Professional Documents
Culture Documents
مقدمة :
التعريف بالشاعر البشير قذيفة :
الخصائص الفنية و الجمالية :
أوال :دراسة اللغة
ثانيا :القواعد والمستوى العام :
ثالثا :دراسة الصورة:
رابعا :دراسة الخيال:
خامسا :دراسة العاطفة
خاتمة
1
مقدمة :
األدب الشعيب أدب ىابط ىكذا تصوره البعض فجردكه من أية قيمة فنية فهو رلرد حكاايت عجائز ،كأدب عواـ
خاؿ من أية قيمة حقيقية مما جيعلو يشكل عقبة يف سبيل استمرار الفكر,كتطور البشرية.كاحلقيقة أف ىذا الطرح
خاطئ ،كال يعرب إال على قصور فكرم ،كضيق يف األفق فإذا مل يكن لألدب الشعيب أم مذاؽ فكرم أك عمق فٍت
كانو ثقيال على قلوب البعض فهو عند البعض اآلخر أقرب األشياء احملببة للنفس ،كصورة من أصدؽ الصور الدالة
على مكنوف جوىرىا ،كإذا اف البعض قد نظر إليو نظرة استعالء فهو عند البعض اآلخر يعد ادلرآة اليت تكشف ترآيبة
كبنياف إنساهنا ،كمسو إنسانيتها أك لنقل ىو انعكاس للحياة اإلنسانية يف ادلاضي مثل ما ىو صوت احلاضر ادلدكم
كصدل لو.
كدكف شك أف ىذا ادلوقف مل أيت من فراغ أك من ختمُت بل آؿ نتيجة حوار مع الذات لتربز فكرة احلضارة كىي
فكرة تقضي ابف يكوف األدب الشعيب ألوف من الًتاث أك شكل من أشكاؿ التعبَت الشعيب ,نقطة حتوؿ ىامة يف
األدب العادلي .فلقد أصبح من احلقائق ادلؤؾدة أبنو ال يوجد أدب يف العامل إال كقد أتثر ابألدب الشعيب الذم أفرزتو
اجملتمعات ادلختلفة ،فالكل أتثر ابلكل ،كالكل أفرز عطاءه األديب اإلنساين العظيم .
التعريف ابلشاعر البشري قذيفة :
"البشَت قذيفة "من مواليد جانفي 1958جببل مساعد دائرة بوسعادة كالية ادلسيلة ،نشأ يف بيئة بدكية هتتم ابلزراعة
كتربية ادلواشي ،دائمة الًتحاؿ بُت مناطق اجلنوب ككالية بسكرة ،ترىب شاعران يف أسرة تتذكؽ الشعر ادللحوف ،بدء
جبده ألمو" عبد الكبَت ادلداين" ،مل حيظ بقسط كافر من التعليم عدا بضعة أشهر يف تعلم القرآف يف إحدل كتاتيب
القرية،لكن رغبتو يف التعلم كحرصو على الدراسة كنباىتو منذ الصغر ،جعلتو ينهل من ادلعارؼ معتمدا على ذاتو،
حفظ الشعر منذ الصغر ابلسماع من كالده كجده ألمو كأبيو ،عانق نظم الشعر ألكؿ مرة سنة 1976يف قصيدة
"نوفمرب "ميجد فيها الشهداء ،كيذكر خصاذلم كدفاعهم ادلستميت عن الوطن ،كاشتهر بعد ذلك كشاعر بعد مرثية
كتبها سنة 1981عن أحد أعياف قرية جبل مساعد كىو" ساعد بن عيسى.
يعترب" البشَت قذيفة" أحد الشعراء البارزين الذين أسهموا حبضورىم يف كل التظاىرات الثقافية كادلناسبات ادلختلفة،
فهو الذم رلد الوطن ،كقدس ادلرأة ،ككابد احلُب ،كغاص يف عمق اإلنساف.
