You are on page 1of 15

‫ترجمة العنوان عند سعد هللا‬

‫محمد شوشاني عبيدي‬


‫جامعة الشهيد حمه لخضر‪ ،‬الوادي‬
‫‪ -‬الجزائر ‪-‬‬
‫‪mohammed-chouchaniabidi@univ-eloued.dz‬‬

‫تاريخ النشر‪2018/12/31 :‬‬ ‫تاريخ اإلرسال‪ 2018/03/19 :‬تاريخ املراجعة‪2018/05/18 :‬‬

‫امللخص‪:‬‬
‫لم يكن أبو القاسم سعد مؤرخا موسوعيا وفقط‪ ،‬بل كان مترجما ودارسا‬
‫للترجمة أحيانا‪ ،‬وهذا ما يلحظه القارئ ملؤلفاته وترجماته‪ ،‬وبخاصة في كتابه تاريخ الجزائر‬
‫الثقافي‪-‬املجلد السادس‪ -‬وترجمته لكتاب حياة األمير عبد القادر‪ .‬ولكن املميز في كل‬
‫ترجماته‪،‬ولجوؤه إلى تغيير عناوين الكتب واملقاالت التاريخية التي ترجمها‪ .‬وهو يترجم بهذه‬
‫الطريقة انطالقا من قناعات يستند إليها‪ .‬نسعى في هذا البحث‪ ،‬لتسليط الضوء على‬
‫دراسة العنوان‪ ،‬وطرائق ترجمته‪ ،‬ثم نحاول مقارنتها ببعض العناوين التي ترجمها‪ ،‬ونبين‬
‫الحجج التي استند عليها في ذلك‪ ،‬كي نصل في األخير إلى معرفة اآلليات املعتمدة في ترجمته‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‪ :‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬الترجمة التاريخية‪ ،‬الترجمة املتخصصة‪،‬‬
‫عتبات الترجمة‪ ،‬العنوان‪ ،‬العنونة‪.‬‬
‫‪Translation of the title by Saad Allah‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪Abu Al Qasem Saad Allah was not only an encyclopaedic‬‬
‫‪historian but also was a translator and sometimes a theorist in‬‬
‫‪translation. This trend can be immediately identified in his works,‬‬
‫‪especially in his book The Cultural History of Algeria (6th volume),‬‬
‫‪and his translation The Life of Emir Abd-el-Kader. The most peculiar‬‬
‫‪feature of his translations was his tendency to change totally the titles‬‬
‫‪while translating books or even historical articles, as he was‬‬
‫‪convinced that it was the right choice. In this article, we seek to shed‬‬
‫‪light on the techniques used for translating titles in order to compare‬‬
‫‪them with what Saad Allah followed in order to define at the end his‬‬
‫‪approach of translation.‬‬

‫‪89‬‬ ‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬


‫محمد شوشاني عبيدي‬

‫‪Keywords: Abu Al Qasem SaadAllah, The historical translation,‬‬


‫‪Specialized Translation, The threshold of translation, Title, Titling‬‬

‫املقدمة ‪:‬‬
‫إن الحديث عن املؤرخ الجزائري أبي القاسم سعد هللا ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬ليس‬‫ّ‬
‫وليد اللحظة‪ ،‬وال يمكن بحال من األحوال‪ ،‬أن يشتمله باحث بالدارسة في كتاب‬
‫َّ‬
‫واحد‪ .‬فهو قامة علمية خطت لنفسها مكانا بين الباحثين على املستوى العاملي‪ .‬وهو‬
‫موسوعة علمية فذة في عديد املجاالت‪ ،‬كتب وترجم في التاريخ واألدب والسياسة‬
‫واالقتصاد وغير ذلك‪ ،‬مما يهم بالده و يشغل أهلها‪ .‬ولعل ما يميز كتابات سعد هللا‬
‫وترجماته بالخصوص‪ ،‬هو عدم اكتفائه بالكتابة أو الترجمة فقط‪ ،‬وإنما كان يلجأ‬
‫إلى الحواش ي أو ما يعرف بالهوامش‪ ،‬فيخلق لنفسه فسحة ُيفسر فيها ُم ً‬
‫بهما أو‬
‫معدال تارة‪ ،‬وناقدا تارة أخرى‪ .‬كان يغير في نصوصه املترجمة‬ ‫يشرح فيها فكرة‪ّ ،‬‬
‫تغييرات عديدة‪ ،‬تصل إلى درجة االختالف الكلي عن األصل املترجم‪ .‬ولعل أوضحها‬
‫تلك التي كانت تمس عناوين ترجماته‪ ،‬حيث يغير العنوان سواء بالحذف أو‬
‫البدال‪ ،‬بالزيادة أو النقصان‪ ،‬ويفسر أسباب لجوئه إلى ذلك في حواش ي الكتاب‪.‬‬
‫نحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على ما يميز منهجه في الترجمة عموما وترجمة‬
‫العنوان خصوصا‪ ،‬وكيف كان يترجم العنوان وأسباب لجوئه إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ .1‬من هو سعد هللا‪:‬‬
‫هو أبو القاسم سعد هللا من مواليد "قمار" والية الوادي‪ ،‬الجزائر سنة‬
‫‪ .1930‬حفظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ العلوم من لغة ودين وغير ذلك‪ ،‬على يد‬
‫عدد كبير من الشيوخ واألساتذة تفرقوا بين الجزائر وتونس ومصر‪ .‬وهو من‬
‫رجاالت الفكر البارزين ومن أعالم الجزائر املشهورين‪ ،‬له سجل حافل بالنتاج‬
‫العلمي واألكاديمي‪ ،‬تنوع بين التاريخ والترجمة واألدب وغير ذلك‪ .‬وهو املترجم‬
‫املوسوعي الذي تخصص في الترجمة التاريخية والترجمة األدبية وأبدع فيهما‪ ،‬كتب‬
‫للترجمة وعن الترجمة وروادها في الجزائر‪ ،‬وترجم كتبا ومقاالت وبحوثا وعلق عن‬
‫نصوص وكتب أجنبية أخرى‪ .‬إضافة إلى العربية‪ ،‬وكان يتقن اللغة الفرنسية‬
‫واالنجليزية ودرس الفارسية واألملانية‪ ،‬توفي يوم ‪ 14‬ديسمبر ‪ ،2013‬وترك وراءه‬
‫مكتبة زاخرة بمختلف الدراسات والكتب‪.‬‬

‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬ ‫‪90‬‬


‫ترجمة العنوان عند سعد هللا‬

‫‪ .2‬مفهوم الترجمة عند أبي القاسم سعد هللا‪:‬‬


‫ص سعد هللا للترجمة حيزا كبيرا من إنتاجه العلمي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫خص َ‬
‫واشتغل بها ولم يهملها أبدا‪ .‬لقد كانت بوابته للمعرفة والفكر‪ ،‬ووسيلة‬
‫استعان بها في إيصال أعماله للمتلقي العربي‪ .‬وساهم بها في نقل مجموعة‬
‫كبيرة من الدراسات التي تخص الجزائر وما يتعلق بها من الثقافات األخرى‬
‫إلى اللغة العربية‪ .‬فكما استعملها أداة يشحذ بها مؤلفاته وكتبه‪ ،‬كتب عنها‬
‫ولها؛ فالترجمة عنده باختصار " فن وهواية‪ ،‬فن ألهل االختصاص يخضع‬
‫لقواعد وأساليب يتبعونها ويعملون بها ويعلمونها غيرهم‪ ،‬وهواية ألن‬
‫صاحبها يختارها اختيارا شخصيا‪ ،‬يستمتع به ويتخذها صنعة يركن‬
‫اليها"‪.1‬‬
‫كان سعد هللا موسوعة في الترجمة بحق‪ ،‬فهو قد ترجم في األدب‬
‫‪" :‬رسائل توماس كامبل عن األدب الجزائري باللغة االنجليزية"‪ ،‬ونشرها في‬
‫كتابه دراسات في األدب الجزائري الحديث‪ ،‬وترجم في السياسة والتاريخ‬
‫ّ‬
‫وغير ذلك مما نشره في مختلف إصداراته ‪ ..‬إال أنه كان يترجم حسب مزاج‬
‫املرحلة التاريخية التي عاشها‪ ،‬أو حسب ارتباط عمله بإصدار أو بحث‬
‫يقوم به‪ .‬وعليه جاءت ترجماته مقصودة في مجملها وليست عفوية‪.‬‬
‫واملترجم الذي يروم التخصص في عمله الترجمي‪ ،‬ال بد أن يواجه‬
‫العديد من الصعوبات والعراقيل‪ ،‬خاصة في مجال الدراسات التاريخية‪.‬‬
‫ومن بين تلك العراقيل‪" ،‬كثرة النصوص للمادة الواحدة‪ ،‬مما يؤدي إلى‬
‫كثرة التفاسير واالختالف حول التفاصيل ومن ثم الترجمات‪ 2".‬وهنا ال‬
‫يمكن لغير املتخصص إدراك أي النصوص أصح‪ ،‬وأي املواد أنسب‬
‫إن لكل فرع من فروع املعرفة لغة خاصة ومصطلحات خاصة‬ ‫للترجمة‪ .‬ثم ّ‬
‫به‪ ،‬تقتض ي من املترجم إتقانها والتحكم فيها‪ ،‬فال يستطيع مشتغل التاريخ‬
‫أن يترجم أدبا وال صاحب الكيمياء أن يترجم شعرا‪ ،‬دون أن يتخصص في‬
‫املادة التي يترجم منها وإليها‪ .‬كما أن املترجم الذي ال يرتبط بالتخصص‬
‫الذي يترجم له‪ ،‬ال يمكنه التفاعل بتاتا مع املادة املترجمة ومن ثم القارئ‪.‬‬

‫‪91‬‬ ‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬


‫محمد شوشاني عبيدي‬

‫فهو ناقل فقط‪ ،‬ال يحس بإحساس الباحث وتضيع املادة املترجمة بين يديه‪ ،‬ويخبو‬
‫تأثيرها والفائدة املرجوة منها‪ ،‬ليعزف القراء في األخير عن قراءتها‪3.‬‬

‫وبغية التغلب عن تلك العراقيل وغيرها‪ ،‬استغل سعد هللا ما يعرف‬


‫بالعتبات الترجمية‪ 4‬املتمثلة في (مقدمة املترجم والهوامش واملالحق وصفحة‬
‫العنوان وغير ذلك)‪ ،‬مما ُيسمح فيها للمترجم من تفسير ُم ْب ٍهم أو دعم رأي أو دحض‬
‫فكرة يراها مضرة باملادة املترجمة أو املترجم له‪ ،‬أو غير ذلك من الغايات التي‬
‫تحددها ظروف الترجمة وتلزمه التدخل‪ 5.‬والقارئ يواجه عند مباشرة عملية‬
‫القراءة مجموعة من العتبات النصية والتي هي أساسية للدخول إلى ردهات النص‬
‫وكشف أغواره‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فهي موجودة لتقديم النص وتأكيد وجوده في‬
‫العالم لحظة تلقيه واستهالكه‪ .‬وأول هذه العتبات الواجب دراستها‪ ،‬نجد العنوان‬
‫الذي عليه مدار التحليل ورأس األمر كله‪ ،‬فال ولوج للنص إال من خالله‪ ،‬فهو كما‬
‫يقول عبد القادر رحيم‪ ،‬الفتة داللية ذات طاقات مكتنزة ‪6.‬‬

