You are on page 1of 379

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬

‫(اضغط هنا لالنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على اإلنترنت)‬

‫الكتاب ‪ :‬فقه العبادات على المذهب الحنفي‬


‫تأليف ‪ :‬الحاجة نجاح الحلبي‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬برنامج المحدث المجاني ‪!!..‬؟؟‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫أعده للشاملة ‪ :‬بسام الصوفي‬

‫فقه العبادات على المذهب الحنفي‬


‫تأليف الحاجة نجاح الحلبي‬

‫( ‪)1/1‬‬

‫المقدمة‬
‫بسم اللّه الرحمن الرحيم‬
‫الحمد للّه رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫المذهب الحنفي أحد المذاهب الفقهية األربعة التي يعود المسلمون إليها لمعرفة أحكام العبادات‬
‫والمعامالت المختلفة‪ ،‬ولتطبيقها في حياتهم اليومية‪ ،‬بل هو أكثر هذه المذاهب انتشاراً في العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬حيث استند القضاة إلى أحكامه في قضائهم ردحاً من الزمن إبان الخالفة العباسية‪ ،‬كما‬
‫كان المذهب الرسمي للدولة العثمانية‪.‬‬
‫وقد ترك لنا السلف تراثاً غنياً في هذا الموضوع في كتب عديدة‪ ،‬منها ما كتب في حياة إمام المذهب‪،‬‬
‫ومنها ما كتب بعد من قبل مشاهير فقهائه‪ .‬في هذه المراجع دونت نتائج الجهود الكبرى التي بذلها‬
‫علماء السلف الذين استقصوا كل صغيرة وكبيرة في ميدان الفقه‪ ،‬ولم يتركوا زيادة لمستزيد‪،‬‬
‫ومدوناتهم هذه‪ ،‬رغم مرور قرون على تأليفها‪ ،‬ما تزال وستبقى مرجع المسلم في معرفة تفاصيل‬
‫أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬لكن الخوض فيها‪ ،‬وعلى أهميته‪ ،‬ليس باألمر اليسير على من يعيش في‬
‫زمننا‪ ،‬لتفاوت ما بين أبناء العصرين في طريقة العرض وفي األسلوب‪ .‬لذا جاء هذا الكتاب جسراً‬
‫يسهل على القارئ االتصال مع تلك الكتب‪ ،‬فهو مدخل إليها؛ بالنسبة للباحث المتخصص‪ ،‬كما أنه‬
‫مرجع عملي كاف لمن ينشد في كتب الفقه اإلرشاد في سلوكه اليومي على ضوء قواعد الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ .‬وموضوعاته تقتصر على قسم العبادات في المذهب‪.‬‬

‫( ‪)1/2‬‬

‫في هذا الكتاب محاولة لتقديم المعلومات بطريقة تنسجم مع روح العصر؛ حيث يعتني الكتاب بالتقسيم‬
‫والترقيم والعنونة واالبتعاد عن االستطرادات المطولة‪ ،‬كما يعتنون بعزو المعلومات إلى مراجعها‬
‫بدقة‪ ،‬لتوثيقها ولتسهيل العودة إليها في األصول‪ S‬لمن أراد‪ .‬هذا األسلوب في التأليف يالئم مادة‬
‫الكتاب؛ حيث تتشعب القضايا ويلزم حفظها بعد فهمها للتطبيق العملي‪ ،‬وقد اعتمدته في كتابي‪،‬‬
‫وأضفت شروحاً في الهوامش حيث اقتضى األمر‪ .‬كما حرصت على ذكر األدلة محققة من الكتاب‬
‫والسنة باالعتماد على المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم والمعاجم المفهرسة للحديث وأمهات‬
‫كتب الحديث‪ .‬وقد صدرت بمقدمة عن حياة اإلمام أبي حنيفة والفقه الحنفي‪.‬‬
‫مع هذا الجهد المبذول أقر أنه ما كان لعمل بشري أن يبلغ الكمال‪ ،‬وإ ن طمع المرء لبلوغه‪ ،‬وما عاد‬
‫مؤلف كتاب إلى ما كتبه مرة إال وجد فيه ما يمكن إضافته أو حذفه أو تعديله بغية بلوغ العمل مرتبة‬
‫أفضل‪ .‬وإ ني إذ أضع مؤلفي‪ S‬هذا بين يدي القراء ألرجو من اللّه أن يتقبله مني وأن ينفع به المسلمين‪،‬‬
‫آملة منهم تزويدي بمالحظاتهم حول ما فيه سلبيات لعلي أتدارك ما وقع منها في الطبعات القادمة إن‬
‫شاء اللّه‪.‬‬
‫وفي الختام ال يسعني إال أن أتقدم بالشكر لكل من ساهم معي بجهد في إنجاز هذا الكتاب‪ ،‬وأتوجه إلى‬
‫اللّه بالدعاء أن يثيبه عني وعن المسلمين‪.‬‬
‫المؤلفة‬
‫‪ 3‬ربيع األول ‪ 1406‬هـ‬
‫‪ 15‬تشرين الثاني ‪ 1985‬م‬

‫( ‪)1/3‬‬

‫اإلمام أبو حنيفة النعمان رضي اللّه عنه‬


‫‪ -‬لمحة عن حياته (‪ 150 - 80‬هـ)‪.‬‬
‫نسبه‪ :‬هو اإلمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت الفارسي‪ ،‬عرف باإلمام األعظم‪.‬‬
‫كان جده من أهل كابل قد أسر عند فتح بالده ثم ُم ّن عليه‪ .‬وأبو حنيفة ‪ -‬وإ ن كان مولى ‪ -‬لم يجر‬
‫عليه الرق وال على أبيه‪ ،‬بل كان حر النفس أصيالً‪ ،‬ولم يكن نسبه الفارسي غاضاً من قدره في‬
‫عصر يقدم شرف التقوى على شرف النسب‪ .‬وكان العلم في عصره أكثره في الموالي(‪ ،)1‬فكانوا‬
‫الوسط العلمي للدولة اإلسالمية بعد الصحابة ردحاً طويالً من الزمن‪ ،‬فصدقت فيه نبوءة رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬لو كان العلم بالثريا لتناوله أناس من أبناء فارس)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الموالي‪ :‬اسم أطلقه المؤرخون على غير العرب من المسلمين‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.297‬‬

‫( ‪)1/4‬‬

‫مولده ونشأته‪:‬‬
‫ولد أبو حنيفة رضي اللّه عنه في الكوفة سنة ثمانين للّهجرة على رواية األكثرين‪ ،‬ونشأ وتربى بها‬
‫وعاش أكثر حياته فيها متعلماً ومجادالً ومعلماً‪.‬‬
‫ولد أبوه ثابت على اإلسالم ويروى أنه التقى بعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه صغيراً فدعا له‬
‫بالبركة فيه وفي ذريته‪.‬‬
‫نشأ أبو حنيفة رضي اللّه عنه في بيت إسالمي خالص‪ ،‬وقد ابتدأ حياته تاجراً ثم لفته الشعبي فقيه‬
‫األثر‪ ،‬لما لمح فيه من مخايل الذكاء وقوة الفكر‪ ،‬إلى االختالف إلى العلماء مع التجارة‪ ،‬فانصرف‬
‫إلى العلم دون أن يهمل التجارة‪.‬‬
‫طلبه للعلم‪:‬‬
‫تثقف أبو حنيفة رضي اللّه عنه بالثقافة اإلسالمية التي كانت في عصره‪ ،‬فقد حفظ القرآن على قراءة‬
‫عاصم‪ ،‬ودرس الحديث‪ ،‬وعرف قدراً من النحو واألدب والشعر‪ ،‬كما درس علم الكالم وأصول‬
‫الدين‪ ،‬وجادل الفرق المختلفة في مسائل االعتقاد وما يتصل به‪ ،‬ثم عدل إلى الفقه واستمر عليه‬
‫واستغرق كل مجهوده الفكري‪ ،‬وقد ذكر في اختياره للفقه قوله‪" :‬كلما قلبته وأدرته لم يزدد إال‬
‫جاللة‪ ...‬ورأيت أنه ال يستقيم أداء الفرائض وإ قامة الدين والتعبد إال بمعرفته‪ ،‬وطلب الدنيا واآلخرة‬
‫إال به"‪.‬‬

‫( ‪)1/5‬‬
‫وقد اتجه أبو حنيفة رضي اللّه عنه إلى دراسة الفتيا على المشايخ الكبار الذين كانوا في عصره‪،‬‬
‫ولزم شيخه حماد بن أبي سليمان مذ كان في الثانية والعشرين من عمره إلى أن مات شيخه وأبو‬
‫حنيفة رضي اللّه عنه في األربعين من عمره‪.‬‬
‫ومع مالزمة أبي حنيفة رضي اللّه عنه لشيخه حماد فقد كان كثير الرحلة إلى بيت اللّه الحرام حاجاً‪،‬‬
‫يلتقي في مكة والمدينة بالفقهاء والمحدثين والعلماء‪ ،‬يروي عنهم األحاديث ويذاكرهم الفقه ويدارسهم‬
‫ما عندهم من طرائق‪.‬‬
‫وكان يتتبع التابعين أينما وحيثما ثقفوا‪ S،‬وخصوصاً من اتصل منهم بصحابة امتازوا في الفقه‬
‫واالجتهاد‪ ،‬وقد قال في ذلك‪" :‬تلقيت فقه عمر وفقه عبد اللّه بن مسعود وفقه ابن عباس عن‬
‫أصحابهم"‪.‬‬
‫وقد جلس اإلمام أبو حنيفة في األربعين من عمره في مجلس شيخه حماد بمسجد الكوفة‪ ،‬وأخذ‬
‫يدارس تالميذه ما يعرض له من فتاوى وما يبلغه من أقضية‪ ،‬ويقيس األشباه بأشباهها واألمثال‬
‫بأمثالها بعقل قوي مستقيم ومنطق قويم‪ ،‬حتى وضع تلك الطريقة الفقهية التي اشتق منها المذهب‬
‫الحنفي‪.‬‬

‫( ‪)1/6‬‬

‫أخالقه‪:‬‬
‫كان أبو حنيفة رضي اللّه عنه بالغ التدين شديد التنسك عظيم العبادة‪ ،‬صائماً بالنهار قائماً بالليل تالياً‬
‫لكتاب اللّه‪ ،‬خاشعاً دائباً في طاعة اللّه‪ ،‬قام الليل ثالثين سنة وكان القرآن الكريم ديدنه وأنيسه‪.‬‬
‫كان كثير البكاء يرحمه جيرانه لكثرة بكائه‪ ،‬كثير الحياء جم األدب وخاصة مع شيوخه‪ ،‬باراً بوالديه‬
‫يدعو لهما في كل صالة ويتصدق عنهما‪.‬‬
‫كان كثير الورع يقول‪" S:‬لو أن عبداً عبد اللّه تعالى حتى صار مثل هذه السارية ثم إنه ال يدري ما‬
‫يدخل في بطنه حالل أو حرام ما تقبل منه"‪ .‬ولذا كان شديد الحرج في كل ما تخالطه شبهة اإلثم‪ ،‬فإن‬
‫ظن إثماً أو توهمه في مال خرج منه وتصدق به على الفقراء والمحتاجين‪ ،‬وقد تصدق ببضاعته كلها‬
‫عندما باع شريكه ثوباً معيباً دون أن يظهر عيبه‪.‬‬
‫كان عظيم األمانة في معامالته حتى شبهه كثيرون في تجارته بأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه‪،‬‬
‫فكان مثالً كامالً للتاجر المستقيم كما هو في الذروة بين العلماء‪ .‬قال فيه معاصره مليح بن وكيع‪:‬‬
‫"كان أبو حنيفة عظيم األمانة‪ ،‬وكان واللّه في قلبه جليالً كبيراً عظيماً‪ ،‬وكان يؤثر رضا ربه على كل‬
‫شيء‪ ،‬ولو أخذته السيوف في اللّه الحتمل"‪.‬‬
‫ومن أخالقه السماحة والجود‪ ،‬فقد كانت تجارته تدر عليه الدر الوفير رغم ورعه واكتفائه من الربح‬
‫بالقدر اليسير‪ ،‬وكان ينفق أكثره على المشايخ والمحدثين اعترافاً بفضل اللّه عليه فيهم‪.‬‬
‫قال فيه الفضيل بن عياض‪" :‬كان أبو حنيفة رجالً فقيهاً معروفاً بالفقه‪ ،‬واسع المال معروفاً باألفضال‬
‫على كل من يطيف به‪ ،‬صبوراً على تعلم العلم بالليل والنهار‪ ،‬حسن الليل‪ ،‬كثير الصمت‪ ،‬قليل الكالم‬
‫حتى ترد مسألة في حالل أو حرام فكان يحسن أن يدل على الحق‪ ،‬رهاباً من مال السلطان"‪.‬‬
‫كان رحمه اللّه واحد زمانه‪ ،‬لو انشقت عنه األرض النشقت عن جبل من الجبال في العلم والكرم‬
‫والمواساة والورع واإليثار للّه تعالى‪.‬‬
‫وكان أبو حنيفة رضي اللّه عنه حريصاً على أن يكون مظهره كمخبره حسناً‪ ،‬فكان كثير العناية‬
‫بثيابه كثير التطيب‪ ،‬حسن الهيئة يحث من يعرفه على العناية بملبسه وسائر مظهره مذكراً بحديث‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إن اللّه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)‪)1(.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب الزينة باب ‪2819 / 41‬‬

‫( ‪)1/7‬‬

‫محنته ووفاته‪:‬‬
‫عاش أبو حنيفة رضي اللّه عنه عصراً مليئاً بالمشاحنات والتيارات‪ ،‬فقد أدرك دولتي بني أمية‬
‫والعباس‪ ،‬وكان موقفه واضحاً من كل ما يجري حوله‪ ،‬ولم يعرف عنه يوماً أنه خرج مع الخارجين‬
‫أو ثار مع الثائرين‪ ...‬لكن لما طلب منه عمر بن هبيرة والي األمويين على الكوفة أن يعمل معه‬
‫امتنع فسجن وعذب ثم هرب ولجأ إلى مكة‪ ،‬واتخذها مقاماً ومستقراً له من سنة (‪)136 - 130‬‬
‫للّهجرة‪ ،‬فعكف على الفقه والحديث يطلبهما بمكة التي ورثت علم ابن عباس رضي اللّه عنهما‪.‬‬
‫ولما استتب األمر للعباسيين عاد إلى الكوفة وأعلن والءه لهم وتابع حلقات درسه في مسجد الكوفة‪.‬‬
‫واستمر على والئه للدولة العباسية‪ ،‬إال أنه على ما يظهر انتقد موقف الخليفة المنصور من بعض آل‬
‫البيت من أبناء علي رضي اللّه عنه‪ ،‬وكان حول الخليفة كثيرون يحسدون أبا حنيفة ‪ -‬رضي اللّه‬
‫عنه ‪ -‬ويوغرون صدر المنصور عليه‪ ،‬فكان أن عرض عليه الخليفة المنصور منصب القضاء‬
‫امتحاناً إلخالصه‪ ،‬فاعتذر اإلمام عن قبول المنصب تحرجاً من الوقوع في اإلثم ألنه يرى القضاء‬
‫منصباً خطيراً ال تقوى نفسه على احتماله‪ ،‬وتعرض لمحنة قاسية بسبب رفضه؛ إذ وجد الخليفة‬
‫ِ‬
‫المنصور الفرصة مواتية للنيل منه فسجن وعذب ثم أخرج من السجن على أن يفتي فكان ُي ْرجعُ‬
‫المسائل وال يفتي فيها بشيء‪ ،‬فسجن من جديد ثم أخرج ومنع من الفتوى والناس والخروج من‬
‫المنزل‪ ،‬فكانت تلك حاله إلى أن توفي رحمه اللّه سنة (‪ )150‬للّهجرة على أصح األقوال‪ .‬وقيل إنه‬
‫مات مقتوالً‪ S‬بالسم في سجنه رحمه اللّه‪.‬‬
‫وكان قد أوصى أن يدفن بأرض الخيزران فحمل إليها‪ .‬وقدر عدد من شيع جنازته وصلى عليها‬
‫بخمسين ألفاً‪ .‬وقد صلى المنصور نفسه عليها إقراراً منه بعظمة دينه وتقواه وقال‪ :‬من يعذرني منك‬
‫حياً وميتاً؟ رحم اللّه اإلمام ورضي اللّه عنه وأرضاه‪.‬‬

‫( ‪)1/8‬‬

‫منزلته العلمية ومصادر علمه‪:‬‬


‫كان اإلمام أبو حنيفة فقيهاً مستقالً قد سلك في تفكيره مسلكاً استقل به وتعمق فيه‪ .‬وقد بقيت أصوات‬
‫الثناء تتجاوب في األجيال تعطر سيرته‪ ،‬قال أحد العلماء‪" :‬أقمت على أبي حنيفة خمس سنين فما‬
‫رأيت أطول منه صمتاً‪ ،‬فإذا سئل عن شيء من الفقه تفتح وسال كالوادي وسمعت له دوياً وجهارة‬
‫بالكالم"‪ .‬كما وصفه معاصره الورع التقي عبد اللّه بن المبارك بأنه مخ العلم‪ ،‬فهو قد أصاب من العلم‬
‫اللباب ووصل فيه إلى أقصى مداه‪ ،‬وكان يستبطن المسائل ويستكنه كنهها ويتعرف أصولها ويبني‬
‫عليها‪ .‬ولقد شغل عصره بفكره وعلمه ومناظراته‪ ،‬فهو بين المتكلمين يناقشهم ويدفع أهواء ذوي‬
‫األهواء؛ ويناقش الفرق المختلفة وله رأي في مسائل علم الكالم أثر عنه؛ بل هناك رسائل نسبت إليه‪،‬‬
‫وله في الفقه والتخريج وفهم األحاديث واستنباط علل أحكامها والبناء عليها المقام األعلى‪ ،‬حتى إن‬
‫بعض معاصريه قال‪" :‬إنه لم يعرف أحداً أحسن فهماً للحديث منه"‪.‬‬
‫من أين جاء ألبي حنيفة رضي اللّه عنه كل هذا العلم؟ ما مصادره؟ ما مهيئاته؟ ما الذي توافر له‬
‫حتى كان منه ما رواه تاريخ العالم اإلسالمي؟‪.‬‬
‫لقد تهيأ لتوجيه أبي حنيفة رضي اللّه عنه توجيهاً علمياً ولنبوغه في وجهته أمور أربعة‪ ،‬أولها‪:‬‬
‫صفاته التي جبل عليها‪ ،‬ثانيها‪ :‬شيوخه الموجهون الذين التقى بهم وأثروا فيه‪ ،‬ثالثها‪ :‬حياته‬
‫الشخصية وتجاربه‪ ،‬ورابعها‪ :‬العصر الذي أظله والبيئة الفكرية التي عاش فيها‪.‬‬
‫وسنخص كل واحد من هذه العناصر بكلمة‪:‬‬
‫‪ - 1‬صفاته‪:‬‬
‫اتصف أبو حنيفة رضي اللّه عنه بصفات جعلته في الذروة بين العلماء‪ ،‬صفات العالم الحق الثبت‬
‫الثقة‪ ،‬البعيد المدى في تفكيره‪ ،‬المتطلع إلى الحقائق‪ ،‬الحاضر البديهة الذي تسارع إليه األفكار‪.‬‬

‫( ‪)1/9‬‬
‫كان رضي اللّه عنه ضابطاً لنفسه مستولياً على مشاعره‪ ،‬ال تعبث به الكلمات العارضة وال تبعده‬
‫عن الحق العبارات النابية‪ ،‬كان يقول‪" :‬اللّهم من ضاق بنا صدره فإن قلوبنا قد اتسعت له"‪ .‬وقد أوتي‬
‫استقالالً في تفكيره جعله ال يخضع في رأيه إال لنص من كتاب أو سنة أو فتوى صحابي‪ ،‬ولم يؤثر‬
‫فيه الحب والبغض‪.‬‬
‫كان عميق الفكرة بعيد الغور في المسائل‪ ،‬ال يكتفي بالبحث في ظواهر األمور والنصوص وال يقف‬
‫عند ظاهر العبارة بل يسير وراء مراميها البعيدة أو القريبة‪ ،‬ولعل ذلك العقل الفلسفي المتعمق هو‬
‫الذي دفعه ألن يتجه أول حياته إلى علم الكالم كما دفعه لدراسة الحديث دراسة متعمقة‪ ،‬يبحث عن‬
‫علل ما اشتمل عليه من أحكام مستعيناً بإشارات األلفاظ ومرامي العبارات‪.‬‬
‫كان حاضر البديهة‪ ،‬ال تحتبس فكرته وال يفحم في جدال‪ ،‬واسع الحيلة يعرف كيف ينفذ إلى ما يفحم‬
‫به خصمه من أيسر السبل‪ ،‬وله في ذلك غرائب ومدهشات حتى قيل فيه‪ :‬إنه لو أراد أن يثبت الحكم‬
‫وعكسه لما أعجزه ذلك‪.‬‬
‫كان مخلصاً في طلب الحق مما نور قلبه وأضاء بصيرته‪ ،‬فكان ال يهمه إال الحق سواء كان غالباً أو‬
‫مغلوباً‪ .‬وكان إلخالصه ال يفرض في رأيه أنه الحق المطلق بل يقول‪" S:‬قولنا هذا رأي وهو أحسن ما‬
‫قدرنا عليه‪ ،‬فمن جاء بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا"‪.‬‬
‫هذه جملة الصفات التي جعلت من أبي حنيفة رضي اللّه عنه فقيهاً انتفع بكل غذاء روحي وصل إليه‪.‬‬
‫‪ - 2‬شيوخه والموجهون الذين التقى بهم‪:‬‬
‫التقى اإلمام أبو حنيفة بعدد من الذين عمروا من الصحابة‪ ،‬منهم أنس بن مالك وعبد اللّه ابن أبي‬
‫أوفى وسهل بن سعد رضوان اللّه عليهم‪ ،‬ولكنه لم يرو عنهم إذ كان في سن لقائه بهم صغيراً‪ ،‬ولكن‬
‫أجمع العلماء على أنه التقى بكبار التابعين وجالسهم ودارسهم وروى عنهم وتلقى فقههم‪.‬‬
‫وقد قال‪" :‬كنت في معدن العلم والفقه فجالست أهله ولزمت فقيهاً من فقهائهم"‪.‬‬

‫( ‪)1/10‬‬

‫وهذا يدل على أنه عاش في وسط علمي وجالس العلماء وعرف مناهج بحثهم ثم اختار من بينهم‬
‫فقيهاً وجد فيه ما يرضي نزوعه العلمي وهو حماد بن أبي سليمان الذي انتهت مشيخة الفقه العراقي‬
‫في عصره‪ ،‬فلزمه ثماني عشرة سنة‪ .‬وكان حماد قد تلقى معظم فقهه على إبراهيم النخعي فقيه الرأي‬
‫كما تلقى عن الشعبي فقيه األثر‪ ،‬وهما اللذان انتهى إليهما فقه الصحابيين الجليلين عبد اللّه بن مسعود‬
‫وعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنهما‪ ،‬وكانا قد أقاما بالكوفة وأورثا أهلها تراثاً فقهياً عظيماً‪.‬‬
‫ومن شيوخه عطاء بن أبي رباح الذي أخذ خالصة علم ابن عباس رضي اللّه عنهما عن مواله‬
‫عكرمة‪ .‬وكان أبو حنيفة رضي اللّه عنه يالزمه ما دام مجاوراً لبيت اللّه الحرام‪.‬‬
‫ومنهم نافع مولى ابن عمر رضي اللّه عنهما وقد أخذ عنه أبو حنيفة رضي اللّه عنه علم ابن عمر‬
‫وعلم عمر رضي اللّه عنهما‪ .‬وهكذا اجتمع لإلمام أبي حنيفة علم عمر وعلي وابن عباس وابن‬
‫مسعود وابن عمر رضي اللّه عنهم عن طريق من تلقى عنهم من تابعيهم رضي اللّه عنهم أجمعين‪.‬‬

‫ولم يقتصر اإلمام أبو حنيفة على األخذ عن هؤالء الفقهاء بل تجاوز ذلك إلى أئمة آل البيت فأخذ‬
‫عنهم ودارسهم‪ ،‬منهم اإلمام زيد بن علي زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وعبد اللّه بن‬
‫الحسن بن الحسن‪.‬‬
‫ولم يكن اتصال أبي حنيفة‪ ،‬رضي اللّه عنه‪ ،‬العلمي مقصوراً على رجال الجماعة وأئمة آل البيت بل‬
‫اتصل بمختلف الفرق وتعرف على آرائهم وأقوالهم‪ ،‬فكان يأخذ من كل هذه العناصر ثم يخرج منها‬
‫بفكر جديد ورأي قويم لم يكن من نوعها وإ ن كان فيه خيرها‪.‬‬
‫وهكذا نستطيع أن نقول إنه تلقى فقه الجماعة اإلسالمية بشتى منازعها وإ ن كان قد غلب عليه تفكير‬
‫أهل الرأي بل ُع ّد شيخ أهل الرأي‪.‬‬
‫‪ - 3‬دراسته الخاصة وتجاربه‪:‬‬
‫كانت حياة اإلمام أبي حنيفة ودراساته وتجاربه تتجه به نحو تكوين فقيه العراق األول‪.‬‬

‫( ‪)1/11‬‬

‫فقد زاول التجارة وكان عليماً بأحوال البيع والعرف التجاري مما جعله يتكلم في معامالت الناس‬
‫وأحكامها كالم الخبير الفاهم؛ فجعل للعرف مكاناً في تخريجه الفقهي‪ S،‬وأحسن التخريج باالستحسان‬
‫عندما يكون في القياس منافاة للمصلحة أو العدالة‪.‬‬
‫كما كان كثير الرحلة إلى الحج وغيره يلتقي بالعلماء يدارس ويذاكر ويناظر ويروي ويفتي‪ S.‬هذا إلى‬
‫ما تفيده الرحالت نفسها من فتق للذهن ومعرفة بمواطن الوحي والبالد المختلفة؛ فيحيط خبراً بمعاني‬
‫اآلثار ودقائق األخبار ويحسن التفريع في المسائل الفقهية ويحكم تصورها واإللمام بأحكامها‪.‬‬
‫وقد كان أبو حنيفة رضي اللّه عنه مغرماً بالجدل والمناظرة منذ شب في طلب العلم‪ ،‬ومجادلته في‬
‫العقائد أرهفت تفكيره وعمقت‪ S‬مداركه‪ ،‬ومناظراته في الفقه أطلعته على أحاديث وأوجه للقياس‬
‫وفتاوى للصحابة لم يكن مطلعاً عليها‪.‬‬
‫وطريقة اإلمام أبي حنيفة الخاصة في التدريس جعلت درسه مجاالً لتثقيف المعلم والمتعلم معاً‪ ،‬فقد‬
‫كان يطرح الفكرة ويناقشها مع تالميذه‪ ،‬كل يدلي برأيه مخالفاً أو موافقاً‪ ،‬وبعد تقليب النظر يدلي هو‬
‫بالرأي الذي تنتجه هذه الدراسة فيقر الجميع به‪ .‬وهذا جعل علمه في نمو متواصل وفكره في تقدم‬
‫مستمر‪.‬‬
‫‪ - 4‬عصره‪:‬‬
‫أدرك اإلمام أبو حنيفة العصر األموي في عنفوانه وقوته ثم في تحدره وانهياره‪ ،‬وأدرك الدولة‬
‫العباسية في نشأتها قوية ظافرة ناهضة مسيطرة‪.‬‬
‫وعاش أبو حنيفة رضي اللّه عنه في العصر األموي اثنتين وخمسين سنة‪ ،‬وهي السن التي تربى فيها‬
‫وبلغ أشده‪ ،‬ثم بلغ أوجه العلمي ونضجه الفكري الكامل‪ .‬ولم يدرك من العصر العباسي إال ثماني‬
‫عشرة سنة‪ ،‬وكانت عاداته الفكرية ومناهجه العلمية قد استقامت‪ ،‬وصار ينتج الكثير وال يأخذ إال‬
‫القليل‪ .‬وعلى هذا فما أخذه اإلمام أبو حنيفة من عصره كان أكثره من األموي وأقله من العباسي‪،‬‬
‫وكان العصر العباسي نمواً لما في العصر األموي ونتائج لمقدمات بدأت قبله‪.‬‬

‫( ‪)1/12‬‬

‫وقد أغنت الحياة السياسية الحافلة بالصراعات واالتجاهات‪ ،‬والحياة االجتماعية التي ضمت عناصر‬
‫مختلفة لكل منها طابع خاص رغم أنها انصهرت جميعها في بوتقة اإلسالم‪ ،‬والمشاغل الفكرية في‬
‫أمور العقيدة وما نشأ عنها من فرق ونحل‪ ،‬وازدهار حركة الترجمة عن الفكر اليوناني والفارسي‬
‫والهندي‪ ،‬وتفرغ العلماء للخوض في علوم الدين الذي أثمر حركة التدوين للحديث وكثرة المناظرات‬
‫والرحالت العلمية‪ .‬أغنت هذه األجواء‪ ،‬السياسية واالجتماعية والفكرية والعلمية‪ ،‬مدارك الفقهاء‬
‫وساعدت في تفتق أذهان العلماء وأوجدت مناخاً مالئماً ساعد في استخراج المسائل وفي فرض‬
‫الفروض والتصورات‪.‬‬
‫فقه أبي حنيفة رضي اللّه عنه‪:‬‬
‫كان أبو حنيفة رضي اللّه عنه أشهر فقهاء الرأي كما كان مالك أشهر فقهاء الحديث‪ .‬ويقصد بالرأي‪:‬‬
‫كل ما يفتي فيه الفقيه في األمور التي ال يجد فيها نصاً‪ ،‬ويعتمد في فتواه على ما عرف من الدين‬
‫بروحه العامة‪ ،‬أو ما يتفق مع أحكامه في جملتها في نظر المفتي‪ ،‬أو ما يكون مشابهاً ألمر منصوص‬
‫عليه فيها فيلحق الشبيه بالشبيه‪ .‬وعلى ذلك يكون الرأي شامالً للقياس واالستحسان والمصالح‬
‫المرسلة والعرف‪.‬‬

‫( ‪)1/13‬‬

‫وأساس االختالف بين أهل الرأي وأهل الحديث ليس في االحتجاج بالسنة بل في أمرين‪ :‬في األخذ‬
‫بالرأي‪ ،‬وفي تفريغ المسائل تحت سلطانه‪ .‬فقد كان أهل الحديث ال يأخذون بالرأي إال اضطراراً وال‬
‫يفرغون المسائل‪ ،‬فال يستخرجون أحكاماً لمسائل لم تقع‪ ،‬بل ال يفتون إال فيما يقع من الوقائع‪ .‬أما‬
‫أهل الرأي فيكثرون في اإلفتاء بالرأي ما دام لم يصح لديهم حديث في ذلك الموضوع الذي يجتهدون‬
‫فيه‪ ،‬وال يكتفون باستخراج أحكام المسائل الواقعة بل يفرضون مسائال غير واقعة ويضعون لها‬
‫أحكاماً بآرائهم‪ .‬وكان أكثر أهل الحديث بالحجاز‪ ،‬ألنه موطن الصحابة األول ومكان الوحي‪ ،‬وألن‬
‫التابعين الذين أقاموا فيه تخرجوا على صحابة لم يكثروا من الرأي‪ .‬وأكثر أهل الرأي كانوا بالعراق‪،‬‬
‫ألنهم تخرجوا على ابن مسعود رضي اللّه عنه وهو ممن كانوا يتحرجون في الرواية عن رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم وال يتحرج في االجتهاد برأيه‪ ،‬وألن العراق كان موطناً لفلسفات وعلوم مدارس‬
‫قديمة‪ ،‬كما أن أسباب الرواية لم تتوافر عند أهله‪.‬‬
‫وقد عرف أبو حنيفة رضي اللّه عنه باتجاهه إلى الفرض والتقدير فكان يقدر مسائل لم تقع ويبين‬
‫حكمها ويوضح أدلتها ويقول‪ S‬في ذلك‪" :‬إنا نستعد للبالء قبل نزوله فإذا ما وقع عرفنا الدخول فيه‬
‫والخروج منه"‪.‬‬
‫وهكذا زاد أبو حنيفة رضي اللّه عنه الفقه التقديري نمواً وأكثر فيه‪ ،‬وسلك الفقهاء من بعده مسلك‬
‫الفرض والتقدير واختلفوا في المقدار‪.‬‬

‫( ‪)1/14‬‬

‫ذكر العلماء مسنداً من األحاديث واآلثار منسوباً إلى أبي حنيفة رضي اللّه عنه‪ ،‬ولكن أكثر اآلراء‬
‫على أن أبا حنيفة رضي اللّه عنه لم يدون في الفقه كتاباً مبوباً؛ فقد كان المعروف أن تالميذه يدونون‬
‫آراءه ويقيدونها‪ ،‬وربما كان ذلك بإمالءه أحياناً‪ ،‬وكان هو يراجع ما ُد ّون أحياناً ليقره أو ليغيره‪.‬‬
‫وكان في جلساته الفقهية مع تالميذه يلقي مسألة مسألة يقلبها ويسمع ما عندهم ويقول ما عنده‬
‫ويناظرهم حتى يستقر أحد األقوال فيها ثم يثبتها أبو يوسف في األصول‪ S‬حتى أثبت األصول‪ S‬كلها‪.‬‬
‫وبهذا النحو من التحرير ُد ّون مذهب اإلمام أبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬ونشره أصحابه كتباً مبوبة مرتبة‬
‫منظمة‪.‬‬
‫وكانت األقوال التي نقلها أصحاب اإلمام أبي حنيفة خالية من الدليل‪ ،‬إال ما يكون من أثر منقول أو‬
‫خبر مشهور أو اعتماد على فتوى صحابي أو انتهاء إلى رأي تابعي‪ ،‬وقليالً ما يذكر قياسها أو عماد‬
‫استحسانها‪ ،‬اللّهم إال ما كتب أبي يوسف وال تحكي إال القليل‪ .‬وال شك أن ذلك يبعد بنا عن معرفة‬
‫اإلمام أبي حنيفة القياس صاحب االستحسان الذي عد أقوى قائس في عصره‪ ،‬فلم يجرؤ أحد على‬
‫منازعته القياس إذا قايس أو استحسن‪.‬‬
‫وإ ذا كانت الطبقة التي وليت أصحاب أبي حنيفة رضي اللّه عنه قد عنيت باالستدالل واستخراج‬
‫األقيسة في األحكام وبيان أوجه االستحسان وأحكام العرف‪ ،‬فإننا لسنا على ثقة كاملة من أن هذا‬
‫االستدالل الذي يسوقونه هو نفس ما كان يفكر فيه اإلمام أبو حنيفة وما اهتدى على ضوئه إلى ما‬
‫قرره من أحكام‪.‬‬
‫تالميذه‪:‬‬
‫كان ألبي حنيفة رضي اللّه عنه تالميذ كثيرون‪ ،‬منهم من كان يرحل إليه ويستمع أمداً ثم يعود إلى‬
‫بلده بعد أن يأخذ طريقه ومنهاجه‪ ،‬ومنهم من الزمه‪ .‬وقد قال هو في أصحابه الذين الزموه‪" :‬هؤالء‬
‫ستة وثالثون رجالً منهم ثمانية وعشرون يصلحون للقضاء‪ ،‬وستة يصلحون للفتوى‪ ،‬واثنان أبو‬
‫وزفَر يصلحان لتأديب القضاة وأرباب الفتوى"‪.‬‬
‫يوسف ُ‬

‫( ‪)1/15‬‬

‫وال شك أن هؤالء الصحاب الذين يقرر أبو حنيفة رضي اللّه عنه صالحيتهم للقضاء واإلفتاء وتأديب‬
‫القضاة كانوا في حياته من النضج العلمي بحيث يمكن أن تعهد إليهم هذه األمور الخطيرة‪ ،‬وكانوا في‬
‫سن تؤهلهم لها‪ .‬أما محمد بن الحسن فقد كان في الثامنة عشر من عمره حينما توفي أبو حنيفة رحمه‬
‫اللّه ولم تكن سنه تؤهله للقضاء‪ ،‬مع أننا سنجد فقه أبي حنيفة ‪ -‬رضي اللّه عنه ‪ -‬خاصة وفقه‬
‫العراقيين عامة مدين لمحمد ابن الحسن بكتبه‪ ،‬فهي التي حفظته وأبقته لألخالف مرجعاً يرجع إليه‬
‫ومنهالً يستقى منه‪.‬‬
‫وقد أضفت خدمة تالميذ اإلمام أبي حنيفة لمذهبه وعنايتهم بذلك جالالً على المذهب وإ مامه‪.‬‬
‫وسنخص بالذكر بعض أصحابه ممن كان لهم أثر في نقل فقهه إلى األجيال الالحقة‪.‬‬
‫أبو يوسف (‪ 182 - 113‬هـ)‪:‬‬
‫وهو يعقوب‪ S‬بن إبراهيم بن حبيب‪ ،‬األنصاري نسباً والكوفي منشأً وتعلماً ومقاماً‪ S.‬نشأ فقيراً تضطره‬
‫الحاجة للعمل ثم أمده اإلمام أبو حنيفة بالمال فانصرف إلى طلب العلم‪ .‬جلس إلى ابن أبي ليلى الفقيه‬
‫قبل أن يجلس إلى أبي حنيفة رضي اللّه عنه‪ ،‬ثم انقطع إليه مع اتصاله بالمحدثين‪ .‬وكان فقيهاً عالماً‬
‫حافظاً‪ ،‬كثير الحديث‪ُ ،‬ع ّد أحفظ أصحاب اإلمام أبي حنيفة للحديث‪ .‬ولي القضاء لثالثة من الخلفاء‬
‫العباسيين‪ :‬المهدي والهادي ثم الرشيد الذي كانت له عنده مكانة وحظوة‪.‬‬
‫وقد استفاد الفقه الحنفي من أبي يوسف فوائد جليلة‪ ،‬إذ أن اختباره للقضاء جعله يصقل المذهب صقالً‬
‫علمياً بسبب اطالعه على الشؤون العامة ومشاكل الناس‪ ،‬فأصبح قياسه واستحسانه مشتقاً من الحياة‬
‫العملية ال من الفروض النظرية فقط‪ .‬وقد استمد المذهب الحنفي نفوذاً مكيناً بتولي أبي يوسف‬
‫القضاء وكونه القاضي األول للدولة‪.‬‬
‫ولعل أبا يوسف أول فقهاء الرأي الذين دعموا آراءهم بالحديث وبذلك جمع بين طريقة أهل الرأي‬
‫وطريقة أهل الحديث‪.‬‬
‫( ‪)1/16‬‬

‫دون فيها آراءه وآراء شيخه‪ ،‬منها كتاب اآلثار وكتاب أبي حنيفة وابن أبي‬
‫وألبي يوسف كتب كثيرة ّ‬
‫ليلى وكتاب الرد على سير األوزاعي وغيرها‪ .‬وفي كتبه جمال في التعبير ووضوح‪ S‬وجزالة ودقة‬
‫قياس وإ حكام فكر‪ ،‬إلى جانب بعض األدلة الفقهية المصورة التجاه اإلمام أبي حنيفة في تفكيره‪.‬‬
‫محمد بن الحسن الشيباني (‪ 189 - 132‬هـ)‪:‬‬
‫يكنى أبا عبد اللّه‪ ،‬وينتسب إلى شيبان بالوالء‪ .‬كانت سنه عند موت اإلمام أبي حنيفة ثماني عشرة‬
‫سنة‪ ،‬فلم يتلق عنه أمداً طويالً‪ ،‬ولكنه أتم دراسته لفقه العراق الذي صقله القضاء على أبي يوسف‪،‬‬
‫كما تلقى فقه الحجاز عن مالك رضي اللّه عنه‪ ،‬وروايته للموطأ من أجود الروايات‪ ،‬وتلقى فقد الشام‬
‫عن األوزاعي‪.‬‬
‫وكانت له قدرة ومهارة في التفريع والتخريج باإلضافة إلى درايته الواسعة البالغة في األدب وامتالكه‬
‫أعنة البيان‪ .‬قال فيه الشافعي‪" :‬كان محمد بن الحسن يمأل العين والقلب‪ ،‬وكان أفصح الناس‪ ،‬إذ تكلم‬
‫خيل إلى سامعه أن القرآن نزل بلغته"‪ .‬وقد تمرس بالقضاء أيضاً مما أفاده علماً وتجربة وقرب فقهه‬
‫من الناحية العملية التي ال تقتصر على التصور والنظر المجرد‪ .‬وكان عنده اتجاه إلى التدوين فهو‬
‫يعد بحق ناقل فقه العراقيين إلى األخالف‪ ،‬وتعد كتبه المرجع األول لفقه أبي حنيفة رضي اللّه عنه‪،‬‬
‫دونه من فقه أهل العراق‬
‫سواء في ذلك ما كان بروايته عن أبي يوسف ومراجعته عليه‪ ،‬وما كان قد ّ‬
‫وتلقاه عن أبي يوسف وغيره‪.‬‬

‫( ‪)1/17‬‬

‫وأهم كتبه‪ :‬المبسوط والزيادات والجامع الصغير والسير الصغير والسير الكبير والجامع الكبير‪،‬‬
‫وتسمى األصول‪ S‬وسميت كتب ظاهر الرواية ألنها رويت عن محمد برواية الثقات فهي ثابتة عنه إما‬
‫متواترة أو مشهورة‪ .‬ومن كتبه أيضاً كتاب اآلثار الذي جمع فيه األحاديث واآلثار التي رواها أبو‬
‫حنيفة رضي اللّه عنه‪ ،‬وهو يتالقى في كثير من مروياته مع كتاب اآلثار ألبي يوسف وكالهما يعد‬
‫مسنداً ألبي حنيفة رضي اللّه عنه وقد جمعا بعناوين فقهية مرتبة‪ .‬وهذه الكتب هي عماد النقل في‬
‫الفقه الحنفي وتعد األصل الذي يرجع إليه في فقه اإلمام أبي حنيفة وأصحابه‪.‬‬
‫ُزفَر بن هذيل (‪ 158 - 110‬هـ)‪:‬‬
‫وهو أقدم صحبة ألبي حنيفة‪ ،‬رضي اللّه عنه‪ ،‬من صاحبيه أبي يوسف ومحمد‪ .‬كان ذكياً قوي الحجة‬
‫أخذ عن اإلمام أبي حنيفة فقه الرأي وكان أحد أصحابه قياساً‪ .‬ليس له كتب بل عمل على نشر آراء‬
‫أبي حنيفة رضي اللّه عنه بلسانه في مناظراته الفقهية مع علماء البصرة‪ ،‬وكان قد تولى قضاءها في‬
‫حياة شيخه‪ .‬وقد خلف ُزفَر أبا حنيفة رضي اللّه عنه في حلقته ثم خلفه من بعده أبو يوسف‪.‬‬
‫المذهب الحنفي وانتشاره‪:‬‬
‫المذهب الحنفي الذي تلقته األجيال وخرج العلماء المسائل على ما استنبط من أصوله هو مدرسة‬
‫فقهية تجمع آراء اإلمام أبي حنيفة واجتهاداته إلى أقوال واجتهادات أصحابه وتالميذه وبعض‬
‫معاصريه‪ ،‬كما تضم ما أضافه فقهاء آخرون تبنوا المذهب وساروا على نفس أصوله وإ ن لم‬
‫يعاصروا شيخه‪ .‬فكان الختالط الرواية عن اإلمام أبي حنيفة بالرواية عن غيره والتحاد األصول‬
‫أثر في مزج اآلراء وجعل مجموعها مذهباً واحداً‪.‬‬

‫( ‪)1/18‬‬

‫وقد نشأ المذهب في موطن اإلمام في الكوفة ثم تدارسه العلماء ببغداد بعد وفاة شيخه ثم شاع وانتشر‬
‫في أكثر البقاع اإلسالمية‪ ،‬فكان في العراق ثم في مصر والشام وبالد الروم وما وراء النهر‪ ،‬ثم‬
‫اجتاز الحدود فكان في الهند والصين حيث ال منافس له وال مزاحم‪ ،‬ويكاد يكون المنفرد في تلك‬
‫األصقاع النائية إلى اآلن‪ ،‬إذ المسلمون في الهند والصين يسيرون في عبادتهم وفي تنظيم أسرهم‬
‫عليه دون سواه‪.‬‬
‫وقد ابتدأ ينال المنزلة الرسمية التي يسرت له االنتشار منذ أن ولي أبو يوسف منصب القضاء للرشيد‬
‫ثم صار قاضي القضاة‪ ،‬فكان ال يعين قاضياً في البالد اإلسالمية‪ ،‬من أقصى المشرق إلى شمالي‬
‫إفريقية‪ ،‬إال أن يكون حنفياً‪ .‬فكان المذهب الحنفي المذهب الرسمي للدولة وفي عهد العباسيين ثم‬
‫العثمانيين‪.‬‬
‫وإ ذا كان انتشار المذهب الحنفي في أول األمر بسبب اختيار الخلفاء للقضاة من أئمته فقد اكتسب‬
‫نفوذاً قوياً بسبب إلف الناس له ونشاط العلماء والمناظرات فيه‪ .‬كما أن طبيعة المذهب المرنة جعلته‬
‫قابالً لكل األزمنة مالئماً لكل الظروف والبيئات‪.‬‬
‫تعريف باألحكام التكليفية‬
‫تختلف األحكام التكليفية بحسب ثبوت طلبها من الشارع وترتيب العقوبة على تركها‪ .‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1-‬الفَرض‪:‬‬
‫لغة‪ :‬التقدير‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬هو ما يطلب فعله على وجه اللزوم ويحرم تركه ويعاقب عليه‪ ،‬وتفوت الصحة بتركه‪ .‬وهو‬
‫قسمان‪:‬‬
‫آ ‪ -‬فرض قطعي‪ :‬ويثبت به الفرض والحرام‪ ،‬وهو ما كان قطعي الثبوت والداللة كاآليات القرآنية‬
‫واألحاديث المتواترة (‪ )1‬التي ال تحتمل التأويل‪ .‬وهو يوجب العلم والعمل ويكفر جاحده‪ .‬ومثاله‪:‬‬
‫غسل الوجه للوضوء‪ ،‬ومقتضى تركه التحريم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬فرض عملي‪ :‬ويثبت به الواجب وكراهة التحريم‪ ،‬وهو ما كان قطعي الثبوت ظني الداللة‪،‬‬
‫وهو ما يثبت باألحاديث واآليات المؤولة‪ ،‬ال يكفر جاحده‪ ،‬لكن مقتضى‪ S‬تركه عدم صحة العمل مع‬
‫اإلثم إن كان عمداً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحديث المتواتر‪ :‬هو ما رواه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب‪ ،‬عن مثلهم من أول السند‬
‫إلى منتهاه‪ ،‬على أن ال يختل هذا الجمع في أي طبقة من طبقات السند‪.‬‬

‫( ‪)1/19‬‬

‫مثاله‪ :‬اعتقاد مسح الرأس في الوضوء فرض قطعي‪ ،‬أما المقدار المسموح من الرأس فهو فرض‬
‫عملي‪.‬‬
‫وقد يكون الفرض بنوعيه‪ :‬ركناً‪ :‬وهو ما توقف عليه وجود العمل وكان داخالً في ماهيته كالركوع‬
‫في الصالة‪.‬‬
‫شرطاً‪ :‬وهو ما توقف عليه وجود العمل وكان خارجاً عن ماهيته كالوضوء في الصالة‪.‬‬
‫والفرض بنوعيه إما فرض عين‪ :‬وهو ما يلزم بفعله كل إنسان‪ ،‬وال يسقط بفعل البعض‪ .‬وإ ما فرض‬
‫كفاية‪ :‬وهو فرض على المجتمع المسلم‪ ،‬يجب على البعض أن يقوم به فإن قصَّر أثم الجميع وإ ذا قام‬
‫به البعض سقط عن الباقين‪.‬‬
‫‪ - 2‬الواجب‪ :‬وهو ما كانت أدلته ظنية من الحديث أو القياس‪ ،‬ومقتضى تركه كراهة التحريم مع‬
‫العمد وتجب اإلعادة في الوقت‪ .‬أما تركه سهواً فيسقط اإلثم ويجب سجود السهو إن كان في الصالة‪،‬‬
‫وقد يطلق الواجب ويراد به الفرض العملي‪ .‬ويجب قضاؤه إن فات‪.‬‬
‫‪ - 3‬السنة‪:‬‬
‫لغة‪ :‬الطريقة‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬الطريقة المسلوكة في الدين من غير لزوم‪.‬‬
‫وهي في كل ما كان ظني الثبوت والداللة من األحكام‪ ،‬أو ما كان طلبه غير جازم‪.‬‬
‫وهي نوعان‪ :‬آ ‪ -‬سنة مؤكدة‪ :‬وهي ما واظب عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‪ ،‬مع تركه مرة‬
‫واحدة أو مرتين‪ ،‬ويالم تاركها عمداً‪ ،‬ويؤجر فاعلها‪ ،‬ويفيد تركها عمداً كراهة التنزيه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬سنة غير مؤكدة‪ :‬وهي ما فعله النبي صلى اللّه عليه وسلم مرة وتركه أخرى‪ .‬وال يلزم بتركها‬
‫كراهة‪ ،‬بل خالف األ َْولى‪ .‬وحكمها‪ :‬الثواب على فعلها وعدم اللوم على تركها‪ .‬ومنها‪ :‬المندوبات‪،‬‬
‫والمستحبات‪ ،‬والتطوع‪ ،‬واآلداب‪.‬‬
‫‪ - 4‬التحريم‪ :‬وهو ما ورد النهي عنه بدليل قطعي‪ .‬وهو ما يحرم فعله ويعاقب عليه ويطلب تركه‬
‫لزوماً ويثاب على تركه‪.‬‬
‫‪ - 5‬المكروه‪ :‬وهو ضد المحبوب من العمل‪ .‬وهو ال يثبت إال بدليل خاص‪.‬‬
‫وهو نوعان‪:‬‬
‫آ ‪ -‬مكروه تحريماً‪ :‬وهو مخالفة الواجب أو السنة الواردة بلفظ النهي‪ .‬وهو إلى الحرام أقرب‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مكروه تنزيهاً‪ :‬إذا كان الدليل يفيد النهي غير الجازم‪ ،‬أو ما كان خالف السنة غير الناهية‪.‬‬

‫( ‪)1/20‬‬

‫‪ -‬القواعد العامة في ترجيح أقوال أئمة الحنفية‬


‫أوالً‪ :‬إذا اتفق اإلمام أبو حنيفة وصاحباه على جواب واحد في مسألة من المسائل ال يجوز العدول‬
‫عنه مطلقاً‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إذا وافق اإلمام أحد صاحبيه ال يعدل عن قولهما إلى المخالف‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬إذا انفرد اإلمام واتفق صاحباه يرجح قول اإلمام على الغالب ‪ -‬في العبادات ‪ -‬أما في القضاء‬
‫فيقدم قول أبي يوسف‪ .‬وفيما يتعلق بذوي األرحام يؤخذ بقول اإلمام محمد‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬قرروا جميعاً أن االستحسان مقدم على القياس‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬إذا اقترن قول بالفتوى وقول بالصحيح يحكم بالقول المقترن بالفتوى‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬لفظ الصحيح مقدم على لفظ األصح‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬ال يحكم وال يفتي بالقول الضعيف‪ ،‬إال لنفسه أو للضرورة‪.‬‬
‫ثامناً‪ :‬يعرف المفتي بأنه مخبر عن الحكم والقاضي‪ S‬ملزم به‪.‬‬
‫بمس يد زوجته (يفسد‬
‫تاسعاً‪ :‬الحكم الملفق باطل‪ ،‬والتلفيق هو الفساد بالمذهبين كأن َي ْف ُس َد وضوؤه ّ‬
‫عند السادة الشافعية) ويرعف من أنفه (يفسد عند السادة األحناف)‪.‬‬
‫عاشراً‪ :‬الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل‪.‬‬
‫أحد عشر‪ :‬التقليد لمذهب في عبادة ما يوجب إتمامها على المذهب نفسه (‪ ،)1‬إال في الحج فيجوز‬
‫طوافه حنفياً ووقوفه في المزدلفة شافعياً أو مالكياً مثالً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬خالفاً للسادة الشافعية‪.‬‬

‫( ‪)1/21‬‬
‫متن الكتاب‬
‫كتاب الطهارة‬
‫الباب األول [المياه‪ ،‬اآلبار]‬
‫‪ -‬تقدم العبادات على غيرها من أبواب الفقه اهتماماً بشأنها‪ .‬والصالة التالية لإليمان‪ ،‬والطهارة‬
‫مفتاحها‪ ،‬عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬مفتاح‬
‫الصالة الطّهور‪ ،‬وتحريمها التكبير‪ ،‬وتحليلها التسليم)(‪.)1‬‬
‫تعريف الطهارة‪:‬‬
‫ضل ما يتطهر به‪.‬‬‫الطهارة لغة‪ :‬بفتح الطاء مصدر بمعنى النظافة‪ ،‬وبكسرها آلة التطهير‪ ،‬وبضمها فَ ْ‬
‫شرعاً‪ :‬النظافة من َح َد ٍث(‪ )2‬أو َخَبث(‪.)3‬‬
‫سببها‪ :‬أي سبب وجوبها‪ .‬وهو إرادة ما يحل بدونها فرضاً كان أو واجباً أو نفالً‪ .‬وقيل‪ :‬سببها‪:‬‬
‫الحدث في الحكمية‪ ،‬والخبث في الحقيقة‪.‬‬
‫دليلها‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين}(‪.)4‬‬
‫وحديث أبي مالك األشعري رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬الطهور‬
‫شطر اإليمان)(‪.)5‬‬
‫أقسامها‪:‬‬
‫آ ‪ -‬الطهارة من الحدث‪ :‬والحدث قسمان‪:‬‬
‫‪ - 1‬أصغر والطهارة منه بالوضوء‪.‬‬
‫‪ - 2‬أكبر وتكون الطهارة منه بالغسل‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الطهارة من الخبث‪ :‬وتكون بغسل عين النجاسة‪ .‬والمزيل للحدث والخبث الماء اتفاقاً‪ .‬أما‬
‫الخبث فيجوز على المعتمد إزالته بغير الماء من المائعات(‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ /1‬كتاب الطهارة باب ‪.31/61‬‬
‫الر ُجل‪ .‬وبدا الرجل‪ :‬أنجى فظهر ذلك‬
‫والب َدا‪ :‬اسم مقصور‪ S:‬ما يخرج من دبر َّ‬
‫ث‪ :‬اإلبداء‪َ .‬‬‫الح َد ُ‬
‫(‪َ )2‬‬
‫تغوط وأحدث‪ :‬قد أبدى فهو ُم ْب ٍد‪.‬‬
‫منه‪ .‬ويقال للرجل إذا َّ‬
‫الخَبث‪ :‬بفتحتين‪َّ :‬‬
‫الن َجس‪.‬‬ ‫(‪َ )3‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.222 :‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.1/1‬‬
‫(‪ )6‬وخالف في هذا اإلمام محمد وكذلك اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫( ‪)1/22‬‬

‫الفصل األول‪ :‬المياه‬


‫‪ -‬المياه التي يصح التطهير بها سبعة‪ ،‬وهي كل ما نزل من السماء أو نبع من األرض‪ .‬وتفصيلها‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬المطر لقوله تعالى‪{ :‬وأنزلنا من السماء ماء طهوراً}(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬ماء البحر‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رجالً سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن‬
‫ماء البحر فقال‪( :‬هو الطهور ماؤه‪ِ ،‬‬
‫الح ُّل ميتته)(‪ .)2‬كما ُيرفع الحدث بماء مهيئ ألن ينعقد ملحاً ال‬
‫بماء حاصل وبذوبان ملح وهو الذي يجمد في الصيف ويذوب في الشتاء لبقاء األول على طبيعته‬
‫األصلية وانقالب الثاني إلى طبيعته الملحية‪.‬‬
‫‪ - 3‬ماء النهر‪.‬‬
‫‪ - 4‬ماء البئر‪.‬‬
‫‪ - 5‬ماء الثلج والبرد‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن أبي أوفى رضي اللّه عنه قال‪ :‬كان النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم يقول‪( S:‬اللّهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد‪ .‬اللّهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى‬
‫الثوب األبيض من الوسخ)(‪.)3‬‬
‫‪ - 6‬ماء العين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الفرقان‪.48 :‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.52/69‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.40/204‬‬

‫( ‪)1/23‬‬

‫أقسام المياه‪:‬‬
‫تقسم المياه من حيث أوصافها الشرعية إلى‪:‬‬
‫طهِّر غير مكروه االستعمال‪:‬‬
‫أوالً ‪ -‬ماء طاهر ُم َ‬
‫وهو الماء المطلق الذي يخالطه ما يصير به مقيداً‪ .‬وهو الذي يرفع الحدث ويزيل النجس‪.‬‬
‫أما ماء زمزم فثوابه أكبر في الوضوء والغسل‪ ،‬لما روى أبو ذر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم قال‪( :‬فُرج سقفي وأنا بمكة‪ ،‬فنزل جبريل عليه السالم ففرج صدري ثم غسله بماء‬
‫زمزم)(‪ .)1‬لكن يكره االستنجاء وإ زالة النجاسة بماء زمزم تحريماً ألنه يستعمل للتبرك‪.‬‬
‫ويبقى الماء طاهراً مطهِّراً في الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن خالطه شيء من الطاهرات الجامدة‪ ،‬فغيرت أحد أوصافه أو كلها على أن ال تزيل سيولته‬
‫وأن ال يحدث له اسم غير الماء‪ ،‬كالزعفران واألشنان وورق الشجر‪ ،‬لما روت أم هانئ رضي اللّه‬
‫عنها (أنها دخلت على النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم فتح مكة‪ ،‬وهو يغتسل‪ ،‬قد سترته بثوب دونه‪،‬‬
‫في قصعة فيها أثر العجين)(‪ ،)2‬وما روي عن عائشة رضي اللّه عنها عن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحج باب ‪.75/1555‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.202‬‬

‫( ‪)1/24‬‬

‫مي(‪ )1‬وهو جنب يجتزي بذلك وال يصب عليه الماء)(‪.)2‬‬‫ط ّ‬‫بالخ ْ‬
‫(أنه كان يغسل رأسه َ‬
‫‪ - 2‬إن خالطه شيء من الطاهرات المائعة‪ ،‬ولم تغلب عليه‪ ،‬والغلبة تحصل بظهور وصف واحد‬
‫من مائع له وصفان‪ ،‬كاللبن له وصفان‪ :‬اللون والطعم‪ .‬فإن لم يوجد جاز به الوضوء وإ ن وجد‬
‫أحدهما لم يجز كما لو كان المخالط له وصف واحد فظهر وصفه‪ .‬أما إن كان للمائع ثالثة أوصاف‬
‫كالخل وظهر وصف واحد فيبقى الماء طاهراً مطهراً‪ .‬وتكون الغلبة للمائع الذي له نفس أوصاف‬
‫الماء بالوزن‪ ،‬فإن اختلط رطالن مثالً من الماء المستعمل أو ماء الورد الذي انقطعت رائحته برطل‬
‫من الماء المطلق ال يجوز به الوضوء‪ .‬وبالعكس لو كان األكثر المطلق جاز به الوضوء‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن مات فيه ما ال دم له سائالً‪ ،‬كالحشرات والذباب والبعوض والعقرب والصرصور‪ ،‬لما روي‬
‫عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا وقع الذباب في إناء أحدكم‬
‫فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي اآلخر داء)(‪.)3‬‬
‫‪ - 4‬إن مات فيه حيوان مائي المولد كالسمك وكلب البحر‪ ،‬للحديث المتقدم (هو الطَّهور ماؤه‪ُّ ،‬‬
‫الحل‬
‫َم ْيتَتُه)‪.‬‬
‫‪ - 5‬ماء مستعمل خالطه ماء مطلق غلب عليه‪.‬‬
‫‪ - 6‬ماء تغير بطول المكث‪.‬‬
‫‪ - 7‬ماء مات فيه ضفدع مائي المولد‪ ،‬فال ينجسه ويجوز التطهر به‪ ،‬ولكن يحرم شربه لحرمة أكل‬
‫لحم الضفادع(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫ب من النبات ُيغسل به‪ .‬ويقال‪ُ S:‬يغسل به الرأس (الختمية)‪.‬‬
‫ض ْر ٌ‬
‫(‪ )1‬الخطمي‪َ :‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.182‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب الطب باب ‪.57/5445‬‬
‫(‪ )4‬يحرم قتل الضفادع لحديث عبد الرحمن بن عثمان وفيه قال‪( :‬نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم عن قتل الضفدع) مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.453‬‬

‫( ‪)1/25‬‬

‫ثانياً ‪ -‬ماء طاهر مطهر مكروه االستعمال تنزيهاً مع وجود غيره(‪:)1‬‬


‫المخالَّة(‪ )2‬وسباع الطير‪ .‬وقد وردت‬
‫وهو الماء الذي شرب منه حيوان مثل الهرة والدجاجة ُ‬
‫النصوص بطهارة الهرة لشدة تطوافها على الناس وعدم إمكان االحتراز من سؤرها‪ ،‬فعن أبي قتادة‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في الهرة‪( :‬إنها ليست بنجس إنها من‬
‫الطوافين عليكم والطوافات)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تزول الكراهة بفقدان الماء المطلق‪.‬‬
‫الم َخالَّة‪ :‬المرسلة‪ ،‬التي تجول في القاذورات ولم يعلم طهارة منقارها من نجاسته‪ ،‬ف ُك ِره سؤرها‬
‫(‪ُ )2‬‬
‫للشك‪ .‬فإن لم يكن كذلك فال كراهة فيه بأن ُحبِست فال يصل منقارها لقذر‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.38/75‬‬

‫( ‪)1/26‬‬

‫ثالثاً ‪ -‬ماء طاهر في نفسه غير مطهر لغيره(‪:)1‬‬


‫ث‪ ،‬كغسالة الوضوء والماء المنفصل من‬
‫آ ‪ -‬الماء المستعمل‪ :‬ويعرف بأنه الماء الذي أزيل به َح َد ٌ‬
‫غسل المحدث‪ ،‬والماء المستعمل في البدن بنية القربة كالوضوء على الوضوء‪ ،‬وغسل اليدين قبل‬
‫الطعام لما روى سلمان رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬بركة الطعام‬
‫الوضوء قبله والوضوء بعده)(‪ .)2‬أو وضوء الحائض لتسبيحة الفريضة‪ ،‬أو المنفصل من سنة‬
‫المضمضة واالستنشاق في الوضوء‪.‬‬
‫والقول الراجح‪ :‬إن الماء يصير مستعمالً عندما ينفصل عن العضو وإ ن لم يستقر‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ماء الشجر والثمر‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬ماء زال عن رقته بالطبخ‪ ،‬كماء الحمص والعدس‪ ،‬وماء خالطه أحد الجامدات الطاهرات‬
‫فزالت سيولته‪.‬‬
‫د ‪ -‬الماء الذي حصل له اسم غير الماء بمخالطة الجامدات الطاهرات‪ ،‬وإ ن بقي على سيولته‪ ،‬مثل‬
‫العرق سوس‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يجوز شربه واستعماله‪ ،‬إن كان نظيفاً مع الكراهة التنزيهية‪ ،‬إلزالة الحدث‪ .‬وهو يطهر من‬
‫الخبث عند عدم وجود غيره‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب األطعمة باب ‪ .12/3761‬وغسل اليدين قبل تناول الطعام سنة‪.‬‬

‫( ‪)1/27‬‬

‫رابعاً ‪ -‬الماء المتنجس‪:‬‬


‫وهو قسمان‪:‬‬
‫يعده الناس جارياً على األصح‪ ،‬وقيل ما يذهب بتبنة‪ .‬وال يعد هذا الماء نجساً‬ ‫آ ‪ -‬ماء ٍ‬
‫جار‪ :‬وهو ما ّ‬
‫إال بتغير أحد أوصافه من لون أو طعم أو ريح‪.‬‬
‫ويعتبر حوض الحمام جارياً إذا كان الصنبور والمصرف مفتوحين لو الماء نازالً والغرف متدارك‬
‫بحيث ال يسكن الماء‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الماء الراكد‪ :‬وهو إما أن يكون قليالً أو كثيراً‪.‬‬
‫‪ - 1‬القليل‪َ :‬ي ْن ُجس بوقوع النجاسة فيه ولو لم يظهر أثرها‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه‬
‫أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬ال يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي ال يجري ثم‬
‫يغتسل فيه)(‪ .)1‬ويطهر بالتطفيف‪ ،‬أي بإضافة ماء طاهر إليه حتى يجري فيحكم بطهارته ما لم‬
‫تظهر أثر النجاسة فيه‪.‬‬
‫‪ - 2‬الكثير‪ :‬وهو ما ال يخلص بعضه إلى بعض أي ال يتحرك أحد طرفيه بتحرك اآلخر‪ .‬وقال‬
‫المبتلى‪ .‬وحدد علماء الحنفية الخلوص بالمساحة َّ‬
‫فقدروها‬ ‫اإلمام أبو حنيفة‪ :‬العبرة في ذلك رأي ُ‬
‫الكرباس(‪ .)2‬أي ما يساوي (‪ )49‬م ‪ 2‬مساحة سطح الماء‪ .‬وعمق ما ال‬‫بعشر في عشر من ذراع ِ‬
‫ينجلي باالغتراف أو ال ينحسر أسفله أي ال تبدو أرضه إذا اغترف منه‪.‬‬
‫وحكم الماء الكثير أنه ال ينجس إال بتغير أحد أوصافه‪ ،‬وإ ذا كانت النجاسة مرئية وظاهرة فال يتوضأ‬
‫من مكانها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.68/236‬‬
‫معرب بكسر الكاف وجمعه كرابيس‪ :‬الثوب الخشن‪ .‬وقيل أيضاً‪ :‬هو الثوب‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫فارسي ّ‬
‫ٌّ‬ ‫الكرباس‪:‬‬
‫األبيض من القطن‪.‬‬

‫( ‪)1/28‬‬

‫خامساً ‪ -‬ماء طاهر مشكوك في طهوريته‪:‬‬


‫وهو سؤر(‪ )1‬كل حيوان مختلف في جواز أكل لحمه‪ ،‬كالحمار األهلي والبغل الذي أمه أتان(‪.)2‬‬
‫حكمه‪:‬‬
‫آ ‪ -‬يعود طاهراً مطهراً إن خالطه ماء مطلق أكثر منه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ال يجوز استعماله في الغسل والوضوء مع وجود غيره‪ .‬وعند فقد الماء يتوضأ ويتيمم للشك‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬تجوز إزالة النجاسة به عن الثوب والبدن‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬السؤر‪ :‬هو ما بقي في اإلناء بعد الشرب‪.‬‬
‫(‪ )2‬األتان‪ :‬الحمارة‪ ،‬وال يكره سؤر ما أمه مأكولة كبقرة مثالً‪.‬‬

‫( ‪)1/29‬‬

‫مياه اآلبار والصهاريج‬


‫‪ -‬تعتبر مياه اآلبار من المياه الراكدة القليلة وال عالقة لعمق البئر وغزارته‪.‬‬
‫حكم مياه اآلبار‪:‬‬
‫إذا وقعت في البئر نجاسة‪ ،‬سواء كانت مخففة أو مغلظة ولو قطرة دم أو بول‪ ،‬فإنه يتنجس‪ .‬ويعفى‬
‫الر ْوث(‪ )1‬والبعر إن كان قليالً‪ .‬أما إن كان كثيراً فيتنجس‪.‬‬
‫عما ال يمكن االحتراز منه كسقوط َّ‬
‫وضابط الكثير ما يستكثره الناظر أو أن ال يخلو دلو منه‪.‬‬
‫وال يتنجس البئر بوقوع آدمي(‪ )2‬أو حيوان إن لم يكن نجس العين وليس على بدنه نجاسة وأخرج‬
‫حياً‪ .‬وإ ن أصاب فمه الماء فحكمه حكم سؤره (كما هو مبين في أحكام السؤر)‪.‬‬
‫__________‬
‫تغوط الرجل‪.‬‬
‫الروث‪ :‬راث الفرس َيروث روثاً‪ :‬مثل َّ‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫(‪ )2‬إذا وقع آدمي محدث وأخرج حياً ينزح من (‪ )60 - 40‬دلواً على سبيل الندب‪.‬‬
‫( ‪)1/30‬‬

‫كيفية تطهير البئر‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬يطهر بنزح كل ماء البئر بعد إخراج النجاسة منه‪ ،‬ولو نزح قسم من الماء ثم زاد ماء البئر‬
‫فينزح بمقدار ما بقي وقت وقوع النجاسة‪ .‬أما إذا كان البئر غزيراً فينزح من (‪ )300 - 200‬دلواً‬
‫متوسطاً (أو ما يسع صاعاً)(‪.)1‬‬
‫ويكون ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا وقع في البئر خنزير ولو خرج حياً ولم يصب فمه الماء لنجاسة عينه‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا ماتت فيه شاة‪ ،‬أو كلب‪ ،‬أو آدمي‪ .‬بدليل ما روي عن محمد بن سيرين "أن زنجياً وفقع في‬
‫زمزم يعني فمات‪ ،‬فأمر به ابن عباس فأخرج‪ ،‬وأمر بها أن تنزح"(‪.)2‬‬
‫تمعط شعره مهما كان صغيراً‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا مات فيه حيوان وانتفخ(‪ )3‬أو تفسخ أو ّ‬

‫ثانياً‪ :‬ينزح من (‪ )60 - 40‬دلواً بعد إخراج النجاسة‪ ،‬وذلك‪:‬‬


‫‪ - 1‬إذا ماتت فيه دجاجة أو هرة أو نحوهما في الجثة ولم تنتفخ أو تتفسخ‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا مات فيه حيوان بين الدجاجة والشاة ولم ينتفخ أو يتفسخ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬ينزح من (‪ )30 - 20‬دلواً بعد إخراج النجاسة‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا ماتت فيه فأرة أو نحوها كعصفور‪ S،‬ولم تنتفخ أو تتفسخ لقول أنس رضي اللّه عنه في فأرة‬
‫ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها‪" :‬ينزح عشرون دلواً"‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا مات فيه حيوان بين الحمامة والفأرة ولم يتمعط أو تنتفخ‪.‬‬
‫يطهر البئر بنزح الماء المطلوب كما يطهر كل ما حول البئر من بكرة وحبل ودلو وغيرها بعد‬
‫انفصال آخر قطرة عن الدلو‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الصاع‪ :‬مكيال ألهل المدينة يأخذ أربعة أمداد‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.268‬‬
‫حد التقادم في االنتفاخ ونحوه ثالثة أيام‪.‬‬
‫(‪ )3‬االنتفاخ دليل تقادم العهد‪ .‬وأدنى ّ‬

‫( ‪)1/31‬‬
‫أحكام الصهاريج وخزانات المياه‪:‬‬
‫ال تقاس الصهاريج وخزانات المياه على اآلبار‪ ،‬إال إذا كان أكثرها مطموراً في األرض أو الزير(‪)1‬‬
‫الكبير‪ ،‬ألن النصوص جاءت خاصة باآلبار فال يقاس عليها‪.‬‬
‫فلو وقعت نجاسة في صهريج ماؤه دون العشر في عشر (‪ 49‬م ‪ 2‬مساحة مع عمق ‪ 25‬سم)‪ ،‬يراق‬
‫كله‪ .‬أما إن كان مساحة سطح الماء عشراً في عشر فأكثر‪ ،‬فالمعتبر هو ظهور أثر النجاسة‪.‬‬
‫ولكن ما مقدار الزمن الذي يحكم به بنجاسة البئر أو الصهريج إن وجد فيه حيوان؟ الجواب‪ :‬إذا‬
‫أخرج حيوان من صهريج أو بئر فعلى المتوضئ أو المغتسل من هذا الماء أن يعيد صالة يوم وليلة‬
‫إن لم يتفسخ الحيوان‪ ،‬وثالثة أيام بلياليها إن تفسخ‪ .‬أما إن غسل ثوبه دون أن يتوضأ فيعيد غسل‬
‫الثوب دون الصالة إن كان غسله من نجاسة‪.‬‬
‫__________‬

‫الزير‪ِّ :‬‬
‫الدن‪.‬‬ ‫(‪ِ )1‬‬

‫( ‪)1/32‬‬

‫َسآر‬
‫الفصل الثاني‪ :‬األ ْ‬
‫الس ْؤر‪:‬‬
‫تعريف ّ‬
‫لغة‪ :‬هو البقية والفضلة‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬بقية الماء في اإلناء أو الحوض بعد شرب حيوان أو إنسان‪.‬‬
‫السؤر تعتبر بطهارة لحم الحيوان ألن اللعاب متولد من اللحم‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬طهارة ّ‬
‫أقسامه‪ :‬يقسم أربعة أقسام‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬سؤر طاهر مطهر‪ :‬وهو‪:‬‬
‫اآلدمي مطلقاً رجل أو امرأة ولو كان حائضاً أو جنباً مسلماً كان أم كافراً‪ ،‬لما روي عن‬
‫ّ‬ ‫‪ - 1‬سؤر‬
‫عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت‪( :‬كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫الع ِرق(‪ )1‬وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى اللّه عليه‬
‫في فيشرب‪ ،‬وأتعرق َ‬
‫فيضع فاه على موضع ِّ‬
‫في)(‪.)2‬‬
‫وسلم فيضع فاه على موضع ِّ‬
‫‪ - 2‬سؤر ما ال دم له سائالً‪.‬‬
‫‪ - 3‬سؤر الفرس وكل ما يؤكل لحمه من الحيوان‪.‬‬
‫__________‬
‫الع ِرق‪ :‬هو العظم الذي عليه بقية من لحم‪ .‬ويقال عرقت العظم إذا أخذت منه اللحم بأسنانك‪.‬‬
‫(‪َ )1‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض ‪ -‬باب ‪.14/ 3‬‬

‫( ‪)1/33‬‬

‫ثانياً‪ :‬سؤر نجس مطلقاً‪:‬‬


‫‪ - 1‬سؤر الكلب والخنزير‪ ،‬لما روي عن الدارقطني عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم (في الكلب يلغ في اإلناء أن يغسله ثالثاً أو خمساً أو سبعاً)(‪ ،)1‬ولقوله تعالى‪{ :‬أو لحم‬
‫خنزير فإنه رجس}(‪ .)2‬وكذلك سؤر سباع الحيوانات غير الطيور‪ ،‬كالضبع والفهد وابن آوى وكل‬
‫ما ال يؤكل لحمه‪.‬‬
‫‪ - 2‬سؤر شارب الخمر بعد شربها ولو بزمن قليل‪.‬‬
‫‪ - 3‬سؤر هرة ودجاجة وإ بل وبقر علم نجاسة فمها‪.‬‬
‫__________‬
‫وولَ َغ الكلب في اإلناء َيلَغُ بفتح الالم فيهما ُولوغاً‪ :‬شرب ما فيه‬
‫(‪ )1‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪َ .65‬‬
‫بأطراف لسانه‪.‬‬
‫(‪ )2‬األنعام‪.145 :‬‬

‫( ‪)1/34‬‬

‫ثالثاً‪ :‬سؤر طاهر ضرورة أي مكروه استعماله تنزيهاً مع وجود غيره‪:‬‬


‫‪ - 1‬سؤر الهرة والدجاجة المخالة‪.‬‬
‫‪ - 2‬سؤر سباع الطير كالصقر والحدأة والغراب‪ ،‬ألنها تشرب بمنقارها وهو عظم طاهر‪ ،‬لكن‬
‫لحومها نجسة فيحكم بكراهة سؤرها‪.‬‬
‫‪ - 3‬سؤر سواكن البيوت مما له دم سائل كالفأرة والحية مكروه‪ ،‬ألن حرمة اللحم أوجبت نجاسة‬
‫السؤر إال أنه سقطت النجاسة لعلة الطواف فبقيت الكراهة‪.‬‬
‫ويكره حمل السؤر المكروه أو لبس ما أصابه سؤر مكروه في الصالة‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬سؤر طاهر مشكوك(‪ )1‬في طهوريته‪ :‬وهو سؤر البغل (الذي أمه أتان) والحمار لتعارض‬
‫رورياً(‪ )2‬في حر‬
‫اآلثار في إباحة لحمه‪ ،‬فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يركب حماراً َم ْع ّ‬
‫الحجاز‪ ،‬ويصيب العرق ثوبه ويصلي في ذلك الثوب‪ .‬ولكن ال يجوز استعماله إذا وجد غيره‪ ،‬فإن لم‬
‫يجد غيره توضأ به وتيمم‪ .‬واألفضل تقديم الوضوء‪.‬‬
‫الع َرق لتولد العرق من اللحم‪ ،‬ولو خالط الماء فهو كسؤره‪.‬‬
‫ويلحق بأحكام السؤر أحكام َ‬
‫__________‬
‫الن ِجس‪.‬‬
‫طهُر َّ‬
‫(‪ )1‬ومعنى الشك التوقف فيه فال ينجس الطاهر وال َي ْ‬
‫الج َرب‪ .‬يقال‪ُ :‬ع َّر فهو معرور أي‪ :‬أجرب‪.‬‬
‫والع َّرة‪َ :‬‬
‫والع ُّر ُ‬
‫الع ُّر ُ‬
‫(‪َ )2‬م ْع ُرور‪َ :‬‬

‫( ‪)1/35‬‬

‫التحري‪:‬‬
‫ِّ‬
‫وهو بذل الجهد لنيل القصد‪.‬‬
‫تصرف كالتالي‪:‬‬
‫فلو اختلطت عند امرئ أواني ماء بعضها طاهر واآلخر نجس وال يملك غيرها َّ‬
‫‪ - 1‬إن كان أكثرها طاهراً يتحرى للوضوء والشرب‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن كان أكثرها نجساً يتحرى للشرب فقط ويتيمم بدل الوضوء‪.‬‬
‫أما في اللباس فإن اختلطت عليه وليس عنده ثوب مقطوع بطهارته يتحرى‪ ،‬ألن ستر العورة واجب‪.‬‬
‫وإ ن صلى بالتحري ثم تبين له خطأ اجتهاده أعاد الصالة في الوقت أو بعده‪.‬‬
‫إن وجدنا ذبيحة وشككنا فيمن ذبحها أهو مسلم‬
‫وهناك قاعدة في الشك حيث يرجع لألصل دائماً‪ ،‬مثالً ْ‬
‫أو مجوسي حكمنا بنجاستها ما لم يثبت إيمان المذ ّكي‪ .‬أما لو وجدنا ماء وشككنا بنجاسته فهو طاهر‬
‫ألنه األصل‪ .‬وإ ذا طرأ الشك على شيء مجهول األصل كمن كان في بعض ماله حرام فهنا تكره‬
‫معاملته‪.‬‬

‫( ‪)1/36‬‬

‫الحاجة)‪.‬‬
‫َ‬ ‫اء‬
‫ض ُ‬‫الباب الثاني (قَ َ‬
‫الفصل األول (سننها ومكروهاتها)‬
‫‪ - 1-‬سنن قضاء الحاجة وآدابه‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يقول عند الدخول‪" :‬بسم اللّه‪ ،‬اللّهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" لحديث أنس بن مالك‬
‫الجن وعورات بني‬
‫(ستْ ُر ما بين أعين ّ‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪َ :‬‬
‫آدم إذا وضعوا ثيابهم أن يقولوا‪ :‬بسم اللّه)(‪ ،)1‬وعنه أيضاً قال‪ :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا‬
‫دخل الخالء قال‪( :‬اللّهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬أن يقدم رجله اليسرى على اليمنى عند الدخول‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجب أن يستتر لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫(ومن أتى الغائط فْلَي ْستَتِر)(‪ .)3‬وأال يرفع ثوبه حتى يدنو من األرض‪ ،‬وأن يسبل ثوبه قبل انتصابه‪.‬‬
‫والمهم عدم كشف العورة إال عند الضرورة وبقدرها‪ ،‬لحديث أنس رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من األرض)(‪.)4‬‬
‫‪ - 4‬أن يجلس معتمداً على يسراه ألنه أسهل لخروج الخرج‪ ،‬لحديث سراقة بن جعشم رضي اللّه‬
‫عنه قال‪( :‬علمنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل أحدنا الخالء أن يعتمد اليسرى وينصب‬
‫اليمنى)(‪.)5‬‬
‫‪ - 5‬يستحب أن يتجنب األمكنة الصلبة حتى ال يصيبه رشاش البول وإ ال يحترز من النجاسة لحديث‬
‫أبي موسى رضي اللّه عنه قال‪ :‬إني كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم‪ ،‬فأراد أن‬
‫يبول‪ ،‬فأتى َد َمثاً(‪ )6‬في أصل جدار‪ ،‬فبال‪ ،‬ثم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا أراد أحدكم أن‬
‫يبول فليرتَد لبوله موضعاً)(‪.)7‬‬
‫‪ - 6‬أن يخرج برجله اليمنى ويقول‪ S‬عند الخروج‪" :‬غفرانك الحمد للّه الذي أذهب عني األذى‬
‫وعافاي" لحديث أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‪ :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا خرج من‬
‫الخالء قال‪( :‬الحمد للّه الذي أذهب عني األذى وعافاني)(‪ ،)8‬وعن عائشة رضي اللّه عنها أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم كان إذا خرج من الغائط قال‪( :‬غفرانك)(‪.)9‬‬
‫‪ - 7‬أن يغسل يديه بالصابون عند الخروج‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم إذا أتى الخالء أتيته بماء في تَ ْور أو َركوة فاستنجى ثم مسح يده على األرض ثم‬
‫أتيته بإناء آخر فتوضأ)(‪.)10‬‬

