Professional Documents
Culture Documents
ُ ُ
أدب عريق عراقة لغته السنسكريتية التي خط بها و خــطت بها روائعه ألادبية والدينية
الخالدة ،أما اليوم ،فاملسمى أدبا هنديا فهو أدب تتوازعه لغات متعددة أشهرها "الهندية"
باستقطاب لنحو 033مليون متحدث بها ،ثم le télougouبـ 03مليون نسمة وتليها ثالثة اللغة
ألاوردية l’ourdouب ـ00 -مليونا ناطقا بها ...،إنها لغات متعددة ال تقل عن 22لغة محلية تمثل أداة
بملحمته الخصوص وجه اشتهر على أدب وهو أدبا هنديا للمسمى كتابة
املقدس الديني بنصه أيضا Rāmāyanaوكذا الرائعة "Mahâbhârataاملهابهارتا" وتدعى
"الفيدا" .les Védas
ألادب الهندي أدب يتوزع على مساحة شاسعة ،شبه قارة تمتد على ما قرابته 0ماليين
و 033ألف كلم 2تقطنها ساكنة من نحو 1مليار و 033مليون فرد في أغلبيتهم يدينون
َ
بالهندوسية إلى جانب أقلية مسلمة ال تزيد عن 11في املئة :معتقدان دينيان هما الغالبان غلبة
على املشهد الديني ودون املسيحية والبوذية واليهودية.
1
الشــمال إلى اليمين وبألفبائية خاصة بها
أما فيما يخص اللغة الهندية فتلك لغة تكتب من ِّ
هي ال تقل حروفها عن 03عالمة .
الهندية هي اللغة الرسمية الوطنية إلى جانب إلانكليزية ذات الانتشار الواسع في أوساط
التجارة والسياحة واملثقفين ،وهي اللغة التي ستنقل إليها روائع ألادب الهندي ومن بينها املطولة
الشعرية املوسومة بـ"جيتنجالي"لشاعر الهند الكبير "طاغور" :TAGOREبهذا املختصر الاسمي
ندعوه هنا وملاما بدل اسمه بالكامل "رابندرانات طاغور"وذاك الشتهاره به وتالفيا لبعض صعوبة
قد يجدها الطالب في نطقه .
تراه من عساه يكون " طاغور" هذا الحائز على جائزة نوبل لألدب عام 1110كأول أديب
ضمن أدباء القارة ألاسيوية ؟
للرد ،ال بأس من التدرج في بسط القول حوله وفق الخطاطة التالية :
َ
مقتضب من السيرة الذاتية للشاعر طاغور -1
-2ألاعمال :جرد نسبي للمترجم من أعماله إلى العربية
-0وقفة نقدية ألبيات من مطولته " جيتنجالي"الفائزة بجائزة نوبل
-0أقوال مأثورة عن طاغور
2
نتاجه إلابداعي كان متوزعا على أكثر من تعبير فني وقالب :شعر ،نثر ،رسم وموسيقي
وفلسفة وسوى ذلك مما شكل قائمة طويلة من العناوين نحسبها نافت عن مئة ديوان شعري
و 13مسرحية و 03مجموعة قصصية ناهيك كتابات في السياسة والفلسفة والتربية .
