشرتك الذي يربر وجود السلطة العامة وحيرك أعماهلا اليت قد تكون مصدر أض رار وأخطار خاصة
واستثنائية لبعض األفراد يف اجملتمع ،األمر الذي حيتم على الدولة حتقيقا ملبدأ العدالة أن تتحمل املسؤولية عن نتائج
أعماهلا الضارة.
تتميز نظرية املسؤولية اإلدارية دون خطأ مبجموعة من اخلصائص متيزها عن نظرية املسؤولية اإلدارية على أساس
اخلطأ:
يرج ع الفض ل يف إرس اء قواع د وأحك ام ومب ادئ املس ؤولية اإلداري ة دون خط أ كأس اس تكميلي جبانب اخلط أ
كأساس عام للمسؤولية اإلدارية إىل جملس الدولة الفرنسي ،الذي اعتمدها يف بعض احلاالت االستثنائية كوسيلة
مكملة للمسؤولية القائمة على اخلطأ وحدد شروطها وجماالت تطبيقها.
15
اعترب القضاء اإلداري املسؤولية على أساس اخلطأ هي األصل يف التطبيق ،فال يلجأ إىل املسؤولية القائمة دون
خطأ إال إذا ثبت له عدم كفاية املسؤولية األصلية (على أساس اخلطأ) يف توفري حل عادل للحالة املعروضة عليه.
فمىت انعدم اخلطأ املرفقي أو صعب إثباته يلجأ القضاء إىل تقرير مسؤولية اإلدارة دون خطأ ،وعليه فإن املسؤولية
دون خطأ هي مسؤولية فرعية استثنائية ،تبقى تطبيقاهتا استثنائية باملقارنة مع األصل العام للمسؤولية اإلدارية اليت
تقوم بالدرجة األوىل على أساس اخلطأ.
الفرع الثالث :المسؤولية اإلدارية دون خطأ نظرية ذات طابع موضوعي
يتض ح الط ابع املوض وعي للمس ؤولية اإلداري ة دون خط أ من خالل املقارن ة بينه ا وبني املس ؤولية اإلداري ة على
أس اس اخلط أ ،فه ذه األخ رية يغلب عليه ا الط ابع الشخص ي فيك ون البحث لتقري ر املس ؤولية يف س لوك املوظ ف
املنح رف وغ ري املألوف ،فاملس ؤولية يف ه ذه احلال ة ت ؤدي وظيف ة اجلزاء عن الس لوك املنح رف ،أم ا يف املس ؤولية
اإلدارية دون خطأ أو على أساس املخاطر فاهلدف منها هو التعويض عن الضرر ألسباب موضوعية.
الضرر الذي تقوم عليه املسؤولية اإلدارية دون خطأ جيب أن يكون خاصا واستثنائيا وعلى درجة من اجلسامة.
املسؤولية اإلدارية دون خطأ ليست مطلقة يف مداها وهذا انسجاما مع خصائص املسؤولية اإلدارية اليت بينها
حكم بالنك و ،فالقض اء اإلداري ي ارعي دائم ا مقتض يات حتقي ق املص لحة العام ة والتوفي ق واملوازن ة بني ه ذه
املقتضيات ومحاية حقوق األفراد.
اجل ازء على أساس مس ؤولية اإلدارة دون خطأ يكون دائما التعويض عن الضرر غري العادي واالستثنائي الذي
وصل إىل درجة معينة من اجلسامة.
قضى جملس الدولة الفرنسي مبسؤولية اإلدارة العامة بال خطأ يف حاالت برزت فيها فكرة اخلطر بصورة واضحة
يف عمل اإلدارة ،مما محل بعض الفقه على االعتقاد بأن هذه املسؤولية تقوم على أساس املخاطر ،بينما وجدت
16
هن اك ح االت أخ رى غ ابت فيه ا فك رة املخ اطر عن عم ل اإلدارة ،واعت رب جملس الدول ة أن األس اس الق انوين
للمسؤولية اإلدارية دون خطأ يتمثل يف مبدأ املساواة أمام األعباء العامة .
بالنظر إىل اجتهاد القضاء اإلداري يف جمال املسؤولية اإلدارية دون خطأ ،فإن هناك نوعني من التطبيقات ،بغض
النظ ر عن األس اس الق انوين ،هلا يتمث ل الن وع األول يف املس ؤولية اإلدارية ب دون خط أ على أس اس املخ اطر) الفرع
األول( ،ويتمثل الثاين يف املسؤولية اإلدارية دون خطأ غلى أساس املساواة أمام األعباء العامة) الفرع الثاين(.
