Professional Documents
Culture Documents
الحمد هلل الذي ن َّزل الفرقانَ على عَب ِده ليكونَ للع المين ن ذيراً ،الحم د هلل؛ عَلَّم الق رآن،
ق اإلنسان ،عَلَّمه البيان ،الحمد هلل الذي عَلَّم بالقَلَم ،عَلَّم اإلنسان م ا لم يعلم ،وأش ه ُد
خل َ
أن ال إله إاَّل هللا وحده ال شريك ل ه ،جع ل الق رآن ِهداي ةً للنَّاس ،ونِبراس ا ً يُض يء لهم
بي األك رمَ ،علَّم الق رآن فك ان خ َ
ير ُمعلم، الطَّريق ،وأشه ُد أن محمداً عبده ورسوله النَّ ِّ
فصلوات هللا وسال ُمه عليه ،وعلى آله وأصحابه أجمعين . . .أما بعد:
فأحييكم بتحية اإلسالم ،فالسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته.
في البدء اسمحوا لي أساتذتَنا الكرام أن أتوجه بجزي ل الش كر إلى عم ادة كلي ة العل وم
اإلسالمية بجامعة أديامان متمثلة بالس يد عمي د الكلي ة س عادة ال دكتور حس ين جيل ك،
وإلى جمي ع اإلخ وة األس اتذة العلم اء في ه ذه الكلي ة المبارك ة ،وأخص منهم اإلخ وة
القائمين على هذا الملتقى المبارك.
الض يوف من أس اتذة الس ادة الحض ور ُّ الش كر إلى جمي ع َّ كما أتوجَّه بالتَّحي ة وجزي ل ُّ
وطالب.
أسأل هللا أن ينفعنا بما َعلَّمنا ،وأن يُعلِّمنا ما ينف ُعنَ ا ،وأن يجع ل ال ِعلم ُحجَّة لن ا ال ُح َّجةً
والغنى ،وأاَّل يَ ِكلن ا إلى أنفس نا طَرْ ف ة عين؛
علينا ،وأن يرزقنا الـهُدى والتُّقى وال َعفَاف ِ
فهو حسبنا ونعم الوكيل.
أستسمحكم بقراءة سورة الفاتحة على روح العالم الجليل المفسر المعمر الش يخ محم د
علي الصابوني الحلبي صاحبُ (صفوة التفاسير) ،رحمه هللا تعالى.
عنوان محاضرتي :قراءة في فكر األستاذ الشيخ إسماعيل ت وران رحم ه هللا تع الى،
من خالل تفسيره وجوه التأويل في أسرار التنزيل.
سأقسِّم المحاضرة إلى ثالثة أقسام:
األول :الشيخ إسماعيل توران وحياته العلمية
الثاني :تفسير (وجوه التأويل وأسرار التنزيل).
الثالث :إضاءات فكرية للشيخ المؤلف.
() هذه الكنية أطلقها عليه بعض معارفه وأص دقائه من الع رب حينم ا ك ان يعم ل في المملك ة 1
العربية السعودية.
ولد سنة «1924م» في قرية «ضانش منت» التابع ة لض احية «بِيق ة» بمدين ة «جن ق
قلعة» التاريخية وإليها نسب ،وفيها نشأ وترعرع.
نشأ األستاذ إس ماعيل ت وران ـ رحم ه هللا تع الى ـ وترع رع في بيئ ة ديني ة ص الحة
محافظ ة على تع اليم اإلس الم ،وفي أس رة علمي ة ملتزم ة ،حيث ك ان وال ده «ط اهر
توران» ـ رحمه هللا ـ شي ًخا جليالً وإما ًما ألحد مساجد القرية ،وكان ج ده الش يخ س الم
توران شيخا ً جليالً وعالما ً كبي ًرا عاش في أواخر ال ّدولة العثمانيّة ،أ ّم ا والدت ه فاس مها
«كازبان» ـ رحمها هللا ـ كانت من السيِّدات الفاضالت المربِّيات.
له من األبناء أربعة :بنتان« :مريم وفاطمة» ،وولدان« :علي وأحمد».