"البشَت قذيفة" ،شاعر صاؿ كجاؿ بفكره يف مساء الشعر ادللحوف ،فكاف حضوره قواي ،يف كل ادللتقيات كاحملافل،
كما أف هللا تعاىل حباه مبوىبة يفتقدىا الكثَت من الشعراء على الساحة األدبية ،أال كىي اإللقاء ،فالشاعر حينما
يصعد إىل ادلنصة ،يتسلّح بوقار كبَت يشبو إىل حد كبَت كقار األدابء ،كيتوسد مبدأ التأثَت يف السامع من خالؿ
أدؿ على ذلك من حضوره يف طريقة إلقاء ،استطاع هبا أف يؤثر يف كثَت من الكتاب كالشعراء كال ُقراء ،كليس ّ
مهرجاانت الفكر كاألدب عرب الوطن ،كلعل أكذلا كاف ادلهرجاف الوطٍت للفنوف الشعبية ابجلزائر العاصمة سنة 1978
2
كالذم فتح لو ابب االحتكاؾ ،كالتعرؼ إىل شعراء الوطن ،إضافة إىل صقل جتربتو اليت كانت حتتاج إىل توجيو
كإرشاد .
للشاعر مواقف كبَتة يف حياتو اليت يعاين حاليا فيها من ظركؼ اجتماعية قاىرة حتوؿ بينو كبُت االستمرار يف الكتابة،
كيكاد يكوف حلم طبع ديواف على مستول الوزارة ،أك حىت على مستول بلدتو الصغَتة ،حلما بعيد ادلناؿ ،لذلك
كجدان الشاعر كيف كل مرة ينظم فيها قصيدة ،إال كتركها حبيسة األدراج كالرفوؼ ،كىو ما يشكل عائقا يف إماطة
اللثاـ عن موركث شعيب قيم تربزه قصائد" البشَت قذيفة".
اخلصائص الفنية و اجلمالية :
أوال :دراسة اللغة :لقد سعى اإلنساف منذ أمد بعيد إىل حتديد مستوايت اللغة اليت يستخدمها ،فكانت
1
اللغة اليومية ادلشًتكة كاللغة األدبية اخلالصة كاللغة األدبية الرفيعة
كل التهذيبكيف الغالب كاف يفضل لغة كسطى ليست منقحة كل التنقيح – كما أنو يعزؼ عن اللغة ادله ّذبة ّ
كيلجأ إىل اللغة" الكثَتة االستعماؿ كلكن ال تنزؿ إىل العامية كال تكوف غريبة 2إنو كابلنظر إىل تعريفات الدارسُت
الشعبيُت جند أ ّف ىذا الكالـ قد ال يوافق مع ما يقصدكنو بكلمة" لغة "ما عدا من الناحية التوظيفية للكلمة ،أما
ابلنسبة دلعناىا االصطالحي فإهنا تعٍت ادلعٌت العريب القدمي (اللهجة)
كل
لكل منها ما مييزىا ،ك ّ
العالقة بُت اللّغة كاللهجة ىي العالقة بُت العاـ كاخلاص ،فاللغة تشمل عادة عدة ذلجاتّ ،
ىذه اللهجات تلتقي يف رلموعة من الصفات اللّغوية كالعادات الكالمية اليت ّتؤلف لغة مستقلة عن غَتىا من
اللّغات
كابلعودة إىل شاعران" البشَت قذيفة "ما يالحظ أف أشعاره ككذا أشعار الشعر الشعيب بصفة عامة دتتاز بلغة معينة
صعب يف كثَت من األحياف -حتليلها أك حىت تصنيفها بُت العامي كالفصيح ،كال نبالغ إذا قلنا أبف أشعار البشَت
قد اقًتبت بعض الشيء إىل الفصيح أكثر منها إىل العامي معتمدا يف ذلك على مبدأ سهولة اإلنشاء.
مهمة الشاعر يف إيصاؿ أفكاره إىل عامة الشعب ،تضطره إىل تبسيط اللغة كتيسَتىا حىت يفهمها العاـ كاخلاص ،كما
أف ىذا التبسيط يدخل على الكلمة حُت توظيفها شعبيا جلملة من التغَتات على مستول النطق كالرسم كقواعد
النحو كالصرؼ اليت ال يلتزـ هبا .