17
األول :تطبيقات المسؤولية اإلدارية دون خطأ على أساس المخاطر
طبق جملس الدولة الفرنسي نظرية املخاطر يف عدة حاالت كانت فكرة اخلطر هي املسيطرة يف نشاط
اإلدارة ،مما مسح له باحلكم بالتعويض لت وافر الضرر الناجم عن النشاط اخلطر يف تلك احلاالت ،أي مىت
كان الضرر نتيجة وقوع أو حدوث خطر خاص ،وهذا ما يتضح من خالل املصطلحات اليت يستعملها
القاض ي اإلداري ومنه ا مثال ض رر اس تثنائي préjudice exceptionnelأو خط ر اس تثنائي
exceptionnel risqueأو خطر خاص .risque spécial
ومن أهم صور وحاالت املسؤولية بال خطأ القائمة على أساس املخاطر :املسؤولية بفعل خطر خاص أو
اس تثنائي ،املس ؤولية عن األض رار اليت تصيب مس تخدمي املرافق العمومية واملسؤولية النامجة عن م ارفق
األشغال العمومية:
طبقا الجتهاد القضاء اإلداري ،فإن جمرد حتقق خطر خاص أو استثنائي من شأنه أن يربر املسؤولية
اإلداري ة بال خط أ ،وإن احلل ول القض ائية هلذا الن وع من املس ؤولية تتعل ق باألض رار ال يت جتد مص درها يف
املواد واألشياء اخلطرة ،والوسائل اخلطرة واحلاالت اخلطرة واليت سيتم التعرض هلا فيما يلي:
أن املواد واألشياء خطرة قد حتدث أضرارا ،وللقاضي اإلداري سلطة تقديرية يف حتديد هذه األشياء
خطرة واحلكم بالتعويض عن األضرار اليت قد ترتبها ،والقائمة القضائية اليت وضعها االجتهاد اإلداري يف
موض وع املس ؤولية بال خط أ على أس اس املخ اطر اخلاص ة تش تمل األش ياء املنقول ة واملنش آت العمومي ة
وتتمثل أساسا يف املتفجرات واألسلحة واآلالت اخلطرة:
-1المتفجرات:
لقد مسحت املتفج رات جمللس الدولة الفرنسي بوضع أول ق رار له وبصفة صرحية عن املسؤولية بال
خط أ ال يت تس ببها ه ذه املواد وذل ك يف قض ية Regnault- Desroziersس نة 1919وتتلخص
وق ائع ه ذه القض ية يف انفج ار خمزون لل ذخرية احلي ة يف 4م ارس 1916يف قلعةLa Double
Couronneيف مشال Saint Denisأدى هذا االنفجار إىل وقوع عش ارت القتلى واجلرحى
من العسكريني واملدنيني يف حميط القلعة ،واىل إحداث أض رار مادية بالغة اخلطورة .ويف هذه القضية،
اعت رب جملس الدول ة الفرنس ي " :أن اإلدارة مل ت رتكب أي خط أ ،ألهنا اختذت فعال االحتياط ات الالزم ة
وألن جتميعها هلذا العدد اهلائل من املتفجرات الذي ميكن اعتباره مبالغا فيه يف زمن السلم ،له ما يربره يف
زمن احلرب" ،وق رر جملس الدول ة وألول م رة احلكم ب التعويض اس تنادا لنظري ة املخ اطر .وق د تب ىن املش رع
الفرنسي اجتهاد جملس الدولة يف هذه املسألة.1
طبق القضاء اإلداري اجلزائري نظرية املسؤولية عن فعل األشياء اخلطرة ،يف قضية حسان أمحد ضد
وزير الداخلية ،يف قرار اجمللس األعلى بتاريخ 9يوليو ،1977وتتمثل وقائع القضية يف نشوب حريق يف
مس تودع ت ابع حملافظ ة الش رطة املركزي ة ب اجلزائر العاص مة ،بس بب انفج ار ص هريج للب نزين ،واعت رب قض اء
الغرفة اإلدارية باجمللس األعلى بأن وجود ذلك الصهريج شكل خطرا استثنائيا على األشخاص واألمالك،
وأن األضرار نظرا خلطورهتا ،تتجاوز األعباء اليت جيب أن يتحملها األفراد وجاء تسبيب القرار كما يلي:
" حيث أن وفاة السيدة بن حسان وطفليها ،كان نتيجة عن احلريق الذي نشب يف مستودع تابع حملافظة
الشرطة املركزية للجزائر ...تبعا النفجار صهريج للبنزين ،حيث أن ذلك الصهريج أقامته شركة سوناطراك
وش ركة كالت ام ،وال ميكن ب الرغم من ذل ك إعف اء الس لطة العام ة من مس ؤوليتها ،وأن وج ود مث ل ذل ك
الص هريج يش كل خماطر اس تثنائية على األش خاص واألمالك ،وأن األض رار احلاص لة تبع ا هلذه الظ روف
تتجاوز نظرا خلطورهتا األعباء اليت جيب أن يتحملها اخلواص عادة...".
كما أن املشرع اجلزائري كان قد أصدر قانونا يف هذا الشأن بعد حادثة السفينة جنمة اإلسكندرية سنة
،1964ال يت ك انت راس ية مبين اء عناب ة وعلى متنه ا محول ة من ال ذخرية احلربي ة اخلاص ة جبيش التحري ر
الوط ين ،فوق ع انفج ار هبا خل ف أض رارا مادي ة وبش رية فت دخل املش رع مبوجب أم ر م ؤرخ يف 28م ايو
1968يقضي بتعويض الضحايا .
تتلخص وقائع القضية األوىل أنه حصل شجار يف أحد شوارع مدينة بوردو بني ثالثة أشخاص وسائق
تاكسي ،فجرح هذا األخري بطعنة سكني ،فتوىل أحد رجال الشرطة مطاردة أحد اجلناة الفارين وأمره
ب التوقف فلم ميتثل ،فأطلق عليه عدة رصاص ات ،أص ابت إح داها وبطريق اخلط أ السيدة Daramy
إصابة قاتلة بينما كانت متشي يف الشارع املتقاطع مع الشارع الذي جرت فيه املطاردة.1
أما القضية الثانية فتتلخص وقائعها يف أن كان رجال الشرطة يف باريس يالحقون سيارة مشبوهة فأمروها
بالتوقف فلم تفعل وتابعت سريها خمرتقة احلاجز األمين ،فأطلق أحد رجال الشرطة بضع رصاصات من
رشاشه حنو هيكل السيارة السفلي ،فارتدت إحدى الرصاصات ،بعد أن ارتطمت باألرض ،وأصابت
السيد Lecomteالذي كان جالسا على حافة باب بيته فقتل.2
مبوجب هذين القرارين كرس القضاء اإلداري اجتهادا جديدا ،مفاده أنه إذا ت رتب عن استعمال األسلحة
اخلطرة من قبل رجال الشرطة إصابة شخص ما جبروح أو وفاة ،تكون الدولة مسؤولة مسؤولية إدارية على
أساس املخاطر وتلتزم بالتعويض .وقد عمد جملس الدولة الفرنسي من خالل هذا االجتهاد ،إىل تأمني
مصلحة املتضررين من نشاط اإلدارة اخلطر وحتقيق العدل واإلنصاف.