‫‪ .3‬مفهوم العنوان ‪:‬‬


‫يرى عبد الحق بلعابد في كتابه "عتبات جيرارد" أن العنوان هو‪" :‬مجموعة‬
‫من العالمات اللسانية التي تظهر على رأس نص ما‪ ،‬قصد تعيينه وتحديد مضمونه‬
‫الشامل وكذا جمهوره املستهدف‪ 7".‬حيث يستحيل الولوج إلى محتوى أي نص دون‬
‫املرور عبر هذه البوابة‪ ،‬فهو‪ -‬أي العنوان‪ -‬املرآة التي تعكس مضمون النص برمته‬
‫وفكرته األساسية‪ 8.‬كما أن العنوان ال يكتفي بتعريف النص وإنما يحمل قيما‬
‫أخرى‪ ،‬لطاملا أكد عليها روالن بارت بقوله أن " العناوين عبارة عن أنظمة داللية‬
‫سيميولوجية تحمل في طياتها قيما أخالقية واجتماعية وأيديولوجيه"‪ 9،‬ترتبط من‬
‫خاللها بالقارئ وتنقله من القراءة السطحية للنصوص التي أمامه إلى قراءة معمقة‬
‫مفهومة‪ ،‬تصل به إلى درجة التعلق بما يقرأ‪.‬‬
‫ثم إن القارئ ال يمكنه بتاتا تغافل العنوان وإهماله فهو العتبة األولى‬
‫للقراءة أيضا‪ ،‬يمنح للكتاب اسما ويعينه بأكبر قدر ممكن من الدقة والحرص على‬
‫عدم الوقوع في االلتباس‪ ،‬ليتميز عن غيره‪ 10.‬فال يختلط بالكتب أو النصوص‬
‫األخرى‪ .‬و بغية تحقيق ذلك‪ ،‬يجب أن يكون العنوان جذابا ذا معنى و مغزى‪" ،‬حتى‬

‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬ ‫‪92‬‬


‫ترجمة العنوان عند سعد هللا‬

‫وان كان اسم علم وله صلة باألصل ولو من باب التعريف به وحسب‪ 11".‬كما يجب‬
‫أن يؤكد للقارئ مالءمة الكتاب لذوقه وحاجاته‪ ،‬فال يأتي العنوان مبتورا عن نصه‬
‫بعيدا عن القارئ ورغبته فهو يحمل من األساس‪" ،‬رسالة يتبادلها املرسل واملرسل‬
‫اليه‪ ،‬فيسهمان في التواصل املعرفي والجمالي‪12".‬‬

‫‪ .4‬أهمية العنوان‪:‬‬
‫إن العنوان هو املفتاح الضروري لسبر أغوار النص والتعمق في شعابة‬
‫التائهة والسفر في دهاليزه املمتدة‪ ،‬كما أشار إلى ذلك جميل حمداوي في كتابه‬
‫السيميوطيقا والعنونة‪ 13.‬وهو الوسيلة الناجحة التي يمكن لصاحب النص أن‬
‫يتسلح بها لجلب اهتمام القارئ وإغرائه بقراءتها‪ .‬وذلك ملا تحمله من رسالة لغوية‬
‫تعرف بتلك الهوية وتحدد مضمونها‪ 14.‬وتتجلى أهمية العنوان في مايثيره من‬
‫تساؤالت ال نلقى لها إجابة اال مع نهاية العمل‪ .‬فهو يفتح شهية القارئ للقراءة أكثر‪،‬‬
‫من خالل تراكم عالمات االستفهام في ذهنه‪ ،‬فيضطر إلى دخول عالم النص بحثا‬
‫عن إجابات لها واسقاطها على العنوان مما يرسخ درجة استيعابه ويجعله مرتبطا‬
‫بالنص ومتعلقا به‪15.‬‬

‫ويؤكد بلعابد بأن للعنوان قيمتين‪ ،‬قيمة جمالية ترتبط بوظيفته الشعرية‬
‫التي يبثها فيه الكاتب‪ ،‬وقيمة تجارية سلعية تنشطها الطاقة الغرائية التي تدفع‬
‫بفضول القراء للكشف عن غموضه وغرابته‪ 16.‬وهو بذلك يؤدي عدة وظائف‬
‫ترتبط ارتباطا وثيقا ببعضها؛ وظيفة تعينية يعين بها العنوان اسم الكتاب أو النص‬
‫وترتبط به ارتباطا ال استغناء عنها‪ ،‬ووظيفة وصفية تحدد مضمون النص شرحا‬
‫وتفسيرا‪ ،‬ووظيفة إغرائية يجذب بها العنوان انتباه قرائه‪ ،‬وينجح ملَّا يناسب ّ‬
‫نصه‬
‫حدثا بذلك تشويقا وانتظارا لدى القارئ بما يخلق لديه من رغبة القراءة‬ ‫ُم ِ‬
‫واالستمرار فيها وبالتالي اقتناءة والتعلق به‪17.‬‬

‫‪ .5‬ترجمة العنوان ‪:‬‬


‫قد يمثل العنوان أول عناصر النص التي يجب على املترجم‬
‫ترجمتها‪ .‬ومعنى هذا أن املترجم مطالب بالتدقيق والتركيز على القيام‬
‫َّ‬
‫بالترجمة‪ ...‬فهو إما يخلق عندك الرغبة واالنجذاب إلى هذا املؤلف وإما أن‬

‫‪93‬‬ ‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬


‫محمد شوشاني عبيدي‬

‫يدفع بك إلى الكف أو الغض عن قراءته‪ .‬إن العنوان‪ ،‬وان استتفتح بسواده بياض‬
‫الورقة أو املطبوع عموما فإنه يكون آخر األطراف النصية امللتحقة بالركب‬
‫الكتابي‪ ..‬قد يكون من الحكمة وضعه في الحسبان ومراعاة تراتيبه املتأخرة لحظة‬
‫ممارسة فعل الترجمة‪ ،‬بمعنى إرجاء ترجمة عبارة العنوان إلى حين نفض اليد من‬
‫غبار النص األكبر‪ 18.‬وغالبا ما تعرف العناوين بعد ترجمتها نوعا من االنحراف‬
‫والتشويه‪ ،‬خصوصا حينها يتعلق األمر بلغتين أو ثقافتين مختلفتين‪19.‬‬