‫_________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.205‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.142 / 9‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.35 / 19‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.14 / 10‬‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.96‬‬
‫الدمث‪ :‬المكان السهل الذي يخد فيه البول‪ ،‬فال يرتد على البائل‪.‬‬
‫(‪َ )6‬‬
‫(‪ )7‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.3 / 2‬‬
‫(‪ )8‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.301 / 10‬‬
‫(‪ )9‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.30 / 17‬‬
‫(‪ )10‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪ .106‬والتور‪ :‬إناء معروف تعرفه العرب‪ ،‬والركوة‪ :‬دلو صغير‪.‬‬
‫( ‪)1/37‬‬

‫‪ - 2‬مكروهات قضاء الحاجة‪:‬‬


‫‪ - 1‬يكره الدخول إلى الخالء ومعه شيء مكتوب فيه اسم اللّه‪ ،‬لحديث أنس رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫(كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل الخالء نزع خاتمه)(‪ .)1‬وقد ثبت أن نقش خاتمه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم كان‪ :‬محمد رسول اللّه‪.‬‬
‫‪ - 2‬يكره استقبال مهب الريح‪ ،‬وكذا استقبال الشمس والقمر‪.‬‬
‫‪ - 3‬يكره تحريماً استقبال القبلة بالفرج حال قضاء الحاجة أو استدبارها‪ ،‬ولو في البنيان‪ ،‬لحديث‬
‫سلمان رضي اللّه عنه قال‪( :‬لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن‬
‫نستنجي بأقل من ثالثة أحجار أو أن نستنجي َبرجيع أو بعظم)(‪ .)2‬ولما روي عن أبي أيوب رضي‬
‫اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا أتيتم الغائط فال تستقبلوا القبلة وال تستدبروها ببول‬
‫غربوا)(‪ .)3‬وكذا يكره إمساك الصبي نحو القبلة للبول‪.‬‬ ‫شرقوا أو ِّ‬
‫وال غائط‪ ،‬ولكن ِّ‬
‫‪ - 4‬يكره ذكر اللّه تعالى فال يحمد إذا عطس وال َير ّد سالماً‪ ،‬وال يجيب ِّ‬
‫مؤذناً‪ ،‬لما روي عن‬ ‫ُ‬
‫المهاجر بن قنفذ رضي اللّه عنه أنه أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه‪ ،‬فلم يرد‬
‫عليه حتى توضأ‪ ،‬ثم اعتذر إليه فقال‪( :‬إني كرهت أن أذكر اللّه عز وجل إال على طهر)(‪ .)4‬كما‬
‫يكره مطلق الكالم إال لضرورة‪ ،‬لما روى أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬ال يخرج الرجالن يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن‬
‫اللّه عز وجل يمقت على ذلك)(‪.)5‬‬
‫‪ - 5‬يكره التخلي في طريق الناس أو في الظ ّل أو تحت شجرة مثمرة‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه‬
‫عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬اتقوا ِ‬
‫الالعَن ْي ِن‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الالعنان يا رسول اللّه؟‬
‫قال‪ :‬الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلّهم)(‪.)6‬‬
‫‪ - 6‬يكره التخلي في ُج ْحر(‪ ،)7‬لحديث عبد اللّه بن َس ْر َجس رضي اللّه عنه (أن رسول اللّه صلى‬
‫الج ْحر‪ .‬قال‪ :‬قالوا لقتادة‪ :‬ما يكره من البول في الجحر؟ قال‪ :‬كان‬
‫اللّه عليه وسلم نهى أن يبال في ُ‬
‫يقال‪ :‬إنها مساكن الجن)(‪.)8‬‬
‫‪ - 7‬يكره التخلي في الماء الراكد‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنه سمع رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬ال َيُب َّ‬
‫ولن أحدكم في الماء الدائم الذي ال يجري‪ ،‬ثم يغتسل فيه)(‪.)9‬‬
‫وكذلك يكره بقرب بئر أو نهر أو حوض‪.‬‬
‫‪ - 8‬يكره البول قائماً إال من عذر‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬من حدثكم أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم كان يبول قائماً فال تصدقوه‪ ،‬ما كان يبول إال قاعداً)(‪.)10‬‬
‫‪ - 9‬يكره النظر إلى فرجه أو إلى ما يخرج منه‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه يورث النسيان‪.‬‬
‫‪ - 10‬يكره البول في محل الوضوء ألنه يورث الوسوسة‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن مغفل رضي اللّه عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال يبولن أحدكم في مستحمه‪ ،‬ثم يغتسل فيه‪ ،‬قال أحمد‪:‬‬
‫ثم يتوضأ فإن عامة الوسواس منه)(‪.)11‬‬
‫‪ - 11‬يحرم البول على القبر أو في المسجد أو على كل ما يحرم به االستنجاء من طعام الجن أو‬
‫اإلنس‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب اللباس باب ‪.1746 / 17‬‬
‫الر ْوث‪.‬‬
‫والرجيع‪َّ :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪َّ .57 / 17‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.59 / 17‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.17 / 8‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.15 / 7‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪ .25 / 14‬والالعنان‪ :‬أي الذين هما سبب اللعن والشتم‬
‫غالباً‪.‬‬
‫رق في األرض والجدار‪.‬‬
‫الخ ْ‬
‫الج ْحر‪ :‬بضم الجيم وإ سكان الحاء‪َ :‬‬
‫(‪ُ )7‬‬
‫(‪ )8‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.29 / 16‬‬
‫(‪ )9‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.236 / 68‬‬
‫(‪ )10‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.12 / 8‬‬
‫(‪ )11‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.27 / 15‬‬

‫( ‪)1/38‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬االستنجاء‬


‫تعريف االستنجاء‪:‬‬
‫لغة‪ :‬مسح موضع النجاسة أو غسله‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬هو إزالة نجس عن سبيل‪ ،‬ومعناه استعمال الماء بقصد إزالة َّ‬
‫الن ْجو أي الغائط‪.‬‬
‫الفرق بين االستبراء واالستنزاه واالستنقاء‪.‬‬
‫الم ْخرج من أثر البول (للرجل فقط) ويكون بنقل األقدام أو التنحنح (أما المرأة‬
‫االستبراء‪ :‬طلب براءة َ‬
‫فتنتظر قليالً ثم تستنجي) وحكمه الزم (وهو فوق الواجب) لفوات صحة الطهارة بفواته‪.‬‬
‫االستنزاه‪ :‬طلب البعد عن األقذار والتطهر من األبوال‪.‬‬
‫االستنقاء‪ :‬النقاوة بالدلك حتى يذهب أثر النجاسة باألحجار عند االستجمار وباألصابع عند االستنجاء‬
‫بالماء‪.‬‬

‫( ‪)1/39‬‬

‫حكم االستنجاء‪:‬‬
‫هو سنة مؤكدة إلزالة الخارج من السبيلين عن مخرجه‪ .‬أما إذا تجاوزت النجاسة المخرج بقدر‬
‫الدرهم فتجب إزالتها بالماء‪ ،‬وكذا المرأة يجب أن تستنجي من البول دائماً التساع المخرج‪ .‬وإ ذا‬
‫زادت النجاسة المتجاوزة على قدر الدرهم افترض غسلها بالماء‪ ،‬كما يفترض غسل ما في المخرج‬
‫عند االغتسال من الجنابة والحيض والنفاس بالماء‪.‬‬
‫ويصح أن تستنجي بالماء فقط‪ ،‬واألفضل الجمع بين الحجر والماء مرتباً فيمسح الخارج ثم يغسل‬
‫المخرج بالماء‪ ،‬وذلك ألن اللّه تعالى أثنى على أهل قباء بإتباعهم األحجار الماء‪ ،‬فعن أنس بن مالك‬
‫رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬يا معشر األنصار إن اللّه قد أثنى عليكم‬
‫خيراً في الطهور فما طهوركم هذا‪ ،‬قالوا يا رسول اللّه نتوضأ للصالة والغسل من الجنابة فقال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬هل مع ذلك غيره‪ .‬قالوا‪ :‬ال غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط‬
‫أحب أن يستنجي بالماء‪ .‬قال‪ :‬هو ذاك)(‪ .)1‬وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬لما نزلت هذه‬
‫اآلية في أهل قباء‪ :‬فيه رجال يحبون أن يتطهروا واللّه يحب المطهرين‪ .‬فسألهم رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم فقالوا‪ :‬إنا نتبع الحجارة الماء)(‪ .)2‬فكان الجمع سنة‪ .‬روي عن عائشة رضي اللّه‬
‫(م ْر َن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم‪ ،‬فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫عنها قالت‪ُ :‬‬
‫كان يفعله)(‪.)3‬‬
‫ويصح استعمال الحجر أو الورق وحده في حالة كون النجاسة لم تتجاوز المخرج‪ ،‬والغسل بالماء‬
‫أحب لحصول الطهارة وإ قامة السنة على الوجه األكمل‪.‬‬
‫وفي االقتصار على الحجر (الورق) يفضل‪ S‬التثليث‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ومن استجمر فليوتر‪ ،‬ومن فعل فقد أحسن‪ ،‬ومن ال فال حرج)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.155‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.212‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.15/19‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.19/35‬‬
‫( ‪)1/40‬‬

‫سنن االستنجاء‪:‬‬
‫‪ - 1‬االعتماد على الوسطى في الدبر في ابتداء االستنجاء‪ ،‬ثم يصعد البنصر وغيرها‪.‬‬
‫‪ - 2‬التجفيف بعد الغسل احتياطاً من الماء المستعمل‪.‬‬
‫‪ - 3‬غسل اليدين بعده بالصابون‪ ،‬لحديث ميمونة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬وضع رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم وضوءاً لجنابة فأكفأ(‪ )1‬على شماله مرتين أو ثالثاً ثم غسل فرجه ثم ضرب يده‬
‫باألرض أو الحائط مرتين أو ثالثاً)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫ليص َّ‬
‫ب ما فيه‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أكفأ اإلناء‪ :‬أماله وقلبه ُ‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الغسل باب ‪.16/270‬‬

‫( ‪)1/41‬‬

‫مكروهات االستنجاء‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يستنجي باليد اليمنى‪ ،‬لما روي عن أبي قتادة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫يأخذن َذكره بيمينه‪ ،‬وال يستنج بيمينه‪ ،‬وال يتنفّس في اإلناء)(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫قال‪( :‬إذا بال أحدكم فال‬
‫‪ - 2‬أن يستنجي بعظم أو روث‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫الجن)(‪ ،)2‬وعنه أيضاً أن‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال تستنجوا بالروث وال بالعظام فإنه زاد إخوانكم ّ‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬أتاني داعي الجن‪ ..‬فذكر الحديث وفيه‪ :‬كل عظم ذكر اسم اللّه عليه‬
‫يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً وكل بعرة علف لدوابكم)(‪.)3‬‬
‫جص أو فحم أو خزف أو بشيء محترم لقيمته والنهي هنا‬
‫وينهي أيضاً عن االستنجاء بزجاج أو ٍّ‬
‫يقتضي كراهة التحريم‪.‬‬

‫__________‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.19/153‬‬


‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب الطهارة باب ‪.14/18‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.109‬‬
‫( ‪)1/42‬‬

‫ضو ُء)‪.‬‬
‫(الو ُ‬
‫الباب الثالث ُ‬
‫الفصل األول‪ :‬تعريفه‪ ،‬سببه‪ ،‬شروطه‪ ،‬حكمه‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫الوضوء لغة‪ :‬من الوضاءة‪ ،‬وهي الحسن والنظافة‪.‬‬
‫وشرعاً‪ :‬نظافة مخصوصة‪ .‬والمعنى الشرعي مأخوذ من اللغوي‪ ،‬ألن الوضوء ُيحسِّن أعضاء‬
‫الوضوء في الدنيا بالنظافة وفي اآلخرة بالتحجيل(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫بياض في قوائم الفرس‪ .‬والمراد هنا بياض في األيدي واألرجل من النور‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬التَّحجيل‪ :‬األصل‬
‫الذي يكتسبه صاحبه بالوضوء‪.‬‬

‫( ‪)1/43‬‬

‫سببه‪:‬‬
‫أ ‪ -‬استباحة ما ال يحل بدونه‪ ،‬فرضاً كان أو واجباً (الصالة‪ ،‬مس المصحف‪ ،‬الطواف)‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وجوب الصالة‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬وقيل سببه الحدث‪ .‬والحدث لغةً‪ :‬الشيء الحادث‪ ،‬وشرعاً وصف شرعي يحل باألعضاء فيزيل‬
‫الطهارة‪.‬‬
‫د ‪ -‬وقال أهل الظاهر‪ :‬سببه القيام إلى الصالة لقوله تعالى‪{ :‬إذا قمتم إلى الصالة}(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المائدة‪.6 :‬‬

‫( ‪)1/44‬‬

‫شروطه‪:‬‬
‫أ ‪ -‬شروط وجوب الوضوء‪:‬‬
‫‪ - 1‬العقل‪ :‬إذ ال خطاب بدونه‪.‬‬
‫‪ - 2‬البلوغ‪ :‬ألنه ال يكلَّف القاصر‪.‬‬
‫‪ - 3‬اإلسالم‪ :‬ألن الكافر ال يكلَّف بالفروع‪S.‬‬
‫‪ - 4‬القدرة على استعمال الماء الطَّهور الكافي لجميع األعضاء مرة مرة‪.‬‬
‫الوضوء‪.‬‬
‫‪ - 5‬وجود الحدث‪ :‬فال َيْلزم الوضوء على ُ‬
‫النقاء من الحيض َّ‬
‫والنفاس بانقطاعهما شرعاً‪.‬‬ ‫‪َّ - 6‬‬
‫‪ - 7‬ضيق الوقت‪ :‬لتوجه الخطاب ُمضيَّقاً وموسَّعاً في ابتدائه‪{ :‬إذا قمتم إلى الصالة}‪.‬‬
‫ب ‪ -‬شروط صحة الوضوء‪:‬‬
‫النفاس‪.‬‬
‫‪ - 1‬عدم الحيض أو ّ‬
‫‪ - 2‬أن يعم البشرة‪ ،‬فلو بقي مقدار غرزة اإلبرة لم يصح الوضوء‪.‬‬
‫‪ - 3‬زوال ما يمنع وصول‪ S‬الماء إلى البشرة لجرم الحائل‪ ،‬كشمع أو شحم وكذا طالء األظافر‪ .‬أما‬
‫الدسومة التي ال جرمية لها فال مانع كدسومة الزيت وما شابهه‪ .‬ويلزم تحريك الخاتم الضيق‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن ال يحصل ناقض أثناء الوضوء‪.‬‬
‫‪ - 5‬التَّقاطر‪.‬‬

‫( ‪)1/45‬‬

‫حكمه‪:‬‬
‫‪ - 1‬هو فرض للصالة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصالة فاغسلوا وجوهكم‬
‫وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}(‪ - )1‬ونزلت هذه اآلية في المدينة‬
‫ض في مكة المكرمة عندما فُرضت الصالة‪ ،‬نزل جبريل عليه السالم‬‫المنورة ولكن الوضوء فُ ِر َ‬
‫وعلَّمه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‪ -‬وكذا لحديث ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬إني سمعت‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬ال تُقبل صالة بغير طهور‪ ،‬وال صدقة بغير َغلول)(‪.)2‬‬
‫وسواء كانت الصالة فرضاً أم نافلة أم صالة جنازة‪ ،‬أو كانت من أجزاء الصالة كسجدة التالوة‬
‫وغيرها مما في معنى الصالة‪ ،‬فإنها ال تصح إال بالوضوء‪.‬‬
‫ويكفر من أنكر فريضة الوضوء للصالة‪ ،‬أما لغير الصالة فال يكفر‪.‬‬
‫وهو فرض أيضاً لمس المصحف لقوله تعالى‪{ :‬ال يمسُّه إالّ المطهرون}(‪ ،)3‬ولما روى عبد اللّه ابن‬
‫عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال َي َم َّس القرآن إالّ طاهراً)(‪)4‬‬
‫‪ - 2‬واجب للطواف حول الكعبة‪ ،‬لحديث طاووس عن رجل قد أدرك النبي صلى اللّه عليه وسلم أن‬
‫فأقلُّوا الكالم)(‪ ،)5‬وباعتباره أشبه‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إنما الطواف صالة‪ ،‬فإذا طفتم ِ‬
‫الصالة من وجه دون وجه لذا وجبت الطهارة فيه‪ ،‬فال تتوقف صحة الطواف على الوضوء‪.‬‬
‫‪ - 3‬سنة للنوم‪ ،‬لحديث البراء بن عازب رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا‬
‫أتيت مضجعك فنتوضأ وضوءك للصالة‪ ،‬ثم اضطجع على ِشقّك األيمن‪ ،‬ثم قل‪ :‬اللّهم أسلمت وجهي‬
‫إليك‪ ،‬فوضت أمري إليك‪ ،‬وألجأت ظهري إليك‪ ،‬رغبة ورهبة إليك‪ ،‬ال ملجأ وال منجى منك إال إليك‪،‬‬
‫اللّهم آمنت بكتابك الذي أنزلت‪ ،‬وبنبيك الذي أرسلت‪ ،‬فإن ُم َّ‬
‫ت من ليلتك فأنت على الفطرة‪ ،‬واجعلهن‬
‫آخر ما تتكلم به)(‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المائدة‪.6 :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.2/1‬‬
‫(‪ )3‬الواقعة‪.79 :‬‬
‫(‪ )4‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.121‬‬
‫(‪ )5‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.414‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.75/244‬‬

‫( ‪)1/46‬‬

‫‪ - 4‬مندوب في ثالثين موضعاً‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬


‫عقب الغضب لحديث عطية وقد كانت له صحبة قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إن‬
‫الغضب من الشيطان‪ ،‬وإ ن الشيطان خلق من النار‪ ،‬وإ نما تطفأ النار بالماء‪ ،‬فإذا غضب أحدكم‬
‫فليتوضأ)(‪ .)1‬وبعد القهقهة خارج الصالة‪.‬‬
‫وللجلوس في المسجد‪ ،‬لما روي عن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه قال‪ :‬رأيت رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم توضأ فأحسن الوضوء‪ ،‬ثم قال‪( :‬من توضأ وضوئي‪ S‬هذا ثم أتى المسجد فركع فيه‬
‫ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه)(‪.)2‬‬
‫لجُنب يريد أكالً أو شرباً أو نوماً أو جماعاً آخر‪ ،‬لحديث عائشة رضي اللّه قالت‪:‬‬
‫كما يندب الوضوء ُ‬
‫(كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا كان جنباً‪ ،‬فأراد أن يأكل أو ينام‪ ،‬توضأ وضوءه للصالة)(‬
‫‪ ،)3‬وعن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا أتى‬
‫أحدكم أهله‪ ،‬ثم أراد أن يعود فليتوضأ)(‪.)4‬‬
‫ويندب الوضوء عقب الخطايا والذنوب الصغائر ألنه يكفرها‪ ،‬فعن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده‪،‬‬
‫حتى تخرج من تحت أظفاره)(‪ .)5‬وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬إذا توضأ العبد المسلم ‪ -‬أو المؤمن ‪ -‬فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها‬
‫طر الماء ‪ -‬فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه‬
‫بعينيه مع الماء ‪ -‬أو مع آخر ق ْ‬
‫طر الماء ‪ -‬فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجاله مع الماء ‪-‬‬
‫مع الماء ‪ -‬أو مع آخر ق ْ‬
‫طر الماء ‪ -‬حتى يخرج نقياً من الذنوب)(‪ .)6‬ويندب بعد الكذب أيضاً‪.‬‬
‫مع آخر ق ْ‬
‫كما يندب لقراءة القرآن غيباً وعند ذكر اللّه عز وجل‪ ،‬لما روي عن المهاجر بن قنفذ رضي اللّه عنه‬
‫أنه أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه‪ ،‬فلم يرد عليه حتى توضأ‪ ،‬ثم اعتذر إليه‬
‫فقال‪( :‬إني كرهت أن أذكر اللّه عز وجل إال على طهر)(‪.)7‬‬
‫ويندب لحضور مجالس العلم أو غير ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.226‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.28‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.6/22‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.6/27‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.11/33‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.11/32‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ :‬كتاب الطهارة باب ‪.8/17‬‬

‫( ‪)1/47‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬فرائض الوضوء‬


‫وهي أربع لقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى‬
‫المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}(‪.)1‬‬
‫أوالً‪ :‬غسل الوجه‪ :‬الغسل هو إسالة الماء على الوجه حتى يتقاطر‪ ،‬والوجه هو ما تقع به المواجهة‪.‬‬
‫وحده طوالً من مبدأ سطح الجبهة إلى أسفل الذقن‪ ،‬وعرضاً ما بين شحمتي األذنين‪ .‬وهو يشمل‬
‫ّ‬
‫الحاجبين والشاربين شعراً وبشراً‪ .‬أما اللحية فإن كانت خفيفة فيجب إيصال الماء إلى البشرة‪ ،‬وإ ن‬
‫كانت كثيفة فيكفي غسل ظاهر الشعر‪ ،‬وال يجب غسل ما زاد على دائرة الوجه مما استرسل من‬
‫اللحية‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬غسل اليدين مع المرفقين‪ :‬وتشمل اليد‪ :‬الكف والساعد والمرفق‪ .‬وقد اتفق الفقهاء على أن‬
‫المرفق داخل بالغسل وخالف اإلمام ُزفَر‪ ،‬ودليل الجمهور حديث نعيم بن عبد اللّه المجمر قال‪:‬‬
‫(رأيت أبا هريرة يتوضأ‪ ،‬فغسل وجهه فأسبغ الوضوء‪ ،‬ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد‪ ،‬ثم‬
‫يده اليسرى حتى أشرع في العضد‪ ،‬ثم مسح رأسه‪ ،‬ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬هكذا رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتوضأ)(‪.)2‬‬
‫ومن قطعت يده من المرفق فال يغسل سوى محل القطع‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬مسح الرأس‪ :‬والمسح إمرار اليد المبتلَّة على العضو‪ .‬والمقدار المطلوب مسحه ُم ْختَلَ ٌ‬
‫ف فيه‬
‫على أقوال‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المائدة‪.6 :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.12/34‬‬

‫( ‪)1/48‬‬

‫أ ‪ -‬مقدار ثالث أصابع من أصابع اليد‪ ،‬ودليل أصحاب هذا القول أن الباء في قوله تعالى {برؤوسكم}‬
‫لإللصاق‪ .‬وهي إن اتصلت بالمسموح د ّل على استيعاب اآللة يعني اليد‪ ،‬والمراد أكثرها وهو يتحقق‬
‫بثالث أصابع‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وقال بعضهم المقصود ربع الرأس سواء أكان من مقدم الرأس أو من الناصية على أن يكون‬
‫فوق األذنين‪ ،‬فلو مسح على أسفل الذوائب ال يصح‪ ،‬وذلك ألنه الوارد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وألن استيعاب اليد يقتضي مسح ربع الرأس؛ ففي حديث أنس رضي اللّه عنه قال‪( :‬رأيت‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة ِقطرية‪ ،‬فأدخل يده من تحت العمامة فمسح‬
‫ُم َّ‬
‫قدم رأسه ولم ينقض العمامة)(‪.)1‬‬
‫جـ ‪ -‬وذكر الكرخي والطحاوي أن المقصود هو مقدار ناصية الرأس‪ ،‬لحديث المغيرة ابن شعبة‬
‫رضي اللّه عنه قال‪( :‬إن النبي صلى اللّه عليه وسلم توضأ ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى‬
‫الخفين)(‪.)2‬‬
‫رابعاً‪ :‬غسل الرجلين مع الكعبين‪ :‬والكعبان هما العظمان المرتفعان في جانبي القدم‪ ،‬وهما داخالن‬
‫بالغسل مع القدمين للحديث المتقدم‪ ..( :‬ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق‪ ،‬ثم غسل رجله‬
‫اليسرى حتى أشرع في الساق)‪ ،‬ولقوله صلى اللّه عليه وسلم بعدما غسل رجليه ‪ -‬فيما رواه بريدة‬
‫عنه رضي اللّه عنه ‪( -‬هذا الوضوء الذي ال يقبل اللّه الصالة إال به)(‪ ،)3‬ولحديث أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه قال‪( :‬أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم قال‪ :‬ويل لألعقاب من النار)(‪ .)4‬ويجب غسل‬
‫شقوق األرجل إن قدر‪ ،‬وال يضر أن يمسح عليها إ لم يقدر أو كان عليها دواء‪ ،‬فإن لم يستطع الغسل‬
‫وال المسح وال إمرار الماء على الدواء الذي وضعه عليها‪ ،‬يتوضأ ويدع ما يضره من شقوق في‬
‫رجليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.57/147‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.23/83‬‬
‫(‪ )3‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.231‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.28/163‬‬

‫( ‪)1/49‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬سنن الوضوء‬


‫‪ - 1-‬النية‪ :‬وهي لغة‪ :‬عزم القلب على الفعل‪.‬‬
‫وشرعاً قصد القلب إيجاد الفعل جزماً‪ ،‬أو إزالة الحدث أو استباحة الصالة‪.‬‬
‫وقد اعتبر السادة الحنفية النية سنة في الوضوء‪ ،‬وهي فرض عند غيرهم‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ألنهم قسموا العبادات إلى‪:‬‬
‫‪ - 1‬مقاصد وتكون النية فيها فرضاً كالصالة والصوم‪.‬‬
‫‪ - 2‬وسائل أو بدايات؛ وال تكون النية فرضاً ولكن ال يؤجر اإلنسان عليها إال بالنية‪ ،‬لحديث عمر‬
‫بن الخطاب رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬إنما األعمال‬
‫بالنيات)(‪.)1‬‬
‫ب ‪ -‬وألن آية الوضوء لم تأمر بالنية‪ ،‬وإ نما أمرت بالغسل والمسح‪ ،‬وثبتت النية بحديث آحاد (‪)2‬‬
‫فهي زيادة على النص‪ ،‬وال تكون إال بقطعي كالقرآن حسب ما قرروه في أصولهم (‪.)3‬‬
‫جـ ‪ -‬إن الوضوء طهارة بالماء فال تشترط له النية كإزالة النجاسة‪ .‬وعلى هذا من اغتسل أو انغمس‬
‫في ماء للتبرد أو السباحة صح وضوؤه‪S.‬‬
‫ومحل النية‪ :‬القلب‪ ،‬وصيغتها‪ :‬أن ينوي رفع الحدث أو إقامة الصالة أو الوضوء‪ .‬وزمنها‪ :‬عند‬
‫غسل الوجه‪ ،‬وفي ٍ‬
‫قول قبل جميع السنن أي عند غسل اليدين‪ .‬وقيل‪ :‬قبل االستنجاء حتى يكون جميع‬
‫عمله قربة‪.‬‬
‫والنية فرض في التيمم ألن التراب ليس له مطهراً أصالً‪.‬‬
‫‪ - 2‬الترتيب‪ :‬ومعناه تطهير األعضاء واحداً بعد واحد على الوجه الذي جاءت به آية الوضوء‪،‬‬
‫واستدل السادة األحناف على أنه سنة بما يلي‪:‬‬
‫النص في آية الوضوء عطف المفروضات‪ S‬بالواو‪ ،‬وهي ال تقضي إال مطلق الجمع‪ ،‬ولو أراد‬
‫أ ‪ -‬إن ّ‬
‫الترتيب لعطف بينها بالفاء أو بثم‪.‬‬
‫بأي أعضائي بدأت"(‪ .)4‬وعن مجاهد‬
‫ب ‪ -‬لقول علي رضي اللّه عنه‪" :‬ما أبالي إذا أتممت وضوئي‪ِّ S‬‬
‫قال‪ :‬قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه‪" :‬ال بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك"(‪.)5‬‬
‫جـ ‪ -‬إن حكمة الوضوء المقصودة منه ال تتوقف على الترتيب وهي الوضاءة والحسن والنظافة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب بدء الوحي باب ‪.1/1‬‬
‫(‪ )2‬خبر اآلحاد هو ما رواه الواحد أو االثنان فأكثر‪ ،‬مما لم تتوفر فيه شروط الحديث المشهور أو‬
‫المتواتر‪ .‬وهو يفيد الظن ويوجب العمل عند السادة الحنفية متى توفرت فيه شروط القبول‪.‬‬
‫(‪ )3‬محاضرات في الفقه اإلسالمي العام للدكتور فوزي فيض اللّه‪.‬‬
‫(‪ )4‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.89‬‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.87‬‬
‫__________‬

‫( ‪)1/50‬‬

‫السمية ال الفََرضية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وما ورد من أحاديث عن وضوئه صلى اللّه عليه وسلم يفيد‬
‫‪ - 3‬التسمية في أوله حتى لو نسيها أثناء الوضوء لم يحصل المقصود‪ ،‬عن أبي هريرة رضي اللّه‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من توضأ وذكر اسم اللّه تطهر جسده كله‪ ،‬ومن‬
‫توضأ ولم يذكر اسم اللّه لم يتطهر إال موضع الوضوء)(‪.)1‬‬
‫وصيغة التسمية‪:‬‬
‫"بسم اللّه العظيم والحمد للّه على دين اإلسالم"‪ ،‬وقيل‪" :‬بسم اللّه الرحمن الرحيم"‪.‬‬
‫ودليل التسمية‪:‬‬
‫حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال صالة لمن ال‬
‫وضوء له‪ ،‬وال وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه تعالى عليه)(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬غسل اليدين إلى الرسغين في ابتداء الوضوء‪ ،‬ألنهما آلة التطهير فيبدأ بهما‪ .‬والرسغ هو‬
‫والكف وبين الساق والقدم‪ ،‬ولحديث أوس بن أوس رضي اللّه عنه قال‪( :‬رأيت‬
‫ّ‬ ‫المفصل بين الساعد‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استوكف ثالثاً)(‪ ،)3‬وعن حمران مولى عثمان رضي اللّه عنه أن‬
‫عثمان بن عفان رضي اللّه عنه دعا َبوضوء فتوضأ‪ ،‬فغسل كفيه ثالث مرات‪ ،‬ثم مضمض واستنثر‪،‬‬
‫ثم غسل وجهه ثالث مرات‪ ،‬ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثالث مرات‪ ،‬ثم غسل يده اليسرى مثل‬
‫ذلك‪ ،‬ثم مسح رأسه‪ ،‬ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثالث مرات‪ ،‬ثم غسل اليسرى مثل ذلك‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا‪ .‬ثم قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬من توضأ وضوئي‪ S‬هذا‪ ،‬ثم قام فركع ركعتين‪ ،‬ال يحدث فيهما نفسه‪ُ ،‬غِف َر له ما تقدم من‬
‫ذنبه)(‪.)4‬‬
‫وغسل اليدين للمستيقظ من النوم آكد لما ثبت عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬إذا استيقظ أحدكم من نومه فال يغمس يده في اإلناء حتى يغسلها ثالثاً‪ ،‬فإنه ال يدري أين‬
‫باتت يده)(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.45‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.48/101‬‬
‫(‪ )3‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪ .64‬استوكف ثالثاً‪ :‬أي استقطر الماء وصبه على يديه ثالث مرات وبالغ‬
‫حتى وكف منها الماء‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.3/3‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.26/87‬‬

‫( ‪)1/51‬‬

‫ُّ‬
‫وصب الماء باليد اليسرى على اليمنى‪،‬‬ ‫كيفية غسلهما‪ :‬إن كان اإلناء صغيراً فيجب رفعه أو إمالته‬
‫الكف فيصب على يمناه ثالثاً‪ ،‬ثم يدخل‬
‫وإ ن كان كبيراً ال يمكن إمالته فيغمس أصابع يسراه دون ّ‬
‫اليمنى فيغسل يده اليسرى ثالثاً‪ ،‬وذلك حتى ال يصير الماء مستعمالً‪ .‬وإ ن زاد على قدر الضرورة‬
‫بإدخال الكف مع األصابع صار الماء مستعمالً (أي المالقي للكف إذا انفصل ال جميع الماء) إال أن‬
‫ينوي االغتراف‪ ،‬ألن غسل اليدين في ابتداء الوضوء يجزي عن الفرض ويسقط حدثهما‪ ،‬فهي سنة‬
‫تنوب عن الفرض كما أن قراءة الفاتحة في الصالة واجب ينوب عن الفرض وهو التالوة‪.‬‬
‫فمثالً إذا نقيت الحائض وأدخلت يدها في اإلناء‪ ،‬فإنه يسقط حدث يدها ولو بدون نية‪ ،‬لكن يسن عند‬
‫غسل الذراعين إعادة غسل الكفين‪.‬‬
‫ويكون غسل اليدين إلى الرسغين سنة إن كانتا طاهرتين‪ .‬أما إن كانتا متنجستين ولو قلت النجاسة‬
‫فغسلهما على وجه ال ينجس الماء فرض‪ ،‬فإن أفضى إلى ذلك تركه ‪ -‬إذا لم يمكنه االغتراف بشيء‬
‫ولو بمنديل أو بفمه‪ ،‬وتيمم وصلى ولم يعد‪.‬‬
‫‪ - 5‬االستياك‪ :‬وهو سنة مؤكدة عند المضمضة‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬لوال أن َّ‬
‫أشق على أمتي ألمرتهم بالسواك عند كل وضوء)(‪.)11‬‬
‫وهو سنة للوضوء ال للصالة‪ ،‬فلو توضأ بسواك يحصل الفضل في كل صالة أداها بهذا الوضوء‪.‬‬
‫وإ ن توضأ بدون سواك ُندب له السواك عند الصالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )11‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصوم باب ‪.27‬‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)1/52‬‬

‫يخش نقض الوضوء بخروج‬


‫كما أن السواك مستحب عند تغير رائحة الفم‪ ،‬والقيام إلى الصالة إن لم َ‬
‫دم من اللثة‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬ودخول البيت‪ ،‬واجتماع الناس‪ ،‬روي عن أبي أمامة رضي اللّه عنه أن‬
‫طهََرة للفم‪ ،‬مرضاة للرب‪ ،‬ما جاءني‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬تسوكوا فإن السِّواك َم ْ‬
‫علي وعلى أمتي‪ ،‬ولوال أني أخاف أن أ ُش َّ‬
‫ق‬ ‫خشيت أن ُي ْفرض َّ‬
‫ُ‬ ‫جبريل إالّ أوصاني بالسِّواك حتى لقد‬
‫مقاد َم فمي)(‪ ،)1‬وعن عائشة رضي‬ ‫لفرضتُه لهم‪ ،‬وإ ني ألستاك حتى لقد َخشيت أن أح ْفي ِ‬
‫ْ‬ ‫على أمتي‬
‫َ‬
‫اللّه عنها (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك)(‪.)2‬‬
‫ويصح االستياك باإلصبع أو بخرقة خشنة‪ ،‬لما روي عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه أن رجالً من‬
‫األنصار من بني عمرو بن عوف قال‪ :‬يا رسول اللّه إنك رغبتنا في السواك فهل دون ذلك من شيء؟‬
‫قال‪( :‬إصبعاك سواك عند وضوئك تمرهما على أسنانك)(‪.)3‬‬
‫ويندب أن يكون السواك‪ ،‬وهو العود الذي يستاك به‪ ،‬ليناً بال ُعقَد‪ ،‬في ِغلظ خنصر وطول شبر‪،‬‬
‫ويسن أن يكون من األراك (‪.)4‬‬
‫كيفية االستياك‪ :‬يجعل خنصر يده اليمنى تحت السواك‪ ،‬ويجعل البنصر والوسطى والسبابة فوقه‪،‬‬
‫واإلبهام أسفل رأس السواك‪ ،‬ويستاك به عرضاً ال طوالً‪.‬‬
‫وأقل السواك ثالث مرات لألعالي وثالث مرات لألسافل بثالث مياه‪.‬‬
‫‪ - 6‬المضمضة واالستنشاق‪:‬‬
‫المضمضة اصطالحاً هي استيعاب الماء جميع الفم‪ ،‬ويسن أن تكون ثالثاً لما روى عبد اللّه بن زيد‬
‫رضي اللّه عنه في صفة وضوئه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬فمضمض واستنشق واستنثر من ثالث‬
‫غرفات)(‪.)5‬‬
‫النشق وهو جذب الماء أو إيصال الماء إلى ِ‬
‫المارن وهو ما الن من األنف‪.‬‬ ‫واالستنشاق من َّ‬
‫وتسن المبالغة في المضمضة واالستنشاق لغير الصائم لحديث لقيط بن صبرة رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول اللّه أخبرني عن الوضوء‪ ،‬قال‪( :‬أسبغ الوضوء‪ ،‬وخلل بين األصابع‪ ،‬وبالغ في‬
‫االستنشاق إال أن تكون صائماً)(‪.)6‬‬
‫__________‬
‫وأحفي‪ :‬من اإلحفاء وهو االستئصال‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪َ ،7/289‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.15/44‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.41‬‬
‫األراك‪ :‬شجر معروف وهو شجر السواك ُيستاك بفروعه‪ .‬قال اإلمام أبو حنيفة‪ :‬هو أفضل ما‬ ‫(‪َ )4‬‬
‫استيك بفرعه من الشجر وأطيب ما َر َعته الماشية رائحة لبن‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.7/18‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.55/142‬‬

‫( ‪)1/53‬‬

‫ويسن في المضمضة واالستنشاق خمسة أشياء هي‪ :‬الترتيب‪ ،‬والتثليث‪ ،‬وتجديد الماء‪ ،‬وأن يكون‬
‫االستنشاق باليمنى واالستنثار باليسرى‪ ،‬والمبالغة فيهما بالغرغرة ومجاوزة المارن‪ .‬ودليل ذلك‬
‫األحاديث المتقدمة وما روي عن علي رضي اللّه عنه في صفة وضوء النبي صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫(فأدخل يده اليمنى في اإلناء فمأل فمه فتمضمض واستنشق واستنثر بيده اليسرى ففعل ذلك ثالثاً)(‬
‫‪.)1‬‬
‫‪ - 7‬تخليل اللحية الكثّة‪ :‬ويكون بتفريق الشعر من األسفل إلى األعلى‪ ،‬ويكون بعد غسل الوجه‪.‬‬
‫وذلك لما روي عن عثمان رضي اللّه عنه (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم توضأ فخلل لحيته)(‬
‫‪ ،)2‬وعن أنس بن مالك رضي اللّه عنه (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفاً‬
‫من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال‪ :‬هكذا أمرني ربي عز وجل)(‪.)3‬‬
‫‪ - 8‬تخليل األصابع في اليدين بإدخال بعضهما في بعض‪ ،‬وتخليل األصابع في الرجلين بأن يدخل‬
‫خنصر يده اليسرى فيبتدئ من خنصر رجله اليمنى وينتهي بخنصر رجله اليسرى؛ وذلك من أسفل‬
‫األصابع إلى أعالها‪ .‬لما حدث المستورد بن شداد رضي اللّه عنه قال‪( :‬رأيت رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم توضأ فخلل أصابه رجليه بخصره)(‪ ،)4‬وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك)(‪.)5‬‬
‫والتخليل سنة فإذا كانت األصابع منضمة كان تخليلها فرضاً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.48‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.50/430‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.56/145‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.54/446‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.30/39‬‬
‫( ‪)1/54‬‬

‫‪ - 9‬تثليث الغسل ألحاديث كثيرة وردت في صفة وضوئه صلى اللّه عليه وسلم ‪ ،‬ومنها حديث‬
‫عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رجالً أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول اللّه كيف‬
‫الطَّهور؟ فدعاء بماء في إناء‪ ،‬فغسل كفيه ثالثاً‪ ،‬ثم غسل وجهه ثالثاً‪ ،‬ثم غسل ذراعيه ثالثاً‪ ،‬ثم مسح‬
‫برأسه فأدخل أصبعيه السبَّاحتين في أذنيه ومسح بإبهامه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه‪،‬‬
‫ثم غسل رجليه ثالثاً ثالثاً‪ ،‬ثم قال‪ :‬هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم"(‪)1‬‬
‫تعدى)(‪.)2‬‬
‫وزاد في رواية‪( :‬أو ّ‬
‫وغسل المرة فرض والمرتين يضاعف بهما األجر مرتين‪ ،‬لما روي عن أبي بن كعب رضي اللّه‬
‫عنه (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة‪ ،‬فقال‪ :‬هذا وظيفة الوضوء أو‬
‫قال‪ :‬وضوء من لم يتوضأه لم يقبل اللّه له صالة‪ ،‬ثم توضأ مرتين مرتين ثم قال‪ :‬هذا وضوء من‬
‫توضأه أعطاه اللّه كفلين من األجر‪ ،‬ثم توضأ ثالثاً ثالثاً فقال‪ :‬هذا وضوئي ووضوء المرسلين من‬
‫قبلي)(‪.)3‬‬
‫‪ - 10‬استيعاب الرأس بالمسح مرة واحدة‪ ،‬وال يندب التثليث ألن الوارد في أكثر األحاديث في صفة‬
‫وضوئه صلى اللّه عليه وسلم التثليث في المغسوالت وأن السنة في الرأس استيعابه بالمسح‪ ،‬فعن أبي‬
‫عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‪" :‬رأيت علياً رضي اللّه عنه توضأ فغسل وجهه ثالثاً‪ ،‬وغسل ذراعيه‬
‫ثالثاً‪ ،‬ومسح برأسه مرة واحدة‪ ،‬ثم قال‪ :‬هكذا توضأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "(‪.)4‬‬
‫ويمرهما إلى القفا على وجه يستوعب جميع‬
‫كيفية المسح‪ :‬يضع كفيه وأصابع يديه على مقدم رأسه ّ‬
‫الرأس‪ ،‬لما روي عن المقدام بن معد يكرب رضي اللّه عنه قال‪" :‬رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم توضأ‪ ،‬فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى بلغ القفا ثم ردهما إلى‬
‫المكان الذي منه بدأ"(‪.)5‬‬
‫‪ - 11‬البداءة بالمسح من مقدم الرأس للحديث المتقدم‪ ،‬وهي من المستحبات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪51/135‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.48/422‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.47/420‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.50/115‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.50/122‬‬

‫( ‪)1/55‬‬
‫‪ - 12‬مسح األذنين‪ :‬يسن مسح األذنين ولو بماء الرأس‪ ،‬لما ورد أنه صلى اللّه عليه وسلم غرف‬
‫غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي اللّه عنه في صفة‬
‫الوضوء‪ ،‬وفيه‪( :‬ثم مسح رأسه‪ ،‬فأدخل أصبعيه في أذنيه‪ ،‬ومسح بإبهامه على ظاهر أذنيه‬
‫ماء جديداً كان حسناً‪.‬‬
‫وبالسباحتين باطن أذنيه)(‪ )1‬وإ ن أخذ لهما ً‬
‫ويدخل الخنصرين في‬ ‫ِ‬
‫ويكون مسح األذنين بأن يمسح ظاهرهما باإلبهامين وداخلَهما بالسبَّابتين‪ُ ،‬‬
‫ِح ْج َر ْي ِهما ويحركهما لحديث الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي اللّه عنها "أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم توضأ فأدخل أصبعيه في حجري أذنيه"(‪.)2‬‬
‫‪ - 13‬الدلك بعد الغسل بإمرار يديه على األعضاء‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن زيد بن عاصم رضي اللّه‬
‫عنه (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم توضأ فجعل يقول هكذا يدلك)(‪.)3‬‬
‫‪ - 14‬البداءة بالميامن وذلك في اليدين والرجلين‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫فابدءوا بميامنكم)(‪ ،)4‬ولحديث عائشة رضي اللّه‬
‫ُ‬ ‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا توضأتم‬
‫عنها قالت‪( :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله)‬
‫(‪.)5‬‬
‫‪ - 15‬البداءة بالغسل من رؤوس األصابع باليدين والرجلين‪ ،‬ألن اللّه تعالى جعل المرفقين والكعبين‬
‫غاية الغسل فتكون منتهى الفعل‪ ،‬ولصفة وضوئه صلى اللّه عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ - 16‬مسح الرقبة‪ ،‬ألن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم توضأ وأومأ بيديه من مقدم رأسه حتى بلغ‬
‫بهما أسفل عنقه من قبل قفاه‪ ،‬ولقوله صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬مسح الرقبة أمان من الغل يوم القيامة)(‬
‫‪.)6‬‬
‫وال يسن مسح الحلقوم ألنه بدعة‪ .‬وتعتبر السنن الثالث األخيرة من المستحبات‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.51/135‬‬


‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.50/131‬‬
‫(‪ )3‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.39‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.42/402‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.30/166‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث عمر رضي اللّه عنه وهو ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)1/56‬‬
‫بالع ْرف (أي‬
‫‪-17‬المواالة‪ :‬أي إنجاز أفعال الوضوء متتابعة بحيث ال يوجد بينها ما يعد فاصالً ُ‬
‫متابعة غسل األعضاء قبل جفاف ما قبلها)‪ ،‬وقد صح عن بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫(أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى رجالً يصلي وفي ظهر قدمه لُمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء‪،‬‬
‫فأمره النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصالة)(‪.)1‬‬
‫______‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.67/175‬‬

‫( ‪)1/57‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬آداب الوضوء‬


‫اآلداب‪ :‬جمع أدب وهو لغة‪ :‬الخصلة الحميدة‪ ،‬وشرعاً ما فعله النبي صلى اللّه عليه وسلم مرة‬
‫وتركه أخرى‪ .‬وتسمى أيضاً مندوبات أو مستحبات أو تطوعاً‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬الثواب بفعله وعدم اللوم على تركه‪ .‬وآداب الوضوء هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬استقبال القبلة‪ ،‬ألنه أقرب إلى قبول الوضوء باعتباره عبادة‪ ،‬وقبول الدعاء فيه‪.‬‬
‫الغ َسالة‪.‬‬
‫‪ - 2‬الجلوس في مكان مرتفع تحرزاً من ُ‬
‫‪ - 3‬الجمع بين القلب واللسان في تحصيل النية‪.‬‬
‫‪ - 4‬الدعاء بالمأثور عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أصحابه رضوان اللّه عليهم‬
‫فيقول عند المضمضة‪" :‬اللّهم أعني على تالوة القرآن وذكرك وشكرك وحسن عبادتك"‪.‬‬
‫وعند االستنشاق‪" :‬اللّهم ِأر ْحني رائحة الجنة وال تُِر ْحني رائحة النار"‪.‬‬
‫وتسود وجوه"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تبيض وجوه‬
‫وعند غسل الوجه‪" :‬اللّهم ّبيض وجهي بنورك يوم ّ‬
‫َع ِطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً"‪.‬‬
‫وعند غسل اليد اليمنى‪" :‬اللّهم أ ْ‬
‫وعند غسل اليد اليسرى‪" :‬اللّهم ال تعطني كتابي بيساري وال من وراء ظهري وال تحاسبني حساباً‬
‫عسيراً"‪.‬‬
‫وعند مسح الرأس‪" :‬اللّهم أظلّني تحت ظل عرشك يوم ال ظل إال ظلك وال باقي إال وجهك"‪.‬‬
‫وعند مسح الرقبة‪" :‬اللّهم أعتق رقبتي من النار"‪.‬‬
‫ِّت قدمي على الصراط يوم تز ّل األقدام"‪.‬‬
‫ويقول عند غسل الرجل اليمنى‪" :‬اللّهم ثب ْ‬
‫ويقول عند غسل الرجل اليسرى‪" :‬اللّهم اجعل عملي مشكوراً وذنبي مغفوراً وتجارتي لن تبور"‪.‬‬

‫( ‪)1/58‬‬
‫‪ - 5‬تحريك الخاتم الواسع مبالغة في الغسل‪ ،‬لما روي عن أبي رافع قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم إذا توضأ حرك خاتمه)(‪.)1‬‬
‫‪ - 6‬أن تكون المضمضة واالستنشاق باليد اليمنى واالستنثار باليد اليسرى‪ ،‬لحديث علي رضي اللّه‬
‫عنه في صفة وضوئه صلى اللّه عليه وسلم‪ ..( :‬فأدخل يده اليمنى في اإلناء فمأل فمه فتمضمض‬
‫واستنشق واستنثر بيده اليسرى ففعل ذلك ثالثاً)(‪.)2‬‬
‫‪ - 7‬إدخال الخنصر في ِ‬
‫صماخ (‪ )3‬األذنين مبالغة في النظافة‪.‬‬
‫‪ - 8‬التسمية والنية عند كل عضو‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا توضأت فقل بسم اللّه والحمد للّه فإن حفظتك ال تبرح تكتب لك الحسنات حتى‬
‫تحدث من ذلك الوضوء)(‪.)4‬‬
‫‪ - 9‬الوضوء قبل دخول الوقت استعداداً للصالة‪ ،‬إال المعذور ألنه ينتقض وضوؤه‪ S‬بخروج الوقت‪.‬‬
‫‪ - 10‬التشهد بعد الوضوء‪ ،‬وذلك لحديث عقبة بن عامر وفيه قول مر رضي اللّه عنه قال ‪ -‬يعني‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم ‪( -‬ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء‪ ،‬ثم يقول حين يفرغ من‬
‫وضوئه‪ :‬أشهد أن ال إله إال اللّه وحده ال شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إال فتحت له أبواب‬
‫الجنة الثمانية يدخل من ّأيها شاء)(‪.)5‬‬
‫‪ - 11‬ترك التجفيف إبقاء على آثار الوضوء‪.‬‬
‫‪ - 12‬أن يشرب من فضل وضوئه قائماً مستقبالً القبلة كما يفعل في شربه من ماء زمزم‪ .‬روي عن‬
‫علي رضي اللّه عنه "أنه توضأ ثالثاً ثالثاً‪ ،‬ثم قام فشرب فضل وضوئه وقال‪ :‬صنع رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم كما صنعت"(‪ .)6‬واألفضل‪ ،‬فيما سوى ذلك‪ ،‬أن يشرب قاعداً لنهيه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم عن الشرب قائماً؛ فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫َّ‬
‫يشربن أحد منكم قائماً فمن نسي فليستقئ)(‪ )7‬والنهي ألمر طبي ال ديني‪.‬‬ ‫(ال‬
‫‪ - 13‬أن يقرأ سورة القدر ثالثاً إثر وضوئه‪.‬‬
‫‪ - 14‬تهيئة ماء الوضوء للمرة الثانية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.57‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.48‬‬
‫الخ ْرق الباطن الذي يفضي إلى األذن‪.‬‬
‫الصماخ من األذن‪َ :‬‬
‫(‪ِّ )3‬‬
‫(‪ )4‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪ ،220‬رواه الطبراني في الصغير وإ سناده حسن‪.‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.65/169‬‬
‫(‪ )6‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.87‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب األشربة باب ‪.14/116‬‬

‫( ‪)1/59‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬مكروهات الوضوء‬


‫المكروه هو ضد المحبوب من العمل‪ .‬ويكره للمتوضئ فعل كل ما هو ضد المستحب‪.‬‬
‫‪ - 1‬اإلسراف في صب الماء‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه‬
‫مر بسعد وهو يتوضأ فقال‪( :‬ما هذا الس ََّرف؟ فقال‪ :‬أفي الوضوء إسراف؟ قال‪:‬‬
‫صلى اللّه عليه وسلم َّ‬
‫نهر ٍ‬
‫جار)(‪ .)1‬ومنه تثليث المسح بماء جديد‪.‬‬ ‫نعم وإ ن كنت على ٍ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.48/425‬‬

‫( ‪)1/60‬‬

‫‪ - 2‬الزيادة على الثالث في الغسل وكذا النقص عن الثالث‪ ،‬ألنه خالف السنة‪ ،‬لما روى عمرو بن‬
‫شعيب عن أبيه عن جده رضي اللّه عنهم قال‪ :‬جاء أعرابي إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم يسأله عن‬
‫الوضوء‪ ،‬فأراه الوضوء ثالثاً ثالثاً ثم قال‪( :‬هكذا الوضوء‪ ،‬فمن زاد على هذا‪ ،‬فقد أساء وتعدى‬
‫وظلم)(‪ )1‬وفي رواية أبي داود‪( :‬فمن زاد على هذا أو نقص)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬التقتير واالقتصاد الزائد في صب الماء بحيث يصير الغسل كأنه مسح‪ ،‬إذ البد من التقاطر حتى‬
‫يسمى غسالً لحديث طلحة عن أبيه عن جده قال‪( :‬دخلت ‪ -‬يعني على النبي صلى اللّه عليه وسلم ‪-‬‬
‫وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره)(‪.)3‬‬
‫‪ - 4‬لطم الوجه بالماء لمنافاة شرف الوجه‪ ،‬فينبغي أن يغسل وجهه برفق‪ ،‬وال يغمض عينه‪ ،‬وال‬
‫يطبق شفتيه حتى يستوعب الغسل الوجه كله‪.‬‬
‫‪ - 5‬يكره التكلم بكالم الناس أثناء الوضوء إال لضرورة‪ ،‬ألن الكالم يصرف اإلنسان عن الحضور‬
‫والذكر والعبادة‪ ،‬وذكر بعض الصالحين أن االستحضار في الصالة يتبع الحضور في الوضوء؛‬
‫وعدمه في عدمه‪.‬‬
‫‪ - 6‬يكره االستعانة بغيره بدون عذر‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كان رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم ال َي ِك ُل طهوره إلى أحد وال صدقَتَه التي يتصدق بها‪ ،‬يكون هو الذي يتوالها‬
‫بنفسه)(‪ ،)4‬ولحديث عمر رضي اللّه عنه قال‪( :‬رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستقي ماء‬
‫لوضوئه فبادرته أستقي له فقال‪ :‬مه يا عمر فإني أكره أن يشركني في طهوري أحد)(‪.)5‬‬
‫‪ - 7‬الوضوء في موضع نجس‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن مغفل رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى‬
‫يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه) قال أحمد‪ :‬ثم يتوضأ فيه‪ ،‬فإن عامة‬
‫ّ‬ ‫اللّه عليه وسلم‪( :‬ال‬
‫الوسواس منه)(‪.)6‬‬
‫‪ - 8‬يكره أن يستخلص لنفسه إناء دون غيره‪ ،‬كما يكره أن يكون اإلناء من خزف‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.88‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.51/135‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.54/139‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.30/362‬‬
‫(‪ )5‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.227‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.15/27‬‬
‫__________‬

‫( ‪)1/61‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬نواقض الوضوء‬


‫النواقض جمع ناقض وهو كل ما ُيبطل المراد أو المقصود منه‪ ،‬وناقض الوضوء‪ :‬هو ما يجعله غير‬
‫صالح إلفادة العبادات التي ال تصح بال وضوء‪.‬‬
‫والنواقض قسمان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬النواقض الحقيقية‪:‬‬
‫‪ - 1‬كل خارج من السبيلين من بول أو غائط أو ريح أو مذي أو ودي وإ ن كان قليالً سواء أكان‬
‫معتاداً أم غير معتاد كالدودة والحصاة‪.‬‬
‫ودليل االنتقاض في الغائط قوله تعالى‪{ :‬أو جاء أحد منكم من الغائط‪ ...‬فلم تجدوا ماء فتيمموا}(‪.)1‬‬
‫أما البول فبالسنة المستفيضة واإلجماع والقياس على الغائط‪.‬‬
‫وأما الريح فلحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال تقبل‬
‫صالة من أحدث حتى يتوضأ)‪ .‬قال رجل من حضرموت‪ :‬ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال‪ :‬فساء أو‬
‫ضراط (‪ .)2‬وروي عن عباد بن تميم عن عمه رضي اللّه عنه قال شكا إلى رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪ :‬الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصالة فقال‪( :‬ال ينفتل ‪ -‬أو ينصرف ‪ -‬حتى يسمع‬
‫صوتاً أو يجد ريحاً)(‪ .)3‬وهذا يخص الريح من الدبر‪ ،‬أما من القبل فال يفسد الوضوء ألنه اختالج‪.‬‬
‫وأما المذي فعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه‪ :‬أرسلنا‬
‫المقداد بن األسود إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسأله عن المذي يخرج من اإلنسان كيف‬
‫يفعل به؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬توضأ وانضح فرجك)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النساء‪.43 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.2/135‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪ .4/137‬وليس وجدان الرائحة أو السمع شرطاً في ذلك‪،‬‬
‫بل المراد حصول اليقين بخروج شيء منه‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.4/19‬‬

‫( ‪)1/62‬‬

‫وأما الودي فلما روي عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‪" :‬الودي الذي يكون بعد البول فيه‬
‫الوضوء"(‪.)5‬‬
‫وأما أدلة انتقاض الوضوء في الخارج غير المعتاد فعموم قوله صلى اللّه عليه وسلم فيما رواه عنه‬
‫ابن عباس رضي اللّه عنهما‪( :‬الوضوء مما خرج وليس مما دخل)(‪ ،)6‬وما روي عن عطاء بن أبي‬
‫رباح أنه قال في الذي يتوضأ فيخرج الدود من دبره‪" :‬عليه الوضوء"(‪.)7‬‬
‫وكذا إذا حشى اإلحليل بقطنة فظهر البلل للطرف الخارج انتقض وضوؤه‪ S،‬ولو أدخل إصبعه في‬
‫دبره ينتقض وضوؤه‪S.‬‬
‫‪ - 2‬كل نجاسة سائلة من غير السبيلين كالدم والقيح‪ ،‬لما روى تميم الداري رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬الوضوء من كل دم سائل)(‪.)8‬‬
‫ويشترط السيالن عن موضع الجرح‪ ،‬وهو خروج النجاسة وتجاوز محلها يطلب تطهيره ولو ندباً‪،‬‬
‫الس َّرة واألذن إن كان لمرض ولو سال بالعصر‪ ،‬أو كلما خرج‬
‫كدم وقيح وصديد وماء الثدي وماء ُ‬
‫مسحه إذ لو تركه لسال فيعتبر ناقضاً‪ .‬أما لو كان الخروج في مجالس متفرقة كلما خرج مسحه قبل‬
‫أن يسيل فال ينقض‪ .‬وإ ذا انتفخ رأس الجرح فظهر به قيح ال ينقض ما لم يتجاوز الورم ألنه ال يجب‬
‫ض‬‫غسل موضع الورم أي إذا كان يضره غسل ذلك المتورم ومسحه وإ ال فينبغي أن ينتقض‪ .‬وال ُي ْنقَ ُ‬
‫الوضوء لو خرج ماء صاف عن حرق أو عين أو غيره إال أن يشوبه دم أو قيح‪ .‬ولو وضع المريض‬
‫قطنة أو رباطاً على الجرح فلم يسل الدم ال يفسد الوضوء إال عند فك الرباط وحينئذ فقط ينفصل الدم‬
‫عن الجرح‪ ،‬كذلك يفسد الوضوء عند سيالن الدم حول ِ‬
‫العصابة (‪ ،)9‬وكذا لو تشربت القطنة القيح‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.115‬‬
‫(‪ )6‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ )7‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ )8‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.157‬‬
‫(‪ )9‬العصابة‪ :‬ك ّل ما شد به من منديل أو ِخ ْرقَة‪.‬‬

‫( ‪)1/63‬‬

‫‪ - 3‬القيء إن مأل الفم‪ ،‬مهما كان نوعه طعاماً أو دماً‪ ،‬ولو لم يتغير‪ .‬لحديث أبي الدرداء رضي اللّه‬
‫عنه‪( :‬إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قاء فتوضأ)‪ .‬قال أبو الدرداء‪ :‬فلقيت ثوبان في مسجد‬
‫دمشق فذكرت ذلك له فقال‪" :‬صدق أنا صببت له وضوءه" (‪ )1‬وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪:‬‬
‫قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من أصابه قيء أو رعاف (‪ )2‬أو َقْلس (‪ )3‬أو مذي‬
‫فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صالته وهو في ذلك ال يتكلم)(‪ .)4‬وضابط ملء الفم ما ال يمسكه‬
‫الفم ويطبق عليه بمشقة‪ ،‬وقيل ما يمنع الكالم‪ .‬ولو قاء على فترات يبلغ مجموعها ملء الفم ينقض‬
‫وضوؤه إذا اتحد المجلس عند اإلمام أبي يوسف‪ ،‬أما اإلمام محمد فيقول‪ S‬بانتقاضه ولو لم يتحد‬
‫المجلس بشرط اتحاد السبب للقيء‪.‬‬
‫ويكون القيء نجساً مطلقاً إن كان خارجاً من المعدة‪ ،‬أما لو كان خارجاً من المري قبل وصوله إلى‬
‫المعدة فليس بنجس كالصبي إذا تقيأ ساعة رضاعته فوراً‪ ،‬وكذا ماء فم النائم فهو ليس بنجس ولو كان‬
‫بحيث لو ُجمع لمأل الفم إال أن يكون منتناً أو أصفراً فهو نجس (‪ )5‬على قول اإلمام أبي يوسف‪ .‬أما‬
‫ماء فم الميت فنجس مطلقاً‪.‬‬
‫‪ - 4‬نزول دم من األسنان أو الفم إذا غلب البصاق أو ما ساواه‪ ،‬والعبرة باللون‪ .‬أما إن كان من‬
‫المعدة أو الرأس فهو ناقض مطلقاً بسيالنه إلى الفم وإ ن َّ‬
‫قل‪ ،‬وإ ن كان بشكل علقة فيعتبر فيه ملء‬
‫الفم‪.‬‬
‫‪ - 5‬لو مصت علقة عضواً فامتألت من الدم يفسد الوضوء‪ ،‬ويقاس عليها إبرة الدم حيث يخرج دم‬
‫كالبق والذباب‪.‬‬
‫مسفوح‪ ،‬أما إن كان قليالً فال ينقض ّ‬
‫‪ - 6‬المباشرة دون حائل‪ ،‬ألنه مظنة خروج المذي‪ ،‬والعبرة لوجود الشهوة إذا كانت فاحشة بتماس‬
‫فرجين ولو بين امرأتين أو رجلين أو رجل وصبي أو رجل وامرأة مع االنتشار ولو بال بلل‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نواقض الوضوء الحكمية‪ :‬أي أنها ليست إحداثاً بذاتها بل هي أسباب لألحداث وهي‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب الطهارة باب ‪.64/87‬‬
‫الرعاف‪ :‬سيالن الدم من األنف‪.‬‬
‫(‪ُّ )2‬‬
‫القْلس‪ :‬ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بِقَ ٍ‬
‫يء فإن عاد فهو قيء‪.‬‬ ‫(‪َ )3‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.137/1221‬‬
‫(‪ )5‬الفتوى على طهارته‪.‬‬

‫( ‪)1/64‬‬

‫‪ - 1‬نوم غير المتمكن‪ ،‬والناقض هنا عدم وعي الحدث لحديث علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬وكاء السَّه العينان‪ ،‬فمن نام فليتوضأ)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬القهقهة في الصالة تفسد الوضوء والصالة معاً‪ ،‬إذا كان المصلي بالغاً‪ ،‬لما روي عن معبد‬
‫رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪ :‬بينما هو في الصالة إذ أقبل أعمى يريد الصالة‪،‬‬
‫فوقع في زبية فاستضحك القوم حتى قهقهوا‪ S،‬فلما انصرف النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من كان‬
‫منكم قهقه فليعد الوضوء والصالة)(‪ .)2‬وضابط القهقهة أن يسمع َمن بجواره صوته‪ ،‬وإ ن لم يسمعه‬
‫من بجواره ففيه إعادة الصالة فقط‪ .‬وليس على التبسم شيء ألنه صلى اللّه عليه وسلم تبسم عندما‬
‫جاءه جبريل عليه السالم في الصالة وأخبره أن من صلى عليه مرة صلى اللّه عليه عشراً‪ ...‬ولم يعد‬
‫صالته‪.‬‬
‫والقهقهة مفسدة للوضوء زجراً ألنه انتهاك لحرمة الصالة لذا يشترط البلوغ ألن الصبي ال يعاقب‪.‬‬
‫وإ ذا قهقه اإلمام في الصالة أو أحدث عمداً بطلت صالته ووضوؤه وبطلت صالة المؤتمين‪ ،‬فإذا‬
‫ضحكوا قهقهة بعده ال يبطل وضوؤهم ألنهم تقهقهوا‪ S‬بعد فساد الصالة‪ .‬ولو كانت القهقهة عند السالم‬
‫ال يبطل الصالة بل تنقض الوضوء لخروجه بها من الصالة إال أنه تارك واجب السالم‪.‬‬
‫ضعف القوى ويستر العقل‪.‬‬
‫‪ - 3‬اإلغماء‪ :‬وهو مرض ُي ْ‬
‫‪ - 4‬الجنون‪ :‬وهو مرض يزيل العقل ويزيد القوى‪.‬‬
‫الس ْكر‪ :‬وهو ِخفّة يظهر أثرها بالتمايل وتلعثم الكالم‪.‬‬
‫‪ُّ - 5‬‬
‫ملحق‪ :‬هناك أشياء غير ناقضة للوضوء نجملها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ظهور دم لم يسل عن محل خروجه‪.‬‬
‫‪ - 2‬سقوط لحم من غير سيالن دم‪.‬‬
‫‪ - 3‬خروج دودة من غير السبيلين‪.‬‬
‫‪ - 4‬مس العورة‪ ،‬لحديث طلق بن علي رضي اللّه عنه قال‪ :‬قدمنا على نبي اللّه صلى اللّه عليه‬
‫مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ فقال‪:‬‬
‫وسلم ‪ ،‬فجاء رجل كأنه بدوي فقال‪ :‬يا نبي اللّه‪ ،‬ما ترى في ِّ‬
‫(هل هو إال مضغة منه أو قال‪ :‬بضعة منه)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.80/203‬‬
‫(‪ )2‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.167‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.71/182‬‬

‫( ‪)1/65‬‬

‫‪ - 5‬مس امرأة غير محرم مطلقاً‪ ،‬لحديث عائشة رضي اللّه عنها (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫ّقبل امرأة من نسائه‪ ،‬ثم خرج إلى الصالة‪ ،‬ولم يتوضأ)(‪ ،)1‬وألن تفسير {أو المستم النساء}(‪ )2‬في‬
‫اآلية المقصود به الجماع‪ ،‬لكن يندب الوضوء للخروج من الخالف‪.‬‬
‫‪ - 6‬قيء ال يمأل الفم‪.‬‬
‫‪ - 7‬قيء بلغم (‪ )3‬ولو كان كثيراً‪.‬‬
‫‪ - 8‬تمايل نائم احتمل زوال مقعدته‪ ،‬لما روي عن أنس رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان أصحاب رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينتظرون العشاء اآلخرة حتى تَ ِ‬
‫خفق رؤوسهم ثم يصلون وال يتوضؤون)(‪S‬‬
‫‪.)4‬‬
‫ٍّ‬
‫مصل قائماً أو راكعاً أو ساجداً على الهيئة المسنونة بأن أبدى ذراعيه وجافى بطنه عن‬ ‫‪ - 9‬نوم‬
‫فخذيه (ولو في غير الصالة على المعتمد) لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال يجب الوضوء على من نام جالساً أو قائماً أو ساجداً حتى يضع جنبيه‪ ،‬فإنه‬
‫إذا وضع جنبيه استرخت مفاصله)(‪ .)5‬وكذا ال ينقض وضوء من نام متوركاً أو محتبياً (‪ )6‬إذا‬
‫كانت مقعدته متمكنة‪ .‬وإ ال فعليه الوضوء بالنوم الذي ال يفهم معه الخطاب‪ .‬لما روي عن أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه قال‪" :‬ليس على المحتبي النائم وال على القائم النائم وال على الساجد النائم وضوء‬
‫حتى يضطجع فإذا اضطجع توضأ"(‪.)7‬‬
‫وال شبه المن ّكب على وجهه (‪.)8‬‬
‫ند إليه لسقط‬
‫وكذا نوم قاعد متم ّكن مستند إلى شيء كحائط أو وسادة بحيث لو زال أو أزيل المستَ ُ‬
‫الشخص‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪" :‬من نام وهو جالس فال وضوء عليه‪ ،‬وإ ن‬
‫اضطجع فعليه الوضوء"(‪.)9‬‬
‫ما يحرم بالحدث األصغر‪:‬‬
‫‪ - 1‬الصالة وكل ما كان مثلها كسجدة التالوة وسجدة الشكر وصالة الجنازة‪ ،‬لحديث أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال تقبل صالة من أحدث حتى يتوضأ)(‬
‫‪.)10‬‬
‫‪ - 2‬مس المصحف ولو آية‪ ،‬إال بغالف منفصل‪ S،‬لقوله تعالى‪{ :‬ال يمسه إال المطهرون}(‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.69/179‬‬
‫(‪ )2‬النساء‪.43 :‬‬
‫(‪ )3‬البلغم‪ :‬هو الرطوبة التي تخرج من الفم‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.80/200‬‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.121‬‬
‫(‪ )6‬المحتبي‪ :‬هو الذي يجمع ظهره وساقيه بعمامته أو يديه‪ ،‬ويضع قدميه على األرض ورأسه على‬
‫ركبتيه‪.‬‬
‫(‪ )7‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.123‬‬
‫(‪ )8‬أي من نام واضعاً إليته على عقبيه وبطنه على فخذيه‪.‬‬
‫(‪ )9‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.120‬‬
‫(‪ )10‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.2/135‬‬
‫(‪ )11‬الواقعة‪.79 :‬‬

‫( ‪)1/66‬‬

‫‪ - 3‬الطواف لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬الطواف حول‬
‫البيت مثل الصالة إال أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فال يتكلمن إال بخير)(‪.)1‬‬
‫تعقيبات‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن شك في بعض وضوئه أعاد إن لم يكن له عادة في الشك‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن تيقن الوضوء وشك بالحدث فهو متوضئ‪ S،‬أما لو تيقن الحدث وشك بالوضوء بعده فهو‬
‫محدث‪ .‬وذلك عمالً باليقين‪ .‬لما روى عباد بن تميم عن عمه رضي اللّه عنه قال‪ :‬شكي إلى النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصالة‪ .‬قال‪( :‬ال ينصرف حتى يسمع‬
‫صوتاً أو يجد ريحاً)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬إن شك في نجاسة ماء أو ثوب أو طالق أو ِعتْق لم يعتبر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحج باب ‪.112/960‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.26/98‬‬
‫( ‪)1/67‬‬

‫الباب الرابع (المسح على الخفين)‪.‬‬


‫‪ -‬الخف هو لباس القدم الساتر للكعبين‪ ،‬وأخذ من ِ‬
‫الخفَّة ألن الحكم فيه يخفف من الغسل إلى المسح‬
‫رخصة‪.‬‬
‫حكمه‪:‬‬
‫يجوز المسح على الخفين في الوضوء ال الغسل في سفر وحضر للرجال والنساء‪.‬‬
‫دليله‪:‬‬
‫ثبتت مشروعية المسح على الخفين بأحاديث كثيرة بلغت حد التواتر فزادت على ثمانين حديث‪ .‬لذا‬
‫ُيخشى على من أنكر مشروعيته الكفر‪ .‬ولو اعتقد المكلف جوازه ولكن تكلَّف نزعه يثاب على‬
‫العزيمة‪.‬‬
‫ومن األدلة‪ :‬ما روى المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه قال‪ :‬كنت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في‬
‫(د ْعهما فإني أدخلتهما طاهرتَْين‪ ،‬فمسح عليهما)(‪ .)1‬وعن صفوان‬
‫سفر‪ ،‬فأهويت ألنزع خفيه فقال‪َ :‬‬
‫بن عسال رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمرنا إذا كنا َسفراً أن ال ننزع‬
‫خفافنا ثالثة أيام ولياليهن إال من جنابة‪ ،‬ولكن من غائط وبول ونوم)(‪ .)2‬وقال اإلمام أبو حنيفة‬
‫رضي اللّه عنه‪" :‬ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مث ُل ضو ِء النهار"‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.48/203‬‬


‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب الطهارة باب ‪.71/96‬‬

‫( ‪)1/68‬‬

‫شروط جواز المسح على الخفين‪:‬‬


‫‪ - 1‬لبسهما بعد رفع الحدث عن القدمين‪ ،‬لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الحديث المتقدم‪:‬‬
‫(د ْعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) يعني قدميه‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ - 2‬كون الخفين ساترين للكعبين من الجوانب‪.‬‬
‫‪ - 3‬إمكان متابعة المشي فيهما فرسخاً أي ما يقدر بـ (‪ )5.5‬كم تقريباً‪.‬‬
‫ق يزيد على ثالث أصابع من أصغر أصابع القدم‪.‬‬ ‫خلو ك ّل منهما عن َخ ْر ٍ‬
‫‪ّ -4‬‬
‫‪ - 5‬استمساكهما على الرجلين من غير ِّ‬
‫شد‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن ال يشفّا الماء‪ ،‬فيجب أن يمنعا وصول‪ S‬الماء إلى القدمين‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن يبقى من قدمه ما يكفي للمسح‪ ،‬فإن كان مقطوع مقدم القدم ال يمسح الباقي بل يغسل‪.‬‬
‫مدة المسح على الخفين‪:‬‬
‫يمسح المقيم يوماً وليلى‪ ،‬ويمسح المسافر ثالثة أيام بلياليهن‪ ،‬لما روي عن شريح بن هانئ قال‪ :‬أتيت‬
‫عائشة رضي اللّه عنها أسألها عن المسح على الخفين فقالت‪ :‬عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان‬
‫يسافر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألناه فقال‪( :‬جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثالثة‬
‫أيام ولياليهن للمسافر‪ ،‬ويوماً وليلة للمقيم)(‪.)1‬‬
‫ولو مسح المكلف وهو مقيم ثم سافر تمم المدة إلى ثالثة أيام‪ ،‬ولو مسح وهو مسافر ثم أقام بعد يوم‬
‫وليلة انتهت مدة المسح‪.‬‬
‫أما المعذور فإذا لبس الخفين أثناء انقطاع عذره فمدة مسحه كغيره‪ ،‬وإ ن لبسهما أثناء استمرار عذره‬
‫انتهت مدة المسح في آخر الوقت الذي توضأ فيه‪.‬‬
‫وتبدأ مدة المسح من وقت الحدث الحاصل بعد لبس الخفين‪ ،‬ألنه منذ وقوع الحدث بدأ عمل الخفين‬
‫في منع سراية الحدث إلى الرجلين‪ ،‬فيصح لذلك رفع الحدث عنهما بالمسح دون الغسل‪ .‬وقيل‪ :‬إنها‬
‫تبدأ من وقت لبس الخفين‪ ،‬وقيل أيضاً إنها تبدأ من أول وضوء بعد لبسهما‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.24/85‬‬

‫( ‪)1/69‬‬

‫محل المسح على الخفين وكيفيته‪:‬‬


‫إن المطلوب هو مسح ظاهر الخفين وأعالهما فقط‪ ،‬لما روي عن علي رضي اللّه عنه قال‪( :‬لو كان‬
‫الخف أولى بالمسح من أعاله‪ ،‬وقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫ّ‬ ‫الدين بالرأي لكان أسفل‬
‫يمسح على ظاهر خفيه)(‪.)1‬‬
‫والمقدار المفروض مسحه هو ثالث أصابع من أصغر أصابع اليد‪.‬‬
‫يمرهما‬
‫مفرجتي األصابع قليالً‪ ،‬ثم ّ‬
‫كيفيته المسنونة‪ :‬أن يبدأ من رؤوس أصابع القدم‪ ،‬فيضع يديه َّ‬
‫خطوطاً على مشطي قدميه إلى ساقيه‪.‬‬
‫ولو بدأ من الساق أو مسح عرضاً صح ولكن خالف السنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.63/162‬‬

‫( ‪)1/70‬‬

‫نواقض المسح على الخفين‪:‬‬


‫‪ - 1‬كل ما ينقض الوضوء ينقض المسح‪ ،‬وفي هذه الحالة يتوضأ ويمسح إذا كانت المدة باقية‪.‬‬
‫‪ - 2‬نزعهما‪ ،‬فإذا نزع أحد الخفين انتقض المسح ولزمه نزع اآلخر وغسل رجليه‪.‬‬
‫‪ - 3‬إصابة الماء أكثر إحدى القدمين‪.‬‬
‫‪ - 4‬انقضاء المدة‪.‬‬
‫وفي الحاالت الثالث األخيرة ال يجب عليه الوضوء بل يكفي غسل القدمين‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬ال يجوز المسح على العمامة والقلنسوة والقفازين قياساً على الخفين‪ ،‬ألن المسح على‬
‫الخفين ثبت على خالف القياس‪ ،‬وما ثبت على خالف القياس فغيره عليه ال يقاس‪.‬‬
‫المسح على الجوربين‪:‬‬
‫دليله‪ :‬ما روى المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم توضأ ومسح‬
‫على الجوربين والنعلين)(‪.)1‬‬
‫ويشترط لجواز المسح على الجوربين أن يكونا منعلَّين أو مجلَّدين باالتفاق بين أئمة الحنفية‪.‬‬
‫أما إذا كانا غير منعلين وال مجلدين فيجوز المسح عليهما عند الصاحبين (‪ )2‬إذا كانا صفيقين‪)3( S‬‬
‫ثخينين ال يشفّان الماء‪ ،‬ويمكن متابعة المشي فيهما‪ ،‬فإن كانا رقيقين يشفّان الماء فال يجوز المسح‬
‫عليهما باالتفاق‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.61/159‬‬


‫(‪ )2‬وإ لى قولهما رجع اإلمام أبو حنيفة وعليه الفتوى‪.‬‬
‫نسجه‪.‬‬
‫الصفيق‪ :‬المتين‪ :‬ونقول‪ :‬ثوب صفيق أي كثيف ُ‬
‫(‪َّ )3‬‬

‫( ‪)1/71‬‬
‫المسح على الجبيرة‪:‬‬
‫الجبيرة‪ :‬هي كل ُش َّد على جرح أو كسر بخرقة أو خشب أو غيرها‪.‬‬
‫وكل من ال يستطيع غسل العضو أو مسحه ولو مرة واحدة جاز له المسح على الجبيرة‪ .‬ودليله‪ :‬ما‬
‫ي فسألت النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫روي عن علي رضي اللّه عنه قال‪ :‬انكسرت إحدى َز ْن َد َّ‬
‫(فأمرني أن أمسح على الجبائر)(‪.)1‬‬
‫وقال الفقهاء‪ :‬إن الحرج فيها فوق الحرج في نزع الخف فكانت أولى بشرع المسح‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬قيل هو فرض بدالً من غسل العضو المريض أو مسحه‪ ،‬لما روى ثوبان رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرية فأصابهم البرد‪ ،‬فلما قدموا على رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتّساخين)(‪ )2‬ولحديث علي رضي اللّه عنه المتقدم‪.‬‬
‫وال يجب فيه استيعاب‪ .‬وقال اإلمام‪ :‬إن المسح على الجبيرة واجب ألن العذر أسقط فرضية الغسل‬
‫ص بالظني الذي هو‬
‫يخ ُّ‬
‫عن العضو المصاب‪ ،‬وقد ثبتت فرضية غسل الصحيح بأمر قطعي فال ُ‬
‫حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (فيكون المسح على الجبيرة فرضاً عملياً لثبوته بظني‪ .‬وهذا‬
‫قولهما وإ ليه رجع اإلمام وعليه الفتوى)‪ .‬ولو ضره المسح على الجرح تركه دفعاً للحرج ألن الغسل‬
‫سقط بالعذر فالمسح أولى‪ ،‬وليس عليه إعادة صالة ولو كان الجرح بأعضاء التيمم‪.‬‬
‫فروق بين المسح على الخفين والمسح على الجبائر‪:‬‬
‫‪ - 1‬ال يشترط في الجبيرة وضعها على طهارة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ال يتقيد المسح على الجبيرة بمدة‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجوز مسح الجبيرة عن ِر ْجل وغسل األخرى‪.‬‬
‫‪ - 4‬ال يسقط حكم المسح بسقوط الجبيرة إال أن تسقط عن ُب ْرء‪ ،‬فلو سقطت عن برء أثناء الصالة‬
‫بطلت‪.‬‬
‫‪ - 5‬الجنابة والحدث سواء في حق الجبيرة بخالف المسح على الخفين‪.‬‬
‫‪ - 6‬المسح على الجبيرة مشروط بالعجز عن مسح الموضع ذاته أو غسله‪ ،‬وال يشترط هذا في‬
‫الخفين‪.‬‬
‫‪ - 7‬ال تُمسح العصابة السفلى إذا ُنزعت العليا‪ ،‬وال يبطل مسحها بابتالل ما تحتها‪ ،‬ويجوز تبديلها‬
‫بغيرها بعد مسحها وال يجب إعادة المسح عليها‪.‬‬
‫ضر حلُّه‪.‬‬
‫ويضاف إلى الجبيرة المسافات حول الرباط إن َّ‬
‫وضر بلُّها‬
‫َّ‬ ‫ويقاس على الجبيرة كل موضع فيه دواء على جرح يتعذر بلّه‪ ،‬وكذلك العين لو رمدت‬
‫مسح عليها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.134/657‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪ ،57/146‬والتّساخين‪ :‬الخفاف وال واحد لها‪.‬‬

‫( ‪)1/72‬‬

‫(الغ ْس ُل)‪.‬‬
‫الباب الخامس ُ‬
‫تعريف الغسل‪:‬‬
‫لغة‪ :‬تمام غسل الجسد‪ ،‬واسم للماء الذي يغتسل به‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬غسل البدن من جنابة أو حيض أو نفا (أي الغسل الذي هو فرض)‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وإ ن كنتم‬
‫جنباً فاطَّهروا}(‪.)1‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬النساء‪.43 :‬‬

