You are on page 1of 12

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل الذي ن َّزل الفرقانَ على عَب ِده ليكونَ للع المين ن ذيراً‪ ،‬الحم د هلل؛ عَلَّم الق رآن‪،‬‬
‫ق اإلنسان‪ ،‬عَلَّمه البيان‪ ،‬الحمد هلل الذي عَلَّم بالقَلَم‪ ،‬عَلَّم اإلنسان م ا لم يعلم‪ ،‬وأش ه ُد‬
‫خل َ‬
‫أن ال إله إاَّل هللا وحده ال شريك ل ه‪ ،‬جع ل الق رآن ِهداي ةً للنَّاس‪ ،‬ونِبراس ا ً يُض يء لهم‬
‫بي األك رم‪َ ،‬علَّم الق رآن فك ان خ َ‬
‫ير ُمعلم‪،‬‬ ‫الطَّريق‪ ،‬وأشه ُد أن محمداً عبده ورسوله النَّ ِّ‬
‫فصلوات هللا وسال ُمه عليه‪ ،‬وعلى آله وأصحابه أجمعين‪ . . .‬أما بعد‪:‬‬
‫فأحييكم بتحية اإلسالم‪ ،‬فالسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬
‫في البدء اسمحوا لي أساتذتَنا الكرام أن أتوجه بجزي ل الش كر إلى عم ادة كلي ة العل وم‬
‫اإلسالمية بجامعة أديامان متمثلة بالس يد عمي د الكلي ة س عادة ال دكتور حس ين جيل ك‪،‬‬
‫وإلى جمي ع اإلخ وة األس اتذة العلم اء في ه ذه الكلي ة المبارك ة‪ ،‬وأخص منهم اإلخ وة‬
‫القائمين على هذا الملتقى المبارك‪.‬‬
‫الض يوف من أس اتذة‬ ‫الس ادة الحض ور ُّ‬ ‫الش كر إلى جمي ع َّ‬ ‫كما أتوجَّه بالتَّحي ة وجزي ل ُّ‬
‫وطالب‪.‬‬
‫أسأل هللا أن ينفعنا بما َعلَّمنا‪ ،‬وأن يُعلِّمنا ما ينف ُعنَ ا‪ ،‬وأن يجع ل ال ِعلم ُحجَّة لن ا ال ُح َّجةً‬
‫والغنى‪ ،‬وأاَّل يَ ِكلن ا إلى أنفس نا طَرْ ف ة عين؛‬
‫علينا‪ ،‬وأن يرزقنا الـهُدى والتُّقى وال َعفَاف ِ‬
‫فهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫أستسمحكم بقراءة سورة الفاتحة على روح العالم الجليل المفسر المعمر الش يخ محم د‬
‫علي الصابوني الحلبي صاحبُ (صفوة التفاسير)‪ ،‬رحمه هللا تعالى‪.‬‬
‫عنوان محاضرتي‪ :‬قراءة في فكر األستاذ الشيخ إسماعيل ت وران رحم ه هللا تع الى‪،‬‬
‫من خالل تفسيره وجوه التأويل في أسرار التنزيل‪.‬‬
‫سأقسِّم المحاضرة إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫األول‪ :‬الشيخ إسماعيل توران وحياته العلمية‬
‫الثاني‪ :‬تفسير (وجوه التأويل وأسرار التنزيل)‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إضاءات فكرية للشيخ المؤلف‪.‬‬

‫أواًل ‪ :‬اسمه ونسبه وأسرته‪.‬‬


‫سالم ت ورانَ ‪ ،‬الجن ق قلعي ال تركي‪ ،‬يُكنّى‬
‫طاهر ب ِن ٍ‬
‫ٍ‬ ‫هو األستا ُذ المهندسُ إسماعي ُل ُ‬
‫بن‬
‫بأبي أحمد «ول ُده الصّغير» (‪.)1‬‬

‫() هذه الكنية أطلقها عليه بعض معارفه وأص دقائه من الع رب حينم ا ك ان يعم ل في المملك ة‬ ‫‪1‬‬