وابتداء من عام ،1951وضع جملس الدولة الفرنسي األسس والشروط اليت البد من توافرها يف املتضرر
لتطبيق نظام املسؤولية بال خطأ حبسب الوضع الذي يكون فيه هذا األخري وعالقته بنشاط مرفق الشرطة
Si, en principe, le service de la police ne peut être tenu pour responsable que des « 2
dommages imputables à une faute lourde commise par ses agents dans l’exercice de leurs
fonctions, la responsabilité de la puissance publique se trouve engagée, même en l’absence
d’une telle faute, dans le cas où le personnel de la police fait usage d’armes ou d’engins
comportant des risques exceptionnels pour les personnes et les biens, et où les dommages
subis dans de telles circonstances excèdent, par leur gravité, les charges qui doivent être
normalement supportées par les particuliers en contrepartie des avantages résultant de
l’existence de ce service public, Arrêt Consorts Lecomte, Conseil d'Etat, Assemblée, du 24
.juin 1949, 87335, publié au recueil Lebon
ووض ع ح دودا وض وابطا للتمي يز بني م ا ي دخل ض من املس ؤولية على أس اس اخلط أ ،وم ا ي دخل ض من
املسؤولية بال خطأ ،فقرر ما يلي:
إذا كان املتضرر من األشخاص الذين تستهدفهم عمليات الشرطة ،مثل املشرتك يف التظاهرة، -
أو املطلوب منه التوقف على حاجز أمين ،أو اجملرم املطارد من قبل الشرطة يف الشارع ،فإن املسؤولية
تب ىن بالنس بة إلي ه ،على أس اس إثب ات اخلط أ ،وليس ض روريا أن يك ون جس يما ،ب ل ق د يك ون بس يطا
وكافيا النعقاد املسؤولية ،نظرا للمخاطر الكامنة يف استعمال األسلحة.
إذا كان املتضرر من األشخاص اآلخ رين اللذين ال تستهدفهم عمليات الشرطة ،مثل املار على -
الطريق صدفة ،أو الواقف على الشرفة ،عندما يصاب بطلقة نارية طائشة بفعل اشتباك رجال األمن مع
متظاهرين أو أثناء مطاردة أحد املطلوبني للعدالة أو جمرم.....اخل فتطبق عندئذ املسؤولية بال خطأ.
ومن تطبيقات القضاء اإلداري اجلزائري للمسؤولية على أساس األسلحة واآلالت اخلطرة:
قض ية أرملة (م) ض د وايل والي ة جيج ل بت اريخ ،24/04/2000حيث حكم جملس الدول ة -
على الوالية بالتعويض لصاحل الضحية ،لكن دون حتديد األساس هذه املسؤولية ،ودون بيان نوع هذه
املسؤولية ،وتتعلق القضية :برجلني من رجال احلرس البلدي ،وأثناء قيامهما بتنظيف وصيانة سالحهما،
ونظرا لعدم احتياطهما وعدم حتكمهما يف السالح ،خرجت طلقة نارية من أحد السالحني ،أصابت
زميلهم ا أردت ه ق تيال ،ولق د س بب جملس الدول ة ق راره كم ا يلي،..." :حيث يتض ح ب أن س لك احلرس
البل دي ت ابع من الناحي ة التنظيمي ة والقانوني ة إىل الس يد ال وايل ،...،حيث أن مس ؤولية الوالي ة ثابت ة
وكاملة ،وعليه يتع ين إل ازمها بدفع مبلغ التعويض...".
-كما أخذ جملس الدولة اجلزائري بنظرية املخاطر عند استعمال األسلحة يف قضية (وازرة الدفاع الوطين
ضد ورثة ب-ل) بتاريخ ،08/03/1999ولقد أسس جملس الدولة ق راره على أساس خماطر السالح
الذي يستعمله رجال الدرك الوطين وجاء تسبيب القرار كما يلي:
"حيث من الثابت يف قضية احلال بأن رجال الدرك الوطين كانوا مسلحني بأسلحة خطرية وثقيلة تشكل
خطرا بالنسبة للغري ،حيث أنه بغض النظر عن اخلطأ املرتكب من طرف أع وان الدولة يف أداء مهامهم
يف دعوى احلال ،والذين مل يقوموا بالتحذيرات الواجبة ،فإنه من الثابت قضائيا بأن نظرية اخلطر بالنسبة
ألع وان الدولة عند استعماهلم لألسلحة النارية ،قد حتمل الدولة املسؤولية يف حالة إحلاق ضرر للغري،
وعليه ف إن دف ع املس تأنف بإعفائه من املس ؤولية بس بب خط أ الض حية دفع غ ري مؤسس يتعني رفض ه،
والقول بأن قضاة الدرجة األوىل أصابوا ،وينبغي تأييد القرار".
اهتم جملس الدولة الفرنسي باملخاطر اليت تنجم عن بعض املنشآت العامة ابتداء من سنة ،1930
وطبق عليها نظرية املسؤولية بدون خطأ يف حال حصول أي ضرر ناتج عنها ،وقد طبق هذه النظرية
بالنسبة للمستفدين أو مستعملي هذه املنشآت les usagersوبالنسبة للغري les tiersفحسب،
دون املسامهني كالعمال الذين يشرفون على تنظيمها وصيانتها ،وتتمثل هذه املباين يف أشغال نقل وتوزيع
الكهرباء والغاز واملياه ،وبعض الطرقات العامة خلطورهتا.
وق د اعت رب جملس الدول ة الفرنس ي أن طريق ا حملي ة يف مقاطع ة La Réunionواقع ة على ط ول
سلس لة ص خرية عالي ة وغ ري ثابت ة ومعرض ة يف أي وقت الهني ارات مفاجئ ة تش كل خط را ذو ط ابع
استثنائي ، 1ويكون أيضا ذو طابع استثنائي وخطري العمود الكبري الذي حيمل خطوط التوتر العايل والذي
يتسلقه األطفال فيصعقهم التيار الكهربائي.2
اع رتف االجته اد القض ائي اإلداري ب أن املنتوج ات الدموي ة تك ون مص درا للمس ؤولية اإلداري ة دون
خطأ ،3بسبب خطر العدوى (خبصوص فريوس مرض السيدا) الذي قد يتعرض هلا األشخاص احملقونني،
ففي هذه احلالة وتكون مراكز نقل الدم مسؤولة على أساس نظرية املخاطر.