‫ظل العنوان باعتباره أحد مواضيع الترجمة قليل االهتمام إال في مجال‬
‫علم الخطاب‪ ،‬كما تشير إلى ذلك مختلف الدراسات واألبحاث‪ .‬وحيث أن املترجم‬
‫يعلم في الغالب أن ترجمة العناوين صعبة‪ ،‬تقتض ي منه وقتا أطول وجهدا أكبر‪،‬‬
‫لكونها تتطلب إبداعا وبحثا كثيرين‪ ،‬فهي ال تترجم إال في سياقاتها ضمن النص الذي‬
‫وردت فيه‪ 20"،‬خاصة منها العناوين األدبية أو التاريخية‪ .‬وتؤكد منى باكير ‪Mona‬‬
‫‪ Baker‬على ضرورة إحداث العنوان نفس األثر املراد إحداثه في النص االصلي‪،‬‬
‫والذي ال يتم إال من خالل الترجمة الراجعة‪ Back Translation 21‬التي تقتض ي‬
‫إعادة ترجمة العنوان املترجم مرة أخرى إلى لغته األصلية باعتبار الترجمة هي األصل‬
‫في هذه الحالة‪ ،‬وذلك بهدف معرفة التغيير الذي طرأ على العنوان وكيف قام‬
‫املترجم بالترجمة ومعرفة أسباب لجوئه لذلك‪ .‬كما تؤكد باكير أن العنوان املترجم‬
‫يتعرض إلى العديد من التغييرات خالل عملية الترجمة التي تقتض ي أحيانا شرحا‬
‫وتفسيرا‪22.‬‬

‫‪ .6‬كيف نترجم العنوان؟‬


‫يعتمد بعض املترجمين على مبدأ الترجمة الحرة في ترجمة العناوين حسب‬
‫ما أشار اليه حسين تقي سنبلي بأنه ‪ " :‬ال بد من وجود فجوة ثقافية بين أي لغة أو‬
‫أخرى‪ ،‬وتجعل هذه الفجوة عناوين بعض الكتب واألعمال األدبية غريبة تمجها‬
‫أسماع متحدثي اللغة األخرى‪ .‬لذا يجب على املترجم أن يتبنى خطة مرنة أكثر في‬
‫الترجمة‪ ،‬وتعد الترجمة الحرة ‪ 23Free Translation‬التي تقوم على ش يء من‬
‫التصرف في النقل‪ ،‬مع ذكر املعاني األصلية املوجودة في األصل‪ 24،‬أنسب الطرائق‬
‫التي يمكن اعتمادها‪.‬‬

‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬ ‫‪94‬‬


‫ترجمة العنوان عند سعد هللا‬

‫وقد يصادف املترجم من العناوين ما يسغتربه القارئ العربي‪ ،‬ويمج سمعه‬


‫وبصره إذا ما ترجم مع مراعاة األمانة في النقل‪ ،‬مما يلزم املترجم القيام بأقلمة‬
‫العنوان ‪ Localize‬بصبغة محلية حتى يلقى إقباال ويكسبه شعبية كبيرة‪ .‬وهناك‬
‫من املترجمين من يذهبون إلى حد تحويره تحويرا كبيرا ال ينطبق مع ترجمته‬
‫الحرفية‪ 25.‬وهذا ماذهب اليه الكثير من مترجمي الكتب التاريخية واألدبية وغير‬
‫ذلك‪ .‬إن تغيير العنوان أو اختصاره تابع للنص ومضمونه‪ ،‬فإن كان في العنوان‬
‫غموض‪ ،‬فال ضير أن يترجم ترجمة توضحه بغض النظر عن طول الترجمة أو‬
‫قصرها‪26.‬ثم إن املترجم البارع هو الذي يترجم ترجمة اتصالية ضمنية غير حرفية‪،‬‬
‫بحيث تغرس في القارىء أنه يقرأ عمال مؤلفا ال مترجما أو كما يقول لينونارد فوستر‬
‫(‪ )Leonard Fosster‬عن الترجمة الجيدة بأنها تفي الغرض نفسه في اللغة الجديدة‬
‫مثلما فعل الغرض األصيل في اللغة التي كتب فيها‪ 27 .‬كما يجب على املترجم أن‬
‫يحرص على استحضار ذلك التأللؤ والبريق للعنوان‪ ،‬والصرار في ذات الوقت على‬
‫عدم الضرار ببعديه الداللي والجمالي‪ 28‬مع التفسير والشرح‪ ،‬حتى يسمح للقارئ‬
‫بربط املادة املقروءة باهتمامته‪.‬‬
‫‪ .7‬املترجم الناجح عند سعد هللا‪:‬‬
‫تحتاج الترجمة من اللغة األجنبية إلى العربية‪ ،‬حسب سعد هللا‪،‬‬
‫إلى ثقافة واسعة باللغتين‪ ،‬والسيما اللغة العربية املنقول إليها واللغة‬
‫املنقول منها‪ 29.‬ثم إن املترجم في نظره‪ ،‬يجب عليه مراعاة خصوصية‬
‫املترجم له من أسماء وأماكن ومناطق جغرافية‪ .‬فال يكتفي بالنص األصلي‬
‫أمامه وإنما يحاول أن يقرأ ويراجع ما يتعلق باملوضوع‪ْ .‬‬
‫وإن لزم األمر يزور‬
‫تلك املناطق ويحتك بأهلها‪ ،‬وهذا ما فعله في ترجمة كتاب حياة األمير عبد‬
‫القادر لشارلز هنري تشرشل‪ .‬فإذا رام املترجم النجاح في عمله الترجمي‪،‬‬
‫ينصحه سعد هللا االلتزام بما يلي‪:‬‬
‫• املحافظة على خصائص الكتابة ونوع الخط كالحروف البارزة التي يتركها‬
‫املؤلف لتأكيد معنى أو نحوه‪30.‬‬

‫‪95‬‬ ‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬


‫محمد شوشاني عبيدي‬

‫• يحق له تدعيم فكرة أو توضيحها أو إبداء رأي أو العزوف عنه أو تصحيح آية أو‬
‫مصطلح أو فهم ‪ ..‬وكل ذلك ال يكون في متن الكتاب املترجم وإنما تهميشا‪.‬‬
‫• أن يستغل جل وقته‪ ،‬سواء في املطالعة أو الكتابة أو غير ذلك مما يقوي أسلوبه‬
‫ويطور لغته ويشحذها‪ .‬واألدب كفيل بذلك حتى تشحن األفكار ويصقل القلم‬
‫وتتوسع دائرة املعرفة‪.‬‬
‫• أن يقرأ ما يريد ترجمته جيدا ويتمكن منه ويشده اليه شدا ويدرك خصائصه‬
‫ومعانيه‪ 31‬لتسهل ترجمته وتتضح عيوبه وطرق مراجعته‪.‬‬
‫• أن يوظف املترجم كل ما يمكنه من إشارات ورموز وهوامش توضيحية‪ ،‬لضفاء‬
‫توضيح أو دعوة الستزادة أو تفسير ما ال يمكن فهمه‪32.‬‬