ثانيًا :نشأته العلمية.
إن البيئة الدينية والعلمية التي نشأ فيها األستاذ إسماعيل توران قد أث رّت ت أثيرًا كب يرًا ّ
رص على تربيت ه تربي ة ِ حريص ا ك ّل الح
ً في تكوينه الفكري والثقافي ،فقد كان والده
متميِّزة ،فقرأ القرآن الك ريم على ي ِد وال ده وج ده ،وك ذلك أتقن اللغ ة العثمانيّ ة إتقانً ا
كبيرًا.
درس المرحلة االبتدائية في إحدى مدارس قريته «ضانشمنت» ثم انتق ل إلى ض احية
«بيقة» فأكمل في إحدى مدارسها المرحلة المتوسطة والثانوي ة ،وك ان خالل دراس ته
متميِّ ًزا بين أقرانه ،بالنّباهة والنّجابة وحُسن التّحصيل.
صغر لألستاذ إسماعيل ـ رحم ه هللا ـ ك ان وكما هو واضح أن التكوين العلمي في ال ِّ
تقليديّا كغيره من طالب زمانه ،ولكنه تميّز عنهم بالرعاية األسرية الملتزمة ،وال ذكاء
الحاد.
اختلف يو ًما مع مدِّرس اللغة الفرنسية على أمر ما وكان ذلك في المرحلة المتوس طة،
فقرر أن يحفظ قاموس اللغ ِة الفرنسية كامالً ،وكان له ذلك .وهذه القص ة إن دلّت على
شيء فإنما تدلُّ على صفا ِء الذهن وقو ِة الفهم ورجاح ِة العقل.
بع د أن أنهى األس تاذ إس ماعيل ـ رحم ه هللا ـ الثّانوي ة العا ّم ة بتف وق اخت ار جامع ة
استنبول لدراسة الهندسة التّقنية ـ قسم المشاريع واإلنشاءات ،وقد أكملها بتف ّوق ونجاح
كبيرين سنة 1949م.
وبعد تخرجه من الجامعة عمل مهندسًا للطرق في ض احية «بيق ة» بجن ق قلع ة ،وفي
أنقرة أيضًا مهندسًا في القوة الجوية.
ثالثًا :شيوخه:
ص قلخالل دراس ته الجامعي ة ب دأ تكوين ه الش رعي الحقيقي لذات ه واهتمام ه في َ
شخصيته الفكرية اإلسالمية .فقد َح َرص على مالزم ة العلم اء الكب ار واألخ ذ عنهم
مشافهةً في مدرسة الفاتح بإستنبول ،وهذه المدرسة يرتاده ا ع ادةً علم اء أجالء ،فق د
قرأ على يد «المدرس العام ـ رئيس المدرس ين» واس مه« :األس تاذ هُس رو» ص حيح
البخاري كلّه في خمس سنوات متواصلة وكان ذلك سنة 1944م.
وكذلك قرأ على األستاذ الشيخ إبراهيم أفن دي الس عرتي ص حيح مس لم ،وك ان الش يخ
إب راهيم من قب ُل ُمدرِّ ًس ا للح ديث في الح رم المكي لس نوات ع دة ،فه و من األعالم
المتقنين الحافظين لحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم؛ ل ذا نج د األس تاذ إس ماعيل
شديد المالزمة له رغم مرض الشيخ بالفالج ،فكان يزوره للقراءة علي ه في بيت ه ثالث
مرات في األسبوع ،حتى أنهى عليه صحيح مسلم كامالً.
لم يكن األس تاذ إس ماعيل ت وران ـ رحم ه هللا تع الى ـ ص وفيًّا بالص ورة النّمطي ة
وبعض
َ ير من الن اس في تركي ا ،ب ل ك ان ينتق د –أحيانً ا-ش طحاتهم المعروفة لدى كث ٍ
ي َّ
الس ديد ،وس بب ه ذا االنتق اد ـ في اعتقادن ا ـ تصرفاتهم التي ال توافق المنهج النَّب و َّ
عائد إلى اهتمامه العميق بالحديث النبوي الشريف أوالً ،وربم ا ت أثره ب الفكر الس لفي
حينما كان يعمل في مكة والمدينة ثانيًا.