وفي هذا الصدد ألاخير ،ال بأس من وقفة للقول إن إعجاب شاعر الهند الكبير
طاغور بالغرب و ثقافته الراقية املتميزة إعجاب لم يمض به إلى حد الانبهار فاالنجراف أو الانسالخ
عن هويته وروحانيته ،لقد ظل في كثير مما كتب يأخذ على تلك املدنية الغربية وما طرحته من
َ َ
نصوص تــكــلسها املادي وعقالنيتها املفرطة ،ومن ثم ،جفافها الروحي .ألنها كانت كذلك في رأيه ،
فقد عارضها وحدث نفسه ببديل يحل محلها على ألاقل في محيطه الهندي البنغالي وهو ما فعل
ذات عام 1131إذ راح يلقيها أسس مدرسة وبماله الخاص:مدرسة لم يقصر برنامجها التعليمي
على املواد العلمية والنظرية فقط بل حرص على إثرائه إثراء بمضافات تطبيقية
َ
متعلقة بالصناعات املحلية والريفية وهـذا كله قناعة منه واقتناعا مبدئيا أن إلاصالح السياس ي ال
يمكنه أن يتقدم على نظيره الاجتماعي :فهذا ألاخير ال سبيل لالستغناء عنه أو قهقرته ليصبح شبه
ثانوي أو كمالي .مدرسة "رابندرانات طاغور" والتي أطلق عليها اسم "شتتينك ـ ـتــان" (أي دار السالم
) ،مدرسة سعت إلى تنفيذه حلما تكوينيا أو قل برنامجا تربويا هو النظري العلمي "العاملي" ومثله
التطبيقي لكن املتجاوب املتساوق مع املحيط الهندي البنغالي يتعايشان مترافدين متفاعلين ،بل
َ
إن الجرأة في الطرح والتصور لدى "طاغور" قد تبلغ حدا ليس من السهل تصديقه وتـ َـمــث ـ َـل هذا في
َ ُ
وأغر ْب ـ صادر عن رجل مصلح يريد أن ينأى عن سلوكيات ِّ أعجـ ْـب له من تساهل
تساهــل سلوكي ِّ
غرب مستهتر بالقيم ألاخالقية ،فمدرسة طاغور ال تمانع في منح املنتسبين إليها بعض اتصال ما
بين الطرفين ذكور في حدود العفة والعلن ال التستر والتخفي :إطالق لعنان من أعنة املكبوت
املشاعري ألاحاسيس ي ال الغرائزي أبدا لدى املنتسبين إلى مدرسته وهذا تح ُّـررا نسبيا من مكبوت
مشاعري أحاسيس ي عاطفي كان يعتقد طاغور أنه عائق لطاملا عرقل حركية التلقي لدى طالب
العلم بل واكتماله الروحي :اجتهاد في الطرح بل وجرأة من مصلح اجتماعي سيجعل من مدرسة
َ َ ُّ
طاغور ذات تمايز يضمن لها توافدا كبيرا عليها ،ومن ث َـم تــحقـ ُـق حظوة مادية مشهودة
َ
ستدفع بطاغور إلى الارتقاء بها إلى َمصافة جامعة وهو ما تم عام 1122إذ أنشأها مؤسسة
ْ
ـتش طاغور بما تحقق له من طموح للتعليم العالي مطلقا عليها اسم "فيستفابهراتي " .ولم ين ِّ
ُّ
علمي ونجاح مؤسساتي بل ظل ـ رغم عديد التنقالت تنق ــالته عبر ربوع املعمورة مدعوا إما
3
للمحاضرة أو إلقاء شعره -يعمل على إمداد جامعته بكبار رجاالت العلم والفكر إلى أن وافته املنية
على إثر عملية جراحية في مستشفى ملدينة Calcuttaمسقط رأسه عام .1101
توفي طاغور في أوج تألقه العلمي مخلفا وراءه قائمة طويلة جدا من النصوص إلابداعية
ُ
والكتابات الفكرية التي ترجم منها الكثير إلى لغات العالم بما في ذلك العربية والتي نكتفي بإيراد
بعض ما لنا به دراية غير مستبعدين وجود سواها ترجمات قديمة أو حديثة الصدور .
ُ
" -2طاغور" :وما ترجم له إلى العربية
يا رفيقي ،هل كنت خارج البيت في هذه الليلة العاصفة ن متابعا رحلة حبك العاشقة
إن السماء تنحب كالولهى اليائسة
يا رفيقي لم يجد النعاس الليلة سبيال إلى جفني ،في كل لحظة ،أفتح الباب
وأتقرى الظلمات بعيني
ال أملح شيئا أمامي ن وإني ألحار ين تمتد دربك .
َ ُ
يارفيقي ،ترى اي ضفة مبهمة من النهر ألاسود كاملداد ،وفي أي طرف ق ِّص ِّي من الغابة
4
املتوعدة تنشد طريقك لتأتي إلي ؟
ال يزال السأم يستبد بقلبك ن وال يزال النعاس يجاذب عينيك .