إن الطابع اخلطري لبعض الوسائل املستعملة من طرف اإلدارة العمومية أدى مبجلس الدولة الفرنسي
ابتداء من 1956إىل تقرير مسؤولية اإلدارة دون ارتكاب خطأ من جانبها ،ومن أمثلة هذه الوسائل ما
يلي:
les centres de transfusion sanguine ont le monopole des opérations de contrôle médical « 3
des prélèvements sanguins, du traitement, du conditionnement et de la fourniture aux
utilisateurs des produits sanguins, qu’ainsi le préjudice résultant pour un malade de sa
contamination par des produits sanguins transfusés est imputable à la personne morale
-األس اليب احلرة يف إع ادة الرتبي ة للطفول ة املنحرف ة وال يت تس مح هبروب املنح رفني بس هولة من املراك ز
والقي ام ببعض األعم ال املض رة ب الغري كالس رقة ،واعت داءات ،وك ان أول تط بيق لتقري ر املس ؤولية اإلداري ة
بدون خطأ بسبب الطابع اخلطري لبعض الوسائل ،مبناسبة ق رار Thouzellierسنة ،11956الذي
قضى مبوجبه جملس الدولة الفرنسي مبسؤولية اإلدارة دون خطأ وحكم عليها بدفع تعويض للمتضرر.
ومت تطبيق هذا االجتهاد على حاالت مشاهبة تعتمد أساليب حتررية وتشكل أخطارا استثنائية وخاصة
وتسبب أضرارا للغري ،ومن أمثلتها:
-معاجلة املصابني باألمراض العقلية يف مستشفيات األم راض العقلية ،ومن بني هذه العالجات إخ راج
املرضى للتجربة والتأكد من قدرهتم على االندماج يف احلياة االجتماعية،
-ك ذلك احلال بالنس بة للمس اجني ومنحهم رخص خ روج وذل ك إلبق اء الرواب ط العائلي ة وحتض ري
إدماجهم يف احلياة االجتماعية.
رغم اعتماد املشرع اجلزائري لنظام املناهج احلرة بالنسبة للمحبوسني كنظام الورشات اخلارجية ،1أو نظام
احلري ة النص فية يف الوس ط املفت وح ،2أو نظ ام مؤسس ات البيئ ة املفتوحة ،3فال يوج د أي تط بيق لنظري ة
املسؤولية املرتتبة عن استخدام األساليب واملناهج اخلطرية يف القضاء اإلداري اجلزائري.
يس تفيد من املس ؤولية دون خط أ األش خاص ال ذين يض طرون حبكم م واقعهم ومه امهم الرمسية ،أن
يكون وا يف أوضاع ومواقف خطرية ال جمال هلم للتملص منها ،ألن طبيعة نشاط املرفق العمومي تتطلب
إلزاميا ذلك ،وعلى سبيل املثال:
-1أثناء احلرب الكورية وبينما كانت مدينة Seoulحمتلة من طرف ق وات كوريا اجلنوبية ،أمرت
احلكومة الفرنسية قنصلها بالبقاء يف منصبه ،فنهبت أمالكه ،رغم أن احلكومة مل ت رتكب خطأ إال
أن القاضي اإلداري أقر أن للقنصل احلق يف التعويض ألنه وضع من طرف احلكومة يف حالة خطرة
وتعرض ملخاطر استثنائية سواء بالنسبة إىل شخصه أم بالنسبة إىل أمواله.
-2ك انت إح دى املدرس ات ح امال وتت ابع الت دريس ألهنا مل تكن بلغت بع د الف رتة ال يت ختوهلا
االستفادة من عطلة األمومة ،وكان وباء احلصبة األملانية la rubéoleمنتش را بشكل واسع يف
املدرسة اليت تعمل هبا ،فأصيبت هي واجلنني هبذا املرض نتيجة التزامها بأداء واجباهتا
املهنية ،وبفعل هذا الضرر اخلطري واالستثنائي ،اعترب القضاء اإلداري أن هلا احلق يف التعويض على أساس
املسؤولية دون خطأ.
-3كم ا يطب ق نظ ام املس ؤولية ب دون خط أ يف حال ة اخلض وع إىل التطعيم أو التلقيح اإلجب اري
وت رتب عليه اإلصابة بضرر خطري ،أما إذا كان التلقيح غري إجباري وحصل الضرر ،فإن املسؤولية
تبىن عندئذ على أساس اخلطأ.
ثانيا :المسؤولية بدون خطأ عن األضرار التي تصيب أعوان المرافق العمومية
1الم6ادة 100من ق6انون رقم 04-05م6ؤرخ في 6فب اري6ر ،2005يتض6من ق6انون تنظيم الس6جون واع6ادة
االدماج االجتماعي للمحبوسين ،الجريدة الرسمية للجمهورية الج ازئرية عدد 12بتاريخ 12فب ارير .2005
2المادة 104من قانون تنظيم السجون واعادة االدماج االجتماعي للمحبوسين.
3المادة 109من قانون تنظيم السجون واعادة االدماج االجتماعي للمحبوسين.
تطبق مسؤولية الدولة عن األضرار اليت تصيب املوظفني أو العاملني يف املرافق العمومية نتيجة األضرار
النامجة عن املخ اطر املهني ة واص ابات العم ل ،وهي من أب رز ح االت املس ؤولية اإلداري ة دون خط أ ال يت
تظه ر فيه ا فك رة اخلط ر يف النش اط اإلداري بش كل واض ح ،ومييز القض اء اإلداري بني املس تخدمني
الدائمني وبني املستخدمني بصفة عارضة.
أول تط بيق ملب دأ التع ويض عن األض رار ال يت تص يب الع املني واملوظفني يف املراف ق العمومي ة بس بب
تعرض هم إىل ح وادث أو أخط ار أثن اء أو مبناس بة مباش رة مه امهم ك ان يف ق رار جملس الدول ة الفرنس ي
بتاريخ 8/7/1892يف قضية كام ،Camesوتتلخص وقائع القضية بأن" أصيب السيد ،Cames
العام ل مبخ زن الس الح جبروح يف ي ده اليس رى بواس طة ش ظية من احلدي د تط ايرت على إث ر ض ربة
مطرق ة ،مما أدى إىل ش لل ي ده املص ابة ،فرف ع دع وى قض ائية ،وحكم ل ه جملس الدول ة ب التعويض واق ر
مسؤولية اإلدارة على أساس املخاطر املهنية" ،وقد أسس جملس الدولة التعويض استنادا العتبارات العدالة
ال يت تقض ي مبس ؤولية اإلدارة اجتاه العام ل املص اب وتعويض ه عن األض رار ال يت حلقت ه نتيج ة مش اركته يف
تسيري املرفق العمومي.