بيد أننا نجده يحترم رج االت التص وف فال يق دح بهم وال يُقلِّل من مك انتهم ،ب ل ك ان
يحرص على صحبة األخيار منهم ،ومن بين هؤالء الشيوخ :الشيخ «حس يب أفن دي»
والشيخ «عبد العزيز بكينية» ،والشيخ «محمد زاهد قوتكو» إذ كانت تربطه باألس تاذ
إسماعيل عالقة متينة ،فكان يحبه كثيرًا ،وكان األس تاذ إس ماعيل يح رص على جم ع
األوراد النبوي ة الص حيحة من كتب الص حاح أثن اء قراءته ا على ش يوخه ويعطيه ا
للشيخ محمد فيأخذها ويعمل بها هو وطالبه.
راب ًعا :رحالته.
لقد كان لألستاذ إسماعيل توران ـ رحم ه هللا ـ رحلت ان إلى خ ارج تركي ا في حيات ه،
األولى :حينما سافر إلى الحج عام 1962م فقرر البقاء هناك للعم ل في مك ة والمدين ة
مهندسًا في بل ديتهما س بع س نوات متواص لة ،فك ان ل ه األث ر الواض ح في مش اريعها
وعالقته بعامة الن اس وخاص تهم ،فك انت العام ة تحب ه وتقرب ه لم ا يحم ل من دماث ة
الخلق وحسن األدب ،كما كانت له عالقة خاصة بملك السعودية آنذاك فيصل بن عب د
العزيز ـ رحم ه هللا ـ ال ذي أواله رعاي ة خاص ة وقرب ه من ه فع رض علي ه الجنس ية
السعودية والبقاء في بالده مع ّز ًزا مكر ًما فاعت ذر وآث ر الع ودة إلى وطن ه تركي ا س نة
1970م.
في هذه الرحلة اطلع على كثير من اللغات واللهجات فتعلمها جلها وأتقنها اتقانًا كبيرًا،
باإلضافة إلى اطالعه على ثقافات الشعوب الوافدة إلى األماكن المقدسة ،فكانت رحلة
مهمة ومحطة أض افت إلى ثقافت ه أش ياء كث يرة نج دها حاض رة في كث ير من وقفات ه
وتنبيهاته في تفسيره.
أم ا الرحل ة الثاني ة فك انت إلى ش مال إفريقي ا (ليبي ا) س نة 1974م ،فبقي فيه ا عش ر
سنوات عمل خاللها مهندسًا إلى سنة 1985م ،ط ّوف خالله ا البالد اإلفريقي ة أغلبه ا،
فكان يجمع خالل رحلته بين العمل والدعوة واالطالع على أحوال المس لمين في تل ك
البالد ،فزادت معرفته بلغات ولهجات وثقافات الناس.
وبعد وص وله إلى موطن ه تركي ا اعتك ف للت أليف والكتاب ة ف ألف مؤلفاتِ ه كلَّه ا ومن
ضمنها تفسيره الكبير.
سا :تالمذته.
خام ً
تتلمذ على يديه عدد كبير من طلبة العلم ،وكان أبرزهم تلميذه الوفي المخلص الدكتور
حس ين مح رم علي جلي ك المرعش ي األص ل ،تلقى علوم ه الش رعية في أنق رة،
متخصص في التفسير وعلوم القرآن .وهو الذي س جّل ك ل م ا يختص ب ه أس تاذه من
ف سيُطبع في قاب ل األي ام إن ش اء هللا ،ف أبقى أس تاذهتاريخ ومن أقوال وآراء في ُمؤلّ ٍ
حيًّا في النُّفوسُ ،مؤثِّرًا على مدى السِّنين ،وأخذ على نفسه إحياء آثاره كلِّها حبًّا ووفاء
ور ًّدا لجميل أستاذه الذي تعلّم على يديه.