‫العربية السعودية‪.‬‬
‫ولد سنة «‪1924‬م» في قرية «ضانش منت» التابع ة لض احية «بِيق ة» بمدين ة «جن ق‬
‫قلعة» التاريخية وإليها نسب‪ ،‬وفيها نشأ وترعرع‪.‬‬
‫نشأ األستاذ إس ماعيل ت وران ـ رحم ه هللا تع الى ـ وترع رع في بيئ ة ديني ة ص الحة‬
‫محافظ ة على تع اليم اإلس الم‪ ،‬وفي أس رة علمي ة ملتزم ة‪ ،‬حيث ك ان وال ده «ط اهر‬
‫توران» ـ رحمه هللا ـ شي ًخا جليالً وإما ًما ألحد مساجد القرية‪ ،‬وكان ج ده الش يخ س الم‬
‫توران شيخا ً جليالً وعالما ً كبي ًرا عاش في أواخر ال ّدولة العثمانيّة‪ ،‬أ ّم ا والدت ه فاس مها‬
‫«كازبان» ـ رحمها هللا ـ كانت من السيِّدات الفاضالت المربِّيات‪.‬‬
‫له من األبناء أربعة‪ :‬بنتان‪« :‬مريم وفاطمة»‪ ،‬وولدان‪« :‬علي وأحمد»‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نشأته العلمية‪.‬‬
‫إن البيئة الدينية والعلمية التي نشأ فيها األستاذ إسماعيل توران قد أث رّت ت أثيرًا كب يرًا‬ ‫ّ‬
‫رص على تربيت ه تربي ة‬ ‫ِ‬ ‫حريص ا ك ّل الح‬
‫ً‬ ‫في تكوينه الفكري والثقافي‪ ،‬فقد كان والده‬
‫متميِّزة‪ ،‬فقرأ القرآن الك ريم على ي ِد وال ده وج ده‪ ،‬وك ذلك أتقن اللغ ة العثمانيّ ة إتقانً ا‬
‫كبيرًا‪.‬‬
‫درس المرحلة االبتدائية في إحدى مدارس قريته «ضانشمنت» ثم انتق ل إلى ض احية‬
‫«بيقة» فأكمل في إحدى مدارسها المرحلة المتوسطة والثانوي ة‪ ،‬وك ان خالل دراس ته‬
‫متميِّ ًزا بين أقرانه‪ ،‬بالنّباهة والنّجابة وحُسن التّحصيل‪.‬‬
‫صغر لألستاذ إسماعيل ـ رحم ه هللا ـ ك ان‬ ‫وكما هو واضح أن التكوين العلمي في ال ِّ‬
‫تقليديّا كغيره من طالب زمانه‪ ،‬ولكنه تميّز عنهم بالرعاية األسرية الملتزمة‪ ،‬وال ذكاء‬
‫الحاد‪.‬‬
‫اختلف يو ًما مع مدِّرس اللغة الفرنسية على أمر ما وكان ذلك في المرحلة المتوس طة‪،‬‬
‫فقرر أن يحفظ قاموس اللغ ِة الفرنسية كامالً‪ ،‬وكان له ذلك‪ .‬وهذه القص ة إن دلّت على‬
‫شيء فإنما تدلُّ على صفا ِء الذهن وقو ِة الفهم ورجاح ِة العقل‪.‬‬
‫بع د أن أنهى األس تاذ إس ماعيل ـ رحم ه هللا ـ الثّانوي ة العا ّم ة بتف وق اخت ار جامع ة‬
‫استنبول لدراسة الهندسة التّقنية ـ قسم المشاريع واإلنشاءات‪ ،‬وقد أكملها بتف ّوق ونجاح‬
‫كبيرين سنة ‪1949‬م‪.‬‬
‫وبعد تخرجه من الجامعة عمل مهندسًا للطرق في ض احية «بيق ة» بجن ق قلع ة‪ ،‬وفي‬
‫أنقرة أيضًا مهندسًا في القوة الجوية‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬شيوخه‪:‬‬
‫ص قل‬‫خالل دراس ته الجامعي ة ب دأ تكوين ه الش رعي الحقيقي لذات ه واهتمام ه في َ‬
‫شخصيته الفكرية اإلسالمية‪ .‬فقد َح َرص على مالزم ة العلم اء الكب ار واألخ ذ عنهم‬
‫مشافهةً في مدرسة الفاتح بإستنبول‪ ،‬وهذه المدرسة يرتاده ا ع ادةً علم اء أجالء‪ ،‬فق د‬
‫قرأ على يد «المدرس العام ـ رئيس المدرس ين» واس مه‪« :‬األس تاذ هُس رو» ص حيح‬
‫البخاري كلّه في خمس سنوات متواصلة وكان ذلك سنة ‪1944‬م‪.‬‬
‫وكذلك قرأ على األستاذ الشيخ إبراهيم أفن دي الس عرتي ص حيح مس لم‪ ،‬وك ان الش يخ‬
‫إب راهيم من قب ُل ُمدرِّ ًس ا للح ديث في الح رم المكي لس نوات ع دة‪ ،‬فه و من األعالم‬
‫المتقنين الحافظين لحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم؛ ل ذا نج د األس تاذ إس ماعيل‬
‫شديد المالزمة له رغم مرض الشيخ بالفالج‪ ،‬فكان يزوره للقراءة علي ه في بيت ه ثالث‬
‫مرات في األسبوع‪ ،‬حتى أنهى عليه صحيح مسلم كامالً‪.‬‬
‫لم يكن األس تاذ إس ماعيل ت وران ـ رحم ه هللا تع الى ـ ص وفيًّا بالص ورة النّمطي ة‬
‫وبعض‬
‫َ‬ ‫ير من الن اس في تركي ا‪ ،‬ب ل ك ان ينتق د –أحيانً ا‪-‬ش طحاتهم‬ ‫المعروفة لدى كث ٍ‬
‫ي َّ‬
‫الس ديد‪ ،‬وس بب ه ذا االنتق اد ـ في اعتقادن ا ـ‬ ‫تصرفاتهم التي ال توافق المنهج النَّب و َّ‬
‫عائد إلى اهتمامه العميق بالحديث النبوي الشريف أوالً‪ ،‬وربم ا ت أثره ب الفكر الس لفي‬
‫حينما كان يعمل في مكة والمدينة ثانيًا‪.‬‬
‫بيد أننا نجده يحترم رج االت التص وف فال يق دح بهم وال يُقلِّل من مك انتهم‪ ،‬ب ل ك ان‬
‫يحرص على صحبة األخيار منهم‪ ،‬ومن بين هؤالء الشيوخ‪ :‬الشيخ «حس يب أفن دي»‬