‫( ‪)1/73‬‬

‫سبب الغسل‪ :‬إرادة ما ال يحل مع الحدث األكبر إال به‪.‬‬


‫حكم الغسل‪:‬‬
‫أ ‪ -‬فرض‪ :‬يكون الغسل فرضاً في الحاالت التالية (وهي موجباته)‪:‬‬
‫‪ - 1‬خروج المني بشهوة إلى ظاهر الجسد‪ ،‬لحديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‪( :‬إنما الماء من الماء)(‪ .)1‬إذا انفصل عن مقره أي عن الصلب للرجل‬
‫وعن الترائب (‪ )2‬للمرأة‪ .‬وال يشترط دوام الشهوة حتى يخرج المني إلى الظاهر بل يكفي وجودها‬
‫عند انفصاله من الصلب خالفاً ألبي يوسف‪.‬‬
‫وسواء كان نزول المني عن جماع أو احتالم أو نظر أو استمناء فإنه موجب للغسل‪ ،‬ودليل وجوب‬
‫الغسل حال االحتالم حديث أم سلمة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬جاءت أم سليم إلى النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم فقالت‪ :‬يا رسول اللّه إن اللّه ال يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬نعم إذا رأت الماء)‪ .‬فقالت أم سلمة‪ :‬يا رسول اللّه وتحتلم المرأة؟‬
‫ت يداك فبم يشبهها ولدها)(‪.)3‬‬
‫رب ْ‬
‫فقال‪( :‬تَ َ‬
‫وإ ذا استيقظ من النوم فوجد منياً ولم يتذكر احتالماً وجب عليه الغسل‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه‬
‫عنها قالت‪ :‬سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الرجل يجد البلل وال يذكر احتالماً‪ .‬قال‪:‬‬
‫(يغتسل)(‪ .)4‬أما من ذكر حلماً ولم ير بلالً فال غسل عليه‪.‬‬
‫ويوجب الغسل‪ :‬إنزال المني بوطء ميتة أو بهيمة أو إدخال إصبع فإن نزل المني وجب الغسل‬
‫لقصور الشهوة‪ .‬وكذا لو وجد المني بعد سكر أو إغماء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪ ،21/81‬ويقصد بالماء األول الغسل وبالثاني المني‪.‬‬
‫(‪ )2‬الترائب‪ :‬عظام الصدر‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.6/32‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب الطهارة باب ‪.82/113‬‬

‫( ‪)1/74‬‬

‫ولو خرج المني بدون شهوة عن مرض‪ ،‬أو تعب‪ ،‬أو حمل ثقيل‪ ،‬أو ضرب على الصلب‪ ،‬فال غسل‬
‫عليه‪ .‬وذلك لما روي عن مجاهد قال‪" :‬بيننا نحن أصحاب ابن عباس حلق في المسجد‪ ،‬طاووس‪،‬‬
‫وسعيد بن جبير‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬وابن عباس قائم يصلي‪ ،‬إذ وقف علينا رجل فقال‪ :‬هل من م ٍ‬
‫فت؟ فقلنا‪:‬‬ ‫ُ‬
‫سل‪ .‬فقال‪ :‬إني كلما بلت تبعه الماء الدافق‪ ،‬قلنا‪ :‬الذي يكون منه الولد؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلنا‪ :‬عليك الغسل‪،‬‬
‫علي بالرجل‪،‬‬
‫قال‪ :‬فولى الرجل وهو يرجع‪ ،‬قال‪ :‬وعجل ابن عباس في صالته‪ ،‬ثم قال لعكرمة‪َّ :‬‬
‫وأقبل علينا فقال‪ :‬أرأيتم ما أفتيتم به هذا الرجل عن كتاب اللّه؟ قلنا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فعن رسول اللّه صلى‬
‫فعمه؟‬
‫اللّه عليه وسلم؟ قلنا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فعن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قلنا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪َّ :‬‬
‫قلنا‪ :‬عن رأينا‪ ،‬قال‪ :‬فلذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬فقيه واحد أشد على الشيطان من‬
‫ألف عابد‪ .‬قال‪ :‬وجاء الرجل‪ ،‬فأقبل عليه ابن عباس فقال‪ :‬أرأيت إذا كان ذلك منك أتجد شهوة في‬
‫قبلك؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فهل تجد خدراً في جسدك؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬إنما هي إبردة يجزيك منها الوضوء"‪.‬‬
‫‪ - 2‬التقاء الختانين ولو بدون إنزال‪ ،‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫ومس الختان الختان‪ ،‬فقد وجب الغسل)(‪،)1‬‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا جلس بين ُشعبها األربع‪ّ ،‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا جلس بين شعبها‬
‫األربع وأجهد نفسه فقد وجب الغسل‪ ،‬أنزل أم لم ينزل)(‪.)2‬‬
‫وكذا يجب الغسل إذا كان اإليالج في الدبر‪ ،‬قال علي رضي اللّه عنه‪" :‬توجبون فيه الحد وال توجبون‬
‫فيه صاعاً من ماء"‪.‬‬
‫‪ - 3‬انقطاع الحيض والنفاس‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فاعتزلوا النساء في المحيض وال تقربوهن حتى‬
‫يطهرن‪ ،‬فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اللّه إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين}(‪.)3‬‬
‫ويجب الغسل بعد الوالدة ولو كانت بغير دم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.22/88‬‬
‫(‪ )2‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.112‬‬
‫(‪ )3‬البقرة‪.222 :‬‬

‫( ‪)1/75‬‬

‫‪ - 4‬الموت‪ :‬ووجوب الغسل بحق الميت المسلم فقط‪ ،‬وغسله فرض كفاية على المسلمين‪ ،‬لما روي‬
‫عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رجالً كان مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فوقصته ناقته وهو‬
‫محرم فمات فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬اغسلوه بماء ِ‬
‫وس ْدر)(‪.)1‬‬
‫ويجب الغسل احتياطاً لمن أصاب كل جسده نجاسة أو بعضه وخفي مكانها‪.‬‬
‫ب ‪ -‬سنة‪ :‬ويكون الغسل سنة ألمور‪:‬‬
‫‪ - 1‬لصالة الجمعة‪ ،‬لحديث عمر رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا‬
‫جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل)(‪ .)2‬والغسل للصالة فلو اغتسل ثم أحدث فتوضأ لم تحصل السنة‪،‬‬
‫وقيل الغسل لليوم‪.‬‬
‫‪ - 2‬لصالة العيدين‪ ،‬لما روى الفاكه بن سعد ‪ -‬وكانت له صحبة ‪ -‬رضي اللّه عنه أن رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم (كان يغتسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم الفطر ويوم النحر)(‪.)3‬‬
‫والحكمة من الغسل في أيام االجتماعات لدفع أذى الرائحة الكريهة‪.‬‬
‫‪ - 3‬للوقوف بعرفة بعد الزوال لفضل زمان الوقوف‪ ،‬للحديث المتقدم ولما روي عن عبد الرحمن‬
‫بن يزيد قال‪" :‬اغتسلت مع ابن مسعود يوم عرفة تحت األراك"(‪ .)4‬ويسقط عنه إن لم يجد ساتراً‪.‬‬
‫‪ - 4‬لإلحرام بالحج أو العمرة‪ ،‬والغاية منه التنظيف ال التطهير‪ ،‬لذا يسن للمرأة الحائض والنفساء‪.‬‬
‫وذلك لما روي عن زيد بن ثابت رضي اللّه عنه أنه (رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم تجرد إلهالله‬
‫واغتسل)(‪ .)5‬وال يتيمم بدله إن فقد الماء‪.‬‬
‫‪ - 5‬لإلسالم‪ ،‬إن أسلم وهو طاهر عن موجبات الغسل‪.‬‬
‫‪ - 6‬البلوغ بالسن ال باالحتالم‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬مندوب‪:‬‬
‫__________‬
‫والو ْقص‪َ :‬ك ْسر العنق‪.‬‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب اإلحصار وجزاء الصيد باب ‪َ ،32/1753‬‬
‫والسِّدر شجر َّ‬
‫النبق‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجمعة ‪.4/‬‬
‫(‪ )3‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.78‬‬
‫(‪ )4‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.153‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الحج باب ‪.16/830‬‬

‫( ‪)1/76‬‬

‫‪ - 1‬يندب الغسل لمن أفاق من جنون أو سكر أو إغماء‪ ،‬لما روي عن عبيد اللّه بن عبد اللّه قال‪:‬‬
‫دخلت على عائشة فقلت لها‪ :‬أال تحدثيني عن مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قالت‪ :‬بلى‪.‬‬
‫(ثقل النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬فقال‪ :‬أصلى الناس؟ قلنا‪ :‬ال‪ .‬وهم ينتظرونك يا رسول اللّه! قال‪:‬‬
‫ض ِب‪ .‬ففعلنا‪ .‬فاغتسل‪ .‬ثم ذهب َليُنوء فأغمي عليه‪ .‬ثم أفاق فقال‪ :‬أصلى‬ ‫ِ‬
‫ضعوا لي ماء في الم ْخ َ‬
‫الناس؟ قلنا‪ :‬ال‪ .‬وهم ينتظرونك يا رسول اللّه فقال‪ :‬ضعوا لي ماء في المخضب‪ .‬ففعلنا‪ .‬فاغتسل‪)..‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬إلحياء الليالي الوارد إحياؤها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كليلة النصف من شعبان‬
‫وليلة القدر‪.‬‬
‫‪ - 3‬بعد تغسيل الميت‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من‬
‫غسَّل ميتاً فليغتسل)(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬لصالة الكسوف والخسوف واالستسقاء وصالة الخوف‪.‬‬
‫‪ - 5‬لمن حكم عليه بالقتل‪ ،‬فيغتسل قبل أن ينفذ فيه الحكم‪.‬‬
‫‪ - 6‬للقادم من السفر‪.‬‬
‫‪ - 7‬للتائب من الذنب‪.‬‬
‫‪ - 8‬لمن أصابته نجاسة وخفي عليه مكانها‪.‬‬
‫‪ - 9‬لدخول مكة أو المدينة‪ ،‬فعن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه (كان ال يقدم مكة إال بات بذي‬
‫طوى‪ ،‬حتى يصبح ويغتسل‪ ،‬ثم يدخل مكة نهاراً ويذكر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه فعله)(‪.)3‬‬
‫‪ - 10‬لرمي الجمار‪.‬‬
‫‪ - 11‬للوقوف بمزدلفة‪.‬‬
‫‪ - 12‬لطواف الزيارة‪.‬‬
‫‪ - 13‬المستحاضة إذا انقطع عنها الدم‪.‬‬
‫‪ - 14‬بعد الحجامة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪ ،21/90‬ومعنى ِلَنوء‪ ،‬أي ليقوم وينهض‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب جنائز باب ‪.8/1463‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.38/227‬‬

‫( ‪)1/77‬‬

‫فرائض الغسل‪:‬‬
‫يفصل‬
‫للغسل ركن واحد وهو تعميم البدن بالماء‪ ،‬ويشمل الفرض العملي والفرض االعتقادي حيث لم ّ‬
‫فصل في فرائض الوضوء‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وإ ن كنتم جنباً فاطهروا}(‬
‫اللّه تعالى في فرائض الغسل كما ّ‬
‫‪ .)1‬والمبالغة في قوله تعالى‪{ :‬فاطهروا} تفيد غسل الجسم ظاهراً وباطناً‪ ،‬ويسقط ما ال يمكن لوجود‬
‫الحرج‪ .‬وعلى هذا فرائض الغسل هي‪:‬‬
‫وبشره بالماء الطاهر‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه‬
‫‪ - 1‬تعميم ما أمكن من البدن َش ْعره َ‬
‫أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر)(‪ .)2‬فيجب‬
‫تعهد ثنايا الجسم وتحت اإلبطين والشعر بالغسل‪.‬‬
‫‪ - 2‬المضمضة واالستنشاق‪ ،‬لما روى ابن عباس رضي اللّه عنهما عن خالته ميمونة قالت‪:‬‬
‫وضعت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غسالً فاغتسل من الجنابة وذكرت الحديث وفيه‪( :‬ثم‬
‫مضمض واستنشق‪ )3()..‬ويكفي‪ S‬في المضمضة الشرب َّ‬
‫عباً‪.‬‬
‫والسرة‪ ،‬لحديث عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه‬
‫ّ‬ ‫‪ - 3‬غسل الفرج الظاهر‬
‫عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة‪ ،‬يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه)(‪،)4‬‬
‫وعن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كان (‪ )5‬إذا اغتسل من الجنابة نضخ الماء في الماء عينيه‬
‫وأدخل إصبعه في سرته)(‪ .)6‬أخذ السادة األحناف من الحديث وجوب غسل السرة دون وجوب‬
‫غسل العينين‪.‬‬
‫‪ - 4‬إزالة ما يمنع من وصول الماء إلى الجسد‪.‬‬
‫‪ - 5‬غسل تحت الشعر وتبليغ الماء إلى أصول الشعر‪ ،‬ويفترض نقض المضفور من شعر الرجل‬
‫للغسل وتنقض المرأة ضفائرها إذا لم تتأكد من وصول‪ S‬الماء إلى أصل الشعر‪ ،‬بدليل ما روي عن أم‬
‫لغ ْسل الجنابة؟‬
‫ض ْف َر رأسي فأنقضه ُ‬
‫سلمة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬قلت يا رسول اللّه إني امرأة أشد َ‬
‫قال‪( :‬ال إنما يكفيك أن تَحثْي على رأسك ثالث َحثَيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين)(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النساء‪.43 :‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب الطهارة باب ‪.78/106‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.177‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.9/35‬‬
‫(‪ )5‬يقصد النبي صلى اللّه عليه وسلم‪.‬‬
‫(‪ )6‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.177‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.12/58‬‬

‫( ‪)1/78‬‬

‫سنن الغسل‪:‬‬
‫يسن في الغسل ما يسن في الوضوء عدا الترتيب‪.‬‬
‫‪ - 1‬التسمية قبل كشف العورة‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬ال صالة لمن ال وضوء له وال وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه تعالى عليه)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬النية‪ ،‬ليكون فعله قربة‪ ،‬واالبتداء بالتسمية يصاحب النية ألن النية فعل القبل والتسمية باللسان‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يبدأ المغتسل بيديه‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يزيل األذى والنجاسة إن كانت على بدنه‪.‬‬
‫‪ - 5‬غسل الفرج إن لم يكن به نجاسة لفعل النبي صلى اللّه عليه وسلم ‪ ،‬وليطمئن بوصول‪ S‬الماء إلى‬
‫الجزء الذي ينضم من فرجه حال القيام‪ .‬روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه‪،‬‬
‫ثم يتوضأ وضوءه للصالة‪ ،‬ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر‪ ،‬حتى إذا رأى أن قد‬
‫استبرأ حفن على رأسه ثالث َحفَنات‪ ،‬ثم أفاض على سائر جسده‪ ،‬ثم غسل رجليه)(‪.)2‬‬
‫‪ - 6‬أن يتوضأ وضوءه للصالة فيثلث الغسل ويمسح الرأس ويؤخر غسل الرجلين إن كان يقف حال‬
‫االغتسال في محل يجمع فيه الماء الحتياجه لغسلهما ثانية‪.‬‬
‫‪ - 7‬تعهد مواضع االنعطاف‪.‬‬
‫‪ - 8‬تخليل أصول الشعر ثالثاً بيده المبللة‪.‬‬
‫‪ - 9‬أن يفيض الماء على بدنه ثالثاً‪ ،‬فاإلفاضة سنة ألنه لو انغمس في ماء جار أو كثير طهر من‬
‫الجنابة حكماً‪.‬‬
‫‪ - 10‬البداية من الرأس ثم الطرف األيمن ثم األيسر‪ ،‬لحديث جبير بم مطعم رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫تذاكرنا غسل الجنابة عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‪( :‬أما أنا فآخذ ملء كفي ثالثاً فأصب‬
‫ْ‬
‫على رأسي ثم أفيضه بعد على سائر جسدي)(‪ .)3‬وعن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم (كان يتوضأ من الجنابة‪ ،‬ثم يدخل يده اليمنى في الماء‪ ،‬ثم يخلل بها شق رأسه األيمن‬
‫فيتبع أصول الشعر‪ ،‬ثم يفعل بشق رأسه األيسر بيده اليسرى كذلك يستبرئ البشرة‪ ،‬ثم يصب على‬
‫رأسه ثالثاً)(‪.)4‬‬
‫‪ - 11‬التكرار ثالثاً‪ ،‬وهو في الغسل أولى منه في الوضوء‪.‬‬
‫‪ - 12‬الدلك في المرة األولى ثم يصب الماء وهو واجب عند اإلمام أبي يوسف‪.‬‬
‫‪ - 13‬المواالة‪.‬‬
‫‪ - 14‬نقض الشعر للغسل سنة للمرأة إن أمكن التعميم بدونه‪ ،‬وإ ال فهو فرض كما ذكرنا‪ .‬ويصح بلة‬
‫العضو من العضو السابق (بانتقال الماء) في الغسل ولكن بشرط التقاطر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.48/101‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.9/35‬‬
‫(‪ )3‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.81‬‬
‫(‪ )4‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.175‬‬

‫( ‪)1/79‬‬

‫آداب الغسل‪:‬‬
‫‪ - 1‬استقبال القبلة على أن ال يكون مكشوف العورة حال االغتسال وإ ال فاألفضل عدم استقبالها‪.‬‬
‫‪ - 2‬عدم التكلم أثناء االغتسال ولو بدعاء‪.‬د‬
‫‪ - 3‬عدم اإلسراف في الماء أو التقتير فيه‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه بن مغفل رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬إنه سيكون في هذه األمة قوم يعتدون في‬
‫الطهور والدعاء)(‪.)1‬‬
‫‪ - 4‬أن يغتسل في مكان ال يراه فيه أحد‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يستتر قدر اإلمكان‪ ،‬لما روي عن يعلى رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬إن اللّه عز وجل حيِ ٌّي ِستّير‪ .‬يحب الحياء ِ‬
‫والستّر‪ .‬فإذا اغتسل أحدكم فليستتر)(‪ ،)2‬وذلك‬ ‫َ‬
‫سواء أكان وحده أو معه أحد من جنسه‪ .‬أما المرأة بين الرجال فتؤخر غسلها وتتيمم للصالة ثم تعيد‪.‬‬
‫ويجوز للمرأة أن تتجرد للغسل وكذا الرجل إذا كان المحل صغيراً جداً‪.‬‬
‫‪ - 6‬يستحب بعد الغسل صالة ركعتين كما في الوضوء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.197‬‬
‫منزه عن النقائص‪.‬‬
‫وحيي‪ :‬أي ّ‬
‫ّ‬ ‫الحمام باب ‪،2/412‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب ّ‬
‫( ‪)1/80‬‬

‫ما يحرم بالحدث األكبر‪:‬‬


‫‪ - 1‬يحرم بالحدث األكبر ما يحرم بالحدث األصغر وهو الصالة والسجود للتالوة والشكر‪ ،‬وكذلك‬
‫الطواف ‪ -‬فرضاً أو نفالً ‪ -‬ومس المصحف أو عالّقته‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ال يمسه إال المطهرون}(‪،)1‬‬
‫أما حمل المصحف تبعاً فال يمنع منه كأن كان في صندوق فال بأس للجنب أن يحمله‪.‬‬
‫‪ - 2‬قراءة القرآن قليالً كان أو كثيراً ولو بعض آية ما كانت بنية التالوة‪ ،‬لما روي عن علي رضي‬
‫اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ القرآن على كل حال ليس الجنابة)(‪،)2‬‬
‫الجنب‬
‫ولحديث ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال يقرأ ُ‬
‫مس القرآن‬
‫والحائض شيئاً من القرآن)(‪ .)3‬تحرم قراءة القرآن على الجنب دون المحدث‪ ،‬بخالف ّ‬
‫فإنه يحرم على الجميع‪ ،‬ألن الحدث َّ‬
‫حل الجسم والجنابة حلت الفم‪.‬‬
‫أما قراءة آيات الذكر في القرآن بنية الذكر فجائزة‪ ،‬كقوله عند المصيبة‪" :‬إنا للّه وإ نا إليه راجعون"‪،‬‬
‫أو حتى قرأ آية الكرسي بنية الذكر أو قرأ بعض آية في حديثه ومواعظه يقصد بها الذكر فال يحرم‬
‫بشرط أن يكون في اآلية أو بعضها ذكر كقوله "الحمد للّه رب العالمين"‪.‬‬
‫‪ - 3‬دخول المسجد‪ ،‬وذلك لحديث أم سلمة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫ص ْر َحة (‪ )4‬هذا المسجد فنادى بأعلى صوته‪ :‬إن المسجد ال يحل لجنب وال لحائض)(‪ .)5‬فال‬
‫وسلم َ‬
‫يجوز للجنب دخول المسجد مطلقاً سواء للعبور أو المكث‪ ،‬إال عند الضرورة‪ ،‬كما إذا كان الماء في‬
‫وي ْعُبر‪.‬‬
‫المسجد وال يوجد غيره أو كان داره داخل المسجد‪ ،‬فيتيمم َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الواقعة‪.79 :‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.144‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.105/596‬‬
‫َّرحة من األرض‪ :‬ما استوى وظهر‪.‬‬
‫(‪ )4‬الص ْ‬
‫(‪ )5‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.126/645‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.93/232‬‬

‫( ‪)1/81‬‬
‫الباب السادس (التََي ُّمم)‪.‬‬
‫ف عن الوضوء والغسل‪ ،‬وهو من خصائص األمة‪.‬‬
‫‪ -‬التيمم َخلَ ٌ‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫آمين البيت‬
‫لغة‪ :‬القصد‪ ،‬قال اللّه تعالى‪{ :‬وال تيَّمموا الخبيث منه تُنفقون}(‪ )1‬وقال أيضاً‪{ :‬وال ّ‬
‫الحرام}(‪.)2‬‬
‫شرعاً‪ :‬قصد صعيد مطهِّر واستعماله حقيقة أو حكماً بصفة مخصوصة‪.‬‬
‫معنى التعريف‪:‬‬
‫‪ - 1‬القصد هو النية‪ ،‬وهي شرط في التيمم‪.‬‬
‫‪ - 2‬صعيد مطهِّر احترز بقوله مطهر عن األرض التي وقعت عليها نجاسة وجفت؛ فتكون طاهرة‬
‫غير مطهرة‪.‬‬
‫‪ - 3‬استعماله حقيقة في التراب وحكماً في الحجر األملس‪.‬‬
‫‪ - 4‬الصفة المخصوصة هي كيفية التيمم المأثورة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.267 :‬‬
‫(‪ )2‬المائدة‪.2 :‬‬

‫( ‪)1/82‬‬

‫دليله‪:‬‬
‫ثبتت مشروعية التيمم بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫أما الكتاب فقوله تعالى‪{ :‬وإ ن كنتم مرضى أو على سفر‪ ،‬أو جاء أحد منكم من الغائط أو المستم‬
‫النساء‪ ،‬فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيباً}(‪.)1‬‬
‫طيت‬
‫ُع ُ‬ ‫وأما السنة‪ ،‬فحديث جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬أ ْ‬
‫طهُوراً فأيُّما‬
‫وجعلت لي األرض مسجداً و َ‬ ‫ِ‬ ‫ط َّ‬
‫بالرعب مسيرة شهر ُ‬ ‫هن أحد قبلي‪ُ ،‬نصرت ّ‬ ‫خمساً لم ُي ْع َ‬
‫تحل ألحد قبلي‪ ،‬وأُعطيت الشفَّاعة‪،‬‬ ‫ُحلَّت لي المغانم ولم َّ‬
‫فليصل‪ ،‬وأ ِ‬
‫ِّ‬ ‫رجل من أمتي أدركته الصالة‬
‫عامة)(‪.)2‬‬
‫وبعثت إلى الناس ّ‬
‫وكان النبي ُيبعث إلى قومه خاصة ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النساء‪.43 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب التيمم باب ‪.1/328‬‬
‫( ‪)1/83‬‬

‫سبب التيمم‪:‬‬
‫إرادة ما ال يحل إال به‪ ،‬فعن عمران بن حصين رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫(رأى رجالً معتزالً‪ ،‬لم يص ّل في القوم فقال‪ :‬يا فالن‪ ،‬ما منعك أن تصلي في القوم‪ .‬فقال‪ :‬يا رسول‬
‫اللّه‪ ،‬أصابتني جنابة وال ماء قال‪ :‬عليك بالصعيد فإنه يكفيك)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب التيمم باب ‪.7/341‬‬

‫( ‪)1/84‬‬

‫شروط صحة التيمم‪:‬‬


‫يصح التيمم بشروط ثمانية هي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬النية‪ :‬وهي شرط في التيمم دون الوضوء‪ ،‬ألن الماء مطهِّر بطبعه فال يحتاج إلى النية بخالف‬
‫التراب فهو ملوث باألصل فال يصير مطهِّراً إال بالنية‪.‬‬
‫والنية‪ :‬عقد القلب على إيجاد الفعل جزماً‪.‬‬
‫وقتها‪ :‬عند ضرب يده على ما يتيمم به‪ ،‬أو عند مسح أعضائه بتراب أصابها‪.‬‬
‫شروط صحتها‪:‬‬
‫‪ .1‬اإلسالم ليصير الفعل سبباً للثواب‪.‬‬
‫‪ .2‬التمييز ليفهم ما يتكلم به‪.‬‬
‫‪ .3‬العلم بما ينويه‪.‬‬
‫صيغتها‪:‬‬
‫‪ .1‬نية الطهارة من الحدث القائم‪.‬‬
‫‪ .2‬نية استباحة الصالة‪.‬‬
‫‪ .3‬نية استباحة عبادة مقصودة ال تصح إال بطهارة‪.‬‬

‫( ‪)1/85‬‬
‫ولو قيد النية بأن نوى التيمم لقربة ال ُيشترط لها الطهارة من الحدث األصغر كدخول المسجد أو‬
‫قراءة القرآن من الذاكرة‪ ،‬فال تصح به الصالة ألن نية األدنى ال تكون نية لألعلى‪ ،‬بعكس ما لو نوى‬
‫التيمم للصالة فإنه يصح له بهذا التيمم كل األعمال‪ .‬ولو تيمم للدخول في اإلسالم فال تصح الصالة‬
‫بهذا التيمم‪ ،‬إال عند اإلمام أبي يوسف فتجوز‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬وجود عذر مبيح للتيمم‪:‬‬
‫فرسخ(‪ .)1‬ويجب عليه قبل أن يتيمم أن يطلب‬
‫ٍ‬ ‫ً‪ُ - 1‬ب ْع ُد الشخص ميالً عن الماء‪ ،‬وهو ما يعادل ثلث‬
‫ظن قربه بمقدار (‪ )400‬خطوة‪ ،‬أو أن يطلبه من رفقته‪ ،‬كما يلزمه شراؤه بثمن مثله وبغبن‬
‫الماء إن ّ‬
‫يسير إن كان معه فاضالً عن نفقته‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬المرض‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪" :‬رخص للمريض التيمم بالصعيد"‪.‬‬
‫وهناك حاالت‪:‬‬
‫إن كان في استعماله حصول المرض‪ ،‬أو اشتداده‪ ،‬أو بطء في الشفاء‪ ،‬بتجربة أو‬
‫أ ‪ -‬ضرر الماء ْ‬
‫إخبار طبيب مسلم َع ْدل (‪ .)2‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله‪{ :‬وإ ن كنتم مرضى‬
‫أو على سفر} قال‪" :‬إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل اللّه أو القروح أو الجدري فيجنب فيخاف أن‬
‫يموت إن اغتسل‪ ،‬يتيمم"(‪.)3‬‬
‫ب ‪ -‬عجزه عن التحرك الستعمال الماء (كمن أجري له عمل جراحي)‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬عجزه عن الفعل بنفسه كالمقعد أو المشلول‪ ،‬ففي هذه الحالة‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن لم يجد من يوضئه جاز له التيمم إجماعاً‪ ،‬قال الحسن "في المريض عنده الماء وال يجد من‬
‫يناوله يتيمم"(‪.)4‬‬
‫‪ - 2‬وجد من يوضئه لكنه ليس من أهل طاعته جاز له التيمم‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن وجد من يطيعه فمختلف فيه (ال يجب على أحد الزوجين أو يوضئ صاحبه وال أن يتعهده‬
‫فيما يتعلق بالصالة‪ ،‬وال يعتبر أحدهما قادراً بقدرة اآلخر)‪.‬‬
‫د ‪ -‬مريض مرضاً ال يستطيع الوضوء وال التيمم بنفسه أو بغيره‪:‬‬
‫‪ - 1‬ال يصلي حتى يقدر على أحدهما برأي اإلمام‪.‬‬
‫‪ - 2‬قال اإلمام أبو يوسف يصلي ت ّشبهاً ويعيد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ثلث الفرسخ يساوي (‪ )4000‬خطوة (أي ما يعادل مسيرة نصف ساعة) وهو يساوي ‪1847‬‬
‫متر‪.‬‬
‫صر على الصغائر‪.‬‬
‫(‪ )2‬العدل‪ :‬من ال كبيرة له‪ ،‬كما أنه ال ُي ّ‬
‫(‪ )3‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.177‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب التيمم باب ‪.2‬‬
‫( ‪)1/86‬‬

‫ً‪ - 3‬إن كان نصف البدن أو أكثر جريحاً‪ ،‬وتعتبر الكثرة بعدد األعضاء؛ فلو كانت الجراحة بالرأس‬
‫والوجه واليدين جراحة ولو قليلة‪ ،‬يتيمم‪.‬‬
‫بمر يده على الجسد‪ ،‬فإن لم يستطع‬
‫أما إذا كان أكثر البدن صحيحاً‪ ،‬غسل الصحيح ومسح الجريح ّ‬
‫ضره المسح تركه‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪" :‬من كان له جرح‬
‫فبخرقة‪ ،‬وإ ن َّ‬
‫معصوب عليه توضأ ومسح على العصائب ويغسل ما حول العصائب"(‪.)1‬‬
‫وإ ن كانت الجراحة في بطنه ويضره استعمال الماء صار كغالب الجراحة حكماً للضرورة‪ .‬وال‬
‫يصح أن يجمع بين الغسل والتيمم‪.‬‬
‫ً‪َ - 4‬ب ْرد شديد غلب على الظن تلف بعض األعضاء بسببه‪ ،‬وهذا غالباً ما يكون خارج المصر‪ ،‬أي‬
‫العمران‪ ،‬إذ أن تسخين الماء في البيت ممكن‪ .‬وقد يكون في المصر لكن ال يجد ما يسخن به الماء‪.‬‬
‫وذلك لما روي عن عمرو بن العاص رضي اللّه عنه قال‪" :‬احتلمت في ليلة باردة‪ ،‬في غزوة ذات‬
‫السالسل‪ ،‬فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح‪ ،‬فذكروا ذلك للنبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪( :‬يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟) فأخبرته بالذي منعني من االغتسال‬
‫وقلت‪ :‬إني سمعت اللّه يقول‪{ :‬وال تقتلوا أنفسكم إن اللّه كان بكم رحيماً} فضحك رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم ولم يقل شيئاً)(‪.)2‬‬
‫ً‪ - 5‬خوف عدو آدمي أو غيره على ماله أو نفسه‪ ،‬أو خوف فاسق عند الماء‪.‬‬
‫‪ - ً 6‬عنده ماء قليل لكن خاف على نفسه أو ما معه من حيوانات العطش‪ .‬لما روي عن علي رضي‬
‫اللّه عنه قال‪" :‬في الرجل يكون في السفر‪ ،‬فتصيبه الجنابة ومعه الماء القليل يخاف أن يعطش‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يتيمم وال يغتسل"(‪.)3‬‬
‫ً‪ - 7‬خوف فوت صالة الجنازة أو عيد ولو جنباً يتيمم لهما‪ ،‬ألنهما تفوتان بال َخلَف‪.‬‬
‫لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما "أنه أتي بجنازة وهو على غير وضوء فيتمم ثم صلى‬
‫عليها"(‪.)4‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.288‬‬


‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.126/334‬‬
‫(‪ )3‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.202‬‬
‫(‪ )4‬الجوهر النقي (ذيل السنن الكبرى للبيهقي)‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.230‬‬
‫( ‪)1/87‬‬

‫الم ْنبِت والرمل والحجر والعقيق ولو لم يكن‬


‫ثالثاً‪ :‬أن يكون التيمم بطاهر من جنس األرض‪ ،‬كالتراب ُ‬
‫عليها غبار‪ .‬وكل ما يحترق بالنار ليس من جنس األرض‪ ،‬وكذا كل ما ينطبع ويلين بالنار ليس من‬
‫جنس األرض أيضاً كالذهب والفضة‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فتيمموا صعيداً طيباً}(‪ )1‬والصعيد اسم لوجه‬
‫األرض تراباً كان أو حجراً وقال تعالى‪{ :‬صعيداً زلقاً}(‪ )2‬أي حجراً أملس‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬استيعاب الوجه واليدين بالمسح‪ .‬فيجب نزع الخاتم ولو واسعاً والسوار الضيق وتخليل‬
‫األصابع‪ ،‬ألن التيمم قائم مقام الوضوء فيشترط فيه ما يشترط في الوضوء‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬أن يمسح األعضاء بجميع اليد أو بأكثرها‪ ،‬فال يجزئ المسح بأقل من ثالث أصابع‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬أن يكون التيمم بضربتين بباطن الكفين‪ ،‬لحديث عمار بن ياسر رضي اللّه عنهما (أنه كان‬
‫يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصعيد لصالة الفجر فضربوا بأكفهم‬
‫الصعيد‪ ،‬ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة‪ ،‬ثم عادوا‪ ،‬فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا‬
‫بأيديهم كلها إلى المناكب واآلباط من بطون أيديهم)(‪ .)3‬ويقوم مقام الضربتين إذا أصاب التراب‬
‫جسده فمسحه بنية التيمم‪ .‬وقوله‪ :‬ضربتان خرج مخرج الغالب‪ ،‬والمهم هو مسح الوجه واليدين‬
‫بالغبار بنية التيمم‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬انقطاع ما ينافي الطهارة من حيض أو نفاس أو حدث‪.‬‬
‫ثامناً‪ :‬زوال ما يمنع المسح على البشرة كشمع أو شحم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المائدة‪.6 :‬‬
‫(‪ )2‬الكهف‪.40 :‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.123/318‬‬

‫( ‪)1/88‬‬

‫شروط وجوب التيمم‪:‬‬


‫‪ - 1‬العقل‪.‬‬
‫‪ - 2‬البلوغ‪.‬‬
‫‪ - 3‬اإلسالم‪.‬‬
‫‪ - 4‬وجود الحدث‪.‬‬
‫‪ - 5‬عدم المنافي‪.‬‬
‫‪ - 6‬ضيق الوقت مع وجود العذر المبيح‪.‬‬
‫‪ - 7‬القدرة على ما يجوز به التيمم‪.‬‬
‫أركان التيمم‪:‬‬
‫للتيمم ركنان‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم}(‪.)1‬‬
‫الركن األول‪ :‬مسح الوجه‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬مسح اليدين إلى المرفقين‪ .‬وجاءت اآلية في اليدين مطلقاً بينما جاءت آية الوضوء‬
‫مقيدة بالمرفقين فحمل المطلق على المقيد‪ ،‬وقد وردت أحاديث صحيحة تدل على أن المسح إلى‬
‫المرفقين فقط‪ ،‬فعن أبي جهم رضي اللّه عنه قال‪( :‬أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بئر‬
‫جمل إما من غائط أو من بول‪ .‬فسلمت عليه فلم يرد علي السالم‪ .‬فضرب الحائط بيده ضربة فمسح‬
‫بها وجهه‪ ،‬ثم ضرب أخرى فمسح بها ذراعيه إلى المرفقين ثم رد علي السالم)(‪ .)2‬وعن ابن عمر‬
‫رضي اللّه عنهما قال‪" :‬التيمم ضربتان‪ ،‬ضربة للوجه‪ ،‬وضربة لليدين إلى المرفقين"(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المائدة‪.6 :‬‬
‫(‪ )2‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.177‬‬
‫(‪ )3‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.180‬‬

‫( ‪)1/89‬‬

‫كيفية التيمم‪:‬‬
‫ذكر اإلمام األعظم كيفية التيمم عندما سأله عنها اإلمام أبو يوسف فقال‪" :‬أن يضرب المتيمم بيديه‬
‫على األرض ضربة واحدة ُي ْقبِل بهما ويدبر‪ ،‬ثم يرفعهما وينفضهما أو ينفخ فيهما‪ ،‬ثم يمسح بهما‬
‫وجهه‪ ،‬ثم يضرب بهما األرض مرة أخرى فيقبل بهما ويدبر‪ ،‬ثم ينفضهما‪ ،‬ثم يمسح بأربع أصابع يده‬
‫اليسرى ظاهر يده اليمنى من رؤوس األصابع إلى المرفق‪ ،‬ثم يمسح بكفه اليسرى باطن يده اليمنى‬
‫ويمر بباطن إبهام يده اليسرى على ظاهر إبهام يده اليمنى‪ ،‬ثم يفعل باليسرى كذلك"‪.‬‬
‫وهذه هي الكيفية سواء أكان عن الوضوء أم الغسل‪ ،‬لما روي عن عمار بن ياسر رضي اللّه عنهما‬
‫فتمرغت في الصعيد‬
‫قال‪ :‬بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء‪َّ .‬‬
‫كما تَ َمرغ الدابة‪ ،‬ثم أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال‪( :‬إنما كان يكفيك أن تقول‬
‫بيديك هكذا‪ .‬ثم ضرب بيديه ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفَّْيه ووجهه)(‪،)1‬‬
‫وللحديث المتقدم‪( :‬التيمم ضربتان‪ ،‬ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.28/110‬‬

‫( ‪)1/90‬‬

‫سنن التيمم‪:‬‬
‫‪ - 1‬التسمية في أوله‪.‬‬
‫‪ - 2‬الترتيب‪ ،‬بأن يبدأ بالوجه ثم اليدين‪ ،‬لحديث أبي جم المتقدم‪.‬‬
‫المواالة‪.‬‬
‫‪ - -3‬التيامن‪ ،‬لحديث عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يعجبه التيمن‬
‫في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله)(‪.)1‬‬
‫‪ - 4‬اإلقبال باليدين وإ دبارهما ونفضهما‪ ،‬لحديث عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه‪ ،‬وفيه (أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم ضرب بكفيه األرض‪ ،‬ونفخ فيهما‪ ،‬ثم مسح بهما وجهه وكفيه)(‪.)2‬‬
‫‪ - 5‬تفريج األصابع‪.‬‬
‫‪ - 6‬يندب تأخير التيمم حتى آخر الوقت لمن يرجو أن يجد الماء قبل فوات الصالة‪ ،‬لما روي عن‬
‫تلوم ما بينه وبين آخر الوقت‪ ،‬فإن لم يجد الماء‬
‫علي رضي اللّه عنه قال‪" :‬إذا أجنب الرجل في السفر َّ‬
‫تيمم وصلى"(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.30/166‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب التيمم باب ‪.3/331‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.233‬‬

‫( ‪)1/91‬‬

‫صفة التيمم‪:‬‬
‫التيمم بدل عن الوضوء (‪ ،)1‬فهو يرفع الحدث إلى وقت وجود الماء‪ ،‬وذلك لحديث أبي ذر رضي‬
‫طهور المسلم‪ ،‬وإ ن لم يجد‬
‫اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إن الصعيد الطيب َ‬
‫فليمسه بشرته فإن ذلك خير)(‪.)2‬‬
‫الماء عشر سنين‪ ،‬فإن وجد الماء ُ‬
‫ويترتب على هذا ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬يصح التيمم قبل دخول الوقت أو بعده‪ ،‬لعموم قوله تعالى‪{ :‬فلم تجدوا ماء فتيمموا}يدل على‬
‫جوازه قبل الوقت وكما جاز الوضوء قبله فكذا التيمم البد منه (‪.)3‬‬
‫‪ - 2‬يصلي المتيمم ما شاء من الفرائض والنوافل‪.‬‬
‫‪ 3‬يصلي المتيمم فرضي صالة أو أكثر‪ ،‬ويجوز أن يتيمم للفريضة أو النافلة‪ ،‬واأل َْولى أن يتيمم لكل‬
‫فرض وبعد دخول الوقت للخروج من خالف الفقهاء‪.‬‬
‫‪ - 4‬ال يجمع بين الغسل والتيمم‪ ،‬ألنه ال يجوز شرعاً أن يجمع بين البدل والمبدل‪.‬‬
‫يجوز أن يقتدي المتوضئ بالمتيمم عند اإلمام أبي حنيفة واإلمام أبي يوسف خالفاً لإلمام محمد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وعند السادة الشافعية بدل ضروري‪.‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.92/124‬‬
‫(‪ )3‬الجوهر النقي ذيل السنن الكبرى للبيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.222‬‬

‫( ‪)1/92‬‬

‫نواقض التيمم‪:‬‬
‫‪ - 1‬ينقض التيمم كل ما ينقض الوضوء والغسل‪ ،‬ألن ناقض األصل ناقض البدل‪.‬‬
‫‪ - 2‬زوال العذر المبيح للتيمم‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا وجد الماء أثناء الصالة بطلت صالته‪ ،‬أما لو وجده بعد الصالة صحت وال تجب اإلعادة في‬
‫حقه ال في الوقت وال في بعده‪ .‬لما روي عن نافع قال‪" :‬تيمم ابن عمر على رأس ميل أو ميلين من‬
‫المدينة فصلى العصر فقدم والشمس مرتفعة فلم يعد الصالة"(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.186‬‬

‫( ‪)1/93‬‬

‫اضة)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫(الح ْيض ِّ‬


‫واالست َح َ‬
‫ْ‬ ‫والنفاس‬ ‫الباب السابع َ‬
‫‪ -‬إن معرفة مسائل الحيض والنفاس مهمة جداً لما يترتب عليها من أحكام‪ :‬كالطهارة‪ ،‬والصالة‪،‬‬
‫والقراءة‪ ،‬والصوم‪ ،‬واالعتكاف‪ ،‬والحج‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والوطء‪ ،‬والطالق‪ِ ،‬‬
‫والع ّدة واالستبراء‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬الحيض‪:‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫لغة‪ :‬السيالن‪ ،‬يقال حاض الوادي إذا سال ماؤه‪ ،‬وحاضت الشجرة إذا نزل منها الصمغ‪.‬‬
‫شرعاً‪:‬‬
‫‪ - 1‬من حيث هو حدث‪ :‬صفة شرعية مانعة لما تشترط له الطهارة‪.‬‬
‫داء بها وال َحَبل ولم يبلغ سن اليأس‪.‬‬
‫‪ - 2‬من حيث هو نجس‪ :‬دم يخرج من رحم امرأة بالغة ال َ‬
‫صفته‪ :‬دم أسود ل ّذاع كريه الرائحة‪.‬‬
‫سبب الحيض‪ :‬ما ورد في حديث عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪( :‬إن هذا أمر كتبه اللّه على بنات آدم)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪1/290‬‬

‫( ‪)1/94‬‬

‫ركن الحيض‪ :‬بروز الدم إلى خارج الفرج‪( .‬وقال اإلمام محمد إنه يثبت بإحساس المرأة ولو لم ينزل‬
‫إلى الفرج الخارج‪ ،‬فيجب عليها إعادة يوم رمضان إن أحست بنزول الدم إلى الفرج ولو لم َتر الدم‬
‫قبل الغروب) أما عند اإلمام والمفتى‪ S‬به أنه ال يثبت الحيض إال برؤية الدم‪.‬‬
‫شروط الحيض‪:‬‬
‫‪ - 1‬تقدم نصاب الطهر وهو خمسة عشر يوماً ولو حكماً‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يدوم ثالثة أيام بلياليها على األقل‪ ،‬فإذا انقطع قبل مضي ثالثة أيام تتوضأ وتصلي ما فاتها‬
‫ألنه حينذاك ال يكون حيضاً‪ .‬وال يشترط أن يستمر الدم دون انقطاع بل العبرة ألوله وآخره‪.‬‬
‫مدة الحيض‪:‬‬
‫أقل الحيض ثالثة أيام بلياليهن‪ ،‬وأكثره عشرة أيام بلياليها‪ .‬وما نقص عن الثالث أو زاد على العشرة‬
‫فترد إلى عادتها‪ .‬واستُدل على ذلك بعدة أحاديث أكثرها‬
‫فهو استحاضة‪ ،‬إال أن تكون لها عادة ّ‬
‫موقوف (‪ )1‬أو في إسناده ضعف‪ ،‬إال أن ُّ‬
‫تعدد طرق الحديث يرفعه ويقويه‪ .‬ومن هذه األحاديث ما‬
‫روي عن أبي أمامة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أقل ما يكون من‬
‫المحيض للجارية البكر والثيب ثالث‪ ،‬وأكثر ما يكون المحيض عشرة أيام‪ ،‬فإذا رأت الدم أكثر من‬
‫عشرة أيام فهي مستحاضة)(‪.)2‬‬
‫وعن واثلة بن األسقع رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أقل الحيض ثالثة‬
‫أيام وأكثره عشرة أيام)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحديث الموقوف‪ :‬هو ما روي عن الصحابي من قول له أو فعل أو تقرير متصالً كان أو‬
‫منقطعاً‪ .‬واشترط بعضهم أن يكون متصل اإلسناد إلى الصحابي غير منقطع‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.218‬‬
‫(‪ )3‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.219‬‬

‫( ‪)1/95‬‬

‫ألوان الحيض‪ُ :‬يعد ما تراه الحائض من األلوان في مدة حيضها حيض‪ ،‬لما روي أن النساء كن يبعثن‬
‫عائشة ُّ‬
‫بالدرجة فيها ال ُك ْر ُسف فيه الصفرة فتقول‪" :‬ال تعجْل َن حتى ترين القَصَّة البيضاء"(‪ .)1‬تريد‬
‫بذلك الطهر من الحيضة‪ .‬والمعتمد أن الكدرة حيض في أوله وآخره‪ ،‬وقال اإلمام أبو يوسف‪ :‬هي‬
‫قبل الدم طُ ْهر وبعده حيض‪ .‬والمعتمد باللون حال الرؤية ال بعد التغير‪.‬‬
‫ويستحب وضع القطن للمرأة في حالة الحيض للبكر‪ ،‬وفي حالة الحيض والطهر للثيب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪ ،19‬والكرسف‪ :‬القطن‪.‬‬

‫( ‪)1/96‬‬

‫ثانياً‪ :‬النِفّاس‪:‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫لغة‪ :‬الوالدة‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬هو الدم الخارج عقب الوالدة‪ ،‬أو هو خروج أكثر الولد ولو َس ْقطاً بشرط أن يكون متخلقاً (‬
‫‪ .)1‬ولو أخرج الولد عن غير طريق الفرج إن سال الدم عقب والدتها من الرحم فنفساء وإ ال فذات‬
‫جرح ال تعطى حكم النفساء‪.‬‬
‫__________‬
‫والس ْقط‪ :‬الوليد لغير تمام‪ ،‬والتخلق يكون بعد الثمانين يوماً‪.‬‬
‫الس ْقط ِّ‬
‫(‪َّ )1‬‬

‫( ‪)1/97‬‬
‫مدته‪ :‬ال حد ألقله عند جمهور العلماء‪ ،‬فقد ينقطع حال استهالل المولود‪ .‬وأكثر النفاس أربعين يوماً‬
‫بلياليها‪ ،‬لما روت أم سلمة رضي اللّه عنها قالت‪" :‬كانت النفساء تجلس على عهد رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم أربعون يوماً"(‪ ،)1‬وعن أنس رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم وقّت للنفساء أربعين يوماً إال أن ترى الطهر قبل ذلك)(‪.)2‬‬
‫فترد إلى عادتها فإذا رأت الدم أكثر‬
‫وما زاد على أربعين يوماً فهو استحاضة‪ ،‬إال أن يكون لها عادة ّ‬
‫من عادتها يتبع النفاس‪ ،‬فإذا انقطع قبل األربعين أو عنده دل على تغير عادتها‪ ،‬وإ ن استمر بعد‬
‫األربعين تقضي ما زاد على عادتها من الصالة والصوم‪.‬‬
‫النفساء لتوأمين‪ :‬يجب أن يكون بين الولدين أقل من ستة أشهر‪ ،‬ويعتبر النفاس من والدة األول‪ .‬فلو‬
‫وضعت الثاني بعد األربعين فال نفاس لها بعد الثاني بل تغتسل وتصلي‪.‬‬
‫ويكون انقضاء العدة (الطالق أو الوفاة) بعد نزول الثاني ألن العبرة لبراءة الرحم‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل لمن أسقطت نفاس؟ الجواب‪ :‬يكون الجنين نطفة (‪ )40‬يوماً‪ ،‬ثم علقة (‪ )40‬يوماً‪ ،‬ثم‬
‫مضغة (‪ )40‬يوماً‪ .‬والمضغة يكون عمرها من الـ (‪ )120 - 81‬يوماً وخالل هذه المدة يظهر‬
‫الس ْقط مضغة غير مخلَّقة فما دون‪ ،‬فليس لها نفاس وإ نما يكون حيضاً‪ .‬وإ ن كان‬
‫تخلقها‪ .‬فإذا كان َّ‬
‫السَّقط مضغة ظهر بعض تخلقها فللمرأة نفاس وعليها غسل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب الطهارة باب ‪.105/139‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجه‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.128/649‬‬

‫( ‪)1/98‬‬

‫الطهر‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬هو المدة التي تفصل بين حيضتين أو بين حيض ونفاس‪.‬‬
‫مدته‪ :‬أقل الطهر بين حيضتين أو بين حيض ونفاس بعد أن أتمت أكثر النفاس خمسة عشر يوماً‪ .‬وال‬
‫حد ألكثره‪ .‬لما روي عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‪( :‬أقل الحيض ثالثة أيام‪ ،‬وأكثره عشرة‪ ،‬وأقل‬
‫ّ‬
‫ما بين الحيضتين خمسة عشر يوماً)‪ .‬إما إذا استمر الدم فتحدد مدة الطهر كما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المعتادة‪ :‬وهي التي سبق لها دم وطهر صحيحان‪ ،‬فطهرها وحيضها ما اعتادت إن كان طهرها‬
‫أقل من ستة أشهر‪ ،‬فإن كان ستة أشهر أو أكثر ترد إلى ستة أشهر إال ساعة وحيضها بحاله‪ .‬وهذا‬
‫على قول األكثر‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المبتدأة‪ :‬وهي مراهقة بلغت وهي مستحاضة واستمر بها الدم‪ ،‬فحيضها من أول ابتداء الدم‬
‫عشرة أيام وطهرها عشرون يوماً‪ ،‬ونفاسها أربعون يوماً وطهرها بعد النفاس عشرون يوماً‪ .‬وفي‬
‫حالة العدة تعتبر عدتها تسعين يوماً (عشرين طهر وعشرة حيض)‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬المتحيرة‪ :‬وهي التي نسيت عادتها‪ ،‬فال يقدر حيضها وطهرها إلى في حق العدة(‪ )1‬والصالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬فيقدر حيضها بعشرة وطهرها بستة أشهر إال ساعة فتنقضي‪ S‬عدتها بتسعة عشر شهراً وعشرة‬
‫أيام غير أربع ساعات‪.‬‬

‫( ‪)1/99‬‬

‫الطهر بين الدمين‪ :‬إذا انقطع الدم ثم عاد‪ ،‬فإن كانت المدة خمسة عشر يوماً فأكثر يكون فاصالً بين‬
‫الدمين في الحيض اتفاقاً فما بلغ من كل الدمين نصاباً جعل حيضاً وأنه إذا كان أقل من ثالثة أيام ال‬
‫يكون فاصالً وإ ن كان أكثر من الدمين اتفاقاً‪ .‬واختلفوا فيما بين ذلك على عدة أقوال األ َّولى األخذ‬
‫بقول أبي يوسف وهو قول اإلمام اآلخر‪ :‬إن الطهر المتخلل بين الدمين ال يفصل بل يكون كالدم‬
‫المتوالي بشرط إحاطة الدم لطرفي الطهر المتخلل‪ .‬فلو رأت مبتدأة يوماً دماً وأربعة عشر طهراً‬
‫ويوماً دماً فالعشرة األولى حيض‪ .‬ولو رأت المعتادة قبل عادتها يوماً دماً وعشرة طهراً ويوماً دماً‬
‫فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض إن كانت عادتها وإ ال ردت إلى أيام عادتها‪ .‬وقيل إن الشرط في‬
‫جعل الطهر المتخلل بين الدمين حيضاً كون الدمين المحيطين به في مدة الحيض ال في مدة الطهر‪.‬‬
‫أما الطهر المتخلل بين األربعين في النفاس فال يفصل عند اإلمام أبي حنيفة سواء كان خمسة عشر أو‬
‫أقل أو أكثر ويجعل إحاطة الدمين بطرفيه كالدم المتوالي وعليه الفتوى‪ .‬وعندهما الخمسة عشر‬
‫تفصل‪ .‬فلو رأت بعد الوالدة يوماً دماً وثمانية وثالثين طهراً ويوماً دماً فعنده األربعون نفاس‬
‫وعندهما الدم األول‪.‬‬
‫أحكام الحيض والنفاس وما يحرم على المرأة فيهما‪:‬‬
‫‪ - 1‬يمنع الحيض والنفاس صحة الطهارة‪ ،‬إال إذا قصدت التنظيف فال يحرم‪ ،‬ألنه يستحب للحائض‬
‫أو النفساء أن تتوضأ لوقت كل صالة وتقعد في مصالها تسبح وتهلل وتكبر بقدر أدائها كي ال تفتر‬
‫همتها‪.‬‬
‫‪ - 2‬يمنع االعتكاف ويفسده إذا طرأ عليه‪.‬‬
‫‪ - 3‬يمنع وجوب طواف الصَّدر أو الوداع (أي يصبح سنة في حقها)‪ ،‬لما روى ابن عباس رضي‬
‫ف عن الحائض)(‪.)1‬‬ ‫اللّه عنهما قال‪( :‬أ ُِم َر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت‪ ،‬إال أنه ُخفِّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.143/1668‬‬
‫( ‪)1/100‬‬

‫‪ - 4‬يحرم الطالق في أثنائهما‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه طلق امرأته وهي‬
‫حائض في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‪ ،‬فسأل عمر بن الخطاب رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫(م ْره فليراجعها‪ )1()..‬ولكن يقع الطالق‬
‫وسلم عن ذلك‪ .‬فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ُ :‬‬
‫وإ ن كان بدعياً‪.‬‬
‫‪ - 5‬تَْبلُغ الصبيَّة بالحيض ِس ّن التكليف‪ ،‬لحديث عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬ال يقبل اللّه صالة حائض إال بخمار)(‪.)2‬‬
‫‪ُ - 6‬يوجب الغسل عند االنقطاع‪ ،‬لحديث عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬إن أم حبيبة رضي اللّه عنها‬
‫سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الدم‪ ...‬فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬امكثي‬
‫قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي)(‪.)3‬‬
‫‪ - 7‬يقطع الحيض التتابع في صوم كفارة اليمين‪ ،‬وال يقطعه في صوم كفارة القتل واإلفطار‪ .‬أما‬
‫النفاس فيقطع التتابع في كل الكفارات‪.‬‬
‫‪ - 8‬يمنع الصالة فال تصح‪ ،‬وتحرم‪ ،‬وال يجب عليها القضاء للحرج‪ ،‬فقد ثبت في حديث عائشة‬
‫رضي اللّه عنها قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش رضي اللّه عنها‪( :‬فإذا أقبلت‬
‫الحيضة فدعي الصالة)(‪ .)4‬ويتبع الصالة سجود التالوة وسجود الشكر‪ ،‬وكل ما هو من نوع‬
‫الصالة‪.‬‬
‫‪ - 9‬يمنع صحة الصوم‪ ،‬لما روى أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫قال للنساء‪( :‬أليس إذا حاضت ‪ -‬يعني المرأة ‪ -‬لم تصل ولم تصم)(‪ .)5‬ويثبت وجوبه في الذمة‬
‫فيجب عليها قضاؤه‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم‬
‫وال نمر بقضاء الصالة)(‪ .)6‬ولو شرعت بالصوم أو بالصالة تطوعاً ثم حاضت وجب عليها قضاء‬
‫ذلك اليوم‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وال تبطلوا أعمالكم}(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الطالق باب ‪.1/1‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجه‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.132/655‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.14/65‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.15/69‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.6/298‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.14/62‬‬
‫(‪ )7‬محمد‪.33 :‬‬

‫( ‪)1/101‬‬

‫‪ - 10‬يمنع دخول المسجد‪ ،‬إال المرور فيجوز بشرط أن يكون باب الدار داخل المسجد ولم يمكن‬
‫تحويله وال السكنى في غيره‪ ،‬فحينئذ تتيمم وتمر‪ .‬روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬وجهوا هذه البيوت عن المسجد‪ ،‬فإني ال أحل المسجد لحائض وال جنب)(‬
‫‪ .)1‬ولو حاضت امرأة في المسجد تتيمم وتخرج‪.‬‬
‫‪ - 11‬يحرم بهما الطواف بالكعبة‪ ،‬لقوله صلى اللّه عليه وسلم لعائشة رضي اللّه عنها حين حاضت‬
‫في الحج‪( :‬افعلي ما يفعل الحاج غير أن ال تطوفي بالبيت حتى تطهري)(‪ .)2‬ولو طافت حائض‬
‫طواف الركن جاز منها ولزمها َب َدنة فتحل به‪ ،‬أما لو طاف محدث حدثاً أصغر لزمه شاة لشرف‬
‫البيت‪ ،‬إال أن يعاد على طهارة في أيام النحر‪.‬‬
‫يمسه إال المطهرون}(‪.)3‬‬
‫‪ - 12‬يحرم بهما مس المصحف إال بغالف منفصل‪ S‬عنه‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ال ّ‬
‫بالكم تحريماً لتبعية اللباس لالبسه‪ .‬ويلحق بالقرآن كتب التفسير التي غلبت فيها اآليات‬
‫ويكره حمله ّ‬
‫مس أي آية كتبت على لوح أو جدار أو قطعة ورق‪ .‬ويجوز ألهل العلم‬
‫القرآنية التفسير‪ ،‬كما يحرم ّ‬
‫أخذ الكتب بحائل لضرورة الدراسة‪ ،‬كما يجوز تقليب ورق المصحف بنحو قلم‪ ،‬أو أمر صبي بحمله‬
‫(‪ .)4‬أما كتابة القرآن فال بأس بها بحيث ال تحمل الكتابة‪.‬‬
‫‪ - 13‬تحرم قراءة القرآن ولو آية واحدة‪ ،‬لحديث ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال يقرأ الجنب والحائض شيئاً من القرآن)(‪ ،)5‬وأبيح لمن تُ َعلِّم القرآن أن تقرأ‬
‫كلمة أو أقل من آية‪ .‬أما لو قرأت على وجه الدعاء فال مانع كما لو قرأت آيات الدعاء أو آية الكرسي‬
‫أو غيرها‪ .‬وال بأس بقراءة أدعية من القرآن‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.93/232‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.7/299‬‬
‫(‪ )3‬الواقعة‪.79 :‬‬
‫(‪ )4‬وال يجوز لف شيء في ورق ُكتِب فيه فقه أو اسم اللّه تعالى أو اسم النبي صلى اللّه عليه وسلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ /1‬كتاب الطهارة باب ‪.105/596‬‬

‫( ‪)1/102‬‬
‫طهرن}(‪ ،)1‬ولما روى أنس رضي اللّه‬
‫‪ - 14‬يحرم وطئوها‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وال تقربوهن حتى َي ْ‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬اصنعوا كل شيء إال الجماع)(‪ .)2‬والنهي للتحريم‪،‬‬
‫وقيل يكفر مستحله ألن حرمته ثبتت بالكتاب والسنة وإ جماع األمة‪ ،‬وقيل ال يكفر مستحلّه ألنه حرام‬
‫ويستحب‬
‫طائع ْين‪ ،‬ويكفيهما‪ S‬االستغفار والتوبة‪ُ ،‬‬
‫لغيره ال لعينه‪ .‬وإ ن وطئها في الحيض أثما إن كانا َ‬
‫أن يتصدق بدينار إن كان أول الحيض‪ ،‬وبنصف دينار إن كان آخر الحيض‪ ،‬لما روي عن ابن‬
‫عباس رضي اللّه عنهما قال‪" :‬إذا أصابها في أول الدم فدينار‪ ،‬وإ ذا أصابها في انقطاع الدم فنصف‬
‫دينار"(‪ ،)3‬وعنه أيضاً أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا كان دماً أحمر فدينار‪ ،‬وإ ذا كان دماً‬
‫أصفر فنصف دينار)(‪ .)4‬أما إذا كان أحدهما طائعاً واآلخر ُمكرهاً فيأثم الطائع دون المكره‪.‬‬
‫‪ - 15‬يحرم استمتاع الزوج بها ما بين السرة والركبة إال بحائل‪ ،‬لما روي عن زيد بن أسلم رضي‬
‫اللّه عنه أن رجالً سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‪ :‬ما يحل لي من امرأتي وهي حائض‪ ،‬فقال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ِ :‬‬
‫(لتَ ُش َّد إزارها‪ ،‬ثم شأنك بأعالها)(‪ ،)5‬وعن عائشة رضي اللّه عنها‬
‫قالت‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض)(‪ .)6‬وقال اإلمام‬
‫محمد‪ :‬يجتنب شعار الدم أي الجماع فقط‪ ،‬لما روي عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬واصنعوا كل شيء غير النكاح)(‪ ،)7‬ولكنه قال‪" :‬هو رتع حول‬
‫الحمى" فيمنع منه حذراً من الوقوع في المحرم‪ .‬وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪" :‬وأيكم يملك‬
‫إربه كما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يملك إربه"(‪ .)8‬وعند اإلمام أبي حنيفة ال يجوز‬
‫االستمتاع بما تحت اإلزار وال بالنظر‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬البقرة‪.222 :‬‬


‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.125/644‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.106/265‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب الطهارة باب ‪.103/137‬‬
‫(‪ )5‬الموطأ‪ :‬ص ‪.49‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.5/295‬‬
‫(‪ )7‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.313‬‬
‫(‪ )8‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.1/2‬‬

‫( ‪)1/103‬‬
‫متى تنتهي المرأة من حيضها ويحل لها ما حرم به؟‬
‫‪ - 1‬إذا انقطع الدم ألكثر الحيض وهو عشرة أيام‪ .‬ويجوز في هذه الحالة الوطء قبل الغسل‪ ،‬إال أنه‬
‫يستحب في هذه الحالة الغسل للخروج من خالف العلماء‪ ،‬ولقراءة التشديد في قوله تعالى‪{ :‬فإذا‬
‫تطهرن}‪ .‬ويجوز أيضاً أن تغتسل وتصلي ولو لم ينقطع الدم‪ ،‬كما يجوز لها التيمم لصالة الجنازة‬
‫والعيد ألنهما تفوتان لغير عوض‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن ينقطع الدم ألقل من عشرة أيام ودون عادتها وأكثر من ثالثة أيام‪ ،‬كأن تكون عادتها سبعاً‬
‫فينقطع الدم لستة أيام‪ ،‬تغتسل وتصلي وتصوم وال يحل وطؤها احتياطاً الحتمال عود الدم‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن ينقطع الدم لعادتها ولدون عشرة أيام‪ ،‬تغتسل وتصلي وتصوم‪ .‬ويحل وطؤها بأحد ثالثة‬
‫أشياء‪ :‬إما أن تغتسل‪ ،‬أو تتيمم لعذر مبيح للتيمم وتصلي على األصح‪ ،‬أو تصير الصالة ديناً في‬
‫ذمتها وذلك بأن تجد بعد االنقطاع زمناً يسع الغسل والتحريمة فما فوقهما ولكن لم تغتسل ولم تتيمم‬
‫حتى خرج الوقت فبمجرد خروجه يحل وطؤها‪.‬‬

‫( ‪)1/104‬‬

‫تعقيب‪ :‬إذا طهرت المرأة قبل خروج الوقت بما ال يتسع للغسل والتحريمة‪ ،‬فال تجب عليها الصالة‪.‬‬
‫أما إذا طهرت لتمام عشر‪ ،‬فتجب عليها الصالة وتثبت في ذمتها ولو طهرت قبل فوت الوقت بمقدار‬
‫التحريمة‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬االستحاضة وأحكامها‪:‬‬
‫االستحاضة بالتعريف‪ :‬هي كل دم تراه المرأة أقل من ثالثة أيام‪ ،‬وما زاد على األكثر الحيض‪ ،‬وكذا‬
‫ما تراه المرأة في طهرها‪ ،‬والصغيرة قبل تسع سنين من العمر‪ ،‬وما تراه اآليسة والحامل قبل خروج‬
‫أكثر الولد‪ ،‬وما زاد على أكثر النفاس‪ .‬روي عن أبي أمامة الباهلي رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أقل ما يكون من المحيض عشرة أيام‪ ،‬فإذا رأت الدم أكثر من عشرة أيام‬
‫فهي مستحاضة)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.218‬‬

‫( ‪)1/105‬‬
‫أحكام االستحاضة‪:‬‬
‫‪ - 1‬ال تمنع االستحاضة الصالة‪ ،‬لحديث عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬جاءت فاطمة بنت أبي‬
‫حبيش إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول اللّه إني امرأة أستحاض فال أطهر‪.‬‬
‫أفأدع الصالة‪ .‬قال‪( :‬ال‪ .‬إنما ذلك عرق وليس بالحيضة‪ .‬اجتنبي الصالة أيام محيضك ثم اغتسلي‬
‫وتوضئي لكل صالة وإ ن قطر الدم على الحصير)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬ال تمنع الصوم وال الجماع‪ ،‬ألن الصالة ال تصح إال بالطهارة ومع ذلك صحت منها‪ ،‬ولما روى‬
‫عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال في المستحاضة‪( :‬تدع‬
‫الصالة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها‪ ،‬ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صالة‪ ،‬وتصوم وتصلي)(‪،)2‬‬
‫وعن عكرمة قال‪" :‬كانت أم حبيبة تُ ْستحاض فكان زوجها يغشاها"(‪ .)3‬وحكم المستحاضة هو نفس‬
‫حكم المعذور دائم العذر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.345‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب الطهارة باب ‪.94/126‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.120/309‬‬

‫( ‪)1/106‬‬

‫أحكام المعذور وشروطه‪:‬‬


‫تعريف المعذور‪ :‬هو كل من به عذر دائم كالمستحاضة‪ ،‬ومن به سلس بول‪ ،‬أو استطالق بطن‪ ،‬أو‬
‫جرح ينز‪ ،‬أو رعاف دائم‪ .‬وطهارة هؤالء ضرورية أي ليست حقيقية لمقارنة الحدث‪.‬‬
‫ومن األدلة على ذلك‪ ،‬ما روي عن خارجة بن زيد قال‪" :‬كبر زيد حتى سلسل منه البول فكان يداويه‬
‫ما استطاع فإذا غلبه توضأ وصلى"(‪.)1‬‬
‫وعن المسور بن مخرمة "أنه دخل على عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بعد أن صلى الصبح من‬
‫ظ في اإلسالم لمن ترك‬
‫الليلة التي طعن فيها‪ ،‬فأوقظ عمر فقيل له الصالة الصبح‪ .‬فقال‪ :‬نعم‪ .‬والح ّ‬
‫الصالة فصلى عمر وجرحه يثعب دماً"(‪.)2‬‬
‫وعن عكرمة قال‪ :‬في الرعف ال يرقأ‪" :‬يسد أنفه ويتوضأ ويصلي"(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.357‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.357‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.357‬‬
‫( ‪)1/107‬‬

‫أحكام المعذور‪:‬‬
‫‪ - 1‬يتوضأ لكل وقت صالة‪ ،‬ال لكل فرض‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬جاءت فاطمة‬
‫بنت أبي حبيش إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول اللّه‪ :‬إني امرأة أستحاض فال‬
‫أطهر أفأدع الصالة؟ فقال‪( :‬ال‪ .‬إنما ذلك عرق وليس بالحيض‪ ،‬فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصالة‪،‬‬
‫وإ ذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي)‪ .‬قال‪ :‬قال أبي (‪ ،)1‬ثم (توضئي لكل صالة حتى يجيء ذلك‬
‫الوقت)(‪ .)2‬ويصلي بوضوئه هذا ما شاء من الفرائض‪ ،‬أداء للوقتية وقضاء لغيرها‪ ،‬والنوافل‪ ،‬ويقرأ‬
‫القرآن‪ ،‬ويصلي الواجبات كالوتر والعيد والجنازة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ينتقض وضوء المعذور‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بكل ناقض للوضوء ما عدا الناقض الذي هو سبب العذر‪.‬‬
‫ب ‪ -‬بدخول الوقت اآلخر عند اإلمام ُزفَر‪ ،‬وبخروج الوقت عند اإلمام أبي حنيفة واإلمام محمد‪،‬‬
‫وبدخوله وخروجه عند اإلمام أبي يوسف‪ .‬ويظهر أثر الخالف في صالة الضحى بوضوء الصبح إذا‬
‫لم يحدث المعذور‪ ،‬فعند اإلمام ُزفَر ال تصح صالة الظهر بوضوء الضحى وتصح عند اإلمام‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يعني أبي عروة راوي الحديث عن عائشة رضي اللّه عنها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪ .344‬قال التركماني في (الجوهر النقي ذيل السنن الكبرى للبيهقي)‪:‬‬
‫"يضمر الوقت‪ .‬والتقدير لوقت كل صالة"‪.‬‬

‫( ‪)1/108‬‬

‫شروط المعذور‪:‬‬
‫‪ - 1‬ثبوت العذر (متى يكون المرء معذوراً)‪ :‬أن يستوعب العذر وقتاً كامالً حقيقة باستمرار السيالن‬
‫بال انقطاع بقدر الوضوء والصالة‪ ،‬أو حكماً بأن ينقطع لمدة أقل مما يكفي للطهارة والصالة‪.‬‬
‫‪ - 2‬دوام العذر‪ :‬أي وجود العذر بعد ثبوته‪ ،‬بأن ال يخلو وقت كامل منه ولو مرة واحدة في الوقت‪.‬‬
‫خلو وقت كامل عن العذر بانقطاعه كل الوقت‪.‬‬
‫‪ - 3‬شرط انقطاع العذر‪ّ :‬‬
‫مثاله‪ :‬رجل رعف أو سال جرحه في أثناء الوقت‪ ،‬ينتظر آخر الوقت‪ .‬فإن انقطع الدم فبها‪ ،‬وإ ن لم‬
‫ينقطع توضأ وصلى قبل خروج الوقت‪ ،‬فإذا فعل ذلك ثم دخل وقت صالة أخرى ثانية وانقطع ودام‬
‫االنقطاع‪ ،‬تبين أنه صحيح صلى صالة المعذورين (أي يجب عليه إعادة الصالة األولى)‪ ،‬وإ ن لم‬
‫ينقطع الدم في وقت الصالة الثانية حتى خرج الوقت‪ ،‬جازت الصالة ألنه تبين أنه معذور‪ .‬فالوقت‬
‫الثاني هو المعتبر في إثبات العذر وعدمه لمن ابتدأه العذر في أثناء الوقت األول‪ .‬فمن سال جرحه‬
‫قبل دخول وقت العصر ينتظر إلى آخر الوقت فيصلي الظهر آخر الوقت مع سيالن الجرح‪ ،‬فإذا‬
‫دخل وقت العصر ودام السيالن إلى المغرب‪ ،‬تبين أنه صار معذوراً الستيعاب وقتاً كامالً‪ ،‬وعندها‬
‫تبين صحة صالة الظهر‪ .‬أما من ابتدأه العذر مع ابتداء الوقت األول فال يحتاج إلثبات عذره‬
‫استيعاب الوقت الثاني‪.‬‬
‫مالحظة هامة‪ :‬ال يجب على المعذور قضاء األوقات التي صالها أيام عذره ألنها صحت منه‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬لو أصاب ثوب المعذور نجاسة من عذره فال يجب عليه غسله‪ ،‬إال إذا كان يضمن أنه ال‬
‫يتلوث خالل الصالة‪ ،‬ألن طهارة الجسد آكد من طهارة الثوب وقد صحت الصالة بدونها‪.‬هذا عن‬
‫النجاسة في ثوب المعذور‪ ،‬أما في ثوب غيره فيجب غسلها باإلجماع‪.‬‬

‫( ‪)1/109‬‬

‫الباب الثامن (الطهارة من النجاسات الحقيقية)‪.‬‬


‫تعريف النجاسة‪:‬‬
‫النجاسة لغة‪ :‬ما يستقذر‪.‬‬
‫وشرعاً‪ :‬اسم لعين مستقذرة شرعاً‪.‬‬
‫أقسامها‪ :‬النجاسة قسمان‪:‬‬
‫‪ - 1‬نجاسة حقيقية وتكون من الخبث‪.‬‬
‫‪ - 2‬ونجاسة حكمية وتكون من الحدس‪.‬‬
‫وبعد أن تكلمنا عن النجاسة الحكمية وكيفية التطهر منها‪ ،‬نبحث في النجاسة الحقيقية وكيفية تطهير‬
‫محلّها‪.‬‬
‫والنجاسة الحقيقية قسمان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬نجاسة مغلَّظة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نجاسة َّ‬
‫مخففة‪.‬‬
‫المعفو عنه من كل منها ال كيفية تطهيرها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والمعتبر في التقسيم هو المقدار‬
‫أ ‪ -‬النجاسة المغلظة‪:‬‬
‫وهي عند اإلمام‪ :‬ما توافقت على نجاستها األدلة‪ ،‬أي ورد في نجاستها نص لم يعارضه نص آخر‬
‫وهي عند الصاحبين‪ :‬ما اتفق العلماء على نجاستها وال بلوى في إصابتها‪.‬‬
‫( ‪)1/110‬‬

‫وتشمل النجاسات المغلظة ما يلي‪:‬‬


‫‪ - 1‬الخمر‪ :‬وهو ماء العنب إذا غال واشتد وقذف الزبد‪ .‬وقد ورد النص بنجاستها قال تعالى‪{ :‬إنما‬
‫الخمر والميسر واألنصاب‪ S‬واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}(‪ ،)1‬ولم‬
‫المس ِكرات ففيها‬
‫بنص آخر‪ ،‬ولم يختلف الفقهاء في نجاستها فهي مغلظة باالتفاق‪ .‬أما نوع ْ‬
‫يعارض ّ‬
‫ثالثة أقوال‪ :‬التغليظ والتخفيف والطهارة‪ ،‬والراجح أنها نجاسة مخففة‪ .‬ويتبع الخمر الكحول فهو ال‬
‫يصنع إال من الخمر‪ ،‬ويعفى (‪ )2‬عنه عند استعماله للجروح لعموم البلوى‪.‬‬
‫‪ - 2‬الدم المسفوح من سائر الحيوانات التي لها دم سائل‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬أو دماً مسفوحاً فإنه رجس}(‬
‫‪ ،)3‬ويستثنى من الدم ما يبقى في اللحم بعد الذبح‪ ،‬وما يبقى في العروق والكبد والطحال‪ ،‬كما يعفى‬
‫عن دم السمك‪ ،‬وذلك لما روي عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬أحلت لكم ميتتان ودمان‪ ،‬فأما الميتتان فالحوت والجراد‪ ،‬وأما الدمان فالكبد والطحال)(‬
‫‪ .)4‬أما الدم غير المسفوح فطاهر ما لم يسل على المختار‪ ،‬إذ ما لم يكن حدثاً فليس بنجس‪ ،‬وقال‬
‫اإلمام محمد‪ :‬إنه نجس احتياطاً‪ .‬ودم الشهيد طاهر في حقه للضرورة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المائدة‪.90 :‬‬
‫(‪ )2‬أي ال تسقط عنه صفة النجاسة‪ .‬والضرورة تقدر بقدرها‪ ،‬والتداوي بالمحرم جائز عند‬
‫الضرورة إذا لم يوجد غيره‪.‬‬
‫(‪ )3‬األنعام‪.145 :‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب األطعمة باب ‪.31/3314‬‬

‫( ‪)1/111‬‬

‫والصديد‪ ،‬والقيح‪،‬‬
‫َّ‬ ‫‪ - 3‬كل ما يخرج من جسم اإلنسان وينقض الوضوء كالبول‪ ،‬والغائط‪ ،‬والدم‪،‬‬
‫والمذي‪ ،‬والودي‪ ،‬والمني‪ ،‬هو نجس‪ .‬وبول الصغير كالكبير أكل أو لم يأكل‪ .‬أما البول فنجس‪،‬‬
‫لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬مر النبي صلى اللّه عليه وسلم بقبرين فقال‪( :‬إنهما‬
‫ليعذبان‪ ،‬وما يعذبان في كبير‪ ،‬أما أحدهما فكان ال يستتر من البول‪ ،‬وأما اآلخر فكان يمشي بالنميمة)‬
‫(‪ .)1‬وأما الغائط‪ ،‬فلما روى أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا‬
‫تبرز لحاجته‪ ،‬أتيته بماء فيغسل به)(‪ .)2‬وأما الدم‪ ،‬فلما روت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي‬
‫اللّه عنهما قالت‪ :‬سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب‪ .‬قال‪:‬‬
‫(اقرصيه واغسليه وصلي فيه)(‪ ،)3‬وعن حماد قال‪" :‬البول عندنا بمنزلة الدم ما لم يكن قدر الدرهم‬
‫فال بأس فيه"(‪ .)4‬وأما الصديد والقيح فإنهما نجسان قياساً على الدم‪ .‬وأما المذي والودي‪ ،‬فعن ابن‬
‫عباس رضي اللّه عنهما قال‪" :‬المني والمذي والودي‪ .‬فالمني منه الغسل ومن هذين الوضوء‪ ،‬يغسل‬
‫ذكره ويتوضأ"(‪ .)5‬وأما المني‪ ،‬فلما روي عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت في المني‪( :‬كنت‬
‫أغسله من ثوب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‪ ،‬فيخرج إلى الصالة‪ ،‬وأثر الغسل في ثوبه‪ُ :‬بقع‬
‫الماء)(‪.)6‬‬
‫‪ - 4‬الخنزير نجس العين‪ ،‬وكل ما يخرج منه من لعاب وغيره نجس‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬أو لحم خنزير‬
‫فإنه رجس}(‪.)7‬‬
‫‪ - 5‬بول ما يؤكل لحمه من الحيوان‪ ،‬وروثه‪ ،‬ولعابه‪ ،‬كنجو الكلب ورجيع السباع وبول الفأرة كلها‬
‫نجسة مطلقاً إذا حلت بالماء‪ .‬ويعفى عن قليله في الثوب والطعام للضرورة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.55/215‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.55/214‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.118/629‬‬
‫(‪ )4‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.391‬‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.115‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.64/228‬‬
‫(‪ )7‬األنعام‪.145 :‬‬

‫( ‪)1/112‬‬

‫{حرمت عليكم الميتة}(‪ .)1‬واإلنسان إذا مات فهو‬


‫‪ - 6‬ميتة الحيوان ذي الدم السائل‪ ،‬لقوله تعالى‪َّ :‬‬
‫نجس‪ ،‬فإن كان الميت مسلماً إذا غسل فطاهر وقبل الغسل مختلف في نجاسته حدث أو خبث‪.‬‬
‫ويستثنى من الميتة العظم والشعر فهما طاهران‪ ،‬لقوله صلى اللّه عليه وسلم لثوبان رضي اللّه عنه‪:‬‬
‫(يا ثوبان اشتر لفاطمة قالدة من عصب وسوارين من عاج)(‪ ،)2‬أما الجلد فهو نجس قبل الدبغ‬
‫لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( S:‬إذا دبغ‬
‫اإلهاب فقد طهر)(‪.)3‬‬
‫‪ - 7‬خرء الدجاج والبط واإلوز وكل حيوان طائر يزرق على األرض خرؤه‪ ،‬فهو نجس‪.‬‬
‫‪َ - 8‬ر ْوث وبعر ما يؤكل لحمه من الحيوان هو نجس نجاسة مغلظة عند اإلمام‪ ،‬لما روي عن عبد‬
‫اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه قال‪( :‬أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثالثة‬
‫أحجار‪ ...‬فأخذت روثة فأتيته بها‪ ،‬فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال‪ :‬هذا ِر ْكس)(‪ .)4‬وهو نجاسة‬
‫مخففة عند الصاحبين لقول اإلمام مالك بطهارته‪ ،‬ولعموم البلوى لكثرته في الشوارع وعدم إمكان‬
‫التحرز منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الناس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المائدة‪.3 :‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب الترجل باب ‪.21/4213‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب اللباس باب ‪.41/4123‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪ .20/155‬والّ ِر ْكس بالكسر‪ :‬الّ ِرجس‪ .‬وهو أيضاً‬
‫الَّرجيع‪ ،‬وذلك لرجوعه من حال الطهارة إلى حالة النجاسة‪.‬‬