لقد أشرف الدكتور حسين على طباعة تفسيره ومتابعته كلمةً كلم ة ،ول ِّم م ا تف رّق من
أجزائه ،فقضى بذلك اللّيالي الطّويلة ،وصرف عليه من الجُهد والم ال م ا ثق ل علي ه،
وهذا من صور الوفاء المطلق من التّالمذة ألساتذتهم يقلُّ نظيره في زماننا ،فجزاه هللا
تعالى خيرًا.
ومن تالمذته أيضًا:
-2حمدي جتن قايا المفتي ،قال عنه د .حسين :هو من الطلبة المش هورين والمق ربين
لدى األستاذ ومن الذين كان لهم دو ٌر واضح في الحياة الدينية في مدينة أنقرة ،ت وفي ـ
رحمه هللا ـ قبل أستاذه بقليل.
-3إلياس أطمان ،وهو إمام مسجد ِدكمن بمدينة أنقرة.
-4طالب أولوشان ،وهو واعظ في مدينة أنقرة .
-5محمد يوجه ،مفتي أنقرة وواعظٌ فيها.
-6يعقوب باشاران ،واعظٌ في أنقرة.
-7عوني هوجا ،إمام مسجد في مدينة أنقرة.
سا :عقيدته ومذهبه الفقهي.
ساد ً
لقد كان المؤلف األستاذ إسماعيل -رحمه هللا -على عقيدة أهل السنُّة والجماعة ،عقي دة
السّلف من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان ،التي تلقوها عن رسول هللا صلى هللا علي ه
وسلم ،وال أد ّل على ذلك من تفسيره الذي بين أيدينا ،ال ذي أوض ح في ه عقي دة ّ
الس لف
الصالح بأدلتها من الكتاب والسنة وأقوال السلف رحمهم هللا تعالى.
و ِم ّما يؤ ِّكد سالمة عقيدة المؤل ف -رحم ه هللا -ش هادة تلمي ذه ال دكتور حس ين جلي ك ـ
حفظ ه هللا ـ بقول ه عن المؤل ف« :وك ان ي ذهب م ذهب أبي حنيف ة في األص ول».
فاالنتساب إلى اإلمام أبي حنيفة في األصول هو انتساب إلى السُّنة ،فاإلمام أبي حنيف ة
النُّعمان إمام أهل السُّنة باالتفاق.
ساب ًعاُ :خلُقُهُ ِ
وعل ُمهُ:
وصاحب بشاش ٍة ووج ٍه َ ق ع ِظيم،صاحب خل ٍ
َ كان األستاذ إسماعيل ـ رحمه هللا تعالى ـ
بس ٍّام ،وك ان لطي فَ المح اور ِة حُل َو المحاض ر ِة ُمتواض عًا ُمت ِّخش عًا أديبً ا لبِيب ا ،يُبجِّ ل
الص ِّغير كما يُوقِّر الكبِ ير ،وك ان ك ريم الطّب ع س خ ّي النّفسُ ،مبار ًك ا مقبُ واًل .وجُمل ة
القول فِي ِه :إنّه كان بركةً من بركات هللا ـ تعالى ـ فِي تركيا.
فظ ،بعي َد النسيان مواظبً ا على الح ِ كما كان ـ رحمه هللا ـ إما ًما حافِ ً
ظا ُمتقنًا ذكيًّا ،سري َع ِ
النّظر والتّحصيل ،كثي َر التِّالوة ،متو ِّددًا ُمتواضعًا ،كثي َر ااِل شتِغال بِال ِع ِلمُ ،محبًّا ألهل ه،
ث ،حسنَ ال ُخلق والمحاضرة مشار إليه في ال ِعلم. ُخصُوصًا َ
أهل الح ِدي ِ
ق و ُمذهل ،سواء أك انت عربي ةً أم
بشكل دقي ٍ
ٍ وكان يعل ُم المسائل ومواضعها في الكتب
غير عربيّ ٍة ،وله في ذاكرة تلميذه الدكتور حسين في هذا الموضوع قصصًا عجيبة.