إن جمال تط بيق ه ذا االجته اد القض ائي أص بح ض يقا ،ألن الع املني واملوظفني يف املراف ق العمومي ة
والذين يتعرضون ألضرار بسبب املخاطر املهنية ،غالبا ما يستفيدون من التعويض من خالل نظام التأمني
ال ذي جيد مص دره يف التش ريعات احلديث ة كتش ريعات الوظيف ة العمومي ة ،وتش ريع ح وادث العم ل،
والتأمينات االجتماعية...،إخل ،األمر الذي تنتفي معه احلاجة إىل اللجوء إىل اجتهاد القضاء اإلداري.
وقد أقر املشرع اجلزائري مسؤولية الدولة عن املخاطر املهنية اليت يتعرض هلا األعوان
ال دائمون يف نص وص تش ريعية متفرق ة أمهه ا ق انون البلدية ،1وق انون الوالية ،2ق انون الوظيف ة العمومي ة،
قانون التأمينات االجتماعية...،3وغريها.
باإلضافة إىل تقرير التعويض عن األض رار املرتتبة عن اصابات العمل واملخاطر املهنية لفائدة األع وان
ال دائمني ل دى املرافق العمومية ،فإن جملس الدول ة الفرنسي اعتمد نفس املب دأ بالنسبة لألف راد العاديني
ال ذين ال ت ربطهم ب اإلدارة العمومي ة عالق ة قانوني ة تنظيمي ة أو عقدية4وال ذين يس اعدون اإلدارة بص فة
عارضة تطوعا أو بناء على تسخرية.5
فقد تكون هناك ظروف وحاالت تقتضي استعانة املرافق العمومية ببعض األشخاص ملساعدهتا بصفة
عرضية وجمانية ،كما هو احلال بالنسبة ملكافحة احلرائق ملساعدة رجال االطفاء ،أو عند مساعدة البلدية
يف مطاردة واصطياد احليوانات الضالة ،أو عندما يقوم شخص بطريقة عفوية مبطاردة شخص مطلوب
من العدالة تالحقه الشرطة ويساعد على توقيفه فيصاب بأض رار ،كما ينتمي إىل هذه الفئة كمساعدين
بص فة عرض ية األش خاص ال ذين يتطوع ون تلقائي ا وعفوي ا إلنق اذ أش خاص يف حال ة خط ر ،كمس اعدة
1تنص المادة 148من قانون البلدية ":تغطي البلدية مبالغ التعويضات الناجمة عن الحوادث الضارة التي تط
أر لرئيس المجلس الشعبي البلدي ونواب الرئيس والمندوبين البلديين والمنتخ66بين والمس66تخدمين البل66ديين أثن66اء
ممارسة مهاهم أو بمناسبتها.
عندما يتعرض منتخب أو عون بلدي إلى ضرر ناجم بصفة مباشرة عن ممارسة وظيفت66ه أو بمناس66بتها ،تك66ون
البلدية ملزمة بموجب مداولة المجلس الشعبي مصادق عليها طبق66ا ألحك66ام ه66ذا الق66انون ب66التعويض المس66تحق
على أساس تقييم عادل ومنصف "،...
2تنص المادة 138من قانون الوالية ":تتحمل الوالية مبالغ التعويضات الناجمة عن األض ارر ال6تي ت6ط أر
لرئيس المجلس الشعبي الوالئي ونواب الرئيس ورؤساء اللجان والمنتخبين ونواب المندوبيات الوالئية الناجم66ة
مباشرة عن ممارسة عهدتهم أو بمناسبة م ازولة مهامهم".
3أنظر قانون رقم 11-83مؤرخ في 2يولي6و ،1983يتعل6ق بالتأمين6ات االجتماعي6ة ،المع6دل والمتمم بق6انون
رقم 08-11مؤرخ في 5يونيو ).2011ج ر عدد 28سنة ،1983عدد 32سنة .(2011
les sieurs A... et Z..., qui avaient accepté bénévolement, à la demande du maire de … « 4
Saint-Priest-la-Plaine, de tirer un feu d'artifice à l'occasion de la fête locale du 26 juillet
1936, ont été blessés, au cours de cette fête, par suite de l'explosion prématurée d'un
engin, sans qu'aucune imprudence puisse leur être reprochée ; que la charge du dommage
qu'ils ont subi, alors qu'ils assuraient l'exécution du service public dans l'intérêt de la
collectivité locale et conformément à la mission qui leur avait été confiée par le maire,
incombe à la commune », Conseil d’état, 22 novembre 1946, Commune de Saint-Priestla-
.Plaine
.أنظ6ر على س6بيل المث6ال الم6ادة 91من ق6انون البلدي6ة ،والم6ادة 119من 5
قانون الواليةConseil d'état, Arrêt chavat, 5 mars 1943, Conseil d'Etat, Assemblée, Arrêt 3
Commune de Saint-Priest-la-Plaine, du 22 novembre 1946, et Arrêt Pinguet, du 17 avril
.1953
رج ال الش رطة يف من ع تنفي ذ حماول ة انتح ار ،أو جندة ش خص من الغ رق(البح ر ،النه ر ،الس دود)،...