ثانيا :القواعد والمستوى العام :
إنو من الطبيعي جدا أف جند اختفاء القواعد النحوية يف شعر" البشَت قذيفة" ،ما داـ االتفاؽ منذ البدء على أف
الشعر الشعيب خارج عن نطاؽ القواعد النحوية كالصرفية للغة،كماداـ ىذا األخَت يكتب بلغة شعبية مزجت بُت
ٌنظر :د :علً بوبنوار -الشعر الشعبً فً منطمة بوسعادة -دراسة موضوعاتٌة فنٌة -رسالة دكتوراه دولة– جامعة عنابة 2004
1
1-ص 416 ٌ 2نظر :أبو ٌعموب السكاكً – مفتاح العلوم .تحمٌك :نعٌم زرزور -دار الكتب العلمٌة بٌروت – لبنان ط
3
العامي كالفصيح ،فإنو ال داعي للبحث عن قواعد كأسس ال كجود ذلا ،ذلك أف أساس الفصل بُت الشعر الرمسي
كالشعيب يتمثل يف مراعاة ىذه القواعد ابلنسبة للشعر ادلدرسي الرمسي ،كعدـ احًتامها من قبل الشعر الشعيب ،كعليو
فإننا نسجل مجلة من اخلصائص كالسمات اليت أتصف هبا شعر" البشَت قذيفة "كنذكر منها:
-ظهور التسكُت يف أكاخر الكلمات يف الغالب :مما أضاع احلركات اإلعرابية(الضمة ،الفتحة ،السكوف ،الكسرة)
كقولو:
لعزيزة بدؿ :العزيزة
ح ِطّيت :بدؿ :حططت
أمساىا :بدؿ امسها
عركسة إفريقيا بدؿ عركسة إفريقيا
ي ْلجو حلماىا بدؿ يلجأ حلماىا.
-زايدة يف حرؼ الشُت يف معظم الكلمات ادلنفية كقولو:
"لغزاؿ ما جاش "بدؿ" ما جاء"
"فْراقك ما نصربش "بدؿ" ال أصرب"
-تسكُت أخر ادلبتدأ كاخلرب :كقولو:
"أرض الرجلة "بدؿ" أرض الرجولة"
-تسكُت ادلاضي كادلضارع ،كقولو:
"نطْلُب "بدؿ" أطلب"
"كحيرـ عن عيٍت النوـ "بدؿ" ك حيرـ"
-رفع اركر حبرؼ اجلر :كقولو:
"كلو يوـ على فْراقُو ما نقدر "بدؿ" على فراقو"
-استخدام كلمات غريبة عن اللّغة العربية مكان كلمات أخرى كقولو:
"راه قلِيب "بدؿ" إنو قليب"
"كاش يطَِّفي النار "بدؿ" ماذا يطفئ النار".
"راين َغارؽ يف الْبحر ِكين ىركيب "بدؿ" أين ىركيب".
"ىنا كْذلِيو "بدؿ" ىناؾ كىناؾ"
-اختزال واختصار بعض الكلمات واحلروف كقول الشاعر:
"مليهاش الرام عاشت زلقورة "بدؿ" ليس ذلا رأم".
4
"عالْغال ْط دكر اجلَرارة "بدؿ" على ادلخطئ".
حيث شبو ابجملنوف الذم فقد صوابو من فرط حب ،شبهو ىو اآلخر بنار حامية حترؽ مجراهتا فؤاد الشاعر ،فالشاعر
أراد أف يرسم صورة كجدانية لو ،قد يثَت هبا شفقة ىذه ادلرأة اليت توسل إليها فيما بعد بنداء صارخ كاضح يقوؿ فيو:
و انت فيدك ابش تطفي ىاذ جلمر علیـ ـل
كتنی ـ ـي ـ ـ
عار عليك ایللي تر ـ
لكن الشعر يف حقيقتو ال يقوـ بنقل دالالت كمعاف مباشرة ،كإمنا حياكؿ استبطاف اجلوىر الرابض يف كنو األشياء
ادلادية ،بواسطة الكشف ابحلدس ،كالشاعر البارع ىو الذم يضفي على قصائده صورا كرموزا" كال يدخل ىذا العامل
إال مقتنعا غَت ساخر ،مملوءا ابدلشاعر كالتصورات ،دائبا يف كىج احلس كاالنفعاؿ كليس لو أبدا أف يلج ىذا العامل
1
ساكنا ابردا رلردا "
ٌ 1نظر :علً بولنوار :الشعر الشعبً فً منطمة بوسعادة ،دراسة موضوعاتٌة فنٌة ،ص. 297 :
ٌ 2نظر :ادونٌس :زمن الشعر – دار العوذة – بٌروت – 1972ص . 14
5
الشاعر" البشَت قذيفة "اعتمد على كسائل بالغية ،كىي ركائز الصورة الشعرية يف تراثنا النقدم القدمي( التشبيو،
االستعارة ،الكناية ،ادلباشرة يف اخلطاب) كىي مجيعها ليست من التعقيد يف شيء ،كىو األمر الذم جعل البشَت
قذيفة يلجأ إليها أحياان كإىل األدكات اجلاىزة :كأدكات النداء ،كفعل األمر ،كالسرد الواضح ،يقوؿ الشاعر:
ایم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا يف دوام
انـ ـ ـ ـ ـ ـت حبك ّ
و ـ الغیـ ـ ـ ـر جیي ويرحل من مثة
حب ـ
ومن حبك وعطاك عمرو مايتالم حب الغري طراف وانت يف القمة
فالشاعر ىنا يصرح للمرأة األـ حببو السرمدم ،الذم ال يقامسو فيو أحد ،كال يشبهو أحد ،كمل يرمز لو حىت بشيء،
كىو أسلوب تقريرم كاضح ،جعل من الصورة الشعرية عنده ،عفوية كبسيطة ،لكنها حتمل يف أركاهنا صدؽ العاطفة
كقوذلا
كما أتقن الشاعر إىل حد كبَت إبراز صور إحيائية اعتمد فيها على أسلوب الكناية ،يقوؿ الشاعر:
ه طاح الغيم واسحاب مدريب.
عن ا
فهو كناية عن حزنو الشديد ،الذم رضخ لو السحاب كالغيوـ ،كاشتد ظالـ عمره ،كعوض أف نرل ذلك يف أسلوب
تقريرم مباشر ،كجدان البشَت قذيفة يرسم لنا صورة شعرية رائعة.
حيث ال يعقل أبدا للغيوـ كالسحب أف تسقط كىي على شكلها ،كإمنا يف شكل أمطار كسيوؿ ،كلكن ذلك ًب عند
الشاعر ،الذم استطاع بواسطتو أف يثَت شفقتنا كحسرتنا عليو ،كىي مهمة الشاعر كغايتو يف مثل ىذه الصور.
رابعا :دراسة الخيال:
حينما تتحوؿ مشاعر الشاعر كأحاسيسو كانفعاالتو إىل صور شعرية كاليت رأيناىا سابقا ،كقد أّثرت فينا أبطيافها
كألواهنا ،كشدتنا إليها ،بل كأجربتنا يف كثَت من األحياف على االستجابة لعواطف الشاعر اليت كانت تتأرجح بُت
البكاء كالصرب كادلدح كالثناء كالًتجي ،كل ىذا إمنا كاف بفعل ملكة سحرية تسمى اخلياؿ "،تكسر احلاجز العصي
على العقل كادلادة" 2خياؿ الشاعر إذف ،ىو الذم يفرض نفسو كسلطتو الفنية اجلبارة على ىذه األطياؼ
كاأللواف ،ليكوف فيما بعد معوؿ بناء حقيقي للصورة ،بل كمصدرىا احلقيقي ،فالصورة سليلة اخلياؿ ،ككحده اخلياؿ
يفتح ابب اإلبداع الفٍت
خياؿ الشاعر" البشَت قذيفة "كاف مرآة عاكسة جلملة من الصور الشعرية ،اليت أراد أف يوصلها إلينا يف شكل قصائد
شعرية ،خرجت أحياان انفعاالهتا ا عن حدكد الواقع ،فقولو:
احلشى و العقل جیول
تشعل انري يف ـ ـ الظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالم
حنی ايطيح الليل و ايعم ـ
حیدثـ ـ ـ ـ ـين ابلقول
يجـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ
وخیـ ـ ـ ـالك ـ ـ
ـ لرسـ ـ ـام
تقابلـ ـ ـ ـو كامـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ
سـ ـ ـارح بيا ـ
ـ
1سٌد لطب :النمد االدبً اصوله ومناهجه– ط – 5دار الشروق بٌروت - 1983 -ص. 58 :
ص27 ٌنظر :مصطفى ناصف :الصورة األدبٌة ،ط ، 2دار األندلس، 1981 ، 2
6
فالشاعر حينما أيتيو الليل تضطرـ يف أحشائو نَتاف اجلول ،كىو كناية عن شدة أمل ىذا احلب ،كما تركو البعاد يف
نفسو من أثر ،حىت خيل إليو أف طيف احملبوبة حيضر ،حينما يتذكر الربع كالداير ،فيحدثو طيفها قائال :ك خيالك
جيي حيدثٍت ابلقوؿ
إ ّف قوة اخلياؿ عند الشاعر" البشَت قذيفة "إمنا تكمن يف مدل استطاعتو تفجَت عواطفو ادلتأججة كادللتهبة ،كاليت نراىا
يف كثَت من األحياف" بعيدة عن احلقائق ،مما أكسم خيالو ابذلشاشة ،كبعيدة عن الطبيعة ،فكاف خيالو كمها كضالال،
ألف اخلياؿ الذم ال يرتكز إال على التشبيهات اخلارجية ،يكوف أقرب إىل األكىاـ " ،1كأكىاـ الشاعر يف جتربة
كجدانية يشكو فيها من آالـ البعد كغصات النول.