‫( ‪)1/113‬‬

‫ب ‪ -‬النجاسة المخففة‪:‬‬
‫وهي عند اإلمام‪ :‬ما تعارض نصان في نجاستها وطهارتها‪.‬‬
‫وعند الصاحبين‪ :‬ما اختلف العلماء في نجاستها أو عمت بها البلوى‪.‬‬
‫والنجاسات المخففة هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬بول ما يؤكل لحمه مطلقاً‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬استنزهوا من البول‪ ،‬فإن عامة عذاب القبر منه)(‪ ،)1‬ولحديث أنس رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫(إن ناساً اجتووا في المدينة‪ ،‬فأمرهم النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يلحقوا براعيه‪ ،‬يعني اإلبل‪،‬‬
‫فيشربوا من ألبانها وأبوالها)(‪ .)2‬ولذا فهو نجس نجاسة مخففة عند اإلمام لتعارض النصين‪ ،‬وعند‬
‫الصاحبين ألن السادة المالكية قالوا بطهارته فوقع الخالف في طهارته ونجاسته‪ .‬واختلف في بول‬
‫الفرس قيل طاهر‪ ،‬واألصح أنه نجس‪.‬‬
‫‪َ - 2‬خرء سباع الطير وكل ما ال يؤكل لحمه من الطيور التي تزرق في الهواء‪ .‬أما الطيور األهلية‬
‫والتي يؤكل لحمها فخرؤها طاهر كالحمام والعصفور‪.‬‬
‫‪ - 3‬سؤر البغل والحمار مشكوك في طهوريته‪ ،‬وهو طاهر على األظهر‪ ،‬لما روي عن جابر بن‬
‫عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قيل يا رسول اللّه أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال‪( :‬نعم وبما أفضلت‬
‫السباع كلها)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.128‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب الطب باب ‪ .6/5362‬واجتووا‪ :‬أصابهم مرض البطن‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.249‬‬

‫( ‪)1/114‬‬

‫المقدار والمعفو عنه من النجاسات‪:‬‬


‫الكف داخل مفاصل‪ S‬األصابع‪.‬‬
‫قعر ّ‬‫‪ - 1‬المغلّظة‪ُ :‬يعفى عن قدر الدرهم بالوزن أو ما يعادل مساحة ُم ّ‬
‫‪ - 2‬المخفّفة‪ُ :‬يعفى عن قدر ما دون ربع الثوب الكامل أو البدن على الصحيح‪ ،‬وذلك لقيام الربع‬
‫المعفو عنه هو مقدار ربع جزء من العضو أو‬
‫َّ‬ ‫مقام الكل‪ ،‬كقيام ربع الرأس مقام كل المسح‪ .‬وقيل إن‬
‫البنِيقه)(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫الثوب الذي أصابته النجاسة (الكم‪ ،‬أو الط َرف‪ ،‬أو َ‬
‫__________‬
‫ط ْوق الثوب الذي يضم النحر وما حوله‪.‬‬ ‫البنِيقة‪َ :‬‬
‫(‪َ )1‬‬

‫( ‪)1/115‬‬

‫نجاسات معفو عنها‪:‬‬


‫‪ - 1‬يعفى‪ S‬عن رشاش البول كرؤوس اإلبر في الثوب والبدن والمكان للضرورة‪ ،‬ولو أصاب الماء‬
‫ال ينجسه سواء أكان الماء جارياً أو راكداً‪ .‬قال ابن عباس رضي اللّه عنهما‪" :‬إنا لنرجو من اللّه‬
‫تعالى أوسع من هذا"‪.‬‬
‫الغ َسالة عند تغسيل الميت إذا كان على بدنه نجاسة‪.‬‬
‫‪ - 2‬يعفى‪ S‬عما ال يمكن االحتراز منه من ُ‬
‫‪ - 3‬إذا انتشر الدهن المتنجس فزاد على المقدار المعفو عنه ال يضر على أحد قولين‪.‬‬
‫‪ - 4‬يعفى‪ S‬عن طين الشارع‪ ،‬لكن لو مشى حافياً في الشارع فابتلت قدماه لم تجز صالته لغلبة‬
‫النجاسة‪.‬‬
‫‪ - 5‬إذا نام على فراش متنجس فعرق‪ ،‬ال يحكم بنجاسته إال إذا ظهر أثر النجاسة في الثوب وكذا ال‬
‫ينجس ثوب طاهر جاف إذا لُ َّ‬
‫ف بثوب نجس رطب‪ ،‬إال إذا تسرب أثر النجاسة‪.‬‬
‫‪ - 6‬إذا نشر ثوب رطب على أرض نجسة فال ينجس‪ ،‬وكذا لو َّهبت ريح من أرض نجسة على‬
‫ثياب طاهرة ال تَْن ُجس‪ .‬والحاصل‪ :‬يبقى الثوب الطاهر على أصله ما لم يظهر أثر النجاسة عليه‪.‬‬
‫كيفية التطهير‪:‬‬
‫الماء المطلق هو األصل في إزالة النجاسة وال تزول النجاسة الحكمية إال به‪ ،‬أما النجاسات الحقيقية‬
‫فتزول بالماء ولو كان مستعمالً‪ ،‬وبكل مائع طاهر قالع للنجاسة‪ ،‬كماء الخ ّل أو الورد على األصح‪.‬‬
‫وتكون كيفية التطهير بالماء على الشكل التالي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬النجاسات المرئية‪:‬‬
‫‪ - 1‬تزول بزوال عين النجاسة عن الجسم أو الثوب أو المكان بغسلها ولو مرة واحدة بشرط أن‬
‫ُي َّ‬
‫صب الماء عليها أو يكون جارياً‪ ،‬أما لو غسلت في إناء فال بد من ثالث مرات تعصر في كل مرة‪،‬‬
‫وال يضر بقاء أثر من لون أو رائحة‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه أن خولة بنت يسار أتت‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول اللّه إنه ليس لي إال ثوب واحد‪ ،‬وأنا أحيض فيه‪ ،‬فكيف‬
‫أصنع؟ قال‪( :‬إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه‪ .‬فقالت‪ :‬فإن لم يخرج الدم؟ قال‪ :‬يكفيك غسل الدم وال‬
‫يضرك أثره)(‪ .)1‬ويطهر الثوب المصبوغ بمتنجس بالغسل حتى يصير الماء صافياً‪ ،‬وقيل يغسل‬
‫بعد أن يصبح الماء صافياً ثالث مرات‪.‬‬
‫‪ - 2‬تزول النجاسة عن الجروح والحجامة بمسحها بثالث خرق رطبات‪ ،‬ويقوم هذا مقام الغسل‪.‬‬
‫‪ - 3‬أما الحصير والسجاد وما ال يمكن عصره فذهب اإلمام محمد إلى أنه ال يطهر‪ ،‬وقال اإلمام أبو‬
‫صب عليه الماء بشدة يطهر(‪.)2‬‬
‫يوسف‪ :‬يجفف ثالث مرات بعد الغسل فيطهر‪ .‬وقيل لو ّ‬
‫‪ - 4‬تطهر األواني الفخارية والخشب القديم بالغسل بالماء ثالثاً وبانقطاع تقاطره في كل مرة‪ ،‬وقيل‬
‫في ْنحت‪.‬‬
‫يحرق الفخار إن كان جديداً‪ ،‬أما الخشب ُ‬
‫بصب الماء عليها ثالثاً ثم رفعه عنها‪ .‬أما المائعات‬
‫ّ‬ ‫‪ - 5‬تطهر المائعات كالسَّمن ُّ‬
‫والدهن والزيت‬
‫األخرى كنحو العسل والدبس فتطهر بصب الماء عليها ثالثاً وغليها حتى تعود كما كانت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.132/365‬‬
‫(‪ )2‬وهذا مذهب اإلمام الشافعي أيضاً‬

‫( ‪)1/116‬‬

‫ثانياً‪ :‬النجاسات غير المرئية‪:‬‬


‫ُيغسل الثوب إذا كانت النجاسة غير مرئية بالماء ثالث مرات وجوباً ويعصر الثوب في كل مرة‪ ،‬أما‬
‫إذا وضع المتنجس في الماء الجاري أو صب عليه ماء كثير وجرى عليه الماء فيطهر بدون عصر‬
‫وال تثليث غسل‪.‬‬
‫أما إذا كانت النجاسة نجاسة كلب فتغسل سبعاً مع التتريب ندباً‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬طهور إناء أحدكم‪ ،‬إذا ولغ فيه الكلب‪ ،‬أن يغسله سبع‬
‫فحمل الحديث على الندب وذلك لما روي أنه سئل رسول اللّه صلى‬
‫مرات‪ .‬أوالهن بالتراب)(‪ُ ،)1‬‬
‫(ي ْغ َسل ثالثاً أو خمساً أو سبعاً)‪ ،‬وعن أبي هريرة‬ ‫ِ‬
‫اللّه عليه وسلم عن الكلب َيلغُ في اإلناء‪ .‬فقال‪ُ :‬‬
‫رضي اللّه عنه قال‪" :‬يغسل من ولوغه ثالث مرات"(‪.)2‬‬
‫وهناك طرق أخرى للتطهير نوضحها فيما يلي‪:‬‬
‫طهُر بلحسها ثالث مرات‪ ،‬كما يطهر الثدي بلحسه‪ .‬والهرة تطهر‬
‫‪ - 1‬اللحس ُيطهِّر الفم‪ ،‬واإلصبع تَ ْ‬
‫بلعق جسمها‪.‬‬
‫‪ - 2‬الدلك للخفين والنعل‪ ،‬فيطهر النعل بالدلك والتراب حتى يزول أثر النجاسة ذات الجرم‪ ،‬لما‬
‫روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا وطئ أحدكم َبن ْعِله‬
‫طهور)(‪ )3‬بشرط أن ال يكون في النعل نتوء تمنع إزالة النجاسة بالدلك‪ .‬أما إذا‬
‫األذى فإن التراب له َ‬
‫كان كذلك‪ ،‬أو كانت النجاسة مائعة يتشربها النعل‪ ،‬فال بد من الغسل‪.‬‬
‫‪ - 3‬المسح للمرايا والسيوف والزجاج وكل األشياء المصقولة‪ ،‬فقد كان الصحابة رضي اللّه عنهم‬
‫يجاهدون ويمسحون سيوفهم ويصلون فيها‪.‬‬
‫‪ - 4‬الجفاف‪ ،‬تطهر األرض بجفافها بالشمس والريح‪ ،‬ويطهر تبعاً لها كل ما نبت عليها من شجر أو‬
‫غيره‪ ،‬وذلك لما روي عن نافع قال‪ :‬سئل ابن عمر عن الحيطان تكون فيها العذرة وأبوال الناس‬
‫وروث الدواب فقال‪" :‬إذا سالت عليها األمطار وجففته الرياح فال بأس بالصالة فيه"‪ .‬يذكر ذلك عن‬
‫هورها"‪ .‬هذا ويجوز بعدها‬
‫ط ُ‬‫"جفوف األرض َ‬ ‫النبي صلى اللّه عليه وسلم (‪ /)4‬وعن أبي قالبة قال‪ُ :‬‬
‫نصاً في التيمم بقوله تعالى‪{ :‬فتيمموا صعيداً‬
‫الصالة عليها ال التيمم بها‪ ،‬وذلك الشتراط الطّيب ّ‬
‫طيباً}‪ ،‬وألن التراب طاهر مطهر وبالجفاف بعد النجاسة يعود طاهراً غير مطهر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.27/91‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الدارقطني والطحاوي‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.141/385‬‬
‫(‪ )4‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.286‬‬

‫( ‪)1/117‬‬

‫‪ - 5‬الفَ ْرك للمني الجاف على الثوب‪ ،‬وال يضر بقاء أثره‪ ،‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها في‬
‫المني‪ .‬قالت‪( :‬كنت أ ْف ُر ُكه من ثوب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم )(‪ ،)1‬أما إذا كان طرياً فال‬
‫يطهر إال بالغسل‪ ،‬لما روي عن عائشة أيضاً رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كنت أفرك المني من ثوب‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا كان يابساً وأغسله إذا كان رطباً)(‪.)2‬‬
‫‪ - 6‬التَّ ْقوير‪ :‬يطهر السَّمن الجامد بالتقوير إذا وقعت به نجاسة فتطرح وما حولها‪ .‬لما روت ميمونة‬
‫رضي اللّه عنها قالت‪ :‬سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن فماتت‪ .‬فقال‪:‬‬
‫(ألقوها وما حولها وكلوه)(‪.)3‬‬
‫والر ْوث إذا صار رماداً‪،‬‬
‫تخللت‪ ،‬والميتة إذا صارت ملحاً‪َ ،‬‬
‫‪ - 7‬االستحالة (‪ :)4‬كالخمر تطهر إذا ّ‬
‫طيباً‪ ،‬وهو في األصل دم‬
‫طهُر‪ .‬وباالستحالة يصبح المسك طاهراً ّ‬
‫فصنع صابوناً َ‬
‫والزيت إذا تنجس ُ‬
‫الغزال يستحيل طيباً فيصبح طاهراً‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أطيب الطِّيب المسك)(‪ .)5‬كما يطهر العنبر والزباد وهو وسخ يجتمع تحت‬
‫َذَنب السََّّنور) باالستحالة أيضاً‪ .‬وال يعتبر التقطير استحالة فبخار الماء النجس نجس‪.‬‬
‫المسقي بالنجس في النار حتى يصير كالجمر ثم ُيطفأ بالماء الطاهر‬
‫ّ‬ ‫‪ - 8‬التَّمويه‪ :‬هو إدخال المعدن‬
‫ثالث مرات مع التجفيف‪.‬‬
‫‪َّ - 9‬‬
‫الندف للصوف والقطن يطهرهما‪.‬‬
‫‪ - 10‬التغوير للبئر‪ ،‬إذا لم يبق للنجاسة أثر‪ ،‬أو َّ‬
‫الن ْزح بعد إخراج النجاسة منها‪.‬‬
‫حمر على حبوب تدوسها يفرق بعضه َبب ْيع أو ِهبة َفي ْ‬
‫طهُر‬ ‫‪ - 11‬التفريق للحبوب‪ ،‬كما لو بالت ٌ‬
‫الباقي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.32/105‬‬
‫(‪ )2‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.125‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب الذبائح والصيد باب ‪.34/5220‬‬
‫(‪ )4‬االستحالة‪ :‬انقالب العين النجسة‪.‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.16/991‬‬

‫( ‪)1/118‬‬

‫‪ - 12‬الدباغة‪ :‬وهي إخراج الرطوبة النجسة من ِ‬


‫الجْلد الطاهر باألصل‪ ،‬روي عن ابن عباس رضي‬
‫طهُر)(‪ .)1‬فتطهر‬
‫اللّه عنهما قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( S:‬أيَّما إهاب ُدبغ فقد َ‬
‫جميع الجلود التي تحتمل الدبغ إال جلد الخنزير لنجاسة عينه وجلد اإلنسان لكرامته‪ .‬وتجوز الصالة‬
‫على الجلد المدبوغ والوضوء منه سواء أكان الدابغ مسلماً أم كافراً أم امرأة‪ ،‬وسواء أكانت الدباغة‬
‫والشب (‪ )3‬والملح‪ ،‬أو دباغة حكمية بالتتريب‬
‫ّ‬ ‫حقيقية بالقََرظ والعفص (‪ )2‬وقشور الرمان‬
‫والتشميس واإللقاء في الهواء‪ .‬وقميص الحية طاهر بدون دبغ‪.‬‬
‫الذكاة الشرعية‪ :‬وهي لغة‪ :‬الذبح‪ ،‬وشرعاً‪ :‬تَ ْسييل الدم النجس‪ ،‬فعن رافع بن خديج رضي اللّه‬ ‫‪َّ - 13‬‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ ...( :‬ما أنهر الدم وذكر اسم اللّه فكل‪.)4()...‬‬
‫والذكاة تطهر لحم الحيوان المأكول‪ ،‬أما غير المأكول فيطهر جلده بالذبح دون لحمه‪ ،‬والذكاة تطهر‬
‫الحيوان المذبوح سواء أكان الذابح مسلماً أم كتابياً‪ ،‬ويبقى كل ما ال تحله من الحيوان طاهراً كالريش‬
‫والمنقار والشعر والحافر والعظم‪ ،‬ما لم يكن به (أي العظم) َو َدك (أي دسم) فهو نجس؛ فإذا زال عنه‬
‫الدسم طهر‪.‬‬
‫‪َّ - 14‬‬
‫النحت للخشب الجديد‪ ،‬ألنه يتشرب النجاسة‪ ،‬ويكفي‪ S‬في الخشب القديم الغسل‪.‬‬
‫‪َ - 15‬غ ْس ُل طرف الثوب يغني عن غسله كله إذا نسي مكان النجاسة‪.‬‬
‫‪ - 16‬النار‪ :‬كل ما يحرق بالنار يطهر‪( .‬والعاصي يطهر في نار جهنم)‪.‬‬
‫الغْلي‪ُ :‬يطهر اللحم المطبوخ بالنجاسة بغليه ثالث مرات وإ راقة المرق‪ ،‬واألصح أنه ال‬
‫‪َ - 17‬‬
‫يطهر‪ .‬وإ ذا إلى الماء وفيه الدجاجة مع أحشائها تطهر بالغلي ثالث مرات بعد إخراج النجاسة منها‪.‬‬
‫أما إذا سخنت إلزالة الريش فطهارتها بالغسل من غير غليان‪.‬‬
‫‪ - 18‬التطفيف للحليب والزيت‪ ،‬وكل مائع يضاف له من جنسه طاهر حتى يفيض على األرض‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب اللباس ‪ -‬حديث ‪ ،1728‬واإلهاب‪ :‬الجْلد قبل الدبغ ألنه تهيأ للدبغ‪.‬‬
‫والع ْفص‪َ :‬ح ْمل شجرة البلوط‪.‬‬
‫اآلدم‪َ ،‬‬
‫السلَم ُيدبغ به َ‬
‫(‪ )2‬القََرظ‪ :‬شجر ُيدبغ به‪ ،‬وقيل هو ورق َّ‬
‫ب‪َ :‬ح َجر معروف يشبه َّ‬
‫الزاج‪ُ ،‬يدبغ به الجلود‪.‬‬ ‫(‪َّ )3‬‬
‫الش ّ‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب األضاحي باب ‪.4/20‬‬

‫( ‪)1/119‬‬

‫الغسالة‪:‬‬
‫حكم ُ‬
‫‪ - 1‬غسالة النجاسة الحكيمة‪ :‬طاهرة غير مطهرة على أظهر األقوال‪.‬‬
‫الغسالة‬
‫‪ - 2‬غسالة النجاسة الحقيقية‪ :‬نجسة سواء انفصلت متغيرة أو غير متغيرة‪ ،‬وسواء انفصلت ُ‬
‫الغسالة هي حكم المحل قبل ورود الماء عليه‪.‬‬
‫عن المحل طاهراً كان أم نجساً؛ ألن حكم ُ‬
‫لكن لو أصابت النجاسة ثوباً أو محالً فإنه يطهر بالغسل مرات مختلفة حسب انفصاله عن المحل بعد‬
‫الغسلة األولى أو الثانية‪.‬‬

‫( ‪)1/120‬‬
‫كتاب الصالة‬
‫الباب األول (مقدمات)‪.‬‬
‫{وص ِّل عليهم إن صالتك سكن لهم}(‪ )1‬أي ادع لهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪ -‬هي لغة‪ :‬الدعاء‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫وشرعاً‪ :‬أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم‪.‬‬
‫صفتها‪:‬‬
‫إما فرض في الصلوات الخمس‪ ،‬أو واجبة في الوتر‪ ،‬أو سنة فيما سواهن من الصلوات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.103 :‬‬

‫( ‪)1/121‬‬

‫دليل فرضية الصلوات الخمس‪:‬‬


‫ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫فمن الكتاب قوله تعالى‪{ :‬فأقيموا الصالة وآتوا الزكاة واعتصموا باللّه هو موالكم فنعم المولى ونعم‬
‫النصير}(‪.)1‬‬
‫(بني‬
‫ومن السنة‪ :‬حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ُ :‬‬
‫اإلسالم على خمس‪ :‬شهادة أن ال إله إال اللّه وأن محمداً رسول اللّه‪ ،‬وإ قام الصالة‪ ،‬وإ يتاء الزكاة‪،‬‬
‫والحج‪ ،‬وصوم رمضان)(‪.)2‬‬
‫وحديث طلحة بن عبيد اللّه رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال للسائل عن اإلسالم‪:‬‬
‫(خمس صلوات في اليوم والليلة‪ .‬فقال‪ :‬هل علّي غيرهن؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬إال أن تَطَّ َّوع)(‪.)3‬‬
‫وقد أجمعت األمة على فرضية الصلوات الخمس‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحج‪.78 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب اإليمان باب ‪.2/8‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب اإليمان باب ‪.2/8‬‬

‫( ‪)1/122‬‬
‫حكمة تشريعها‪:‬‬
‫الصالة مناجاة وخشوع ورياضة روحية وتفريغ من هموم الدنيا‪ ،‬وهي صلة بين الخالق والمخلوق‬
‫والسند الروحي ووجهة االلتجاء‪ ،‬وهي معراج للروح ودرس الحياة اليومي العملي‬
‫تشعر بالقوة ّ‬
‫المتكرر‪ ،‬وهي تطهير للروح من أدران الذنوب وعصمة من السوء وإ عمار للقلب‪ ،‬وهي شكر اللّه‬
‫على نعم ال تعد وال تحصى‪.‬‬
‫ولم تَ ْخ ُل عنها شريعة ُم ْر َسل‪ .‬ومما اختص به صلى اللّه عليه وسلم مجموع الصلوات الخمس إذ لم‬
‫ص باألذان واإلقامة وافتتاح الصالة بالتكبير والتأمين‬
‫وخ َّ‬
‫تجتمع ألحد من األنبياء عليهم السالم‪ُ ،‬‬
‫وبتحريم الكالم فيها‪.‬‬
‫بدء فرضيتها‪:‬‬
‫فرضت الصالة بمكة‪ ،‬وكانت ركعتين قبل طلوع الشمس وركعتين قبل غروبها‪ ،‬وذلك منذ بدأت‬
‫الرسالة‪ .‬ثبت ذلك فيما روي أن جبريل عليه السالم بدا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أحسن‬
‫صورة وأطيب رائحة‪ .‬فقال‪ :‬يا محمد إن اللّه يقرئك السالم ويقول لك‪ :‬أنت رسولي إلى الجن‬
‫واإلنس‪ ،‬وادعهم إلى قول ال إله إال اللّه‪ .‬ثم ضرب برجله األرض فنبعت عين ماء فتوضأ منها‬
‫جبريل‪ ،‬ثم أمره أن يتوضأ‪ ،‬وقام جبريل يصلي وأمره أن يصلي معه(‪.)1‬‬
‫ثم فرضت الصلوات الخمس في حادثة اإلسراء والمعراج‪ ،‬وذلك في السابع عشر من رمضان قبل‬
‫الهجرة بسنة ونصف‪ ،‬وقيل‪ :‬في السابع والعشرين من رجب‪ .‬وفرضت باألصل ركعتين إال‬
‫أقرت بالسفر وزيدت في الحضر إال الفجر‪.‬‬
‫المغرب‪ ،‬ثم ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬حاشية الطحطاوي على الدر المختار ج ‪ / 1‬ص ‪.169‬‬

‫( ‪)1/123‬‬

‫سببها األصلي‪:‬‬
‫األزلي‪ ،‬أي سبب وجوب أدائها ألن الموجب لألحكام هو اللّه تعالى وحده‪ ،‬لكن لما‬
‫ّ‬ ‫خطاب اللّه تعالى‬
‫كان إيجابه تعالى غيباً عنا ال نطلع عليه جعل لنا سبحانه وتعالى أسباباً مجازية ظاهرة تيسر علينا‬
‫وهي األوقات بدليل تجدد الوجوب بتجديدها‪.‬‬
‫سببها الظاهري‪:‬‬
‫الوقت‪ :‬فتجب في أوله وجوباً موسَّعاً‪ ،‬فال حرج حتى يضيق الوقت عن األداء ويتوجَّه الخطاب حتماً‬
‫ويأثم بالتأخير عنه‪.‬‬
‫شروط وجوبها‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلسالم‪ ،‬ألنه شرط للخطاب بفروع‪ S‬الشريعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬البلوغ‪ ،‬إذ ال خطاب لصغير ولكن يؤمر بها الصبي ليعتادها‪ ،‬ويضرب على تركها لعشر‪ ،‬لما‬
‫روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬مروا‬
‫أوالدكم بالصالة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع)(‬
‫‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬العقل‪ ،‬النعدام التكليف دونه‪ ،‬لما روى علي رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(رفع القلم عن ثالثة‪ ،‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصبي حتى يحتلم‪ ،‬وعن المجنون حتى يعقل)(‬
‫‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.26/495‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب الحدود باب ‪.16/4403‬‬

‫( ‪)1/124‬‬

‫حكم تارك الصالة‪:‬‬


‫‪ - 1‬إن جحد فرضيتها فهو كافر‪ ،‬له حكم المرتد فيقتل إن أصر‪.‬‬
‫ويضيَّق عليه حتى يؤديها‪ ،‬وقيل يضرب حتى يسيل منه الدم‪،‬‬
‫‪ - 2‬إن تركها تهاوناً فهو فاسق يسجن ُ‬
‫وفي بقية المذاهب يقتل‪.‬‬
‫‪ - 3‬أما تارك أداء الصالة في الوقت آثم‪.‬‬
‫مواقيت الصالة‪:‬‬
‫الوقت‪ :‬هو السبب الظاهري لوجوب الصالة‪ ،‬وهو شرط لألداء فال يصح أداؤها قبل الوقت‪ .‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬إن الصالة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً}(‪ ،)1‬وهو ظرف للصالة بمعنى أنه يجوز أن‬
‫يصلي في الوقت الواحد الفرض معه غيره من النوافل أو القضاء‪ .‬والمواقيت جمع ميقات‪ ،‬والمراد‬
‫الذي عينه اللّه ألداء هذه العبادة‪.‬‬
‫وقد جاء تحديد مواقيت الصالة في أحاديث منها‪ :‬ما روى ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي‬
‫(أمني جبريل عليه السالم عند البيت مرتين‪ ،‬فصلى الظهر في األولى‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪َّ :‬‬
‫منهما حين الفيء (‪ )2‬مثل َّ‬
‫الشراك (‪ ،)3‬ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله‪ ،‬ثم صلى‬
‫المغرب حين و َجبت الشمس (‪ )4‬وأفطر الصائم‪ ،‬ثم صلى العشاء حين غياب َّ‬
‫الشفَق (‪ ،)5‬ثم صلى‬ ‫َ‬
‫الفجر حين َب َرق الفجر وحرم الطعام على الصائم‪ .‬وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل‬
‫شيء مثله لوقت العصر باألمس‪ ،‬ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثليه‪ ،‬ثم صلى المغرب لوقته‬
‫األول‪ ،‬ثم صلى العشاء اآلخرة حين ذهب ثلث الليل‪ ،‬ثم صلى الصبح حين أسفرت األرض‪ ،‬ثم التفت‬
‫إلي جبريل فقال‪ :‬يا محمد هذا وقت األنبياء من قبلك‪ ،‬والوقت فيما بين هذين الوقتين)(‪.)6‬‬
‫ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النساء‪.103 :‬‬
‫(‪ )2‬الفيء‪ :‬الظل‪.‬‬
‫(‪ِّ )3‬‬
‫الشراك‪ :‬أحد سيور َّ‬
‫النعل التي تكون على وجهها‪.‬‬
‫(‪َ )4‬و َجبت الشمس‪ :‬غاب قرصها كلّه‪.‬‬
‫(‪َّ )5‬‬
‫الشفق‪ :‬البياض الذي في األفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى‪ ،‬وعندهما هو‬
‫الحمرة‪.‬‬
‫(‪ )6‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.113/149‬‬

‫( ‪)1/125‬‬

‫وقت الظهر‪:‬‬
‫يبدأ وقته من زوال الشمس لقوله تعالى‪{ :‬أقم الصالة لدلوك الشمس}(‪ )1‬أي وقوعها في منتصف‬
‫السماء‪ ،‬وينتهي وقت الظهر عندما يصير ظل كل شيء مثله مضافاً إليه ظل االستواء لحديث ابن‬
‫عباس رضي اللّه عنهما المتقدم‪.‬‬
‫واألفضل في الظهر تأخيره حتى تبرد الشمس خاصة في المناطق الحارة‪ ،‬لحديث أبي سعيد الخدري‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح‬
‫جهنم)(‪.)2‬‬
‫ويستحب تعجيل الظهر في الشتاء والربيع لعموم األحاديث الواردة في اسحباب الصالة في أول‬
‫أي العمل‬
‫وقتها‪ ،‬فعن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪ :‬سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ُّ :‬‬
‫ُّ‬
‫أحب إلى اللّه؟ قال‪( :‬الصالة على وقتها)(‪ ،)3‬وألنه صلى اللّه عليه وسلم كان يعجل بالظهر‪ ،‬فعن‬
‫عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬ما رأيت أحداً كان أشد تعجيالً للظهر من رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم وال من أبي بكر وال من عمر)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬اإلسراء‪.78 :‬‬
‫الحر وفَ َورانه‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب مواقيت الصالة باب ‪ ،8/513‬والفَْي ُح‪ُ :‬سطُوع ِّ‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب مواقيت الصالة باب ‪.4/504‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.118/155‬‬
‫( ‪)1/126‬‬

‫وقت العصر‪:‬‬
‫وشتاء‪ ،‬لما روى علي بن‬
‫ً‬ ‫يبدأ من بلوغ ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس‪ .‬ويستحب تأخيره صيفاً‬
‫شيبان رضي اللّه عنه قال‪( :‬قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة فكان يؤخر العصر‬
‫ما دامت الشمس بيضاء نقية)(‪.)1‬‬
‫تصفر الشمس أو يتغير لونها‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه بن عمرو بن‬
‫ّ‬ ‫ويكره تحريماً تأخير العصر حتى‬
‫العاص رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ووقت العصر ما لم تصفر‬
‫الشمس)(‪ ،)2‬وعن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪S:‬‬
‫(تلك صالة المنافقين‪ ،‬تلك صالة المنافقين‪ ،‬تلك صالة المنافقين‪ ،‬يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت‬
‫الشمس فكانت بين قرني شيطان أو على قرني شيطان قام فنقر أربعاً ال يذكر اللّه فيها إال قليالً)(‪.)3‬‬
‫وال يباح تأخير العصر لمرض أو سفر إلى ما بعد االصفرار‪.‬‬
‫ويستحب تعجيل العصر يوم الغيم‪ ،‬لحديث بريدة األسلمي رضي اللّه عنه قال‪ :‬كنا مع رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم في غزوة فقال‪( :‬بكروا بالصالة في اليوم الغيم فإنه من فاتته صالة العصر‬
‫حبط عمله)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.5/408‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.31/173‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.5/413‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.9/694‬‬

‫( ‪)1/127‬‬

‫وقت المغرب‪:‬‬
‫يبدأ وقته من غروب الشمس وينتهي بمغيب الشفق‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه‬
‫عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ووقت صالة المغرب ما لم يغب الشفق)(‪.)1‬‬
‫ويستحب تعجيل المغرب بعد الغروب باتفاق المذاهب‪ ،‬لما روي عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( S:‬ال تزال أمتي بخير ‪ -‬أو على الفطرة ‪ -‬ما لم‬
‫يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم)(‪.)2‬‬
‫ويجوز تأخيرها بمقدار قليل لعذر كسفر أو مرض أو حضور مائدة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد باب ‪.31/173‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.6/418‬‬

‫( ‪)1/128‬‬

‫وقت العشاء والوتر‪:‬‬


‫يبدأ وقتهما من غياب الشفق األحمر إلى طلوع الفجر الصادق‪ .‬ويستحب تأخير العشاء إلى ثلث الليل‬
‫األول إذا ضمن قيامه‪ ،‬لما روى أبو هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫أشق على أمتي ألمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)(‪ .)1‬ويكره تأخير‬
‫(لوال أن ّ‬
‫صالة العشاء إلى ما بعد نصف الليل‪.‬‬
‫واألحوط بالنسبة للوتر أن يصليه قبل أن ينام‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪( :‬أوصاني‬
‫خليلي بثالث‪ :‬صيام ثالث أيام من كل شهر‪ ،‬وركعتي الضحى‪ ،‬وأن أوتر قبل أن أنام)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.124/167‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.59/1880‬‬

‫( ‪)1/129‬‬

‫تعقيب‪ :‬إن البالد التي يتصل فيها شروق الشمس بغروبها‪ ،‬بحيث ال يفصل بينهما وقت لصالة العشاء‬
‫والوتر‪ ،‬ال تجب في حق أهل هذه البالد صالة العشاء والوتر لعدم وجود السبب (كما في بالد البلغار‬
‫مثالً) على أحد القولين‪ .‬والقول الثاني‪ :‬إن فاقد وقتهما مكلف بهما فيقدر لهما وال ينوي القضاء‪ ،‬كما‬
‫في أيام الدجال تُقدر األوقات لوجود النص في ذلك‪.‬‬
‫وقت الفجر‪:‬‬
‫يبدأ وقته من طلوع الفجر الصادق ويستمر حتى طلوع الشمس‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص‬
‫رضي اللّه عنهما‪ ،‬أنه قال‪ :‬سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن وقت الصلوات فقال‪( :‬وقت‬
‫صالة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس األول)(‪.)1‬‬
‫ويستحب تأخير الصالة قليالً عن وقت األذان حتى تسفر األرض‪ ،‬لما روي عن رافع بن خديج‬
‫(أسِفروا بالفجر فإنه أعظم‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪ْ :‬‬
‫لألجر)(‪ ،)2‬ليسهل على المكلف تحصيل ما ورد في حديث أنس رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر اللّه حتى تطلع الشمس‪ ،‬ثم صلى‬
‫ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة‪ .‬قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬تامة‪ ،‬تامة‪ ،‬تامة)(‬
‫‪.)3‬‬
‫بعد في المشعر الحرام‪ .‬والغلس‬
‫للحاج وذلك لواجب الوقوف ُ‬
‫ّ‬ ‫الغلَس (‪)4‬‬
‫ويستحب تعجيل الفجر في َ‬
‫أفضل دائماً في حق النساء‪ ،‬واالنتظار في غير الفجر إلى فراغ الرجال من الجماعة‪.‬‬
‫ويحرم تأخير الفجر إلى ما ال يسعه من الوقت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.31/174‬‬
‫َسِفروا بالفجر‪ :‬أي صلوا الفجر بعد‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪ ،117/154‬ومعنى أ ْ‬
‫وكل من نظر إليه عرف أنه الفجر الصادق‪.‬‬‫ما يتبين الفجر ويظهر ظهوراً ال ارتياب فيه‪ُّ ،‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.412/586‬‬
‫الغلَس‪ :‬ظُلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح‪.‬‬
‫(‪َ )4‬‬

‫( ‪)1/130‬‬

‫األوقات التي تحرم فيها صالة الفرائض‪:‬‬


‫اتفق علماؤنا على أن ثالثة أوقات ورد النهي عن الصالة فيها وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬وقت شروق الشمس حتى ترتفع قدر رمح أو رمحين‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقت االستواء حتى الزوال‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقت االصفرار حتى الغروب‪.‬‬
‫وقد ورد هذا النهي في حديث عقبة بن عامر الجهني رضي اللّه عنه قال‪( :‬ثالث ساعات كان رسول‬
‫طلَع الشمس بازغة‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن‪ .‬أو أن َن ْقُب َر فيهن موتانا‪ :‬حين ت ْ‬
‫حتى ترتفع)(‪.)1‬‬
‫وال يصح في هذه األوقات شيء من الصالة ‪ -‬سواء في مكة أو غيرها ‪ -‬ولو قضاء والواجبات (‪)2‬‬
‫التي لزمت في الذمة قبل دخولها كالوتر والنذر المطلق وركعتي الطواف وما أفسده من نفل وشرع‬
‫فيه في غير هذه األوقات وسجدة آية تليت في غيرها‪ .‬وكل صالة شرع فيها ثم تعرضت للشروق أو‬
‫ت للنهي الوارد في الحديث‪ .‬وعند اإلمام أبي حنيفة واإلمام محمد لو‬
‫االستواء أو الغروب فَ َس ُد ْ‬
‫أشرقت الشمس وهو في صالة الفجر بطلت صالته‪ ،‬وصحت مع الكراهة التحريمية عند اإلمام أبي‬
‫يوسف (‪.)3‬‬
‫وال يصح قضاء الفوائت في هذه األوقات ألنها وجبت كاملة فال تؤدى ناقصة في الوقت المكروه‪.‬‬
‫لكن تصح في هذه األوقات مع الكراهة التحريمية صالة النفل (‪ )4‬والنذر المقيد بها وقضاء النفل‬
‫ضرت وسجدة تالوة حصلت في هذه األوقات‪ .‬واألفضل‪ S‬إذا بدأ‬
‫الذي أفسده فيها وصالة جنازة َح َ‬
‫بتطوع في هذه األوقات أن يقطعه ويصليه في غير الوقت المكروه (أي األوقات التي تحرم فيها‬
‫الفرائض والتي يكره فيها التنفل)‪.‬‬
‫كما يصح أداء عصر اليوم الذي وجب فيه عند الغروب مع الكراهة للتأخير المنهي عنه ال لذات‬
‫الوقت‪ .‬وذلك لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من‬
‫أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك‪ .‬ومن أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع‬
‫الشمس فقد أدرك)(‪.)5‬‬
‫واالشتغال بالصالة على النبي صلى اللّه عليه وسلم في هذه األوقات أفضل من قراءة القرآن‪ ،‬ألن‬
‫القراءة ركن أساسي في الصالة‪.‬‬
‫__________‬
‫ضيَّف‪ :‬أي تميل‪.‬‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة المسافرين وقصرها باب ‪ ،51/293‬وتَ َ‬
‫(‪ )2‬الواجب قسمان‪ :‬إما لعينه وهو يكون بإيجاب اللّه تعالى أو لغيره وهو ما يكون بإيجاب العبد‪.‬‬
‫فاألول‪ :‬الوتر وصالة العيدين وسجدة التالوة‪ .‬والثاني‪ :‬سجود السهو وركعتا الطواف وقضاء نفل‬
‫أفسده والمنذور‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال اإلمام أبو يوسف‪ :‬إننا ال ننهي كسالى العوام عن الصالة وقت الشروق وحتى ال يتركوها‬
‫مطلقاً‪ .‬وإ ن صحت الصالة على قول مجتهد مثل الشافعي‪ ،‬فهي خير من الترك‪.‬‬
‫(‪ )4‬إال نفل يوم الجمعة فال يكره حال االستواء على قول اإلمام أبي يوسف‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.30/165‬‬
‫__________‬

‫( ‪)1/131‬‬

‫األوقات التي يكره فيها التنفل‪:‬‬


‫يكره التنفل في األوقات التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬في األوقات التي تحرم فيها الفرائض‪.‬‬
‫‪ - 2‬بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس إال سنة الصبح‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه‬
‫عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‪( :‬ليبلّغ شاهدكم غائبكم ال صالة بعد طلوع الفجر إال‬
‫ركعتي الفجر)(‪ )1‬ليكون جميع الوقت مشغوالً بالفرض‪.‬‬
‫‪ - 3‬يكره تحريماً التنفل بعد صالة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع‪ ،‬لحديث أبي سعيد الخدري‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال صالة بعد صالة العصر حتى تغرب‬
‫الشمس وال صالة بعد صالة الفجر حتى تطلع الشمس)(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬بعد صالة العصر حتى تغيب الشمس‪ ،‬للحديث المتقدم‪ .‬وينعقد في هذين الوقتين‪ ،‬أي ما بين‬
‫الفجر والشمس وما بين صالة العصر إلى الغروب‪ ،‬قضاء الفوائت والجنازة وسجود التالوة من غير‬
‫كراهة‪ .‬إال النفل والواجب لغيره‪ ،‬فإنه ينعقد مع الكراهة‪ ،‬كالمنذور وركعتي الطواف وقضاء نفل‬
‫أفسده‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.465‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين وقصرها باب ‪.51/288‬‬

‫( ‪)1/132‬‬

‫‪ - 5‬قبل صالة المغرب حتى ال يؤدي إلى تأخير صالة المغرب‪ ،‬عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إن عند كل أذانين ركعتين ما خال‬
‫المغرب)(‪.)1‬‬
‫‪ - 6‬عند خروج الخطيب وقيامه للخطبة في الجمعة والعيدين وغيرها‪.‬‬
‫‪ - 7‬عند إقامة الصالة للفرائض‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬إذا أقيمت الصالة فال صالة إال المكتوبة)(‪ ،)2‬إال إذا دخل المسجد عند اإلقامة لصالة‬
‫الفجر فإنه يصلي ركعتي الفجر ثم يتابع اإلمام‪ .‬أما إن خشي فوت الجماعة دخل مع اإلمام وترك‬
‫السنة‪.‬‬
‫‪ - 8‬يكره التنفل قبل صالة العيد في البيت أو في المسجد سواء‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه‬
‫عنهما "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج يوم أضحى أو أفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها‬
‫وال بعدها"(‪.)3‬‬
‫‪ - 9‬عند ضيق الوقت خوفاً من تفويت الفرض أو تأخيره‪.‬‬
‫الج ْمع في عرفة ومزدلفة‪ ،‬لما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه (أن النبي صلى‬
‫‪ - 10‬بين صالتي َ‬
‫اللّه عليه وسلم صلى الظهر والعصر بأذان واحد بعرفة ولم يسبح بينهما وإ قامتين‪ ،‬وصلى المغرب‬
‫والعشاء بجمع بأذان واحد وإ قامتين ولم يسبح بينهما)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.474‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين وقصرها باب ‪.9/64‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب صالة العيدين باب ‪.2/13‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.57/1906‬‬

‫( ‪)1/133‬‬

‫الجمع بين الصالتين‪:‬‬


‫ال يصح عندنا الجمع بين صالتين إال في موضعين‪:‬‬
‫الحاج الظهر‬
‫ّ‬ ‫‪ - 1‬يصح الجمع بين الظهر والعصر في مسجد َن ِمرة يوم عرفة جمع تقديم‪ ،‬فيصلي‬
‫والعصر في وقت الظهر بأذان واحد وإ قامتين وال يفصل بينهما بنافلة‪ ،‬لما روي عن جابر بن عبد‬
‫اللّه رضي اللّه عنهما قال‪" :‬سار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد‬
‫ضربت له بنمرة‪ ،‬فنزل بها حتى زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له‪ ،‬حتى إذا انتهى إلى بطن‬
‫الوادي خطب الناس‪ ،‬ثم أذن بالل ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً"(‬
‫‪ .)1‬بشرط أن تكون الصالة مع اإلمام األعظم أو نائبه‪ ،‬وأن تكون صالة الظهر صحيحة؛ فلو فسدت‬
‫صالة الظهر لم يصح الجمع‪ .‬أما عند الصاحبين فال مانع من الجمع ولو صلى الحاج منفرداً في‬
‫رحله‪.‬‬
‫‪ - 2‬يصح للحاج أن يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة بأذان واحد وإ قامة واحدة‪،‬‬
‫وال تجزئ صالة المغرب بطريق مزدلفة‪ ،‬لما روي عن أسامة بن زيد رضي اللّه عنهما أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم حيث أفاض من عرفة مال إلى الشعب فقضى‪ S‬حاجته فتوضأ‪ ،‬فقلت يا رسول‬
‫صح‪.‬‬
‫اللّه أتصلي؟ فقال‪( :‬الصالة أمامك)(‪ .)2‬لكن إن فعل ولم يعده حتى طلع الفجر ّ‬
‫أما في غير الحج فال يجوز الجمع مطلقاً ال في السفر وال في الحضر وال لعذر‪ ،‬والدليل على ذلك‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إن الصالة التي قدمت عن وقتها لم تجب أصالً قبل دخول الوقت‪ ،‬وألن تأخير الوقتية عن وقتها‬
‫ال يحل أصالً‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إن جميع األدلة الواردة في الجمع تُحمل على الجمع الصوري‪ ،‬وهو تأخير صالة الظهر حتى‬
‫قبل دخول وقت العصر بما يسع الصالة ثم صالة العصر في أول وقتها‪ .‬والدليل على هذا التأويل‪:‬‬
‫ما روى ابن ِحبَّان عن نافع قال‪ :‬خرجت مع ابن عمر رضي اللّه عنهما في سفر‪ ،‬وغابت الشمس‬
‫إلي ومضى حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى‬
‫فلما أبطأ قلت‪ :‬الصالة يرحمك اللّه‪ .‬فالتفت ّ‬
‫المغرب‪ ،‬ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق فصلى بنا‪ ،‬ثم أقبل علينا فقال‪" :‬إن رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم كان إذا عجل به السير صنع هكذا"‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬لما روى عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي‬
‫الصالة لوقتها إال بجمع وعرفات)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.94/1584‬‬
‫(‪ )3‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب المناسك ص ‪.254‬‬
‫__________‬

‫( ‪)1/134‬‬

‫قضاء الفوائت‪:‬‬
‫األداء هو تسليم عين الواجب في وقته‪ ،‬ويكون كامالً بصالة الجماعة وقاصراً بصالة المنفرد‪.‬‬
‫والقضاء‪ :‬هو تسليم مثل الواجب بعد خروج الوقت‪.‬‬
‫وتأخير الصالة عن وقتها كبيرة ال تزول بالقضاء فقط‪ ،‬وإ نما يسقط إثم الترك بالقضاء‪ ،‬أما إثم‬
‫فالبد فيه من التوبة النصوح أو الحج‪.‬‬
‫التأخير ّ‬
‫وأما اإلعادة‪ :‬فهي فعل مثل الواجب في الوقت لخلل غير الفساد‪ ،‬فكل صالة أديت مع الكراهة‬
‫التحريمية تعاد وجوباً في الوقت وندباً بعد خروجه‪.‬‬
‫وال تقضى النوافل إال سنة الفجر فتقضى‪ S‬تبعاً مع الفرض‪ ،‬أما لو أراد قضاء الفجر بعد الزوال فال‬
‫تقضى السنة‪ .‬وتقضى سنة الظهر القبلية بعد الفرض إن خاف فوت الجماعة أو الوقت بشرط بقاء‬
‫الوقت بعد أداء الفرض‪ ،‬فإذا خرج الوقت فال قضاء للسنة القبلية في هذه الحالة‪.‬‬
‫كيفية القضاء‪:‬‬

‫( ‪)1/135‬‬

‫األصل في القضاء أن الترتيب بين الفوائت وفرض الوقت وكذا الترتيب بين نفس الفوائت القليلة‬
‫مستحق أي الزم‪ .‬وذلك لما روي عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪" :‬إن المشركين شغلوا‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء اللّه‪ ،‬فأمر‬
‫فأذن‪ ،‬ثم أقام فصلى الظهر‪ ،‬ثم أقام فصلى العصر‪ ،‬ثم أقام فصلى المغرب‪ ،‬ثم أقام فصلى‬‫بالالً َّ‬
‫العشاء"(‪ ،)1‬وعن مالك رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬وصلوا كما‬
‫رأيتموني أصلي)(‪.)2‬‬
‫ويسقط الترتيب بإحدى ثالث‪:‬‬
‫‪ - 1‬ضيق الوقت‪.‬‬
‫‪ - 2‬النسيان‪ ،‬فلو تذكرها بعد الصالة الوقتية يقضي ما فاته وال يعيد‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه‬
‫عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إن اللّه وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا‬
‫عليه)(‪.)3‬‬
‫‪ - 3‬إذا صارت الفوائت ستاً سقط الترتيب‪.‬‬
‫ولو صلى المكلف فرضاً ذاكراً الفائتة فسد فرضه فساداً موقوفاً حتى يصلي خمس صلوات متذكراً‬
‫للمتروكة‪ ،‬فإذا بقيت في ذمته حتى خروج خمس صلوات صحت جميعاً‪ ،‬وإ ن قضاها قبل مضي‬
‫خمس صلوات فسدت جميعاً‪.‬‬
‫وإ ذا كثرت الفوائت فال بد من التعيين كأن يقول‪ :‬نويت قضاء آخر ظهر لم أصلِّه أو قضاء أو ظهر‬
‫علي‪.‬‬
‫مما ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.132/179‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب األذان باب ‪.18/605‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطالق باب ‪.16/2045‬‬

‫( ‪)1/136‬‬

‫حكم قضاء الفوائت‪:‬‬


‫‪ - 1‬واجب عند جمهور الفقهاء (‪ ،)1‬وجميع أوقات العمر وقت للقضاء عدا أوقات النهي الثالثة‪.‬‬
‫‪ - 2‬يجب القضاء على الفور عند اإلمام أبي يوسف‪ ،‬وعلى التراخي عند اإلمام محمد وقال اإلمام‬
‫أبو حنيفة‪ :‬يجب القضاء على الفور‪ ،‬إنما يجوز التأخير من أجل السعي على العيال إن كثرت‬
‫الفوائت‪.‬‬
‫ودليل وجوب قضاء الفوائت‪ ،‬ما روي عن أنس رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪( :‬إذا رقد أحدكم عن الصالة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها‪ ،‬فإن اللّه يقول‪ S:‬أقم الصالة‬
‫لذكري)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قال اإلمام أحمد‪ :‬ال يجب القضاء ألن المؤمن بتركه الصالة عامداً بغير عذر صار مرتداً‪،‬‬
‫والمرتد ال يؤمر بقضاء ما فاته إذا تاب‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.55/316‬‬

‫( ‪)1/137‬‬

‫الباب الثاني (األذان واإلقامة)‪.‬‬


‫معنى األذان‪:‬‬
‫لغة‪ :‬اإلعالم‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪{ :‬وأذان من اللّه ورسوله}(‪ )1‬أي إعالم‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬ذكر مخصوص ُيعلم به دخول وقت الصالة المفروضة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.3 :‬‬

‫( ‪)1/138‬‬

‫معنى اإلقامة‪ :‬هي ذكر مخصوص الستنهاض الحاضرين للصالة‪.‬‬


‫دليل مشروعيتهما‪:‬‬
‫ثبتت مشروعية النداء للصالة بالكتاب والسنة‪.‬‬
‫ففي الكتاب قوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصالة من يوم الجمعة}(‪.)1‬‬
‫وقوله ج ّل شأنه‪{ :‬وإ ذا ناديتم إلى الصالة اتخذوها هزواً ولعباً}(‪.)2‬‬
‫وأما السنة فحديث مالك بن الحويرث رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬فإذا‬
‫وليؤمكم أكبركم)(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫حضرت الصالة فليؤذن لكم أحدكم‬
‫وقد أذن جبريل عليه الصالة والسالم يوم اإلسراء وأقام الصالة‪ ،‬ولكن رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫يعمم ذلك‪ ،‬ثم شرع األذان في السنة األولى للّهجرة‪ ،‬وكان المسلمون يصلّون بالمناداة في‬
‫وسلم لم ّ‬
‫الطريق‪ :‬الصالة‪ ..‬الصالة‪ ..‬ثم تشاور الصحابة رضوان اللّه عليهم في عالمة يعرفون بها وقت‬
‫الصالة مع النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬وجاء ذلك فيما روي عن عبد اللّه بن زيد بن عبد ربه رضي‬
‫اللّه عنه قال‪( :‬لما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالناقوس يعمل ُليضرب به للناس لجمع‬
‫الصالة‪ ،‬طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده‪ ،‬فقلت‪ :‬يا عبد اللّه أتبيع الناقوس؟ قال‪ :‬وما‬
‫تصنع به؟ فقلت‪ :‬ندعو به إلى الصالة‪ .‬قال‪ :‬أفال أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له‪ :‬بلى‪ .‬قال‪:‬‬
‫فقال تقول‪ :‬اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اللّه‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اللّه‪،‬‬
‫أشهد أن محمداً رسول اللّه‪ ،‬أشهد أن محمداً رسول اللّه‪ ،‬حي على الصالة‪ ،‬حي على الصالة‪ ،‬حي‬
‫على الفالح‪ ،‬حي على الفالح‪ ،‬اللّه أكبر اللّه أكبر‪ ،‬ال إله إال اللّه‪ ،‬قال‪ :‬ثم استأخر عني غير بعيد ثم‬
‫قال‪ :‬وتقول‪ S‬إذا أقمت الصالة‪ :‬اللّه أكبر اللّه أكبر‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اللّه‪ ،‬أشهد أن محمداً رسول‬
‫اللّه‪ ،‬حي على الصالة‪ ،‬حي على الفالح‪ ،‬قد قامت الصالة‪ ،‬قد قامت الصالة‪ ،‬اللّه أكبر اللّه أكبر‪ ،‬ال‬
‫إله إال اللّه‪.‬‬
‫فلما أصبحت أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال‪ :‬إنها لرؤيا حق إن شاء‬
‫اللّه‪ ،‬فقم مع بالل فألق عليه ما رأيت فليؤ ّذن به فإنه أندى صوتاً منك‪ ،‬فقمت مع بالل فجعلت ألقيه‬
‫عليه ويؤذن به‪ .‬قال‪ :‬فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته‪ ،‬فخرج يجر رداءه ويقول‪ S:‬والذي‬
‫بعثك بالحق يا رسول اللّه لقد رأيت مثل ما رأى‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬فللّه الحمد)(‬
‫‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الجمعة‪.3 :‬‬
‫(‪ )2‬المائدة‪.58 :‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب األذان باب ‪.17/602‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.28/499‬‬

‫( ‪)1/139‬‬

‫وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل األذان والمؤ ّذن‪( ،‬وإ ن كانت اإلمامة أفضل من األذان)(‪ )1‬منها‬
‫ما رواه أبو هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬لو يعلم الناس ما في‬
‫النداء والصف واألول ثم لم يجدوا إال أن َي ْستَ ِهموا عليه الستَهَموا‪ ،‬ولو يعلمون ما في التهجير‬
‫مة والصبح ألتوهما ولو حبواً)(‪ ،)2‬وعن ابن عباس رضي اللّه‬ ‫الستبقوا إليه‪ ،‬ولو يعلمون ما في العتْ ِ‬
‫َ‬
‫عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من أ ّذن سبع سنين محتسباً كتبت له براءة من النار)(‬
‫‪.)3‬وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬اإلمام ضامن‬
‫والمؤذن مؤتمن‪ ،‬اللّهم أرشد األئمة واغفر للمؤذنين)(‪.)4‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬لمواظبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليها دون األذان‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب األذان باب ‪.9/590‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.152/206‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪ ،32/517‬ضامن‪ :‬المقصود بالضمان هنا ِ‬
‫الح ْفظ والرعاية‬
‫ألنه يضمن على القوم صالتهم‪ .‬فصالة المقتدين به في عهدته وصحتها مقرونة بصحة صالته‪ ،‬فهو‬
‫ِّ‬
‫كالمتكفل لهم صالتهم‪.‬‬

‫( ‪)1/140‬‬

‫حكم األذان واإلقامة‪:‬‬


‫هما سنتان مؤكدتان في قوة الواجب‪ ،‬لقول اإلمام محمد‪ :‬لو اجتمع أهل بلدة على ترك األذان قاتلتهم‪،‬‬
‫ولو تركه واحد لضربته وحبسته‪.‬‬
‫وهما سنة للجماعة والمنفرد‪ ،‬ألنهما من شعار اإلسالم سواء كان في المسجد أو في البيت أو في فالة‪،‬‬
‫فإنه يصلي خلفه جند من جنود اللّه‪ ،‬فعن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه‬
‫َّ‬
‫صف‬ ‫عليه وسلم‪( :‬ما من رجل يكون بأرض فيء‪ ،‬فيؤذن بحضرة الصالة ويقيم الصالة فيصلي‪ ،‬إال‬
‫خلفه من المالئكة ما ال يرى قطراه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه)(‪.)1‬‬
‫وعن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( S:‬يعجب‬
‫ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصالة ويصلي‪ ،‬فيقول اللّه عز وجل‪ :‬انظروا إلى‬
‫عبدي هذا يؤذن ويقيم الصالة‪ ،‬يخاف مني‪ ،‬قد غفرت لعبدي‪ ،‬وأدخلته الجنة)(‪.)2‬‬
‫وهما سنة للصالة‪ ،‬ال للوقت‪ ،‬وللفرائض ومنها الجمعة‪ .‬أما النوافل فال يؤذن لها‪.‬‬
‫كما يسن لقضاء الفوائت مطلقاً‪ ،‬لما روى عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪( :‬إن المشركين‬
‫شغلوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أربه صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء‬
‫اللّه‪ ،‬فأمر بالالً فأذن ثم أقام فصلى الظهر‪ ،‬ثم أقام فصلى العصر‪ ،‬ثم أقام فصلى المغرب‪ ،‬ثم أقام‬
‫فصلى العشاء)(‪.)3‬‬
‫وال يسن للنساء األذان واإلقامة‪ ،‬بل هما مكروهان‪ ،‬ألن حالهن مبني على الستر وال يكون األذان إال‬
‫برفع الصوت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.406‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.272/1203‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.132/179‬‬

‫( ‪)1/141‬‬
‫ألفاظ األذان واإلقامة‪:‬‬
‫‪ - 1‬التكبير في أول األذان أربعاً‪ ،‬مع جزم راء أكبر في األذان واإلقامة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يأتي بالشهادتين كل واحدة مرتين ويفصل‪ S‬بينهما بسكتة وال يرجع (‪ )1‬فيهما‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يزيد المؤذن بعد قوله‪" :‬حي على الفالح" في الفجر‪" :‬الصالة خير من النوم"‪ ،‬لما روي عن‬
‫أبي محذورة رضي اللّه عنه قال‪( :‬كنت أؤذن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬وكنت أقول في أذان‬
‫الفجر األول‪ :‬حي على الفالح‪ ،‬الصالة خير من النوم‪ ،‬الصالة خير من النوم‪ ،‬اللّه أكبر اللّه أكبر‪ ،‬ال‬
‫إله إال اللّه)(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬واإلقامة مثل األذان إال أنه يزيد فيها بعد قوله‪" :‬حي على الفالح"‪" :‬قد قامت الصالة" يكررها‬
‫مرتين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترجيع أن يقول كلمتي الشهادة أوالً بصوت منخفض في األولى‪ ،‬ثم يرفع صوته في الثانية‪.‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.14‬‬

‫( ‪)1/142‬‬

‫شروط األذان واإلقامة‪:‬‬


‫‪ - 1‬دخول الوقت‪ ،‬ألنه إعالم بالوقت فال يصح قبله‪ .‬أما اإلقامة فالبد فيها من إرادة الصالة فعالً‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكونا بالعربية إن كان هناك من يحسنها‪ ،‬ويصح لألعجمي أن يؤذن لنفسه بلغته إن لم يحسن‬
‫العربية حتى يتعلمها‪.‬‬
‫‪ - 3‬المواالة والترتيب‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن يسمع نفسه إن كان منفرداً‪ ،‬وأن يسمع بعض الجماعة إن كان في جماعة‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يكون المؤذن رجالً مسلماً عاقالً‪ ،‬فال يصح أذان المجنون وال الكافر‪.‬‬
‫سنن األذان واإلقامة‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون المؤذن صالحاً‪ ،‬أميناً في الدين‪ ،‬عالماً بالسنة وأوقات الصالة‪ ،‬لما روى ابن عباس‬
‫خياركم وليؤمكم قراؤكم)(‬ ‫ِ‬
‫رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ليؤ ّذن لكم ُ‬
‫‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون على طهارة‪ ،‬ألنه ِذ ْكر ومتصل بالصالة‪ ،‬ولما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه‬
‫أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ال ِّ‬
‫يؤذن إال متوضئ)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون واقفاً‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪( :‬يا بالل قم فناد بالصالة)(‪.)3‬‬
‫‪ - 4‬أن يتوجه المؤذن نحو القبلة‪ ،‬فإذا بلغ الحيعلتين التفت عن يمينه فقال‪" :‬حي على الصالة"‪ ،‬ثم‬
‫حول صدره عن القبلة وال قدميه عن‬
‫التفت عن يساره فقال‪" :‬حي على الفالح"‪ ،‬من غير أن ُي ِّ‬
‫ويتبع فاه ههنا وههنا‪،‬‬
‫مكانهما‪ ،‬لحديث أبي ُجحيفة رضي اللّه عنه قال‪( :‬رأيت بالالً يؤ ّذن ويدور ُ‬
‫وإ صبعاه في أذنيه)(‪.)4‬‬
‫‪ - 5‬أن يجعل إصبعيه في أذنيه في األذان دون اإلقامة للحديث المتقدم‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يترسَّل (‪ )5‬في األذان‪ ،‬ويسرع في اإلقامة‪ ،‬لحديث جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما أن‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لبالل‪( :‬يا بالل إذا َّأذ ْنت فترسَّل في أذانك‪ ،‬وإ ذا أقمت ُ‬
‫فاحدر)(‬
‫‪.)6‬‬
‫‪ - 7‬أن يكون المؤذن حسن الصوت عاليه‪ ،‬ألنه أبعث على اإلجابة بدليل الحديث المتقدم‪( :‬فقم مع‬
‫بالل فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتاً منك)‪.‬‬
‫‪ - 8‬أن يفصل بين األذان واإلقامة‪ ،‬إذ يكره وصلهما‪ ،‬كي يتحضر المصلون‪.‬‬
‫‪ - 9‬التثويب بعد األذان لتأكيد اإلعالم‪ ،‬بأن يقول‪ S:‬يا مصلين‪ :‬الصالة‪ .‬الصالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب اآلذان باب ‪.5/726‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.147/200‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.1/1‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.144/197‬‬
‫(‪ )5‬أي يفصل بسكتة بين كل كلمتين منه‪.‬‬
‫واحدر‪ :‬أي أسرع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫(‪ )6‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪،143/195‬‬
‫__________‬

‫( ‪)1/143‬‬

‫مكروهات األذان واإلقامة‪:‬‬


‫‪ - 1‬يكره التلحين والتمطيط في األذان‪.‬‬
‫الجُنب وإ قامته‪ ،‬والكراهة هنا تحريمية‪.‬‬
‫‪ - 2‬كره أذان ُ‬
‫الم ْحِدث لما في األذان من الدعاء والذكر‪.‬‬
‫‪ - 3‬يكره أذان ُ‬
‫‪ - 4‬يكره أذان الصبي(‪ ،)1‬وقال جمهور العلماء‪ :‬ال يجوز أصالً‪.‬‬
‫‪ - 5‬يكره أذان المرأة والفاسق‪.‬‬
‫‪ - 6‬يكره الكالم أثناء األذان ولو بَِر ِّد السالم‪.‬‬
‫‪ - 7‬يكره األذان واإلقامة للظهر يوم الجمعة لمن فاتته وللمعذور أيضاً‪.‬‬
‫‪ - 8‬يكره خروج المؤذن أو أحد المصلين من المسجد بعد األذان حتى تنتهي الصالة إال أن يخرج‬
‫لحاجة‪ ،‬لما روي عن أبي الشعثاء قال‪" :‬كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة‪ ،‬فأ ّذن المؤذن فقام رجل‬
‫من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة‪" :‬أما هذا فقد‬
‫عصى أبا القاسم صلى اللّه عليه وسلم "(‪ .)2‬أما لو خرج بعد الصالة ولو منفرداً فال كراهة‪.‬‬
‫‪ - 9‬يكره أخذ األجرة على األذان‪ ،‬إال أن المتأخرين من علمائنا أجازوه مطلقاً لعدم وجود متطوعين‬
‫إلي رسول‬
‫وحفظاً للشعائر‪ ،‬وروي عن عثمان بن أبي العاص رضي اللّه عنه قال‪( :‬إن آخر ما عهد ّ‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أتخذ مؤذناً ال يأخذ على أذانه أجراً)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المراد بالصبي‪ :‬الذي ال يعقل‪ ،‬أما الصبي العاقل المراهق فيجوز أذانه بال كراهة‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.45/258‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.155/209‬‬

‫( ‪)1/144‬‬

‫حكم إجابة المؤذن وما يسن فيها‪:‬‬


‫األكثر من فقهاء الحنفية على أن إجابة المؤذن قوالً وفعالً سنة‪ ،‬وقال بعضهم واجب استناداً إلى‬
‫الحديث الذي رواه عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما أنه سمع النبي صلى اللّه عليه‬
‫علي صالة صلى‬ ‫علي‪ ،‬فإنه من صلى َّ‬ ‫وسلم يقول‪( S:‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول‪ ،‬ثم صلوا َّ‬
‫اللّه عليه بها عشراً‪ ،‬ثم ِسلُوا اللّه عز وجل لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة ال تنبغي إالّ لعبد من عباد‬
‫اللّه تعالى‪ ،‬وأرجو أن أكون أنا هو‪ ،‬فمن سأل اللّه لي الوسيلة حلّت عليه الشفاعة)(‪.)1‬‬
‫ويسن‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يجيب المؤذن كل من سمعه سواء كان جنباً أو طاهراً‪ ،‬واستثنى الحائض والنفساء لعجزهما‬
‫عن اإلجابة بالفعل‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يمسك سامع األذان عن القراءة والذكر‪ ،‬وإ ن كان قاعداً قام أو مستلقياً جلس‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.36/523‬‬

‫( ‪)1/145‬‬
‫"حي على الفالح"‪ ،‬فيقول‪" S:‬ال حول‬
‫‪ - 3‬أن يقول السامع في اإلجابة كما يقول المؤذن إال عند قوله‪ّ :‬‬
‫وال قوة إال باللّه العلي العظيم"‪ ،‬لما روي عن عمر رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬إذا قال المؤذن اللّه أكبر اللّه أكبر فقال أحدكم اللّه أكبر اللّه أكبر‪ ،‬ثم قال‪ :‬أشهد أن ال إله‬
‫إال اللّه قال‪ :‬أشهد أن ال إله إال اللّه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أشهد أن محمداً رسول اللّه قال‪ :‬أشهد أن محمداً رسول‬
‫حي على الفالح‪ ،‬قال‪ :‬ال‬
‫حي على الصالة‪ ،‬قال‪ :‬ال حول وال قوة إال باللّه‪ ،‬ثم قال‪ّ :‬‬
‫اللّه‪ ،‬ثم قال‪ّ :‬‬
‫حول وال قوة إال باللّه‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللّه أكبر اللّه أكبر قال‪ :‬اللّه أكبر اللّه أكبر‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال إله إال اللّه قال‪:‬‬
‫ال إله إال اللّه من قلبه دخل الجنة)(‪ .)1‬وأن يقول عندما يقول المؤذن في الفجر "الصالة خير من‬
‫النوم"‪" :‬صدقت وبررت وبالحق نطقت"‪ .‬وعند اإلقامة يقول‪" :‬أقامها اللّه وأدامها وجعلنا من صالحي‬
‫أهلها"‪ ،‬فعن أبي أمامة رضي اللّه عنه أو عن بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أن بالالً أخذ‬
‫في اإلقامة فلما أن قال‪ :‬قد قامت الصالة قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أقامها اللّه وأدامها)(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬أن يجيب المؤذن بكلمات اإلجابة كلها مرتبة سواء سمع كل األذان أو بعضه‪ .‬ولو سمع من عدة‬
‫مساجد أجاب األقرب إلى منزله‪ .‬ويمكن أن يتدارك اإلجابة إن كان في شغل‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يصلي ويسلم على النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد اإلجابة ثم يقول‪" S:‬اللّهم َّ‬
‫رب هذه الدعوة‬
‫التامة‪ ،‬والصالة القائمة‪ ،‬آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة (‪ ،)3‬وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته"‪،‬‬
‫لما روى جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من قال حين‬
‫يسمع النداء‪ :‬اللّهم رب هذه الدعوة التامة‪ ،‬والصالة القائمة‪ ،‬آت محمداً الوسيلة والفضيلة‪ ،‬ابعثه مقاماً‬
‫محموداً الذي وعدته حلَّت له شفاعتي)(‪.)4‬‬
‫ويدعو بعدها بما شاء من حوائج الدنيا واآلخرة‪ ،‬لحديث أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫يرد بين األذان واإلقامة)(‪.)5‬‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬الدعاء ال ّ‬
‫وعن أم سلمة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬علمني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أقول عند أذان‬
‫المغرب‪ :‬اللّهم هذا إقبال ليلك‪ ،‬وإ دبار نهارك‪ ،‬وأصوات دعاتك‪ ،‬فاغفر لي)(‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.7/12‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.37/528‬‬
‫(‪ )3‬الدرجة العالية الرفيعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب األذان باب ‪.8/589‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.158/212‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.39/530‬‬
‫__________‬

‫( ‪)1/146‬‬
‫الباب الثالث (أحكام الصالة)‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬شروط الصالة‬
‫ما تتوقف عليه صحة الصالة قسمان‪ :‬شروط وأركان‪.‬‬
‫والشروط هي ما تتوقف عليها صحة الصالة وغير داخلة في ماهيتها‪ ،‬أما األركان فهي ما تتوقف‬
‫عليها صحة الصالة أيضاً ولكنها داخلة في ماهيتها‪.‬‬
‫وشروط الصالة هي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الطهارة من الحدثين األصغر واألكبر‪ :‬وذلك بالوضوء والغسل أو التيمم‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصالة فاغسلوا وجوهكم‪ ...‬وإ ن كنتم جنباً فاطهروا}(‪ ،)1‬وعن ابن عمر‬
‫رضي اللّه عنهما قال‪ :‬إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( S:‬ال تقبل صالة بغير‬
‫طهور وال صدقة من غلول)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المائدة‪.6 :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.2/1‬‬

‫( ‪)1/147‬‬

‫معفو عنها‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وثيابك فطهّر}(‪،)1‬‬‫ثانياً‪ :‬طهارة الثوب والجسد والمكان من كل نجاسة غير ّ‬
‫وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي اللّه عنهما أن امرأة سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن‬
‫الثوب يصيبه الدم من الحيضة‪ .‬فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬حتِّ ِ‬
‫يه‪ ،‬ثم اقرصيه بالماء ثم‬ ‫ُ‬
‫رشيه وصلي فيه‪ .)2()...‬والبدن أولى بالتطهير من الثوب‪ ،‬ودليل ذلك حديث عائشة رضي اللّه‬
‫عنها قالت‪ :‬قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬يا رسول اللّه‪ ،‬إني ال‬
‫أطهر‪ ،‬أفأدع الصالة؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إنما ذلك ِع ْرق وليس بالحيضة‪ ،‬فإذا‬
‫أقبلت الحيضة فاتركي الصالة‪ ،‬فإذا ذهب قَ ْدرها فاغسلي عنك الدم وصلي)(‪ ،)3‬ولحديث المعذبين‬
‫في القبر‪.‬‬
‫وأما طهارة المكان الذي يصلي فيه‪ ،‬فلحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قام أعرابي فبال في‬
‫وه ِريقوا على بوله َس ْجالً (‪)4‬‬
‫المسجد‪ ،‬فتناوله الناس‪ ،‬فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬دعوه َ‬
‫من ماء‪ ،‬أو َذنوباً (‪ )5‬من ماء‪ ،‬فإنما بعثتم ميسرين‪ ،‬ولم تبعثوا معسرين)(‪ ،)6‬وطهارة المكان أولى‬
‫من طهارة الثوب‪.‬‬
‫ويشترط في طهارة المكان طهارة موضع السجود وخاصة الجبهة ثم القدمين والركبتين واليدين‬
‫واألنف‪.‬‬
‫فروع‪:‬‬
‫‪ - 1‬ال يضر وقوع ثياب المصلي على أرضة نجسة جافة أثناء الصالة ما دام يسجد على طاهر‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا كانت األرض نجسة فوضع عليها ثوباً ثخيناً ال يشف النجاسة جاز‪.‬‬
‫ِّ‬
‫يصل المصلي على الطرف النجس‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تصح الصالة على سجادة أحد أطرافها نجس إن لم‬
‫‪ - 4‬تصح الصالة على سجادة ذات بطانة وجهها طاهر والوجه اآلخر نجس إن كانت غير مضربة؛‬
‫بحيث يمكن فصل كل وجه على حدة‪.‬‬
‫‪ - 5‬يعتبر حامل النجاسة كالبسها‪ ،‬وكذا حمل الطفل أو جلوسه في حضن المصلي إذا كان معه‬
‫نجاسة‪ ،‬يبطل الصالة إذا كان الطفل ال يستمسك وحده‪.‬‬
‫‪ - 6‬يصلي ِ‬
‫فاقد ما يزيل به النجاسة بالثوب النجس وال يعيد ألن التكليف قدر الوسع‪.‬‬
‫‪ - 7‬ال عذر بالجهل وال بالنسيان‪ ،‬فلو صلى بثوب نجس ناسياً أو جاهالً وجبت عليه اإلعادة إن علم‬
‫في الوقت أو بعده‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المدثر‪.4 :‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب الطهارة باب ‪.104/138‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.8/300‬‬
‫الس ْجل‪ :‬الدلو العظيمة فيها ماء قل أو كثر‪.‬‬
‫(‪َ )4‬‬
‫(‪ )5‬ال َذنوب‪ :‬الدلو‪.‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوضوء باب ‪.57/217‬‬
‫__________‬

‫( ‪)1/148‬‬

‫ثالثاً‪ :‬ستر العورة‪:‬‬


‫الع َور‪ ،‬وهو النقص والعيب‪ ،‬وسميت بذلك لقبح ظهورها‪ .‬وتعرف شرعاً‬
‫العورة لغة‪ :‬مأخوذة من َ‬
‫بأنها ما ُيطلب َستْره‪.‬‬
‫وستر العورة من الواجبات الدينية في الصالة وخارجها‪ ،‬لحديث بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه‬
‫عن جده رضي اللّه عنه قال‪ :‬قلت يا رسول اللّه‪ :‬عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال‪( :‬احفظ‬
‫عورتك إال من زوجتك أو ما ملكت يمينك‪ .‬قال‪ :‬قلت يا رسول اللّه إذا كان القوم بعضهم مع بعض؟‬
‫قال‪ :‬إن استطعت أن ال تِريها أحداً فال ّ‬
‫ترينها‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول اللّه فإن كان أحدنا خالياً؟ قال‪ :‬فاللّه‬
‫أحق أن يستحيي منه من الناس)(‪.)1‬‬
‫وحد العورة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬للرجل‪ :‬هي ما بين السرة والركبة‪ ،‬لحديث أبي أيوب رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬ما فوق الركبتين من العورة‪ ،‬وما أسفل من السرة من العورة)(‪.)2‬‬
‫وليست السرة على أرجح القولين من العورة‪ ،‬أما الركبة فمن العورة لما روي عن علي رضي اللّه‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬الركبة من العورة)(‪ .)3‬وقيل‪ :‬وإ ن كان في الحديث‬
‫ضعف ولكن األحوط هو الستر‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المرأة‪ :‬عورة المرأة جميع بدنها عدا الوجه والكفين‪ ،‬بدليل حديث عبد اللّه بن مسعود رضي‬
‫اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)(‪،)4‬‬
‫وحديث عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ال يقبل اللّه صالة حائض إال‬
‫بخمار)(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب النكاح باب ‪.28/1920‬‬
‫(‪ )2‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.231‬‬
‫(‪ )3‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.231‬‬
‫صره‪.‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الرضاع باب ‪ ،18/1173‬واستشرف الشيء‪ :‬أ َْب َ‬
‫(‪ )5‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.132/655‬‬

‫( ‪)1/149‬‬

‫واختلف في ظاهر الكفين‪ :‬قيل هو عورة‪ ،‬وقيل إنه ليس بعورة في الصالة‪ ،‬وقيل إنه ليس بعورة‬
‫مطلقاً وذلك لعموم البلوى‪.‬‬
‫أما ظاهر القدمين وباطنهما فليسا من العورة على المعتمد‪ ،‬وقيل هما عورة خارج الصالة‪ .‬وتمنع‬
‫الشابة من كشف وجهها في غير الصالة خوف الفتنة‪ ،‬أما في الصالة فترفع الغطاء عن وجهها عند‬
‫السجود‪.‬‬
‫وال عورة للصغير دون أربع سنوات‪ ،‬ثم تكون عورته مخففة إلى عشر سنوات‪.‬‬
‫وعورة األمة كعورة الرجل مع ظهرها وبطنها‪.‬‬
‫أي عضو من أعضاء الجسم قدر أداء ركن ولو بدون قصد‪ .‬وإ ذا‬
‫ربع ّ‬
‫كشف ِ‬
‫ُ‬ ‫ويمنع من صحة الصالة‬
‫تعدد أماكن الكشف يجمع ما تكشف‪ ،‬فتبطل الصالة إن كان مجموع ما انكشف ربع أصغر عضو‬
‫انكشف‪.‬‬
‫ويشترط في الساتر للعورة أن يكون سميكاً مانعاً من وصف لون البشرة دون حجمها‪ ،‬فلو صلى‬
‫بثوب ضيق يظهر شكل العورة صحت صالته مع الكراهة‪.‬‬
‫كما يشترط أن ال تظهر العورة من الجوانب‪ ،‬أما إذا كانت عورته ترى من األسفل أو من الجيب فال‬
‫يضر‪.‬‬
‫ويستحب أن يصلي الرجل في ثالثة أثواب من أحسن ثيابه‪ :‬قميص وإ زار وعمامة‪ ،‬ويجب أن يشمل‬
‫الساتر عامة جسده‪ ،‬روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫أو قال‪ :‬قال عمر رضي اللّه عنه‪( :‬إذا كان ألحدكم ثوبان فليصل فيهما‪ ،‬فإن لم يكن إال ثوب واحد‬
‫فليَّتزر به وال يشتمل اشتمال اليهود)(‪.)1‬‬
‫ويكره تحريماً أن يصلي الرجل في ثوب واحد كاشفاً كتفيه‪ ،‬كما يكره أن يصلي في ثوب حرير أو‬
‫ثوب مغصوب‪ S‬إال عند الضرورة‪.‬‬
‫أما المرأة فتصلي في ثالثة أثواب‪ ،‬لما روي عن عمر رضي اللّه عنه قال‪" :‬تصلي المرأة في ثالثة‬
‫أثواب‪ ،‬درع وخمار وإ زار"(‪.)2‬‬
‫ومن ُع ِدم ثوباً طاهراً يصلي في الثوب النجس إذا كان ربعه فأكثر طاهراً‪ ،‬أما إذا كان أقل من الربع‬
‫طاهراً أو كان الثوب كله نجساً يخير بين أب يصلي فيه أو يصلي عرياناً‪ ،‬واألفضل‪ S‬أن يصلي‬
‫بالثوب النجس‪.‬‬
‫ومن عدم ما يستر به عورته يصلي وال يعيد‪ ،‬ويصلي العاري قاعداً مومياً بالركوع والسجود‪ ،‬ماداً‬
‫رجليه نحو القبلة مبالغة في الستر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.82/635‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.235‬‬

‫( ‪)1/150‬‬

‫رابعاً‪ :‬استقبال القبلة‪:‬‬


‫القبلة لغةً‪ :‬مطلق الجهة‪ ،‬تقول العرب‪ :‬من أين قبلتك‪ :‬أي جهتك‪.‬‬‫ِ‬
‫شرعاً‪ :‬جهة يصلي نحوها َم ْن في األرض السابعة إلى السماء السابعة‪ ،‬مما يحاذي الكعبة (‪ )1‬أو‬
‫جهتها‪.‬‬
‫كانت القبلة في أول اإلسالم ‪ -‬إلى بيت المقدس‪ ،‬وقبل الهجرة كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫في مكة يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس (أي يقف ما بين الركنين اليمانين) ثم حوله اللّه تعالى‬
‫إلى الكعبة بعد الهجرة بستة عشر شهراً وأيام‪ ،‬في يوم االثنين لنصف رجب من السنة الثانية في‬
‫صالة الظهر عند بداية الركعة الثالثة‪.‬‬
‫وثبت وجوب استقبال القبلة في قوله تعالى‪{ :‬فو ّل وجهك شطر المسجد الحرام}(‪ .)2‬وفي حديث عبد‬
‫اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال‪( :‬بينما الناس في صالة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال‪ :‬إن‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أُنزل عليه الليلة‪ ،‬وقد أمر أن يستقبل القبلة‪ ،‬فاستقبلوها‪ ،‬وكانت‬
‫وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة)(‪ ،)3‬وعن البراء رضي اللّه عنه قال‪( :‬صلينا مع رسول‬
‫ص ِر ْفنا نحو‬ ‫ِ‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً‪ .‬ثم ُ‬
‫الكعبة)(‪.)4‬‬
‫ويشترط استقبال بقعة الكعبة ألبنائها‪ ،‬حتى لو رفعت عن مكانها فالبلة باتجاه أرضها‪ .‬ومن كان‬
‫مشاهداً بمكة وجب استقبال عين الكعبة في الصالة‪ ،‬إال أن يحجبه عنها أبنية فتكفي الجهة‪.‬‬
‫أما من كان بعيداً فيجب عليه استقبال جهة الكعبة‪ ،‬وذلك بأن يكون مسامتاً أي محاذياً للكعبة أو‬
‫لهوائها تحقيقاً أو تقريباً‪.‬‬
‫ومعنى التحقيق‪ :‬أنه لو فرض خط من تلقاء وجه المصلي على زاوية قائمة مع األفق يكون ماراً على‬
‫الكعبة أو هوائها‪.‬‬
‫ومعنى التقريب‪ :‬أن يكون منحرفاً عنها انحرافاً ال تزول به المقابلة بالكلية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وتسمى أيضاً محراباً‪ ،‬ألن من يقابلها يحارب النفس والشيطان‪.‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.144 :‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.2/13‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.2/12‬‬