وتطب ق يف مث ل ه ذه احلاالت املس ؤولية بال خط أ على أس اس املخ اطر إذا م ا تع رض ه ؤالء املس اعدين
العرضيني ألضرار أثناء تقدمي املساعدة للمرافق العمومية.3
يعتم د االجتهاد القضائي لتقرير املسؤولية اإلدارية عن األش غال العمومية معي ار الضحية ومي يز بني
املتضررين تبعا لصفاهتم ،ويقسمهم إىل ثالثة أصناف على النحو التايل:
املسامهون هم الذين يشاركون يف تنفيذ وتسيري األشغال واملنشآت العمومية بصفتهم مكلفني مبهمة،
كاملقاولني ومهندسي البناء ومتابعي األشغال ،واعترب االجتهاد القضائي الفرنسي أن اإلدارة غري مسؤولة
بالنسبة للمساهم إال إذا أثبت وجود خطأ من جانبها ،وأثبت العالقة السببية بني هذا اخلطأ وبني الضرر
الذي أصابه ،حىت ولو كان هلذه األشغال طابع اخلطر ،ففي حالة اصابة هؤالء بأض رار أثناء أو مبناسبة
قي امهم مبه امهم تل تزم االدارة العمومي ة ب دفع التع ويض على أس اس اخلط أ ،ومن ق رارات جملس الدول ة
الفرنسي اليت كرست هذا االجتاه على سبيل املثال:
ق رار ،Société Le piverحيث تع رض عام ل أثن اء قيام ه ب دهن أعم دة الت وتر الع ايل -
خلط وط الكهرب اء بينم ا ك ان التي ار مقطوع ا ،وفج أة ع اد التي ار قب ل ال وقت احملدد ل ه فص عق العام ل
املذكور ،وقضى جملس الدولة مبسؤولية مؤسسة كهرباء فرنسا على أساس اخلطأ.1
ق رار جملس الدول ة يف قض ية ،Estampesويف ه ذه القض ية تع رض املدعي ألض رار بس بب -
حادث أصيب به عندما كان يرمم سقف الكنيسة ،فانكسرت السقالة اليت كان واقفا عليها وسقط،
وقضى جملس الدولة مبسؤولية اإلدارة على أساس اخلطأ والزمها بالتعويض.2
وجيب على الضحية تطبيقا لنظرية املسؤولية على أساس اخلطأ ،إثبات خطأ اإلدارة حىت يف حالة وجود
شيء خطري ساهم يف إحداث الضرر.1
1
Conseil d’état, Section, Société Le piver, 2 juillet 1971, rec. p. 504
2
Conseil d’état, Arrêt Estampes du 4 janvier 1960
املستفيد أو املرتفق هو الشخص الذي يستعمل املنشآت العمومية ويستفيد منها ،واذا كان املتضرر
من األشغال أو املنشآت العمومية من املستفيدين منها( املرتفق) ،تنعقد املسؤولية اإلدارية بال خطأ يف
هذا اجملال مبجرد إثبات العالقة السببية بني نشاط املرفق وبني الضرر.
يعرف الغري بأنه الشخص الذي ال يشرتك وال يساهم يف تنفيذ األشغال العمومية أو يف سري املنشآت
العمومي ة وال يس تخدمها اس تخداما مباش را ،فق د يك ون أح د جماوري األش غال أو املنش آت العمومي ة،
كأص حاب احملالت أو العق ارات اجملاورة للش وارع أو الس احات أو الطرق ات العمومي ة ،وق د يك ون أح د
املارة بقرب ورشة أشغال العمومية .
فعندما يكون املتضرر من األشغال أو املنشآت العمومية من الغري تطبق نظرية املسؤولية اإلدارية بدون
خط أ على أس اس املخ اطر وق د تؤس س أحيان ا على أس اس مب دأ املس اواة أم ام األعب اء العام ة ،أي أن
مسؤولية اإلدارة العمومية تكون قائمة يف حق الغري املتض رر يف حالة إثبات اصابته بضرر غري عادي،
ووج ود عالق ة س ببية مباش رة بني األش غال أو املنش آت العمومي ة والض رر ،وال تعفى اإلدارة العمومي ة من
املسؤولية إال إذا كان الضرر قد حدث بسب خطأ الضحية أو بفعل القوة القاهرة .
وق د طب ق القض اء اإلداري اجلزائ ري قواع د املس ؤولية دون خط أ على األض رار الناجتة عن األش غال
العمومية اليت تصيب الغري ،إذ حيق هلذا األخري مطالبة اإلدارة بالتعويض عن األض رار اليت حلقته نتيجة
األشغال العمومية مىت أثبت وجود العالقة السببية بني الضرر
احلاصل والفعل املسبب للضرر املتمثل يف األشغال أو املنشآت العمومية ،ومن تطبيقات القضاء:
-1قرار الغرفة اإلدارية بالمحكمــة العليا بتاريخ ،03/12/1965يف قضية ""املدعو حطاب ضد
الدولة" ،الذي جاء فيه ":حيث أنه بسبب األخطار اليت ميثلها وجود تلك املنشآت ،فإن اإلدارة مسؤولة
ول و يف غي اب اخلط أ ،عن األض رار احلاص لة ،وال يت ال ميكن إعفائه ا منه ا إال يف حالة الق وة الق اهرة ،أو
خطأ الضحية".
-2ق ـرار الغرفــة اإلداريــة لمجلس قضــاء قســنطينة بت اريخ 02/07/1982يف قض ية تتعل ق بأش غال
إجناز جامع ة ومس جد األم ري عب د الق ادر للعل وم اإلس المية ،حيث أدت أش غال هتيئ ة األرض إىل ه دم
بيت السيد (ب.خ) الذي حكمت له الغرفة اإلدارية بالتعويض دون اش رتاط توفر ركن اخلطأ ،وجاء يف
حيثيات القرار ضرورة توفر العالقة السببية بني األضرار احلاصلة واألشغال العمومية.
-ومن أمثلة إعفاء الدولة من المسؤولية على أساس المخاطر ودون خطأ ،بسبب خطأ
الض حية حكم احملكم ة اإلداري ة للجزائ ر العاص مة بت اريخ 11/12/1964يف قض ية (بعزي زي) ،وال يت
تتعل ق بأض رار حلقت عم ارة املدعي بس بب األش غال العمومي ة ،حيث رفض ت احملكم ة اإلداري ة احلكم
بالتعويض ،بسبب خطأ الضحية الذي قام بالبناء بطريقة غري قانونية.