يقوؿ الشاعر" البشَت قذيفة":
حبرىم غامق كل من طعنو يديو ختتلف حىت النسا رمی و بقرة
رحیتها من ادلسك و العنرب تعطيو وحدة يف عينيك تشبو للزىرة
قليب ساكن عندىا عدت خمليو ـعـ ـن فرقتها ای هللا مايل قدرة
خلي قليب و سعو وح ـ ـدو ابريو الیـ ـ ـم يف سوقنا ما تتفرى
ای ـ ـ
يفتح الشاعر ىنا ابب اخلياؿ لنفسو ،ليحلق يف مسوات اللفظ ،كينتقي من ىنا كىناؾ:
الزىرة كادلسك كالعنرب ،كيًتؿ إىل البحر حيث الغموض ك التيو ،الذم يريده خالصا لقلبو ،الذم ىاـ حبب ىذه ادلرأة،
كيقوؿ يف أخرل:
يف ذي الصحراء ماقدرت نزيد نبات هللا اليل طاكسي يب تعج ـ ـ ـ ـ ـ ـل
انفـ ـ ـ ـات
و تفكرت يف حمبويب وقت ـ ـ ـ قاضت ابلدمعة عيوين ایراجل
فاحت رحیة حمبوبيت يف نيفى جـ ـ ـ ـ ـات ادلرس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم فيو حمبوبيت
ذاك ـ ـ
من شوقي طاح ـو على خدي دمعات اهتنا قليب عليو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا كي طل
جن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة والت
عنی اغراب تبانلي ـ ـ بیـا كي نوصل
تتباشر حلباب ـ ـ
ای سامع وصفتو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا يف ذي لبيات يف نومي شفت دلنامة ابلكامل
خياؿ الشاعر ىنا حر طليق ،اته بو يف ملكوت ادلناـ ،كجعلو حيلم كيتمٌت كصولو إىل دار احملبوبة اليت تعد ابلنسبة لنا
حنن كقراء ،حلما يريد الشاعر أف يصل إليو ،ىا ىو حيلم بسيارة تعجل بو إليها ألف دموعو احلرل مل تعد تقول
حينما حتل ذكراىا عليو ،فيخيل إليو رحيها كيفرح مبقدـ األحباب يف مدينة عُت غراب ،اليت شبهها ابجلنة ،ألهنا
موطن احلبيبة ،كلكنو سرعاف ما يوقظ نفسو كيوقظنا معو ،موقفا خيالو كخيالنا على كاقع أليم كزلزف ،كاصفا ىذه
ط ،2 ، 1964ص. 106 : ٌ 1نظر :عبد الحمٌد حسن :األصول الفنٌة لألدب ،مكتبة االنجلو مصرٌة،
7
ادلرحلة ابدلناـ فقط ،كبذلك يكوف الشاعر" البشَت قذيفة "قد خلق لنا صورة .مجيلة" مل توجد ،كما كاف ذلا أف توجد
1
بفضل احلواس كحدىا ،لوال ىذا اخلياؿ البديع"
خامسا :دراسة العاطفة:
الشعر عامل رحب ،ال يلتزـ ابحلدكد كاألبعاد ،إنو عامل التخطي كالتجاكز 2يفيض دكما ابخلياؿ كالعاطفة كاجلماؿ
كادلوسيقى كالبهاء ،إنو عامل التجلّي كاإلحبار ،كامتطاء ادلغامرات كسرب األغوار ،فالشاعر إبمكانو أ ْف حيوؿ األفكار إىل
جتارب شعرية ،يسكب فيها مرارتو كلوعتو ،فتبدك عبقريتو يف نظم الكلمات أبسلوب ابرع ،يوقظ العاطفة كحييي
الوجداف كيدغدغ اجلانب الركحي.