‫( ‪)1/151‬‬

‫معرفة القبلة‪:‬‬
‫تعرف القبلة في األمصار بالمحاريب التي نصبها الصحابة والتابعون‪ ،‬فإن لم توجد فبسؤال أهل‬
‫والمفَاوز (‪ )1‬تعرف القبلة بالنجوم‪ ،‬لما روي عن عمر رضي اللّه عنه أن‬
‫المصر‪ ،‬وفي البحار َ‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬تعلموا من النجوم ما تهتدون به إلى القبلة)‪.‬‬
‫ويجب التحري (‪ )2‬عند عدم العلم‪ ،‬ويصلي بما أدى إليه تحريه‪ ،‬فإن علم خطأ تحريه بعد الصالة فال‬
‫يعيد‪ ،‬لما روي عن عامر بن ربيعة عن أبيه قال‪( :‬كنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في سفره‪ ،‬في‬
‫ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة‪ ،‬فصلى كل رجل منا على حياله‪ ،‬فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم فنزلت‪ :‬فأينما تولوا فثم وجه اللّه)(‪ .)3‬وإ ن تبين خطأه أو تبدل اجتهاده أثناء الصالة‬
‫استدار وبنى على ما أداه بالتحري‪.‬‬

‫وإ ذا صلى إلى غير جهة تحريه ال تصح صالته ولو أصاب‪ .‬وإ ن صلى بدون اجتهاد لم تصح صالته‬
‫وإ ذا علم بالخطأ في الصالة أو بعدها كما لو لم يعلم إصابته أصالً أو علم في الصالة أنه أصاب‪ .‬أما‬
‫إذا علم إصابته بعد الصالة فتصح‪.‬‬
‫أما المريض والعاجز عن استقبال القبلة فتكون قبلته جهة قدرته‪ ،‬ولو وجد من يوجهه إلى القبلة؛ ألن‬
‫القادر بقدرة غيره ليس قادراً‪ .‬وقبلة الخائف جهة أمنه سواء كانت الصالة فريضة أو نافلة‪.‬‬
‫__________‬
‫المفَاوز‪.‬‬
‫الب ِّرية القَ ْفر‪ ،‬والجمع َ‬
‫المفَازة‪َ :‬‬
‫(‪َ )1‬‬
‫(‪ )2‬التحري‪ :‬هو بذل المجهود لنيل المقصود‪.‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب تفسير القرآن باب ‪.3/2957‬‬

‫( ‪)1/152‬‬

‫ومن اضطر إلى الصالة وهو راكب طائرة أو سيارة فيقال فيها‪ :‬إذا كان اإلنسان في الطائرة وأدركه‬
‫وقت الصالة‪ ،‬فإن استطاع أن يصلي قائماً يركع ويسجد فعل‪ ،‬وإ ال قعد وصلى باإليماء مستقبالً‬
‫متحرياً جهة القبلة‪ .‬وأما السيارة‪ ،‬فإن كانت له أوقفها ونزل وصلى‪ ،‬وإ ن كانت لغيره ولم يرض‬
‫سائقها أن يقف له ليصلي؛ فإنه يصلي فيها باإليماء مستقبالً حسب اإلمكان‪ .‬واألحوط اإلعادة فيهما(‬
‫‪.)1‬‬
‫أما الصالة في السفينة فيشترط فيها استقبال القبلة‪ ،‬وتجوز قاعداً إذا كان الغالب فيها دوران الرأس‬
‫وكانت السفينة سائرة‪.‬‬
‫هذا كله بالنسبة لصالة الفرائض والوتر‪ .‬وأما على الدابة فال تجوز صالة الفرض والواجب إال‬
‫صر‪ ،‬وقال اإلمام أبو يوسف بجوازها في‬ ‫ِ‬
‫لعذر‪ ،‬أما النوافل فاألصح جوازها على الدابة خارج الم ْ‬
‫المصر‪ ،‬فيصلي الراكب مومياً إلى أي جهة‪ ،‬ويفتتح الصالة حيث توجهت به دابته‪ .‬وال يشترط‬
‫عجزه عن إيقافها للتحريمة‪ ،‬وذلك لما روي عن سالم بن عبد اللّه عن ابن عمر رضي اللّه عنهما‪:‬‬
‫(أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان ُيسبِّح على ظهر راحلته حيث كان وجهه‪ ،‬يومئ برأسه‪،‬‬
‫وكان ابن عمر يفعله)(‪.)2‬‬
‫ويجوز اإليماء بالصالة على الدابة ولو كانت السنن مؤكدة حتى سنة الفجر‪ ،‬وقيل‪ :‬إن اإلمام أبا‬
‫حنيفة كان ينزل عن الدابة لسنة الفجر ألنها آكد من غيرها‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬أو يقلد بجمع الصالتين بشروط الجمع‪ ،‬وجمع التأخير ْأولى‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب تقصير الصالة باب ‪.12/1054‬‬

‫( ‪)1/153‬‬

‫الصالة في الكعبة‪:‬‬
‫تصح الصالة داخل الكعبة فرضاً أو نفالً إلى أي جزء منها‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه‬
‫عنهما‪( :‬أنه إذا دخل الكعبة‪ ..‬يتوخى المكان الذي أخبره بالل‪ :‬أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫صلى فيه‪ ،‬وليس على أحد أن يصلي في أي نواحي البيت شاء)(‪.)1‬‬
‫الح ْجر (‪ )2‬بشرط استقبال الكعبة ال جدار ِ‬
‫الح ْجر‪.‬‬ ‫كما تصح الفريضة داخل ِ‬
‫وإ ذا أقيمت الصالة جماعة داخل الكعبة فيصح للمؤتم أن يقف إلى أي جهة‪ ،‬إال أنه يكره وقوفه إذا‬
‫قابل وجهُه وجهَ إمامه‪ ،‬وإ ذا جعل ظهره إلى وجه إمامه لم يصح اقتداؤه لتقدمه على إمامه‪ .‬ويصح‬
‫أن يكون اإلمام داخل الكعبة والمصلون خارجها إذا كان الباب مفتوحاً‪ ،‬ويصح اقتداء جميعهم‪ ،‬أي‬
‫حولها‪ ،‬إال من كان أقرب إلى الكعبة في جهة إمامه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحج باب ‪ .51/1522‬ومعنى ليس على أحد أن يصلي‪ :‬أي ليس على‬
‫أحد حرج أن يصلي‪.‬‬
‫(‪ِ )2‬‬
‫الح ْجر‪ :‬اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الشمالي‪.‬‬

‫( ‪)1/154‬‬

‫خامساً‪ :‬دخول الوقت‪:‬‬


‫يعتبر دخول الوقت سبباً لوجوب الصالة‪ ،‬وشرطاً ألدائها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬إن الصالة كانت على‬
‫المؤمنين كتاباً موقوتاً}(‪ ،)1‬وعن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫قال‪ ..( :‬فأيما رجل من أمتي أدركته الصالة فليصل)(‪ .)2‬فيجب أن يدخل الوقت جزماً في علم‬
‫المصلي حتى تصح الصالة‪ ،‬ولو صلّى دون علم جازم بدخول الصالة لم تصح صالته ولو صادف‬
‫دخول الوقت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النساء‪.103 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب التيمم حديث ‪.328‬‬

‫( ‪)1/155‬‬

‫سادساً‪ :‬النية‪:‬‬
‫وهي لغة‪ :‬العزم‪ ،‬شرعاً‪ :‬فصد الطاعة والتقرب إلى اللّه في إيجاد الفعل‪.‬‬
‫وبالنية تتميز العبادة عن العادة‪ ،‬ويتحقق اإلخالص‪ ،‬والمعتبر في النية عمل القلب ويستحب أن يوافقه‬
‫اللسان‪ ،‬والمهم أن يعلم بقلبه أي صالة يصلي‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وما أمروا إال ليعبدوا اللّه مخلصين له‬
‫الدين}(‪ ،)1‬وعن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫يقول‪( :‬إنما األعمال بالنيات وإ نما لكل امرئ ما نوى)(‪.)2‬‬
‫ويشترط فيها‪:‬‬
‫‪ - 1‬اتصال النية بالصالة بدون فاصل بينها وبين التحريمة بعمل ال يليق بالصالة‪ ،‬وال يعتبر المشي‬
‫إلى الصالة والوضوء فاصالً‪.‬‬
‫‪ - 2‬تعيين الفرض واسمه كالظهر مثالً‪ ،‬ولو نوى الفرض وشرع فيه ثم نسي كونه يصلي فرضاً أو‬
‫سنة أتمه نفالً وجاز (أي سقط عنه الفرض)‪ .‬ولو جمع بين نية الفرض والنفل صح للفرض‪ .‬كما‬
‫يشترط تعيين الواجب‪ .‬أما في النفل المطلق فال يشترط التعيين بل تكفي نية فعل الصالة مطلقاً‪ ،‬وكذا‬
‫في السنن الرواتب والتراويح على المعتمد؛ إذ أن وقوعها في وقتها يغني عن التعيين ولكن األحوط‬
‫تعيينها‪.‬‬
‫ظهر‬
‫‪ - 3‬يجب تعيين الصالة ويومها (‪ )3‬في قضاء الفوائت على المعتمد‪ ،‬واألسهل أن ينوي أول ُ‬
‫عليه مثالً‪ ،‬أو آخر ظهر فاته‪ .‬وقيل ال يشترط ذلك بل تكفيه نية الظهر ال غير‪ ،‬ولكن االشتراط‬
‫أحوط وبه جزم البعض‪.‬‬
‫‪ - 4‬يشترط للمقتدي أن ينوي المتابعة‪ ،‬بينما ال يشترط لإلمام لصحة االقتداء به أن ينوي اإلمامة بل‬
‫ينوي لينال الثواب عند اقتداء أحد به‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البينة‪.5 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب بدء الوحي باب ‪.1/1‬‬
‫(‪ )3‬هذا عند وجود المزاحم‪ ،‬أما عند عدمه فال‪ .‬كما لو كان في ذمته ظهراً واحداً فائت فإنه يكفيه أن‬
‫أي يوم‪.‬‬
‫ينوي ما في ذمته من الظهر الفائت وإ ن لم يعلم أنه من ّ‬
‫( ‪)1/156‬‬

‫سابعاً‪ :‬التحريمة(‪:)1‬‬
‫وهي أن يقول الداخل في الصالة‪" :‬اللّه أكبر"‪ ،‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها (أن رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم كان يفتتح الصالة بالتكبير والقراءة بالحمد للّه رب العالمين)(‪.)2‬‬
‫وأجمع العلماء على أن الدخول في الصالة ال يكون إال بالتحريمة؛ ويقصد بها الذكر الخالص للّه‬
‫تعالى‪ ،‬الذي يحرم به المصلي على نفسه االشتغال بما سوى اللّه‪.‬‬
‫أما األدلة على أن التحريمة شرط‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وذكر اسم ربه فصلى}(‪ ،)3‬وقيل‪ :‬المراد هنا للتحريمة وقد عطفت عليها الصالة‪،‬‬
‫ومقتضى العطف المغايرة‪.‬‬
‫وحديث علي رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬مفتاح الصالة الطَّهور‪،‬‬
‫وتحريمها التكبير‪ ،‬وتحليلها التسليم)(‪.)4‬‬
‫ويترتب على كون التحريمة شرط أنه لو أحرم ثم توجه نحو القبلة جاز‪ ،‬أو إن أحرم وهو يحمل‬
‫نجاسة فتذكرها وألقاها بعد التحريم جازت صالته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تعتبر تكبيرة اإلحرام في المذاهب األخرى ركن من أركان الصالة داخلة فيها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )3‬األعلى‪.15 :‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.31/61‬‬

‫( ‪)1/157‬‬

‫شروط التحريمة‪:‬‬
‫‪ - 1‬مقارنة التكبير للنية حقيقية أو حكماً‪ .‬والمقارنة الحقيقية‪ :‬أن ينوي مقارناً للشروع بالتكبير‪ ،‬فعن‬
‫أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال للمسيء في صالته‪( :‬إذا قمت‬
‫إلى الصالة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)(‪ .)1‬أما المقارنة حكماً‪ :‬فهي أن يقدم النية على‬
‫الشروع‪ ،‬فلو نوى مثالً عند الوضوء أنه يريد صالة الظهر‪ ،‬ولم يشتغل بعد النية بعمل يدل على‬
‫اإلعراض كأكل أو شرب‪ ،‬ثم انتهى إلى محل الصالة ولم تحضره النية جازت صالته بالنية السابقة‪.‬‬
‫وكذا يجوز تقديمها على الوقت كسائر الشروط ما لم يوجد ما يقطعها‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يأتي بها قائماً أو أقرب إلى القيام‪ ،‬فلو أتى بها راكعاً لم يصح الشروع‪.‬‬
‫‪ - 3‬النطق بها بصوت أقل ما فيه أن يسمع نفسه‪ .‬والسماع شرط فيما يتعلق بالنطق باللسان وهي‪:‬‬
‫التحريمة‪ ،‬القراءة السرية‪ ،‬التشهد‪ ،‬األذكار‪ ،‬الطالق‪ ،‬االستثناء‪ ،‬اليمين‪ ،‬النذر‪ .‬فلو أجرى هذه األمور‬
‫على القلب من غير تلفظ يسمع لم تثبت‪.‬‬
‫‪ - 4‬نية المتابعة مع نية أصل الصالة للمقتدي‪.‬‬
‫‪ - 5‬كونها باللفظ العربي للقادر عليها‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن ال يمد همزة فيها أو باء أكبر‪ ،‬وأن يأتي باأللف المحذوفة في الالم الثانية للفظ الجاللة‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن تكون التحريمة جملة تامة من مبتدأ وخبر‪.‬‬
‫‪ - 8‬أن تكون بذكر خالص فيه تعظيم للّه تعالى‪.‬‬
‫‪ - 9‬أن ال يقرن التكبير بما يفسده‪ ،‬أي أن ال يتكلم بألفاظ تشبه كالم الناس‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.39/760‬‬

‫( ‪)1/158‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬أركان الصالة‬


‫الركن األول‪ :‬القيام‪:‬‬
‫وهو ركن في صالة الفريضة وواجب للقادر عليه‪ ،‬فلو عجز عن القيام سقط عنه‪ .‬ودليل فرضية‬
‫القيام‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬وقوموا للّه قانتين}(‪ ،)1‬وحديث عمران بن الحصين رضي اللّه عنه قال‪ :‬كانت‬
‫ِّ‬
‫(صل قائماً‪ ،‬فإن لم تستطع فقاعداً‪،‬‬ ‫بي بواسير‪ ،‬فسألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الصالة فقال‪:‬‬
‫فإن لم تستطع فعلى جنب)(‪.)2‬‬
‫حد القيام‪ :‬أن يكون بحيث إذا َّ‬
‫مد يديه ال تناالن ركبتيه‪ .‬ويكره القيام على رجل واحدة‪.‬‬
‫أما النافلة فتصح في حال القعود مع القدرة على القيام‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي ليالً طويالً قائماً وليالً طويالً قاعداً‪ ،‬فإذا صلى قائماً ركع‬
‫قائماً وإ ذا صلى قاعداً ركع قاعداً)(‪ ،)3‬وفي رواية عنها (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان‬
‫يصلي جالساً‪ ،‬فيقرأ وهو جالس‪ ،‬فإذا بقي من قراءته نحو من ثالثين أو أربعين آية قام‪ ،‬فقرأها وهو‬
‫قائم ثم يركع‪ ،‬ثم سجد‪ ،‬يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك)(‪ .)4‬لكن للمتنفل جالساً نصف أجر القائم‪،‬‬
‫إال أن يكون معذوراً فيكون له نفس أجر القائم‪ ،‬لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال‪:‬‬
‫ُح ِّدثت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬صالة الرجل قاعداً نصف الصالة)(‪ .)5‬ويكون‬
‫القعود للصالة على هيئة االفتراش وقيل على هيئة االحتباء‪ ،‬وعند اإلمام أبي حنيفة يقعد كيف شاء ما‬
‫دام تَْرك القيام جائزاً له فتَْرك صفة القعود أولى‪ .‬ويجوز لمن افتتح صالة النفل قائماً أن يتمها قاعداً‪،‬‬
‫وعند الصاحبين ال يجوز ألن الشروع ُمْلزم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.238 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب تقصير الصالة باب ‪.19/1066‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.179/955‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب تقصير الصالة باب ‪.20/1068‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين باب ‪.16/120‬‬

‫( ‪)1/159‬‬

‫الركن الثاني‪ :‬القراءة‪:‬‬


‫وهي ركن لقوله تعالى‪{ :‬فاقرؤوا ما تيسر من القرآن}(‪ ،)1‬واألمر يقتضي الوجوب‪ ،‬والقراءة ال‬
‫تجب خارج الصالة فتعيَّن أن يكون األمر بالقراءة في الصالة‪ .‬ولحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه‬
‫أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ال صالة إال بقراءة)(‪.)2‬‬
‫وتُعَّد القراءة ركناً زائداً ألنها تسقط عن المقتدي بال ضرورة‪ ،‬وتسقط عن المدرك في الركوع عند‬
‫الفقهاء جميعاً‪.‬‬
‫المقدار المفروض قراءته‪ :‬آية واحدة ولو قصيرة عند اإلمام‪ ،‬وعندهما آية طويلة أو ثالث آيات‬
‫قصار (‪ ،)3‬أما قراءة الفاتحة في الصالة فواجبة لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه‬
‫قال‪( :‬أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر)(‪.)4‬‬
‫مكان القراءة المفروضة‪ :‬في ركعتين غير متعينتين من الفريضة‪ ،‬وفي كل ركعات النفل والواجب‪،‬‬
‫ألن كل ركعتين في النفل صالة على حدة‪ ،‬والواجب يتبع النفل‪ .‬وال تعتبر القراءة إال بسماعها‪.‬‬
‫وتكره قراءة المؤتم تحريماً‪ ،‬فال يقرأ بل يستمع حال جهر اإلمام وينصت حال إسراره‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{وإ ذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)(‪ .)5‬وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬تكفيك قراءة اإلمام َخافَت أو َجهَر)(‪.)6‬‬
‫ويمنع المصلي من الدعاء في صالة الفرض مطلقاً‪ ،‬أو في صالة نفل لإلمام إال أن يكون المؤتم‬
‫راضياً بذلك‪ ،‬ألن الدعاء في الفرض لم ينقل عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم وال عن األئمة بعده‬
‫فكان بدعة محدثة‪.‬‬
‫أما في النفل فيندب الدعاء للمنفرد‪ ،‬لحديث حذيفة رضي اللّه عنه قال‪( :‬صليت مع النبي صلى اللّه‬
‫مر بتعوذ تعوذ‪)..‬‬
‫مر بآية فيها تسبيح سبح‪ ،‬وإ ذا ّ‬
‫عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة‪ ...‬يقرأ مترسالً إذا ّ‬
‫(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المزمل‪.20 :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.11/42‬‬
‫(‪ )3‬وعليه يكون حفظ ما تجوز به الصالة من القرآن فرض عين‪ ،‬وحفظ الفاتحة وسورة واجب على‬
‫كل مسلم‪ ،‬وحفظ كل القرآن فرض كفاية‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.135/818‬‬
‫(‪ )5‬األعراف‪.204 :‬‬
‫(‪ )6‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.331‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين باب ‪.27/203‬‬

‫( ‪)1/160‬‬

‫الركن الثالث‪ :‬الركوع‪:‬‬


‫ومعناها في اللغة‪ :‬مطلق االنحناء‪ ،‬وفي الشرع‪ :‬االنحناء بالظهر والرأس‪ .‬وكماله بتسوية الرأس‬
‫بالع ُجز عند اإلمام‪ ،‬والتعديل (االطمئنان بقدر تسبيحة) عند اإلمام أبي يوسف‪ ،‬وقال أبو مطيع البلخي‬
‫َ‬
‫تلميذ أبي حنيفة رضي اللّه عنه‪ :‬لو نقص الركوع عن مقدار ثالث تسبيحات لم تجز صالته‪.‬‬
‫ودليل الفرضية‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا}(‪ ،)1‬وعن أبي هريرة رضي اللّه‬
‫عنه ‪ -‬في حديث المسيء صالته ‪ -‬أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ثم اركع حتى تطمئن‬
‫راكعاً)(‪ .)2‬وقد انعقد اإلجماع على فرضية الركوع والسجود‪.‬‬
‫أما األحدب فيشير برأسه للركوع إذا بلغت حدبته حد الركوع‪.‬‬
‫ومن كان يصلي قاعداً ينبغي أن ينحني حتى تحاذي جبهته ما أمام ركبتيه ليحصل له الركوع‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحج‪.77 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.39/760‬‬

‫( ‪)1/161‬‬
‫الركن الرابع‪ :‬السجود األول‪:‬‬
‫ومعناه في اللغة‪ :‬الخضوع‪ ،‬وفي الشرع‪ :‬وضع الجبهة على األرض‪.‬‬
‫دليل فرضيته‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} وحديث المسيء صالته فعن أبي‬
‫هريرة رضي اللّه عنه (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دخل المسجد‪ ،‬فدخل رجل فصلى‪ ،‬ثم جاء فسلم‬
‫ِّ‬
‫فصل‪،‬‬ ‫على النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬فرد النبي صلى اللّه عليه وسلم عليه السالم‪ ،‬فقال‪ :‬ارجع‬
‫تصل‪ .‬فصلى‪ ،‬ثم جاء فسلم على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‪ :‬ارجع فصل‪ ،‬فإنك لم‬ ‫ِّ‬ ‫فإنك لم‬
‫تصل ثالثاً‪ ،‬فقال‪ :‬والذي بعثك الحق‪ ،‬فما أ ِ‬
‫ُحس ُن غيره‪ ،‬فعلمني‪ ،‬قال‪ :‬إذا قمت إلى الصالة فكبِّر‪ ،‬ثم‬ ‫ِّ‬
‫اقرأ ما تيسر معك من القرآن‪ ،‬ثم اركع حتى تطمئن راكعاً‪ ،‬ثم ارفع حتى تعتدل قائماً‪ ،‬ثم اسجد حتى‬
‫تطمئن ساجداً‪ ،‬ثم ارفع حتى تطمئن جالساً‪ ،‬ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً‪ ،‬ثم افعل ذلك في صالتك‬
‫كلِّها)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.39/760‬‬

‫( ‪)1/162‬‬

‫وتتحقق السجدة شرعاً بوضع الجبهة مع وضع إحدى اليدين وإ حدى الركبتين وشيء من أطراف‬
‫أصابع إحدى القدمين على طاهر من األرض‪ .‬وهذا أقل ما يطلق عليه اسم السجود فتصح به الصالة‬
‫مع الكراهة‪.‬‬
‫أما تمام السجود فيكون بوضع األنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين موجهاً نحو القبلة‪ ،‬لحديث‬
‫ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أمرت أن أسجد على سبعة‬
‫أعظم‪ ،‬على الجبهة ‪ -‬وأشار بيده على أنفه ‪ -‬واليدين والركبتين وأطراف القدمين‪ ،‬وال ِ‬
‫نكفت الثياب‬
‫والشعر)(‪.)1‬‬
‫شروط السجود‪:‬‬
‫‪ - 1‬ال يصح االقتصار على األنف بل البد من السجود على الجبهة‪ ،‬لحديث أبي حميد الساعدي‬
‫رضي اللّه عنه في صفة صالة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان‬
‫إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من األرض)(‪ .)2‬وال يشترط أن تصيب جبهته األرض‪ ،‬بل يجوز مع‬
‫الكراهة السجود على طرف عمامته أو ثوبه بشرط أن يكون موضع السجود طاهراً‪.‬‬
‫‪ - 2‬يشترط أن ال يرتفع محل السجود عن موضع القدمين بأكثر من نصف ذراع لتتحقق صفة‬
‫السجود وهي التنكس‪ ،‬إال لزحمة كأن يسجد على ظهر مصل بشرك أن يكون األول ساجداً على‬
‫األرض فتصبح صالته للضرورة إن كانا في صالة واحدة‪ ،‬أما إن كان منفرداً فال يجوز‪.‬‬
‫‪ - 3‬وضع الجبهة وإ حدى اليدين وإ حدى الركبتين وشيء من أطراف أصابع القدمين على األرض‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون السجود على ما يجد المصلي حجمه وتستقر عليه جبهته‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يقدم الركوع على السجود‪ ،‬والقراءة على الركوع‪ ،‬لحديث المسيء صالته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪ِ ،50/779‬‬
‫ونكفت‪ S:‬نكف‪.‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.201/270‬‬

‫( ‪)1/163‬‬

‫الركن الخامس‪ :‬السجود الثاني‪:‬‬


‫شروطه هي شروط السجود األول نفسه‪ .‬وتكرار السجود فرض أيضاً ألن السجدة الثانية ركن‬
‫كاألولى‪ ،‬لحديث المسيء صالته‪ ..( :‬ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً‪ ،‬ثم ارفع حتى تطمئن جالساً‪ ،‬ثم‬
‫اسجد حتى تطمئن ساجداً‪.)1()..‬‬
‫ويشترط لتحقق الرفع من السجود الرفع إلى قرب القعود على األصح عند اإلمام أبي حنيفة واإلمام‬
‫محمد‪ ،‬أو بقدر ما يطلق عليه اسم الرفع‪ ،‬لحديث المسيء صالته‪ ،‬وقوله صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫{صلوا كما رأيتموني أصلي}(‪ .)2‬وعن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬إذا سجد أحدكم فليضع يديه‪ ،‬فإذا رفع فليرفعهما‪ ،‬فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه)(‪.)3‬‬
‫وقال أبو يوسف‪ :‬االعتدال في القعود واالطمئنان في السجود ركنان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.39/760‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب اآلذان باب ‪.18/605‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.102‬‬

‫( ‪)1/164‬‬

‫الركن السادس‪ :‬القعود األخير‪ :‬وقيل هو شرط ألنه شرع للخروج‪.‬‬


‫التشهد‪ ،‬لحديث ابن مسعود رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‬
‫ّ‬ ‫مقداره‪ :‬الجلوس قدر‬
‫له حين علَّمه التشهد‪( :‬إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صالتك‪ ،‬إن شئت أن تقوم فقم‪ ،‬وإ ن‬
‫شئت أن تقعد فاقعد)(‪ ،)1‬فبيَّن الحديث أن تمام الصالة به‪ .‬إذاً هو فرض‪.‬‬
‫شروطه‪ :‬يشترط تأخيره عن األركان ألنه إنما شرع لختمها‪ ،‬ويترتب على هذا أنه إذا نسي سجدة‬
‫صْلبية (‪ )2‬فسجدها أو سجد للتالوة عليه إعادة القعود‪ ،‬فإذا لم يعده فإن صالته فاسدة‪.‬‬
‫ُ‬
‫أما سجود السهو فإنه يرفع التشهد فقط‪ ،‬فلو لم يعد القعود بعد سجود السهو صحت صالته مع‬
‫الكراهة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.182/970‬‬
‫(‪ )2‬السجدة الصلبية‪ :‬سجدة من صلب الصالة‪.‬‬

‫( ‪)1/165‬‬

‫ومن شروط صحة األركان‪.‬‬


‫‪ - 1‬الترتيب‪ :‬بأن يقدم القيام على الركوع والركوع على السجود والسجود على القعود بحسب‬
‫ترتيبها الوارد في حديث المسيء صالته المتقدم‪.‬‬
‫‪ - 2‬أداؤها متيقظاً‪ ،‬فال يعتد بركوع أو سجود أداه نائماً‪ .‬ولو نوى متيقظاً يعيد ما فاته نائماً‪،‬‬
‫والخالف قائم فيما لو نام في القعود األخير‪.‬‬
‫‪ - 3‬يشترط لصحة األركان أن يعرف صفتها‪ ،‬يعني فرضاً أو سنة‪ ،‬وكذا أن يعرف صفة ما يصليه‬
‫فرضاً أو سنة‪ .‬أي المهم أن ال يعتقد الفرض سنة حتى ال يتنفل بمفروض‪ S،‬أما لو اعتقد السنة فرضاً‬
‫أو اعتقد أن جميع أفعال الصالة فرض فال حرج‪.‬‬

‫( ‪)1/166‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬واجبات الصالة‬


‫‪ - 1‬قراءة الفاتحة‪:‬‬
‫دليل وجوبها‪ :‬حديث عبادة بن الصامت رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ال‬
‫صالة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)(‪ )1‬وهو محمول على نفي الكمال ال نفي الوجود‪ ،‬ألنه خبر آحاد ال‬
‫ينسخ قوله تعالى‪{ :‬فاقرؤوا ما تيسر من القرآن}(‪ )2‬لذا قيل بوجوب الفاتحة‪.‬‬
‫ُخ َريين منها فإن‬
‫وتجب قراءة الفاتحة في الركعتين األُولََي ْين من الفريضة‪ ،‬أما في الركعتين األ ْ‬
‫الخيار إن شاء قرأها أو سكت‪.‬‬ ‫المصلي على ِ‬
‫وهي واجبة في كل ركعات الوتر والسنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.13/723‬‬
‫(‪ )2‬المزمل‪.20 :‬‬

‫( ‪)1/167‬‬

‫ضم سورة إلى الفاتحة‪:‬‬


‫‪ُّ - 2‬‬
‫والمراد قراءة سورة قصيرة أو ثالث آيات قصار مع الفاتحة في ركعتين غير متعينتين من الفرض‪،‬‬
‫وفي جميع ركعات الوتر والنفل‪ ،‬ألن كل شفع من النافلة صالة على حدة والوتر كالنفل‪ .‬ودليل ذلك‬
‫حديث أبي سعيد رضي اللّه عنه قال‪( :‬أ ُِمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر)(‪ ،)1‬واألمر للوجوب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.136/818‬‬

‫( ‪)1/168‬‬

‫‪ - 3‬تعيين القراءة في األوليين من الفرض‪:‬‬


‫ضم سورة إلى الفاتحة‪:‬‬
‫‪ُّ -‬‬
‫والمراد قراءة سورة قصيرة أو ثالث آيات قصار مع الفاتحة في ركعتين غير متعينتين من الفرض‪،‬‬
‫وفي جميع ركعات الوتر والنفل‪ ،‬ألن كل شفع من النافلة صالة على حدة والوتر كالنفل‪ .‬ودليل ذلك‬
‫حديث أبي سعيد رضي اللّه عنه قال‪( :‬أ ُِمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر)(‪ ،)1‬واألمر للوجوب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.136/818‬‬

‫( ‪)1/169‬‬

‫‪ - 3‬تعيين القراءة في األوليين من الفرض‪:‬‬


‫ودليل الوجوب‪ :‬مواظبة النبي صلى اللّه عليه وسلم على ذلك من غير ترك‪ ،‬فعن أبي قتادة رضي‬
‫اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين‬
‫األوليين بفاتحة الكتاب وسورتين‪.)1()..‬‬
‫وما روي عن عائشة رضي اللّه عنها وابن مسعود رضي اللّه عنه من تخيير المصلي في الركعتين‬
‫األخريين إن شاء قرأ وإ ن شاء سبَّح‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.34/154‬‬

‫( ‪)1/170‬‬

‫‪ - 4‬تقديم الفاتحة على السورة‪:‬‬


‫ووجه الوجوب مواظبة النبي صلى اللّه عليه وسلم على ذلك‪ .‬ولو نسي فقرأ السورة أوالً‪ ،‬يقرأ‬
‫الفاتحة ويعيد السورة ثم يسجد للسهو‪ ،‬كما لو كرر الفاتحة سهواً‪.‬‬
‫‪ - 5‬ضم األنف إلى الجبهة في أثناء السجود‪:‬‬
‫للحديث المتقدم‪( :‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة ‪ -‬وأشار بيده على أنفه)‪ .‬ويجب أن‬
‫يكون السجود على الجبة ال على الرأس‪.‬‬
‫‪ - 6‬مراعاة الترتيب فيما بين السجدتين في كل ركعة‪:‬‬
‫لحديث المسيء صالته‪( :‬ثم افعل ذلك في صالتك كلها)‪.‬‬
‫ويترتب على هذا‪ :‬اإلتيان بالسجدة الثانية بعد األولى قبل االنتقال لغيرها من باقي أفعال الصالة‪ .‬ولو‬
‫نسي سجدة من الركعة األولى قضاها قبل التسليم ويعيد التشهد والقعود‪.‬‬
‫‪ - 7‬االطمئنان‪:‬‬
‫وهو التعديل في األركان بتسكين الجوارح (أي األعضاء) في الركوع والسجود حتى تطمئن مفاصله‬
‫ويستقر كل عضو في محله بقدر تسبيحة عند اإلمام أبي حنيفة واإلمام محمد لتكميل الركن (إذ ليس‬
‫االطمئنان سنة كما قال الجرجاني وال فرضاً كما قال أبو يوسف)‪.‬‬
‫ويجب االطمئنان في االرتفاع‪ S‬من الركوع حتى يستتم قائماً‪ ،‬وفي القعود بين السجدتين حتى يستتم‬
‫قاعداً‪ ،‬والدليل على ذلك أمره صلى اللّه عليه وسلم للمسيء صالته ِ‬
‫باإلعادة لتركه االطمئنان‪ ،‬واألمر‬
‫يقتضي الوجوب‪ .‬وليس المراد بالحديث البطالن بدليل ما روي عن رفاعة بن رافع رضي اللّه عنه‬
‫أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا فعلت ذلك فقد تمت صالتك‪ ،‬وإ ذا انتقصت منه شيئاً‬
‫انتقصت من صالتك)(‪ )1‬فقد سماها صالة‪ ،‬والباطلة ال تسمى صالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.226/302‬‬
‫( ‪)1/171‬‬

‫‪ - 8‬القعود األول‪:‬‬
‫ويكون بمقدار قراءة التشهد‪ ،‬وهو واجب في كل الصلوات سواء كانت فريضة أو واجبة أو نفالً‪،‬‬
‫لحديث عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪( :‬علمنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قعدنا في‬
‫الركعتين أن نقول‪ :‬التحيات للّه)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.215/289‬‬

‫( ‪)1/172‬‬

‫‪ - 9‬التشهد في القعود األول‪:‬‬


‫ودليل وجوبه الحديث المتقدم‪ ،‬ولسجود رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للسهو حين قام للركعة الثالثة‬
‫دون أن يقعد ويتشهد‪ ،‬فعن أبي ُب َح ْينة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم (صلى فقام في‬
‫الركعتين فسبَّحوا فمضى فلما فرغ من صالته سجد سجدتين ثم سلم)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.244‬‬

‫( ‪)1/173‬‬

‫‪ - 10‬أن يقوم بعد التشهد مباشرة‪:‬‬


‫فلو أبطأ قدر ركن وجب سجود السهو لتأخير القيام‪ .‬لذا من صلى على النبي ‪ -‬صلى اللّه عليه وسلم‬
‫‪ -‬بعد التحيات ساهياً وجب عليه سجود السهو‪ ،‬ومن صلى عامداً فالصالة مكروهة كراهة تحريمية‬
‫وقيل يسجد للسهو‪.‬‬
‫‪ - 11‬التشهد في القعود األخير‪:‬‬
‫وصيغة التشهد كما وردت في حديث عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪( :‬علمني رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم التشهد كفّي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن قال‪ :‬التحيات للّه‪،‬‬
‫والصلوات‪ ،‬والطيبات‪ ،‬السالم عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعلى عباد اللّه‬
‫الصالحين‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اللّه‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.414‬‬

‫( ‪)1/174‬‬

‫‪ - 12‬التسليم من الصالة‪:‬‬
‫بأن يقول المصلي‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬بقصد الخروج من الصالة‪ ،‬والدليل على كونه واجباً حديث عبد‬
‫اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا أحدث ‪-‬‬
‫يعني الرجل ‪ -‬وقد جلس في آخر صالته قبل أن يسلم فقد جازت صالته)(‪ ،)1‬وجمعاً مع األحاديث‬
‫الدالة على الفرضية فقد قيل بوجوب التسليم‪ ،‬فعن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬مفتاح الصالة الطهور‪ ،‬وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم)(‪.)2‬‬
‫ثم إن مواظبة الرسول صلى اللّه عليه وسلم تدل على الوجوب‪.‬‬
‫والواجب في التسليم هو التلفظ بالسالم دون عليكم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.3/408‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.31/61‬‬

‫( ‪)1/175‬‬

‫‪ - 13‬القنوت في الوتر والتكبير له‪.‬‬


‫‪ - 14‬تكبيرات العيدين‪:‬‬
‫وكل تكبيرة واجب على حدة يجب بتركها سجود السهو (‪ .)1‬وتجب تكبيرة الركوع تبعاً للتكبيرات‬
‫هوي إلى الركوع‬
‫المتصلة بها في صالة العيد في الركعة الثانية‪ ،‬أما في الصالة العادية فالتكبير للّ ِّ‬
‫سنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األ َْولى عدم سجود السهو في صالة العيدين لئال يشتبه على الناس لكثرتهم فيها‪.‬‬

‫( ‪)1/176‬‬
‫‪ - 15‬تعيين لفظ التكبير الفتتاح كل صالة‪:‬‬
‫ويكره تحريماً افتتاحها بغير التكبير‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم إذا قام إلى الصالة يكبر حين يقوم)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.35/756‬‬

‫( ‪)1/177‬‬

‫‪ - 16‬الجهر واإلسرار فيما يجهر فيه أو يسر‪:‬‬


‫والجهر (أن ُي ْس ِمع غيره) واجب اإلمام في صالة الصبح‪ ،‬واألوليين من المغرب والعشاء‪ ،‬وصالة‬
‫العيدين‪ ،‬والجمعة‪ ،‬والتراويح‪ ،‬والوتر في رمضان‪ .‬أما اإلسرار (أن ُي ْس ِمع نفسه) فهو واجب على‬
‫ُخ َرَي ْين من العشاء‪ ،‬وصالة‬
‫اإلمام والمنفرد في صالة الظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬والثالثة من المغرب‪ ،‬واأل ْ‬
‫الكسوف واالستسقاء‪ ،‬وفي نفل النهار‪ .‬أما المنفرد في الفرض فهو مخير في الصلوات الجهرية دون‬
‫السرية‪ ،‬واألفضل‪ S‬له الجهر فيها‪ .‬وكذا المتنفل بالليل‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه بن أبي قيس قال‪ :‬سألت‬
‫عائشة كيف كانت قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم بالليل أكان ِ‬
‫يس ُّر بالقراءة أم يجهر؟ فقالت‪( :‬كل‬
‫أسر بالقراءة وربما جهر)‪ .‬فقلت‪ :‬الحمد للّه الذي جعل في األمر سعة (‪.)1‬‬
‫ذلك قد كان يفعل ربما َّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.330/449‬‬

‫( ‪)1/178‬‬

‫‪ - 17‬متابعة المقتدي إمامه في األركان الفعلية‪:‬‬


‫فلو رفع المقتدي رأسه من الركوع أو السجود قبل إمامه ينبغي له أن يعود لتزول المخالفة وال يصير‬
‫ذلك تكراراً‪ .‬فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إنما جعل‬
‫ِ‬
‫اإلمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا‪ ،‬وإ ذا رفع فارفعوا)(‪ .)1‬ولو قام اإلمام إلى الثالثة قبل أن يتم‬
‫المقتدي التشهد فإنه يتمه ثم يقوم‪ ،‬ألن التشهد واجب فيتم الواجب الذي هو فيه ثم يتابع اإلمام‪.‬‬
‫أما في القراءة فال يتابع المقتدي إمامه بل يستمع وينصت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجماعة واإلمامة باب ‪.23/656‬‬

‫( ‪)1/179‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬سنن الصالة‬


‫السنة‪ :‬هي األقوال واألفعال‪ S‬التي يثاب فاعلها وال يعاقب على تركها بل يعاتب ويالم‪ .‬وال ُيلزم‬
‫تاركها بسجود السهو‪.‬‬
‫وتصح الصالة إن تُركت‪ ،‬إما إن تعمد تركها ففيها كراهة‪.‬‬
‫وسنن الصالة هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬رفع اليدين للتحريمة حذاء األذنين للرجل‪ ،‬لما روي عن وائل بن حجر رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫فكبر ورفع يديه حتى رأيت‬
‫(قدمت المدينة فقلت ألنظرن إلى صالة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ّ‬
‫إبهاميه قريباً من أذنيه)(‪ .)1‬وعن البراء رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (كان‬
‫إذا افتتح الصالة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم ال يعود)(‪ .)2‬أما المرأة فترفع يديها حذاء منكبيها‬
‫فقط ألنه أستر لها‪.‬‬
‫‪-‬واألصح أن يرفع يديه أوالً ثم يكبر‪.‬‬
‫‪-‬وال يسن الرفع (‪ )3‬إال في تكبيرة االفتتاح‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪( :‬أال‬
‫أصلي بكم صالة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬فصلى فلم يرفع يديه إال في أول مرة)(‪.)4‬‬
‫وال ترفع اليدان عند الركوع‪ ،‬وال في الرفع منه‪ ،‬وال في تكبيرات الجنازة غير األولى منها‪ ،‬لحديث‬
‫جابر بن سمرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‪( :‬ما لي أراكم‬
‫رافعي أيديكم كأنها أذناب َخْي ٍل ُشمس (‪)5‬؟ اسكنوا في الصالة)(‪.)6‬‬
‫‪-‬ويسن في رفع اليدين‪ :‬نشر األصابع‪ ،‬فال يفرق بينها وال يضمها بل يتركها على حالها منشورة‪.‬‬
‫‪-‬وأن يستقبل المصلي القبلة ببطون يديه‪.‬‬
‫‪-‬وأن يعدل عند ابتداء التحريمة وانتهائها من غير طأطأة رأس‪.‬‬
‫‪-‬وأن يكون رفع اليدين واإلحرام من المقتدي مقارناً إلحرام اإلمام‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه‬
‫عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به‪ ،‬فإذا كبر فكبروا‪ )7()..‬على‬
‫أن ال يسبق انتهاء تكبير المقتدي تكبير اإلمام‪ .‬وعند الصاحبين‪ :‬الفاء للتعقيب ويكون إحرام المقتدي‬
‫بعد إحرام اإلمام‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.211‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.119/749‬‬
‫(‪ )3‬ترفع األيدي في المواضع التالية‪ :‬افتتاح الصالة‪ ،‬التكبير للقنوت في الوتر‪ ،‬تكبيرات العيدين‪،‬‬
‫بجمع مزدلفة وعرفات للدعاء‪ ،‬عند المقامين‪ ،‬عند‬
‫عند استالم الحجر‪ ،‬عند الصفا والمروة‪ُ ،‬‬
‫الجمرتين‪.‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.191/257‬‬
‫النفُور من الدواب الذي ال يستقر لشغبه ِ‬
‫وح َّدته‪.‬‬ ‫الخيل ُّ‬
‫الش ْمس‪ :‬جمع َش ُموس‪ :‬وهو َّ‬ ‫(‪َ )5‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.27/119‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.20/89‬‬

‫( ‪)1/180‬‬

‫السرة ويجعل باطن كفه اليمنى على‬


‫‪ - 2‬وضع اليد اليمنى فوق اليسرى‪ ،‬والرجل يضع يديه تحت ّ‬
‫ظاهر كفه اليسرى محلقاً بالخنصر واإلبهام على الرسغ ويبسط أصابعه الثالث على ذراعه‪ ،‬لما‬
‫روي عن علي رضي اللّه عنه قال‪" :‬من السنة وضع الكف على الكف في الصالة تحت السرة"(‪.)1‬‬
‫وتضع المرأة الكف على الكف (من غير تحليق) على صدرها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.12/756‬‬

‫( ‪)1/181‬‬

‫‪- 3‬قراءة دعاء الثناء أو االستفتاح‪ ،‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان النبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم إذا افتتح الصالة قال‪ :‬سبحانك اللّهم وبحمدك‪ ،‬وتبارك اسمك‪ ،‬وتعالى َج ّدك‪ ،‬وال إله‬
‫غيرك)(‪ ،)1‬وال يقول "وج ّل ثناؤك" إال في صالة الجنازة‪.‬‬
‫والتوجه في النافلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أما دعاء التوجه فهو غير وارد عندنا‪ ،‬وال مانع من الجمع بين الثناء‬
‫وال يقرأ دعاء المقتدي دعاء الثناء إذا بدأ اإلمام بالفاتحة في الصالة الجهرية‪ ،‬ألن إنصاته واستماعه‬
‫للفاتحة واجب وقراءة الدعاء سنة‪ .‬أما في الصالة السرية فيقرأه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.179/243‬‬
‫( ‪)1/182‬‬

‫‪ - 4‬التعوذ قبل التالوة‪ :‬وهو سنة للمصلي سواء كان إماماً أو منفرداً‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فإذا قرأت‬
‫القرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم}(‪ ،)1‬ولحديث أبي سعيد رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قام إلى الصالة بالليل كبَّر ثم يقول‪ :‬سبحانك اللّهم وبحمدك وتبارك‬
‫اسمك وتعالى َج ّدك وال إله غيرك‪ .‬ثم يقول‪ S:‬اللّه أكبر كبيراً‪ .‬ثم يقول‪ S:‬أعوذ باللّه السميع العليم من‬
‫ون ْفثه)(‪ .)2‬أما المقتدي فال يتعوذ عند اإلمام أبي حنيفة ومحمد‪،‬‬
‫الشيطان الرجيم من همزه ونفخه َ‬
‫ألنه للقراءة والمقتدي ال يقرأ خلف اإلمام‪ ،‬وعند أبي يوسف يتعوذ لدفع وساوس الشيطان؛ والتعوذ‬
‫عنده تبعاً للصالة فال يسن للمصلي إال عند الركعة األولى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النحل‪.98 :‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.179/242‬‬

‫( ‪)1/183‬‬

‫‪ - 5‬البسملة سراً سواء كانت الصالة سرية أم جهرية‪ :‬وهي سنة في الصالة أول الفاتحة وأول كل‬
‫سورة في القرآن‪ .‬والبسملة آية من القرآن وليست جزءاً من الفاتحة بل نزلت للفصل بين السور‪،‬‬
‫فعن أنس رضي اللّه عنه قال‪( :‬صليت خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر‬
‫وعثمان رضي اللّه عنهم فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.135‬‬

‫( ‪)1/184‬‬

‫‪ - 6‬التأمين‪ :‬وهو قول‪ :‬آمين بعد قراءة الفاتحة‪ ،‬ومعناه‪ :‬اللّهم استجب‪ .‬وهو سنة لإلمام والمقتدي‬
‫أمن اإلمام‬
‫والمنفرد‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا َّ‬
‫فأمنوا‪ ،‬فإنه من وافق تأمينه تأمين المالئكة ُغفر له ما تقدم من ذنبه)(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫ويكون التأمين سراً مطلقاً سواء كانت الصالة جهرية أو سرية‪ ،‬لقول ابن مسعود رضي اللّه عنه‪:‬‬
‫"أربع يخفيهن اإلمام‪ :‬التعوذ والتسمية والتأمين والتحميد"‪.‬‬
‫ويسن لإلمام الجهر بالتكبير والتسميع والسالم‪.‬‬
‫ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.18/72‬‬

‫( ‪)1/185‬‬

‫‪ - 7‬التحميد والتسميع‪ :‬وهو سنة للمنفرد والمقتدي واإلمام عند أبي يوسف ومحمد‪ ،‬لحديث أبي‬
‫هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا قال اإلمام سمع اللّه لمن حمد‪.‬‬
‫فقولوا‪ :‬اللّهم ربنا لك الحمد‪ .‬فإنه من وافق قوله قول المالئكة غفر له ما تقدم من ذنبه)(‪.)1‬‬
‫فيسر بهما‪ ،‬ويأتي المقتدي بالتحميد فقط‪.‬‬ ‫ويجهر اإلمام بالتكبير والتسميع ِ‬
‫ويس ّر بالتحميد‪ ،‬أما المنفرد ّ‬
‫ُ‬
‫أما المبلّغ فإن لم يكن له ضرورة فبدعة منكرة‪ ،‬وإ ن كان له ضرورة لكبر المسجد أو ضعف صوت‬
‫اإلمام فمستحب ليعلم المصلّين بانتقاالت‪ S‬اإلمام‪ .‬ويجب أن يجمع اإلمام والمبلغ في تكبيرة اإلحرام‬
‫نية افتتاح الصالة مع نية اإلعالم وال يقتصرا على نية اإلعالم‪ ،‬وإ ال فال صالة لهما ‪ -‬إذا قصدا‬
‫اإلعالم فقط ‪ -‬وال لمن يتبعهما من القوم ألنه اقتداء بمن لم يدخل في الصالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.18/71‬‬

‫( ‪)1/186‬‬

‫‪ - 8‬تفريج القدمين في القيام قدر أربع أصابع ألنه أقرب إلى الخشوع‪ ،‬والتراوح أفضل من نصب‬
‫القدمين‪ ،‬وهو أن يعتمد على قدم مرة وعلى األخرى مرة أخرى ألنه أيسر لطول القيام‪.‬‬

‫‪ -‬التحميد والتسميع‪ :‬وهو سنة للمنفرد والمقتدي واإلمام عند أبي يوسف ومحمد‪ ،‬لحديث أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا قال اإلمام سمع اللّه لمن حمد‪ .‬فقولوا‪:‬‬
‫اللّهم ربنا لك الحمد‪ .‬فإنه من وافق قوله قول المالئكة غفر له ما تقدم من ذنبه)(‪.)1‬‬
‫فيسر بهما‪ ،‬ويأتي المقتدي بالتحميد فقط‪.‬‬ ‫ويجهر اإلمام بالتكبير والتسميع ِ‬
‫ويس ّر بالتحميد‪ ،‬أما المنفرد ّ‬
‫ُ‬
‫أما المبلّغ فإن لم يكن له ضرورة فبدعة منكرة‪ ،‬وإ ن كان له ضرورة لكبر المسجد أو ضعف صوت‬
‫اإلمام فمستحب ليعلم المصلّين بانتقاالت‪ S‬اإلمام‪ .‬ويجب أن يجمع اإلمام والمبلغ في تكبيرة اإلحرام‬
‫نية افتتاح الصالة مع نية اإلعالم وال يقتصرا على نية اإلعالم‪ ،‬وإ ال فال صالة لهما ‪ -‬إذا قصدا‬
‫اإلعالم فقط ‪ -‬وال لمن يتبعهما من القوم ألنه اقتداء بمن لم يدخل في الصالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.18/71‬‬

‫( ‪)1/187‬‬

‫‪- 9‬أن تكون السورة المضمومة إلى الفاتحة من طوال المفصَّل (‪ )1‬في الفجر والظهر‪ ،‬ومن‬
‫أوساطه (‪ )2‬في العصر والعشاء‪ ،‬ومن قصاره (‪ )3‬في المغرب‪ .‬بدليل ما روي عن أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه قال‪( :‬ما رأيت أحداً أشبه صالة بصالة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من فالن‬
‫لرجل كان أميراً على المدينة قال سليمان وصليت خلفه فكان يطيل األوليين من الظهر ويخفف‬
‫األخريين ويخفف العصر‪ ،‬ويقرأ في الركعتين األوليين من المغرب بقصار المفصل‪ ،‬ويقرأ في‬
‫الركعتين األوليين من العشاء بوسط المفصل‪ ،‬ويقرأ في الصبح بطوال المفصل)(‪ .)4‬وعن أبي‬
‫هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (كان يقرأ في صالة الصبح يوم الجمعة‬
‫ألم تنزيل السجدة وهل أتى على اإلنسان)(‪.)5‬‬
‫ومن هنا تُقدر القراءة بالفجر ما بين أربعين إلى مائة آية‪ ،‬ونحو (‪ )20 - 15‬آية في العصر‬
‫والعشاء‪ ،‬وخمس آيات في كل ركعة من ركعات المغرب‪.‬‬
‫ويالحظ ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مراعاة التوفيق بين هذه السنة وحال المصلين ما أمكن كي ال يشق عليهم‪.‬‬
‫الجهلة فرضيتها‪.‬‬
‫ب ‪ -‬عدم التزام سور بعينها خشية اعتقاد َ‬
‫جـ ‪ -‬مراعاة التخفيف في حاالت السفر والضرورات‪ .‬ودليل ذلك ما روي عن أبي مسعود‬
‫األنصاري رضي اللّه عنه قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‪ :‬إني ألتأخر‬
‫عن صالة الصبح من أجل فالن‪ .‬مما يطيل بنا‪ .‬فما رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم غضب في‬
‫أشد مما غضب يومئذ‪ .‬فقال‪( :‬يا أيها الناس إن منكم ُمَنفِّرين‪ .‬فأيكم َّأم الناس فليوجز‪.‬‬
‫موعظة قط ّ‬
‫فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة)(‪.)6‬‬
‫د ‪ -‬يجوز تكرار السورة في الركعتين من الصالة‪ ،‬لما روي عن معاذ بن عبد اللّه الجهني أن رجالً‬
‫من جهينة أخبره أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم (يقرأ في الصبح إذا زلزلت األرض‪ .‬في‬
‫الركعتين كلتيهما)(‪ .)7‬ولكن يكره تكرار السورة إن حفظ غيرها والكراهة تنزيهية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من سورة الحجرات إلى البروج‪.‬‬
‫(‪ )2‬أواسط المفصل‪ :‬من البروج إلى البينة‪.‬‬
‫(‪ )3‬قصار المفصل‪ :‬من البينة إلى آخر القرآن‪.‬‬
‫(‪ )4‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.388‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.6/823‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.37/182‬‬
‫(‪ )7‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.134/816‬‬

‫( ‪)1/188‬‬

‫‪ - 10‬تطويل الركعة األولى عن الثانية وخاصة في صالة الفجر‪ ،‬وذلك لما روي عن أبي قتادة‬
‫رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي بنا فيطيل في الركعة األولى من‬
‫الظهر ويقصر في الثانية‪ .‬وكذلك في الصبح)(‪ .)1‬ويقدر بالثلثين في األولى والثلث في الثانية‪ ،‬وإ ن‬
‫كثر التفاوت فال بأس‪.‬‬
‫ويكره تطويل الثانية على األولى‪ ،‬وال عبرة للزيادة والنقصان دون ثالث آيات لعدم إمكان االحتراز‬
‫عنه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.5/819‬‬

‫( ‪)1/189‬‬

‫يسمع وال يكبر‪ ،‬وذلك‬


‫‪ - 11‬التكبير عند الركوع وعند كل رفع وخفض‪ ،‬إال الرفع من الركوع فإنه ّ‬
‫يكبر‬
‫لما روي عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ّ‬
‫ٍ‬
‫خفض ورفع وقيام وقعود وأبو بكر وعمر)(‪.)1‬‬ ‫في ك ّل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.188/253‬‬

‫( ‪)1/190‬‬
‫‪ - 12‬سنن الركوع‪ :‬يسن في الركوع األمور التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أخذ الركبتين باليدين والتفريج بين األصابع ورفع اليدين عن الجنبين‪ ،‬أما المرأة فال تفرج ألن‬
‫حالها مبني على الستر‪ ،‬ثبت هذا في حديث أنس رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪:‬‬
‫وفرج بين أصابعك‪ ،‬وارفع مرفقيك عن جنبيك)(‪.)1‬‬
‫(يا أنس إذا ركعت فأمكن كفيك من ركبتيك‪ّ ،‬‬
‫ب ‪ -‬بسط الظهر‪ ،‬لما روي عن البراء رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا‬
‫ركع بسط ظهره‪ ،‬وإ ذا سجد وجَّه أصابعه ِقَبل القبلة)(‪ ،)2‬وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪:‬‬
‫ب على ظهره الماء الستقر)(‪.)3‬‬ ‫ص َّ‬
‫(كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا ركع استوى فلو ُ‬
‫جـ ‪ -‬تسوية الرأس بالعجز أثناء الركوع‪ ،‬لحديث عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان رسول اللّه‬
‫ص ِّوبه (‪ )4‬ولكن بين ذلك)(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫ص رأسه ولم ُي َ‬
‫صلى اللّه عليه وسلم إذا ركع لم ُي ْشخ ْ‬
‫د ‪ -‬نصب الساقين ألنه متوارث‪ .‬وإ حناؤهما شبه القوس مكروه‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬التسبيح في الركوع‪ ،‬بأن يقول‪ S:‬سبحان ربي العظيم‪ ،‬لما روي عن عقبة بن عامر الجهني‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬لما نزلت‪{ :‬فسبح باسم ربك العظيم} قال لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫(اجعلوها في ركوعكم)‪ .‬فلما نزلت‪{ :‬سبح اسم ربك األعلى} قال لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪( :‬اجعلوها في سجودكم)(‪.)6‬‬
‫وأدنى التسبيح ثالث مرات‪ ،‬واألفضل أن يزيد موتراً‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا ركع أحدكم فليقل ثالث مرات سبحان ربي العظيم‬
‫وذلك أدناه‪ ،‬وإ ذا سجد فليقل سبحان ربي األعلى ثالثاً وذلك أدناه)(‪ .)7‬وال يأتي في الركوع والسجود‬
‫بغير التسبيح‪ ،‬أما الدعاء في التهجد‪.‬‬
‫و ‪ -‬القيام من الركوع مطمئناً‪ ،‬لما روي عن ثابت قال‪" :‬كان أنس ينعت لنا صالة النبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم فكان يصلي وإ ذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول قد نسي"(‪.)8‬‬
‫ز ‪ -‬التسميع والتحميد بعد الركوع‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.271‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.113‬‬
‫(‪ )3‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.123‬‬
‫يصوبه‪ :‬أي يخفضه خفضاً بليغاً‪ ،‬بل‬
‫(‪ )4‬لم يشخص رأسه ولم يصوبه‪ :‬اإلشخاص هو الرفع‪ .‬ولم ّ‬
‫يعدل فيه بين اإلشخاص والتصويب‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.46/240‬‬
‫(‪ )6‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.20/887‬‬
‫(‪ )7‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.154/886‬‬
‫(‪ )8‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.43/767‬‬
‫( ‪)1/191‬‬

‫‪ - 13‬وضع الركبتين ابتداء على األرض ثم اليدين ثم الوجه عند النزول للسجود‪ ،‬ويسن عكسه عند‬
‫القيام من السجود‪ ،‬أي يرفع وجهه أوالً ثم يديه ثم ركبتيه‪ ،‬إذا لم يكن به عذر‪ .‬بدليل ما روي عن‬
‫وائل بن حجر رضي اللّه عنه قال‪( :‬رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه‬
‫قبل يديه‪ ،‬وإ ذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه)(‪.)1‬‬
‫ويسن في السجود األمور التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬وضع الوجه بين الكفين‪ ،‬لما روي عن وائل بن حجر رضي اللّه عنه في صفة صالة النبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم أنه (لما سجد‪ ،‬سجد بين كفيه)(‪ ،)2‬وعن أبي حميد رضي اللّه عنه قال‪ :‬أنا أعلمكم‬
‫بصالة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكر الحديث وفيه قال‪( :‬ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته ونحى‬
‫يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه)(‪ .)3‬وبه قال الشافعي رضي اللّه عنه‪ ،‬وقال بعض محققي‪S‬‬
‫األحناف بالجمع بين الوضعين مرة ومرة‪.‬‬
‫بضم أصابع اليدين ونشرها وبسطها مستقبالً بها القبلة‪ ،‬ونشر‬
‫ب ‪ -‬توجيه األصابع نحو القبلة‪ ،‬وذلك ّ‬
‫أصابع الرجلين مستقبالً بأطرافها ورؤوسها القبلة‪ .‬لما روي في حديث أبي حميد الساعدي رضي‬
‫اللّه عنه‪( :‬إذا سجد وضع يديه غير مفترش (‪ )4‬وال قابضهما‪ ،‬واستقبل بأطراف أصابع رجليه‬
‫القبلة)(‪.)5‬‬
‫جـ ‪ -‬التخوية للرجال‪:‬‬
‫والتخوية‪ :‬هي التفريق بين الركبتين ومجافاة المرفقين عن الجنبين ورفع البطن عن الفخذين‪ ،‬ودليل‬
‫ذلك ما روي عن ميمونة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم (إذا سجد لو شاءت‬
‫لمرت)(‪ ،)6‬وعن عمرو بن الحارث رضي اللّه عنه قال‪ :‬كان رسول اللّه‬
‫َب ْهمة أن تمر بين يديه ّ‬
‫صلى اللّه عليه وسلم (إذا سجد ُي َجِّن ُح (‪ )7‬في سجوده حتى ُيرى َ‬
‫وضح إبطيه)(‪ .)8‬وعن أنس رضي‬
‫اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬اعتدلوا في السجود وال ِ‬
‫يبسط أحدكم ذراعيه‬
‫انبساط الكلب)(‪.)9‬‬
‫َّب َع ْين (‪ ،)10‬ذلك ألنه‬
‫وضم الض ْ‬
‫ّ‬ ‫د ‪ -‬التطامن للنساء‪ ،‬وهو االنضمام‪ .‬ويتحقق بلصق البطن بالفخذين‬
‫مر على‬
‫أستر لهن وأحوط‪ ،‬ولما روي عن يزيد بن أبي حسيب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ّ‬
‫امرأتين تصليان فقال‪( :‬إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى األرض‪ ،‬فإن المرأة ليست في ذلك‬
‫كالرجل)(‪.)11‬‬
‫هـ ‪ -‬التسبيح في السجود‪ ،‬وقد ُذكرت أدلته في الركوع‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.199/268‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.15/54‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.102‬‬
‫(‪ )4‬االفتراش‪َ :‬ب ْسط الذراعين في السجود‪.‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.61/794‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪ ،46/237‬والبهمة‪ :‬ولد الضأن ذكراً كان أو أنثى‪.‬‬
‫(‪ )7‬التّجنح واالجتناح‪ :‬أن يرفع المصلي ساعديه في السجود عن األرض وال يفترشهما‪ ،‬ويجافيهما‬
‫عن جانبيه ويعتمد على كفّيه فيصيران له مثل َجناحي الطائر‪.‬‬
‫(‪ )8‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪ .46/236‬ووضح إبطيه إي بياضهما‪.‬‬
‫(‪ )9‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.46/233‬‬
‫العضد من أعاله‪.‬‬
‫َّبع‪ :‬بسكون الباء‪ :‬ما بين اإلبط إلى نصف َ‬
‫(‪ )10‬الض ْ‬
‫(‪ )11‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.223‬‬
‫__________‬

‫( ‪)1/192‬‬

‫‪ - 14‬الرفع من السجود‪ ،‬واالعتدال فيه باالطمئنان‪ .‬والرفع بمعنى االنتقال فرض‪ ،‬واالطمئنان في‬
‫القعود واجب‪ ،‬وإ تمام الرفع إلى القعود هو السنة‪.‬‬
‫‪ - 15‬افتراش الرجل رجله اليسرى ونصبه اليمنى وتوجيه أصابعها نحو القبلة‪ ،‬لما روي عن عمر‬
‫رضي اللّه عنه قال‪" :‬من سنة الصالة أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس‬
‫على اليسرى"(‪.)1‬‬
‫فتتورك‪ ،‬وذلك بأن تجلس على إليتها وتضع الفخذ على الفخذ وتخرج رجلها اليسرى من‬
‫أما المرأة َّ‬
‫تحت وركها األيمن‪ ،‬ألنه أستر لها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.236‬‬

‫( ‪)1/193‬‬
‫‪ - 16‬وضع اليدين على الفخذين فيما بين السجدتين وعند التشهد‪ ،‬بأن توضع اليدان مبسوطتين‬
‫منشورتين واألصابع نحو القبلة‪ .‬لما روي عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كان رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬إذا جلس في الصالة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه‬
‫كلها وأشار بإصبعه التي تلي اإلبهام‪ ،‬ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.186/987‬‬

‫( ‪)1/194‬‬

‫بالمسبحة‪ ،‬للحديث المتقدم‪ ،‬بأن يرفع إصبعه السبابة‬


‫ّ‬ ‫‪ - 17‬عقد أصابع اليد اليمنى عند اإلشارة‬
‫ويحنيها قليالً ليؤكد نفي األلوهية عن غير اللّه عند قوله‪" :‬ال إله إال اللّه"‪ ،‬ويضعها عند اإلثبات أي‬
‫إثبات األلوهية له وحده‪ .‬فعن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما أنه رأى رجالً يحرك الحصى بيده‬
‫وهو في الصالة فلما انصرف قال له عبد اللّه ال تحرك الحصى وأنت في الصالة فإن ذلك من‬
‫الشيطان ولكن اصنع كما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصنع قال وكيف كان يصنع قال‪:‬‬
‫ُصبعه التي تلي اإلبهام في القبلة ورمى ببصره إليها أو‬
‫(فوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأ ْ‬
‫نحوها ثم قال هكذا رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصنع)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.237‬‬

‫( ‪)1/195‬‬

‫‪ - 18‬يسن اإلسرار بقراءة التشهد‪.‬‬


‫‪ - 19‬قراءة الفاتحة في الركعتين األُخريين من الفريضة‪ ،‬لحديث أبي قتادة رضي اللّه عنه أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم (كان يقرأ في الركعتين األوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة‪.‬‬
‫ويسمعنا اآلية أحياناً‪ .‬ويقرأ في الركعتين األخريين بفاتحة الكتاب)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.34/155‬‬

‫( ‪)1/196‬‬
‫‪ - 20‬الصالة على النبي صلى اللّه عليه وسلم في الجلوس األخير‪ ،‬وصيغته كما وردت في حديث‬
‫أبي مسعود األنصاري رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لمن سأله عن ذلك‪:‬‬
‫(قولوا اللّهم ِّ‬
‫صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على‬
‫محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد)(‪.)1‬‬
‫والصالة على النبي صلى اللّه عليه وسلم فرض في العمر مرة‪ ،‬وهي واجب كلما ذكر اسمه لوجود‬
‫سبب الوجوب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬حاشية اإلمام السندي بذيل سنن النسائي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.45‬‬

‫( ‪)1/197‬‬

‫‪ - 21‬الدعاء بالمأثور بعد الصالة على النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬لما روي عن نضلة بن عبيد اللّه‬
‫رضي اللّه عنه أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد اللّه والثناء‬
‫عليه‪ ،‬ثم ليصل على النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬ثم ليدع بعد بما شاء)(‪ ،)1‬وعن عبد اللّه رضي اللّه‬
‫عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال بعد أن ذكر صفة الصالة على النبي صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫بعد أعجبه إليه يدعو به)(‪.)2‬‬
‫(ثم ليتخير من الدعاء ُ‬
‫السلَّمي‬
‫ويشترط أن يكون الدعاء بالمأثور أو من ألفاظ القرآن الكريم‪ ،‬لما روي عن معاوية بن حكم ُ‬
‫قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إن هذه الصالة ال يصلح فيها شيء من كالم الناس إنما‬
‫هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)(‪.)3‬‬
‫ومن األدعية الواردة في القرآن‪{ :‬ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار}(‪،)4‬‬
‫{ربنا ال تُِزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}(‪.)5‬‬
‫ومن المأثورات من السنة‪ :‬ما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء‪ .‬كما يعلمهم السورة من القرآن يقول‪( S:‬قولوا‪ :‬اللّهم إنا نعوذ بك من‬
‫عذاب جهنم‪ .‬ونعوذ بك من عذاب القبر‪ .‬ونعوذ بك من فتنة المسيح الدجال‪ .‬ونعوذ بك من فتنة‬
‫المحيا والممات)(‪.)6‬‬
‫وعن شداد بن أوس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في صالته‪( :‬اللّهم إني أسألك‬
‫الثبات في األمر والعزيمة على الرشد‪ ،‬وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك‪ ،‬وأسألك قلباً سليماً ولساناً‬
‫صادقاً‪ ،‬وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم)(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب الدعوات باب ‪.65/3477‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.50‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.7/33‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.201 :‬‬
‫(‪ )5‬آل عمران‪.8 :‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.25/134‬‬
‫(‪ )7‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.54‬‬

‫( ‪)1/198‬‬

‫‪ - 22‬االلتفات‪ S‬يميناً ثم يساراً بالتسليمتين‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أن رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم (كان يسلم عن يمينه السالم عليكم ورحمة اللّه متى يرى بياض خده األيمن‪.‬‬
‫وعن يساره السالم عليكم ورحمة اللّه حتى يرى بياض خده األيسر)(‪ ،)1‬وال ينقص من صيغة‬
‫السالم وإ ال أساء لتركه السنة‪ .‬وال يقول‪ :‬وبركاته ألنها بدعة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.64‬‬

‫( ‪)1/199‬‬

‫‪ - 23‬النية في السالم‪ ،‬بأن ينوي اإلمام السالم على المقتدين به ممن هم عن يمينه ويساره والمالئكة‬
‫والحفَظة‪ ،‬أما المقتدي فينوي بالتسليمتين السالم على إمامه والقوم والحفظة وصالح‬
‫واإلنس والجن َ‬
‫الجن‪ ،‬لحديث سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال‪( :‬أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن نسلم‬
‫على أئمتنا وأن يسلّم بعضنا على بعض)(‪ .)1‬وأما المنفرد فينوي السالم على المالئكة فقط‪.‬‬
‫ومن سنن السالم‪:‬‬
‫أ ‪ -‬خفض الصوت في التسليمة الثانية والجهر باألولى‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مقارنة سالم المقتدي لسالم اإلمام‪ ،‬وعند الصاحبين يسن أن يسلم المقتدي بعد انتهاء سالم‬
‫اإلمام‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬البداءة باليمين‪.‬‬
‫د ‪ -‬انتظار المسبوق فراغ اإلمام من التسليمتين حتى يعلم أنه ال سهو عليه ثم يقوم لقضاء ما فاته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجه‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.30/922‬‬

‫( ‪)1/200‬‬

‫‪ - 24‬يسن بعد الصالة قراءة أذكار واردة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬ومن هذه األذكار‪:‬‬
‫ما روى المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في دبر كل صالة‬
‫مكتوبة‪( :‬ال إله إال اللّه وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك‪ ،‬وله الحمد‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ .‬اللّهم ال‬
‫مانع لما أعطيت‪ ،‬وال معطي لما منعت‪ ،‬وال ينفع ذا الجد منك الجد)(‪.)1‬‬
‫وما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬جاء الفقراء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا‪:‬‬
‫العال والنعيم والمقيم‪ :‬يصلون كما نصلي‪ ،‬ويصومون كما‬ ‫ذهب أهل ُّ‬
‫الدثور من األموال بالدرجات ُ‬
‫نصوم‪ ،‬ولهم فضل من أموال‪ ،‬يحجون بها ويعتمرون‪ ،‬ويجاهدون ويتصدقون‪ .‬قال‪( :‬أال أحدثكم‬
‫بأمر إن أخذتم به‪ ،‬أدركتم من سبقكم‪ ،‬ولم يدرككم أحد بعدكم‪ ،‬وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه‪ ،‬إال‬
‫من عمل مثله؟ تسبحون وتَ ْحمدون وتكبرون خلف كل صالته ثالثاً وثالثين)(‪.)2‬‬
‫وال ينافي أمره صلى اللّه عليه وسلم المسلمين باألذكار في دبر كل صالة‪ ،‬االشتغال بالسنة أوالً ثم‬
‫باألذكار‪ ،‬ولو سبح ِعقب السنة لكان في دبر الصالة‪.‬‬
‫ويكره القعود عقب كل فريضة بعدها سنة مؤكدة حتى يؤدي السنة ثم يشتغل باألذكار‪ ،‬إال أنه يستحب‬
‫الفصل بينهما بمقدار ما يقول‪" S:‬اللّهم أنت السالم ومنك السالم وإ ليك يعود السالم‪ ،‬تباركت يا ذا‬
‫الجالل واإلكرام"‪ ،‬ثم يقوم إلى السنة‪ ،‬وذلك لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم إذا سلم‪ ،‬لم يقعد‪ .‬إال بمقدار ما يقول‪ :‬اللّهم أنت السالم ومنك السالم‪ .‬تباركت يا‬
‫ذا الجالل واإلكرام)(‪ .)3‬فال ينبغي للمصلي أن يزيد عليه أو على قدره‪.‬‬
‫ولم يثبت عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه فصل بين الفرض والسنة باألذكار التي أمر المسلمين بها‪ ،‬إال‬
‫في المغرب؛ فكان ال يقوم بعد المغرب حتى يقول وهو ٍ‬
‫ثان رجلَه‪( :‬ال إله إال اللّه وحده ال شريك له‪،‬‬
‫له الملك‪ ،‬وله الحمد‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ .‬وال حول وال قوة إال باللّه العلي العظيم)‪ .‬وذلك لما‬
‫روي عن عبد الرحمن بن غنم‪ :‬أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من قال قبل أن ينصرف ويثني‬
‫رجله من صالة المغرب والصبح‪ :‬ال إله إال اللّه وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪ ،‬بيده الخير‪،‬‬
‫يحيي ويميت‪ ،‬وهو على كل شيء قدير عشر مرات‪ ،‬كتب له بكل واحدة عشر حسنات‪ ،‬ومحيت عنه‬
‫عشر سيئات‪ ،‬ورفع له عشر درجات‪ ،‬وكانت حرزاً من كل مكروه‪ ،‬وحرزاً من الشيطان الرجيم‪ ،‬ولم‬
‫يحل لذنب يدركه إال الشرك‪ ،‬فكان أفضل الناس عمالً إال رجالً يفضله‪ ،‬يقول أفضل مما قال)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.71/808‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.71/807‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.26/136‬‬
‫(‪ )4‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.227‬‬
‫__________‬

‫( ‪)1/201‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬آداب الصالة‬


‫األدب لغة‪ :‬ملكة تعصم من قامت به مما َي ِشينه‪ ،‬أو هو حسن األخالق وفعل المكارم‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬هو ما فعله الرسول صلى اللّه عليه وسلم مرة أو مرتين ولم يواظب عليه‪ ،‬كزيادة‬
‫التسبيحات‪ .‬وقد شرع األدب إلكمال السنة‪ ،‬أي هو من المستحبات‪ .‬وآداب الصالة هي‪:‬‬
‫كميه عند التكبير لإلحرام‪ ،‬ألنه أقرب إلى التواضع‪ ،‬إال لضرورة كبرد‪.‬‬
‫‪ - 1‬إخراج الرجل كفّيه من ّ‬
‫أما المرأة فتستر كفيها حذراً من كشف ذراعيها‪.‬‬
‫‪ - 2‬تحديد نظر المصلي إلتمام الخضوع‪ ،‬بأن ينظر إلى موضع سجوده قائماً وإ لى ظاهر قدميه‬
‫راكعاً إلى أرنبة أنفه ساجداً وإ لى ِحجره جالساً وإ لى منكبيه مسلماً مالحظاً قوله صلى اللّه عليه وسلم‬
‫‪ -‬فيما رواه عنه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ‪( :-‬أن تعبد اللّه كأنك تراه‪ ،‬فإن لم تكن تراه فإنه‬
‫يراك)(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬دفع السُّعال ما استطاع تحرزاً من المفسد‪ ،‬فإنه إذا كان بغير عذر يفسد أي إذا حصل به‬
‫الج َشاء (‪.)2‬‬
‫حروف‪ ،‬وكذا ُ‬
‫‪ - 4‬كظم الفم عند التثاؤب‪ ،‬فإن لم يقدر غطاه بكفه أو كمه‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه أن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬التثاؤب في الصالة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما‬
‫استطاع)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب اإليمان باب ‪.1/1‬‬
‫الج َشاء والتَّ ُّ‬
‫جشؤ‪ :‬تنفُّس المعدة عند االمتالء‪.‬‬ ‫(‪ُ )2‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.273/370‬‬

‫( ‪)1/202‬‬
‫فيجاب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أمر أُمر به ُ‬
‫‪ - 5‬قيام اإلمام والمصلين عند قول المقيم‪" :‬حي على الفالح"‪ ،‬ألنه ٌ‬
‫‪ - 6‬شروع اإلمام عند قوله‪" :‬قد قامت الصالة" عند اإلمام‪ ،‬وعند الصاحبين متى فرغ من اإلقامة‪.‬‬
‫‪ - 7‬يستحب للمصلي أن يغرز سترة أمامه (‪ ،)1‬وذلك لما روي عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة‬
‫عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا صلى أحدكم فليستتر لصالته ولو‬
‫بسهم)(‪ .)2‬والحكمة من السترة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كف بصر المصلي عما وراءها وجمع خاطره كي يحصل له الخشوع‪.‬‬
‫ب ‪ -‬لكي يمر من أراد المرور فال يحجز على الناس طريقهم‪ ،‬وذلك لما روي عن أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا صلى أحدكم فليعل تلقاء وجهه شيئاً‪،‬‬
‫فإن لم يجد فلينصب عصا‪ ،‬فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطاً ثم ال يضره ما مر أمامه)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هو واجب عند اإلمام أحمد‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.404‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.103/689‬‬

‫( ‪)1/203‬‬

‫حكم المرور بين يدي المصلي‪:‬‬


‫يحرم المرور بين المصلي والسترة‪ ،‬كما يحرم المرور بين يدي المصلي لو لم ينصب سترة‪ ،‬وذلك‬
‫لحديث أبي جهم رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬لو يعلم المار بين يدي‬
‫المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)(‪.)1‬‬
‫مر أمامه)‪.‬‬
‫أما بعد السترة فيصح المرور للحديث المتقدم (ثم ال يضره ما ّ‬
‫مر من موضع سجوده مار بل يأثم المار إن كان مكلفاً‪ .‬ولو كان المصلي في‬
‫وال يفسد صالة من ّ‬
‫الصحراء أو في مسجد كبير فاإلثم هو في المرور في موضع سجوده‪ .‬أما في المسجد الصغير فال‬
‫يجوز المرور إال من بعد السترة‪ ،‬أو ينتظر حتى يفرغ المصلي‪.‬‬
‫ويقسم اإلثم على المرور بين يدي المصلي إلى ثالثة أحوال‪:‬‬
‫(‪ - )1‬اإلثم على المار فقط إن كان المصلي يصلي جماعة وكان مسبوقاً فقام يتم صالته وهو واقف‬
‫بالخلف بعيداً عن القبلة‪.‬‬
‫(‪ - )2‬اإلثم على المصلي إن وقف بدون ساتر‪ ،‬وكان المار مضطراً ولم يجد إال أن يمر من أمام‬
‫المصلي‪.‬‬
‫(‪ - )3‬اإلثم عليهما معاً إن وقف المصلي في مكان وسط‪ ،‬وكان بإمكانه أن يتقدم إلى الساتر وبإمكان‬
‫المار أن يمر خلفه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.48/261‬‬

‫( ‪)1/204‬‬

‫شروط السترة وما يسن فيها‪:‬‬


‫‪ - 1‬إن كان هناك جدار فاألفضل أن يستتر به ليترك مجاالً للمارة فال يقطع على الناس طريقهم‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون الساتر سهماً بطول ذراع وليس في ثخنه دليل‪ ،‬وقيل‪ :‬يكفي ثخن اإلصبع‪ .‬وروي عن‬
‫عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن سترة المصلي؟ فقال‪( :‬مثل‬
‫الرحل)(‪ ،)1‬وهي قدر عظم الذراع‪.‬‬
‫مؤخرة َّ‬
‫‪ - 3‬يسن أن يقترب من السترة ما استطاع‪ ،‬لما روي عن سهل بن أبي حثمة رضي اللّه عنه يبلغ به‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا صلى أحدكم إلى السترة فليدن منها ال يقطع الشيطان عليه‬
‫صالته)(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬أن يجعل السترة على أحد حاجبيه فال َيصمد (‪ )3‬إليها صمداً بل يميل عنها‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يخط خطاً إن لم يجد سترة‪ ،‬وال يكفي حد السجادة الطاهرة على األرض‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يغرز السترة أمامه طوالً أو عرضاً كالهالل‪ ،‬أو يطرح السَّوط بين يديه طرحاً‪ .‬وتعتبر‬
‫سترة اإلمام سترة لمن خلفه‪.‬‬
‫‪ - 7‬يستحب للمصلي‪ ،‬سواء اتخذ سترة أم لم يتخذ‪ ،‬أن يترك دفع المار بين يديه‪ ،‬ألن األصل في‬
‫مر بين يديه إنما اإلثم على المار‪.‬‬
‫يضره من ّ‬
‫الصالة السكون‪ ،‬وألن المصلي إن اتخذ سترة ال ّ‬
‫ورخص دفعه باإلشارة كما فعل النبي صلى اللّه عليه وسلم بولد أم سلمة رضي اللّه عنها‪ ،‬إذ قام إليه‬
‫ولدها عميرة وهو يصلي في بيتها فأشار إليه أن قف فوقف‪ .‬أو دفعه بالتسبيح‪ ،‬لما روي عن سهل بن‬
‫فليسبح الرجال‬
‫ّ‬ ‫سعد رضي للّه عنه ن لنبي صلى اللّه عليه وسلم قل‪( :‬إذ نابكم شيء في الصالة‬
‫وليصفح النساء)(‪ ،)4‬وال يجمع بين اإلشارة والتسبيح‪ .‬أو دفعه برفع الصوت في القراءة‪ .‬أما المرأة‬
‫فتدفعه باإلشارة أو التصفيق للحديث المذكور‪.‬‬
‫وأما األمر بمقاتلة المار بين يدي المصلي‪ ،‬كما ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس‪ ،‬فأراد أحد أن يجتاز‬
‫بين يديه‪ ،‬فليدفعه‪ ،‬فإن أبى فليقاتله‪ ،‬فإنما هو شيطان)(‪ ،)5‬فإنه منسوخ بتحريم العمل الكثير في‬
‫الصالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.47/243‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.107/695‬‬
‫ص َمد‪ :‬قصد‪.‬‬
‫(‪َ )3‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.173/941‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب سترة المصلي باب ‪10/487‬‬
‫__________‬