حينم ا ع اد إلى تركي ا من رحلت ه األولى س نة 1970م ق رر الجل وس إلى التّ دريس
والدعوة وطلب العلم في المساجد والمراكز العلميّة المنتشرة في مدينته أنق رة ،فحف ظ
ث لرسول هللا صلى القرآن الكريم في شهر واح ٍد ،وحفظ على يد شيوخه مئة ألف حدي ٍ
هللا عليه وسلم.
وكان ـ رحمه هللا ـ يُطي ُل في ص التهُ ،متقنً ا للق راءات العش ر ،إذ ك ان يق رأ الق رآن
أيام على قراء ٍة مستقلّة.
الكريم كامالً في صالته ك ّل ثالثة ٍ
وكان ـ رحمه هللا ـ له أحوال عجيبة ،إذ كان كثير الرؤيا لرسول هللا ـ ص لى هللا علي ه
ب تعلّق حبُّه برس ول هللا ـ ص لى هللا علي هوسلم ـ في المنام ،وهذا ليس غريبًا على قل ٍ
وسلم ـ وأشغل نفسه بحديثه ليل نهار حفظًا وتطبيقًا.
يروي عنه تلميذه الدكتور حس ين قص ة عجيب ة وهي :أن األس تاذ إس ماعيل ت وران ـ
رحمه هللا تعالى ـ رأى فيما يرى النّائم أنه ذهب هو وشيخه إبراهيم أفندي الس عرتي ـ
رحمه هللا ـ إلى الروضة الش ريفة ففُتِحت طاق ة في ق بر رس ول هللا ـ ص لى هللا علي ه
وسلم ـ فأخذ األستاذ إسماعيل عظم ة من عظ ام رس ول هللا ـ ص لى هللا علي ه وس لم ـ
ومصّها فخرج منها شيًئا لذي ًذا لم يتذوق في حياته ألذ منه ا ،ثم حم ل العظ ام في كيس
على ظهره وخرج.
وكان األستاذ إسماعيل ـ رحمه هللا تعالى ـ شديد الحرص على مبدأ االلتزام بكتاب هللا
ـ تعالى ـ وسنة نبيه ـ صلى هللا علي ه وس لم ـ ،وأن يك ون العم ل موافقً ا لهم ا في ك لِّ
ٌ
سلطان على السلوك والنوايا واألعمال. شيء ،وإاّل سيكون للشيطان
سأله تلميذه الدكتور حسين م ّرةً :ما سرُّ ق ّوة الحفظ عنك يا أستاذنا ؟ ،فقال له ـ رحم ه
هللا :ما حفظت حديثًا لرسول هللا ـ صلى هللا عليه وس لم ـ إاّل وعملت ب ه؛ ل ذلك فُتحت
لي ك ّل األبواب بسبب تمسكي وحفظي لحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
لم يكن األستاذ إسماعيل مهت ّما بالسياس ة وأحواله ا ،على ال رغم من ص حبته ألس اتذة
السياسة التركية في دراس ته الجامعي ة ،فق د ع رف األس تاذ نجم ال دين أربك ان رئيس
«حزب الرفاه» ،واألستاذ تركت أوزال رئيس حزب «أنا وطن» ،إذ ك ان يؤك د على
رجل ِع ٍلم ودعو ٍة ال غير ،كما يؤكد على مبدأ العمل الصادق مقرونًا بالنِّية الحسنة
َ أنه
هلل تعالى.
ثامنًا :مؤلفاته (.)2
تفسير وجوه التأويل في أسرار التنزيل .سنفرد له حديثًا فيما بعد.
كتاب في القراءات العشر.
كتاب في إعجاز القرآن.
كتاب دليل الحجاج.
يُعد تفسيره هذا من أضخم التفاسير ال تي ُألِّفت في عص رنا الح ديث ،إذ يتج اوز ع دد
صفحاته أكثر من خمس عشرة ألف صفحة ،كتبها بيده باللغة العربية.
بدأ التأليف فيه وهو بعم ر ثالث وس تين س نة (1987م) ،وانتهى من ه س نة (2002م)
قبل وفاته بسنتين.