لقد استطاع الشاعر" البشَت قذيفة "حقا أ ْف حيرؾ كجداف ادلتل ّقي كيوقع بو األمل كاألمل كالرغبة يف االنصهار معو،
فحينما نقرأ قولو:
ابلق ـ ـول
نصـ ـبر فيك و نداري ـ
غري ـ ویـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاك ايتام
ایقلب ـي لثننی اان ـ ـ
ــــ
مادبّر علي ما تقويل واش ادلعمـ ـ ـول ما تنصحين ىزيت من الصرب اكوام
كيسـ ـان دلدام اان مسطـ ـ ـول
و بال ـ ساىر ليلي م ـ ـ ـ ـ ـ ـا تشوف عيين دلنام
غاب رجاای و حيليت واش ادلعمول منشي وحدي مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا نرد حلد سالم
فكالـ الشاعر تتقاطر فيو عاطفة احلرقة كاألسى من دالالىا ،فهو يثَت شفقتنا ،كشفقة قلبو الذم أملّ بو الوجد
كاجلول ،فجاءت كلماتو أكثر كجدانية ألهنا انبعث عن عاطفة حساسة كصادقة.
كاحلقيقة اليت ينبغي يف البدء أف نشَت إليها ،أ ّف القارئ الذم ال يعرؼ اللغة الشعبية يف اجلزائر ،ال يستطيع يف كثَت
من األحياف ،حتديد نوع العواطف ادلوجودة يف نصوص" البشَت قذيفة" ،كإف كانت تبدك لنا يف رلملها طافحة
ابلعاطفة الصادقة ،طادلا أهنا ش ّكلت لنا صورا شعرية حسناء ،محلت يف ثناايىا الكثَت من ادلعاين ،كالرموز السامية
النظيفة ،يف جوىرىا كأبعادىا ،ذلك أف" الصورة دكف عاطفة تعد فارغة ادلالمح ،كالعاطفة دكف صورة إمنا ىي
كيب بُت الصورة كالعاطفة3 عمياء ،كال تستطيع أبدا أف تشق طريقها إىل عامل اخللود ،فالشعر تر
كىو األمر الذم نلمسو عند قراءتنا ألم صورة شعرية من صور" البشَت قذيفة "فنجده أنفسنا متعاطفُت معو ،حنًتؽ
الحًتاقو ،ك حنلم ألحالمو ك نصطرب ك إايه ك نركح يف ك جنيء معو ،بل أحياان ك حينما جنده ايئسا ابئسا ،يهجو
ٌ 1نظر :سهٌر الملماوي :فن األدب – المحاكاة -مطبعة مصطفً البالً الحلبً – مصر 1953ص . 126
ٌ 2نظر :إبراهٌم الرمانً :الغموض فً الشعر العربً ،ص85
ٌ 3نظر :دمحم زكً العشماوي :دراسات فً النمد المعاصر ،دار الشروق ، 1994 ،ص .127
8
احلبيبة الغادرة أك يرثي األـ الغادية أك حيلم حببيبة آتية ،بل قد تركقنا ىذه العاطفة ك تعجبنا ك نراىا غَت كافية ك
نعتقد أف كل ما قيل يف ىذه ادلرأة غَت كاؼ دتاما.