‫( ‪)1/205‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬مكروهات الصالة‬


‫الحب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الكراهة لغة‪ :‬ضد‬
‫وشرعاً‪ :‬ما كان تركه أولى من فعله‪.‬‬
‫ويؤول‬
‫وكل صالة أديت مع الكراهة التحريمية تعاد وجوباً‪ ،‬ومع الكراهة التنزيهية تعاد استحباباً‪َّ .‬‬
‫قوله صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال يصلي بعد صالة مثلها) أنه نهي عن اإلعادة بسبب الوسوسة ال بسبب‬
‫الكراهة‪.‬‬
‫ومكروهات الصالة هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬يكره ترك واجب أو سنة عمداً‪ ،‬فمثالً‪ :‬متابعة اإلمام في الصالة واجبة‪ ،‬فإذا سبق المصلي‬
‫اإلمام تكون الكراهة تحريمية لما ورد فيها من الوعيد‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬أما يخشى أحدكم‪ ،‬إذا رفع رأسه قبل اإلمام‪ ،‬أن يجعل اللّه رأسه رأس‬
‫حمار‪ ،‬أو يجعل اللّه صورته صورة حمار)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجماعة واإلمامة باب ‪.25/659‬‬

‫( ‪)1/206‬‬

‫‪ - 2‬يكره العبث بالثوب أو األصابع أثناء الصالة‪ ،‬ألنه مناف للخشوع الذي هو حضور القلب‬
‫وتسكين الجوارح والمحافظة على األركان‪ ،‬لما روي عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‪( :‬إن اللّه‬
‫والمن في الصدقة‪ ،‬والرفث في الصيام‪ ،‬والضحك عند‬
‫ّ‬ ‫تعالى كره لكم ستاً‪ :‬العبث في الصالة‪،‬‬
‫القبور‪ ،‬ودخول المساجد وأنتم جنب‪ ،‬وإ دخال العيون البيوت بغير إذن)(‪ .)1‬وعن أبي هريرة رضي‬
‫اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى رجالً يعبث بلحيته في الصالة فقال‪( :‬لو خشع قلبه‬
‫خشعت جوارحه)(‪.)2‬‬
‫ويندرج تحت هذا أمور‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مسح الجبهة من نحو تراب أو حشيش أثناء الصالة‪ ،‬أما بعد الصالة فال بأس به‪ .‬لما روي عن‬
‫أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إن من الجفاء أن يكثر الرجل‬
‫مسح جبهته قبل الفراغ من صالته)(‪.)3‬‬
‫ب ‪ -‬قلب الحصا إال للسجود وتركه أولى‪ ،‬فعن معيقيب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في‬
‫الرجل يسوي التراب حيث يسجد‪( :‬إن كنت فاعالً فواحدة)(‪.)4‬‬
‫جـ ‪ -‬فرقعة األصابع‪ ،‬لحديث علي رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ال تفقع‬
‫أصابعك وأنت في الصالة)(‪.)5‬‬
‫د ‪ -‬تشبيك األصابع‪ ،‬لحديث كعب بن عجرة رضي اللّه عنه (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫رأى رجالً قد شبك أصابعه في الصالة ففرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين أصابعه)(‪،)6‬‬
‫وعن نافع سئل عن الرجل يصلي وهو مشبك يده قال‪ :‬قال ابن عمر‪" :‬تلك صالة المغضوب عليهم"(‬
‫‪.)7‬‬
‫صبيح الحنفي قال‪" :‬صليت إلى جنب ابن عمر‬
‫هـ ‪ -‬التخصر في الصالة‪ ،‬لما روي عن زياد بن ُ‬
‫فوضعت يدي على خاصرتي‪ .‬فلما صلى قال‪ :‬هذا الصُّلب في الصلب وكان رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم ينهى عنه"(‪.)8‬‬
‫وال يكره للمصلي أن يشد وسطه على سبيل التستر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الفتح الكبير‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪ ،342‬عن يحيى بن أبي كثير مرسالً لسعيد بن منصور في سننه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفتح الكبير‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.44‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.42/964‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.12/49‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.42/965‬‬
‫(‪ )6‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.42/967‬‬
‫(‪ )7‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.289‬‬
‫(‪ )8‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪ ،160/903‬وهيأة الصلب في الصالة أن يضع يديه على‬
‫خاصرتيه ويجافي بين عضديه في القيام‪.‬‬
‫( ‪)1/207‬‬

‫‪ - 3‬يكره االلتفات بالعنق‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم عن االلتفات في الصالة فقال‪( :‬هو اختالس يختلسه الشيطان من صالة العبد)(‪ .)1‬أما االلتفات‬
‫بالعين فال كراهة فيه‪.‬‬
‫‪ - 4‬يكره البصاق في المسجد مطلقاً‪ ،‬إال على منديل‪ ،‬لحديث أنس رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬البزاق في المسجد خطيئة‪ ،‬وكفارتها دفنها)(‪.)2‬‬
‫ويجوز أن يبصق تحت قدمه اليسرى إن كان خارج المسجد‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه‬
‫عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا قام أحدكم إلى الصالة‪ ،‬فال يبصق أمامه‪ ،‬فإنما يناجي‬
‫اللّه ما دام في مصاله‪ ،‬وال عن يمينه‪ ،‬فإن عن يمينه ملكاً‪ ،‬وليبصق عن يساره‪ ،‬أو تحت قدمه‪،‬‬
‫فيدفنها)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.11/718‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد باب ‪.5/405‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.6/406‬‬

‫( ‪)1/208‬‬

‫‪ - 5‬يكره ترك سنة التورك واالفتراش في القعود‪ ،‬ويكره اإل ْقعاء والتربُّع‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه قال‪( :‬نهاني النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ثالث‪ :‬نهاني عن االلتفات‪ ،‬وإ قعاء‬
‫كإقعاء الكلب‪ ،‬ونقر كنقر الديك)(‪.)1‬‬

‫‪ - 6‬يكره افتراش الذراعين‪ ،‬لحديث عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم "كان‬
‫ينهى عن عقبة الشيطان‪ ،‬وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع"(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫الرجل في جلوسه‪ :‬تساند إلى ما وراءه‪.‬‬
‫(‪ )1‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،265‬واإلقعاء‪ :‬أقعى ّ‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.46/240‬‬

‫( ‪)1/209‬‬
‫‪ - 7‬تكره الصالة في السراويل مع القدرة على غيرها‪ ،‬إذ يكره تحريماً لبس ما يحدد حجم العورة‬
‫في الصالة‪ .‬كما يكره تشمير الكمين للرجل وسدل الثوب واالشتمال (‪ )1‬بالثوب اشتمال اليهود‪ ،‬لما‬
‫روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (نهى عن السدل في‬
‫الصالة وأن يغطي الرجل فاه)(‪ ،)2‬وعن نافع بن عبد اللّه وال يرى نافع إال عن رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن اللّه عز وجل أحق أن يزين له‪ ،‬فإن لم يكن له‬
‫ثوبان فليأتزر إذا صلى وال يشتمل أحدكم في صالته اشتمال اليهود)(‪.)3‬‬
‫ويكره كشف أحد الكتفين وكشف الرأس لترك الوقار‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وال أكف ثوباً وال شعراً)(‪.)4‬‬
‫وال يكره نفض الثوب حتى ال تلتصق بالجسد في الركوع تحاشياً عن ظهور حجم العورة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬السدل‪ :‬إرسال الثوب حتى يصيب األرض‪ ،‬واالشتمال‪ :‬االندراج بالثوب بحيث ال يترك فتحة‬
‫يخرج يديه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.86/643‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.236‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.44/228‬‬

‫( ‪)1/210‬‬

‫‪ - 8‬يكره َعقص (‪ )1‬الشعر للرجل ال للمرأة‪ ،‬لما روي عن أبي رافع قال‪( :‬نهى رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫صلة من الشعر ثم تَ ْعِقدها ثم تُْر ِسلها‪.‬‬
‫الخ ْ‬
‫الع ْقص‪ :‬أن تَْلوي ُ‬
‫(‪َ )1‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.67/1042‬‬

‫( ‪)1/211‬‬
‫‪ 9 -‬يكره التّلثُّم (‪ )1‬للرجل والتنقُّب للمرأة (‪ )2‬حتى ال يتشبه بالمجوس‪.‬‬
‫‪ - 10‬يكره رد السالم باإلشارة‪ ،‬وال بأس للمصلي أن يجيب برأسه لما روي عن عبد اللّه بن مسعود‬
‫رضي اللّه عنه قال‪( :‬لما قدمت من الحبشة أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يصلي‬
‫فسلمت عليه فأومأ برأسه)(‪ .)3‬وإ ذا كلمه أحد وهو يصلي ال تفسد صالته‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬التّلثُّم‪ :‬اللثام‪ :‬ما كان على األنف وما حوله من ثوب أو نِقاب‪.‬‬
‫(‪ )2‬التنقُّب‪ :‬النِقّاب‪ِ :‬‬
‫القناع تجعله المرأة على ِ‬
‫مارن أنفها وتستر به وجهها‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.260‬‬

‫( ‪)1/212‬‬

‫‪ - 11‬تكره القراءة في غير حال القيام كأن يتم القراءة حال الركوع أو يأتي باألذكار أثناء‬
‫االنتقاالت‪.‬‬
‫‪ - 12‬يكره تطويل الركعة الثانية عن األولى‪.‬‬
‫‪ - 13‬يكره تكرار السورة في ركعة واحدة من الفرض أو في ركعتين‪ ،‬أما في النفل فال بأس ألن‬
‫باب النوافل أوسع‪.‬‬
‫‪ - 14‬يكره عدم القراءة على ترتيب المصحف وتواليه‪ ،‬لقول ابن مسعود رضي اللّه عنهما "من قرأ‬
‫القرآن منكوساً فهو منكوس"‪ .‬فلو قرأ {قل أعوذ برب الناس} في الركعة األولى يعيدها في الركعة‬
‫الثانية أو يقرأ من سورة البقرة‪.‬‬
‫‪ - 15‬يكره تحويل أصابع قدمه عن القبلة في السجود‪.‬‬
‫‪ - 16‬يكره التثاؤب وإ ن غلبه فليكظم ما استطاع‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي‬
‫طاس ويكره التثاؤب‪ ،‬فإذا عطس فحمد اللّه فحق على كل‬
‫الع َ‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إن اللّه يحب ُ‬
‫مسلم سمعه أن يشمته‪ ،‬وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليرده ما استطاع‪ ،‬فإذا قال ها ضحك منه‬
‫الشيطان)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب األدب باب ‪.125/5869‬‬

‫( ‪)1/213‬‬
‫‪ - 17‬يكره تغميض العينين‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬إذا قام أحدكم في الصالة فال يغمض عينيه)(‪ ،)1‬إال إذا كان لمصلحة الصالة كتجنب‬
‫ضجة اآلخرين‪.‬‬
‫‪ - 18‬يكره النظر إلى السماء ولو في دعاء القنوت‪ ،‬لما روى أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صالتهم) فاشتد قوله في‬
‫طفَ َّن أبصارهم)(‪ ،)2‬ألنه ُي ِّ‬
‫فوت النظر إلى المحل المندوب‪،‬‬ ‫(لي ْنتَهُ َّن عن ذلك‪ ،‬أو لتُ ْخ َ‬
‫ذلك حتى قال‪َ :‬‬
‫ولكل عضو حظه من الصالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.83‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صفة الصالة باب ‪.10/717‬‬

‫( ‪)1/214‬‬

‫طي أو التكاسل وكل عمل قليل‪.‬‬


‫‪ - 19‬يكره التم ّ‬
‫حر أو برد‪.‬‬
‫‪ - 20‬يكره السجود على كور عمامته لغير ضرورة من ّ‬
‫‪ - 21‬يكره السجود على صورة إنسان أو حيوان‪.‬‬
‫ووجود الصور في الغرفة يمنع دخول مالئكة الرحمة‪ ،‬أما الحفظة فإنهم مع اإلنسان دائماً إال في‬
‫الخالء‪ ،‬ودليل ذلك ما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪( :‬استأذن جبريل عليه السالم على‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‪ :‬ادخل‪ ،‬فقال‪ :‬كيف أدخل وفي بيتك ِستْر فيه تصاوير‪ ،‬فإما أن تُقطع‬
‫رؤوسها أو تجعل بساطاً يوطأ‪ ،‬فإنا معشر المالئكة ال ندخل بيتاً فيه تصاوير)(‪ .)1‬فال تكره الصالة‬
‫على بساط فيه تصاوير في غير موضع السجود‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.216‬‬

‫( ‪)1/215‬‬

‫‪ - 22‬يكره لبس ثياب فيها تصاوير ذات روح‪ ،‬وأن يكون فوق رأسه أو خلفه أو بين يديه صورة‬
‫حيوان‪ .‬أما إذا كانت الصورة صغيرة ال تبدو إال بتأمل كالتي على الدنانير فال كراهة في ذلك‪ .‬لذا‬
‫تجوز صالة من معه دراهم عليها صورة ملك‪ .‬كذلك تجوز الصالة إن كانت الصورة كبيرة مقطوعة‬
‫الرأس أو صورة لغير ذي روح كالشجر‪.‬‬
‫‪ - 23‬يكره االقتصار على الجبهة في السجود بال عذر‪ ،‬وهو كراهة تحريمية لترك الواجب‪.‬‬
‫‪ - 24‬ما يكره ألجل المحل‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تكره الصالة في الطريق وفي الحمام وفي المقبرة‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (نهى أن يصلى في سبعة مواطن‪ :‬في المزبلة والمجزرة والمقبرة‬
‫وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن اإلبل وفوق ظهر بيت اللّه)(‪.)1‬‬
‫ب ‪ -‬تكره الصالة في أرض الغير إال أن أذن‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬تكره الصالة في األرض المغصوبة‪.‬‬
‫وال تكره الصالة على ْلبد (‪ )2‬أو سجاد‪ ،‬واألفضل أن يصلي على األرض أو ما هو من جنسها‬
‫كالحصير‪ .‬وقد روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫يصلي على الخمرة)(‪ ،)3‬وعن أبي سعيد رضي اللّه عنه (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى على‬
‫حصير)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.258/346‬‬
‫(‪ )2‬اللِّْبد‪ :‬البساط من صوف‪.‬‬
‫والخمرة‪ :‬شبيهة بالسجادة الصغيرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪ُ ،246/331‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.247/332‬‬

‫( ‪)1/216‬‬

‫‪ - 25‬تكره الصالة حاقناً أو حاقباً أو حاذقاً (‪ ،)1‬لما روي عن أبي أمامة رضي اللّه عنه أن رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم (نهى أن يصلي الرجل وهو حاقن)(‪ ،)2‬وعن عائشة رضي اللّه عنها أن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ال صالة بحضرة الطعام وهو يدافعه األخبثان)(‪ )3‬وعليه اإلعادة‬
‫إال إذا خاف فوت الجماعة أو فوت الوقت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحاقن‪ :‬أحقن بوله‪ :‬إذا َحَبسه‪ .‬فالحاقن في البول‪ ،‬والحاقب في الغائط‪ ،‬والحازق في الريح‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.114/617‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.16/67‬‬

‫( ‪)1/217‬‬
‫‪ - 26‬تكره الصالة في ثياب البِ ْذلة‪ ،‬لما روي عن نافع قال‪" :‬رآني ابن عمر وأنا أصلي في ثوب‬
‫واحد‪ .‬فقال‪ :‬ألم أكسك‪ .‬قلت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فلو بعثتك كنت تذهب هكذا؟ قلت‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فاللّه أحق أن‬
‫تزين له"(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.236‬‬

‫( ‪)1/218‬‬

‫‪ - 27‬تكره الصالة بحضرة طعام تتوق إليه نفسه‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪:‬‬
‫بالعشاء‪ ،‬وال‬
‫فابد ُؤا َ‬
‫قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا وضع َعشاء أحدكم‪ ،‬وأقيمت الصالة‪َ ،‬‬
‫يعجل حتى يفرغ منه)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجماعة واإلمامة باب ‪.14/642‬‬

‫( ‪)1/219‬‬

‫عد اآلي أو التسبيح باليد خالفاً للصاحبين‪ .‬وال مانع من غمز األنامل بمحلها وال‬
‫‪ - 28‬يكره ّ‬
‫اإلحصاء في القلب خاصة في صالة التسابيح‪ .‬وال يكره العد خارج الصالة‪ ،‬أما عد اآليات باللسان‬
‫في الصالة فهو مفسد‪.‬‬
‫‪ - 29‬يكره قيام اإلمام بجملته في المحراب‪ ،‬أو قيامه في مكان عال قدر ذراع‪ ،‬أو أن يكون‬
‫المصلون أعلى منه‪ .‬وتنتفي الكراهة بقيام واحد معه‪.‬‬
‫‪ - 30‬يكره القيام خلف صف فيه فرجة‪ ،‬إذ يجب سد الفرجة أوالً‪ ،‬فعن عائشة رضي اللّه عنها‬
‫قالت‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إن اللّه عز وجل ومالئكته عليهم السالم ُيصلون على‬
‫صلون الصفوف‪ ،‬ومن سد فرجة رفعه اللّه بها درجة)(‪.)1‬‬ ‫الذين ي ِ‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 6‬ص ‪.89‬‬

‫( ‪)1/220‬‬
‫‪ - 31‬تكره الصالة أمام نار تشتعل لما فيه من التشبه بعبادة المجوس‪ .‬كما تكره صالة المكلف‬
‫وأمامه ناس قيام‪.‬‬
‫‪ - 32‬يكره تعيين سورة غير الفاتحة في الفرض ألنه مخالف للسنة‪ ،‬أما الفاتحة فقد تعينت بوجوبها‪.‬‬
‫ويجوز التعيين فيما وردت فيه السنة كالسجدة والدهر في فريضة الفجر يوم الجمعة‪ ،‬لما روي عن‬
‫أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقرأ في الجمعة في صالة الفجر ألم‬
‫تنزيل السجدة وهل أتى على اإلنسان)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجمعة باب ‪.9/851‬‬

‫( ‪)1/221‬‬

‫‪ - 33‬يكره ترك اتخاذ سترة أمام المصلي‪.‬‬


‫ما يجوز قطع الصالة ألجله‪:‬‬
‫يهم بسرقة ماله ولو درهماً‪ ،‬لما روي عن‬
‫‪ - 1‬يجوز قطع الصالة إذا شعر المصلي أن سارقاً ّ‬
‫مخارق عن أبيه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬فقاتل حتى تحرز مالك أو تقتل فتكون‬
‫في شهداء اآلخرة)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬يجوز قطع الصالة إلنقاذ أعمى خاف عليه أن يتردى في هاوية وهو ال يعلم‪ ،‬أو خاف على ولد‬
‫أن يسقط أو غير ذلك‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجب قطع الصالة إلغاثة ملهوف إذا استغاث بالمصلي وقدر على مساعدته ودرء الخطر عنه‪،‬‬
‫ألنه إذا تعارض حق اللّه وحق العبد قدم حق العبد‪ ،‬ألن العبد فقير واللّه غني‪.‬‬
‫مثالً‪ :‬اضطرار الطبيب إلى إجراء عملية جراحية مستعجلة لمريض‪ ،‬وخوفه عليه الضرر‪ ،‬هذا يجيز‬
‫له قطع الصالة أو تأخيرها‪ ،‬وكذا حالة القابلة إن خشيت األذى على الوليد أو أمه‪.‬‬
‫‪ - 4‬ال يجوز قطع االبن لصالة الفرض إن ناداه أبواه‪ ،‬أما في النافلة فيجيب أبويه إن كانا ال يعلمان‬
‫أنه في الصالة‪ ،‬وإ ال فال يجيبهما‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.295‬‬

‫( ‪)1/222‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬مفسدات الصالة‬
‫الفساد لغة‪ :‬ضد الصالح‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬وصف غير صحيح في العبادة‬
‫والمفسدات مرادفة للمبطالت في العبادات‪ ،‬والفساد في العبادات يفيد البطالن وهو خروج العبادة عن‬
‫كونها عبادة‪.‬‬
‫أما الفساد في المعامالت فهو ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه فيمكن تصحيحه‪.‬‬
‫فالفاسد غير الباطل في المعامالت‪ ،‬وفي العبادات ال فرق بين الفاسد والباطل بل كل تجب إعادته‪،‬‬
‫فإذا فسدت الصالة وجب إعادتها في الوقت أو قضاؤها بعد الوقت‪.‬‬

‫( ‪)1/223‬‬

‫ومفسدات الصالة هي‪:‬‬


‫‪ - 1‬الكالم‪ :‬وهو النطق بحرفين ولو لم ُيفهما‪ ،‬أو بحرف واحد مفهم‪ ،‬سواء كان النطق سهواً أو‬
‫عمداً أو خطأ‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪( :‬كنا نسلّم على رسول اللّه‬
‫فيرد علينا‪ ،‬فلما رجعنا من عند النجاشي‪ ،‬سلمنا عليه فلم يرد‬
‫صلى اللّه عليه وسلم وهو في الصالة‪ّ ،‬‬
‫فترد علينا‪ .‬فقال‪ :‬إن في الصالة ُشغالً)(‪،)1‬‬
‫علينا‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول اللّه! كنا نسلّم عليك في الصالة ّ‬
‫وعنه أيضاً أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إن اللّه عز وجل ُيحدث من أمره ما يشاء‪ ،‬وإ نه‬
‫قد أحدث من أمره أنه ال ُيتكلم في الصالة)(‪.)2‬‬
‫ويترتب على تحريم الكالم في الصالة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬يفسد الصالة الدعاء بما يشبه كالم الناس مما ليس في قرآن وال سنة ويمكن طلبه من الناس‪ ،‬فعن‬
‫معاوية بن الحكم السلّمي قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إن هذه الصالة ال يصلح فيها‬
‫شيء من كالم الناس‪ ،‬إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)(‪.)3‬‬
‫ب ‪ -‬يفسد الصالة السالم بنية التحية ولو سهواً‪ ،‬لما روي عن جابر رضي اللّه عنه قال‪ :‬كنا مع‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬فبعثني في حاجة‪ .‬فرجعت وهو يصلي على راحلته‪ .‬ووجهه على غير‬
‫أرد عليك إال أني كنت‬
‫علي‪ .‬فلما انصرف قال‪( :‬إنه لم يمنعني أن ّ‬ ‫يرد ّ‬‫القبلة‪ .‬فسلّمت عليه فلم ّ‬
‫أصلي)(‪ .)4‬أما لفظ السالم بغير نية التحية فال يفسد الصالة سهواً‪ ،‬ألنه من جنسها‪ ،‬كما لو ظن أنه‬
‫أتم الصالة فسلم ثم تبين له أنه لم يتمها فال فساد‪ .‬وأما إذا سلم على رأس الركعتين من الرباعية ساهياً‬
‫ظاناً أنها الفجر أو أنه مسافر أو أن فرضه ركعتان فقد فسدت صالته‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬يفسد الصالة التنحنح والتأفيف (‪ )5‬واألنين إال إذا كان خوف النار‪.‬‬
‫د ‪ -‬يفسد الصالة كل كالم كان ذكراً إذا قصد به جواب سؤال كقوله‪{ :‬يا يحيى خذ الكتاب بقوة}‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.7/34‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.19‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.7/33‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.7/38‬‬
‫(‪ )5‬التنحنح‪ُّ :‬‬
‫تردد الصوت في الصدر‪ ،‬والتأفيف‪ :‬أن يقول أف أو تف لنفخ التراب أو التضجر‪.‬‬
‫وقيل أف اسم لوسخ األظافر أو األذن وتف اسم لوسخ البراجم‪.‬‬

‫( ‪)1/224‬‬

‫‪ - 2‬العمل الكثير المتوالي على أن ال يكون من نوع أعمال الصالة كزيادة ركوع فإنه عمل كثير‬
‫غير مفسد‪ ،‬وال بقصد إصالح الصالة كالمشي للوضوء لسبق حدث فإنه ال يفسد‪ .‬وقيد بعضهم الكثير‬
‫بثالث حركات متواليات‪ .‬وال يبطل الصالة قتل السبع الفواسق لعموم أذاها (‪ )1‬إذا كان بعمل قليل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورد في السبعينات ألبي الليث السمرقندي‪ :‬سبعة إذا رآها المصلي ال بأس بقتلها‪ :‬الحية‬
‫والعقرب والوزغة والزنبور والقراد والبرغوث والقمل‪ S،‬ولو بعمل كثير وانحراف عن القبلة‪ .‬لكن‬
‫هذا ال يعني عدم الفساد‪.‬‬

‫( ‪)1/225‬‬

‫‪ - 3‬تحويل الصدر عن القبلة إال لمن سبقه حدث‪.‬‬


‫‪ - 4‬األكل والشرب سواء كان ناسياً أو عامداً‪ .‬ولو ابتلع شيئاً كان بين أسنانه فال يفسد صالته إال إذا‬
‫زاد عن مقدار الحمصة‪.‬‬
‫‪ - 5‬رؤية المتيمم الماء قبل التشهد توجب عليه إعادة الصالة‪ ،‬وكذل سقوط الجبيرة عن برء أثناء‬
‫الصالة‪ ،‬وزوال عذر صاحب العذر قبل إتمام صالته‪ ،‬وتمام مدة المسح على الخف أو نزعه قبل‬
‫القعود األخير قدر التشهد‪ ،‬ووجدان العاري ما يستر عورته‪ ،‬وقدرة العاجز على الركوع والسجود‪.‬‬
‫‪ - 6‬تذكر فائتة لذي الترتيب‪ ،‬ألن األصل أن يصلي الفوائت بالترتيب إن كانت دون خمس صلوات‪،‬‬
‫فإذا صارت ستاً سقط الترتيب‪.‬‬
‫‪ - 7‬طلوع الشمس أو زوالها أثناء الصالة‪ :‬فطلوع الشمس في صالة الفجر‪ ،‬وزوالها في صالة‬
‫العيدين‪ ،‬ودخول وقت العصر في صالة الجمعة‪ ،‬مفسد للصالة‪.‬‬
‫‪ - 8‬انكشاف العورة قدر أداء ركن‪ ،‬أو وقوع نجاسة مانعة من صحة الصالة‪ ،‬فإن دفعها بمجرد‬
‫وقوعها ولم يبق لها أثر‪ ،‬أو ستر عورته بمجرد انكشافها‪ ،‬فال يضر‪.‬‬
‫‪ - 9‬التكبير بنية االنتقال لصالة أخرى غير التي هو فيها‪.‬‬
‫‪ - 10‬الضحك مفسد للصالة إن كان مسموعاً للمصلي‪ ،‬لما روي عن جابر رضي اللّه عنه أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ال يقطع الصالة الكشر ولكن يقطعها القهقهة)(‪ .)1‬وإ ن قهقه فسمعه غيره‬
‫فسد وضوؤه‪ S‬وصالته معاً‪ ،‬لما روي عن أبي موسى رضي اللّه عنه قال‪( :‬بينما رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم يصلي إذ دخل رجل فتردى في حفرة كانت في المسجد‪ ،‬وكان بصره ضرر‪ ،‬فضحك‬
‫كثير من القوم وهم في الصالة‪ .‬فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء‬
‫ويعيد الصالة)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.82‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.82‬‬

‫( ‪)1/226‬‬

‫‪ - 11‬محاذاة الرجل المكلف المرأة المشتهاة (أي ال يشترط البلوغ)‪ ،‬ولو كانت زوجته أو من‬
‫محارمه‪ ،‬في الصالة بشروط‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن تكون الصالة مشتركة بإمام واحد‪ ،‬وأن يكون اإلمام نوى إمامة النساء‪ ،‬وأن تنوي المرأة‬
‫االقتداء به‪ .‬ولو حاذته بعد تسليم اإلمام في أداء ما سبقت به فال تبطل‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اتحاد المكان‪ ،‬فلو حاذته وهي في مكان مرتفع ال تبطل صالتهما‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬أن تكون َّ‬
‫مدة المحاذاة قدر أداء ركن فأكثر‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن تكون المحاذاة بدون حائل بينهما‪ .‬والحائل أقله فراغ يسع رجالً‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أن ال يشير إليها باالبتعاد عنه‪ ،‬فلو أشار لها ولم تبتعد بطلت صالتها دون صالته‪.‬‬
‫‪ - 12‬القراءة من المصحف أو أي كتاب سواء كان المقروء قليالً أو كثيراً‪ .‬أما لو نظر إلى المكتوب‬
‫وفهمه دون أن يتلو منه فال تفسد صالته بل يسيء األدب‪.‬‬

‫( ‪)1/227‬‬
‫‪ - 13‬اللحن في قراءة القرآن‪ ،‬إذا غيَّر المعنى تغييراً فاحشاً‪ ،‬أما إذا لم يتغير المعنى فال تفسد عند‬
‫المغير نظير في القرآن‪.‬‬
‫اإلمام‪ .‬وتفسد عند اإلمام أبي يوسف إذا لم يكن للفظ ّ‬
‫وكل ذلك حكم زلة القارئ أي الذي أخطأ‪ ،‬أما المتعمد فأقل أمره فساد صالته إذ يخشى عليه الكفر‪.‬‬
‫ويلحق بذلك الخطأ في اإلعراب فال تفسد به الصالة مطلقاً‪ ،‬إال إذا تغير المعنى فتفسد عند اإلمام‬
‫ربه"‪.‬‬
‫إبراهيم َ‬
‫ُ‬ ‫وصاحبه‪ .‬وال تفسد عند أبي يوسف وقوله هو المفتى به‪ ،‬مثل قوله‪" :‬وإ ذا ابتلى‬
‫ومنه أيضاً تخفيف التشديد إذ ال يفسد الصالة‪ ،‬والوقف واالبتداء في غير موضعهما‪ ،‬وكذا إذا وقف‬
‫عند بعض الحروف ثم غيَّر السورة بسبب النسيان فال تفسد‪.‬‬
‫‪ - 14‬الفتح (‪ )1‬على غير إمامه‪ ،‬أي أن يرد غير إمامه في قراءة القرآن وال بأس من أن يرد إمامه‬
‫لقول علي رضي اللّه عنه‪" :‬إذا استطعمك اإلمام فأطعمه"‪ ،‬أي إذا استفتحك فافتح عليه‪ .‬ويكره‬
‫للمقتدي أن يعجل بالفتح‪ ،‬ألن اإلمام قد يتذكر وحده‪.‬‬
‫__________‬
‫رد المقتدي إمامه في قراءة القرآن أثناء الصالة‪.‬‬
‫(‪ )1‬الفتح‪ :‬هو ّ‬

‫( ‪)1/228‬‬

‫كأمي أو معذور‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ - 15‬استخالف من ال يصلح إماماً‬
‫‪ - 16‬مد الهمزة في قوله‪" :‬اللّه أكبر" أو مد باء "أكبر"‪.‬‬
‫‪ - 17‬سبق المقتدي إلمامه بركن لم يشاركه فيه‪ ،‬كما لو ركع ورفع رأسه بعد الركوع قبل اإلمام ثم‬
‫لم يعده معه‪.‬‬
‫‪ - 18‬عدم إعادة الجلوس األخير بعد أداء سجدة صلبية أو سجدة تالوة تذكرها بعد الجلوس‪ ،‬ألن‬
‫الجلوس األخير ال يعتد به إال بعد تمام األركان‪.‬‬
‫‪ - 19‬متابعة اإلمام في سجود السهو للمسبوق بعد أن يتأكد انفراده‪ ،‬بأن قام بعد سالم اإلمام أو قبله‬
‫بعد قعوده قدر التشهد‪ ،‬وقيد ركعته بسجدة‪ ،‬ثم تذكر اإلمام سجود سهو عليه فتابعه المأموم فسدت‬
‫صالته‪ ،‬ألنه اقتدى بعد أن أصبح منفرداً‪.‬‬
‫‪ - 20‬عدم إعادة ركن أداه نائماً‪ ،‬ألنه يشترط أداء األركان مستيقظاً‪.‬‬
‫‪ - 21‬التسليم عمداً على رأس ركعتين في غير الصالة النائية‪ ،‬أما سهواً فال يفسد‪ ،‬ألنه في العمد‬
‫خروج من الصالة قبل تمامها فيفسدها‪ .‬ولو سلم على رأس ركعتين ظاناً أنه مسافر فسدت صالته‪.‬‬
‫‪ - 22‬تفسد صالة من سبقه حدث باألمور التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ظهور عورة ولو اضطر إليه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قراءته أثناء ذهابه وعودته للوضوء‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬مكثه بال سبب قدر أداء ركن بعد سبق الحدث له مستيقظاً بال عذر‪ ،‬فلو مكث لزحام أو النقطاع‬
‫رعافه فإنه يبني‪.‬‬
‫د ‪ -‬مجاوزته ماء قريباً بأكثر من صفين‪.‬‬
‫واألصل في ذلك‪ :‬أن من سبقه الحدث يذهب فيعيد الوضوء‪ ،‬ثم يبني على صالته على أن ال يقع في‬
‫المحظورات السابقة‪ .‬واألفضل أن يعيد الصالة للخروج من خالف بقية المذاهب‪.‬‬
‫‪ - 23‬خروجه من المسجد بظن الحدث ولم يكن محدثاً حقاً لوجود المنافي وهو المشي بغير عذر‪.‬‬
‫‪ - 24‬مجاوزته الصفوف‪ S‬أو سترته في غير المسجد‪ ،‬وإ ن يكن أمامه صف أو صلى منفرداً وليس‬
‫بين يديه سترة اغتفر له قدر موضع سجوده من كل جانب‪ ،‬فإن تجاوز ذلك بظنه الحدث ولم يكن‬
‫أحدث كما إذا أنزل من أنفه ماء فظنه دماً فسدت صالته‪.‬‬
‫‪ - 25‬انصراف المصلي عن مكانه ظاناً أنه غير متوضئ‪ ،‬ولو تذكر أنه متوضئ ولم يخرج من‬
‫المسجد ونحوه‪ ،‬النصرافه بقصد ترك الصالة‪.‬‬

‫( ‪)1/229‬‬

‫الباب الرابع [سجود السهو والشكر والتالوة]‬


‫َّهو‬
‫الفصل األول‪ :‬سجود الس ْ‬
‫سجود السهو ألنه يضمن ما فات في الصالة من غير قصد‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الغفلة‪ .‬ويسمى السجود‬
‫َّهو‪َ :‬‬
‫الس ْ‬
‫حكمه‪ :‬واجب‪ ،‬ألنه ضمان فائت وهو ال يكون إال واجباً ألنه يرفع (يلغي) واجباً وهو قراءة التشهد‬
‫والسالم‪ ،‬فيعادان بعد فعله ولوال أنه واجب لما رفعهما‪.‬‬
‫كيفية سجود السهو ووقته‪:‬‬
‫هو سجدتان تجزيان عن كل زيادة أو نقصان‪ ،‬واألرجح أن وقته بعد قراءة التشهد والصالة على‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم لما روي عن عبد اللّه بن جعفر رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من شك في صالته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم)(‪ .)1‬أي يجب أن يأتي به بعد‬
‫كل الواجبات فيؤخر عن السالم‪ ،‬أو عن تسليمة واحدة‪ ،‬ثم يسجد سجدتين ويعيد التشهد والسالم‪.‬‬
‫ويصح فعله قبل السالم وإ ن كان خالف األ َْولى وذلك باعتبار السالم واجباً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.199/1033‬‬
‫( ‪)1/230‬‬

‫أسباب وجوبه‪:‬‬
‫قدمه‪ ،‬أو زاده سهواً‪.‬‬
‫‪ - 1‬إذا ترك واجباً سهواً‪ ،‬أو أخره عن محله‪ ،‬أو ّ‬
‫‪ - 2‬إذا قدم فرضاً عن مكانه سهواً‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا أخر فرضاً عن مكانه سهواً‪.‬‬
‫وال يسجد للسهو لترك السنة‪ ،‬ألنه الصالة ال تنقض بتركها‪.‬‬
‫وال يجبر ترك الفرض بسجود السهو‪ ،‬ألن ترك الفرض مبطل للصالة أصالً فلو سها عن ركن من‬
‫أركان الصالة أعاده‪ ،‬ولو أخره عن وقته سجد للسهو‪ .‬فلو سها عن القراءة في القيام وركع يرجع‬
‫فيقرأ الفاتحة ثم يعيد الركوع ويسجد للسهو‪.‬‬
‫وكذا لو سها عن القنوت قبل الركوع فركع‪ ،‬يعيد القنوت بعد الركوع وال يعيد الركوع‪ ،‬ألن الركوع‬
‫ال ينتقض بالواجب‪ ،‬ويسجد للسهو لتأخيره القنوت عن محله‪.‬‬
‫وإ ذا ترك واجباً متعمداً‪ ،‬فإنه يعاقب بإعادة الصالة‪ ،‬وال ينجبر بسجود السهو قيل إال في أربعة‬
‫مواضع‪:‬‬
‫‪ - 1‬ترك القعود األول عمداً‪.‬‬
‫‪ - 2‬الصالة على النبي صلى اللّه عليه وسلم في القعود األول عمداً‪.‬‬
‫‪ - 3‬تأخير إحدى سجدتي ركعة إلى ما بعدها عمداً‪.‬‬
‫‪ - 4‬تفكره عمداً حتى ينشغل عن مقدار ركن‪ ،‬فيسجد للسهو‪ ،‬ويسمى سجوده سجود عذر‪.‬‬
‫وفيما يلي تفصيل لبعض أسباب سجود السهو‪:‬‬
‫‪ - 1‬السهو عن القعود األول‪:‬‬

‫( ‪)1/231‬‬

‫إذا قام ساهياً عن القعود األول إلى الركعة الثالثة‪ ،‬سواء كان إماماً أو منفرداً‪ ،‬عاد إليه وجوباً؛ ما لم‬
‫ِ‬
‫يستو قائماً‪ ،‬لما روى المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫(إذا قام اإلمام في الركعتين‪ ،‬فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس‪ ،‬فإن استوى قائماً فال يجلس‬
‫ويسجد سجدتي السهو)(‪ .)1‬وإ ن عاد بعد استوائه قائماً‪ ،‬فقد اختلف في حكم الصالة واألرجح أنها ال‬
‫تفسد ويجب سجود السهو ولو عاد وقرأ التشهد‪ ،‬إال أن تكون عودته إليه وهو أقرب إلى الجلوس‪.‬‬
‫أما لو كان مقتدياً وجلس أمامه فيعود للمتابعة ولو استوى قائماً‪ ،‬وال يجب عليه سجود سهو ألن‬
‫اإلمام ضامن‪ .‬أما المتنفل فكل ركعتين صالة فيجب عليه أن يعود‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا سها اإلمام أو المنفرد عن القعود األخير‪ ،‬عاد ما لم يسجد للخامسة‪ .‬بذلك وردت السنة‪ :‬عاد‬
‫صلى اللّه عليه وسلم بعد قيامه إلى الخامسة وسجد للسهو لتأخيره فرض القعود‪ .‬فإن لم يعد حتى‬
‫سجد للخامسة صار فرضه نفالً برفع رأسه من السجود ويضم سادسة‪ ،‬كما يضم رابعة إن كان في‬
‫الفجر‪ ،‬وال يسجد للسهو‪ ،‬ولو اقتدى به أحد حال الضم لزمه إتمام ست ركعات‪.‬‬
‫أما لو قعد للتشهد‪ ،‬ثم قام ساهياً‪ ،‬سلم واقفاً‪ ،‬أو يعود فيجلس ويسلم‪ ،‬وينتظره المقتدون جلوساً إن كان‬
‫إماماً وال يتابعونه في القيام‪ .‬فإن سجد للخامسة دون أن يتذكر سلموا للحال وصحَّت صالتهم ولم‬
‫يبطل فرضه ويستحب أن يضم ركعة أخرى لتصير الزائدتان له نافلة ويسجد للسهو‪ .‬أما لو كان‬
‫أتمها نفالً‪ ،‬وصح فرضه‪ ،‬ويسجد للسهو لتأخيره السالم عن‬
‫منفرداً وسجد للخامسة‪ ،‬وكان قعد للتشهد ّ‬
‫محله‪.‬‬
‫ظاناً أنه أنهى صالته‪ ،‬ثم تذكر بعد أن سلم‬ ‫‪ - 3‬إذا سلم على رأس الثانية في صالة رباعية أو ثالثية ّ‬
‫ناف للصالة أو يخرج من المسجد‪ ،‬عاد وأتمها ثم سجد للسهو‪ .‬لما روي عن أبي‬ ‫وقبل أن يأتي بم ٍ‬
‫ُ‬
‫هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انصرف من اثنتين‪ ،‬فقال له ذو اليدين‪:‬‬
‫ص َرت الصالة أم َن ِسيت يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أصدق ذو اليدين‪.‬‬ ‫أقَ ُ‬
‫ُخ َرَي ْين‪ ،‬ثم سلّم‪ ،‬ثم كبر‪ ،‬فسجد‬
‫فقال الناس‪ :‬نعم‪ .‬فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصلى اثنتين أ ْ‬
‫مثل سجوده أو أطول‪ ،‬ثم رفع)(‪ )2‬أما لو سلم ظاناً أنه مسافر ثم تذكر أنه أقام يعيد‪ ،‬ألنه سلم قاصداً‬
‫إنهاء الصالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.201/1036‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب السهو باب ‪.4/1170‬‬

‫( ‪)1/232‬‬

‫متى يسقط سجود السهو‪:‬‬


‫‪ - 1‬إن طلعت الشمس بعد السالم في صالة الفجر‪.‬‬
‫‪ - 2‬بخروج وقت الجمعة والعيدين لفوات شرط الصحة‪ .‬واألفضل أن ال يسجد اإلمام وال المقتدي‬
‫للسهو في صالة الجمعة والعيدين حتى ال يشتبه األمر على المصلين‪.‬‬
‫‪ - 3‬الحدث العمد أو العمل المنافي للصالة‪.‬‬
‫‪ - 4‬احمرار الشمس بعد السالم من صالة العصر تحرزاً عن المكروه‪.‬‬
‫متابعة اإلمام في سجود السهو‪:‬‬
‫المؤتم إمامه في سجود السهو‪ ،‬سواء تابعه في سهوه أو ال‪ ،‬لوجوب المتابعة‪ ،‬وألن رسول اللّه‬
‫ّ‬ ‫يتابع‬
‫صلى اللّه عليه وسلم لما سها سجد وتابعه المسلمون في سجوده‪ ،‬فعن عبد اللّه بن بحينة األسدي‬
‫أتم‬
‫رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (قام في صالة العصر وعليه جلوس‪ ،‬فلما ّ‬
‫صالته سجد سجدتين فكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدهما الناس معه‪ ،‬مكان ما‬
‫نسي من الجلوس)(‪.)1‬‬
‫أما لو سها المقتدي دون اإلمام فال يسجد لسهو نفسه‪ ،‬ألن اإلمام للمصلين ضامن يرفع عنهم سهوهم‬
‫وقراءتهم‪ ،‬لما روي عن عمر رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ليس على من‬
‫خلف اإلمام سهو‪ ،‬فإن سها اإلمام فعليه وعلى من خلفه السهو‪ ،‬وإ ن سها من خلف اإلمام فليس عليه‬
‫سهو واإلمام كافيه)(‪.)2‬‬
‫وأما المسبوق فيسجد للسهو مع اإلمام ما ُسبِق به‪ .‬أما لو سها بعد سالم اإلمام فيسجد في آخر‬
‫صالته‪ ،‬ولو سجد مع إمامه‪.‬‬
‫ولو سلم المسبوق مقارناً إلمامه أو قبله ساهياً يقوم بعد السالم ويتم ما ُسبق به وال سهو عليه‪ ،‬أما إن‬
‫سلم بعد سالم إمامه فيلزمه أن يسجد للسهو في آخر صالته ألنه صار منفرداً‪.‬‬
‫وأما الالحق (وهو من دخل مع اإلمام في الصالة إال أنه فاته شيء منها أثناءها إما لغفلة أو سهو أو‬
‫غير ذلك) فال يتابع اإلمام في سجود السهو بل يسجد بعد إتمام ما فاته‪ .‬ولو سجد مع اإلمام أعاد‬
‫سجود السهو في آخر صالته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.5/1173‬‬
‫(‪ )2‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.377‬‬

‫( ‪)1/233‬‬

‫حكم الشك في الصالة‪:‬‬


‫‪ - 1‬إن لم يكن الشك من عادته تبطل الصالة ويعيد‪ ،‬لما روي عن عبادة بن الصامت رضي اللّه‬
‫عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن رجل سها في صالته فلم يدر كم صلى قال‪( :‬ليعد‬
‫صالته وليسجد سجدتين قاعداً)(‪.)1‬‬
‫ك صلّى أو لم يص ّل‪ ،‬فإنه لم يصل بناء على اليقين‪ .‬وكذا لو تيقن ترك صالة من يوم وليلة‬
‫‪ - 2‬إن ش ّ‬
‫ليخرج عن العهدة بيقين‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن شك بعد السالم أو بعد قعوده قدر التشهد فال يعتبر شكه‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وال تبطلوا أعمالكم}(‬
‫‪ .)2‬فإن تيقَّن ترك شيء أتمه‪ .‬ولو أخبره َع ْدل ال يعتد به إال أن يخبره عدالن بنقض صالته‪ُ ،‬‬
‫فيتم‪.‬‬
‫تحرى وأخذ بغلبة الظن‪ ،‬لما روى عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫ّ‬ ‫‪ - 4‬إن كثر الشك‬
‫فليتم عليه ثم ليسلم ثم‬
‫فليتحر الصواب‪ُ ،‬‬
‫َّ‬ ‫ك أحدكم في صالته‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا ش ّ‬
‫ليسجد سجدتن)(‪ .)3‬ويسجد للسهو لالنشغال عن الصالة بالتحري‪.‬‬
‫يعتد به دفعاً للوسوسة‪.‬‬
‫‪ - 5‬إن زاد الشك عن الحد المعقول‪ S‬ال ّ‬
‫‪ - 6‬إن َّ‬
‫شك بالحدث وتيقَّن الطهارة فهو طاهر‪ ،‬أما إن شك بالطهارة وتيقَّن بالحدث فهو محدث‪.‬‬
‫‪ - 7‬إن شك في تكبيرة اإلحرام‪ ،‬أو اختالل شرط من شروط صحة الصالة‪ ،‬يعيد إن كان ّأول مرة؛‬
‫وإ ن كثر شكه مضى‪ .‬ولو شك في تكبيرة اإلحرام وكان في الركعة األولى يعيد‪ ،‬وإ ال فإنه يتم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.153‬‬
‫(‪ )2‬محمد‪.33 :‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.196/1020‬‬

‫( ‪)1/234‬‬

‫الفصل الثاني‪ُ :‬س ُجود التِّالَوة‬


‫حكمه‪:‬‬
‫سجود التالوة واجب على المكلف على الفور في الصالة‪ ،‬ألنه صار جزءاً منها‪ .‬ويكره تحريماً‬
‫تأخيره عن وقت القراءة فلو أخره حتى طالت التالوة بقراءة أكثر من ثالث آيات أثم ووجب عليه أن‬
‫يأتي بسجود أو ركوع خاص‪ ،‬ما دام في حرمة الصالة‪ .‬ويسقط بالخروج من الصالة(‪.)1‬‬
‫أما خارج الصالة فهو واجب على التراخي‪ ،‬ويكره تنزيهاً تأخيره عن وقت التالوة على األصح إال‬
‫إذا كان الوقت مكروهاً‪.‬‬
‫وال يجب على الحائض والنفساء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يسقط سجود التالوة بالخروج من الصالة إذا تركه عمداً حتى سلم وخرج من حرمة الصالة‪ .‬أما‬
‫لو سهواً وتذكره ولو بعد السالم قبل أن يفعل منافياً يأت به ويسجد للسهو‪.‬‬

‫( ‪)1/235‬‬
‫سبب الوجوب‪:‬‬
‫التالوة والسماع‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم (كان يقرأ‬
‫القرآن‪ ،‬فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعاً لمكان جبهته)(‪.)1‬‬
‫وفي القرآن أربعة عشر موضعاً يجب فيها السجود‪ ،‬ولو قرأها كلها في ليلة وسجد لكل سجدة كفاه‬
‫اللّه ما أهمه من أمر دنياه وآخرته‪ .‬عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي‪ .‬يقول‪ :‬يا ويله‪ ،‬أ ُِمر ابن آدم‬
‫بالسجود فسجد فله الجنة‪ ،‬وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار)(‪.)2‬‬
‫ولو سمع قرآناً مترجمة معانيه لغير العربية يجب السجود ما دام قد فهم معنى السجود‪ .‬وهذا عند‬
‫اإلمام دون الصاحبين‪ .‬وكذا يجب السجود لو سمع آية السجدة من حائض أو نفساء أو جنب أو صبي‬
‫مميز أو كافر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.20/103‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب اإليمان باب ‪.35/133‬‬

‫( ‪)1/236‬‬

‫سبب مشروعيته‪:‬‬
‫هو تضمن اآلية األمر الصريح بالسجود‪ ،‬أو الستنكاف الكفار عنه وامتثال األنبياء عليهم السالم‪،‬‬
‫وكل منهما واجب‪ .‬فعن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم‪" :‬أنه قرأ‬
‫والنجم فسجد فيها‪ .‬وسجد من كان معه غير أن شيخاً أخذ كفاً من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته‬
‫وقال يكفيني هذا‪ .‬قال عبد اللّه‪ :‬لقد رأيته‪ ،‬بعد‪ ،‬قتل كافراً"(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.20/105‬‬

‫( ‪)1/237‬‬

‫شروطه‪:‬‬
‫الطهارة من الحدث‪ ،‬وستر العورة‪ ،‬واستقبال القبلة‪.‬‬
‫أركانه‪:‬‬
‫‪ - 1‬النية‪.‬‬
‫‪ - 2‬ركوع أو سجود‪ ،‬أو ما يقوم مقامهما من اإليماء للمريض أو الراكب على الدابة‪.‬‬
‫كيفيته‪:‬‬
‫يؤدى سجود التالوة في الصالة بركوع أو سجود غير سجود الصالة وركوعها‪ .‬وهو بالسجود‬
‫ّ‬
‫أفضل‪ .‬ويفضل‪ S‬بعد قيامه منه أن يقرأ آيتين أو أكثر حتى ال يبني الركوع على السجود‪ .‬ويقوم مقام‬
‫سجدة التالوة في الصالة ركوع الصالة إن نوى أداءها فيه‪ ،‬أو سجودها وإ ن لم ينوها‪ .‬وينبغي ذلك‬
‫لإلمام أن يجعلها في ركوع الصالة إذا كان في صالة سرية وخاف أن يشتبه على المصلين أو في‬
‫سجودها إن كانت جهرية إن لم ينقطع فور التالوة بقراءة أكثر من ثالث آيات‪ ،‬فعندها وجبت في حقه‬
‫وحق المصلين‪ ،‬فيأتي بسجود أو ركوع خاص أثناء الصالة‪ .‬فإن تركه كان آثماً وال تبطل صالته‪،‬‬
‫كما ال يحق له قضاؤه خارج الصالة‪.‬‬
‫ومن كرر آية السجدة في مجلس واحد تكفيه سجدة واحدة‪ ،‬ألن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان‬
‫يقرؤها على أصحابه ويكررها ويسجد مرة واحدة‪ .‬أما لو تبدل المجلس ولو حكماً فيعد السجود‪.‬‬
‫ويعتبر تغير المجلس باالنتقال ثالث خطوات للسامع أو التالي‪ .‬ويتكرر الوجوب على السامع بتبديل‬
‫مجلسه ولو اتحد مجلس التالي‪.‬‬
‫ومن تال آية السجدة خارج الصالة وسجد لها ثم دخل في الصالة فقرأها وجب عليه السجود لقوة‬
‫الصالتية‪.‬‬
‫هيئته‪:‬‬

‫( ‪)1/238‬‬

‫أن يكبر ويسجد ثم يكبر رافعاً من السجود‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪" :‬كان‬
‫كبر وسجد وسجدنا معه"(‪ .)1‬وال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة ّ‬
‫ترفع اليدان في التكبير‪ .‬وليس له تشهد وال تحريم وال تسليم‪ .‬وتسبيحاته مثل الصالة‪ :‬ثالث مرات‬
‫"سبحان ربي األعلى"‪ ،‬ويقال فيه‪" :‬سجد وجهي للذي شق سمعه وبصره بحوله وقوته"‪ ،‬لما روي عن‬
‫عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل‪:‬‬
‫َّ‬
‫وشق سمعه وبصره بحوله وقوته)(‪ .)2‬أو يقول‪" S:‬اللّهم اكتب لي بها أجراً‪،‬‬ ‫(سجد وجهي للذي خلقه‬
‫وضع عني بها وزراً‪ ،‬واجعلها لي عندك ذخراً‪ ،‬وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود"‪ ،‬لما روي‬
‫عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪" :‬جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول‬
‫فس َج َدت الشجرة لسجودي‪،‬‬
‫فسجدت‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫اللّه‪ ،‬إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة‪،‬‬
‫فسمعتها وهي تقول‪ :‬اللّهم اكتب لي بها عندك أجراً‪ ،‬وضع عني بها وزراً‪ ،‬واجعلها لي عندك زخراً‪،‬‬
‫وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬فقرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم سجدة ثم‬
‫سجد‪ ،‬فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة"(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.333/1413‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.407/580‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.407/579‬‬

‫( ‪)1/239‬‬

‫مندوباته‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يقرأ آية السجدة سراً إن كان المستمعون غير متأهبين للسجود‪.‬‬
‫‪ - 2‬القيام لمن تال آية السجدة جالساً ثم يسجد‪.‬‬
‫‪ - 3‬يستحب التالي والسامع إن لم يكن متأهباً أن يقول‪" :‬سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإ ليك المصير"‬
‫ثم يقضيها فيما بعد‪.‬‬
‫ويكره للتالي أن يقرأ سورة فيها سجدة ويتعمد ترك آية السجدة‪.‬‬
‫الحاالت التي ال يسجد فيها لسماع آية السجدة‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن كان التالي نائماً أو مجنوناً ال تجب على الصحيح‪ .‬وتالوة السكران موجبة عليه وعلى‬
‫سامعه‪.‬‬
‫‪ - 2‬ال يجب بسماعها من الطير أي الببغاء أو القرد المعلّم‪.‬‬
‫‪ - 3‬ال تجب بسماعها من الصدى (ومن الصدى التسجيل) أو سماعها من المذياع ولو كان في‬
‫اإلذاعة قارئ‪.‬‬

‫( ‪)1/240‬‬

‫الفصل الثالث‪ُ :‬س ُجود ال ّشكر‬


‫حكمه‪:‬‬
‫مكروه‪ .‬وهو كل ما هو دون الركعة ليس قربة إال ما ورد من سجود التالوة ألنه جاء به النص‪.‬‬
‫وال يكره أن يصلي ركعتين شكراً للّه تعالى‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬سجود الشكر قربة يثاب عليها‪ ،‬لما روي عن عامر بن سعد عن أبيه رضي اللّه‬
‫عنه قال‪( :‬خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة نريد المدينة‪ ،‬فلما كنا قريباً من َع ْز َو َر‬
‫خر‬ ‫خر ساجداً فمكث طويالً‪ ،‬ثم قام فرفع يديه فدعا اللّه ساعة ثم َّ‬ ‫نزل ثم رفع يديه فدعا اللّه ساعة ثم َّ‬
‫خر ساجداً‪ .‬قال‪ :‬إني سألت ربي وشفعت ألمتي‬
‫ساجداً فمكث طويالً‪ ،‬ثم قام فرفع يديه ساعة ثم َّ‬
‫فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجداً شكراً لربي‪ ،‬ثم رفعت رأسي فسألت ربي ألمتي فأعطاني ثلث‬
‫أمتي فخررت ساجداً لربي شكراً‪ ،‬ثم رفعت رأسي فسألت ربي فأعطاني الثلث اآلخر فخررت ساجداً‬
‫لربي)(‪.)1‬‬
‫ولما روي عن أبي بكرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم (أنه كان إذ جاءه أمر‬
‫سرور‪ ،‬أو ُب ِّشر به َّ‬
‫خر ساجداً شاكراً اللّه)(‪.)2‬‬
‫هيئته‪ :‬أن يكبر مستقبالً القبلة‪ ،‬ثم يسجد فيحمد اللّه ويشكره ويسبح‪ ،‬ثم يرفع رأسه مكبراً مثل سجود‬
‫التالوة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجهاد باب ‪.174/2775‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجهاد باب ‪.174/2774‬‬

‫( ‪)1/241‬‬

‫الباب الخامس‪ :‬الوتر‬


‫تعريفه‪:‬‬
‫الوتر لغة‪ :‬بفتح الواو وكسرها هو الفرد خالف َّ‬
‫الشفع‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬صالة مخصوصة‪ ،‬ثالث ركعات بتسليمة واحدة‪ ،‬وقنوت في الثالثة وبه فارق المغرب‪ ،‬كما‬
‫فارقه بوجوب قراءة الفاتحة والسورة في الثالثة‪.‬‬
‫حكمه‪:‬‬
‫هو فرض عملي على أصح األقوال‪ ،‬وهو أعلى أنواع الواجب‪ ،‬وقيل‪ :‬هو واجب‪ .‬لما روي عن‬
‫بريدة رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( S:‬الوتر حق‪ ،‬فمن لم يوتر‬
‫فليس منا‪ ،‬الوتر حق‪ ،‬فمن لم يوتر فليس منا‪ ،‬الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا)(‪.)1‬‬
‫ويترتب على كونه فرضاً عملياً‪:‬‬
‫‪ - 1‬يجب على المكلف اعتقاد وجوبه وال يكفر جاحده‪.‬‬
‫‪ - 2‬تفسد صالة الصبح بتذكرة كصالة العشاء عند اإلمام ال الصاحبين‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجب قضاؤه إن فات‪.‬‬
‫‪ - 4‬ال يصح قضاؤه قاعداً وال راكباً اتفاقاً كالفرض‪.‬‬
‫‪ - 5‬ال يصلّى بغير نية‪.‬‬
‫‪ - 6‬إذا أجمع قوم على تركه أدبهم اإلمام وحبسهم‪ ،‬فإن لم يصلوه قاتلهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.337/1419‬‬

‫( ‪)1/242‬‬

‫دليل وجوبه‪:‬‬
‫ثبت وجوب الوتر بالسنة في أحاديث كثيرة‪ ،‬منها الحديث المتقدم عن بريدة رضي اللّه عنه‪ ،‬وحديث‬
‫خارجة بن حذافة قال‪ :‬قال أبو الوليد العدوي‪ :‬خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‪( :‬إن اللّه‬
‫عز وجل أمدكم بصالة وهي خير لكم من حمر َّ‬
‫النعم‪ ،‬وهي الوتر‪ ،‬فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى‬
‫طلوع الفجر)(‪.)1‬‬
‫وما رواه عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬اجعلوا آخر‬
‫صالتكم بالليل وتراً)(‪ .)2‬فصيغة األمر‪ ،‬وكلمة "حق" في حديث بريدة رضي اللّه عنه تدالن على‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.336/1418‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الوتر باب ‪.4/953‬‬

‫( ‪)1/243‬‬

‫كيفيته‪:‬‬
‫ثالث ركعات يشترط فعلها بتسليمة واحدة‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪" :‬كان رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم يوتر بثالث ال يسلم إال في آخرهن"(‪.)1‬‬
‫وال يصح الوتر بركعة واحدة وال تنعقد‪ ،‬حتى إنه ذكر أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه رأى‬
‫ألؤدبنك"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫لتشفعنها أو‬ ‫البتَْيراء؟‬
‫رجالً يوتر بركعة واحدة فقال‪" :‬ما هذه ُ‬
‫وتجب فيه القراءة بكل ركعة‪ ،‬بالفاتحة وسورة معاً‪ ،‬وروي عن أبي بن كعب رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫(كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوتر بـ {سبح اسم ربك األعلى} و{قل يا أيها الكافرون} و{قل‬
‫هو اللّه أحد})(‪ .)2‬وعن عبد العزيز بن جريج قال‪ :‬سألت عائشة أم المؤمنين‪ :‬بأي شيء كان يوتر‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فذكر معناه‪ ،‬وقال‪ :‬وفي الثالثة بـ (قل هو اللّه أحد والمعوذتين)(‪.)3‬‬
‫كما يجب فيه الجلوس على رأس الركعتين لقراءة التشهد‪ .‬ثم القيام إلى الركعة الثالثة وال يقرأ فيها‬
‫دعاء االستفتاح‪ ،‬فإذا أنهى قراءة الفاتحة والسورة رفع يديه حذاء أذنيه وكبَّر ثم يقنت قائماً قبل‬
‫الركوع‪ ،‬لما روي عن أبي بن كعب رضي اللّه عنه (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قنت ‪-‬‬
‫يعني في الوتر ‪ -‬قبل الركوع)(‪ .)4‬وذلك في جميع السنة‪ .‬ويقف‪ S‬للقنوت كما يقف لقراءة الفاتحة‬
‫طناهما إلى السماء كما في الدعاء‪.‬‬
‫وب ْ‬
‫عند اإلمام‪ ،‬وعند أبي يوسف يرفع يديه إلى صدره َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.304‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.115/1171‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.34/1424‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.340/1427‬‬

‫( ‪)1/244‬‬

‫دعاء القنوت‪:‬‬
‫القنوت هو الدعاء في الوتر‪.‬‬
‫لفظه‪" :‬اللّهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك‪ ،‬ونتوب إليك‪ ،‬ونؤمن بك‪ ،‬ونتوكل عليك‪ ،‬ونثني عليك‬
‫الخير كله‪ ،‬نشكرك وال نكفرك‪ ،‬ونخلع ونترك من يفجرك‪ ،‬اللّهم إياك نعبد‪ ،‬ولك نصلي ونسجد‪،‬‬
‫ون ْحِف ُد (‪ ،)1‬نرجو رحمتك ونخشى عذابك‪ ،‬إن عذابك ِ‬
‫الج ّد (‪ )2‬بالكفار ملحق‪ ،‬وصلى‬ ‫وإ ليك نسعى َ‬
‫اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬نسعى ونحفد‪ :‬نجهد في العمل لتحصيل ما يقربنا إليك‪ ،‬ونحفد‪ :‬نسرع في تحصيل عبادتك‬
‫بنشاط‪.‬‬
‫الجد‪ :‬الحق‪.‬‬
‫(‪ّ )2‬‬
‫(‪ )3‬هذه الصيغة الواردة عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه‪ ،‬وروى البيهقي نحوه عن عمر‬
‫رضي اللّه عنه‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.211‬‬

‫( ‪)1/245‬‬
‫ويقرأ اإلمام والمقتدي كالهما القنوت سراً‪ .‬ويستحب لإلمام الجهر به للتعليم‪.‬‬
‫ويستحب الجمع بين هذا الدعاء ودعاء الحسن بن علي رضي اللّه عنهما‪" :‬اللّهم اهدني فيمن هديت‪،‬‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك‬
‫وعافني فيمن عافيت‪ ،‬وتولني فيمن توليت‪ ،‬وبارك لي فيما أعطيت‪ ،‬وقني ّ‬
‫تقضي وال ُيقضى عليك‪ ،‬وإ نه ال يذل من واليت‪ ،‬تباركت ربنا وتعاليت"(‪.)1‬‬
‫ومن لم يحسن الدعاء يقول‪" :‬اللّهم اغفر لي" ويكررها ثالثاً‪ .‬ويجوز أن يدعو بأي دعاء مأثور‬
‫غيرهما‪ ،‬أو يقول‪ S:‬يا رب‪ ،‬يا رب‪ ،‬يا رب‪.‬‬
‫‪-‬ال يجوز القنوت في غير الوتر إال في النوازل فيقنت اإلمام في الفجر فقط‪.‬‬
‫‪-‬وإ ذا اقتدى بشافعي في الفجر جازت له المتابعة على قول أبي يوسف‪ ،‬وهو األفضل ويؤمن بعد‬
‫دعائه بأن يقول "آمين"‪.‬‬
‫‪-‬وإ ذا نسي المصلي القنوت في الوتر يسجد للسهو‪ .‬ولو قنت بعد الركوع ال يعيد الركوع بل يسجد‬
‫للسهو لتأخيره القنوت عن محلّه‪.‬‬
‫‪-‬وإ ذا كان في جماعة وركع اإلمام وهو في القنوت يتابع اإلمام‪ .‬ولو سها اإلمام عن القنوت يقنت هو‬
‫إن أمكنه اللحاق باإلمام‪ ،‬وإ ال يتابعه ثم يسجد معه للسهو‪.‬‬
‫‪-‬وإ ذا دخل المؤتم في الصالة بالركعة الثالثة بعد أن قنت اإلمام يقضي الركعتين بدون قنوط‪.‬‬
‫ويصلى الوتر فرادى كما في السنن إال في رمضان فاألفضل صالته جماعة‪ ،‬ألن عمر رضي اللّه‬
‫ُ‬
‫عنه كان يؤمهم في الوتر‪ ،‬وألن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أ َْوتَر بهم في رمضان ثم بيَّن عذر‬
‫الترك خشية أن يكتب عليهم قيام رمضان‪ .‬وقد روي عن شتير بن شكل وكان من أصحاب علي‬
‫رضي اللّه عنه "أنه كان يؤمهم في شهر رمضان بعشرين ركعة ويوتر بثالث"(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.341/464‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.496‬‬

‫( ‪)1/246‬‬

‫وقته‪:‬‬
‫من بعد فريضة العشاء ويمتد إلى طلوع الفجر الصادق‪ .‬ويستحب تأخيره إلى آخر الليل لمن أيقن‬
‫القيام‪ ،‬وإ ال فصالته قبل النوم أفضل‪ .‬لما روي عن جابر رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم‪( :‬من خاف أن ال يقوم من آخر الليل فليوتر أوله‪ ،‬ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر‬
‫آخر الليل‪ ،‬فإن صالة الليل مشهودة وذلك أفضل)(‪.)1‬‬
‫وإ ذا صلى الوتر قبل النوم ال يعيده إن تهجد بعده‪ ،‬لحديث طلق بن علي عن أبيه رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( S:‬ال وتران في ليلة)(‪.)2‬‬
‫أما في رمضان فيستحب الوتر أول الليل بعد صالة التراويح جماعة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين وقصرها باب ‪.21/162‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.344/470‬‬

‫( ‪)1/247‬‬

‫(صالَة َّ‬
‫النوافل)‪.‬‬ ‫الباب السادس َ‬
‫الفصل األول‪ :‬النوافل التابعة للفرائض‬
‫َّ‬
‫الن ْفل لغة‪ :‬الزيادة‪.‬‬
‫وشرعاً‪ِ :‬فعل ما ليس بفرض وال واجب‪ .‬وك ّل ٍ‬
‫سنة نافلة ألنها زائدة على الفرض وليس كل نفل سنة‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ضية‪.‬‬‫ضية أو غير مر ِ‬
‫والسنة لغة‪ :‬مطلق الطريقة مر ِ‬
‫ّ‬
‫ُْ‬ ‫ُْ‬
‫ٍ‬
‫افتراض وال وجوب‪.‬‬ ‫شرعاً‪ :‬الطريقة المسلوكة في الدين من غير‬
‫حكمة تشريع النوافل‪:‬‬
‫‪ - 1‬لجبر نقصان الفرائض‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى‬
‫صلحت فقد أفلح‬ ‫حاسب به العبد يوم القيامة من عمله صالته‪ .‬فإن َ‬
‫اللّه عليه وسلم يقول‪( S:‬إن أول ما ُي َ‬
‫الرب عز وجل‪ :‬انظروا هل‬ ‫ّ‬ ‫وخ ِسر‪ ،‬فإن انتقص من فريضته شيء قال‬ ‫فسدت فقد خاب َ‬ ‫وأنجح‪ ،‬وإ ن َ‬
‫في َك ِّمل بها ما انتقص من الفريضة‪ ،‬ثم يكون سائر عمله على ذلك)(‪.)1‬‬
‫لعبدي من تطوع؟ ُ‬
‫‪ - 2‬لقطع طمع الشيطان‪ ،‬إذ يقول قاضي خان‪ :‬إن السنة قبل الفريضة ُشرعت لقطع طمع الشيطان‪،‬‬
‫حيث يقول‪" :‬من لم ُي ِطعني في ترك ما لم ُيكتب عليه فكيف يطيعني في ترك ما كتب عليه"‪.‬‬
‫للتقرب من اللّه‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫إلي عبدي بشيء أحب‬
‫تقرب ّ‬
‫وسلم‪( :‬إن اللّه تعالى قال‪ :‬من عادى لي ولياً فقد آ َذْنته بالحرب‪ ،‬وما َّ‬
‫إلي بالنوافل حتى أُحبه‪ ،‬فإذا أحببته‪ :‬كنت سمعه‬
‫إلي مما افترضت عليه‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرب ّ‬
‫الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي ُيبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪ ،‬وإ ن سألني‬
‫ترددي عن نفس المؤمن‪ ،‬يكره‬ ‫ألعيذنه‪ ،‬وما َّ‬
‫ترددت عن شيء أنا فاعله ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ألعطينه‪ ،‬ولئن استعاذني‬
‫الموت وأنا أكره َم َساءته)(‪.)2‬‬
‫والنوافل التابعة للصلوات المكتوبة قسمان‪ :‬سنن مؤكدة وسنن غير مؤكدة (مندوبة)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.305/413‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب الرقاق باب ‪.38/6137‬‬

‫( ‪)1/248‬‬

‫أوالً‪ :‬السنن المؤكدة‪:‬‬


‫‪ - 1‬ركعتان قبل صالة الفجر‪ :‬وهي أقوى السنن لكثرة ما ورد فيها من ُم َر ِغّبات‪ ،‬فعن عائشة‬
‫رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)(‪ .)1‬وعن‬
‫أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال تدعوهما وإ ن طردتكم‬
‫الخيل)(‪ .)2‬وقال بعض الفقهاء بوجوبها‪.‬‬
‫ويندب أن يقرأ يفها بـ {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو اللّه أحد}‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه (أن‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر‪ :‬قل يا أيها الكافرون‪ ،‬وقل هو اللّه أحد)(‪.)3‬‬
‫ويندب بصورة عامة أن تكونا خفيفتين‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم (كان يخفِّف الركعتين اللتين قبل صالة الصبح حتى إني ألقول هل قرأ بأم الكتاب)(‪.)4‬‬
‫ويفضل في سنة الفجر أداؤها في أول الوقت وفي البيت‪ ،‬وقيل يفضل اإلسفار فيها‪ .‬وهي ال تصح‬
‫ُ‬
‫من قعود كغيرها من النوافل‪ ،‬وقيل تصح‪ .‬وتقضى‪ S‬مع الفرض إن فاتت معه إلى ما قبل الزوال‪ .‬أما‬
‫بعد الزوال فيقضى‪ S‬الفجر دون سنته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين وقصرها باب ‪.14/96‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.292/1258‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين وقصرها باب ‪.14/98‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب التطوع باب ‪.14/1118‬‬

‫( ‪)1/249‬‬

‫ويكره الكالم حين انشقاق الفجر حتى يصلي الفجر‪ ،‬ألنه وقت تشهده مالئكة الليل ومالئكة النهار‪.‬‬
‫فعن أبي عبيدة قال‪ :‬كان عبد اللّه يقول‪" :‬تتدراك الحرسان من مالئكة اللّه عز وجل حارس الليل‬
‫وحارس النهار عند طلوع الفجر واقرؤوا إن شئتم‪ :‬وقرآن الفجر‪ ،‬إن قرآن الفجر كان مشهوداً"(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬أربع ركعات قبل الظهر‪ :‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫كان ال يدع أربعاً قبل الظهر)(‪ .)2‬وعن أم حبيبة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم (من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة‪ :‬أربعاً قبل الظهر‪،‬‬
‫وركعتين بعدها‪ ،‬وركعتين بعد المغرب‪ ،‬وركعتين بعد العشاء‪ ،‬وركعتين قبل صالة الفجر)(‪.)3‬‬
‫‪ - 3‬ركعتان بعد الظهر‪ ،‬للحديث المتقدم عن أم حبيبة رضي اللّه عنها‪ .‬ويندب أن يضيف إليهما‬
‫ركعتين فتصيران أربعاً‪ ،‬لما روت أم حبيبة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم قالت‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها ُح ِرم على النار)(‪.)4‬‬
‫‪ - 4‬أربع ركعات قبل صالة الجمعة‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعاً ال يفصل في شيء منهن)(‪.)5‬‬
‫‪ - 5‬أربع ركعات بعد صالة الجمعة‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫ِّ‬
‫فصل ركعتين في‬ ‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً فإن عجَّل بك شيء‬
‫المسجد وركعتين إذا رجعت)(‪.)6‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.318‬‬


‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب التطوع باب ‪.10/1127‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.306/415‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.296/1269‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.94/1129‬‬
‫(‪ )6‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.249‬‬

‫( ‪)1/250‬‬

‫‪ - 6‬ركعتان بعد المغرب‪ :‬وتأتيان بالفضل بعد سنة الفجر‪ ،‬ألنه صلى اللّه عليه وسلم لم َي َد ْعهما‬
‫سفراً وال حضراً‪ .‬ويستحب تطويلهما لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كان رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد)(‪.)1‬‬
‫وورد أيضاً عن ابن مسعود رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم (كان يقرأ في الركعتين‬
‫بعد صالة المغرب {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو اللّه أحد})(‪.)2‬‬
‫‪ - 7‬ركعتان بعد صالة العشاء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.304/1301‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.112/1166‬‬

‫( ‪)1/251‬‬

‫ثانياً‪ :‬السنن غير المؤكدة (المندوبة)‪:‬‬


‫‪ - 1‬أربع ركعات قبل العصر‪ :‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬رحم اللّه امرأ صلى قبل العصر أربعاً)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬أربع ركعات قبل العشاء‪ :‬لعموم قوله صلى اللّه عليه وسلم فيما رواه عنه عبد اللّه بن مغفل‬
‫المزني رضي اللّه عنه‪( :‬بين كل أذانين صالة‪ .‬قالها ثالثاً‪ .‬قال في الثالثة‪ :‬لمن شاء)(‪ ،)2‬وعن‬
‫عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم (كان يصلي قبل العشاء أربعاً ثم يصلي بعدها‬
‫أربعاً ثم يضطجع)(‪.)3‬‬
‫‪ - 3‬ركعتان بعد العشاء زيادة على المؤكد‪ :‬لحديث البراء بن عازب رضي اللّه عنه أن النبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من صلى قبل الظهر أربع ركعات كمن تهجد بهن من ليلته ومن صالَّهن بعد‬
‫العشاء كمثلهن من ليلة القدر)(‪.)4‬‬
‫‪ - 4‬ست ركعات بعد المغرب‪ :‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم‪( :‬من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء ُعِدْلن له بعبادة ثِْنتَ ْي‬
‫عشرة سنة)(‪ .)5‬وعن عمار بن ياسر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫(من صلى بعد المغرب ست ركعات ُغِفرت ذنوبه وإ ن كانت مثل َزَبد البحر)(‪ .)6‬وروي عنه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم قوله‪( :‬من صلى بعد المغرب ست ركعات كتب من األوابين‪ .‬وتال قوله تعالى‪{ :‬فإنه‬
‫كان لألوابين غفوراً})(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.318/430‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين باب ‪ ،56/304‬والمراد باألذانين في الحديث األذان‬
‫واإلقامة‪.‬‬
‫(‪ )3‬حاشية الطحطاوي على مراقي الفالح‪ :‬ص ‪.382‬‬
‫(‪ )4‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،221‬رواه الطبراني في األوسط وفيه ناهض بن سالم الباهلي‬
‫وغيره ولم أجد من ذكرهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.321/435‬‬
‫(‪ )6‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.230‬‬
‫(‪ )7‬حاشية الطحطاوي على مراقي الفالح‪ :‬ص ‪.382‬‬

‫( ‪)1/252‬‬

‫كيفية صالة السنة الرباعية المؤكدة‪:‬‬


‫يقرأ في القعود األول التشهد فقط‪ ،‬وفي الثاني التشهد والصلوات اإلبراهيمية‪ .‬وال يقرأ دعاء‬
‫االستفتاح في الركعة الثالثة كالفرائض‪.‬‬
‫كيفية صالة الرباعية المندوبة‪:‬‬
‫ويتعوذ في ابتداء كل َش ْفع منها‪ .‬وإ ذا صالها من غير قعود أول صحت‬
‫ّ‬ ‫تصلى اثنتين اثنتين‪ :‬فيستفتح‬
‫ويسجد للسهو في آخر الصالة لتركه القعود األول ساهياً‪ .‬وتجب عليه العودة إلى القعود إن تذكره‬
‫بعد القيام ما لم يسجد للركعة الثالثة‪.‬‬
‫وتكره الزيادة على أربع ركعات في نفل النهار‪ ،‬والزيادة على ٍ‬
‫ثمان ليالً بتسليمة واحدة‪ .‬واألفضل‬
‫عند اإلمام أن تُصلى النوافل أربعاً ليالً أو نهاراً‪ ،‬لما روي عن أبي أيوب رضي اللّه عنه أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم (كان يصلي قبل الظهر أربعاً إذا زالت الشمس ال يفصل بينهن بتسليم)(‪،)1‬‬
‫وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يزيد في رمضان وال‬
‫غيره على إحدى عشرة ركعة‪ ،‬يصلي أربعاً فال تسأل عن حسنهن وطولهن‪ ،‬ثم يصلي أربعاً فال‬
‫تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثالثاً)(‪.)2‬‬
‫والمفتى به قول الصاحبين‪ :‬إن األفضل في صالة الليل اثنتين اثنتين‪ ،‬وفي صالة النهار أربعاً‬
‫ُ‬
‫واألفضل في الصالة طول القيام ليالً أو نهاراً‪ ،‬وقال اإلمام محمد‪ :‬كثرة الركعات أفضل من طول‬
‫القيام‪ ،‬لقوله صلى اللّه عليه وسلم فيما رواه عنه ثوبان رضي اللّه عنه‪( :‬عليك بكثرة السجود للّه‪،‬‬
‫فإنك ال تسجد سجدة إال رفعك اللّه بها درجة وحطّ عنك بها خطيئة)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.105/1157‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.234‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.43/225‬‬

‫( ‪)1/253‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬النوافل غير التابعة للفرائض‬
‫أوالً‪ :‬ما ال يصلى جماعة‪:‬‬
‫‪ - 1‬تحية المسجد‪:‬‬
‫وهي ركعتان يصليهما في غير الوقت المكروه‪ .‬إال المسجد الحرام فإن تحيته الطواف لمن أراد أن‬
‫يطوف أو كان عليه طواف ويؤخر ركعتي الطواف إذا كان الوقت وقت كراهة‪ ،‬وأما إذا لم يرد‬
‫الطواف فإنه يصلي ركعتين ينوي بهما تحية المسجد‪ .‬وال يكره الطواف في أي وقت كان‪.‬‬
‫دليلها‪ :‬ما روي عن أبي قتادة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا دخل‬
‫أحدكم المسجد فال يجلس حتى يصلي ركعتين)(‪.)1‬‬
‫‪-‬أما إذا دخل المسجد في الوقت المكروه بعد الفجر أو العصر فال يأتي بتحية المسجد بل يسبح ويهلل‬
‫ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬فيكون قد أدى حق المسجد‪.‬‬
‫‪-‬وإ ذا دخل المسجد وقد دخل وقت المكتوبة يبدأ بها ألن أداءها ينوب عن تحية المسجد‪.‬‬
‫‪-‬وال تفوت تحية المسجد بالجلوس بل األفضل أن يصليها بعد أن يجلس‪.‬‬
‫‪-‬وإ ذا تكرر دخوله المسجد يكفيه ركعتان في اليوم‪.‬‬
‫‪-‬ويندب أن يقول عند الدخول‪" :‬اللّهم افتح لي أبواب رحمتك"‪ ،‬وعند الخروج‪" :‬اللّهم إني أسألك من‬
‫فضلك"‪ .‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬علم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الحسن‬
‫بن علي إذا دخل المسجد أن يصلي على النبي صلى اللّه عليه وسلم ويقول‪" :‬اللّهم اغفر ذنوبنا وافتح‬
‫لنا أبواب رحمتك"‪ .‬وإ ذا خرج صلى على النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال‪" :‬اللّهم افتح لنا أبواب‬
‫فضلك"(‪ .)2‬وروي عن أبي ُحميد أو أبي أسيد الساعدي رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم وليقل‪ :‬اللّهم لفتح لي أبواب رحمتك‪ ،‬وإ ذا خرج‬
‫فليقل‪ :‬اللّهم إني أسألك من فضلك)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب التطوع باب ‪.1/1110‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ .32‬قال الهيثمي‪ :‬رواه الطبراني في األوسط وفيه سالم بن عبد‬
‫األعلى وهو متروك‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.441‬‬

‫( ‪)1/254‬‬

‫‪ - 2‬سنة الوضوء‪:‬‬
‫يندب بعد الوضوء صالة ركعتين قبل جفاف األعضاء‪ ،‬لما روى عقبة بن عامر رضي اللّه عنه أن‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين‬
‫ت له الجنة)(‪ .)1‬وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى‬
‫ُمقب ٌل عليهما بقلبه ووجهه إال َو َجَب ْ‬
‫اللّه عليه وسلم قال لبالل عند صالة الفجر‪( :‬يا بالل‪ ،‬حدثني بأرجى عمل عملته في اإلسالم‪ ،‬فإني‬
‫يدي في الجنة‪ .‬قال‪ :‬ما عملت عمالً أرجى عندي‪ :‬أني لم أتطهر طُهوراً‪ ،‬في‬ ‫سمعت َّ‬
‫دف نعليك بين ّ‬
‫ساعة من ٍ‬
‫ليل أو نهار‪ ،‬إال صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي)(‪.)2‬‬