‫والشيخ «عبد العزيز بكينية»‪ ،‬والشيخ «محمد زاهد قوتكو» إذ كانت تربطه باألس تاذ‬
‫إسماعيل عالقة متينة‪ ،‬فكان يحبه كثيرًا‪ ،‬وكان األس تاذ إس ماعيل يح رص على جم ع‬
‫األوراد النبوي ة الص حيحة من كتب الص حاح أثن اء قراءته ا على ش يوخه ويعطيه ا‬
‫للشيخ محمد فيأخذها ويعمل بها هو وطالبه‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬رحالته‪.‬‬
‫لقد كان لألستاذ إسماعيل توران ـ رحم ه هللا ـ رحلت ان إلى خ ارج تركي ا في حيات ه‪،‬‬
‫األولى‪ :‬حينما سافر إلى الحج عام ‪1962‬م فقرر البقاء هناك للعم ل في مك ة والمدين ة‬
‫مهندسًا في بل ديتهما س بع س نوات متواص لة‪ ،‬فك ان ل ه األث ر الواض ح في مش اريعها‬
‫وعالقته بعامة الن اس وخاص تهم‪ ،‬فك انت العام ة تحب ه وتقرب ه لم ا يحم ل من دماث ة‬
‫الخلق وحسن األدب‪ ،‬كما كانت له عالقة خاصة بملك السعودية آنذاك فيصل بن عب د‬
‫العزيز ـ رحم ه هللا ـ ال ذي أواله رعاي ة خاص ة وقرب ه من ه فع رض علي ه الجنس ية‬
‫السعودية والبقاء في بالده مع ّز ًزا مكر ًما فاعت ذر وآث ر الع ودة إلى وطن ه تركي ا س نة‬
‫‪1970‬م‪.‬‬
‫في هذه الرحلة اطلع على كثير من اللغات واللهجات فتعلمها جلها وأتقنها اتقانًا كبيرًا‪،‬‬
‫باإلضافة إلى اطالعه على ثقافات الشعوب الوافدة إلى األماكن المقدسة‪ ،‬فكانت رحلة‬
‫مهمة ومحطة أض افت إلى ثقافت ه أش ياء كث يرة نج دها حاض رة في كث ير من وقفات ه‬
‫وتنبيهاته في تفسيره‪.‬‬
‫أم ا الرحل ة الثاني ة فك انت إلى ش مال إفريقي ا (ليبي ا) س نة ‪1974‬م‪ ،‬فبقي فيه ا عش ر‬
‫سنوات عمل خاللها مهندسًا إلى سنة ‪1985‬م‪ ،‬ط ّوف خالله ا البالد اإلفريقي ة أغلبه ا‪،‬‬
‫فكان يجمع خالل رحلته بين العمل والدعوة واالطالع على أحوال المس لمين في تل ك‬
‫البالد‪ ،‬فزادت معرفته بلغات ولهجات وثقافات الناس‪.‬‬
‫وبعد وص وله إلى موطن ه تركي ا اعتك ف للت أليف والكتاب ة ف ألف مؤلفاتِ ه كلَّه ا ومن‬
‫ضمنها تفسيره الكبير‪.‬‬
‫سا‪ :‬تالمذته‪.‬‬
‫خام ً‬
‫تتلمذ على يديه عدد كبير من طلبة العلم‪ ،‬وكان أبرزهم تلميذه الوفي المخلص الدكتور‬
‫حس ين مح رم علي جلي ك المرعش ي األص ل‪ ،‬تلقى علوم ه الش رعية في أنق رة‪،‬‬
‫متخصص في التفسير وعلوم القرآن‪ .‬وهو الذي س جّل ك ل م ا يختص ب ه أس تاذه من‬
‫ف سيُطبع في قاب ل األي ام إن ش اء هللا‪ ،‬ف أبقى أس تاذه‬‫تاريخ ومن أقوال وآراء في ُمؤلّ ٍ‬
‫حيًّا في النُّفوس‪ُ ،‬مؤثِّرًا على مدى السِّنين‪ ،‬وأخذ على نفسه إحياء آثاره كلِّها حبًّا ووفاء‬
‫ور ًّدا لجميل أستاذه الذي تعلّم على يديه‪.‬‬
‫لقد أشرف الدكتور حسين على طباعة تفسيره ومتابعته كلمةً كلم ة‪ ،‬ول ِّم م ا تف رّق من‬
‫أجزائه‪ ،‬فقضى بذلك اللّيالي الطّويلة‪ ،‬وصرف عليه من الجُهد والم ال م ا ثق ل علي ه‪،‬‬
‫وهذا من صور الوفاء المطلق من التّالمذة ألساتذتهم يقلُّ نظيره في زماننا‪ ،‬فجزاه هللا‬
‫تعالى خيرًا‪.‬‬
‫ومن تالمذته أيضًا‪:‬‬
‫‪ -2‬حمدي جتن قايا المفتي‪ ،‬قال عنه د‪ .‬حسين‪ :‬هو من الطلبة المش هورين والمق ربين‬
‫لدى األستاذ ومن الذين كان لهم دو ٌر واضح في الحياة الدينية في مدينة أنقرة‪ ،‬ت وفي ـ‬
‫رحمه هللا ـ قبل أستاذه بقليل‪.‬‬
‫‪ -3‬إلياس أطمان‪ ،‬وهو إمام مسجد ِدكمن بمدينة أنقرة‪.‬‬
‫‪ -4‬طالب أولوشان‪ ،‬وهو واعظ في مدينة أنقرة ‪.‬‬
‫‪ -5‬محمد يوجه‪ ،‬مفتي أنقرة وواعظٌ فيها‪.‬‬
‫‪ -6‬يعقوب باشاران‪ ،‬واعظٌ في أنقرة‪.‬‬
‫‪ -7‬عوني هوجا‪ ،‬إمام مسجد في مدينة أنقرة‪.‬‬
‫سا‪ :‬عقيدته ومذهبه الفقهي‪.‬‬
‫ساد ً‬
‫لقد كان المؤلف األستاذ إسماعيل ‪-‬رحمه هللا ‪-‬على عقيدة أهل السنُّة والجماعة‪ ،‬عقي دة‬
‫السّلف من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان‪ ،‬التي تلقوها عن رسول هللا صلى هللا علي ه‬
‫وسلم‪ ،‬وال أد ّل على ذلك من تفسيره الذي بين أيدينا‪ ،‬ال ذي أوض ح في ه عقي دة ّ‬
‫الس لف‬
‫الصالح بأدلتها من الكتاب والسنة وأقوال السلف رحمهم هللا تعالى‪.‬‬
‫و ِم ّما يؤ ِّكد سالمة عقيدة المؤل ف ‪-‬رحم ه هللا ‪-‬ش هادة تلمي ذه ال دكتور حس ين جلي ك ـ‬