كاحلقيقة أف دراسة العاطفة يف نصوص" البشَت قذيفة "خاصة تلك اليت حندث فيها عن ادلرأة جيب أف ال تعزؿ عن
الزماف ك ادلكاف الذم قيلت فيو ،ك كذا نفسية الشاعر ك كيف كاف مؤشر الصدؽ كالعمق أثناء نظمو ذلذه
النصوص ،حيث جنده أحياان يغدؽ علينا مبشاعر موجعة ،تبعث يف النفس األمل ك األسى ،فتتغلغل فينا ىذه
األحاسيس لتفجر يف داخلنا حنن كقراء ،مجلة من العواطف ادلتصدعة ،يقوؿ الشاعر:
مانعرفش خبارىا ما جاين مرسول عنـ ـ ـي العام
متوحشو ـ ـ ـا راه دار ـ
م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا جنمت فراقها راين مقتول راين ىالك للصرب مـ ـ ـا كان مقام
إنو يصف شدة الوجد ك االشتياؽ للمحبوبة ،ك عدـ قدرتو الصرب عن بعدىا من فرط الصبابة كاذلياـ هبا.
فالشاعر ىنا حيضر أداة زمانية يدعم هبا عاطفتو ك كأنو يقوؿ لنا :إشهدكا معي كذكقوا مرارة الوجد الذم دار عليو
حوؿ كامل ك مل تنطفئ جذكتو ،ك يف شطره الثاين مل حيدد لنا ادلكاف ك ىذا دليل التيو ك الظالؿ الذم زاد من صدؽ
قوة عاطفتو ،يقوؿ الشاعر يف قصيدة
الليل:
لو تطلب مين حيايت هتديها حبيتها واعطيتها من غري عبار
طايع ليو و أمرو ما نعصيها ملكي سلطان ع القلب آتمر
فالشاعر يف ىذه األبيات راض كل الرضا ابدلكانة اليت حنتلها يف قلب احملبوبة ،فيكفيو هبا ىياما كحبا أف يبقى عبدا
ذلذه احملبوبة ،فهو يعتز مبثل ىذه العبودية ،ألهنا عبودية الركح.
كالصورة الشعرية يف نصوص البشَت قذيفة استطاعت أف تنفذ إىل أعماؽ النفس الف كلماهتا يف جل النصوص
مشحونة حقا ابإلحساس كالعاطفة اليت أراد من خالذلا الشاعر أف يؤثر فينا كنتخذ معو موقفا نقف فيو اىل جانبو
كحنميو من لوعة ىذا احلب.
-دكافع اإلبداع النفسية عند البشَت قذيفة كخاصة يف نصوصو اليت يتحدث فيها عن ادلرأة إمنا ىي انبعة من جتربة
كجدانية ،احتدت فيها عناصر اإلبداع من حب ككلع كشوؽ كحنُت ،كقد ساعده يف ذلك أتثره ببيئتو احملافظة اليت
كانت حتضر احلب كلقاء احلبيبُت ،مما فجر يف داخلو عواطف صارخة قلما جندىا يف أشعار الشعراء الشعبيُت بل
كأحياان حىت عند الشعراء الرمسيُت ،كىو األمر الذم اكسب قصائد البشَت قذيفة حالكة شعرية تشعر هبا
كأنت تستمع إليو حىت انو ميكننا القوؿ أف قصائده ىذه قد تناغمت فيما بينها كفق موسيقى متنوعة.
9
خ ـ ـ ـ ــامتة
لغة الشعر الشعيب كحتديدا لغة الشاعر" البشَت قذيفة "ىي لغة خاصة ،ليست ابلفصحى ،كال ىي ابلعامية.
أما الوزف ،فلقد خلصت كاعتمادا على آراء الباحثُت كالدارسُت من أىل االختصاص،إىل أف أشعار" البشَت قذيفة "
كأشعار الشعر الشعيب عامة ،ال ختضع إىل حبور اخلليل ،كإف كجدت بعض القصائد اليت تعود إىل ىذا البحر أك
ذلك ،فقد كجدت أخرل ال صلة ذلا هبذه األكزاف كالبحور.
عامل األدب الشعيب -كالشعر على كجو اخلصوص -ىو اآلخر امتداد إىل ىذا التجلي ،كذاؾ االنصهار بُت ادلاضي
كاحلاضر ،كالبدء كاالنتهاء ،فًتاه يفيض ابلسحر كالبهاء كالصدؽ كالصفاء ،ألنو انبع من كجداف الشعب.
10