‫ولو صلى فريضة بعد الوضوء حصلت له الفضيلة‪.‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الطهارة باب ‪.6/17‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب التهجد باب ‪.17/1098‬‬

‫( ‪)1/255‬‬

‫‪ - 3‬سنة الضحى‪:‬‬
‫وهي أربع ركعات على المختار لتواتر األخبار الصحيحة فيها‪ ،‬فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪:‬‬
‫الضحى أربعاً‪ .‬ويزيد ما شاء اللّه)(‪ .)1‬وقد جاء في‬
‫(كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي ّ‬
‫تفسير قوله تعالى {وإ براهيم الذي وفّى}(‪ )2‬أنه وفّى عمل يومه بأربع ركعات من الضحى (‪.)3‬‬
‫واألفضل المواظبة عليها‪.‬‬
‫ويبدأ وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال‪ .‬وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫يقرأ فيها‪ :‬بـ {والشمس وضحاها} و{والضحى}‪.‬‬
‫وتصح من أربع إلى اثنتي عشرة ركعة وأفضلها ثمان‪ ،‬فقد روت أم هانئ رضي اللّه عنها (أن النبي‬
‫أخف‬
‫صلى اللّه عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة‪ .‬فصلى ثماني ركعات‪ .‬ما رأيته صلى صالة قط ّ‬
‫منها‪ .‬غير أنه كان يتم الركوع والسجود)(‪.)4‬‬
‫وعن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من صلى الضحى‬
‫ركعتين لم يكتب من الغافلين‪ ،‬ومن صلى أربعاً كتب من العابدين‪ ،‬ومن صلى ستاً ُكفي ذلك اليوم‪،‬‬
‫ومن صلى ثمانياً كتبه اللّه من القانتين (‪ ،)5‬ومن صلى ثنتي عشرة بنى اللّه له بيتاً في الجنة‪ .‬وما من‬
‫يوم وليلة إال للّه َم ٌّن يمن به على عباده وصدقة‪ ،‬وما ّ‬
‫من اللّه على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه‬
‫ذكره)(‪.)6‬‬
‫صل‪ S‬من بني آدم إذا أصبح آمناً في ِس ْربِه‬ ‫ِ‬
‫وتقوم صالة الضحى مقام الصدقات الواجبة على كل م ْف َ‬
‫معافى في جسده‪ .‬فعن أبي ذر رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‪( :‬يصبح على‬
‫كل ُسالمى من أحدكم صدقة‪ .‬فكل تسبيحة صدقة‪ .‬وكل تحميدة صدقة‪ .‬وكل تهليلة صدقة‪ .‬وكل‬
‫ونهي عن المنكر صدقة‪ .‬ويجزئ من ذلك‪ ،‬ركعتان يركعهما‬
‫ٌ‬ ‫تكبيرة صدقة‪ .‬وأمر بالمعروف صدقة‪.‬‬
‫من الضحى)(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين وقصرها باب ‪.13/79‬‬
‫(‪ )2‬النجم‪.37 :‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين وقصرها باب ‪.13/80‬‬
‫(‪ )5‬القَانِت‪ :‬القائم بالطاعة الدائم عليها‪.‬‬
‫(‪ )6‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،237‬رواه الطبراني في الكبير‪.‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين وقصرها باب ‪.13/84‬‬

‫( ‪)1/256‬‬

‫‪ - 4‬صالة الليل‪:‬‬
‫ذهبت طائفة من العلماء إلى أن صالة الليل فرض على النبي صلى اللّه عليه وسلم مستدلين بقوله‬
‫تعالى‪{ :‬يا أيها المزمل قم الليل إال قليالً}(‪ )1‬فتكون مندوبة في حق غيره‪.‬‬
‫وأقل ما ينبغي أن يتنفل بالليل ثماني ركعات‪ ،‬ويستحب أن تكون آخره‪ ،‬إذ أن أفضل وقتها السدس‬
‫الخامس والسادس من الليل‪.‬‬
‫وقد جاءت أحاديث كثيرة في بيان فضلها‪ ،‬منها حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أفضل الصالة بعد الفريضة صالة الليل)(‪.)2‬‬
‫ومنها ما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ينزل اللّه‬
‫إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل األول‪ ،‬فيقول‪ S:‬أنا الملك‪ ،‬من ذا الذي يدعوني‬
‫فأستجيب له‪ ،‬من ذا الذي يسألني فأعطيه‪ ،‬من ذا الذي يستغفرني فأغفر له‪ ،‬فال يزال كذلك حتى‬
‫يضيء الفجر)(‪ .)3‬وعن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫(عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة لكم إلى اللّه عز وجل ومكفرة للسيئات ومنهاة عن‬
‫اإلثم مطردة عن الحسد)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المزمل‪.2 - 1 :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.38/22‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪ .329/446‬وقد ّأول العلماء هذا الحديث وأمثاله بنزول‬
‫ملك أو أمر اللّه تعالى‪.‬‬
‫(‪ )4‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.251‬‬

‫( ‪)1/257‬‬

‫‪ - 5‬صالة االستخارة‪:‬‬
‫وقد ّبينتها السنة‪ ،‬فعن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‪ :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫هم أحدكم باألمر‪ ،‬فليركع‬ ‫ِّ‬
‫ُيعلمنا االستخارة في األمور كما يعلمنا السورة من القرآن‪ ،‬يقول‪( S:‬إذا ّ‬
‫ركعتين من غير الفريضة‪ ،‬ثم ليقل‪ :‬اللّهم إني أستخيرك بعلمك‪ ،‬وأستقدرك بقدرتك‪ ،‬وأسألك من‬
‫فضلك العظيم‪ ،‬فإنك تَ ْق ِدر وال أقدر‪ ،‬وتعلم وال أعلم‪ ،‬وأنت عالم الغيوب‪ .‬اللّهم إن كنت تعلم أن هذا‬
‫ويسِّره لي‪،‬‬
‫األمر خير لي‪ ،‬في ديني ومعاشي وعاقبة أمري‪ ،‬أو قال‪ :‬عاجل أمري وآجله‪ ،‬فا ْق ُد ْره لي َ‬
‫ثم بارك لي فيه‪ ،‬وإ ن كنت تعلم أن هذا األمر شر لي‪ ،‬في ديني ومعاشي وعاقبة أمري‪ ،‬أو قال‪ :‬في‬
‫فاص ِر ْفه عني واصرفني عنه‪ ،‬وا ْق ُدر لي الخير حيث كان‪ ،‬ثم أرضني به‪ .‬قال‪:‬‬
‫عاجل أمري وآجله‪ْ ،‬‬
‫ويسمي حاجته)(‪.)1‬‬
‫وإ ذا استخار يمضي لما ينشرح له صدره‪ ،‬وينبغي أن يكررها سبعاً‪ ،‬وتكون االستخارة في األمور‬
‫التي ال يدري العبد وجه الصواب فيها‪ ،‬أما ما هو معروف خيره وشره كصنائع المعروف فال‬
‫استخارة فيها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬أبواب التطوع باب ‪.1/1109‬‬

‫( ‪)1/258‬‬

‫‪ - 6‬صالة الحاجة‪:‬‬
‫وهي ركعتان أو أربع‪ ،‬وقيل اثنتا عشرة ركعة بسالم واحد‪ .‬روي عن عبد اللّه بن أبي أوفى رضي‬
‫اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من كانت له إلى اللّه حاجة أو إلى أحد من بني‬
‫آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء‪ ،‬ثم ليصل ركعتين‪ ،‬ثم ُليثن على اللّه‪ ،‬وليصل على النبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ثم ليقل‪ ،‬ال إله إال اللّه الحليم الكريم‪ ،‬سبحان اللّه رب العرش العظيم‪ ،‬الحمد للّه رب‬
‫العالمين‪ ،‬أسألك موجبات رحمتك‪ ،‬وعزائم مغفرتك‪ ،‬والغنيمة من كل ّبر‪ ،‬والسالمة من كل إثم‪ ،‬ال تع‬
‫فرجته‪ ،‬وال حاجة هي لك ِرضاً إال قضيتها‪ ،‬يا أرحم الراحمين)(‪.)1‬‬
‫لي ذنباً إال غفرته‪ ،‬وال هماً إال َّ‬
‫وعن عثمان بن حنيف رضي اللّه عنه ‪ -‬في قصة الضرير الذي جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم ليدعو له أن يعافيه ‪ -‬أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له (فانطلق فتوضأ ثم صل‬
‫نبي الرحمة‪ ،‬يا محمد إني قد توجهت بك إلى‬
‫ركعتين ثم قل‪ :‬اللّهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد ّ‬
‫في)(‪.)2‬‬
‫ضى‪ ..‬اللّهم فشفّ ْعه ّ‬
‫ربي في حاجتي هذه لتُ ْق َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.348/479‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.189/1385‬‬

‫( ‪)1/259‬‬

‫‪ - 7‬تندب صالة ركعتين‪:‬‬


‫‪ - 1‬لمن حكم عليه بالقتل قبل تنفيذ الحكم‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا نزل منزالً ال يستحب له أن يقعد حتى يصلي ركعتين‪ ،‬لحديث فضالة بن عبيد رضي اللّه‬
‫عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا نزل منزالً في سفر أو دخل بيته لم يجلس حتى‬
‫يركع ركعتين)(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬إذا أراد سفراً أو رجع منه‪ .‬فعن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول اللّه إني أريد أن أخرج إلى البحرين في تجارة‪ .‬فقال رسول اللّه‬
‫(صل ركعتين)(‪ .)2‬وعن كعب بن مالك رضي اللّه عنه في حديثه الطويل أن‬ ‫ِّ‬ ‫صلى اللّه عليه وسلم‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركه فيه ركعتين)(‪.)3‬‬
‫‪ - 4‬إذا وقعت منه معصية‪ ،‬حديث أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬ما من رجل يذنب ذنباً فيتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين وليستغفر اللّه إال غفر‬
‫اللّه له)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،283‬رواه الطبراني في الكبير‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،283‬رواه الطبراني في الكبير‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب التوبة باب ‪.9/53‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.193/1395‬‬

‫( ‪)1/260‬‬
‫‪ - 8‬صالة التسبيح‪:‬‬
‫تستحب صالة التسبيح في كل وقت ال كراهة فيه‪ ،‬أو في كل يوم أو ليلة مرة‪ .‬إال ففي كل أسبوع أو‬
‫شهر أو العمر مرة‪ .‬ألن ثوابها ال يتناهى وقيل‪ :‬ال يسمع بعظيم فضلها ويتركها إال متهاون بالدين‪.‬‬
‫وهي أربع ركعات بتسليمة أو تسليمتين يقول فيها ثالثمائة مرة سبحان اللّه والحمد للّه وال إله إال اللّه‬
‫واللّه أكبر‪ .‬وفي رواية زيادة‪ :‬وال حول وال قوة إال باللّه‪ .‬يقول ذلك في كل ركعة خمس وسبعين‬
‫مرة‪ ،‬فبعد الثناء خمس عشرة‪ ،‬ثم بعد القراءة وفي ركوعه والرفع منه وكل من السجدتين وفي‬
‫الجلسة بينهما عشراً عشراً بعد تسبيح الركوع والسجود‪ .‬وهذه الكيفية هي التي رواها الترمذي في‬
‫جامعه عن عبد اللّه بن المبارك أحد أصحاب أبي حنيفة رضي اللّه عنه‪ .‬وإ ن سها ونقص عدداً من‬
‫محل معين يأتي به في محل آخر تكملة للعدد المطلوب‪ .‬وال يعد التسبيحات باألصابع إن قدر أن‬
‫يحفظ بالقلب وإ ال يغمز األصابع‪.‬‬

‫( ‪)1/261‬‬

‫الليالي التي يندب للمسلمين إحياؤها‪:‬‬


‫‪ - 1‬إحياء العشر األخير من رمضان‪ ،‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان رسول اللّه‬
‫وشد المئزر)(‪.)1‬‬
‫وجد ّ‬
‫صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل العشر األخير أحيا الليل‪ ،‬وأيقظ أهله‪ّ ،‬‬
‫‪ - 2‬إحياء ليلتي العيدين‪ ،‬لحديث عبادة بن الصامت رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬من أحيا ليلة الفطر وليلة األضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)(‪.)2‬‬
‫والدعاء فيهما مستجاب‪.‬‬
‫‪ - 3‬إحياء ليالي عشر ذي الحجة‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬ما من أيام أحب إلى اللّه سبحانه أن ُيتعبَّد له فيها من أيام العشر‪ ،‬وإ ن صيام يوم فيها‬
‫ص منها ليلة عرفة‪ .‬وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما‬
‫وخ ّ‬
‫ليعدل صيام سنة ليلة فيها بليلة القدر)(‪ُ )3‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ما أيام العمل الصالح فيها أحب إلى اللّه عز وجل من‬
‫هذه األيام ‪ -‬يعني أيام العشر ‪ -‬قال‪ :‬قالوا يا رسول اللّه وال الجهاد في سبيل اللّه‪ .‬قال وال الجهاد في‬
‫سبيل اللّه إال رجالً خرج بنفسه أو ماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)(‪.)4‬‬
‫‪ - 4‬إحياء ليلة النصف من شعبان‪ ،‬ألنها ليلة تكفر ذنوب السنة‪ .‬فعن علي بن أبي طالب رضي اللّه‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا‪ S‬ليلها‬
‫وصوموا نهارها‪ ،‬فإن اللّه تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول‪ S:‬أال من مستغفر‬
‫فأغفر له‪ ،‬أال ُم ْس ِ‬
‫ترزق فأرزقه‪ ،‬أال مبتلى فأعافيه‪ ،‬أال كذا‪ ،‬أال كذا‪ ،‬حتى يطلع الفجر)(‪.)5‬‬
‫ومعنى اإلحياء‪ :‬االشتغال معظم الليل بطاعة اللّه من صالة أو تسبيح أو قرآن أو صالة على النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬وقيل‪ :‬يكفي بساعة منه‪ ،‬وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما بصالة العشاء‬
‫بجماعة والفجر بجماعة‪.‬‬
‫واألفضل أن ُيحيي هذه الليالي في بيته‪ ،‬إذ يكره االجتماع على اإلحياء في المسجد‪ ،‬إال ما ورد في‬
‫ليلة النصف من شعبان فقيل‪ :‬يستحب إحياؤهما جماعة في المسجد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب االعتكاف باب ‪.3/7‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،198‬رواه الطبراني في الكبير واألوسط‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصيام باب ‪.39/1728‬‬
‫(‪ )4‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.224‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.191/1388‬‬

‫( ‪)1/262‬‬

‫ثانياً‪ :‬النوافل التي تصلى جماعة‪:‬‬


‫‪ - 1‬صالة التراويح‪:‬‬
‫حكمها‪:‬‬
‫سنة مؤكدة‪ .‬ومنكرها مبتدع مردود الشهادة إلجماع الصحابة عليها‪ ،‬ولما جاء في الصحيحين عن‬
‫عائشة رضي اللّه عنها (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى‬
‫بصالته ناس‪ ،‬ثم صلى من القابلة فكثر الناس‪ ،‬ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬فلما أصبح قال‪ :‬قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم‬
‫إال أن خشيت أن تفرض عليكم)(‪ .)1‬وقد واظب النبي صلى اللّه عليه وسلم على فعلها‪ ،‬وواظب‬
‫عليها في المسجد عمر وعثمان وعلي رضي اللّه عنهم؛ وقد روي عن العرباض بن سارية رضي‬
‫اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين‪،‬‬
‫فتمسكوا بها وعضوا عليها َّ‬
‫بالنواجذ)(‪.)2‬‬
‫وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إن اللّه تبارك وتعالى‬
‫فرض صيام رمضان عليكم وسننت لكم قيامه)(‪.)3‬‬
‫سنة كفائية‪.‬‬
‫وصالة التراويح في المسجد ّ‬
‫وقتها‪:‬‬
‫من بعد صالة العشاء إلى طلوع الفجر‪ ،‬وأفضل وقتها قبل ثلث الليل األخير‪ .‬ويصح تقديم الوتر‬
‫عليها أو تأخيره عنها‪.‬‬
‫مقدارها‪:‬‬
‫عشرون ركعة بعشر تسليمات‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬كان النبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم يصلي في شهر رمضان في غير جماعة بعشرين ركعة والوتر)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬واللفظ لمسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين باب ‪.25/177‬‬
‫(‪ )2‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪ ،127‬والنواجذ‪ :‬األضراس األخيرة‪ .‬تفيد شدة التمسك بها‪.‬‬
‫(‪ )3‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.158‬‬
‫(‪ )4‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.496‬‬

‫( ‪)1/263‬‬

‫وعن السائب بن يزيد الصحابي رضي اللّه عنه قال‪" :‬كانوا يقومون‪ S‬على عهد عمر بن الخطاب‬
‫رضي اللّه عنه‪ ،‬في شهر رمضان‪ ،‬بعشرين ركعة‪ ،‬وكانوا يقومون بالمئين‪ ،‬وكانوا يتوكؤون على‬
‫عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضي اللّه عنه من شدة القيام"(‪.)1‬‬
‫وإ ذا وصلها مع الجلوس في كل ركعتين أجزأته مع الكراهة‪ .‬ولو صالها عشرين ركعة بقعود واحد‬
‫حسبت له ركعتين‪.‬‬
‫ما يستحب فيها‪:‬‬
‫‪ - 1‬الجلوس بعد كل أربع ركعات ُيسبِّح ويدعو‪ ،‬لما روي عن زيد بن وهب قال‪" :‬كان عمر بن‬
‫الخطاب رضي اللّه عنه يروحنا في رمضان ‪ - 2‬يعني بالترويحتين قدر ما يذهب الرجل من‬
‫المسجد إلى سلع"(‪.)2‬‬
‫ختم القرآن فيها مرة في الشهر‪ .‬وعلى اإلمام أن يقرأ بما ال يؤدي إلى تنفير القوم عن الجماعة‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن ال يترك الصالة على النبي صلى اللّه عليه وسلم في القعود‪ ،‬وال يترك دعاء الثناء في كل‬
‫شفع‪ ،‬ويدعو بعد كل ركعتين‪.‬‬
‫قضاؤها‪:‬‬
‫ال تقضى التراويح إذا فاتت‪ .‬وهي سنة لليوم ال للصوم‪ ،‬فلو صار أهالً للصالة في آخر اليوم صالها‬
‫ولو لم يصم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ .496‬وأما قول عائشة رضي اللّه عنها‪( :‬ما كان رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم يزيد في رمضان‪ ،‬وال في غيره‪ ،‬على إحدى عشرة ركعة) مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة‬
‫المسافرين باب ‪ 17/125‬فهو ينصرف إلى الوتر فكان ال يزيد فيه عن إحدى عشرة ركعة‪ .‬وعمل‬
‫عمر وعثمان وعلي رضي اللّه عنهم دليل عدم معارضة الصحابة له لشدة تمسكهم بالدين‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.497‬‬

‫( ‪)1/264‬‬

‫‪ - 2‬صالة االستسقاء‪:‬‬
‫معنى االستسقاء‪ :‬طلب السقيا من اللّه تعالى باالستغفار والحمد والثناء‪.‬‬
‫وهو مشروع بالكتاب والسنة واإلجماع‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم‬
‫بركات من السماء واألرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}(‪.)1‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي اللّه عنه (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى‬
‫السماء)(‪ .)2‬ويقال‪ S:‬إن أبا طالب َع َّم الرسول صلى اللّه عليه وسلم استسقى به وهو صغير‪.‬‬
‫كيفية االستسقاء‪:‬‬
‫وخروج جامعٌ ألهل البلد‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫دعاء واستغفار‬
‫أما الصالة لالستسقاء فهي مشروعة لكنها ليست سنة‪ ،‬ألن عمر رضي اللّه عنه لم يصلِّها مع ما‬
‫ُع ِرف عنه من اتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬وقد ورد عن ابن عباس رضي اللّه عنهما (أن‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج مبتذالً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلّى فلم يخطب‬
‫خطبتكم هذه‪ ،‬ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير‪ ،‬وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد)(‬
‫‪ .)3‬أي بالجهر بالقراءة والصالة بال أذان وال إقامة‪.‬‬
‫وليس في صالة االستسقاء خطبة عند اإلمام للحديث المذكور‪ ،‬وعند الصاحبين يخطب‪ :‬عند أبي‬
‫يوسف خطبة واحدة وعند محمد خطبتان‪.‬‬
‫ويكون التأهب لالستسقاء بأن يأمر اإلمام الناس بالصيام ثالثة أيام‪ ،‬وما أطاقوا من الصالة‪،‬‬
‫والخروج من المظالم والتوبة من المعاصي‪ ،‬ثم يخرج بهم في اليوم الرابع‪ ،‬وذلك لما روي عن أنس‬
‫بن مالك رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ثالث دعوات ال ترد‪ :‬دعوة‬
‫الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر)(‪ ،)4‬وعن بريدة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪( :‬ما نقض قوم العهد إال كان القتل بينهم‪ ،‬وما ظهرت الفاحشة في قوم قط إال سلط اللّه عز‬
‫وجل عليهم الموت‪ ،‬وال منع قوم الزكاة إال حبس اللّه عنهم القطر)(‪.)5‬‬
‫خرج الشيوخ واألطفال ألن نزول الرحمة أولى بهم‪ ،‬لما روي عن مصعب بن سعد قال‪ :‬قال النبي‬
‫وي َ‬
‫ُ‬
‫رزقون إال بضعفائكم)(‪.)6‬‬
‫صرون وتُ َ‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬هل تُْن َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األعراف‪.69 :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب االستسقاء باب ‪.1/6‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.395/558‬‬
‫(‪ )4‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.345‬‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.346‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجهاد باب ‪.75/2739‬‬

‫( ‪)1/265‬‬

‫ويستحب الخروج ثالثة أيام متتابعات إلى الصحراء ألنه أقرب للتواضع وأوسع للجمع‪ ،‬إال في مكة‬
‫والمدينة فيجتمعون في الحرم‪ ،‬وفي القدس يجتمعون في المسجد األقصى‪ .‬وتُوقَف الدواب بباب‬
‫المسجد‪.‬‬
‫ويقوم اإلمام مستقبالً القبلة‪ ،‬رافعاً يديه حال الدعاء‪ ،‬لما روي عن ُعمير مولى بني آبي اللحم أنه‬
‫(رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريباً من َّ‬
‫الزوراء (‪ )1‬قائماً يدعو‪.‬‬
‫يستسقي‪ .‬رافعاً يديه ِقَبل وجهه ال يجاوز بهما رأسه)(‪ ،)2‬وعن أنس رضي اللّه عنه أن النبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم (كان ال يرفع يديه في شيء من الدعاء إال في االستسقاء‪ ،‬فإنه كان يرفع يديه حتى‬
‫ُيرى بياض إبطيه)(‪ .)3‬والناس قعود يؤمنون على دعائه‪ .‬واألفضل‪ S‬أن يدعو بالمأثور‪ ،‬فعن جابر‬
‫بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‪ :‬أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم بواكي‪ ،‬فقال‪( :‬اللّهم اسقنا غيثاً‬
‫ُمغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار‪ ،‬عاجالً‪ ،‬غير آجل)(‪.)4‬‬
‫وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪ :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا استسقى قال‪:‬‬
‫(اللّهم اسق عبادك وبهائمك‪ ،‬وانشر رحمتك‪ ،‬وأحي بلدك الميت)(‪.)5‬‬
‫وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬شكا الناس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قحوط المطر‬
‫فذكرت الحديث وفيه‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬الحمد للّه رب العالمين الرحمن الرحيم‬
‫ملك يوم الدين‪ .‬ال إله إال اللّه يفعل ما يريد‪ ،‬اللّهم أنت اللّه ال إله إال أنت الغني ونحن الفقراء‪ ،‬أنزل‬
‫علينا الغيث‪ ،‬واجعل ما أنزلت لنا قوة وبالغاً إلى حين)(‪.)6‬‬
‫ويكثر اإلمام من االستغفار لقوله تعالى‪{ :‬استغفروا ربكم إنه كان غفّاراً‪ ،‬يرسل السماء عليكم‬
‫ِم ْد َراراً}(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫الزوراء‪ :‬دار عالية البناء كان يؤ ّذن عليها بالل رضي اللّه عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.260/1168‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.260/1170‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.260/1169‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.260/1176‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.260/1173‬‬
‫(‪ )7‬نوح‪.11 - 10 :‬‬

‫( ‪)1/266‬‬

‫وإ ذا سقُوا قالوا‪" :‬اللّهم طيباً نافعاً"‪ .‬فإذا زاد قالوا‪" :‬اللّهم حوالينا وال علينا‪ ،‬اللّهم على اآلكام ِ‬
‫والظراب‬ ‫ُ‬
‫وبطون األودية ومنابت الشجر"‪ .‬لما روي عن أنس رضي اللّه عنه قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى‬
‫فم ِطرنا من الجمعة إلى الجمعة‪ ،‬ثم جاء‬ ‫َّ‬
‫اللّه عليه وسلم فقال‪ :‬هلكت المواشي‪ ،‬وتقطعت السُُّبل‪ .‬فدعا‪ُ ،‬‬
‫فقال‪ :‬تهدمت البيوت‪ ،‬وتقطَّعت السُُّبل‪ ،‬وهلكت المواشي فادع اللّه أن ُي ْم ِس ْكها‪ .‬فقام صلى اللّه عليه‬
‫والظراب‪ ،‬واألودية ومنابت الشجر)(‪.)1‬‬ ‫وسلم فقال‪( :‬اللّهم على اآلكام ِ‬
‫وليس في االستسقاء قلب رداء‪ .‬وال يجوز أن يحضره إال المسلم‪ ،‬ألن عمر رضي اللّه عنه نهى أهل‬
‫الذمة أن يحضروه أو ُي َّ‬
‫مكنوا من فعله وحدهم‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب االستسقاء باب ‪ ،8/970‬اآلكام‪ :‬التراب المجتمع‪ ،‬والظّراب‪ :‬جمع‬
‫ظ ْرب وهو الجبل الصغير‪.‬‬
‫َ‬

‫( ‪)1/267‬‬

‫‪ - 3‬صالة الكسوف والخسوف‪:‬‬


‫الكسوف للشمس والخسوف للقمر‪.‬‬
‫حكمها‪ :‬سنة‪.‬‬
‫كيفيتها‪ :‬ركعتان كهيئة َّ‬
‫النفل بركوع وسجودين‪ ،‬لما روي عن قبيصة الهاللي رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫يجر ثوبه وأنا معه يومئذ‬
‫ُكسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فخرج فزعاً ّ‬
‫يخوف اللّه‬
‫بالمدينة‪ ،‬فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام‪ ،‬ثم انصرف وانجلت‪ ،‬فقال‪( :‬إنما هذه اآليات ّ‬
‫بها‪ ،‬فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صالة صليتموها من المكتوبة)(‪.)1‬‬
‫وتُصلى جماعة بإمام الجمعة أو مأمور السلطان‪ .‬وليس لها أذان وال خطبة‪ .‬وينادى لها الصالة‬
‫وي ِس ّر اإلمام والمقتدون فيها‪.‬‬
‫جامعة‪ُ .‬‬
‫ويسن تطويلها وتطويل الركوع والسجود فيها‪ ،‬لما روي عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه في‬ ‫ُّ‬
‫حديث طويل فيه‪( :‬فوافقنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين خرج إلى الناس‪ .‬قال فتقدم وصلى‬
‫بنا كأطول ما قام بنا في صالة قط ال نسمع له صوته‪ ،‬ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صالة قط ال‬
‫نسمع له صوته‪ ،‬ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صالة قط ال نسمع له صوته‪ .‬قال‪ :‬ثم فعل في‬
‫الركعة الثانية مثل ذلك)(‪.)2‬‬
‫ويقف اإلمام بعد الصالة مستقبالً الناس بوجهه ويستمر بالدعاء حتى تنجلي الشمس‪ ،‬ويدعو المنفرد‬
‫وهو جالس ُمتَّجه إلى القبلة‪.‬‬
‫ومن لم يحضر الصالة يصلي منفرداً في منزله ركعتين أو أربعاً‪.‬‬
‫أما صالة الخسوف‪ :‬فتصلى دائماً فُرادى في المنزل ألنه صلى اللّه عليه وسلم لم يجمع لها الناس‪.‬‬
‫وتصلى هذه الصالة أيضاً عند الفزع من الزالزل والصواعق‪ ،‬وانتشار الكواكب والضوء الهائل‬
‫ليالً‪ ،‬والثلج واألمطار الدائمة‪ ،‬وعموم األمراض السارية كالطاعون أو غيره‪ .‬كما تصلى عند‬
‫خوفة للعباد وليتركوا‬
‫الخوف الغالب من العدو ونحو ذلك من المفزعات واألهوال‪ ،‬ألنها آيات ُم ِّ‬
‫المعاصي ويرجعوا إلى طاعة اللّه التي بها فوزهم وصالحهم‪ ،‬وأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى‬
‫ربه الصالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.262/1185‬‬
‫(‪ )2‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.30‬‬

‫( ‪)1/268‬‬

‫الج َماعة)‪.‬‬
‫(صالَة َ‬
‫الباب السابع َ‬
‫تعريف الجماعة‪:‬‬
‫لغة‪ِ :‬‬
‫الف ْرقة‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬ربط صالة المأموم بصالة اإلمام‪.‬‬
‫سواء كان رجالً‪ ،‬أو امرأة‪ ،‬أو صبياً‪ ،‬حراً أو عبداً‪ .‬في المسجد أو‬
‫ً‬ ‫وتتحقق الجماعة بواحد مع اإلمام‪.‬‬
‫غيره‪ .‬أما جماعة الجمعة فتتحقق باثنين أو ثالثة مع اإلمام‪.‬‬
‫حكم صالة الجماعة‪:‬‬
‫‪ - 1‬هي سنة عينية مؤكدة في قوة الواجب على الرجال األحرار غير المعذورين في أداء المكتوبة‬
‫على أصح األقوال‪ .‬وقال بعض المشايخ الحنفية إنها واجبة مطلقاً‪ ،‬وقال الكرخي والطحاوي إنها‬
‫فرض كفاية‪ .‬وذلك لقوله تعالى‪{ :‬وإ ذا كنت فيهم فأقمت لهم الصالة‪ ،‬فلتقم طائفة منهم معك}(‪،)1‬‬
‫ولما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقد ناساً في بعض‬
‫الصلوات فقال‪( :‬لقد هممت أن آمر رجالً يصلي بالناس‪ ،‬ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم‬
‫فليحرقوا عليهم الحطب في بيوتهم‪ .‬ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها)(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬هي سنة كفاية لصالة التراويح‪.‬‬
‫‪ - 3‬مستحبة في وتر رمضان وصالة الكسوف‪.‬‬
‫‪ - 4‬مكروهة في غير وتر رمضان‪ ،‬وفي سائر صلوات التطوع (‪ ،)3‬وفي صالة الخسوف‪،‬‬
‫ولجماعة النساء بواحدة منهن‪.‬‬
‫‪ - 5‬هي شرط من شروط صحة الصالة في الجمعة والعيدين‪.‬‬
‫حكم ترك صالة الجماعة في أداء المكتوبة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بالنسبة للفرد‪ :‬إن تركها بغير عذر واعتاد تركها يأثم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬بالنسبة للجماعة‪ :‬إن تركها أهل بلد بال عذر‪ ،‬أمروا بها‪ ،‬فإن أصروا على تركها قوتلوا عليها‪،‬‬
‫ألنها من شعائر اإلسالم من خصائص هذا الدين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النساء‪.102 :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد ومواضع الصالة باب ‪.42/251‬‬
‫(‪ )3‬إذا كانت على سبيل التداعي بأن اقتدى باإلمام أكثر من ثالثة‪.‬‬
‫__________‬
‫فضيلة صالة الجماعة‪:‬‬

‫( ‪)1/269‬‬

‫ثبتت فضيلتها بعدة أحاديث نذكر منها‪ :‬ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أنه سمع النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬صالة الجماعة تفضل صالة الفذ بخمس وعشرين درجة)(‪.)1‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬صالة الرجل في‬
‫َّف على صالته في بيته‪ ،‬وفي سوقه‪ ،‬خمسة وعشرين ِ‬
‫ضعفاً‪ ،‬وذلك أنه‪ :‬إذا توضأ‬ ‫ضع ُ‬
‫الجماعة تُ َ‬
‫فأحسن الوضوء‪ ،‬ثم خرج إلى المسجد‪ ،‬ال ُيخرجه إالّ الصالة‪ ،‬لم َيخطُ خطوة‪ ،‬إال ُرفعت له بها‬
‫صاله‪ :‬اللّهم ِّ‬
‫صل‬ ‫وحطّ عنه بها خطيئة‪ ،‬فإذا صلى‪ ،‬لم تزل المالئكة تصلي عليه‪ ،‬ما دام في ُم َ‬
‫درجة‪ُ ،‬‬
‫عليه‪ ،‬اللّهم ارحمه‪ ،‬وال يزال أحدكم في صالة ما انتظر الصالة)(‪.)2‬‬
‫وعن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من صلى العشاء‬
‫في جماعة كان كقيام نصف ليلة‪ ،‬ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجماعة واإلمامة باب ‪.2/619‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجماعة واإلمامة باب ‪.2/620‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.48/555‬‬

‫( ‪)1/270‬‬

‫الحكمة من صالة الجماعة‪:‬‬


‫قيام نظام اإللفة بين المصلين والتعلم من العالم‪.‬‬
‫إدراك فضيلة الجماعة‪:‬‬
‫يدرك المأموم الجماعة ويحصل على فضلها إذا أدرك اإلمام بجزء من الصالة ولو آخر القعود‬
‫األخير قبل السالم‪.‬‬
‫اختيار الجماعة‪:‬‬
‫اختُلف في اختيار الجماعة هل األفضل أن يختار المأموم مسجد حيه أم جماعة المسجد الجامع؟‬
‫‪ - 1‬إن استوى المسجدان فأقدمهما هو األفضل‪.‬‬
‫‪ - 2‬وإ ن استويا في القدم فأقربهما‪.‬‬
‫‪ - 3‬وإ ن استويا في القرب ُخّير العامي‪ ،‬والفقيه يذهب إلى أقلهما جماعة ليكثروا‪ ،‬والتلميذ يذهب إلى‬
‫مجلس أستاذه‪.‬‬
‫شروط صحة الجماعة‪:‬‬
‫‪ - 1‬شروط يجب توفرها في اإلمام‪.‬‬
‫‪ - 2‬شروط صحة اإلقتداء‪.‬‬

‫( ‪)1/271‬‬
‫أوالً‪ :‬الشروط التي يجب توفرها في اإلمام‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلسالم‪ :‬فال تصح إمامة الكافر وال إمامة صاحب بدعة مكفرة‪.‬‬
‫‪ - 2‬البلوغ‪ :‬فال تصح إمامة الصبي المميز(‪ ،)1‬ألن صالة الصبي نفل وال يصح أن يأتم مفترض‬
‫بمتنفل‪.‬‬
‫‪ - 3‬العقل‪.‬‬
‫‪ - 4‬الذكورة المحققة‪ :‬فخرج بذلك الخنثى ألن ذكورتها غير محققة‪ ،‬والمرأة‪ .‬فال تصح إمامة النساء‬
‫للرجال مطلقاً ال في فرض وال في نفل‪ ،‬لما روي عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‪:‬‬
‫تؤم َّن امرأة رجالً)(‪ .)2‬أما إمامة المرأة للنساء‬
‫خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‪( :‬ال َ‬
‫فتصح مع الكراهة‪ ،‬وال تصح إمامة الخنثى‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يحسن القراءة بما ال تصح الصالة إال به إذا كان المأموم قارئاً‪ ،‬وأقلها آية وقيل‪ :‬ثالث‬
‫آيات‪ .‬ويشترط أن يكون صحيح اللسان فال تصح القراءة ممن عنده فأفأة أو تأتأة أو لثغ‪ .‬وال يصح‬
‫أمي بأخرس‪.‬‬
‫اقتداء القارئ بأمي وال بأخرس وال ّ‬
‫‪ - 6‬السالمة من األعذار‪ :‬كالرعاف الدائم وفقد أحد الطهورين‪ ،‬ألن صالة المعذور ضرورية‪.‬‬
‫‪ - 7‬السالمة من فقد شرط من شروط صحة الصالة‪ :‬كالطهارة وستر العورة‪ ،‬إذ ال تصح إمامة من‬
‫به نجس لطاهر‪ ،‬كما ال يقتدي مستور بكاشف عورة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬خالفاً للسادة الشافعية‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.78/1081‬‬

‫( ‪)1/272‬‬

‫ثانياً‪ :‬شروط صحة االقتداء‪:‬‬


‫االقتداء‪ :‬لغة‪ :‬المالزمة‪ ،‬وشرعاً‪ :‬ربط صالة شخص بصالة اإلمام‪.‬‬
‫ويشترط لصحة االقتداء ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن ينوي المقتدي متابعاً اإلمام مقارناً لتحريمته حقيقة وحكماً (أي ال يفصل بين النية والتكبيرة‬
‫فاصل أجنبي) أما في صالة الجمعة والعيدين فال تشترط نية المتابعة الختصاصهما بالجماعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن ال يتقدم على اإلمام بعقبه في جميع الصالة‪ ،‬فإن تقدم بطلت صالته‪ ،‬وإ ن حاذاه صح‬
‫اإلقتداء‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن ال يقتدي مفترض بمتنفل‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن تتحد نية اإلمام والمأموم في الفرض نفسه والوقت ذاته‪ ،‬فال يصح اقتداء من يصلي فريضة‬
‫الوقت بمن يصلي فائتة ولو كانت الصالة ذاتها‪ .‬ويصح اقتداء متنفل بمفترض‪.‬‬

‫( ‪)1/273‬‬

‫‪ - 5‬أن ال يقتدي مسافر بمقيم بعد خروج الوقت في قضاء الرباعية‪ ،‬لما يترتب عليه كون القعود‬
‫األول واجب في حق اإلمام وفرض في حق المقتدي (المقتدي يصلي ركعتين فقط)‪ .‬أما في الصالة‬
‫الحاضرة فيقتدي المسافر بالمقيم ويتابع إمامه فيصليها أربعاً‪ ،‬فعن أبي مجلز قال‪ :‬قلت البن عمر‪:‬‬
‫"المسافر يدرك ركعتين من صالة القوم ‪ -‬يعني المقيمين ‪ -‬أتجزيه الركعتان أو يصلي بصالتهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فضحك وقال‪ :‬يصلي بصالتهم"(‪.)1‬‬
‫‪ - 6‬أن ال يقتدي بالمسبوق لشبهة اقتدائه‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن ال يفصل بين اإلمام والمقتدي صف من النساء‪.‬‬
‫‪ - 8‬أن ال يفصل بين اإلمام والمأموم نهر أو طريق يسع فيه صفين أو أكثر في غير المسجد‪ .‬أما في‬
‫المسجد فال مانع من اتساع الفاصل ألن المسجد كله بقعة واحدة‪.‬‬
‫‪ - 9‬أن ال يفصل بين اإلمام والمأموم حائط كبير يؤدي إلى اشتباه حال اإلمام على المأموم‪ .‬أما إذا‬
‫لم يشتبه حال اإلمام على المأموم لسماعه أو رؤيته فال يمنع الجدار من صحة االقتداء‪ .‬وبناء على‬
‫ذلك أفتى بعض علماء الحنفية بجواز صحة اقتداء المأموم ولو من بيته إذا اتصلت الصفوف‪ S‬وكان‬
‫بحيث يسمع الصالة ويعرف حال إمامه‪ ،‬وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي في غرفة‬
‫السيدة عائشة رضي اللّه عنها والناس في المسجد يصلون بصالته‪ ،‬فعن عائشة رضي اللّه عنها‬
‫قالت‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير فرأى‬
‫الناس شخص النبي صلى اللّه عليه وسلم فقام أناس يصلون بصالته)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.157‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.51/696‬‬

‫( ‪)1/274‬‬

‫‪ - 11‬أن ال يكون اإلمام راكباً والمقتدي واقفاً‪ ،‬أو العكس‪ ،‬أو راكبين على دابتين أو زورقين غير‬
‫مقترنين‪ .‬أما لو كانا راكبين على دابة أو زورق واحد صح االقتداء‪ ،‬لما روي عن أنس بن سيرين‬
‫قال‪" :‬خرجت مع أنس بن مالك في أرض بلبق سرين حتى إذا كنا بدجلة حضرت الظهر فأمنا قاعداً‬
‫على بساط في السفينة وإ ن السفينة لتجر بنا جراً"(‪.)1‬‬
‫‪ - 12‬أن ال يعلم المقتدي من حال إمامه المخالف لمذهبه مفسداً على مذهب المقتدي كخروج دم‬
‫سائل أو قيء يمأل الفم‪.‬‬
‫‪-‬ويجوز عند اإلمام أبي حنيفة وأبي يوسف أن يقتدي متوضئ بمتيمم‪ ،‬أما عند اإلمام محمد فال‬
‫يصح‪ .‬كما يصح اقتداء غاسل بماسح على الجبيرة أو ضماد أو على جرح ال ينزف‪.‬‬
‫‪-‬ويصح اقتداء قائم بقاعد مطلقاً‪ ،‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬أمر رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم أن يصلي بالناس في مرضه‪ ،‬فكان يصلي بهم‪ ،‬فوجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫خفة فخرج‪ ،‬وإ ذا أبو بكر يؤم الناس‪ ،‬فلما رآه أبو بكر استأخر‪ ،‬فأشار إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪ ،‬أي كما أنت‪ ،‬فجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حذاء أبي بكر‪ ،‬فكان أبو بكر يصلي‬
‫بصالة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬والناس يصلون بصالة أبي بكر)(‪.)2‬‬
‫‪-‬ويصح االقتداء باألحدب إن لم يبلغ حدبه حد الركوع‪ ،‬فإذا بلغ حد الركوع وهو ينخفض للركوع‬
‫قليالً يجوز عندها وال يجوز عند اإلمام محمد‪.‬‬
‫‪-‬وإ ذا ظهر بطالن صالة اإلمام وجبت اإلعادة على المأموم‪ ،‬ويجب أن ُي ِعلم اإلمام المقتدين ببطالن‬
‫صالته حتى يعيدوا صالتهم‪ ،‬ألن علياً رضي اللّه عنه صلى بالناس ثم تبين أنه محدث فأعاد وأمرهم‬
‫أن يعيدوا‪ .‬وقيل ال يجب عليه إعالم القوم‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،163‬رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجه‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.142/1233‬‬

‫( ‪)1/275‬‬

‫أعذار ترك الجماعة‪:‬‬


‫‪ - 1‬مطر وبرد شديدان أو وحل‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه‬
‫الرحال)(‪.)1‬‬
‫عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول‪( :‬أال صلوا في ِّ‬
‫‪ - 2‬خوف ظالم أو ظلمة شديدة‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر‪ .‬قالوا‪ :‬وما العذر؟ قال‪ :‬خوف أو‬
‫مرض‪ ،‬لم تقبل منه الصالة التي صلى)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬حبس‪.‬‬
‫‪ - 4‬مرض‪.‬‬
‫‪ - 5‬حضور درس فقه ال غير بجماعة يفوت الدرس لو صلى بجماعة وكان مواظباً على الدرس‪.‬‬
‫‪ - 6‬حضور طعام تتوق إليه نفسه‪ ،‬لحديث عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم يقول‪( S:‬ال صالة بحضرة الطعام)(‪.)3‬‬
‫‪ - 7‬إرادة سفر يتهيأ له‪.‬‬
‫وإ ذا انقطع عن الجماعة لعذر وكانت نيته حضوره حصل الثواب لحديث أبي بردة قال‪ :‬سمعت أبا‬
‫موسى رضي اللّه عنه مراراً يقول‪ S:‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا مرض العبد أو سافر‬
‫كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجماعة واإلمامة باب ‪.12/635‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.47/551‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد باب ‪.16/67‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجهاد باب ‪.132/2834‬‬

‫( ‪)1/276‬‬

‫أحق الناس باإلمامة‪:‬‬


‫أ ‪ -‬في المسجد‪:‬‬
‫‪ - 1‬السلطان‪ :‬لحديث أبي مسعود األنصاري رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫الرجل في سلطانه وال يقعد في بيته على تكرمته إال بإذنه)(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫وسلم‪( :‬ال يؤمن الرج ُل‬
‫‪ - 2‬القاضي‪S.‬‬
‫‪ - 3‬إمام الحي‪ ،‬لما روي عن نافع قال‪" :‬أقيمت الصالة في مسجد بطائفة المدينة‪ ...‬وإ مام ذلك‬
‫المسجد مولى البن عمر‪ ...‬فلما سمعه عبد اللّه جاء ليشهد معهم الصالة‪ ،‬فقال له المولى صاحب‬
‫المسجد تقدم فص ّل‪ .‬فقال عبد اللّه‪ :‬أنت أحق أن تصلي في مسجدك مني‪ .‬فصلى المولى"(‪.)2‬‬
‫ب ‪ -‬في البيت‪ :‬ساكنه‪ ،‬ويستحب له أن يقدم األعلم‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬في غير المسجد والبيت‪:‬‬
‫‪ - 1‬األعلم بأحكام الصالة‪.‬‬
‫‪ - 2‬األقرأ لكتاب اللّه‪.‬‬
‫‪ - 3‬األورع‪.)3( S‬‬
‫األسن لحديث مالك بن الحويرث رضي اللّه عنهما قال‪ :‬أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم أنا‬
‫ّ‬ ‫‪-4‬‬
‫وصاحب لي‪ .‬فلما أردنا اإلقفال‪ S‬من عنده قال لنا‪( :‬إذا حضرت الصالة فأ ّذنا‪ .‬ثم أقيما وليؤمكما‬
‫أكبركما)(‪.)4‬‬
‫‪ - 5‬األحسن ُخلقاً‪ ،‬ثم األحسن ُخْلقَاً‪ ،‬ثم األشرف نسباً الحترامه وتعظيمه‪ ،‬ثم األحسن صوتاً‪ ،‬ثم‬
‫األنظف ثوباً‪ ،‬ثم األحسن زوجة‪ ،‬ثم األكثر ماالً‪ .‬وذلك لعموم حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪:‬‬
‫قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم)(‪.)5‬‬
‫وإ ذا قدموا غير األ َْولى أساؤوا وال إثم عليهم‪.‬‬
‫ويكره أن يؤم الرجل قوماً وهم له كارهون‪ ،‬والكراهة تحريمية‪ ،‬وذلك لما روي عن عبد اللّه ابن‬
‫عمرو رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول‪( :‬ثالثة ال يقل اللّه منهم‬
‫محرره)(‪ .)6‬أما إذا‬ ‫الصالة‪ :‬من تقدم قوماً وهم له كارهون‪ ،‬ورجل أتى الصالة ِدباراً‪ ،‬ورجل اعتبد ّ‬
‫كان أحق من غيره أصالً فال كراهة في تقدمه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد باب ‪.53/290‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.126‬‬
‫(‪ )3‬الورع‪ :‬اجتناب الشبهات‪ ،‬وهو أعلى من التقوى‪ ،‬ألن التقوى هي اجتناب المحرمات‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب المساجد باب ‪.53/293‬‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.90‬‬
‫(‪ )6‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.63/593‬‬

‫( ‪)1/277‬‬

‫أحكام المقتدي‪:‬‬
‫المقتدي ثالثة أقسام‪ :‬مدرك والحق ومسبوق‪.‬‬
‫‪ - 1‬المدرك‪ :‬هو من صلى الركعات كلها مع اإلمام‪ ،‬بأن ابتدأ معه وانتهى معه‪.‬‬
‫‪ - 2‬الالحق‪ :‬هو من دخل مع اإلمام ثم فاته بعض الصالة أو كلها‪ ،‬بأن عرض له نوم أو غفلة أو‬
‫سبق حدث‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬إن أمكنه أن يقضي ما فاته ثم يتابع اإلمام دون أن تفوته صالة الجماعة‪ ،‬قضى ما فاته ثم‬
‫يتابع اإلمام‪ .‬وإ ن خاف أن تفوته الصالة مع الجماعة‪ ،‬تابع اإلمام ثم يقضي ما فاته بعد أن يفرغ‬
‫اإلمام‪.‬‬
‫‪ - 3‬المسبوق‪ :‬وهو من سبقه اإلمام ببعض الصالة‪ ،‬فيتابع اإلمام ثم يقضي ما سبقه به اإلمام‪.‬‬
‫لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪ ...( :‬فما أدركتم فصلوا‪،‬‬
‫وما فاتكم فأتموا)(‪.)1‬‬
‫حكمه‪ :‬يعتبر ما يدركه المسبوق مع اإلمام هو آخر صالته‪ ،‬والذي يتمه هو أول صالته وذلك في‬
‫حق القراءة‪ .‬أما بالنسبة للقعود فالذي يقضيه هو آخر صالته‪.‬‬
‫والمسبوق منفرد فيما يقضيه إال في أربعة أمور‪:‬‬
‫‪ - 1‬ال يجوز أن يقتدي بغير إمامه‪.‬‬
‫‪ - 2‬ال يجوز أن يقتدي به أحد‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يأتي بتكبيرات التشريق إجماعاً‪.‬‬
‫‪ - 4‬إذا قام لقضاء ما سبق قبل أن يسلّم اإلمام ثم سجد اإلمام للسهو يتابعه ما لم يقيد الركعة بسجدة‪،‬‬
‫فإن قيدها يتابع صالته ثم يسجد للسهو قبل التسليم في آخر صالته‪ .‬ولو تابع اإلمام بعد أن قيد ركعته‬
‫بسجدة فسجد للسهو مع اإلمام فسدت صالته‪.‬‬
‫واألصل في صالة الجماعة أن المقتدي يتابع إمامه في صالته ألن اإلمام جعل ليؤتم به‪ ،‬لما روي‬
‫عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‪( :‬إنما ُج ِعل اإلمام ليؤتم‬
‫به)(‪.)2‬‬
‫ومن أدرك اإلمام راكعاً فإن أتى بالتحريمة قائماً وقبل أن يرفع اإلمام رأسه من الركوع ثم أدرك معه‬
‫الركوع فقد أدرك الركعة‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬من أدرك ركعة من الصالة فقد أدركها قبل أن يقيم اإلمام صلبه)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.55/572‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.20/89‬‬
‫(‪ )3‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.346‬‬

‫( ‪)1/278‬‬

‫بسنة‬
‫أما لو سبق اإلمام المقتدي أثناء الصالة فينظر على اعتبار أن متابعة اإلمام واجب‪ :‬إن سبقه ّ‬
‫يتركها ويتابع اإلمام‪ ،‬وإ ن سبقه بركن ال يتابعه حتى يتم ركنه وهكذا‪.‬‬
‫‪-‬إذا سلم اإلمام قبل فراغ المقتدي من التشهد فيتم المقتدي تشهده ثم يسلم‪ ،‬ألن قراءة التشهد في القعود‬
‫األخير واجب ومتابعة اإلمام واجب وإ دراك الواجبين مع تأخير أحدهما أفضل من ترك أحدهما‪ .‬فإن‬
‫أحدث اإلمام قبل أن يسلّم المقتدي بطلت صالة المقتدي قبل إتمام التشهد‪ ،‬أما بعد التشهد قبل السالم‬
‫فال تبطل‪.‬‬
‫‪-‬وإ ذا سلم اإلمام والمقتدي ما زال بالصلوات اإلبراهيمية يتابع المقتدي اإلمام بالتسليم‪ ،‬ألن الصالة‬
‫على النبي صلى اللّه عليه وسلم في آخر الصالة سنة‪.‬‬
‫‪-‬إذا سلّم المقتدي قبل سالم اإلمام بعد تشهد ك ّل منهما كان ذك مكروهاً لتركه المتابعة‪ ،‬وتصح صالة‬
‫كليهما‪.‬‬
‫أتمه ثم يتابع اإلمام إلمكان المتابعة‪.‬‬
‫‪-‬إذا قام اإلمام إلى الثالثة قبل أن ينتهي المقتدي من التشهد األول ّ‬
‫‪-‬إذا رفع اإلمام رأسه من الركوع قبل إتمام المقتدي ثالث تسبيحات يتابعه وال يتم التسبيح ألن‬
‫المعتمد أنه سنة‪.‬‬
‫‪-‬وإ ذا زاد اإلمام سجدة أو ركوعاً سهواً ال يتابعه المقتدي بل ينتظره ويسجد اإلمام للسهو ويتابعه‬
‫المقتدي‪.‬‬
‫ويسبح‪ ،‬فإن تذكر اإلمام‬
‫‪-‬لو قام اإلمام بعد القعود األخير ساهياً ال يتابعه المؤتم بل ينتظره جالساً ّ‬
‫وعاد إلى القعود قبل أن يسجد‪ ،‬يسلم المقتدي مع اإلمام ويسجد اإلمام للسهو‪ ،‬وإ ن لم يتذكر اإلمام‬
‫حتى يسجد للركعة الزائدة سلَّم المقتدي وحده‪.‬‬
‫‪-‬إذا قام اإلمام قبل القعود األخير ساهياً ال يتابعه المقتدي بل يقعد للتشهد ويسبح ثالثاً‪ .‬فإن تذكر‬
‫اإلمام وعاد تابعه وإ ن ظل ناسياً وسجد تفسد صالة اإلمام لتركه القعود األخير والتشهد وتفسد صالة‬
‫المقتدي ألنه متى فسدت صالة اإلمام فسدت صالة المقتدي أيضاً‪.‬‬
‫‪-‬إذا أحدث اإلمام عمداً بعد القعود قدر التشهد أو قهقهة بعده ال تصح صالة المسبوق‪ ،‬وإ نما تصح‬
‫صالة المدرك مع الكراهة لخروجه من الصالة بغير السالم‪ ،‬أما المسبوق فقد القى الفساد جزء من‬
‫صالته ألنها لم تتم‪.‬‬

‫( ‪)1/279‬‬

‫ما يترتب على المكلف إلدراك الفريضة مع اإلمام‪:‬‬


‫إذا شرع المصلي في أداء فرضه أو قضائه (‪ )1‬منفرداً وحضرت جنازة أو أقيمت جماعة‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا كان لم يقيد ركعته بسجدة سلم واقفاً ثم اقتدى باإلمام‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن كان سجد للركعة األولى في غير الرباعية في الفجر والمغرب يقطع صالته بعد السجود‬
‫بتسليمة ويتابع اإلمام (‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫للمؤدى عن البطالن‬ ‫‪ - 3‬إن كان سجد للركعة األولى في رباعية‪ :‬ضم إليها ركعة ثانية صيانة‬
‫وتشهد وسلم لتصير الركعتان له نافلة‪ ،‬ثم اقتدى مفترضاً إلحراز فضل الجماعة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 4‬إن صلى ثالثاً من رباعية ثم أقيمت الجماعة‪ :‬أتمها أربعاً منفرداً‪ ،‬وقال اإلمام محمد‪ :‬يتم‬
‫الرابعة جالساً لتنقلب صالته نفالً ثم يقتدي للفرض مع اإلمام‪ .‬وعلى القول األول يقتدي متنفالً إن‬
‫شاء‪ ،‬لما روي عن جابر بن يزيد بن األسود العامري عن أبيه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪ ...( :‬إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة)(‪.)3‬‬
‫‪ - 5‬إن كان قائماً لثالثة في صالة رباعية ثم أقيمت الجماعة قبل سجوده للثالثة سلّم قائماً بتسليمة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫‪ - 6‬إن شرع في سنة الجمعة فخرج الخطيب‪ ،‬أو سنة الظهر فأقيمت الجماعة‪ ،‬سلّم على رأس‬
‫ركعتين ثم يقضي السنة بعد أداء الفرض‪.‬‬
‫‪ - 7‬إذا دخل المسجد وأقيمت المكتوبة بدأ فيها وال يبدأ بسنة وال تحية المسجد‪ ،‬لما روي عن أبي‬
‫هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا أقيمت الصالة فال فصالة إال‬
‫المكتوبة)(‪ .)4‬إال سنة الفجر إن أ ِ‬
‫َمن فَ ْوت الجماعة باشتغاله بها‪ .‬صالها أوالً‪ ،‬وإ ن لم يأمن فوتها‬
‫ترك السنة واقتدى ألن ثواب الجماعة أفضل من سنة الفجر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أما النفل فال يجوز قطعه إال ألجل الجنازة‪ ،‬ألن الجنازة ال خلف لها‪ .‬أما إذا شرع في النفل‬
‫كالسنة وأقيمت الجماعة فإنه ال يقطعه بل يتمه شفعاً ألن القطع فيه إبطال‪.‬‬
‫أتم الركعتين في الفجر لم يكن له أن يصلي مع الجماعة لعدم جواز التنفل بعدها مطلقاً‪.‬‬
‫(‪ )2‬إذ لو َّ‬
‫وفي المغرب ال يتنفل مع اإلمام‪.‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.163/219‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.294/1266‬‬

‫( ‪)1/280‬‬

‫متى تُدرك الركعة مع اإلمام‪:‬‬


‫‪ - 1‬من أدرك إمامه في جزء من القيام أو في الركوع معه ُيعتبر مدركاً هذه الركعة‪ ،‬وال يشترط له‬
‫تكبيرة ثانية بل تكفي تكبيرة اإلحرام بشرط أن يأتي بها قائماً‪.‬‬
‫ولو أدرك اإلمام في السجود فاتته الركعة‪ ،‬وإ ذا ركع وحده ثم تابع اإلمام في السجود‪ ،‬فعليه أن يأتي‬
‫بالركعة في آخر صالته‪ .‬لما روي عن أي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا وال تعدوا شيئاً‪ ،‬ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصالة)(‬
‫‪ ،)1‬وعن عبد العزيز بن رفيع عن رجل أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا جئتم واإلمام راكع‬
‫فاركعوا‪ ،‬وإ ن كان ساجداً فاسجدوا وال تعتدوا بالسجود إذا لم يكن معه الركوع)(‪ .)2‬أما لو أتى‬
‫بركعة وحده‪ ،‬ثم تابع اإلمام في الثانية بطلت صالته لزيادة ركعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن ركع المقتدي قبل اإلمام‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إن كان ركوعه بعد قراءة اإلمام ما تصح به الصالة وهو آية وبقي‪ S‬راكعاً حتى أدركه إمامه في‬
‫ركوعه صح ركوعه لوجود المشاركة وكره لوجود المسابقة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إن لم يدركه اإلمام في الركوع‪ ،‬أو ركع المقتدي قبل قراءة اإلمام آية واحدة (القراءة الواجبة)‪،‬‬
‫ال يصح ركوعه لكونه قبل أوانه‪ ،‬فيلزمه أن يعيده مع اإلمام وإ ال بطلت صالته‪ .‬وكذا لو سبق‬
‫المقتدي إمامه في السجود‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن أطال اإلمام السجود فرفع المقتدي رأسه ثم سجد‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إن نوى متابعة اإلمام وقعت عن السجدة األولى‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وإ ن نوى الثانية فقط دون المتابعة‪ ،‬صحت إن أدركه اإلمام فيها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.89‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.89‬‬

‫( ‪)1/281‬‬

‫ترتيب الصفوف‪S:‬‬
‫يسن ترتيب الصفوف في صالة الجماعة كما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن كان مع اإلمام رجل واحد‪ ،‬وقف عن يمينه مساوياً له متأخراً عنه بعقبه‪ ،‬لما روي عن ابن‬
‫عباس رضي اللّه عنهما أنه صلى مع النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال‪( :‬فأخذ برأسي أو بذؤابتي‬
‫فأقامني عن يمينه)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬إن كان مع اإلمام مقتديات اثنان أو أكثر‪ ،‬صفّوا خلف اإلمام‪ ،‬لما روي عن أنس بن مالك رضي‬
‫اللّه عنه أن جدته ُملَيكة دعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لطعام صنعته‪ ،‬فأكل منه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫اسود من طول ما لُبس فنضحته بماء‪ ،‬فقام‬
‫(قوموا فألص ّل لكم‪ .‬قال أنس‪ :‬فقمت‪ S‬إلى حصير لنا قد ّ‬
‫عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا‪ .‬فصلى لنا‬
‫ركعتين ثم انصرف صلى اللّه عليه وسلم)(‪.)2‬‬
‫ويصف الرجال أوالً‬
‫ّ‬ ‫‪ - 3‬إذا كثروا‪ ،‬صفّوا صفوفاً وراء اإلمام‪ .‬ويكره قيام اإلمام وسطهم تحريماً‪.‬‬
‫ثم الصبيان ثم النساء‪ ،‬لحديث أبي مسعود رضي اللّه عنه قال‪ :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫يمسح مناكبنا في الصالة ويقول‪( S:‬استووا وال تختلفوا فتختلف قلوبكم‪ِ ،‬لَيِلني منكم أولو األحالم‬
‫ُّ‬
‫والنهى‪ ،‬ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)(‪.)3‬‬
‫ويسووا مناكبهم وصدورهم‪ ،‬فعن أنس رضي اللّه‬
‫ّ‬ ‫ويسن أن يتراصوا في الصفوف‪ ،‬ويسدوا الخلل‪،‬‬
‫عنه‪ :‬أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري)‪ .‬وكان أحدنا‬
‫سدها‪ ،‬وإ ن وجد‬
‫يلزق منكبه بمنكب صاحبه‪ ،‬وقدمه بقدمه(‪ .)4‬ولو وجد فرجة في الصف األول ّ‬
‫الصف منتظماً ينتظر مجيء آخر فيصلي معه‪ ،‬وإ ن خاف فوت الركعة جذب رجالً من الصف الذي‬
‫ّ‬
‫قبله وصلى معه على أن يكون عالماً بالحكم وإ ال قام في الصف التالي وحده‪ .‬روي عن أنس رضي‬
‫اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬أتموا الصف المقدم‪ ،‬ثم الذي يليه‪ ،‬فما كان من‬
‫نقص فليكن في الصف المؤخر)(‪.)5‬‬
‫وأفضل الصفوف األول ثم األقرب فاألقرب‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬خير صفوف‪ S‬الرجال أولها وشرها آخرها‪ ،‬وخير صفوف النساء‬
‫آخرها وشرها أولها)(‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.70/611‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.71/612‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.28/122‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجماعة واإلمامة باب ‪.47/692‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.94/671‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.64/594‬‬

‫( ‪)1/282‬‬

‫ما يكره في صالة الجماعة‪:‬‬


‫‪ - 1‬تكره إمامة الجاهل إذا وجد من هو أعلم منه‪ ،‬وإ مامة األعرابي والعبد‪ .‬كما تكره إمامة الفاسق‬
‫ولو عالماً‪ ،‬وإ مامة المبتدع غير الكافر ببدعته؛ إذ روي عن اإلمام أن الصالة خلف أهل األهواء ال‬
‫تجوز‪ ،‬واألصح في المذهب أنها تصح مع الكراهة إن لم يكفر ببدعته لما روي عن أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬الصالة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم‬
‫براً كان أو فاجراً وإ ن عمل الكبائر)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬يكره لإلمام تطويل الصالة‪ ،‬لما روي عن أبي مسعود األنصاري رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬يا أيها الناس إن منكم منفّرين‪ ،‬فأيكم َّأم الناس فليوجز‪ ،‬فإن من‬
‫ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬تكره جماعة العراة تحريماً لما يترتب عليها من زيادة الكشف‪ ،‬بل يصلون قعوداً باإليماء‬
‫متباعدين‪.‬‬
‫‪ - 4‬تكره جماعة النساء تحريماً للزوم أحد المحظورين‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن تقدمت عليهن فهذا مكروه في حق النساء‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن حا َذتْهن فهو مكروه في حق صالة الجماعة‪.‬‬
‫وإ ن فعلن تقف المرأة وسطهن وتتقدمهن بعقبها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.64/594‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.37/182‬‬

‫( ‪)1/283‬‬

‫الباب الثامن (الصلوات التي فرضت جماعة)‪.‬‬


‫الج ُم َعة‬
‫صالَة ُ‬
‫الفصل األول‪َ :‬‬
‫والسنة واإلجماع‪ .‬ويكفر جاحدها‪ .‬فمن الكتاب‪ :‬قوله‬
‫ّ‬ ‫حكمها‪ :‬فرض عين‪ ،‬وثبتت فرضيتها بالكتاب‬
‫تعالى‪{ :‬إذا نودي للصالة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه وذروا البيع}(‪.)1‬‬
‫ومن السنة‪ :‬ما روي عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‪ :‬خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬واعلموا أن اللّه قد افترض عليكم الجمعة في مقامي‪ S‬هذا‪ ،‬في يومي هذا‪ ،‬في شهري هذا‪،‬‬
‫من عامي هذا إلى يوم القيامة‪ ،‬فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها أو‬
‫جحوداً لها فال جمع اللّه له شمله وال بارك له في أمره‪ ،‬وأال وال صالة له‪ ،‬وال زكاة له‪ ،‬وال حج له‪،‬‬
‫وال صوم له‪ ،‬وال بِّر له حتى يتوب‪ ،‬فمن تاب تاب اللّه عليه)(‪.)2‬‬
‫وعن أبي الجعد الضَّمري‪ ،‬وكانت له صحبة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من ترك‬
‫طبع اللّه على قلبه)(‪.)3‬‬
‫الجمعة ثالث مرات تهاوناً بها َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الجمعة‪.9 :‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.78/1081‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.359/500‬‬

‫( ‪)1/284‬‬

‫شروط فرضيتها‪:‬‬
‫‪ - 1‬الذكورة‪ :‬فال تجب في حق النساء‪.‬‬
‫‪ - 2‬الحرية‪ :‬لما روي عن طارق بن شهاب رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إال أربعة‪ :‬عبد مملوك‪ ،‬أو امرأة‪ ،‬أو صبي‪ ،‬أو‬
‫مريض)(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬اإلقامة‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ليس‬
‫على المسافر جمعة)(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬الصحة‪ ،‬فال تجب على المريض‪ .‬ويلحق بالمريض الشيخ الكبير‪.‬‬
‫‪ - 5‬األمن من ظالم‪.‬‬
‫‪ - 6‬سالمة النظر‪ ،‬فال تجب على األعمى ولو وجد من يوصله‪ ،‬خالفاً للصاحبين‪.‬‬
‫‪ - 7‬القدرة على المشي‪ ،‬فال تجب على المقعد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.215/1067‬‬
‫(‪ )2‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.4‬‬

‫( ‪)1/285‬‬

‫شروط صحة صالة الجمعة‪:‬‬


‫صر‪ ،‬كل موضع له ُم ْف ٍت وأمير وقاض وبلغت أبنيته أبنية منى‪ ،‬وتجوز في فناء‬ ‫ِ‬
‫‪ - 1‬أن تقام في الم ْ‬
‫سواء مصلّى العيد أو غيره‪.‬‬
‫ً‬ ‫المصر‬
‫المصر‪ ،‬ويجوز التعدد على قول اإلمام أبي حنيفة ومحمد على‬ ‫األصل أن تقام جمعة واحدة في ِ‬
‫األصح‪ ،‬إن كان أكبر مساجد البلد ال يتسع ألهلها والحرج مدفوع بالنص‪.‬‬
‫وإ ذا جاز التعدد سقط اعتبار الس َّْبق‪ .‬أما على القول الضعيف المانع من جواز التعدد قيل‪ :‬يصلي‬
‫أربعاً بعدها بنية آخر ظهر عليه‪ ،‬فإن قبلت الجمعة وإ ال فإنه أدى الظهر‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون إمام الجمعة السلطان أو نائبه‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن تقع في وقت الظهر‪ ،‬فال تصح قبل الزوال لما روي عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫(كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس)(‪ .)1‬وتبطل الجمعة بخروج‬
‫وقت الظهر‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن تكون عامة لجميع الناس‪ ،‬فال يمنع من الدخول إليها أحد‪ ،‬ألنها من شعائر اإلسالم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.224/1084‬‬

‫( ‪)1/286‬‬
‫‪ - 5‬الجماعة‪ :‬فال تصح من المنفرد‪ .‬وأقل الجماعة ثالث وإ ن لم يحضروا الخطبة‪ .‬وقيل‪ :‬تصح‬
‫الجمعة باثنين مع اإلمام‪ .‬ويشترط عند اإلمام أبي حنيفة بقاؤهم أي المقتدين ُم ْح ِرمين مع اإلمام حتى‬
‫يسجد السجدة األولى‪ ،‬فإن أفسدوا صالتهم بعد سجوده أتمها وحده جمعة باتفاق أبي حنيفة وأبي‬
‫يوسف ومحمد‪ ،‬وقال ُزفَر يشترط دوامهم كالوقت إلى تمام الصالة‪ .‬وإ ن نفروا قبل سجوده بطلت‬
‫عند اإلمام أبي حنيفة ألنه يقول الجماعة شرط انعقاد األداء وعند الصاحبين يتمها وحده ألن الجماعة‬
‫شرط انعقاد التحريمة‪.‬‬
‫‪ - 6‬الخطبة‪ :‬وتصح بغير العربية‪ ،‬وتكون قبل الصالة‪ ،‬وتنعقد الجمعة لو حضر الخطبة عاقل بالغ‬
‫واحد‪.‬‬

‫( ‪)1/287‬‬

‫أركان الخطبة‪:‬‬
‫للخطبة ركن واحد‪ :‬وهو مطلق الذكر فيصح االقتصار على تحميدة أو تسبيح‪ ،‬أو تهليلة عند اإلمام‬
‫مع الكراهة التنزيهية‪ .‬والدليل على صحة االقتصار على الذكر رغم الكراهة خطبة عثمان رضي‬
‫اللّه عنه لما قال‪ :‬الحمد للّه‪ ،‬فأ ُْرتِ َج (‪ )1‬عليه‪ ،‬ثم نزل وصلى بهم ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعاً‬
‫(حمد للّه‪ ،‬وصالة على النبي صلى اللّه‬
‫ٌ‬ ‫منهم‪ .‬أما عند الصاحبين فيشترط ذكر طويل أقله قدر التشهد‬
‫{فاس َعوا إلى ذكر اللّه}(‪ )2‬وذكر اللّه المقصود في اآلية‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ودعاء للمسلمين)‪ .‬قال تعالى‪ْ :‬‬
‫هو الخطبة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أُرتج عليه‪ :‬استُ ِ‬
‫غلق عليه الكالم‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجمعة‪.9 :‬‬

‫( ‪)1/288‬‬

‫سنن الخطبة‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يجلس الخطيب قبل الشروع‪ ،‬ثم يؤذن المؤذن فيقوم الخطيب للخطبة‪ .‬ال روي عن ابن عمر‬
‫رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب خطبتين‪ .‬كان يجلس إذا صعد المنبر‬
‫حتى يفرغ؟؟؟ المؤذن‪ ،‬ثم يقوم فيخطب‪ ،‬ثم يجلس فال يتكلم‪ ،‬ثم يقوم فيخطب)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.205‬‬

‫( ‪)1/289‬‬

‫‪ - 2‬أن يخطب واقفاً للحديث المتقدم ولحديث جابر بن سمرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم (كان يخطب قائماً‪ ،‬ثم يجلس‪ ،‬ثم يقوم فيخطب قائماً)(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬الطهارة‪ ،‬وهي سنة ألن الخطبة ليست صالة وال شطرها (لكنها في الثواب كشطر الصالة)‪.‬‬
‫‪ - 4‬ستر العورة للتوارث‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يستقبل القوم بوجهه‪ ،‬لما روي عن عبد بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا)(‪.)2‬‬
‫‪ - 6‬أن يبدأ بحمد اللّه بعد التعوذ سراً‪ ،‬ثم الثناء على اللّه تعالى‪ ،‬والشهادتين‪ ،‬والصالة على النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬ثم العظة والتحذير والتذكير‪ ،‬وقراءة ولو آية من القرآن‪ .‬وذلك لما روي عن‬
‫جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كانت خطبة النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم الجمعة‪ ،‬يحمد‬
‫اللّه ويثني عليه‪ .‬ثم يقول على إثر ذلك‪ ،‬وقد عال صوته واشتد غضبه‪ .‬حتى كأنه منذر جيش‪ ،‬يقول‪S:‬‬
‫صبحكم ومساكم‪ .‬ويقول‪ S:‬بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى‪ .‬ويقول‪S:‬‬
‫أما بعد‪ .‬فإن خير الحديث كتاب اللّه‪ .‬وخير الهُدى ُهدى محمد‪ .‬وشر األمور ُمحدثَاتها‪ .‬وكل بدعة‬
‫فإلي‬
‫ضياعاً ّ‬
‫ضاللة‪ ،‬ثم يقول أنا أولى بكل مؤمن من نفسه‪ .‬من ترك ماالً فألهله‪ .‬ومن ترك َد ْيناً أو َ‬
‫وعلي)(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما في حديث قدوم ضماد وإ سالمه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪( :‬إن الحمد للّه نحمده ونستعينه‪ ،‬من يهده اللّه فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ال إله إال اللّه وحده ال شريك له وأن محمداً عبده ورسوله‪ .‬أما بعد)(‪.)4‬‬
‫وعن صفوان ن َيعلى بن أمية عن أبيه قال‪( :‬سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقرأ على المنبر‬
‫ونادوا يا مالك)(‪ .)5‬ويستحب أن يقرأ قوله تعالى‪{ :‬واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه}(‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجمعة باب ‪.10/35‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.366/509‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجمعة باب ‪.13/45‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجمعة باب ‪.13/46‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.365/508‬‬
‫(‪ )6‬البقرة‪.281 :‬‬

‫( ‪)1/290‬‬

‫‪ - 7‬تسن خطبتان للتوارث‪.‬‬


‫‪ - 8‬الجلوس بين الخطبتين جلسة خفيفة مقدار ثالث آيات‪ ،‬لما روي عن جابر بن سمرة رضي اللّه‬
‫عنه قال‪( :‬كانت للنبي صلى اللّه عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس)(‪.)1‬‬
‫ئ على سيف بيسراه في كل بلدة فتحت عنوة (‪ ،)2‬ويخطب بدونه في كل بلدة فتحت‬ ‫َّ ِ‬
‫‪ - 9‬أن َيتك َ‬
‫صلحاً‪.‬‬
‫والعمين حمزة‬
‫َّ‬ ‫‪ - 10‬إعادة الحمد والثناء في ابتداء الخطبة الثانية‪ .‬ويستحسن ذكر الخلفاء الراشدين‬
‫والعباس رضي اللّه عنهم‪.‬‬
‫‪ - 11‬الدعاء في الخطبة الثانية للمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬بدالً من الوعظ‪ ،‬بالمغفرة ودفع النِقّم والنصر‬
‫على األعداء والمعافاة من األمراض‪.‬‬
‫‪ - 12‬أن ُيسمع القوم الخطبة‪ ،‬ويجهر في الثانية دون األولى‪ .‬وإ ن لم ُيسمع أجزأ‪.‬‬
‫‪ - 13‬يسن تخفيفهما‪ ،‬لما روي عن عمار رضي اللّه عنه قال‪ :‬إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم يقول‪( :‬إن طول صالة الرجل‪ ،‬وقصر خطبته‪َ ،‬مئِّنةً من فقهه‪ .‬فأطيلوا الصالة واقصروا‬
‫الخطبة‪ .‬وإ ن من البيان سحراً)(‪.)3‬‬
‫وتسن اإلقامة بعد الخطبة‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجمعة باب ‪.10/34‬‬


‫(‪ )2‬ليريهم أنها فتحت بالسيف فإذا رجعوا عن اإلسالم فذاك باق بأيدي المسلمين‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجمعة باب ‪.13/4‬‬

‫( ‪)1/291‬‬

‫مكروهات الخطبة‪:‬‬
‫‪ - 1‬التطويل‪ ،‬لما روي عن جابر بن سمرة السُّوائي رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى‬
‫هن كلمات يسيرات)(‪.)1‬‬
‫اللّه عليه وسلم ال يطيل الموعظة يوم الجمعة‪ ،‬إنما ّ‬
‫‪ - 2‬ترك شيء من السنن المذكورة‪.‬‬
‫‪ - 3‬يكره للخطيب التفاته يميناً ويساراً حال الخطبة‪ .‬كما تكره صالته في المحراب قبل الخطبة‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.231/1107‬‬

‫( ‪)1/292‬‬

‫ما يكره لسامع الخطبة‪:‬‬


‫‪ - 1‬األكل والشرب‪ .‬وقيل‪ :‬يحرم‪.‬‬
‫‪ - 2‬يكره لمستمع الخطبة ما يكره للصالة من عبث وكالم‪ ،‬ولو أمر بمعروف أو نهي عن منكر‪،‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من قال يوم الجمعة واإلمام‬
‫يخطب أنصت فقد لغى)(‪ .)1‬كما يكره التسبيح وقراءة القرآن والصالة على النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ - 3‬ويكره لمن تجب عليه الجمعة أن يسافر يوم الجمعة بعد النداء أي األذان األول حتى تنتهي‬
‫الصالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.368/512‬‬

‫( ‪)1/293‬‬

‫إدراك صالة الجمعة‪:‬‬


‫أ ‪ -‬عند اإلمام أبي حنيفة وأبي يوسف‪ :‬إذا أدرك اإلمام بالتشهد أو بسجود السهو أو تشهده أتم جمعة‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬إذا أقيمت‬
‫الصالة فال تأتوها تسعون وأتوها تمشون‪ ،‬عليكم السكينة‪ ،‬فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)(‪ )1‬أي‬
‫اقضوا ما فاتكم من صالة اإلمام في الجمعة‪ .‬وهو القول المرجح‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قول اإلمام محمد‪ :‬إذا أدرك اإلمام قبل رفع رأسه من ركوع الثانية أتم جمعة‪ ،‬وإ ال أتمها ظهراً‬
‫ألنه أدرك أقل من ركعة‪ .‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا وال تعدوا شيئاً‪ ،‬ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصالة)(‬
‫‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجمعة باب ‪.17/866‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.89‬‬

‫( ‪)1/294‬‬

‫ما يجب يوم الجمعة‪:‬‬


‫‪ - 1‬السعي لحضورها‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬إذا نودي للصالة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه وذروا‬
‫البيع}(‪ .)1‬ويسن السعي إليها ماشياً بسكينة ذهاباً وإ ياباً‪ ،‬لما روي عن أوس بن أوس رضي اللّه عنه‬
‫وغسل‪ ،‬وب ّكر وابتكر‪ ،‬ودنا‬
‫قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من اغتسل يوم الجمعة ّ‬
‫واستمع وأنصت‪ ،‬كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها)(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬يجب ترك البيع باألذان األول‪ ،‬وكذا ترك كل شيء يؤدي إلى االشتغال عن السعي إلى الجمعة‬
‫أو يخل به‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجب االستماع وترك الصالة إذا خرج اإلمام من غرفته إلى المنبر‪ .‬وإ ذا أمر اإلمام بالصالة‬
‫شمت‬
‫يرد سالماً وال ُي ِّ‬
‫على النبي صلى اللّه عليه وسلم يصلي سراً‪ ،‬ويحمد في نفسه إذا عطس‪ ،‬وال ّ‬
‫عاطساً الشتغاله بسماع واجب‪ .‬لما روي عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‪( :‬خروج اإلمام يقطع‬
‫الصالة‪ ،‬وكالمه يقطع الكالم)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الجمعة‪.9 :‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.356/496‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.193‬‬

‫( ‪)1/295‬‬

‫فضل يوم الجمعة وما يسن فيه‪:‬‬


‫ورد أن يوم الجمعة أفضل أيام األسبوع‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة‪ ،‬فيه ُخِلق آدم‪ ،‬وفيه أ ُْد ِخل الجنة‪ ،‬وفيه أخرج‬
‫منها‪ ،‬وال تقوم الساعة إال في يوم الجمعة)(‪.)1‬‬
‫ويسن يوم الجمعة الغسل والتطيب‪ ،‬لما روي عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت‪ ،‬ومن اغتسل فالغسل أفضل)(‪.)2‬‬
‫وعن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال يغتسل رجل يوم‬
‫ِ‬
‫يفرق‬
‫يمس من طيب بيته‪ ،‬ثم يخرج فال ّ‬‫هر‪ ،‬ويِ َّدهن من ُد ْهنه أو ّ‬
‫الجمعة‪ ،‬ويتطهر ما استطاع من طُ ٍ‬
‫بين اثنين‪ ،‬ثم يصلي ما كتب له‪ ،‬ثم ينصت إذا تكلم اإلمام‪ ،‬إال غفر له ما بينه وبين الجمعة األخرى)(‬
‫‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.353/488‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.357/497‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجمعة باب ‪.5/843‬‬