ْ ْ ُ
ألم تسمع بأن الوردة تزهى رائعة كامللكة بين الشوك ؟ استيقظ ،آه استيقظ
َ
وال تذ ْر الوقت يمر عبثا .
في نهاية الدرب الوعثاء وفي بلد الوحدة العـذراء ،يجلس رفيقي وحيدا
ْ ْ
فال تخيب انتظاره ،استيقظ ،آه استيقظ
َ
إذا خفــق الفضاء ،وارتعش في َحـر الهاجرة ن وإذا َم َّدت الرمال سربال الظمإ...
ُ
أفال تشعر بالفرح في أعماق قلبك ؟ أفال يردد ِّم ْـع َـزف الطريق على وقع كل خطوة
من خطاك موسيقى ألالم العذبة ؟
تحليل ونقــد
قصيدة "طاغور" الناظر فيها يلفيها :
ْ َُ
-1-تشكيال جماليا :قصيدة مستوفاة البهاء والرواء ،لغتها منتقاة املعجم الشعري ُم َهف َهفته،
َ
واه من السببية أو الش َبه ،متفاوتة في درجة َُ ُ
ص ـورها تتوالى متالحقة ال يكاد يربط بينها إال خيط ِّ
صورا كثيرا ما وجدناها ال تخضع لسلطان من املعهود الاعتيادي من الصور : الغرابة ،في تشكيلها ُ
ُْ ْ
اب ذاك مستفز قد يغريك بتجريب محاولة الفهم لها أو القبض على سرية تكوينيتها ِّشــبه ِّإغ ـر ِّ
َ ْ َ َ
ولكنك تبهت ،ف ــأليا عبثا تبحث لعدد من تلك الصور عن معادل موضوعي في واقع ألاشياء املعيش
أو مرجعية تراثية :إبداع في التشكيل الصوري والكتابة الشعرية ال نخفي قارئنا حيرتنا في الوصول
إلى نسبتها لتيار فني بعينه أو مدرسة ،وما نكاد نفعل أحيانا حتى تنازعنا صورة أو فقرة إلى مراجعة
القرار :أرومانسية هذه أم سوريالية أم حداثية قبل ألاوان؟ إنه نص شعري ذو نفس رومانس ي
لكنه يتجاوزه إلى شبه سوريالي في بعض ألابيات وحتى إلى ذلك الحداثي بما انطوى عليه
من غموض نسبي وجرأة تعبيرية أسلوبية ،إنه باختصار -ومن وجهة نظر خاصة بنا -تشكيل
لغوي صوري ال يكاد يستقر على خصائص مدرسة أدبية أو تيار وكأنما هو يهزأ بهم جميعا إال قليال
ْ
عنصريــه الاثنين :اللغوي والصوري .وعليه ،النص املتدارس ُهنا له في
ما يشفع له ما تمتع به من اعتبار نقدي وتقدير ونحسبه جديرا به مستحقا .
5
هذا ،أما إن جئت إلى ِّبــنيته الفكرية أو قل املضمون بلغة القدامى – فهنا يقوم مربط
ْ َ
الفرس أي إلاشكال وخالفنا مع النقاد ممن تعرضوا لهذا النص ُم ــث ـ ِّنين عليه ثناءهم ونحن ال
َ
نجاريهم فيما فعلوا ،ذاك أن هذا النص ـ إذا ما استثنيت جانبه الشكلي التشكيلي فإنه ـ مضموناـ
وعال عن ذلك الظمآن املاض ي في اتجاه ما جل َيغدو قابال ألن ينطبق عليه إجماال مؤدى قول الحق َ
يحسبه ماء،حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ،بمعنى أنه من املتعذر على قارئ هذا النص القبض على
ما يمكن الاعتداد به كفكرة متراصة العناصر متناميتها متكاملتها ،القصيدة ،على خالف
َ
مستواها الشكالني الفني ،تسقط على طول مئات أبياتها في تهويمات ُمناجاتية ال يكاد َيـ ْـرشح من
َ َ ُّ َ
تأو ُه ت َحـ ُّـسـ ُـر يتلوه تأ ُّوه آخر ُمعاتب متحسر وهكذا دواليك خالل صوائتها وصوامتها ما ينفع الناس ،
َ َ َ
ذاتوي إلى آخر بيت في الفقرة ،الفقرات والتي ال يغيض لها معين تشـ ِّـك
َ
أن ِّوي لدى شاعرنا الهندي الكبير.