وكان سبب تأليفه للتفس ير باللغ ة العربي ة ه و أن اللغ ة العربي ة أك ثر إص ابة للمع نى
كثير
ٍ وأوسع حرية في اختيار الفصيح من األلفاظ ،وهذا األمر تفتقده اللغة التركية في
من األحيان.
كما أن للغة العربية مكانة مقدسة ل دى األس تاذ ،فهي مح ور طلب ه للعلم ،وبه ا يص ل
ألس رار المع اني القرآني ة العجيب ة ،كم ا أن العربي ة محفوظ ة بعناي ة هللا من التب ديل
والتغيير ما دام القرآن دستورًا يتبع ومصدرًا مه ًما لحياة البشر إلى يوم القيامة.
لقد تأثر األستاذ إسماعيل ـ رحم ه هللا ـ بع دد من المفس رين العلم اء من بينهم اإلم ام
الطبري ـ رحمه هللا ـ إذ اعتمد تفسيره «جامع البيان» أساسًا في بناء تفس يره «وج وه
() ما زالت مخطوطة بيد مؤلفها ،ونسخها الخطي ة الوحي دة في ح وزة تلمي ذه ال دكتور حس ين 2
اس ةَ
س لَّ َم :اتَّقُ وا فِ َر َ
ص لَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َ س و ُل هللاِ َ ي ،قَ ا َل :قَ ا َل َر ُ س ِعي ٍد ُ
الخ ْد ِر ِّ عَنْ َأبِي َ
س ِمينَ ﴾[ .الحج ر]75 : ا ْل ُمْؤ ِم ِن فَِإنَّهُ يَ ْنظُ ُر بِنُو ِر هللاِ ،ثُ َّم قَ َرَأِ ﴿ :إنَّ فِي َذلِكَ آَل يَا ٍ
ت لِ ْل ُمت ََو ِّ
(الترمذي)
س لَّ َمِ« :إنَّ هَّلل ِ ِعبَ ادًا يَ ْع ِرفُ ونَ النَّ َ
اس صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ
سو ُل هَّللا ِ َ عَنْ َأنَ ٍ
س ،قَا َل :قَا َل َر ُ
س ِم» (الطبري). بِالتَّ َو ُّ
وفي الخمس ينيات من الس نة الميالدي ة حص ل لي ذل ك ف إذا نظ رت إلى وج ه الرج ل
قلت :ه ذا رج ٌل رج ل الحاج ة فأس أله بعض مواق ع الرج ال ورأيت في ه النُّورُ ،
المعروفين وهم تحت رهين القبور ،وربم ا إذا لم أج د ذل ك الرج ل ،فاهلل-تع الى-ك ان
يلهمني إلى مكانه ،أو أرى ال َّرجل الرُّ ؤيا يؤرقني ضريحه ،وكنت أجده مثل أبي يزي د
البسطامي ،وأنا أكتب في العاصمة أنقرة ،وفي منامي دعاني لزيارت ه ،وأرش دني إلى
الطَّريق.
تعليقه على أهمية الوقت واغتنامه:
س اَل ِم ا ْل َم ْر ِء سلَّ َمِ « :منْ ُح ْ
س ِن ِإ ْ صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ
سو ُل هَّللا ِ َ عَنْ َأبِي ه َُر ْي َرةَ ،قَا َل :قَا َل َر ُ
.
ت َْر ُكهُ َما اَل يَ ْعنِي ِه» (ابن ماجه).
يؤك د على أهمي ة الف راغ ونعمته ويق ول :إن انش غالي باألح اديث والق رآن واآلث ار
واألخبار عن السَّلف الصَّالح لجمع وجوه التَّأويل في أسرار التَّنزيل ،فال أج د فرص ة
والش رب ،فض اًل عن الملهي ات واللَّ ْغ ِويَّات، ُّ للفراغ إلى صحبة النَّاس حتى إلى األك ل
ألن الوقت-كما قال سيدنا وشيخنا الجنيد البغدادي رضي وكذلك يفعل الرَّجل البَصير؛ َّ
هللا عنه والصالحين أجمعين :إن الوقت سيف فإن لم تقطعه فإنَّه يقطعك ،وك ذلك قول ه
رضي هللا عنه :الصُّ وفي ابن الوقت ،أي :هو الذي ال يضيع الوقت ويضعه في محلِّه.