‫حفظ ه هللا ـ بقول ه عن المؤل ف‪« :‬وك ان ي ذهب م ذهب أبي حنيف ة في األص ول»‪.‬‬
‫فاالنتساب إلى اإلمام أبي حنيفة في األصول هو انتساب إلى السُّنة‪ ،‬فاإلمام أبي حنيف ة‬
‫النُّعمان إمام أهل السُّنة باالتفاق‪.‬‬
‫ساب ًعا‪ُ :‬خلُقُهُ ِ‬
‫وعل ُمهُ‪:‬‬
‫وصاحب بشاش ٍة ووج ٍه‬ ‫َ‬ ‫ق ع ِظيم‪،‬‬‫صاحب خل ٍ‬
‫َ‬ ‫كان األستاذ إسماعيل ـ رحمه هللا تعالى ـ‬
‫بس ٍّام‪ ،‬وك ان لطي فَ المح اور ِة حُل َو المحاض ر ِة ُمتواض عًا ُمت ِّخش عًا أديبً ا لبِيب ا‪ ،‬يُبجِّ ل‬
‫الص ِّغير كما يُوقِّر الكبِ ير‪ ،‬وك ان ك ريم الطّب ع س خ ّي النّفس‪ُ ،‬مبار ًك ا مقبُ واًل ‪ .‬وجُمل ة‬
‫القول فِي ِه‪ :‬إنّه كان بركةً من بركات هللا ـ تعالى ـ فِي تركيا‪.‬‬
‫فظ‪ ،‬بعي َد النسيان مواظبً ا على‬ ‫الح ِ‬ ‫كما كان ـ رحمه هللا ـ إما ًما حافِ ً‬
‫ظا ُمتقنًا ذكيًّا‪ ،‬سري َع ِ‬
‫النّظر والتّحصيل‪ ،‬كثي َر التِّالوة‪ ،‬متو ِّددًا ُمتواضعًا‪ ،‬كثي َر ااِل شتِغال بِال ِع ِلم‪ُ ،‬محبًّا ألهل ه‪،‬‬
‫ث‪ ،‬حسنَ ال ُخلق والمحاضرة مشار إليه في ال ِعلم‪.‬‬ ‫ُخصُوصًا َ‬
‫أهل الح ِدي ِ‬
‫ق و ُمذهل‪ ،‬سواء أك انت عربي ةً أم‬
‫بشكل دقي ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وكان يعل ُم المسائل ومواضعها في الكتب‬
‫غير عربيّ ٍة‪ ،‬وله في ذاكرة تلميذه الدكتور حسين في هذا الموضوع قصصًا عجيبة‪.‬‬
‫حينم ا ع اد إلى تركي ا من رحلت ه األولى س نة ‪1970‬م ق رر الجل وس إلى التّ دريس‬
‫والدعوة وطلب العلم في المساجد والمراكز العلميّة المنتشرة في مدينته أنق رة‪ ،‬فحف ظ‬
‫ث لرسول هللا صلى‬ ‫القرآن الكريم في شهر واح ٍد‪ ،‬وحفظ على يد شيوخه مئة ألف حدي ٍ‬
‫هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وكان ـ رحمه هللا ـ يُطي ُل في ص الته‪ُ ،‬متقنً ا للق راءات العش ر‪ ،‬إذ ك ان يق رأ الق رآن‬
‫أيام على قراء ٍة مستقلّة‪.‬‬
‫الكريم كامالً في صالته ك ّل ثالثة ٍ‬
‫وكان ـ رحمه هللا ـ له أحوال عجيبة‪ ،‬إذ كان كثير الرؤيا لرسول هللا ـ ص لى هللا علي ه‬
‫ب تعلّق حبُّه برس ول هللا ـ ص لى هللا علي ه‬‫وسلم ـ في المنام‪ ،‬وهذا ليس غريبًا على قل ٍ‬
‫وسلم ـ وأشغل نفسه بحديثه ليل نهار حفظًا وتطبيقًا‪.‬‬
‫يروي عنه تلميذه الدكتور حس ين قص ة عجيب ة وهي‪ :‬أن األس تاذ إس ماعيل ت وران ـ‬
‫رحمه هللا تعالى ـ رأى فيما يرى النّائم أنه ذهب هو وشيخه إبراهيم أفندي الس عرتي ـ‬
‫رحمه هللا ـ إلى الروضة الش ريفة ففُتِحت طاق ة في ق بر رس ول هللا ـ ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم ـ فأخذ األستاذ إسماعيل عظم ة من عظ ام رس ول هللا ـ ص لى هللا علي ه وس لم ـ‬
‫ومصّها فخرج منها شيًئا لذي ًذا لم يتذوق في حياته ألذ منه ا‪ ،‬ثم حم ل العظ ام في كيس‬
‫على ظهره وخرج‪.‬‬
‫وكان األستاذ إسماعيل ـ رحمه هللا تعالى ـ شديد الحرص على مبدأ االلتزام بكتاب هللا‬
‫ـ تعالى ـ وسنة نبيه ـ صلى هللا علي ه وس لم ـ‪ ،‬وأن يك ون العم ل موافقً ا لهم ا في ك لِّ‬
‫ٌ‬
‫سلطان على السلوك والنوايا واألعمال‪.‬‬ ‫شيء‪ ،‬وإاّل سيكون للشيطان‬
‫سأله تلميذه الدكتور حسين م ّرةً‪ :‬ما سرُّ ق ّوة الحفظ عنك يا أستاذنا ؟‪ ،‬فقال له ـ رحم ه‬
‫هللا‪ :‬ما حفظت حديثًا لرسول هللا ـ صلى هللا عليه وس لم ـ إاّل وعملت ب ه؛ ل ذلك فُتحت‬
‫لي ك ّل األبواب بسبب تمسكي وحفظي لحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫لم يكن األستاذ إسماعيل مهت ّما بالسياس ة وأحواله ا‪ ،‬على ال رغم من ص حبته ألس اتذة‬
‫السياسة التركية في دراس ته الجامعي ة‪ ،‬فق د ع رف األس تاذ نجم ال دين أربك ان رئيس‬
‫«حزب الرفاه»‪ ،‬واألستاذ تركت أوزال رئيس حزب «أنا وطن»‪ ،‬إذ ك ان يؤك د على‬
‫رجل ِع ٍلم ودعو ٍة ال غير‪ ،‬كما يؤكد على مبدأ العمل الصادق مقرونًا بالنِّية الحسنة‬
‫َ‬ ‫أنه‬
‫هلل تعالى‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬مؤلفاته (‪.)2‬‬
‫تفسير وجوه التأويل في أسرار التنزيل‪ .‬سنفرد له حديثًا فيما بعد‪.‬‬
‫كتاب في القراءات العشر‪.‬‬
‫كتاب في إعجاز القرآن‪.‬‬
‫كتاب دليل الحجاج‪.‬‬