َ ُ َّ
والسؤال :هل ُسلـ ُـم العاملية ذاك تراه ُيرتقى بمثل هذه الطروح الشعرية التي ال تكاد تخرج
َ ََ
من الذات إال لتعود إليها ؟ وهل تراها دنيا البشر خــلت من املقرفات واملنغصات الكبريات وألا ْول ــى
ُ
هي باملعالجة من مثله تكالبا على الذات غرق في لجته قلم هذا الشاعر ؟ ال أحد أنكر أو ينكر على
الشاعر حق الالتفات إلى الذات مستبطنا همومها بين الفينة والفينة لكن ال نخاله من حقه
املشروع – بوصفه ترجمان الجموع كان قديما وسيظل -أن يستنزف أغلب حبره في استرجاعها
أسطوانات شعرية مستهلكة النوتة ،فإن ابتغى ذلك لنفسه وارتضىاه كما فعل طاغور في مطولته
ُ
"جيتنجالي" فعند ذاك تصبح أهليته للعاملية وكذا الفوز بجائزة كبرى كجائزة نوبل َموضع جدل
َ
املنجــز املحدد لشروط منحها يشترط اشتراطا أن يكون العمل وذلك لكون هذه الجائزة ميثاقها
ِّ
سواء كان اختراعا أو إبداعا أو سوى ذلك قد جاء بما يخدم الناس أجمعين والسؤال :هل قصيدة
"جيتنجالي" لطاغور تضرب في هذا الاتجاه الخدماتي للبشرية جمعاء ؟
َْ
مالبسات جيوسياسية تاريخية لعام 1110وهو زمن فوز طاغور بجائزة نوبل لألدب تكـ ِّـش ــف
حرب عاملية أولى :التوتر هو على أشده وبراميل البارود على وشك الانفجار ،
غداة اندالع ِّ
ِّ لنا عن
وما أحوج البشرية يومها إلى من يأخذ بيدها ،يهديها سبلها سبل السالم ،ال إلى من يوليها
القفا ليتقوقع على الذات بمعنى يخذلها خذالنا كما فعل "طاغور"":رابندرانات طاغور" في مثلها
َ
ساعة للعسرة ،كانت أو كادت تكون شجرة شعره على ورافة أغصانها وعديد أكمامها شجرة من
6
الصعب العثور فيها على ما يمكن اعتباره ثمرة فيها نفع للناس ،وقصيدة " جيتنجالي " املحصل
بها على جائزة نوبل شاهد نص ي على ذلك،فهي ال تتجاوب ملقتضيات أو متطلبات:
- 1زمكانية محلية واملقصود بهذا واقعا هنديا غارقا إلى ألاذقان في وحل الاستعباد والفقر بل
قل املجاعة الجماعية ،ومئات املاليين من بني الوطن ُيــداسون بأقدام ومجنزرات إلانكليز الغرباء
املحتلين.