الفرع الثاني :تطبيقات المسؤولية اإلدارية دون خطأ على أساس االخالل بمبدأ المساواة
يتضح دور مبدأ املساواة أمام األعباء العامة يف احلاالت اليت تقوم فيها املسؤولية اإلدارية بال خطأ وبال
خماطر أيضا ،فيكون األساس القانوين الوحيد للتعويض يف مثل هذه األح وال هو االخالل باملساواة بني
املواط نني أم ام األعب اء العام ة ،ومن تطبيق ات املس ؤولية اإلداري ة دون خط أ على أس اس االخالل مبب دأ
املساواة ما يلي:
تع د األض رار النامجة عن األش غال العم ومي ة من أق دم تطبيق ات جملس الدول ة الفرنس ي يف جمال
املسؤولية اإلدارية بال خطأ ،ويرجع ذلك إىل أمهية امللكية الفردية وما حتظى به من حرمة وقداسة ،لذلك
فكل من يلحق ضررا هبذه امللكية يلتزم بدفع تعويض عادل.
استقر القضاء اإلداري الفرنسي على تقرير مسؤولية اإلدارة عن والقرارات اإلدارية املشروعة اليت تلحق
أضرارا باألفراد.
االفصل الثاين
األص ل يف مس ؤولية الدول ة عن أعماهلا اإلداري ة أهه ا تق وم على أس اس نظري ة اخلط أ ال يت أرس ى جملس
الدولة الفرنسي أركاهنا وهي اخلطأ و الضرر وعالقة السببية بينهما ،إال أنه أمام صعوبة إثبات هذا اخلطأ
عمليا ،ابتدع جملس الدولة قيام مسؤولية الدولة عل أساس املخاطر وحتمل التبعة و على أساس املساواة
أمام التكاليف و األعباء العامة بصفة اس تثنائية ،اليت مبقتضاها تسأل الدولة عن األض رار اليت تصيب
األف راد من ج راء تصرفات رجال الضبط ،دون حاجة اىل تكليف طالب التعويض أن يثبت خطأ هيئة
حفظ النظام العام .وعلى هذا يعترب مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال الضبط اإلداري من املبادئ املقررة
1
يف القضاء والتشريع الفرنس ي وهو األمر الذي سيتبناه املشرع اجلزائري.
وسوف نتطرق يف مراحل ثـالث إلـى تطـور املسـؤولية اإلداريـة قبـل االسـتعمار الفرنسـي (املرحلة األوىل)،
ومرحلة االستعمار الفرنسي (املرحلـة الثانيـة) ،ثـم فـي النظـام القـانوين للدولـة املستقلة (املرحلة الثالثة).
طبقت يف هذه املرحلـة قواعـد الشـريعة اإلسـالمية علـى مسـؤولية الدولـة عـن موظفيهـا املعروفة
بالضمان (التضمني) ،حيث توجد قواعد قانونية عامة تقرر رفع األض رار عن الرعيـة مهمـا كانت اجلهة
املتسببة يف األضرار كقوله (ص)" :ال ضرر وال ضرار فـي اإلسـالم" ،الـذي يفيـد أن "الضرر ي زال" .فعمل
الرسول (ص) علـى إخضـاع اخللفـاء والـوالة واجلنـود واملـوظفني للقـانون :كاملقالة اليت فعلها خالد بن الوليد
يف قبيلة جذمية بعد إعالهنـا اإلسـالم ،فـدفع النبـي (ص) ديـة هلذه القبيلة وقال" :اللهم إين أب رأ إليك مما
فعل خالد".
وكذا اقتدى اخللفاء الراشدين به يف حماسبة الوالة واجلنـود وحتـذيرهم الـدائم مـن ظلـم الرعيـة واالعتداء على
حقوقها وحرياهتا. ،
واستمر تطبيق هذا النظام يف الدول التـي عرفتهـا اجلزائـر (املغـرب األوسـط) ،مـع بعـض التغيري
يف عهد األتراك الذين كانوا ينظرون املظامل مبتعدين عن قواعد الشريعة االسالمية.
ويف عهد األمري عبد القادر ،مؤسس الدولة اجلزائرية احلديثة ،كان خيـتص هـو شخصـيا بنظر
والية املظامل مطبقا أحكام الشريعة اإلسالمية ،فقد كان يرسل مناديا ينـادي فـي األسـواق أن كل من له
ش كوى على (آغ ا ،قاي د ،ش يخ) موظ ف يف الدول ة فلريفعه ا إىل ال ديوان األم ريي من غ ري واس طة ف إن
األم ري ينظ ر فيه ا وينص فه ،ومن أىب فال يلـومن إال نفسـه ،ويفصـل فيهـا األميـر بقـرار هنائي ض د ك ل
2
موظف ثبت جوره وتعديه وظلمه.
1لعماري امال ،نظام مسؤولية الدولة عن أعمال الضبط اإلداري وأساس تطبيقاهتا ،جملة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية،
اجمللد ،04العدد ، 2019 ،02ص .9
أمحد مطاطلة ،نظام اإلدارة والقضاء يف عهد األمري عبد القادر ،وثيقة وزارة العدل ،اجلزائر ،1971،ص. 20 2
املرحلة الثانية :املسؤولية اإلدارية اثناء االحتالل الفرنسي:
احتالل فرنسا للجزائر مل يكن من أجل تطوير البلد ،وال إخ راج هذا الشعب (األهايل) مـن ظلمات
التخل ف إىل ن ور احلضـارة ،كمـا ادعـت فـي 23/02/2005بقـانون متجيـد االسـتعمار ،بـل أو ض حاياه
1
السيادة الوطنية واألنظمة القانونية والقضائية املستمدة من دينه وتراثه وعاداته وتقاليده.
وح ىت التط ورات ال يت عرفته ا املس ؤولية اإلداري ة يف فرنس ا مل تكن تطب ق كم ا هي ب اجلزائر احملتلـة بس بب
فرض السلطات االستعمارية الظروف االستثنائية للحفاظ على النظـام العـام (الـذي تريـده) ،وما طبق من
2
املسؤولية كان على األجانب من األوروبيني والفرنسيني فقط دون غريهم.