‫حادي عشر‪ :‬وفاته‪.‬‬


‫توفي األستاذ إسماعيل ت وران ي وم األح د في ‪5/9/2004‬م‪ ،‬المواف ق ‪20/7/1425‬هـ‬
‫في مدينة أنقرة‪ ،‬ودفن بمقبرة حي باغلوم‪ ،‬رحمه هللا تعالى‪ ،‬وأسكنه فسيح جناته‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬تفسير وجوه التأويل وأسرار التنزيل‪:‬‬

‫يُعد تفسيره هذا من أضخم التفاسير ال تي ُألِّفت في عص رنا الح ديث‪ ،‬إذ يتج اوز ع دد‬
‫صفحاته أكثر من خمس عشرة ألف صفحة‪ ،‬كتبها بيده باللغة العربية‪.‬‬
‫بدأ التأليف فيه وهو بعم ر ثالث وس تين س نة (‪1987‬م)‪ ،‬وانتهى من ه س نة (‪2002‬م)‬
‫قبل وفاته بسنتين‪.‬‬
‫وكان سبب تأليفه للتفس ير باللغ ة العربي ة ه و أن اللغ ة العربي ة أك ثر إص ابة للمع نى‬
‫كثير‬
‫ٍ‬ ‫وأوسع حرية في اختيار الفصيح من األلفاظ‪ ،‬وهذا األمر تفتقده اللغة التركية في‬
‫من األحيان‪.‬‬
‫كما أن للغة العربية مكانة مقدسة ل دى األس تاذ‪ ،‬فهي مح ور طلب ه للعلم‪ ،‬وبه ا يص ل‬
‫ألس رار المع اني القرآني ة العجيب ة‪ ،‬كم ا أن العربي ة محفوظ ة بعناي ة هللا من التب ديل‬
‫والتغيير ما دام القرآن دستورًا يتبع ومصدرًا مه ًما لحياة البشر إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫لقد تأثر األستاذ إسماعيل ـ رحم ه هللا ـ بع دد من المفس رين العلم اء من بينهم اإلم ام‬
‫الطبري ـ رحمه هللا ـ إذ اعتمد تفسيره «جامع البيان» أساسًا في بناء تفس يره «وج وه‬
‫() ما زالت مخطوطة بيد مؤلفها‪ ،‬ونسخها الخطي ة الوحي دة في ح وزة تلمي ذه ال دكتور حس ين‬ ‫‪2‬‬

‫جليك حفظه هللا‪.‬‬


‫التأويل»‪ .‬كما كان محبًّا لإلمام الشوكاني ـ رحمه هللا ـ وقد تأثر بتفسيره «فتح القدير»‬
‫تأثرًا كبيرًا‪ ،‬وال يخلو ـ أحيانًا ـ من نقدهما في مسائل كثيرة في بحر تفسيره الطّويل‪.‬‬
‫أبرز معالم تفسيره‪:‬‬
‫يرهَا ‪ ،‬ثم ي ذكر المع نى ال ذي ظه ر ل ه من‬‫يأتي الشيخ باآلية التي يري د تفس َ‬ ‫‪-‬‬
‫خالل هذه اآلية‪ ،‬ثم يذكر ما يؤيد كالمه من القرآن (تفسير القرآن بالقرآن) ‪،‬‬
‫ي أتي بكالم الن بي ص لى هللا علي ه وس لم ‪ ،‬ثم بكالم الص حابة ‪ ،‬ثم بكالم‬
‫التابعين‪.‬‬
‫وه و في ه ذا كل ه ي ذكر م ا يروي ه عنهم بأس انيده‪ ،‬وه ذا م ا جع ل الكت اب‬
‫ضخ ًما ‪ ،‬وأنه ال يذكر قواًل عن أهل العلم إال مع ذكر السند‪ ..‬طبعًا ه ذا غالبًا‬
‫يعتمد على تفسير الطبري (جامع البيان)‪.‬‬
‫وهو ال يقتصر على الرواية بل نج ده يتع رض ألق وال العلم اء وتوجي ه ه ذه‬
‫األقوال وبيان الصواب والخطأ ويوجه القول‪ ...‬لماذا اخت ير ه ذا الق ول‪ ،‬وإذا‬
‫احتاج إلى الترجيح رجح‪..‬‬
‫ومن منهجه في هذا الكت اب الف ذ أن ل ه موقف ا من األس انيد ويحكم عليه ا‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويرد أغلب الرويات التي يرويها محمد بن إسحاق صاحب المغ ازي‪ ،‬وك ذلك‬
‫وهب بن المنبه ‪ ،‬وآراء بعض العلماء مثل أبي عبيدة صاحب مجاز القرآن ‪..‬‬
‫له تقدير كبير لإلجماع‪ ،‬فإذا م َّر على أمر فيه إجم اع‪ ،‬وإن ب دا ل ه رأي فيه ا‬ ‫‪-‬‬
‫فإن ينزل على هذا االجماع‪.‬‬
‫له عناية كبيرة في القراءات‪ ،‬وبها فتح هللا علي ه بي ان مع ان الق رآن الك ريم‬ ‫‪-‬‬
‫من خاللها‪.‬‬
‫كان لو موقف شديد من الروايات التي تعتمد على اإلسرائيليات‪ ،‬فكان يص ف‬ ‫‪-‬‬
‫بعضها بأس اطير األولين‪ ،‬والقص ص الكاذب ة‪ ،‬وخاص ة إذا ج اءت من بعض‬
‫الرواة ‪...‬‬
‫بعض الموضوعات التي سيطرت على مساحات واسعة من هذا التفسير‪:‬‬
‫المعنى العام لآلية مع الروايات وترجيحها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫توظيف التجارب األحداث التي مر بها بتفسير اآليات ودعم معناها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫استخدم القص ص الق رآني والحياتي ة وس ير العلم اء والص الحين في تفس ير‬ ‫‪-‬‬
‫اآليات‪.‬‬
‫استخدم التاريخ بصورتيه اإليجابي ة والس لبية‪ ،‬في التعلي ق والتفس ير‪ .‬مث ل‬ ‫‪-‬‬
‫الخالف بين الصحابة‪ ،‬والخالفة األموية‪ ،‬والعباسية‪ ،‬والعثمانية‪..‬‬
‫أيضا استخدم قصص الشعوب الحقيقية منها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫له موقف شديد من الشيعة الطاعنين بالص حابة‪ ..‬وك ان يف رق بين آل ال بيت‬ ‫‪-‬‬
‫الحقيقين والشيعة الشعوبيين‪.‬‬
‫يذكر كثي ًرا حبه لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم وصحابته وآل بيته‪ ...‬وحب ه‬ ‫‪-‬‬
‫هلل تعالى وللجنة بطريقة مليئة بالثقة باهلل‪.‬‬
‫اهتم كث ي ًرا بمآس ي المس لمين مث ل‪ :‬البوس نة والهرس ك‪ ،‬وأذربيج ان‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وفلسطين‪ ،‬والعراق‪ ...‬ويعيد السبب إلينا نحن المسلمين في تهاونن ا في أم ر‬
‫ديننا‪.‬‬
‫ذكر كثي ًرا من الكرامات له وللصالحين العلماء‪..‬‬ ‫‪-‬‬
‫ذكر كثي ًرا من الرؤى لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكذلك لدخول ه الجن ة‬ ‫‪-‬‬
‫وغير ذلك‪..‬‬
‫تأثَّر ببعض اللهجات مثل‪ :‬الحجازية‪ ،‬والشامية‪ ،‬وكثي ًرا الليبية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثقافته واسعة جدًا ويؤكد ذلك ذكره لثقافات الش عوب ولغ اتهم‪ ،‬وشخص ياتهم‬ ‫‪-‬‬
‫العلمية والعسكرية‪...‬‬
‫الرجل يملك بحدود الثالثين لغة‪ ،‬وهذا ما وجدت ه في تفس يره‪ ،‬مث ل‪ :‬العربي ة‬ ‫‪-‬‬
‫وثقافتها‪ ،‬واللغات اإلفريقية‪ ،‬واإلنكليزية‪ ،‬والفارسية‪ ،‬والكردية‪ ،‬والفرنسية‪،‬‬
‫واإليطالية‪ ،‬واأللمانية‪ ،‬والروسية والعثمانية‪.‬‬
‫ردوده الكث يرة على المستش رقين‪ ،‬مث ل دع واهم‪ :‬أن الق رآن م أخوذ من‬ ‫‪-‬‬
‫التوراة وترجمها محمد‪...‬‬