-2زمكانية عاملية :العالم هو في طور التملمالت ألاخيرة السابقة لوقوعها طامة عاملية كبرى ؟
والظرف الزمكاني :عامليا ومحليا هو على ذلك الحال من التشنج والتكهرب ،كيف
وهام ِّته أن يفكر في طرحه مولودا شعريا على هذه الشاكلة َ يكون لشاعر في قامة طاغور
والنحو أي سلسلة طويلة من ألابيات عشراتها بل مئاتها متصاممة عن الهم العاملي وإلاقليمي :
اك منغا قة غرقا في سديمية ذات مأزومة بهموم لها خاصة والتي ال تكاد ُتـ ْـفهم لها ماهية ملا إ ْنـ َـح َ
ِّ ِّ ر
حولها وحواليها من صور معتمة مبهمة إال قليال؟
َ ـرده البعض علينا َ إنه تساؤل قد َيـ ُّ
متح ِّج ـ ِّـجين بما هو من قبيل قولة في الشعر شهيرة
وقاصـها الكبير ،مؤداها :أن الشعر ُّ لبورخيس (خورخي لويس ) ( : )1160-1611شاعر ألارجنتين
"ينبع من مكان عميق فيما وراء الذكاء ،وقد ال يرتبط حتى بالحكمة ،إنه الش يء في ذاته ،له
طبيعة تختص به ":
تصور غريب للشعر طرحه "بورخيس" في مجال الشعر يتعين على الناقد الحصيف أن يتبينُّ
إن كان مثل هذا التصور قد عمل به صاحبه وحققه فيما َأمـ َّـد به الناس من نصوص شعرية؟هذا
وعلى ذكر "بورخيس" ال بأس من التذكير بأنه أحد املعاصرين للشاعر الهندي واملتمتعين بحضور
إعالمي عاملي واسع وربما فاق شهرة وتجديدا ِّنــده الهندي إال أنه لم يفز بها جائزة لنوبل طول
َ َ
حياته ووقع الاختيار وباكرا جدا على "طاغور " وقصيدته "جيتنجالي" تحديدا ؟ فـ ِّـلـ َـم تم هذا
الاختيار والتفضيل لطاغور على سواه؟
الرد ردنا نسوقه في التالي من السطور :
ُ
جائزة نوبل أحسبها كانت قـ َـب ْيل عام 1110قد ُع ِّقدت ِّخطبتها سرا في الكواليس على
"طاغور" خدمة ألغراض سياسية مكيافيلية بوصفه فرس سباق رابحة لبلد شاسع شساعة تلك
ُ َ
ومـ َّـدخ ـراته على مدى قرابة قرن من الزمن وكان بريطانيا الاستعمارية كانت قد استنفذت خيراته
7
التذمر الجماهيري يتصاعد وينذر بقرب انفجار ،ولتفادي الخطر الداهم البد من مغازلة الحس
الشعبي الهندي واسترضائه فكان املنح للجائزة لطاغور مما ترتب عنه شبه تكميم للفم فمه وكذا
قلمه عن كل دعم ولو أدبي لحركة التحرر واملقاومة املسلحة :حياد سلبي تشهد عليه قصائد
بالعشرات واملئات غارقة في أحالمها الوردية وتأمالتها الفلسفية وكأن الهند كان ينعم بنعيمه
ألارض ي على زمن الاحتالل البريطاني ،احتالل لم يكفه ما سلطه على الشعب الهندي من ويالت من
ُ ْ
مثل املجاعتين الك ْبـ َـري ـين:
-ألاولى :عام 1600والتي ْأودت بما ال يقل عن مليون من الساكنة الهندية وتلك
املجاعة املجاعة الثانية لعام 1611وقد حصدت ما ال يقل عن 1ماليين من ساكنة الـمقاطعة
الهندية املعروفة بـ ، Dekkan
أضف إلى واقع راهن كله جوع وإدقاع واضطهاد شعبي جماعي هو ذا املسمى طاغور شاعر
َ ُْ
صل ُح كمادة للكتابة والشجب ألادبي ما الهند لم يجد في فواجعها املجتمعية ومآسيها املتعاقبة ما ي
يقدح قريحته أي ما يقدح قريحته الشعرية.