الرد على الملحدين ،ومن ذلك عند قوله تعالى :ﱡﭐﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﱠ[غافر.]37:
يقول :سألوا رائد الفضاء الروس ي حينم ا ط ار م ع ص احبه :م اذا رأيت في ه ق ال م ا
رأيت فيه هللا ،ولو كان موجودًا لرأيته ،وكذلك في عشرات الكتب.
وكتبت الجريدة التركية ،وفيه مقالة بمعنى يقول :في أيَّامنا تكامل المعرفة في الفض اء
وتك املت أجه زة الرص د م ع تلس كوبات كب يرة ول و ك ان هللا موج ودًا ل رأوه داخ ل
التلسكوب( .الجنون فنون أقلها سبعون).
آية اتخذها دستو ًرا عمليًّا في حياته:
ﱡﭐﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆ ﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏ ﱠ[النحل].
قال :وقد اتَّخذت هذه اآلية دستورًا في حي اتي كمهن دس ،وب ُ
نيت األبني ة على القواع د
َّ
الس ليمة ،وك ذلك الجس ور .وفي حي اتي لي مئ ات المب اني هي أت الخط ط المعماري ة
واإلنشائية الصحيحة ،وكذلك في الجسور ،وبفضله-تعالى-ما س معت ببن اء أو مس كن
أو جسر قد انهار.
وفي اآلية داللة أن األسس والقواع د إذا خ ربت فس تنهار عليه ا الس قوف ،وذل ك هي
قاعدة هامة في هندس ة البني ان والجس ور والط رق والس دود وغ ير ذل ك .وك ذلك إذا
انحلت أس س ُّ
الش عوب وقي ُمه ا فس تنهار الش عوب خاوي ة على عروش ها ،أي :دم ار
وانهيار شامل .وفي قوله تعالى :ﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ
ﲲﲳﲴﲵﲶﱠ[الكهف] .أي خربت ودمرت تدميرًا كاماًل بهالك ثمرها.
رده على اإلم ام الن ووي-رحم ه هللا تع الى-في مس ألة التفض يل بين خديج ة بنت خويل د
ومريم بنت عمران.
س و َل هللاِ س ِم ْعتُ َر ُب ،يَقُ و ُلَ : س ِم ْعتُ َعلِ َّي بْنَ َأبِي طَ الِ ٍ جاء عَنْ َع ْب ِد هللاِ ْب ِن َج ْعفَ ٍر ،قَ ا َلَ :
يج ةُ بِ ْنتُ ُخ َو ْيلِ ٍد َو َخ ْي ُر نِ َ
س اِئ َها َم ْريَ ُم ْبنَتُ س لَّ َم يَقُ و ُلَ :خ ْي ُر نِ َ
س اِئ َها َخ ِد َ صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َ
َ
ِع ْم َرانَ ( .الترمذي).
قال اإلمام النووي في هذا الشأن :كلُّ واح د ٍة منه ا خ ي ُر نس اء األرض في عص رها ،وأ َّما
التَّفضيل بينهما فمسكوت عنه.
فرد عليه الشيخ ابن توران مستشهدًا بقوله تعالى :ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ [آل عمران،]110 :
سابِقُونَ » .أي: كذلك :ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ .وكذلك قوله صلَّى هللا عليه وسلَّم« :نَ ْحنُ ِ
اآلخ ُرونَ ال َّ
تلك األ َّمة آخ ر اُألمم ظه و ًرا في األرض ،ولكن س ابقة األمم وأفض لهم قرب ة عن د هللا في
ال ُّدنيا وفي اآلخرة.
فكيف اس تد َّل إما ُمن ا َّ
الش ريف الرفي ع المح ترم اإلم ام في علم الح ديث ومعرفت ه اإلم ام
النووي-رحمة هللا عليه.
وخلص إلى تفضيل خديجة على مريم بنت عمران.