‫طريقته في حفظ القرآن الكريم‪:‬‬


‫يقول‪ :‬فق د ب دأت بحف ظ الق رآن ب إكرام من ربي‪ ،‬وه و أك رم األك رمين خالل ش هر‬
‫س بتمبر أيل ول س نة (‪ )1957‬ميالدي ة وبل غ عم ري ثالث ة وثالثين‪ ،‬وه و ُعم ر أه ل‬
‫الجنَّة‪ ،‬أي‪ِ :‬سنُّهم في الجنَّة‪...‬‬
‫ي من مسكني إلى اإلدارة في الصبح‪ ،‬ث َّم أع ود إلى بي تي منه ا‬ ‫وكنت أمشي على رجل َّ‬
‫في استراحة الظهيرة‪ ،‬وقدرها س اعة ونصف‪ ،‬ث َّم أع ود إلى اإلدارة ماش يًا‪ ،‬ث َّم أرج ع‬
‫منها إلى داري ماشيًا نهاية الدوام الرسمي‪ ،‬أي‪ :‬أربع مرات كل ي وم ذهابً ا وإيابً ا من‬
‫المسكن إلى اإلدارة‪ ،‬ومن اإلدارة إلى المس كن‪ ،‬وفي ك ل الم رة في ال ذهاب واإلي اب‬
‫كنت أتلو جز ًءا واحدًا عن ظهر قَ ْلب وأنا أمشي‪.‬‬
‫ُ‬
‫ومنذ هذه السَّنة إلى أيام آخر عمري فقد وصلت من العمر إلى السبعين س نة هجري ة‪،‬‬
‫وأنا أستمر على ختم القرآن عن ظهر قلبي في الصَّلوات وخارجها في كل ثالث ة أي ام‬
‫ختمة جديدة‪ ،‬وعلى عشر قراءات من األئمة العشرة‪ ،‬ولك ِّل إمام روايتين‪ ،‬وفي وج وه‬
‫الروايات‪.‬‬
‫بأن القرآن يجري على لساني من نقط ة واح دة من ال َّدماغ‪ ،‬كأنَّه‬
‫والحاصل‪ :‬أنا أشعر َّ‬
‫الماء الجاري في مجراه‪.‬‬
‫وقوفه عند بعض اللمس ات البياني ة لآلي ات الكريم ة‪ ،‬كالتق ديم والت أخير في‬ ‫‪-‬‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲ [إبراهيم]‪.‬‬
‫ذكر أنه‪ :‬وعبَّر عنه بالوصفين المذكورين؛ ألنَّهما مالك اإليم ان‪ ،‬وق دم َّ‬
‫الص بار على‬
‫ال َّشكور لكون ال ُّشكر عاقبة الصَّبر‪.‬‬
‫توظيفه لبعض األحداث من تخصصه في الهندسة والمسائل العلمية‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫وفي أخر الستينات شاهدت في سنة (سبع وستين‪ ،‬وتسع وستين) جاءت سيول من‬
‫عرفات‪ ،‬خاصة في سنة (تسع وس تين) دم رَّت الط رق فأص بحت الش وارع بم َّكة‬
‫بحيرات‪ ،‬وذلك في شهر رمضان‪ ،‬ووصل ارتفاع السَّيل في ح رم م َّكة ق ريب من‬
‫ثالثة أمتار‪ ،‬ووقِّفت الصَّلوات والطَّواف في البيت الحرام‪.‬‬
‫انتقاده لبعض المسلمين الذين يأتون للحج ويضيعون أجره بعد التعب في طلب‬ ‫‪-‬‬
‫األجر والرزق‪ ،‬عند قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱓ ﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱠ[إبراهيم‪.]35:‬‬
‫قال‪ :‬فل َّما انقضت مواسمهما وقبض أهل الحرمين ال َّشريفين األرزاق الدنيوية س افروا‬
‫فورًا إلى البالد الغربي ة‪ ،‬إلى بالد الفس اد ب دل أن يش كروا هللا‪-‬تع الى‪-‬مقاب ل األرزاق‬
‫والثمرات التي أفاض هللا عليهم بها صرفوا ك ل ش يء في بالد الغ رب في الفس اد‪ ،‬ث َّم‬
‫الس يئة‬‫رجع وا إلى بالدهم ص فر الي دين ح تى موس م الحج‪ ،‬وح املين معهم األخالق َّ‬
‫الرَّديئة من تقاليد الغربيين إلى بالدهم الطَّيبة‪.‬‬
‫دين‬ ‫اللَّهم أصلحنا وإخواننا أجمعين‪ ،‬وتب علينا وأرجعنا إلى دين أسالفنا َّ‬
‫الص الحين‪ِ ،‬‬
‫ص لوات هللا عليهم ا أجمعين‪،‬‬ ‫ودين إب راهيم‪ ،‬ودين ابن ه َّ‬
‫الص الح س يدنا مح َّمد َ‬ ‫ِ‬ ‫الح ِّ‬
‫ق‬
‫آمين‪.‬‬
‫يستشهد بآراء المفكرين الغربيين‪ ،‬مثلما ج اء في تفس ير قول ه تع الى‪ :‬ﱡﭐ ﱉ‬ ‫‪-‬‬
‫ﱊ ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱠ[الحجر] ‪.‬‬
‫ررت بمس اجد المس لمين كنت أتمنَّى ل و‬
‫ُ‬ ‫وكان يقو ُل الكاتب الفرنسي (روس)‪ :‬كلَّما م‬
‫كنت من المسلمين‪.‬‬
‫التأكيد والبيان على محبة آل البيت للصحابة‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫عن كث ير النّ وى ق ال س معته يق ول‪ :‬دخلت على علي بن أبي جعف ر ومح َّمد بن عل ّي‬
‫ولي وليُّ ُكم‪ ،‬و ِس ْلمي ِس ْل ُم ُكم‪ ،‬وعدويِّ عدو ُكم‪ ،‬وح ربي ح ربُكم‪ ،‬إني أس ألك باهلل‬
‫فقلت‪ِّ :‬‬
‫ضللت إ ًذا‪ ،‬وما أنا من المهتدين‪ .‬ثم تال هذه اآلي ة ﱡﭐ‬
‫ُ‬ ‫أتبرأ من أبي بكر وعمر؟ فقال‪ :‬قد‬
‫ﲴﲵﲶﲷ ﲸﱠ[الحجر]‪.‬‬
‫قال الشيخ إسماعيل توران‪ :‬ف اعتبر ي ا أخي المس لم كي ف تج د كرام ة هللا‪-‬تع الى‪-‬في‬
‫ذرية أهل البيت فليس في قل وبهم غ ل وال حس د وال ض غينة لمخ الفهم ألبي بك ر وال‬
‫عمر وال عثم ان وال طلح ة وال الزب ير ه ؤالء يكون وا في الجنَّة إخوانً ا على س رور‬
‫متقابلين‪.‬‬
‫اللَّهم َمتِّعنا بفضلك وقرَّب إلينا إخواني المس لمين من أص حاب مح َّمد ص لَّى هللا علي ه‬
‫وسلَّم‪.‬‬
‫ثم يتبع هذه الرأي برؤية رآها‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫ورأيت فيما يرى النائم أنهم أدخلوني من الب اب الرئيس ي للجنَّة إلى الجنَّة‪ ،‬وم ا رأيت‬
‫ُ‬
‫أح دًا فيه ا‪ ،‬وأخ ذتني األح زان فيه ا‪ ،‬فقلت‪ :‬أين إخ واني؟ ج اء أخي المت وفى والنَّاس‬
‫كث يرة في لحظ ٍة واح د ٍة‪ ،‬والحظت رجاًل منهم بين ه وبي ني ِغاًّل وكراهي ةً قديم ة‪ ،‬فلم‬
‫أشعر بشيء من الكره‪ ،‬كأنَّه لي أ ٌخ حمي ٌم منذ أربعين سنة‪ ،‬فف رحت لرؤيت ه‪ ،‬ولم يب ق‬
‫عندي كراهية‪.‬‬