إن الثورات اليت عرفتها فرنسا يف اجملال القانوين والقضائي كانت تطبق بـاجلزائر بشـكل مكيف ومبا خيدم
السياسة االستعمارية ،وقد مرت يف اجلزائر فرتات خمتلفة:
بداية االحتالل مل توجد إجراءات للمطالبة مبسؤولية اإلدارة (مرحلـة عـدم املسـؤولية) رغـم وجـود •
هيئـات قضـائية إداريـة مشـكلة مـن إداريـني وعسـكريني (جملـس اإلدارة ،جمـالس املديريات ،جملس
املنازعات) ،عدا جملس املنازعات املشكل مـن قضـاة ،فكانـت اإلدارة هي اخلصم واحلكم.
بع د س نة 1848مت إنشـاء اجملـالس الوالئيـة التـي أسـند إليهـا اختصـاص منازعـات مسـؤولية •
اجملموع ات احمللي ة ،وه و اختص اص اس تثنائي ،م ع بق اء غلبـة العنصـر اإلداري علـى القضـائي يف
تشكيالهتا حيث يعينهم وزير الداخلية الفرنسي ،ويشـغل منـدوب احلكومـة األمـني العـام للوالية.
بصدور مرسـوم 934-53املـؤرخ فـي 30/09/1953حتولـت اجملـالس الوالئيـة إلـى حمـاكم •
إدارية ،وهي هيئات قضائية إدارية بعضوية قضاة وليس إداريني يف كل من فرنسـا واجلزائـر ،وأسندت
هلا الوالية العامة يف املنازعات اإلدارية إلغاء وتعويضـا ،وترفـع دعـوى املسـؤولية باحملكمة اليت يقع يف
دائرة اختصاصها الفعل الضار ،ومت تنصيب ثالث حماكم إدارية بكـل من اجلزائر وقسنطينة ووه ران،
3
اليت استمر العمل هبا إىل غاية سنة .1965
1عوابدي عمار ،نظرية املسؤولية اإلدارية :دراسة تأصيلية حتليلية مقارنة ،د.م.ج ،اجلزائر ،1998،ص ص.51 -49:
2رشيد خلويف ،القضاء اإلداري خالل الفرتة االستعمارية الفرنسي( ،)1962-1830جملة إدارة ،املدرسة الوطنية لإلدارة ،اجلزائر ،اجمللد
،09عدد ،02سنة ،1999ص 15وما بعدها .
3رشيد خلويف ،املرجع السابق ،ص 28و. 30
ورثت الدولة اجلزائرية البناء القضائي والقانوين الفرنسي يف ظل ف راغ رهيـب تعـاين منـه الدولة بعد القضاء
على مؤسساهتا وأنظمتها من طرف املستدمر الفرنسي ،كـان احلـل فـي إصـدار أمر 157-62املؤرخ يف
31/12/1962املتضمن متديد العمل بالتش ريع الفرنسي باسـتثناء مـا يتنـاىف منه مع السيادة الوطنية.
فاستمر العمل بالقواعد املطبقة يف جمال املسـؤولية اإلداريـة علـى أسـاس اخلطأ ،إما بالتطبيق املباشر بداية
أو على سبيل القياس والتوضيح أو احلل القضائي.
ورغم اإلص الحات التش ريعية واملؤسس اتية ال يت ق امت هبـا اجلزائـر بعـد سـنة ،1965اسـتمر العم ل
بالقواع د الفرنس ية كمب دأ مس ؤولية الدول ة .كم ا ص درت نصـوص جتسـد مسـؤولية اإلدارة عن أفعاهلا
وموظفيها.
وطبق القضـاء اجلزائـري مبـدأ املسـؤولية اإلداريـة متبنيـا التطـورات التـي عرفهـا القضـاء اإلداري الفرنسي،
وخصوص ية اس تقالل املس ؤولية اإلداري ة عن املس ؤولية املدنية .بل جنـده فـي بعض األحيان يطب ق قواع د
القانون املدين وهو ما يعد تراجعا عما قرره سابقا.
ف ان جملس الدول ة وكعادت ه يف خل ق قواع د الق انون اإلداري أج از إمكاني ة مس اءلة الدول ة عن أعماهلا
الضبطية من دون خطأ من جانبها ،وقد تدعمت هذه اإلمكانية بصدور تشريعات تقرر صراحة مسؤولية
الدول ة عن نش اطها الض بطي املش روع ولق د ح اول الفق ه اإلداري تأص يل أس باب تقري ر ه ذه املس ؤولية،
فوجدت اجتهادات جنملها كالتايل:
أوال :مب دأ الغنم ب الغرم ال ذي يق وم على أس اس أن تتحم ل اجلماع ة ال يت اغتنمت وانتفعت من نش اط
ض بطي تع ويض األض رار واملغ ارم ال يت س ببها النش اط اإلداري ال ذي انتفعت ب ه ،مما يع ين أن تتحم ل
اجلماعة العامة عبء دفع التعويض للمضرور من اخلزينة العامة باعتبارها ذمة اجلماعة املالية.
ثانيا :مبقتضى الصاحل العام الذي يستوجب رفع الضرر االستثنائي الذي يلحق أحد األف راد من خالل
تعويضهم من مال اجلماعة مماثل يف خزينة الدولة.
ثالث ا :فأس اس التع ويض مب دأ العدال ة ال يت تقتض ي أن يتس اوى اجلمي ع يف املغ امن و املغ ارم فليس من
املنطل ق أن تتحم ل الض رر من نش اط ض بطي مجاع ة و تتض رر مجاع ة أخ رى علم ا أن الدس تور يق رر
باملساواة يف خمتلف اجملاالت.
رابعا :ويرى البعض اجلمع بني نظرية املخاطر وبني مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة.
وأي ا ك ان األس اس الفقهي املوص ل لت ربير ح ق املتض رر يف التع ويض ف ان األهم ه و االع رتاف بنظري ة
املخاطر كأساس مكمل للمسؤولية على أساس اخلطأ خصوصا يف ظل الظروف االستثنائية والذي تدعم
باالعرتاف التشريعي بنظرية التعويض ،مثل ماهو احلال مع قانون املصاحلة الوطنية يف اجلزائر الذي أسس
1
لنظرية املسؤولية دون خطأ مبختلف صورها وأسسها الفقهي
1لعماري أمال ،نظام مسؤولية الدولة عن أعمال الضبط اإلداري وأساس تطبيقاهتا ،مرجع سابق ،ص .9