ُ
شاد به عامليا أنه:
املحير في ألامر أمر هذا الشاعر الهندي امل ِّ
ـ بدل التصدي لهذا الغازي البريطاني ولو ِّبحد السالح الشعري أو سواها من وسائل استرداد
َ َ
الكرامة ولو كانت مقاومة بصيغة "ال خوف ،العنف" السلمية التي اعتمدها الزعيم الهندي
َ ُّ
املهاتما غاندي (، )1106 – 1601فإن املسمى طاغور ،وعلى عكس كل تـ َـوقــع ،راح َيريش بسهام
النقد نقده الشديد بطل املقاومة الشهير غاندي .وموقف طاغور هذا من غاندي رمز
املقاومة الهندية يكاد يطابق تمام املطابقة موقف شاعر مصر الكبير أحمد شوقي الذي لم يجد ما
ينظمه في بطل املقاومة املصرية أحمد عرابي غداة قرار إلانكليز بنفيه إال قوله:
صغار في الذهاب وفي إلاياب أهذا كل شأنك يا عرابي ؟
َ ُ
ُمماألة للمحتــل البريطاني في كلتي الحالتين من طرف الشاعرين الكبيرين شوقي وطاغور مع
مبالغة مفرطة من ِّق َبل هذا ألاخير في املهادنة واملساملة شاهدة عليه تهويماته الشعرية الغارقة في
سماوات الجمال والتأمل الفلسفي التصوفي وابتعاده إن لم يكن تطليقه للشعر الحماس ي الوطني
املستنهض للهمم ،وهو الحياد السلبي إن لم يكن الانهزامي الذي اطمأنت له السلطات البريطانية
الحاكمة فبادرت عن طريق ملكها جورج الخامس إلى منحه "وسام الفارس" والذي ظل طاغور
8
يوشح به صدره ولم يكن ليطرحه إال يوم أن جاءه النبأ بتقتيل الجيش البريطاني ملا ال يقل عن
033مواطن هندي كانوا في مظاهرة احتجاجية سلمية.
ُ
كتابة طاغور الشعرية قد توهم الواقف عليها ،املتتبع لشطحاتها شبه الصوفية أو
َّ َ
متخف في غورها البعيد ،ولو سلمنا بذلك ،فهل ما يكون ِّ الفلسفية بوجود مضمون عميق رفيع
ُْ
من حق كل قارئ قارئ ـ وعلى وجه الخصوص املنتمي إلى الهند ـ التساؤل :هل ِّمثــله
َ
ُ
املطلوب شكله الكتابي وأسلوبه في املرحلة الراهنة بالنسبة مضمونا متلبسا ُسـ ُـدف الغموض هو
لشعب ذي البطالة والجهالة والتخلف ضاربة أطنابها في عمق أعماق جموعه؟
إن لجنة التحكيم العاملية بقبولها منح جائزة نوبل لطاغور البن الخمسين سنة لم تقم به
فعال دون احتساب للربح والخسارة ونحسب أن الثمن الواجب دفعه من جانب طاغور مقابل هذا
التكريم العاملي له هو صمته وإقالعه عن التحريض على مخازي املستعمر إلانكليزي وهو ما تحقق
:صمت ،حياد سلبي ليس هو ألاول وال ألاخير في تاريخ املساومات ،فما وقع لشاعر الهند الكبير
طاغور نحسب مثيله وقع ألمير املقاومة الجزائرية محي الدين عبد القادر الجزائري حين ر ِّضـ َـي
ُ
املـ ْـه َ
دى له من طرف عدوه الفرنس ي نابليون بونابارتالفرنس ي :كال الكبيرين باستالم السيف الذهبي
طاغور وألامير عبد القادر أخالهما انهزما يومئذ إذ ألقيا باملنشفة كمالكمين في جولة من جوالت
الصراع الحاسمة وهذا ليخلدا َسـ ِّـويا إلى التأمل الفلسفي التصوفي وغير ذلك من ألامور إال ما تعلق
باملقاومة التحررية لبلديهما .