‫اس ةَ‬
‫س لَّ َم‪ :‬اتَّقُ وا فِ َر َ‬
‫ص لَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫س و ُل هللاِ َ‬ ‫ي‪ ،‬قَ ا َل‪ :‬قَ ا َل َر ُ‬ ‫س ِعي ٍد ُ‬
‫الخ ْد ِر ِّ‬ ‫عَنْ َأبِي َ‬
‫س ِمينَ ﴾‪[ .‬الحج ر‪]75 :‬‬ ‫ا ْل ُمْؤ ِم ِن فَِإنَّهُ ‌يَ ْنظُ ُر ‌بِنُو ِر ‌هللاِ‪‌ ،‬ثُ َّم ‌قَ َرَأ‪ِ ﴿ :‬إنَّ فِي َذلِكَ آَل يَا ٍ‬
‫ت لِ ْل ُمت ََو ِّ‬
‫(الترمذي)‬
‫س لَّ َم‪ِ« :‬إنَّ هَّلل ِ ‌ ِعبَ ادًا ‌يَ ْع ِرفُ ونَ ‌النَّ َ‬
‫اس‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫سو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫عَنْ َأنَ ٍ‬
‫س‪ ،‬قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫س ِم» (الطبري)‪.‬‬ ‫‌بِالتَّ َو ُّ‬
‫وفي الخمس ينيات من الس نة الميالدي ة حص ل لي ذل ك ف إذا نظ رت إلى وج ه الرج ل‬
‫قلت‪ :‬ه ذا رج ٌل رج ل الحاج ة فأس أله بعض مواق ع الرج ال‬ ‫ورأيت في ه النُّور‪ُ ،‬‬
‫المعروفين وهم تحت رهين القبور‪ ،‬وربم ا إذا لم أج د ذل ك الرج ل‪ ،‬فاهلل‪-‬تع الى‪-‬ك ان‬
‫يلهمني إلى مكانه‪ ،‬أو أرى ال َّرجل الرُّ ؤيا يؤرقني ضريحه‪ ،‬وكنت أجده مثل أبي يزي د‬
‫البسطامي‪ ،‬وأنا أكتب في العاصمة أنقرة‪ ،‬وفي منامي دعاني لزيارت ه‪ ،‬وأرش دني إلى‬
‫الطَّريق‪.‬‬
‫تعليقه على أهمية الوقت واغتنامه‪:‬‬
‫س اَل ِم ا ْل َم ْر ِء‬ ‫سلَّ َم‪ِ « :‬منْ ُح ْ‬
‫س ِن ِإ ْ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫سو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫عَنْ َأبِي ه َُر ْي َرةَ‪ ،‬قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫‪.‬‬
‫ت َْر ُكهُ َما اَل يَ ْعنِي ِه» (ابن ماجه)‪.‬‬
‫يؤك د على أهمي ة الف راغ ونعمته ويق ول‪ :‬إن انش غالي باألح اديث والق رآن واآلث ار‬
‫واألخبار عن السَّلف الصَّالح لجمع وجوه التَّأويل في أسرار التَّنزيل‪ ،‬فال أج د فرص ة‬
‫والش رب‪ ،‬فض اًل عن الملهي ات واللَّ ْغ ِويَّات‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫للفراغ إلى صحبة النَّاس حتى إلى األك ل‬
‫ألن الوقت‪-‬كما قال سيدنا وشيخنا الجنيد البغدادي رضي‬ ‫وكذلك يفعل الرَّجل البَصير؛ َّ‬
‫هللا عنه والصالحين أجمعين‪ :‬إن الوقت سيف فإن لم تقطعه فإنَّه يقطعك‪ ،‬وك ذلك قول ه‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬الصُّ وفي ابن الوقت‪ ،‬أي‪ :‬هو الذي ال يضيع الوقت ويضعه في محلِّه‪.‬‬
‫الرد على الملحدين‪ ،‬ومن ذلك عند قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﱠ[غافر‪.]37:‬‬
‫يقول‪ :‬سألوا رائد الفضاء الروس ي حينم ا ط ار م ع ص احبه‪ :‬م اذا رأيت في ه ق ال م ا‬
‫رأيت فيه هللا‪ ،‬ولو كان موجودًا لرأيته‪ ،‬وكذلك في عشرات الكتب‪.‬‬
‫وكتبت الجريدة التركية‪ ،‬وفيه مقالة بمعنى يقول‪ :‬في أيَّامنا تكامل المعرفة في الفض اء‬
‫وتك املت أجه زة الرص د م ع تلس كوبات كب يرة ول و ك ان هللا موج ودًا ل رأوه داخ ل‬
‫التلسكوب‪( .‬الجنون فنون أقلها سبعون)‪.‬‬
‫آية اتخذها دستو ًرا عمليًّا في حياته‪:‬‬
‫ﱡﭐﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆ ﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏ ﱠ[النحل]‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد اتَّخذت هذه اآلية دستورًا في حي اتي كمهن دس‪ ،‬وب ُ‬
‫نيت األبني ة على القواع د‬
‫َّ‬
‫الس ليمة‪ ،‬وك ذلك الجس ور‪ .‬وفي حي اتي لي مئ ات المب اني هي أت الخط ط المعماري ة‬
‫واإلنشائية الصحيحة‪ ،‬وكذلك في الجسور‪ ،‬وبفضله‪-‬تعالى‪-‬ما س معت ببن اء أو مس كن‬
‫أو جسر قد انهار‪.‬‬
‫وفي اآلية داللة أن األسس والقواع د إذا خ ربت فس تنهار عليه ا الس قوف‪ ،‬وذل ك هي‬
‫قاعدة هامة في هندس ة البني ان والجس ور والط رق والس دود وغ ير ذل ك‪ .‬وك ذلك إذا‬
‫انحلت أس س ُّ‬
‫الش عوب وقي ُمه ا فس تنهار الش عوب خاوي ة على عروش ها‪ ،‬أي‪ :‬دم ار‬
‫وانهيار شامل‪ .‬وفي قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬
‫ﲲﲳﲴﲵﲶﱠ[الكهف]‪ .‬أي خربت ودمرت تدميرًا كاماًل بهالك ثمرها‪.‬‬
‫رده على اإلم ام الن ووي‪-‬رحم ه هللا تع الى‪-‬في مس ألة التفض يل بين خديج ة بنت خويل د‬
‫ومريم بنت عمران‪.‬‬
‫س و َل هللاِ‬ ‫س ِم ْعتُ َر ُ‬‫ب‪ ،‬يَقُ و ُل‪َ :‬‬ ‫س ِم ْعتُ َعلِ َّي بْنَ َأبِي طَ الِ ٍ‬ ‫جاء عَنْ َع ْب ِد هللاِ ْب ِن َج ْعفَ ٍر‪ ،‬قَ ا َل‪َ :‬‬
‫يج ةُ بِ ْنتُ ُخ َو ْيلِ ٍد ‌ َو َخ ْي ُر ‌نِ َ‬
‫س اِئ َها َم ْريَ ُم ْبنَتُ‬ ‫س لَّ َم يَقُ و ُل‪َ :‬خ ْي ُر نِ َ‬
‫س اِئ َها َخ ِد َ‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫َ‬
‫ِع ْم َرانَ ‪( .‬الترمذي)‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي في هذا الشأن‪ :‬كلُّ واح د ٍة منه ا خ ي ُر نس اء األرض في عص رها‪ ،‬وأ َّما‬
‫التَّفضيل بينهما فمسكوت عنه‪.‬‬
‫فرد عليه الشيخ ابن توران مستشهدًا بقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ [آل عمران‪،]110 :‬‬
‫سابِقُونَ »‪ .‬أي‪:‬‬ ‫كذلك‪ :‬ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ‪ .‬وكذلك قوله صلَّى هللا عليه وسلَّم‪«‌ :‬نَ ْحنُ ‌ ِ‬
‫اآلخ ُرونَ ‌ال َّ‬
‫تلك األ َّمة آخ ر اُألمم ظه و ًرا في األرض‪ ،‬ولكن س ابقة األمم وأفض لهم قرب ة عن د هللا في‬
‫ال ُّدنيا وفي اآلخرة‪.‬‬
‫فكيف اس تد َّل إما ُمن ا َّ‬
‫الش ريف الرفي ع المح ترم اإلم ام في علم الح ديث ومعرفت ه اإلم ام‬
‫النووي‪-‬رحمة هللا عليه‪.‬‬
‫وخلص إلى تفضيل خديجة على مريم بنت عمران‪.‬‬