‫• البد للمترجم من استيعاب مادة ترجمته‪ ،‬فيصوغها صياغة عربية تختفي منها‬
‫معاناته ويزيد النص قيمة وينجح في األخير في نقل أفكار املؤلف للقارئ‪ 33.‬وال يمكنه‬
‫ذلك بتاتا‪ ،‬دون أن يسيطر على لغات عمله مثلما أشرنا أعاله‪ ،‬فيتقنها إتقانا يخوله‬
‫إعادة الصياغة وتهذيب األسلوب متى شاء‪.‬‬
‫• يجب على املترجم أن يختار ما يترجم وأن يتسع علمه ملعرفة أكثر ملا يترجم ومن‬
‫يترجم له‪34.‬‬

‫• يجب على املترجم القراءة املتكررة واملتأنية ملادة ترجمته‪ ،‬حتى يتحدد له الهدف‬
‫من ترجمتها بوضوح‪.‬‬
‫• يجب أن يدرك املترجم بأنه مهمته ليست شرح العمل املترجم ووضع حواش ال‬
‫قيمة لها‪ ،‬ولو فعل ذلك لكان األفضل أن يؤلف كتابا من عنده ويريح املؤلف‬
‫األصلي والقراء معا‪ .‬ولكن مهمته تقتصر على نقل النص بأمانة‪ ،‬ثم التنبيه على ما‬
‫يجب التنبيه عليه‪ ،‬والحفاظ على روح املؤلف األصلي وأسلوبه‪ ،‬وتقديم املؤلف‬
‫للقارئ دون أن يترك تعبيرا خاصا‪ ،‬وال عالمات تعجب في املتن‪.‬‬
‫‪ .8‬ترجمة العنوان عند أبي القاسم سعد هللا‪:‬‬
‫إن ترجمة العنوان من أصعب الترجمات‪ ،‬فهو صورة النص وزبدته وبه‬
‫يعرف املتن‪ ،‬فتستحسن قراءته أو ينفر منها‪ .‬وتكمن صعوبة ترجمته‪ ،‬في الغالب‪،‬‬
‫ألنه ال يمكن فهمه وإدراكه دون قراءة النص واستيعاب معانيه‪ .‬وهي ‪ -‬أي العناوين‪-‬‬

‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬ ‫‪96‬‬


‫ترجمة العنوان عند سعد هللا‬

‫تترجم بناء على ضوابط وتقنيات ترجمية بعيدة كل البعد عن الحرفية‪،‬‬


‫خاصة في ترجمة النصوص املتخصصة‪.‬‬
‫وإن القارئ لترجمات سعد هللا‪ ،‬على اختالفها‪ ،‬يالحظ بأن أغلبها‬
‫تميز بتغيير في العناوين بعد ترجمتها ألسباب متعددة وأهداف مدروسة‪،‬‬
‫تفرضها الحاجة أحيانا أو آلرائه الخاصة أحيانا أخرى‪ .‬وقد بدل بعضها‬
‫واختصر اآلخر وأبقى على القليل مع إبداء مالحظاته على األصل‪ .‬وما ذهب‬
‫إليه سعد هللا عززته هدى مقنص بقولها إن "الطريقة الصحيحة في‬
‫ترجمة العناوين تقتض ي أقلمة العناوين الترويجية لردائها طابعا جذابا‬
‫بالنسبة لقارئ النص املترجم‪ ،‬وقد يعني ذلك أحيانا تغيير العنوان‬
‫برمته‪ 35".‬فكانت ترجماته لغاية أضمرها أحيانا وكشفها أحيانا أخرى‪.‬‬
‫وفي ما يلي نورد أمثله لبعض العناوين التي ترجمها سعد هللا‪،‬‬
‫ونحلل ما ذهب اليه والعلة من وراء التغيير‪:‬‬
‫‪The Barbary Coast. Algiers under‬‬ ‫‪ )1‬في ترجمة عنوان كتاب جون ب وولف‪:‬‬
‫‪( the Turk‬الساحل البربري‪ :‬الجزائر تحت األتراك)‪ ،‬ترجمه سعد هللا بـ ــ‪( :‬الجزائر‬
‫وأوربا ‪ )1830-1500‬وهو عنوان مغاير تماما لألصل‪ ،‬غابت فيه املادة األصلية‬
‫للعنوان‪ .‬ذلك ألن املؤلف من خالل عمله حكم حكما على الجزائر واتهمها بالضعف‬
‫والتبعية‪ ،‬واملترجم دفاعا عنها ولغيرته على وطنه‪ ،‬غير العنوان بما يوحي بالندية‬
‫ليحفظ لبلده مكانها ولكي ال يشعر قارئ النسخة العربية بالسوء‪.‬‬
‫وهذا ما يعزز إمكانية لجوء املترجم إلى تغيير عناوين ترجماته‪ ،‬بما يتناسب‬
‫مع املتلقي الجديد للكتاب املترجم‪ ،‬والذي طرح فكرة األثر السلبي املقصود للعنوان‬
‫والرسالة الجارحة لبعض العناوين وضرورة التخلص منها‪ .‬من خالل تحويرها سواء‬
‫تلخيصا وتقليصا أو تفسيرا وشرحا‪ .‬تقول منى بيكر في كتابها "الترجمة والصراع" بما‬
‫يعزز سبب لجوء سعد هللا إلى هذا التغيير‪ ،‬بأن العناوين يمكن أن تستغل وسيلة‬
‫من وسائل الصراع‪ ،‬مما يوجب املترجم أخذه بعين االعتبار‪ 36.‬وأخذ الحيطة منه‬
‫حال الترجمة‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬


‫محمد شوشاني عبيدي‬

‫تشرشل ‪The life of Abdel Kader, ex-‬‬ ‫‪ )2‬وفي ترجمته لكتاب شارلز هنري‬
‫‪sultan of the Arabs of Algeria; written from his own dictation, and‬‬
‫‪( compiled from other authentic sources. By Colonel Churchill‬حياة‬
‫األمير عبد القادر‪ .‬السلطان السابق لعرب الجزائر‪ .‬كتب من مذكراته وجمع من‬
‫مصادر موثوقة أخرى‪ .‬من طرف الكولونيل تشرشل)‪ ،‬حذف املترجم العنوان‬
‫األصلي كلية‪ ،‬وترجمه بـ ــ‪" :‬حياة األمير عبد القادر ‪ .‬تأليف شارلز هنري تشرشل"‬
‫مقلصا إياه إلى ثالث كلمات‪ ،‬بعد أن كان عبارة كاملة‪ .‬ربما ألن الكتاب يتحدث عن‬
‫حياة األمير عبد القادر الذي يعرفه القارئ العربي وال حاجة لعالمه بأنه سلطان‬
‫عرب الجزائر‪ ،‬فهو أميرهم وقائد ثورتهم تجاه املستعمر‪ .‬وهو الكتاب الذي قال عنه‬
‫الشيخ أنه وجد فيه املتعة قارئا ومترجما نظرا للتجربة الكبيرة التي خاضها في‬
‫ترجمته‪.‬‬
‫‪Voyage au camp d’Abd-el-kader (à‬‬ ‫‪ )3‬أما في كتاب أدريان بيربروجير‬
‫)‪ Hamza.. en Décembre 1837 et Janvier 1838‬الذي ترجمته الحرفية (رحلة‬
‫إلى مخيم عبد القادر (إلى حمزة‪ ..‬في ديسمبر ‪ 1837‬وجانفي ‪ ،)1838‬ترجمه سعد هللا‬
‫بـ ــ‪ " :‬مع األمير عبد القادر ‪ -‬رحلة وفد فرنس ي ملقابلة األمير عبد القادر في البويرة‬
‫(‪ ")1838-1837‬حيث لم يعتمد سعد هللا مبدأ االختصار في الترجمة‪ ،‬وإنما غير‬
‫العنوان تغييرا مع الشرح والتفسير‪ ،‬بحيث أضاف عددا من املعلومات تفهم بعد‬
‫قراءة املتن‪ ،‬وذلك بتقديم إشارة موجزة عن هذه الرحلة ومكانها ومن قام بها‪ .‬وألن‬
‫الكتاب يدخل في أدب الرحلة‪ ،‬فقد خصه املترجم بكثير من االهتمام‪ ،‬الذي يبرز‬
‫من خالل املقدمة (‪ 11‬صفحة) التي ذكر فيها تفاصيل الرحلة وأسباب ترجمتها وغير‬
‫ذلك‪ ،‬بلغة راقية وأسلوب شيق‪37.‬‬

‫‪ )4‬ومن خالل بعض تعليقاته على الكتب التي ترجمها‪ ،‬نشر سعد هللا مقاال في‬
‫جريدة الشعب بتاريخ ‪ 23/22‬مارس ‪ 1987‬بعنوان‪" :‬نظرة األمريكيين للتاريخ‬
‫الجزائري"‪ ،‬وهو في األصل عنوان إنجليزي‪( :‬من خالل العيون األجنبية ‪ :‬وجهات‬
‫النظر الغربية نحو افريقيا ‪Western Attitudes Towards North. (Through‬‬
‫)‪ Foreign Eyes‬حيث غير العنوان تغييرا جذريا‪ ،‬يوحي بأن األمر ليس له عالقة‬
‫باألصل االنجليزي‪ .‬ولكن لألسباب التي سبق ذكرها‪ ،‬من أن وجوب مراعاة املترجم ‪-‬‬

‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬ ‫‪98‬‬


‫ترجمة العنوان عند سعد هللا‬

‫خالل ترجمته‪ -‬املتلقي العربي والجزائري على وجه الخصوص‪ ،‬إذ لم يرد أن يترك في‬
‫ترجماته ما يس يء للجزائري‪ ،‬ولو على حساب األصل‪.‬‬
‫‪ )5‬ثم إنه لم يتوقف عند تغيير العناوين اختصارا أو إبداال‪ ،‬وإنما اقترح على‬
‫أصحابها في بعض الحاالت تغييرها أصال ألنها ال تناسب مادة املتن أو العتبارات‬
‫أخرى‪ .‬وكمثال على ذلك‪ ،‬أشار األستاذ بكوش إلى أن املترجم سعد هللا‪ ،‬قال عن‬
‫كتاب لهودسون أنه كان من األفضل تسمية املؤلف كتابه تاريخ الجزائر الحديث‬
‫بتاريخ فرنسا في الجزائر‪ 38.‬ألن الكتاب ال يتحدث عن الجزائر باعتبارها هي صاحبة‬
‫التاريخ وإنما عن تاريخ االحتالل الفرنس ي‪.‬‬
‫ويذكر العربي مصابيح في مقاله "السياق اللغوي" أن العناوين قد تتعرض‬
‫الختالالت عدة‪ ،‬مرة بالزيادة ومرات بالنقصان‪ ،‬خالل عملية كتابتها أو نقلها من‬
‫صفة املخطوط إلى الطباعة‪ ،‬وضرب لذلك أمثلة متعددة‪ ،‬يحدث ذلك في لغتها‪ ،‬فما‬
‫بالك حال تنقلها إلى لغة غير لغتها األصلية‪ 39.‬ثم إن الحديث على التغييرات التي‬
‫تطرأ على العنوان عند الترجمة تستدعي دراسة بعض النماذج وكشف ما يطرأ عليها‬
‫من اختالل‪ 40،‬وذلك بهدف معرفة مدى مشروعية ما ذهب اليه املترجم ودرجة تأثير‬
‫ذلك سواء على النص األصلي أو النص املترجم‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬يمكننا القول بأننا‪ ،‬ومن خالل ما عرضنا من تجربة سعد هللا‬
‫في ترجمة العنوان‪ ،‬رأيناه قد اعتمد منهجا خاصا في ترجماته‪ ،‬أوال‪ -‬ولجوءه أحيانا‬
‫إلى الترجمة التلخيصية‪ 41‬في عناوينه والترجمة الشارحة التفسيرية في نصوصه‪،‬‬
‫وبذلك فهو قد جمع بين العديد من الدراسات الحديثة في الترجمة دون أن يشير إلى‬
‫ذلك‪ .‬فإذا ما أجرينا مقارنة بين منهجه ومنهج يوجين نيدا ‪ 2011-1914‬في الترجمة‪،‬‬
‫لوجدنا بأن الثاني اعتمد في أغلب ترجماته على مبدأ املكافئ الديناميكي ‪Dynamic‬‬
‫‪ Equivalence‬الذي يركز على ضرورة إحداث األثر نفسه بين العمل املترجم‬
‫ومتلقيه‪ ،‬ويهمل األصل وشكله‪ .‬فالهدف هو تحقيق درجة االستيعاب لدى املتلقي‪42.‬‬