إن طاغور هذا الاسم املتألق في سماء الشعر العاملي نخاله بموقفه السلبي من قضية تحرير
وطنه من قبضة إلانكليز ليس هو املوقف السلبي الوحيد املسجل عليه وإنما هناك ما ال يقل عنه
سلبية وغرابة ويتمثل فيي موقفه مما يعرف بقضية "املنبوذين" أو les intouchablesبالفرنسية
،أو Dalitsباالنكليزية :موقفه منهم ومن قضيتهم املأساوية أقل ما يمكن وصفه به هو الفتور
وعدم التحمس حتى ال نقول التغاض ي ،فمن عساهم يكون هؤالء املسمون "املنبوذين" les
intouchables؟
للتذكير ،يجدر التنبيه إلى أن املجتمع الهندي مجتمع طبقي بامتياز ال يزال ُي َميز ما بين أبناء
َ
الطينة البشرية الواحدة فيقسمها ومن لحظة الوالدة وبحكم الوراثة إلى طبقات خمسة يقف َعلى
ْ
أعلى هرميتها التراتبية ":الـ َـبر ْاه َمة " وأدناها املسمون ":املنبوذون"
ْ
9
إنهم ـ أي املنبوذون -في الاعتبار الهندي أنجاس ِّدنـ ُـسون ال َحـ َّـق لهم في ما ِّلسواهم من الفئات
ُ َ َ
ألاربعة ألاخرى من حقوق َ :سكــنا كان أو تعليما،وال حتى استفادة من ماء بئر جماعي وذاك املوت
َّ َ قد يكون
نصيبهم في حال التماس الجسدي مع أحد البراهمة ،أما إن تقاطع ظل املنبوذ الهندي
ـلوث ِّبدنس َووجب الغسل بل التطهر وفق بمثله لواحد من البراهمة فإن في ذلك ما ُيمثل ش ْبه َتـ ُّ
ِّ
ُ ْ ُ َ
طقوسية البراهمة في التطهر وووو :ظلم ،تعسفات بل قــل حوبا كبيرا مسلطا على من ال نحسبهم
أقلية عددية حتى ُي ـظـ َّـن أن ذلك سبب الاستهانة بهم ،بل هم أولئك ووفق إحصائية لعام 2311ال
ينأون عن ما ال يقل عن 211مليون منبوذ:
والسؤال الحتمي :أينهم ُ
كمدانين مهانين هنود من شعر طاغور؟
عدا اهتمامة محتشمة من َ
قبله في بداية املسار الحياتي ،فتيمة املنبوذين ال تكاد تكر ضمن
مركزية الهواجس الشغرية لطاغور؟ أيكون لذلك من سبب مقنع عن هذا التراجع وشبه الاستقالة
من قبل طاغور عن أوجب واجباته الشعرية ؟ ِّول ـ َـم فعلها طاغور وربما آخرون من مثله
لسانا وموطنا ؟
َْ ْ َ َ
ال سبب في رأينا الخاص لذاك التجاهل إال ِّثــق ـ َـل ما استلمت يدا شاعرنا الهندي "ر ِّابندرانات
طاغور" ذات عام 1110من ريع جائزة نحن ال نشكك في نبل الفكرة املبدئية التي قامت عليها واردة
في نص الوصية مخطوطة بيد مؤسسها العالم الكبير ألفرد نوبل عام ،1131وإنما الخبث كامن
كمونا فيما علق بها من شبهات شابتها مع تعاقب ألايام على يد من وظفوها ألغراضهم الدنيئة
منطلقين من مؤدى ما يلخصه أيما تلخيص بليغ بيت شهير للمسمى أبي الفتح البستي جاء فيه:
ُ َ َ َ َ
ـعبــد إلانسان إحسانفطاملا استـ تستعبد ُق َ
لوبهم ْ أح ِّسـ ْـن إلى الناس
ْ
10
َ ُ
شاعر ألارجنتين بورخيس ـ ليس بامل َلزم ضرورة :ضرورة سرمدية أن يكون الشعر معاديا للحكمة أو
السياسة أو غير ذلك من شواغل الحياة وهمومها وإن كان هناك لزاما من تضحية تقدم خدمة
َ
للبشري املقهور فال ت َر ُّد َد عندنا من التضحية بزخرفيات النص إذا كان في ذلك ما يمكن من إسماع
صوت املقهورين وتمكينهم على أمد من آلاماد من حقوقهم املشروعة وهو ما لم يتحقق شرطه
الفني واملوضوعاتي وال السياس ي في نصية طاغور التي بها ألالسن وألاقالم الناقدة ال تنفك الهجة
ممتدحة.
11