‫توظيف بعض الثقافات العالمية القديمة في تفسيره‪.‬‬


‫ﱡﭐﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﱠ[النحل]‪.‬‬
‫ثم ُشوهد عند ملة زردشت اإليراني عبادة إلهين وإله الخير وإله ال َّشر‪ ،‬وأخذ ذلك أهل‬
‫االعتزال ومنهم محمود بن عمر ال َّزمخشري‪ ،‬وقال‪ :‬هللا‪-‬تع الى‪-‬يخل ق الخ ير والعب اد‬
‫يخلق ون َّ‬
‫الش ر‪ ،‬ث َّم عن د األت راك ق دي ًما منهم (ك وك ت رك‪( ،‬األت راك الس ماويون) هم‬
‫جماعة مرتحلة من الترك في آسيا الداخلية الوسطى) اتخذوا إليهين إله السَّماوات وإله‬
‫األرض‪ ،‬وك ذلك ل دى الع رب القديم ة واليون انين الروم انين ك ثرة اآلله ة‪ ،‬ول دى‬
‫النصارى‪ :‬التثليث‪.‬‬
‫نختم بهذه الخاطرة التفسيرية له‪ ،‬عند قوله تعالى‪:‬‬
‫ﱡﭐ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬
‫ﲶﱠ[النحل]‪.‬‬
‫شاهدنا كبار ال ِّسنِّ يقرؤون القرآن عن ظهر القلب وعمرهم في الثم انين وأك ثر‪ ،‬ف َّ‬
‫إن‬
‫أهل القرآن خارج هذا الوصف‪-‬يعني أرذل العُمر‪ ،-‬كما جاء بقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱥ ﱦﱧ‬
‫ﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯ ﱰﱠ[التين]‪ ،‬أسفل سافلين‪ ،‬وهو‪ :‬أرذل العُمر‪ ،‬الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصَّالحات هم أهل القرآن‪.‬‬

You might also like