‫وذلك ما ذهب إليه سعد هللا في أغلب ترجماته من اهتمامه باملتلقي وضرورة‬
‫االنشغال به وإيصال املعلومة له‪ ،‬ولو على حساب األصل‪ ،‬وذلك انطالقا من‬

‫‪99‬‬ ‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬


‫محمد شوشاني عبيدي‬

‫تخصصه وهو التأريخ لبلد كان يعاني االستعمار وويالته‪ ،‬واملالحظ في ترجمات‬
‫سعد هللا أنها تميزت بالنزعة الذاتية في الترجمة‪ ،‬فهو يترجم بما يرضيه وبما يراه‬
‫مناسبا دون أن يتبع في ذلك مذهبا أو نظرية من نظريات الترجمة املعروفة‪.‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ .1‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬حصاد الخريف‪ ،‬عالم املعرفة‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص‪.142‬‬
‫‪ .2‬مراد وزناجي‪ ،‬حديث صريح مع أ د أبو القاسم سعد هللا في الفكر والثقافة واللغة‬
‫والتاريخ‪ ،‬منشورات الحبر‪ ،‬ط ‪ ،2010 ،2‬الجزائر ‪ ،‬ص‪.117‬‬
‫‪ .3‬أنظر أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬حبر على ورق‪ ،‬عالم املعرفة‪ ،2009 ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫‪ .4‬أو يقال لها‪ :‬عتبات النص أو موزايات النص‪ :‬ونقصد بها النصوص املصاحبة من‬
‫مقدمة وعناوين وهوامش وتعليقات وغير ذلك مما يشكل فسحة للمترجم ينفرد فيها‬
‫بقارئه‪.‬‬
‫‪ .5‬ينظر يحي بعيطيش‪ ،‬خصائص الفعل الترجمي عند سعد هللا‪ ،‬أعمال ملتقى‪ :‬أبو‬
‫القاسم سعد هللا مترجما‪ ،‬منشورات مختبر اللغات والترجمة‪ ،‬قسنطينة‪ ،2010 ،‬ص‪.25‬‬
‫*سبق وأن كانت بعض هذه املواد محور دراسة‪ ،‬قمنا بها عن الحديث عن منهج سعد هللا‬
‫في الترجمة مباشرة دون تقديمها للترجمة‪ .‬قدمت للملتقى الدولي‪ :‬أبو القاسم سعد هللا‬
‫بجامعة الوادي الجزائر ‪.2015‬‬
‫‪ .6‬عبد القادر رحيم‪« ،‬العنوان في النص البداعي أهميته وأنواعه»‪ ،‬مجلة كلية اآلداب‬
‫والعلوم االنسانية واالجتماعية‪ ،‬العدد ‪ 3/ 2‬جانفي‪ -‬جوان ‪ ،2008‬جامعة بسكرة الجزائر‪.‬‬
‫‪ .7‬عبد الحق بلعابد‪ « ،.‬عتبات جيرارد جينيت من النص إلى التناص»‪ ،‬منشورات‬
‫االختالف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص‪.74‬‬
‫‪ .8‬فاتحة تمزراتي‪« ،‬ترجمة العنوان في رواية الشيخ والبحر»‪ .‬مقال من‬
‫‪ /http://www.alukah.net/literature_language/0/91874‬يوم ‪2016/12/16‬‬
‫‪ .9‬روالن بارت‪ «،‬املغامرة السيميولوجية»‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الرحيم حزل‪ ،‬دار تينمل للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬مراكش‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪1993‬م‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪ .10‬محمد غرناط‪ « ،‬البعد الشهاري لغالف الرواية»‪ ،‬مجلة املترجم‪ ،‬العدد ‪ ،15‬جانفي‬
‫جوان ‪ ،2015‬دار الغرب‪ ،‬وهران‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪ .11‬بيتر نيومارك‪ ،‬الجامع في الترجمة‪ ،‬ترجمة حسن غزالة‪ ،‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪ ،2006 .1‬ص‪.84‬‬

‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬ ‫‪100‬‬


‫ترجمة العنوان عند سعد هللا‬

‫‪ .12‬جميل حمداوي‪ ،‬السيميوطيقا والعنونة‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬مج ‪ ،25‬عدد ‪ ،3‬مارس ‪،1998‬‬
‫الكويت‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫‪ .13‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ .14‬ينظر عبد القادر رحيم‪ ،‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ .15‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ .16‬عبد الحق بلعابد‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫‪ .17‬ينظر عبد القادر رحيم‪ ،‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ .18‬العربي مصابيح‪ ،‬السياق اللغوي وأثره في ترجمة العنوان‪ .‬من‪http://www.aswat- :‬‬
‫‪ elchamal.com/ar/?p=98&a=24160‬يوم ‪.2016/12/18 :‬‬
‫‪ .19‬فاتحة تمزراتي‪ ،‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪20. Lyudmila Boyko, On Translating Titles in Artistic Discourse‬‬
‫بتصرف‪ .‬بتاريخ ‪2016/12/18‬‬
‫‪www.vertimostudijos.flf.vu.lt/wp-‬‬
‫‪content/uploads/.../Vertimo_studijos_4.36-46.pdf‬‬
‫‪21. The process of reconverting a translated text back into its original‬‬
‫‪language; a translation so produced.‬‬
‫‪22. Mona Baker, Translation & Conflict, A narrative Account,‬‬
‫‪Routledge, London, 1ed, 2006, P130.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .23‬يسعى املترجم هنا إلى إبقاء صاحب النص األصلي نصب عينيه‪ ،‬لكنه ال يركز على‬
‫ّ‬
‫كلمات النص األصلي بقدر ما يركزعلى املعنى‪ ،‬كما له الحق في شرح املعنى وتفسيره بغية‬
‫توضيحه دون تغييره‪.‬‬
‫‪ .24‬حسين تقي سنبلي‪ « ،‬من صعوبات الترجمة من االنجليزية‪ ،‬ترجمة العنوان»‪ ،‬مجلة‬
‫العربية والترجمة‪ ،‬العدد ‪ ،17‬ربيع ‪ ،2014‬املنظمة العربية للترجمة‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪.156‬‬
‫‪ .25‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.158-157‬‬
‫‪ .26‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.158‬‬
‫‪ .27‬يوسف بكار‪ «،‬أنا والترجمة»‪ ،‬العربية والترجمة‪ ،‬العدد ‪ ،12‬شتاء ‪ ، 2013‬السنة‪،4‬‬
‫املنظمة العربية للترجمة‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫‪ .28‬العربي مصابيح‪« ،‬السياق اللغوي وأثره في ترجمة العنوان»‪ .‬من‪:‬‬
‫‪ http://www.aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=24160‬تاريخ ‪.2016/12/18 :‬‬
‫‪ .29‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬تاريخ الجزائر الثقافي ‪ ،1954-1830‬ج ‪ ،6‬دار البصائر‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،2007 ،‬ص‪.196‬‬

‫‪101‬‬ ‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬


‫محمد شوشاني عبيدي‬

‫‪ .30‬شارلز هنري تشرشل‪ ،‬حياة االمير عبد القادر‪ ،‬تر ‪ .‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬عالم‬
‫املعرفة‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص‪.53‬‬
‫‪ .31‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬هموم حضارية‪ ،‬عالم املعرفة‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص‪.152‬‬
‫‪ .32‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬شعوب وقوميات‪ ،‬دار البصائر‪ ،‬ط ‪ ،02‬الجزائر‪،2008 ،‬‬
‫ص‪ ،79/ 09‬الهامش‪.‬‬
‫‪ .33‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬حبر على ورق‪ ،‬ص‪. 121‬‬
‫‪ .34‬جون بوولف‪ ،‬الجزائر وأوربا‪ ،‬تر‪ .‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬عالم املعرفة‪،2009 ،‬‬
‫الجزائر ‪ ،‬ص‪. 08‬‬
‫‪ .35‬كريستين دوريو‪ ،‬أسس تدريس الترجمة التقنية‪ ،‬ترجمة هدى مقنص‪ ،‬املنظمة‬
‫العربية للترجمة‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط ‪ ،2007 ،1‬ص ‪.11‬‬
‫‪36. See: Mona Baker, Ibid. pp 129-130.‬‬
‫‪ .37‬ينظر‪ ،‬أحسن تليالني‪ « ،‬جهود "أبو القاسم سعد هللا " في ترجمة أدب الرحلة من‬
‫خالل عرض و قراءة كتاب ‪ :‬مع األمير عبد القادر ‪ ،‬رحلة وفد فرنس ي ملقابلة األمير في‬
‫البويرة ‪ ،1838 - 1837‬تأليف ‪ :‬أدريان بير بروجير ‪ ،‬ترجمة و تعليق ‪ :‬الدكتور أبو القاسم‬
‫سعد هللا »‪ ،‬املجلة العاملية للترجمة الحديثة‪ ،‬ع ‪ ،04‬منشورات مختبر اللغات و الترجمة‪،‬‬
‫‪ ،2010‬قسنطينة‪،‬ص ص ‪.58-54‬‬
‫‪ .38‬بكوش محمد الصالح في كتاب‪ « :‬رحیل شیخ املؤرخين الجزائریين أبو القاسم سعد‬
‫هللا بأقالم أحبابه»‪ ،‬ملحمد األمين بلغیث ‪ ،‬دار البصائر ط ‪ ،01 ،2014‬الجزائر‪ ،‬ص‪511‬‬
‫‪ .39‬ينظر العربي مصابيح‪ ،‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪ .40‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ .41‬خالل الترجمة التلخيصية يجب على املترجم قراءة النص املراد ترجمته ونقله من‬
‫اللغة الهدف إلى اللغة املصدر أو بالعكس دون مراعاة الدقة املتناهية في الترجمة وما‬
‫يترتب عنها من أمانة في اآلداء والتزام باألصل‪ ،‬وإنما يكتفي بتلخيص معناه العام وينقله إلى‬
‫اللغة املنقول إليها مع التركيز على أهم مكونات النص‪ .‬والتلخيص هو إعطاء زبدة املوضوع‬
‫بتثبيت العبارات والجمل الجوهرية وحذف كل ما كان حشوا أو من قبل الطناب‪.‬‬
‫( انظر صفاء خلوص ي‪« .‬فن الترجمة في ضوء الدراسات املقارنة »‪ ،‬سلسلة دراسات رقم‬
‫‪ ،292‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬العراق ‪ ،1982‬ص‪.)226‬‬

‫املترجم‪ ،‬املجلد ‪ ،18‬العدد ‪ ،2‬ديسمبر‪2018‬‬ ‫‪102‬‬


‫ترجمة العنوان عند سعد هللا‬

42. SALWA Awedek, On Translating Titles of Literary Works, Polia


Scandinavia, Vol. 01, Poznan, 1992, p60.

103 2018‫ ديسمبر‬،2 ‫ العدد‬،18 ‫ املجلد‬،‫املترجم‬

You might also like