‫( ‪)1/296‬‬

‫ما يستحب يوم الجمعة‪:‬‬


‫‪ - 1‬اإلكثار من الصدقة والصالة على النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬لما روي عن أوس بن أوس‬
‫رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة‪ ،‬فيه خلق آدم‬
‫علي من الصالة فإن صالتكم معروضة‬
‫عليه السالم‪ ،‬وفيه قبض‪ ،‬وفيه النفخة‪ ،‬وفيه الصعقة‪ ،‬فأكثروا ّ‬
‫علي‪ ،‬قالوا يا رسول اللّه‪ :‬وكيف تعرض صالتنا عليك وقد أرمت أي يقولون قد بليت‪ .‬قال‪ :‬إن اللّه‬
‫ّ‬
‫عز وجل قد حرم على األرض أن تأكل أجساد األنبياء عليهم السالم)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬اإلكثار من الدعاء‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم ذكر يوم الجمعة فقال‪( :‬فيه ساعة ال يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل اللّه تعالى شيئاً إال‬
‫أعطاه إياه)(‪ .)2‬وأشار بيده يقللّها‪.‬‬
‫‪ - 3‬قراءة سورة الكهف‪ ،‬لحديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)(‪.)3‬‬
‫‪ - 4‬تقيم األظافر‪ ،‬وقد قيل أن من طول أظافره ضاق رزقه‪ .‬ويكره قصُّها للجنب حتى يغتسل‪ ،‬وكذا‬
‫قص الشعر‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪ - 5‬نتف اإلبط‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.91‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجمعة باب ‪.35/893‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.249‬‬

‫( ‪)1/297‬‬

‫صالة العيدين‬
‫الفصل الثاني‪َ :‬‬
‫سمي العيد بذلك ألنه يعود ويتكرر بالفرح والسرور كل عام‪ ،‬وألن اللّه يعود فيه باإلحسان على‬
‫عباده‪.‬‬
‫حكم صالة العيدين‪:‬‬
‫واجبة على من تجب عليه صالة الجمعة‪ ،‬ثبت وجوبها بمواظبة النبي صلى اللّه عليه وسلم عليها من‬
‫غير ترك‪.‬‬
‫دليلها‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬فصل لربك وانحر}(‪ )1‬قيل المراد بالصالة هي صالة العيد األضحى‪ .‬وقوله‬
‫تعالى‪{ :‬قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى}(‪ )2‬أي صالة عيد الفطر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكوثر‪.2 :‬‬
‫(‪ )2‬األعلى‪.15 - 14 :‬‬

‫( ‪)1/298‬‬

‫شروط وجوبها‪:‬‬
‫هي الشروط ذاتها في وجوب الجمعة‪.‬‬
‫شروط صحتها‪:‬‬
‫سنة ألنها بعد الصالة بخالف الجمعة‪.‬‬
‫هي شروط صحة الجمعة إال الخطبة فهي ّ‬
‫ما يسن لمصلي العيد‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يأكل ثالث تمرات أو قطع حلوى قبل الخروج إلى الصالة في عيد الفطر‪ ،‬لحديث أنس‬
‫رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ال يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات)(‪)1‬‬
‫وفي رواية أخرى‪( :‬ويأكلهن وتراً)‪ .‬وأن ال يأكل شيئاً قبل صالة عيد األضحى حتى يعود‪ ،‬فيذبح‬
‫ويأكل من أضحيته‪ ،‬لحديث بريدة رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم ال يخرج يوم‬
‫الفطر حتى يطعم‪ ،‬وال يطعم يوم األضحى حتى يصلي)(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬أن يغتسل‪ ،‬ويستوي في ذلك الذاهب إلى الصالة والقاعد‪ ،‬ألنه يوم الزينة والغسل لليوم فقط‪،‬‬
‫لحديث الفاكه بن سعد‪ ،‬وكانت له صحبة (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر‬
‫ويوم النحر ويوم النحر‪ ،‬وكان الفاكه يأمر أهله بالغسل في هذه األيام)(‪.)3‬‬
‫‪ - 3‬أن يتطيب ويلبس أحسن ثيابه‪ ،‬لما روي عن جابر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم (كان يلبس ُب ْر َده األحمر في العيدين والجمعة)(‪ )4‬وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده‬
‫رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم (كان يلبس ُب ْرداً َحَب َرة في كل عيد)(‪.)5‬‬
‫‪ - 4‬االستياك‪ ،‬لحديث ابن السباق أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في جمعة من الجمع‪( :‬يا‬
‫معشر المسلمين إن هذا يوم جعله اللّه عيداً للمسلمين فاغتسلوا‪ ،‬ومن كان عنده طيب فال يضره أن‬
‫يمس منه‪ ،‬وعليكم بالسواك)(‪.)6‬‬
‫ّ‬

‫( ‪)1/299‬‬

‫‪ - 5‬أن ُيظ ِهر الفرح والبشاشة لمن لقيه‪ ،‬لما روي عن حبيب بن عمر األنصاري قال‪ :‬حدثني أبي‬
‫تقبل اللّه منا ومنك‪ .‬فقال‪ :‬تقبل اللّه منا ومنك"(‪.)7‬‬
‫قال‪" :‬لقيت واثلة يوم عيد فقلت ّ‬
‫‪ - 6‬أن يكثر من الصدقة في ذلك اليوم‪ ،‬وأن يؤدي صدقة الفطر قبل الصالة لمن وجبت عليه‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن يبكر ويسارع إلى الصالة نشيطاً ماشياً بسكون ووقار‪ ،‬وأن يكبر سراً عند اإلمام وعندهما‬
‫يكبر جهراً‪ .‬لحديث علي رضي اللّه عنه قال‪" :‬من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً"(‪.)8‬‬
‫‪ - 8‬أن يذهب من طريق ويرجع من آخر لتشهد عليه المالئكة‪ ،‬لحديث جابر رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫"كان النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬إذا كان يوم عيد‪ ،‬خالف الطريق)(‪.)9‬‬
‫‪ - 9‬أن ال َّ‬
‫يتنفل قبلها مطلقاً وال بعدها في المسجد‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم (خرج يوم أضحى أو فطر‪ .‬فصلى ركعتين‪ .‬لم يصل قبلها وال بعدها)(‪)10‬‬
‫أي في المسجد‪ ،‬وعن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫إذا رجع من المصلى صلى ركعتين)(‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب العيدين باب ‪.4/910‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصالة باب ‪.390/542‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب إقامة الصالة باب ‪.169/1316‬‬
‫(‪ )4‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.280‬‬
‫والحبَِرة‪ :‬الموشى والمخطط‪ .‬وهو برد يماني‪.‬‬
‫والحَب َرة َ‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪َ ،280‬‬
‫(‪ )6‬الموطأ‪ :‬ص ‪.53‬‬
‫(‪ )7‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.206‬‬
‫(‪ )8‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب العيدين باب ‪.382/530‬‬
‫(‪ )9‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب العيدين باب ‪.24/943‬‬
‫(‪ )10‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب العيدين باب ‪.2/13‬‬
‫(‪ )11‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.297‬‬

‫( ‪)1/300‬‬

‫وقت صالة العيد‪:‬‬


‫من ارتفاع الشمس في السماء قدر رمح أو رمحين إلى ما قبل الزوال‪ .‬ولو صالها قبل وقتها كانت‬
‫نفالً محرماً‪ .‬ويستحب تعجيل الصالة في عيد األضحى وتأخيرها قليالً في عيد الفطر‪ ،‬لما روي عن‬
‫أبي الحويرث رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو‬
‫(ع ِج ّل األضحى ِّ‬
‫وأخر الفطر)(‪.)1‬‬ ‫بنجران‪َ :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.282‬‬

‫( ‪)1/301‬‬

‫كيفية صالة العيد‪:‬‬


‫‪ - 1‬أن ينوي اإلمام صالة العيد بقلبه ويقول بلسانه‪ :‬أصلي صالة العيد للّه تعالى‪ .‬وينوي المؤتم‬
‫صالة العيد مع المتابعة أيضاً وإ ن كانت نية الشروع مع اإلمام تكفيه‪ .‬ثم يكبرا للتحريم‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يقرأ اإلمام والمؤتم دعاء الثناء‪.‬‬
‫يكبر اإلمام والمؤتم ثالث تكبيرات بينهما سكتة قصيرة بمقدار قولهما‪" :‬سبحان اللّه والحمد‬
‫‪ - 3‬أن ّ‬
‫للّه وال إله إال اللّه واللّه أكبر"‪ .‬ويرفعا أيديهما عند كل تكبيرة‪ .‬فعن بكر بن سوادة أن عمر بن‬
‫الخطاب رضي اللّه عنه "كان يرفع يديه مع كل تكبير في الجنازة والعيدين"(‪.)1‬‬
‫يتعوذ اإلمام ويسمي سراً ثم يقرأ الفاتحة وسورة‪ ،‬ويندب أن تكون سورة {سبح اسم ربك‬
‫‪ - 4‬أن ّ‬
‫األعلى} لما روي عن النعمان بن بشير رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سبح اسم ربك األعلى} و{هل أتاك حديث الغاشية})(‪.)2‬‬
‫‪ - 5‬ثم يركع اإلمام ويتبعه القوم‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يقوم للركعة الثانية فيبدأ بالبسلة ويقرأ الفاتحة وسورة‪ ،‬ويندب أن تكون سورة‪{ :‬هل أتاك‬
‫حديث الغاشية} للحديث المذكور‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن يكبر اإلمام والقوم ثالث تكبيرات قبل الركوع‪ ،‬ولو زاد اإلمام تابعه المقتدي ما لم يتجاوز‬
‫أكثر ما ورد أي ست عشرة تكبيرة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.293‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجمعة باب ‪.16/62‬‬

‫( ‪)1/302‬‬

‫‪ - 8‬يخطب اإلمام بعد الصالة خطبتين ُيعلِّم المسلمين في األولى أحكام صدقة الفطر أو األضحية‬
‫وتكبيرات التشريق‪ ،‬ويبدأ خطبته بتسع تكبيرات‪ .‬وذلك لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه‬
‫عنه قال‪( :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يخرج يوم الفطر ويوم األضحى إلى المصلى‪ ،‬فأول شيء‬
‫يبدأ به الصالة‪ ،‬ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس‪ ،‬والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم)(‪.)1‬‬
‫وعن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة قال‪" :‬السنة في تكبير يوم األضحى والفطر على المنبر قبل‬
‫الخطبة أن يبتدئ اإلمام قبل الخطبة وهو قائم على المنبر بتسع تكبيرات تترى ال يفصل بينها بكالم‪.‬‬
‫ثم يخطب ثم يجلس جلسة ثم يقوم في الخطبة الثانية فيفتتحها بسبع تكبيرات تترى ال يفصل بينها‬
‫بكالم ثم يخطب"(‪.)2‬‬
‫‪ - 9‬أن يجلس اإلمام جلسة خفيفة بين الخطبتين‪ ،‬ثم يكبر في الخطبة الثانية سبعاً ويكبر المصلون‬
‫سراً‪.‬‬
‫ومن فاتته صالة العيد مع اإلمام فال يقضيها منفرداً‪ ،‬بل يصلي أربع ركعات سنة الضحى وينصرف‪،‬‬
‫لما روي عن عبد بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪" :‬من فاتته العيد فليصل أربعاً"(‪.)3‬‬
‫فتؤخر لليوم الثاني فقط‪ ،‬فعن أبي عمير بن أنس عن‬
‫وال تؤخر صالة العيد عن وقتها إال لعذر‪ّ ،‬‬
‫عمومة له من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"أن ركباً جاؤوا إلى النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم يشهدون أنهم رأوا الهالل باألمس‪ .‬فأمرهم أن يفطروا وإ ذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصالهم"(‪)4‬‬
‫وتؤخر صالة األضحى إلى ثالثة أيام‪.‬‬
‫ويكره الخروج بقصد التَّشبُّه بالواقفين بعرفة ألنه بدعة واختراع في الدين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب العيدين باب ‪.6/913‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.299‬‬
‫(‪ )3‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،205‬رواه الطبراني في الكبير‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصالة باب ‪.255/1157‬‬

‫( ‪)1/303‬‬

‫تكبيرات التشريق‪:‬‬
‫حكم التشريق‪:‬‬
‫واجب على المسلم البالغ لقوله تعالى‪{ :‬واذكروا اللّه في أيام معدودات}(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.203 :‬‬

‫( ‪)1/304‬‬

‫وقته‪:‬‬
‫من بعد صالة الفجر يوم عرفة إلى ما بعد صالة العصر من آخر أيام التشريق عند الصاحبين‬
‫وبقولهما يعمل وعليه الفتوى‪ ،‬لما روي عن جابر رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة يقبل على أصحابه فيقول‪ S:‬على مكانكم ويقول‪ :‬اللّه أكبر‪،‬‬
‫اللّه أكبر‪ ،‬اللّه أكبر‪ ،‬ال إله إال اللّه واللّه أكبر اللّه أكبر‪ .‬وللّه الحمد‪ .‬فيكبر من غداة عرفة إلى صالة‬
‫العصر من آخر أيام التشريق)(‪ .)1‬أما عند اإلمام أبي حنيفة فوقته من بعد صالة فجر عرفة إلى‬
‫عقب عصر اليوم األول من أيام العيد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.50‬‬

‫( ‪)1/305‬‬

‫مقداره‪:‬‬
‫مرة واحدة على األقل بعد كل فرض‪ .‬فال يجب بعد َّ‬
‫النفل والوتر وصالة الجنازة‪.‬‬
‫على من يجب‪:‬‬
‫صر‪ ،‬فور كل فرض أدي بجماعة‬ ‫ِ‬
‫أ ‪ -‬عند اإلمام أبي حنيفة‪ :‬يجب التكبير على اإلمام المقيم بم ْ‬
‫مستحبة‪ ،‬وعلى كل من اقتدى به‪ ،‬ولو كان المقتدي مسافراً‪ ،‬أو رقيقاً‪ ،‬أو امرأة وتخفض المرأة‬
‫صوتها دون الرجال‪ .‬روى البيهقي بسنده عن ابن عمر وأنس بن مالك رضي اللّه عنهم "في تكبيرهم‬
‫يوم عرفة عند الغدو من منى إلى عرفة وكانوا مسافرين"(‪ ،)1‬وروى أيضاً بسنده عن أم عطية‬
‫الحيض يخرجن يوم العيد فيكن خلف الناس يكبرن مع الناس‪ .‬وكانت ميمونة‬
‫رضي اللّه عنها "في ّ‬
‫رضي اللّه عنها تكبر يوم النحر‪ .‬وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز‬
‫ليالي التشريق مع الرجال في المسجد"(‪ .)2‬ويجب على المسبوق التكبير ألنه ٍ‬
‫مقتد حكماً‪ .‬والمحرم‬
‫يكبر ثم يلبي‪.‬‬
‫وال يفتقر التكبير إلى طهارة أو إلى تكبير اإلمام عند اإلمام أبي حنيفة رحمه اللّه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬عند الصاحبين‪ :‬يجب التكبير فور كل صالة فرض سواء صلى منفرداً أو جماعة‪ ،‬مسافراً أو‬
‫مقيماً‪ ،‬ألنه تََبعٌ للفريضة‪ ،‬وبقولهما‪ُ S‬يعمل وعليه الفتوى‪ ،‬ولألمر بذكر اللّه تعالى في األيام المعلومات‬
‫(عشر ذي الحجة) والمعدودات (أيام التشريق)‪ .‬وال بأس في التكبير َعِقب صالة العيدين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.316‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.316‬‬

‫( ‪)1/306‬‬

‫كيفيته‪:‬‬
‫يكبر جماعة‪.‬‬
‫أن ّ‬
‫صيغته‪" :‬اللّه أكبر اللّه أكبر‪ .‬ال إله إال اللّه‪ .‬اللّه أكبر اللّه أكبر‪ .‬وللّه الحمد"‪ .‬لما روي عن جابر‬
‫رضي اللّه عنه في الحديث المتقدم قال‪ :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا صلى الصبح من‬
‫غداة عرفة يقبل على أصحابه فيقول‪( S:‬على مكانكم ويقول‪ :‬اللّه أكبر‪ ،‬اللّه أكبر‪ ،‬اللّه أكبر‪ ،‬ال إله إال‬
‫اللّه واللّه أكبر وللّه الحمد)(‪.)1‬‬
‫ويزيد عليها إن شاء‪" :‬اللّه أكبر كبيرا‪ ،‬والحمد للّه كثيرا‪ ،‬وسبحان اللّه وبحمده ُبكرة وأصيال‪ ،‬ال إله‬
‫إال اللّه وحده‪ ،‬صدق وعده‪ ،‬ونصر عبده‪ ،‬وهزم األحزاب وحده‪ ،‬ال إله إال اللّه‪ ،‬وال نعبد إال إياه‪،‬‬
‫صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى‬ ‫مخلصين له الدين ولو كره الكافرون‪ .‬اللّهم ِّ‬
‫أصحاب سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلِّم تسليماً كثيرا"‪.‬‬
‫ويندب التكبير في األيام المعلومات وهي عشر ذي الحجة‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة وابن عمر‬
‫رضي اللّه عنهم "أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر‪ ،‬يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما"(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.50‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب العيدين باب ‪.11‬‬

‫( ‪)1/307‬‬

‫وصالة الخوف)‪.‬‬
‫المريض َ‬
‫وصالَة َ‬
‫المسافر َ‬
‫الباب التاسع (صالة ُ‬
‫الم َسافر‬
‫صالَة ُ‬
‫الفصل األول‪َ :‬‬
‫أقسام السفر‪:‬‬
‫‪ - 1‬سفر طاعة كالحج والجهاد‪.‬‬
‫‪ - 2‬سفر مباح كالتجارة‪.‬‬
‫‪ - 3‬سفر معصية وإ ثارة للفتن‪.‬‬
‫والقسمان األول والثاني سببان للرخصة باتفاق األئمة‪ ،‬والقسم األخير عندنا سبب للرخصة أيضاً(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬خالفاً لألئمة الثالثة فإنهم قالوا سفر المعصية ال يفيد الرخصة‪.‬‬

‫( ‪)1/308‬‬

‫أحكام المسافر‪:‬‬
‫‪ - 1‬إباحة الفطر في رمضان‪.‬‬
‫مدة المسح على الخفين إلى ثالثة أيام‪.‬‬
‫‪ - 2‬امتداد ّ‬
‫‪ - 3‬سقوط وجوب صالة الجمعة والعيدين‪ ،‬واألضحية‪.‬‬
‫صر الصالة الرباعية‪ ،‬ويجوز للمسافر تأخير الصالة إذا خاف من اللصوص أو قطاع‬
‫‪ - 4‬لزوم قَ ْ‬
‫الطرق‪.‬‬
‫قصر الصالة‪:‬‬
‫ص َر للفجر والمغرب‪ ،‬لما روت عائشة رضي‬
‫القصر هو أن تُصلى الصالة الرباعية ركعتين‪ ،‬وال قَ ْ‬
‫اللّه عنها قالت‪( :‬فرضت الصالة ركعتين ركعتين‪ ،‬في الحضر والسفر‪ ،‬فأقرت صالة السفر‪ ،‬وزيد‬
‫في صالة الحضر)(‪ ،)1‬وزيد في رواية البيهقي‪( :‬إالّ المغرب فإنها وتر النهار‪ ،‬وصالة الفجر لطول‬
‫قراءتها)‪.‬‬
‫أما السنن فيصليها كما يشاء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين باب ‪.1/1‬‬

‫( ‪)1/309‬‬

‫حكمه‪:‬‬
‫القصر واجب في السفر‪ ،‬وذلك لحديث عائشة رضي اللّه عنها المتقدم‪ .‬أما اإلتمام فمكروه تحريماً‬
‫فإذا أتم وقعد القعود األول قدر التشهد صحت صالته مع الكراهة لتأخير الواجب وهو السالم عن‬
‫محله‪ ،‬أما إذا لم يقعد على رأس الركعتين األوليين فال تصح صالته‪.‬‬
‫صر‪:‬‬
‫شروط القَ ْ‬
‫وقدره اإلمام بثالث مراحل (‪ .)1‬وذلك‬
‫‪ - 1‬أن تكون مسيرة السفر ثالثة أيام بلياليهن سيراً معتاداً‪ّ ،‬‬
‫لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ال تسافر المرأة ثالثة‬
‫أيام إالّ مع ذي محرم)(‪ .)2‬وقد قيد السفر هنا بثالثة أيام‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يبدأ السفر‪ ،‬ويكون بمجاوزة مكان إقامته ولو كان أخبية (‪ ،)3‬وأن يجاوز ما اتصل بمكان‬
‫المعد لمصالح البلد كمكان ركض الدواب ودفن الموتى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إقامته وهو‬
‫وال تعتبر البساتين من عمران المدينة ولو كانت متصلة ببنائها‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن ينوي السفر‪ .‬ويشترط لصحة النية‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أي ما يعادل ‪ 120‬كم تقريباً‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬أبواب تقصير الصالة باب ‪.4/1036‬‬
‫(‪ِ )3‬‬
‫الخباء‪ :‬ما يعمل من وبر أو صوف وقد يكون من شعر والجمع أخبية‪.‬‬

‫( ‪)1/310‬‬

‫أ ‪ -‬االستقالل بالحكم فلو كان تابعاً‪ ،‬كالمرأة مع زوجها والجندي مع أميره‪ ،‬فليس له نية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬البلوغ‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬عدم نقصان مدة السفر عن ثالثة أيام‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يقتدي المسافر بمسافر‪ .‬أما لو اقتدى مسافر بمقيم أتم معه‪ ،‬وصح اقتداؤه في الوقت وال‬
‫يصح بعد خروجه؛ إذ لو فاتت الصالة على المسافر ثبتت في الذمة قصراً وال يحق له اإلتمام عد‬
‫خروج الوقت‪ .‬روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه سئل عن "المسافر يدرك ركعتين من صالة‬
‫القوم يعني المقيمين‪ .‬أتجزيه الركعتان؟ أو يصلي بصالتهم؟ قال‪ :‬فضحك وقال‪ :‬يصلي بصالتهم"(‬
‫‪.)1‬‬
‫أما إن اقتدى مقيم بمسافر صح مطلقاً‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه رضي اللّه عنه أن عمر بن الخطاب‬
‫رضي اللّه عنه كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين‪ ،‬ثم يقول‪" :‬يا أهل مكة أتِ ُموا صالتكم فإنا قوم‬
‫َسفر"(‪ .)2‬ويتم المقيمون بعد سالم اإلمام منفردين بال قراءة وال سجود سهو‪ ،‬وال يصح اإلقتداء بهم‪.‬‬
‫وتقضى فائتة السفر ركعتين ولو صالها مقيماً‪ ،‬كما تقضى فائتة الحضر أربعاً ولو صالها في‬
‫السفر‪ ،‬ألن القضاء حسب األداء‪ .‬والعبرة في القصر ألخر الوقت‪ .‬إن كان مقيماً في آخر الوقت‬
‫صالها أربعاً وإ ن كان مسافراً صالها ركعتين‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.157‬‬


‫(‪ )2‬الموطأ‪ :‬ص ‪.105‬‬

‫( ‪)1/311‬‬

‫صر‪:‬‬
‫مدة القَ ْ‬
‫ال يزال المسافر يقصر الصالة‪:‬‬
‫‪ - 1‬حتى يرجع إلى وطنه‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما دام مقيماً لمدة أقل من خمسة عشر يوماً‪ ،‬فإن نوى اإلقامة خمسة عشر يوماً أو أكثر صار له‬
‫ألن علقمة بن‬ ‫حكم المقيم فال يقصر‪ .‬أما إذا لم ِ‬
‫ينو اإلقامة في بلد فيجب أن يقصر مهما طال سفره‪ّ ،‬‬
‫قيس مكث بخوارزم سنتين يقصر الصالة‪ ،‬وأقام أنس بن مالك رضي اللّه عنه بنيسابور سنة و سنتين‬
‫يقصر الصالة أيضاً‪.‬‬
‫عين‬
‫يعين المبيت في إحداهما وكل واحدة أصل في ذاتها‪ .‬أما إن ّ‬
‫وال تصح نية اإلقامة ببلدين لم ّ‬
‫المبيت في واحدة اعتبرت مكان إقامته وصحت نيته‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن رجع إلى وطنه قبل مضي مسيرة ثالثة أيام يتم بمجرد نية الرجوع وإ ن لم يصل وطنه‬
‫َلن ْق ِ‬
‫ضه السفر‪.‬‬
‫مر بوطن‬
‫أما إذا ّ‬
‫مر بوطنه األصلي (‪ )1‬يتم الصالة بمجرد الدخول وإ ن لم ينو اإلقامة‪ّ .‬‬
‫‪ - 4‬إذا ّ‬
‫اإلقامة فال يتم حتى ينوي اإلقامة خمسة عشر يوماً فأكثر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الوطن األصلي‪ :‬هو وطن والدته أو تأهله‪.‬‬

‫( ‪)1/312‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬ص ِ‬


‫الة المريض‬ ‫َ‬
‫أوالً ‪ -‬حالة المريض الذي تعذر عليه القيام أو تعسر‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا تعذر عليه كل القيام أي لم يستطع القيام قطعاً‪ ،‬أو استطاع القيام بصعوبة‪ ،‬لوجود ألم شديد‪،‬‬
‫أو خاف زيادة المرض‪ ،‬أو بطء البرء‪ ،‬بغلبة الظن أو بإخبار طبيب مسلم حاذق صلى قاعداً بركوع‬
‫وسجود‪ .‬لما روى عمران بن الحصين رضي اللّه عنه قال‪ :‬كانت بي بواسير فسألت النبي صلى اللّه‬
‫ِّ‬
‫(صل قائماً‪ ،‬فإن لم تستطع فقاعداً‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب)(‪.)1‬‬ ‫عليه وسلم عن الصالة فقال‪:‬‬
‫‪ - 2‬إذا قدر على القيام قام بقدر إمكانه بال زيادة مشقة ولو بالتحريمة وقراءة آية‪.‬‬
‫‪ - 3‬ومن عجز عن القيام بخروجه للجماعة وقدر عليه في بيته‪ ،‬صلى في بيته منفرداً وبه يفتى‪.‬‬
‫‪ - 4‬أما المعذور الذي يستمسك عذره بالقعود ويسيل بالقيام‪ ،‬أو يستمسك باإليماء ويسيل بالسجود‪،‬‬
‫يترك القيام والسجود ويصلي قاعداً ومومياً‪.‬‬
‫‪ - 5‬وإ ذا افتتح المكلف صالته صحيحاً وعرض له مرض أثنائها يتمها بما قدر عليه‪ ،‬ولو أتمها‬
‫باإليماء على المشهور‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب تقصير الصالة باب ‪.19/1066‬‬

‫( ‪)1/313‬‬

‫ثانياً ‪ -‬حالة من تعذر عليه الركوع والسجود‪:‬‬


‫إذا تعذر عليه الركوع والسجود‪ ،‬سواء تعذر عليه القيام أو كان قادراً عليه‪ ،‬وقدر على القعود ولو‬
‫مستنداً‪ ،‬صلى قاعداً باإليماء للركوع والسجود برأسه ‪ -‬وهو أفضل من إيمائه قائماً لو قدر عليه ‪-‬‬
‫وجعل إيمائه للسجود أخفض من الركوع‪ .‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬عاد رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجالً من أصحابه‪ ،‬وذكر الحديث وفيه‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫(إن استطعت أن تسجد على األرض وإ ال ِ‬
‫فأوم إيماء‪ ،‬واجعل سجودك أخفض من ركوعك)(‪ .)1‬وال‬
‫يجزئه اإليماء مضطجعاً‪.‬‬
‫ولو صلى مومياً ثم استطاع أن يتم الركوع أو السجود ولو قاعداً‪ ،‬ال يبني بل يستأنف لما فيه من بناء‬
‫القوي على الضعيف‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،148‬رواه الطبراني في الكبير‪ .‬واإليماء طأطأة الرأس‪.‬‬

‫( ‪)1/314‬‬

‫ثالثاً ‪ -‬حالة من عجز عن السجود‪:‬‬


‫إذا عجز عن السجود وكان قادراً على الركوع‪ ،‬أو قادراً على القيام والركوع‪ ،‬أومأ باالثنين قاعداً‪،‬‬
‫لما روي عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عاد مريضاً‬
‫فرآه يصلي على وسادة‪ ،‬فرمى بها‪ ،‬فأخذ عوداً يصلي عليه فرمى به‪ ،‬وقال‪ :‬إن استطعت أن تسجد‬
‫إيماء واجعل السجود أخفض من الركوع)(‪ .)1‬فإن لم يخفض أكثر‬
‫ً‬ ‫على األرض فاسجد وإ ال فأومي‬
‫من الركوع بحيث جعل الركوع والسجود سواء لم تصح صالته لفقد السجود حقيقة وحكماً مع‬
‫القدرة‪.‬‬
‫وال يرفع وجهه إلى خشبة أو غيرها للسجود عليها‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من استطاع منكم أن يسجد فليسجد‪ ،‬ومن لم يستطع فال يرفع إلى‬
‫إيماء)(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫جبهته شيئاً يسجد عليه ولكن ركوعه وسجوده يومئ‬
‫ومن كان في أنفه وجبهته عذر يصلي باإليماء‪ ،‬وال يلزمه تقريب الجبهة إلى األرض إلى أقصى ما‬
‫يمكنه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،148‬رواه أبو يعلى والبزار‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،149‬رواه الطبراني في األوسط‪.‬‬

‫( ‪)1/315‬‬

‫رابعاً ‪ -‬حالة من عجز عن القعود أو تعسر عليه‪:‬‬


‫تعسر عليه القعود لوجود ألم‪ ،‬أومأ مستلقياً على قفاه أو‬
‫إذا عجز عن القعود ولو متكئاً أو مستنداً‪ ،‬أو ّ‬
‫على جنبه األيمن وإ ال فعلى األيسر‪ .‬واألفضل االستلقاء على قفاه‪ ،‬ألن التوجه إلى القبلة فيه أكثر‪،‬‬
‫ويجعل تحت رأسه وسادة ليتمكن من اإليماء‪ .‬لما روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬يصلي المريض قائماً إن استطاع‪ ،‬فإن لم يستطع أن يصلي قاعداً‬
‫صلى على جنبه األيمن مستقبل القبلة‪ ،‬فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه األيمن صلى مستلقياً‬
‫ورجاله مما يلي القبلة)(‪.)1‬‬
‫وينبغي للمريض نصب ركبتيه إن قدر حتى ال يمد رجليه إلى القبلة‪ .‬وال تجوز صالته مضطجعاً إن‬
‫كان قادراً على القعود مستنداً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.42‬‬

‫( ‪)1/316‬‬

‫خامساً ‪ -‬حالة من تعذر عليه اإليماء مستلقياً‪:‬‬


‫إذا تعذر عليه اإليماء مستلقياً‪ :‬أخرت عنه الصالة القليلة‪ ،‬وهي خمس صلوات اتفاقاً‪ ،‬فإذا زادت عن‬
‫ذلك فعلى قولين‪ :‬األول‪ :‬يقضيها إن كان يفهم مضمون الخطاب وإ ال تسقط عنه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬تسقط عنه مطلقاً (وهو قول صاحب الهداية) ألن العاجز عن اإليماء برأسه ال يومئ بعينيه‬
‫وال بقلبه وال بحاجبيه‪ ،‬ألن السجود يتعلق بالرأس لقوله النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬يصلي المريض‬
‫قائماً‪ ،‬فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء‪ ،‬فإن لم يستطع فاللّه أحق بقبول‬
‫العذر منه)‪ .‬وقد اختلفوا فيما يقصد بقبول العذر منه‪ ،‬فمنهم من فسره بقبول عذر التأخير فقال بلزوم‬
‫القضاء‪ ،‬ومنهم من فسره بقبول عذر اإلسقاط فقال بعدم القضاء وهم األكثرون‪.‬‬
‫ويلحق اإلغماء الجنون بالمرض‪ ،‬فمن ُج ّن أو أغمي عليه مقدار خمس صلوات ال يقضي ما فاته إن‬
‫خرج وقت السادسة‪ .‬أما النوم فال يسقط به شيء‪ ،‬فمن نام عن صلوات يقضيها اتفاقاً‪.‬‬

‫( ‪)1/317‬‬

‫إسقاط الصالة والصوم‪:‬‬


‫‪ - 1‬إذا مات المريض العاجز عن اإليماء قبل أن يتمكن من قضاء ما فاته سقطت عنه وليس عليه أو‬
‫يوصي بفدية عنها‪ .‬وكذا لو مات من أفطر لسفر أو مرض قبل أن يقيم أو يشفى لعدم إدراكهما عدة‬
‫ُخر‪.‬‬
‫من أيام أ َ‬
‫ومر من الزمن ما‬
‫‪ - 2‬إذا مات من فاتته صلوات بال عذر أو تركها بعذر وكانت أقل من يوم وليلة َّ‬
‫ومر من‬
‫يستطيع القضاء فيه ولم يقض‪ ،‬وكذا من أفطر في رمضان لسفر أو مرض ثم أقام أو شفي َّ‬
‫الزمن ما يمكنه القضاء فيه ولم يفعل‪ ،‬فعليه أن يوصي بفدية عن كل فرض حتى الوتر (ألنه فرض‬
‫ِ‬
‫كالصيام باستحسان‬ ‫عملي) وكذا عن صوم كل يوم أيضاً‪ .‬وقد ورد النص في الصوم‪ .‬والصالة‬
‫المشايخ لكونها أهم‪.‬‬
‫صاع من تمر أو زبيب أو شعير‬
‫ٍ‬ ‫أما ماهية الفدية فهي إطعام مسكين نصف صاع من ُبٍّر أو دقيق‪ ،‬أو‬
‫أو قيمته وهي أفضل‪ .‬ويجوز إعطاء فدية الصالة والصيام لواحد من الفقراء جملة‪ ،‬بخالف كفارة‬
‫اليمين حيث ال يجوز أن ُي ْدفَع للواحد أكثر من نصف صاع في اليوم للنص على العدد فيها‪.‬‬
‫ويخرج الوارث ما أوصى به الميت من ثلث ماله‪ ،‬وال ُيكلَّف بدفع ما زاد عن الثلث‪ ،‬ولو مات ولم‬
‫ِ‬
‫يوص فتبرع وارثه أو أجنبي جاز‪ ،‬وتسقط عنه الفريضة بفضل اللّه وعفوه‪ S‬على قول اإلمام‪.‬‬
‫وال يصح أن يصوم الولي وال غيره عن الميت كما ال يصح أن يصلي أحد عنه لقول ابن عباس‬
‫رضي اللّه عنهما‪" :‬ال يصلي أحد عن أحد وال يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد‬
‫من الحنطة"(‪.)1‬‬
‫أما لو صلى وصام ووهب ثواب صالته وصيامه ألبيه أو غيره فيصح ولكن ال تسقط الفريضة عن‬
‫المتوفى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الجوهر النقي ذيل السنن الكبرى للبيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.257‬‬

‫( ‪)1/318‬‬

‫صالَة الخوف‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬
‫حكمها‪:‬‬
‫ق من سيل‪ ،‬أو َح ْر ٍ‬
‫ق من نار‪.‬‬ ‫عدو‪ ،‬أو خوف غر ٍ‬
‫جائزة بكيفية معينة في حالة حضور ٍّ‬
‫دليلها‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وإ ذا كنت فيهم فأقمت لهم الصالة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم‪ ،‬فإذا سجدوا‬
‫فليكونوا من ورائكم‪ ،‬ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم‪(}...‬‬
‫‪ .)1‬وقوله تعالى‪{ :‬فإن خفتم فرجاالً أو ركباناً}(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النساء‪.102 :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.239 :‬‬

‫( ‪)1/319‬‬
‫كيفيتها‪:‬‬
‫ورد في صالة الخوف روايات كثيرة‪ ،‬وصالها النبي صلى اللّه عليه وسلم أربع مرات بصور‬
‫مختلفة حسب وضع المسلمين وظروفهم‪ ،‬وأوالها وأقربها من ظاهر القرآن الكيفية التالية عندما‬
‫يكون العدو في اتجاه القبلة‪ :‬يجل اإلمام القوم طائفتين‪ ،‬ويقيم واحدة حاملة سالحها مرتقبة للعدو‪،‬‬
‫ويصلي بالطائفة األخرى ركعة من الصالة الثنائية والمقصورة‪ S‬بالسفر‪ ،‬أو ركعتين من الرباعية أو‬
‫المغرب‪ ،‬وتمضي هذه الطائفة إلى جهة العدو مشاة‪ ،‬فإن ركبوا أو مشوا لغير جهة االصطفاف‬
‫بمقابلة العدو بطلت‪ ،‬وذلك إذا رفع اإلمام رأسه من السجدة الثانية في الصالة الثنائية وإ ذا قام من‬
‫التشهد األول في الرباعية‪ ،‬ثم تأتي الطائفة التي كانت في الحراسة فيحرمون مع اإلمام‪ ،‬ويصلي بهم‬
‫ما بقي من الصالة‪ ،‬ويسلم اإلمام وحده لتمام صالته‪ ،‬ويتمون صالتهم في مكانهم بعد فراغ اإلمام‬
‫ويقضون بقراءة ألنهم مسبوقون‪ ،‬أو يذهبون للحراسة‪ .‬وتأتي الطائفة األولى إن أرادوا أو يتمون‬
‫صالتهم في مكانهم بال قراءة ألنهم الحقون فهم خلف اإلمام حكماً ويسلمون ويمضون إلى العدو‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما روي عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال‪( :‬صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم صالة الخوف في بعض أيامه‪ ،‬فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو‪ ،‬فصلى بالذين معه ركعة‬
‫ثم ذهبوا‪ ،‬وجاء اآلخرون فصلى بهم ركعة‪ ،‬ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة‪ .‬قال‪ :‬وقال ابن عمر‪:‬‬
‫ِّ‬
‫فصل راكباً‪ ،‬أو قائماً تومئ إيماءاً)(‪.)1‬‬ ‫فإذا كان خوف أكثر من ذلك‬
‫واألفضل أن تصلي كل طائفة خلف إمام‪ ،‬فتذهب األولى بعد تمام صالتها مع إمامها للحراسة ثم تأتي‬
‫األخرى فتصلي بإمام آخر مثل حالة األمن للتوقي عن المشي ونحوه‪.‬‬
‫وإ ن اشتد الخوف فلم يتمكنوا بالهجوم صلوا ركباناً باإليماء أو واقفين‪ ،‬إلى أي جهة قدروا بشرط أن‬
‫يكونوا مطلوبين ال طالبين لعدمها في حقهم‪ ،‬وال يصح االقتداء الختالف المكان إال أن يكون رديفاً‬
‫إلمامه‪.‬‬
‫وإ ن لم يقدروا على اإليماء جاز لهم تأخير الصالة للعذر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب صالة المسافرين باب ‪.57/306‬‬

‫( ‪)1/320‬‬

‫(الجَنائِز)‪.‬‬
‫الباب العاشر َ‬
‫وج َمعه‪ .‬والجنازة بفتح الجيم وكسرها اسم للميت‬ ‫ِ‬
‫تعريفها‪ :‬الجنائز‪ :‬جمع جنازة‪ ،‬من َجَن َزه‪ ،‬إذا ستره َ‬
‫في النعش‪.‬‬
‫ضر‪:‬‬
‫للم ْحتَ َ‬
‫يسن فعله ُ‬
‫ما ّ‬
‫ويرفع رأسه قليالً ليصير وجهه إلى القبلة‪.‬‬
‫‪ - 1‬أن يضجع على شقه األيمن‪ ،‬ويجوز على ظهره‪ُ ،‬‬
‫لما روي عن أبي قتادة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين قدم المدينة سأل عن البراء‬
‫بن معرور فقالوا‪ :‬توفي وأوصى بثلثه لك يا رسول اللّه‪ ،‬وأوصى أن يوجه إلى القبلة لما احتضر‪.‬‬
‫فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أصاب الفطرة‪ ،‬وقد رددت ثلثه على ولده‪.)1()..‬‬
‫‪ - 2‬أن ُيلَقَّن الشهادة لما روى أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪( :‬لقنوا موتاكم ال إله إال اللّه)(‪ ،)2‬وال يؤمر بها وال ُيلَ ُّح عليها فيها‪.‬‬
‫أما إن كان كافراً فيؤمر بالشهادتين‪ ،‬لما روي عن أنس رضي اللّه عنه قال‪ :‬كان غالم يهودي يخدم‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى اللّه عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له‪:‬‬
‫(أسلم‪ ،‬فنظر إلى أبيه وهو عنده‪ ،‬فقال له‪ :‬أطع أبا القاسم صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬فأسلم فخرج النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم وهو يقول‪ S:‬الحمد للّه الذي أنقذه من النار)(‪.)3‬‬
‫ويجزئ عن التلقين أن يقال عنده صيغة استغفار كنحو قوله‪" :‬أستغفر اللّه الذي ال إله هو" حتى ال‬
‫يشعر باالحتضار‪.‬‬
‫‪ - 3‬يستحب دخول أهله وجيرانه عليه للقيام بحقه وتذكيره وتجريعه وسقيه الماء ألن العطش يغلب‬
‫على المحتضر‪ .‬وليذكروه برحمة اللّه وكرمه‪ ،‬ويحسنوا ظنه باللّه تعالى أنه يرحمه ويعفو عنه‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن ُيتلى عند رأسه سورة "يس"‪ ،‬لما روى الهيثمي عن المشيخة "أنهم حضروا غضيف بن‬
‫الحارث حين اشتد سوقه فقال‪ :‬هل منكم أحد يقرأ يس‪ .‬قال فقرأها صالح بن شريح السلوي فلما بلغ‬
‫أربعين منها قبض‪ .‬قال فكان المشيخة يقولون‪ :‬إذا قرئت عند الموت خفف عنه بها"(‪ .)4‬كما‬
‫يستحسن قراءة سورة الرعد ألنها تهون خروج الروح‪.‬‬
‫‪ - 5‬يفضل‪ S‬إخراج الحائض والجنب من عنده لحضور المالئكة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.384‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.7/976‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.78/1290‬‬
‫(‪ )4‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ 321‬وفيه من لن ُيسم‪.‬‬

‫( ‪)1/321‬‬
‫ما يسن فعله بعد الوفاة‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يقال عنده‪" :‬سالم على المرسلين والحمد للّه رب العالمين‪ ،‬لمثل هذا فليعمل العاملون‪َ ،‬و ْع ٌد‬
‫غير مكذوب"‪.‬‬
‫تعمهما تُربط فوق الرأس‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أن ي ّ ِ‬
‫حياه (‪ )1‬بعصابة عريضة ّ‬ ‫شد ل َ‬ ‫ُ‬
‫يسر عليه أمره‪ ،‬وسهِّل عليه ما‬ ‫‪ - 3‬أن تُغمض عيناه ويقال‪" :‬بسم اللّه وعلى ملة رسول اللّه‪ .‬اللّهم ّ‬
‫َسعده بلقائك‪ ،‬واجعل ما خرج إليه خيراً مما خرج عنه"‪ .‬لما روي عن بكر بن عبد اللّه بن‬ ‫بعده‪ ،‬وأ ِ‬
‫عبد اللّه قال‪" :‬إذا غمضت الميت فقل‪ :‬بسم اللّه وعلى ملة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬وإ ذا‬
‫حملته فقل بسم اللّه ثم سبح ما دمت تحمله"(‪ ،)2‬وعن شداد بن أوس قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫َغ ِمضوا البصر‪ ،‬فإن البصر يتبع الروح‪ .‬وقولوا خيراً‪ ،‬فإن‬
‫عليه وسلم‪( :‬إذا حضرتم موتاكم فأ ْ‬
‫تؤمن على ما قال أهل البيت)(‪.)3‬‬
‫المالئكة ِّ‬
‫شق‬
‫وعن أم سلمة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أبي سلمة وقد ّ‬
‫بصره‪ .‬فأغمضه‪ ..‬ثم قال‪( :‬اللّهم اغفر ألبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في‬
‫ونور له فيه)(‪.)4‬‬
‫الغابرين‪ .‬واغفر لنا له يا رب العالمين‪ .‬وافسح له في قبره‪ّ .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬اللِّ ْحيان‪ :‬تثنية َ‬
‫لحى‪ :‬منبت اللحية‪ ،‬من األسنان وغيره أو العظم الذي عليه األسنان‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.385‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.6/1455‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.4/7‬‬

‫( ‪)1/322‬‬

‫(سجي رسول اللّه صلى‬


‫يسجى بثوب‪ ،‬لما روت عائشة أم المؤمنين رضي اللّه عنها قالت‪ّ :‬‬
‫‪- 4‬أن ّ‬
‫اللّه عليه وسلم حين مات بثوب حبرة)(‪ .)1‬ويحضر عنده طبيب‪.‬‬
‫‪ - 5‬وضع ثَِقل أو حديدة على بطنه لئال ينتفخ‪ ،‬روى البيهقي قال‪" :‬مت مولى ألنس بن مالك عند‬
‫مغيب الشمس‪ ،‬فقال أنس رضي اللّه عنه‪ :‬ضعوا على بطنه حديدة"(‪.)2‬‬
‫‪ - 6‬وضع يديه بجنبيه (‪ )3‬وال يجوز وضعهما على صدره (‪.)4‬‬
‫‪ - 7‬تليين مفاصله وأصابعه ليسهل غسله وإ دراجه في الكفن‪.‬‬
‫‪ - 8‬ال بأس بإعالم الناس بموته لتكثير المصلين عليه‪ .‬لما روي عن أنس رضي اللّه عنه (أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم)(‪ .)5‬وليؤدي أقاربه‬
‫وأصدقاؤه حقه‪ ،‬ال على جهة التفخيم واإلفراط في المدح‪.‬‬
‫ويجب التعجيل (‪ )6‬بتجهيزه إكراماً له‪ ،‬لما روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‪( :‬وعجلوا‬
‫فإنه ال ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله)(‪.)7‬‬
‫أما تالوة القرآن بقرب الميت قبل غسله فاختلف فيها حسب الخالف في نجاسة الميت‪ .‬فمن قال‪ :‬إن‬
‫نجاسته نجاسة خبث كره قراءة القرآن بقربه تنزيهاً للقرآن عن النجاسة‪ ،‬ومن قال بأنها نجاسة حدث‬
‫قال‪ :‬ال مانع من قراءة القرآن عنده‪ .‬وهذا هو المعتمد‪ .‬فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬رأيت‬
‫يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل)(‪ .)8‬وروى‬
‫رسول صلى اللّه عليه وسلم ّ‬
‫البخاري تعليقاً (‪ )9‬عن ابن عباس رضي اللّه عنهما‪" :‬المسلم ال ينجس حياً وال ميتاً"(‪ ،)10‬وروي‬
‫عنه أيضاً قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال تنجسوا موتاكم‪ ،‬فإن المسلم ليس بنجس حياً‬
‫وال ميتاً)(‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.14/48‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.385‬‬
‫(‪ )3‬إشارة لتسليمه لربه عز وجل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ألنه صنيع أهل الكتاب‪.‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب المغازي باب ‪.42/4014‬‬
‫(‪ )6‬ومن األمور التي ال تؤخر‪ :‬تزويج كفء‪ ،‬وتعجيل جنازة‪ ،‬وقضاء دين‪ ،‬والتوبة‪.‬‬
‫(‪ )7‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.38/3159‬‬
‫(‪ )8‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.40/3163‬‬
‫(‪ )9‬الحديث المعلق‪ :‬هو ما حذف من أول إسناده واحد فأكثر على التوالي‪ ،‬ويعزى الحديث إلى من‬
‫فوق المحذوف من رواته‪.‬‬
‫(‪ )10‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.8‬‬
‫(‪ )11‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.70‬‬

‫( ‪)1/323‬‬

‫حق الميت على المكلفين‪:‬‬


‫‪ - 1‬مسلم غير شهيد‪:‬‬
‫يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن‪.‬‬
‫‪ - 2‬مسلم شهيد‪:‬‬
‫تعريف الشهيد شرعاً‪ :‬هو من قتله أهل الحرب مباشرة أو تسبباً بأي سبب كان‪ ،‬أو من قتله أهل‬
‫البغي أو قطاع الطرق أو اللصوص في منزله‪ ،‬أو ُو ِجد في المعركة مع الكفار وبه أثر ُجرح أو كسر‬
‫أو حرق أو خروج دم من أُ ُذن أو عين‪ ،‬ال من الفم واألنف (ألن الدم يخرج من هذه المخارج من غير‬
‫َّ‬
‫بمحدد (‪ )1‬ال بمثقل (‪ ،)2‬وشمل من قتله أبوه أو سيده‪.‬‬ ‫ضرب)‪ ،‬أو قتله مسلم ظلماً عمداً ال خطأ‬
‫وسمي شهيداً ألنه مشهود له بالجنة‪.‬‬
‫__________‬
‫َّ‬
‫المحدد‪ :‬ما كان حاداً كالسيف أو السكين أو ما يشبههما‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المثََّقل‪ :‬ما كان ذا وزن ثقيل كالحديدة أو الحجر‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬‬

‫( ‪)1/324‬‬

‫أحكام الشهيد‪:‬‬
‫‪ - 1‬يكفّن بدمه لما روي عن كعب رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يوم أحد‪:‬‬
‫وهم في دمائهم‪ ،‬فإنه ليس جريح يجرح إال وجاء جرحه يوم القيامة ُيدمى‬
‫(‪ ..‬أنا شهيد على هؤالء‪ ،‬لُفّ ُ‬
‫لونه لون الدم وريحه ريح المسك)(‪.)1‬‬

‫‪ - 2‬ال يغسل إال إن علم كونه جنباً فقال اإلمام بوجوب غسله استدالالً بتغسيل المالئكة لحنظلة‬
‫رضي اللّه عنه حين استشهد يوم أحد‪ ،‬فعن عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬إن صاحبكم تغسله المالئكة ‪ -‬يعني حنظلة ‪ -‬فاسألوا أهله ما شأنه؟ فسئلت صاحبته‬
‫فقالت‪ :‬خرج وهو جنب حين سمع الهائعة‪ .‬فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لذلك غسلته‬
‫المالئكة)(‪.)2‬‬
‫وعند الصاحبين ال يغسل الشهيد ولو علم كونه جنباً‪ .‬وعلى هذا الخالف غسل الحائض أو النفساء إن‬
‫ماتت شهيدة‪.‬‬
‫ويغسل الشهيد إن كان صبياً أو مجنوناً‪ ،‬كما يغسل إن كان رثيثاً وعاش مقدار وقت صالة في خيمة‬
‫أو مستشفى‪ ،‬أو أكل أو شرب قبل أن يموت‪ ،‬أو أوصى بشيء من أمور الدنيا‪ .‬أما لو أوصى بشيء‬
‫من أمور اآلخرة فال يغسل كما فعل سعد بن الربيع رضي اللّه عنه حين أوصى األنصار فقال‪" :‬ال‬
‫عذر لكم عند اللّه أن يخلص إلى رسول اللّه وفيكم شعر يطرف"(‪ .)3‬وفاضت نفسه رحمه اللّه‪ ،‬وذلك‬
‫في غزوة أحد ولم ُي ْغسَّل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )3‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.201‬‬

‫( ‪)1/325‬‬

‫‪ - 3‬يصلى على الشهيد مطلقاً‪ ،‬لما روي عن ابن مسعود رضي اللّه عنه في حديث طويل ذكر فيه‪:‬‬
‫(فوضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حمزة فصلى عليه‪ .‬وجيء برجل من األنصار فوضع إلى‬
‫جنبه فصلى عليه فرفع األنصاري وترك حمزة‪ ،‬ثم جيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى عليه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫يومئذ سبعين صالة)(‪.)1‬‬ ‫ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه‬
‫وعن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما في حديث له (عن غزوة أحد) قال‪( :‬ثم جيء بحمزة فصلى‬
‫عليه ثم يجاء بالشهداء فتوضع إلى جانب حمزة فيصلى عليهم‪ ،‬ثم ترفع ويترك حمزة حتى صلى‬
‫على الشهداء كلهم)(‪.)2‬‬

‫‪ُ - 4‬ي ْن َزع عن الشهيد ما ليس صالحاً للكفن كالفَرو والحشو والسالح ِّ‬
‫والدرع‪ ،‬لما روي عن ابن‬
‫عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد‬
‫السَّنة‪.‬‬
‫والجلود‪ ،‬وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم)(‪ .)3‬ويزاد إن نقص ما عليه عن كفن ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.463‬‬
‫(‪ )2‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.119‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪14‬‬

‫( ‪)1/326‬‬

‫أما شهداء اآلخرة فيغسَّلون ويكفَّنون ُ‬


‫ويصلى عليهم‪.‬‬
‫وهم كما َّ‬
‫عدهم السيوطي ‪ :-‬من مات مبطوناً (‪ ،)1‬أو بالغرق‪ ،‬أو بالهدم‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬الشهداء خمسة‪ :‬المطعون‪ ،‬والمبطون‪،‬‬
‫والغرق‪ ،‬وصاحب الهدم‪ ،‬والشهيد في سبيل اللّه َّ‬
‫عز وج ّل)(‪ .)2‬أو مات بذات الجنب لما روي عن‬
‫عقبة بن عامر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬الميت بذات الجنب شهيد)(‬
‫‪ .)3‬أو الحمل لما روي عن حسناء بنت معاوية قالت‪ :‬حدثنا عمي قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه‬
‫الجنة‪ ،‬والمولودة والوليدة)(‪ .)4‬أو بالسل‪ ،‬أو الصرع‪ .‬وكذا من‬
‫الجنة‪ ،‬والشهيد في ّ‬
‫وسلم‪( :‬النبي في ّ‬
‫مات دون أهله أو ماله أو دمه أو مظلمة فهو شهيد‪ ،‬لما روي عن سعيد بن زيد رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من قتل دون أهله فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون دينه فهو شهيد‪،‬‬
‫ومن قتل دون دمه فهو شهيد)(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬استسقاء أو إسهال‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب اإلمارة باب ‪.51/164‬‬
‫(‪ )3‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.157‬‬
‫(‪ )4‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.409‬‬
‫(‪ )5‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.190‬‬

‫( ‪)1/327‬‬

‫وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من قتل دون مظلمة فهو شهيد)(‬
‫‪.)1‬‬

‫أو مات َشَرقاً‪ ،‬أو بافتراس السبع‪ ،‬أو َحَب َسه سلطان ظلماً‪ ،‬أو لدغته هامة‪ ،‬أو مات على طلب العلم‬
‫الشرعي‪ ،‬أو مؤذناً محتسباً‪ ،‬أو تاجراً صدوقاً‪ .‬لما روي عن أبي مالك األشعري رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪ ...( S:‬أو وقصته فرسه أو بعيره‪ ،‬أو لدغته هامة‪ ،‬أو‬
‫مات على فراشه‪ ،‬أو بأي حتف شاء اللّه‪ ،‬فإنه شهيد‪ ،‬وإ ن له الجنة)(‪.)2‬‬
‫ومن مات بالعشق مع العفاف والكتمان فهو شهيد‪.‬‬
‫ومن سعى على امرأته وولده وما ملكت يمينه‪ ،‬يقيم فيهم أمر اللّه تعالى‪ ،‬ويطعمهم من حالل كان حقاً‬
‫على اللّه تعالى أن يجعله مع الشهداء في درجاتهم يوم القيامة‪.‬‬
‫والمتمسك بسنة النبي صلى اللّه عليه وسلم عند فساد أمته له أجر شهيد‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر‬
‫شهيد)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.305‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجهاد باب ‪.15/2499‬‬
‫(‪ )3‬الفتح الكبير‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.253‬‬
‫( ‪)1/328‬‬

‫‪ - 3‬حق المولود المسلم على المسلمين إن مات‪:‬‬


‫َّ‬
‫ويدفن ويرث ويورث‪ ،‬إن ولد حياً ثم مات‪ ،‬وكانت ظهرت‬
‫ويصلى عليه ُ‬‫ويغسَّل‪ُ ،‬يكفَّن‪ُ ،‬‬
‫سمى‪ُ ،‬‬
‫أ ‪ُ -‬ي َّ‬
‫عليه عالمة الحياة بحركة‪ ،‬أو صوت‪ ،‬أو خرج رأسه وصدره‪ ،‬أو خرجت رجاله وسرته وعليها‬
‫عالمة حياة‪ .‬ويقبل في ذلك خبر الواحد ولو امرأة كالقابلة‪ .‬لما روي عن البراء بن عازب رضي اللّه‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أحق ما صليتم عليه أطفالكم)(‪ .)1‬وعنه أيضاً قال‪:‬‬
‫(صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ابنه إبراهيم‪ .‬ومات وهو ابن ستة عشر شهراً)(‪.)2‬‬
‫ويخرج الولد‪.‬‬ ‫شق ُ‬
‫وإ ن ماتت األم واضطرب الولد في بطنها ُي ّ‬
‫ويصلى عليه‪ ،‬إن ُوِلد ميتاً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ويدفن‪ُ ،‬‬
‫سمى‪ ،‬ويدرج في خرقة ُ‬‫ب ‪ُ -‬ي َّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.9‬‬

‫( ‪)1/329‬‬

‫‪ - 4‬حق الصبي إن ُسبِي من دار الحرب ثم مات‪:‬‬


‫ويدفن‪ ،‬فإن علم إسالم أحد أبويه ألحق به فيحكم بإسالمه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أ ‪ -‬إن سبي مع أحد أبويه ُيدرج في خرقة ُ‬
‫صح منه فيغسل ويصلَّى عليه‪.‬‬
‫وإ ن أسلم هو قبل أن يموت ّ‬
‫ب ‪ -‬إن سبي وحده فهو مسلم تبعاً للدار أو للسابي‪ ،‬فإنه يغسل ويصلى عليه‪.‬‬
‫‪ - 5‬حق الكافر على القريب المسلم‪:‬‬
‫ولي كافر حاضر ُيغسله المسلم بدون مراعاة السنن‪ ،‬ويكفن في خرقة‪ ،‬ثم ُيلقى في حفرة‬
‫إن لم يكن له ّ‬
‫لحق القرابة‪ ،‬أو يدفعه ألهل ملّته‪ .‬ويتبع جنازته من بعيد‪ .‬وال يم ّكن الكافر‬
‫من غير وضع كالجيفة‪ّ ،‬‬
‫من قريبه المسلم ألنه فرض على المسلمين كفاية وال يدخل قبره ألن الكفر تنزل عليه اللعنة والمسلم‬
‫محتاج إلى الرحمة خصوصاً في هذه الساعة‪.‬‬
‫‪ - 6‬المرتد‪:‬‬
‫ال َّ‬
‫يمكن أحد من تغسيله ألنه ال ملة له‪ُ ،‬فيلقى في حفرة كالجيفة‪.‬‬
‫‪ - 7‬البغاة وقطّاع الطرق‪:‬‬
‫يغسلون‪ ،‬وال ُيصلّى عليهم وإ ن كانوا مسلمين‪ ،‬ألن الصالة شفاعة ال يستحقونها‪ S.‬أما إذا قُتِلوا بعد‬
‫ويصلّى عليهم‪.‬‬
‫ثبوت يد الحاكم عليهم‪ ،‬فإنهم يغسلون ُ‬
‫‪ - 8‬القاتل غيلة‪:‬‬
‫صر‪ ،‬وال على المقتول عصبية إهانة لهم وزجراً لغيرهم‪ .‬كما‬ ‫ِ‬
‫ال يصلى عليه‪ ،‬وال على ُمكابر في الم ْ‬
‫ال يصلى على قاتل أحد أبويه عمداً إهانة له‪.‬‬
‫‪ - 9‬المنتحر‪:‬‬
‫ُيغسل ويصلَّى عليه على المعتمد‪ ،‬ولو لم يكن قَ ْتلُه لنفسه ناجماً عن شدة وجع‪ ،‬وذلك ألنه مؤمن‬
‫مذنب‪ .‬وهو أعظم وزراً من قاتل غيره‪ ،‬وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه قال‪" :‬لم يكونوا يحجبون‬
‫الصالة عن أحد من أهل القبلة‪ .‬والذي قتل نفسه يصلى عليه"(‪ .)1‬وصح الحسن أنه قال‪" :‬يصلى‬
‫على من قال ال إله إال اللّه‪ ،‬وصلى على القبلة‪ ،‬إنما هي شفاعة"(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المحلى البن حزم‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.252‬‬
‫(‪ )2‬المحلى البن حزم‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.252‬‬

‫( ‪)1/330‬‬

‫نفقة تجهيز الميت‪:‬‬


‫يجب أن تكون نفقة التغسيل والتكفين والدفن من مال الميت‪ ،‬فإن لم يكن له مال فمؤنة تجهيزه على‬
‫من تلزمه نفقته من أقاربه؛ وإ ذا تعدد من وجبت عليه النفقة فنفقة تجهيزه على قدر ميراثهم‪ .‬فإن لم‬
‫يوجد من تجب عليه نفقته‪ ،‬أي من يرثه‪ ،‬فتجب على بيت مال المسلمين‪ .‬وتجب نفقة المرأة على‬
‫زوجها إن كانت معسرة ال مال لها‪.‬‬
‫وورد في فضل تجهيز الميت أحاديث‪ ،‬منها ما روي عن أبي رافع عن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫أنه قال‪( :‬من غسل مسلماً فكتم عليه غفر اللّه له أربعين مرة‪ ،‬ومن حفر له فأجنه (‪ )1‬أجري عليه‬
‫كأجر مسكين أسكنه إياه إلى يوم القيامة‪ ،‬ومن كفنه كساه اللّه يوم القيامة من سندس وإ ستبرق الجنة)(‬
‫‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أجنه‪ :‬ستره‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.395‬‬

‫( ‪)1/331‬‬
‫أوالً ‪ -‬تغسيل الميت‪:‬‬
‫‪ - 1‬يوضع الميت بعد التأكد من موته على سرير َّ‬
‫مبخر إلخفاء رائحته الكريهة‪ ،‬ووجهه ورجاله‬
‫إلى القبلة كالمريض‪ ،‬وقيل يوضع كما يوضع في القبر‪.‬‬
‫‪ - 2‬تستر عورته ثم يجرد من ثيابه‪ ،‬لما روي عن علي رضي اللّه عنه‪ :‬قال‪ :‬قال لي رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال تنظر إلى فخذ حي وال ميت)(‪ .)1‬وعن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل "أن‬
‫علياً رضي اللّه عنه غسل النبي صلى اللّه عليه وسلم وعلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قميص وبيد‬
‫علي رضي اللّه عنه ِخرقة يتبع بها تحت القميص"(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬تغسل عورته بخرقة ملفوفة على يد الغاسل وتدخل من تحت الساتر‪ .‬وينوي الغاسل إسقاط‬
‫الفرض عن المسلمين‪.‬‬
‫وضأ وضوءاً عادياً بدون مضمضة واستنشاق بل يمسح فمه وأنفه بخرقة‪ ،‬إال أن يكون ُجُنباً أو‬
‫‪ُ - 4‬ي ّ‬
‫فيكلف غسل فمه وأنفه‪.‬‬
‫حائضاً ُ‬
‫صب عليه ماء ساخن ممزوج ِ‬
‫بسدر‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي صلى‬ ‫‪ُ - 5‬ي ّ‬
‫اللّه عليه وسلم قال في الذي وقصته ناقته‪( :‬اغسلوه بماء وسدر)(‪.)3‬‬
‫وي َّد َهن بالطيب‪.‬‬
‫‪ُ - 6‬ي ْغ َسل شعره ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.388‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.388‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.14/93‬‬

‫( ‪)1/332‬‬

‫في ْغ َسل ِشقُّه األيمن ابتداء ألن البداءة بالميامن سنة‪ ،‬ثم يضطجع على يمينه‬
‫‪ُ - 7‬يضجع على يساره ُ‬
‫فيغسل شقه األيسر حتى يصل الماء إلى سائر جسده‪ .‬لما روي عن أم عطية رضي اللّه عنها أن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لهن في غسل ابنته‪( :‬ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)(‪.)1‬‬
‫ويمسح بطنه مسحاً رفيقاً لتخرج فضالته‪ ،‬لما روي عن النبي‬
‫‪ُ - 8‬يجلس الميت مستنداً إلى الغاسل ُ‬
‫صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‪( :‬من غسل ميتاً فليبدأ بعصره)(‪ .)2‬وما يخرج منه يغسل فقط للنظافة‬
‫وال يعاد غسله وال وضوءه ألنه ليس بناقض في حقه‪.‬‬
‫قص األظافر‪.‬‬
‫وي َلبس القميص‪ .‬وال تُ ّ‬
‫صب عليه الماء صباً‪ .‬ثم ين ّشف ُ‬
‫ومن تعذر غسله ُي ّ‬
‫ويندب للغاسل الغسل من تغسيل الميت‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫غسل ميتاً فليغتسل)(‪.)3‬‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من ّ‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.12/43‬‬


‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.388‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.8/1463‬‬

‫( ‪)1/333‬‬

‫أولى الناس بغسل الميت‪:‬‬


‫ُيغسِّل الميت أقرب أهله‪ ،‬وإ ال فأهل األمانة والورع لما روي عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما‬
‫قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ليغسل موتاكم المأمونون)(‪ .)1‬ويكره أن يكون الغاسل‬
‫جنباً أو حائضاً‪.‬‬
‫يمموها‪ ،‬وال يغسلها زوجها ألنها َح ُرمت عليه بعد‬
‫ويغسل المرأة امرأة‪ ،‬فلو ماتت مع محارمها ّ‬
‫الموت‪ .‬أما الرجل فتغسله زوجته إن اضطرت لكونها في ِ‬
‫الع ّدة ولو كانت رجعية‪ ،‬أما إذا بانت منه‬
‫يممنه بخرقة‪.‬‬
‫قبل الوفاة فال يجوز‪ .‬ولو مات رجل بين نساء َّ‬
‫أما الصغار إلى ما قبل االشتهاء فيجوز للمرأة والرجل تغسيلهم ألنه ليس ألعضائهم حكم العورة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.8/1461‬‬

‫( ‪)1/334‬‬

‫ثانياً ‪ -‬تغسيل الميت‪:‬‬


‫حكم التكفين‪ :‬فرض كفاية بالنظر لعامة المسلمين‪.‬‬
‫ما يكفن به الميت‪:‬‬
‫الكفن على ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ - 1‬الكفن الكامل المسنون‪ :‬قميص من العنق إلى القدمين‪ ،‬وإ زار من القرن (‪ )1‬إلى القدم‪ ،‬ولفافة‬
‫يكون طولها من الرأس إلى القدم مع زيادة للربط من جنس الكفن؛ ويكون مما يلبسه الرجل يوم‬
‫الجمعة والعيدين‪ .‬وذلك لما روي عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه‬
‫فليحسن كفنه)(‪.)2‬‬
‫ّ‬ ‫عليه وسلم‪( :‬إذا كفن أحدكم أخاه‬
‫وال ُيغالي في تحسين الكفن‪ ،‬لما روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬ال تَ َغالوا في الكفن‪ ،‬فإنه ُيسلب سريعاً)(‪ .)3‬ولو أوصى بالغالي ُيكفن‬
‫بالوسط‪.‬‬
‫وقد ُكفن صلى اللّه عليه وسلم في ثالثة أثواب بيض َس ُحولية‪ ،‬فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪:‬‬
‫ف ليس فيها قميص وال عمامة)(‪.)4‬‬ ‫(كفن رسول اللّه في ثالثة أثواب بيض سحولية من ُكرس ٍ‬
‫ْ ُ‬ ‫َُ‬
‫أما المرأة فزاد لها خمار يغطي وجهها ورأسها‪ ،‬وخرقة عرضها ما بين الثدي إلى السرة لربط‬
‫ثدييها‪ .‬فيكون كفن المرأة‪ :‬درعاً وإ زاراً وخماراً وخرقة ولفافة‪ .‬فعن ليلى بيت قائف الثقفية رضي‬
‫اللّه عنها قالت‪( :‬كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند وفاتها‪ .‬فكان‬
‫الدرع‪ ،‬ثم ِ‬
‫الخمار‪ ،‬ثم الملحفة‪ ،‬ثم أدرجت‬ ‫الحقاء‪ ،‬ثم ِ‬
‫أول ما أعطانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ِ‬
‫بعد في الثوب‪ .‬قالت‪ :‬ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس عند الباب معه كفنها يناولناها ثوباً‬
‫ثوباً)(‪.)5‬‬

‫__________‬

‫حد‬
‫ص بعضهم به ذؤابة المرأة وضفيرتها‪ S‬والجمع قرون‪ .‬وقَرن الرجل‪ّ :‬‬
‫وخ ّ‬
‫(‪ )1‬القَرن‪ :‬الذؤابة‪َ ،‬‬
‫رأسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.15/49‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ .403‬ومعنى ال تغالوا في الكفن‪ :‬أي تتغالوا فيه بأن تكون قيمته رفيعة‪،‬‬
‫أو باإلكثار من أنواع الثياب‪ ،‬أو بكثرة اللفائف‪ ،‬فإنه يسرع إليها البِلَى والفساد فيكون إضاعة ٍ‬
‫مال‬
‫وهي حرام‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪ ،13/45‬وسحولية‪ :‬منسوبة إلى سحول مدينة باليمن تحمل‬
‫منها هذه الثياب‪.‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.36/3157‬‬

‫( ‪)1/335‬‬

‫‪ - 2‬كفن الكفاية‪ :‬عند قلة المال وكثرة الورثة‪ .‬وهو إزار ولفافة للرجل‪ ،‬ويزاد خمار للمرأة‪.‬‬
‫وتكره العمامة على األصح‪ ،‬ألنها لم تكن في كفن النبي صلى اللّه عليه وسلم كما في حديث عائشة‬
‫رضي اللّه عنها المتقدم‪.‬‬
‫الع َذَبة (‪)1‬‬
‫واستحسنها بعضهم‪ ،‬لما روي أن ابن عمر رضي اللّه عنهما كان يعمم الميت ويجعل َ‬
‫على وجهه‪.‬‬
‫ويفضل في الكفن القطن والبياض‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم‪ِ ،‬‬
‫وكفّنوا فيها موتاكم)(‪.)2‬‬ ‫َُ‬
‫والجديد والمغسول سواء في الكفن‪.‬‬
‫‪ - 3‬كفن الضرورة للرجل والمرأة‪ُ :‬يكتفى فيه بكل ما يوجد‪ .‬لما روي أن حمزة رضي اللّه عنه‬
‫كفن في ثوب واحد‪ ،‬ومصعب بن عمير رضي اللّه عنه لم يوجد ما يكفن فيه إال َن ِمرة‪ ،‬فعن خباب بن‬
‫األرت رضي اللّه عنه في حديثه عن مصعب رضي اللّه عنه قال‪( :‬فلم يوجد له شيء يكفن فيه إال‬
‫نمرة‪ ،‬فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجاله‪ ،‬وإ ذا وضعناها على رجليه خرج رأسه‪ .‬فقال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه اإلذخر)(‪ .)3‬وهذا‬
‫دليل على أن ستر العورة وحدها ال يكفي (‪.)4‬‬
‫لف وال يكفن وال يكفن كالعضو من‬
‫والس ْقط ُي ّ‬
‫وأما الصغير فيكفن بثوب واحد‪ ،‬والصغيرة بثوبين‪َّ .‬‬
‫الميت‪.‬‬
‫__________‬

‫الع َذَبة‪ :‬عذبة كل شيء‪ :‬طرفه‪.‬‬


‫(‪َ )1‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب الطب باب ‪.14/3878‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.13/44‬‬
‫(‪ )4‬خالفاً للشافعي رضي اللّه عنه‪.‬‬

‫( ‪)1/336‬‬

‫كيفية التكفين‪:‬‬
‫الحُنوط (‪ )1‬والكافور (‪ ،)2‬ثم اإلزار كذلك‪ ،‬ثم يوضع الميت‬
‫أ ‪ -‬للرجل‪ :‬تبسط اللفافة ويذر عليها َ‬
‫مقمصاً‪ ،‬ثم ُيعطف عليه اإلزار من جهة اليسار ثم من جهة اليمين ليكون أعلى‪ ،‬ثم يفعل كذلك في‬
‫اللفافة‪ .‬ويعقد الكفن إن خيف انتشاره صيانة للميت عن الكشف‪ .‬وال بأس أن تحشى مخارق الجسم‬
‫بالقطن‪.‬‬
‫ب ‪ -‬للمرأة‪ :‬يجعل شعرها ضفيرتين توضعان على صدرها‪ ،‬ثم يوضع الخمار على رأسها ووجهها‬
‫فوق القميص‪ ،‬ثم تربط الخرقة فوق اللفافة لئال تنتشر األكفان وتعطف من اليسار ثم من اليمين‪.‬‬
‫ويسن تبخير الكفن قبل إدراج الميت فيه سواء للرجل أو للمرأة‪.‬‬
‫الم ْح ِرمين‪.‬‬ ‫الم ِ‬
‫حرم ووجهَ المحرمة عند التكفين كغير ُ‬ ‫ويغطى رأس ُ‬
‫ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحنوط‪ :‬عطر مركب من أشياء طيبة ويدخل فيه المسك‪.‬‬
‫(‪ )2‬الكافور‪ :‬نبت طيب الريح‪.‬‬

‫( ‪)1/337‬‬

‫ثالثاً ‪ -‬صالة الجنازة‪:‬‬


‫حكمها‪:‬‬
‫فرض كفاية على المسلمين‪ ،‬إذا فعلها البعض سقطت عن اآلخرين‪ ،‬وذلك لما روي عن أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬صلوا على صاحبكم)(‪ .)1‬ولو كانت‬
‫فرض عين ما ترك صلى اللّه عليه وسلم الصالة عليه‪ .‬فإن لم يحضرها سوى شخص واحد صارت‬
‫فرض عين عليه‪ .‬ويكفر جاحدها (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصدقات باب ‪.13/2415‬‬
‫(‪ )2‬قيل هي من خصائص هذه األمة كالوصية بالثلث‪ .‬وروي‪( :‬إن اللّه تصدق عليكم بثلث أموالكم‬
‫في آخر أعماركم)‪.‬‬

‫( ‪)1/338‬‬

‫دليلها‪:‬‬
‫ثبتت مشروعيتها بالقرآن والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫ِّ‬
‫{وصل عليهم}(‪.)1‬‬ ‫من القرآن‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ومن السنة‪ :‬ما روى أبو هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬صلوا‬
‫خلف كل َبٍّر وفاجر‪ ،‬وصلوا على كل َب ِّر وفاجر)(‪.)2‬‬
‫وروى أبي بن كعب رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إن المالئكة غسلت آدم‪،‬‬
‫وكبرت عليه أربعاً‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذه سنتكم يا بني آدم)(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫وقد روي في فضل الصالة على الميت عدة أحاديث‪ ،‬منها‪ :‬ما روي عن ثوبان مولى رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من صلى على جنازة فله قيراط‪،‬‬
‫فإن شهد َد ْفنها فله قيراطان‪ .‬القيراط مثل أحد)(‪.)4‬‬
‫وعن عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ما من ميت يصلي عليه أمة من‬
‫المسلمين يبلغون مائة‪ ،‬كلهم يشفعون له‪ ،‬إال ُشفِّ ُعوا فيه)(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.104 :‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.19‬‬
‫(‪ )3‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪ ،35‬رواه الطبراني في األوسط‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.17/57‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.18/58‬‬

‫( ‪)1/339‬‬

‫أركانها‪:‬‬
‫‪ - 1‬القيام للقادر عليه‪ ،‬فال تصح قاعداً أو راكباً من غير عذر‪.‬‬
‫‪ - 2‬أربع تكبيرات‪ :‬تقوم كل واحد مقام ركعة‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه (أن رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه‪ ،‬فخرج بهم إلى المصلى وكبر‬
‫أربع تكبيرات)(‪ .)1‬وتقوم التكبيرة األولى مقام ركعة االفتتاح لذا فإن فيها معنى الشرط‪ .‬ويرفع يديه‬
‫بالتكبيرة األولى فقط ألن فيها معنى االفتتاح‪ .‬ولو كبر اإلمام خامسة ال يتابعه المصلون بل ينتظرونه‬
‫للتسليم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.22/62‬‬

‫( ‪)1/340‬‬

‫شروطها‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون الميت مسلماً‪ ،‬ألن الصالة عليه شفاعة وليس للكافر شفاعة‪ .‬لقوله تعالى‪{ :‬وال تصل‬
‫على أحد منهم مات أبداً وال تقم على قبره}(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬أن يغسل ويكفن قبل الصالة‪ ،‬فإن صلوا عليه قبل التغسيل أعيدت بعده؛ إذ تشترط الطهارة من‬
‫النجاسة في البدن والمكان‪.‬‬
‫أما إن دفن ولم يغسل وأهيل عليه التراب فيصلى على القبر وال ُينبش‪ ،‬لما روي عن الشعبي (أن‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى على قبر بعد ما دفن فكبر عليه أربعاً)(‪ .)2‬وإ ن لم ُيهَل عليه‬
‫التراب ويغسل ويصلى عليه ما لم يتفسخ‪.‬‬
‫‪ - 3‬يشترط للمصلين كل ما يشترط في الصالة‪ ،‬من طهارة‪ ،‬وستر عورة‪ ،‬واستقبال القبلة‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون الميت متقدماً أمام القوم‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يكون الموجود من الميت كله أو أكثره ويكفي النصف مع الرأس‪ .‬وال يصلى على الغائب‬
‫وصالته صلى اللّه عليه وسلم على النجاشي من خصوصياته‪ ،‬وكانت بمشاهدة منه كرامة ومعجزة‬
‫له صلى اللّه عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يكون الميت موضوعاً على األرض لكونه اإلمام من وجه‪ ،‬فإن كان محموالً على أيدي‬
‫الناس أو على دابة فال تجوز الصالة عليه‪.‬‬
‫‪ - 7‬النية‪ :‬بأن يحدد نية الصالة على الجنازة الحاضرة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.85 :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.23/68‬‬

‫( ‪)1/341‬‬

‫واجباتها‪:‬‬
‫التسليم بعد التكبيرة الرابعة وال يفصل بينهما شيء‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه‬
‫قال‪( :‬ثالث خالل كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعلهن‪ ،‬تركهن الناس‪ :‬إحداهن التسليم على‬
‫الجنازة مثل التسليم في الصالة)(‪ .)1‬وينوي بالتسليمتين السالم على الميت مع القوم‪.‬‬
‫خافت في كل الصالة إال التكبير فيجهر به‪ .‬واستحسن بعض المشايخ أن‬ ‫وال يرفع صوته بالتسليم بل ي ِ‬
‫ُ‬
‫يقول بد التكبيرة الرابعة‪{ :‬ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا‪ ،‬وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت‬
‫الوهاب‪ .‬ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار}‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.43‬‬

‫( ‪)1/342‬‬
‫سننها‪:‬‬
‫‪ - 1‬قيام اإلمام أمام صدر الميت ذكراً كان أم أنثى ألنه موضع القلب وفيه نور اإليمان‪.‬‬
‫‪ - 2‬قراءة دعاء الثناء بعد التكبيرة األولى‪ ،‬كما يسن قراءة الفاتحة (‪ ،)1‬لما روي عن طلحة بن عبد‬
‫اللّه بن عوف قال‪" :‬صليت خلف ابن عباس رضي اللّه عنهما على جنازة‪ ،‬فقرأ بفاتحة الكتاب‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ليعلموا أنها سنة"(‪ ،)2‬وللخروج من خالف األئمة‪ .‬وال تقرأ الفاتحة على سبيل التالوة بل على سبيل‬
‫الثناء‪ ،‬حيث تكره قراءة القرآن في صالة الجنازة‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يصلي على النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية‪ ،‬وصيغتها كالصلوات‬
‫اإلبراهيمية‪ .‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه "أنه سأل عبادة بن الصامت عن الصالة على‬
‫الميت فقال‪ :‬أنا واللّه أخبرك تبدأ فتكبر ثم تصلي على النبي صلى اللّه عليه وسلم"(‪.)3‬‬
‫‪ - 4‬الدعاء للميت وللمسلمين ولنفسه بعد التكبيرة الثالثة‪ ،‬بأن يبدأ بالدعاء لنفسه ثم للميت‪ ،‬واألفضل‪S‬‬
‫أن يدعو بالمأثور‪ .‬ومن المأثور ما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬صلى رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم على جنازة فقال‪( :‬اللّهم اغفر لحيِّنا وميتنا‪ ،‬وصغيرنا وكبيرنا‪ ،‬وذكرنا وأنثانا‪،‬‬
‫وشاهدنا وغائبنا‪ ،‬اللّهم من أحييته منا فأحيه على اإليمان‪ ،‬ومن توفيته منا فتوفه على اإلسالم‪ ،‬اللّهم ال‬
‫تحرمنا أجره وال تضلنا بعده)(‪.)4‬‬
‫وروي عن عوف بن مالك رضي اللّه عنه قال‪ :‬صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على جنازة‪.‬‬
‫مدخلَه‬
‫واعف عنه‪ .‬وأكرم ُن ُزلَه‪ .‬ووسِّع َ‬
‫ُ‬ ‫وعاف ِه‬
‫فحفظت من دعائه وهو يقول‪( :‬اللّهم اغفر له وارحمه ِ‬
‫الدنس‪ِ .‬‬
‫وأبدله داراً من‬ ‫والب َرد‪ .‬ونقِّه من الخطايا كما نقيت الثوب األبيض من ّ‬
‫واغسله بالماء والثلج َ‬
‫وأدخله الجنة ِ‬
‫وأعذه من عذاب القبر ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫خيراً من داره‪ .‬وأهالً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه‪.‬‬
‫أو من عذاب النار ‪ -‬قال‪ :‬حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت)(‪.)5‬‬
‫ويزيد في الصالة على الصبي والمجنون قوله‪" :‬اللّهم اجعله فََرطاً (‪ ،)6‬واجعله لنا أجراً و ُذخراً‪،‬‬
‫واجعله لنا شافعاً ُم َشفَّعاً"‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يرفع يديه في تكبيرة اإلحرام فقط‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما (أن النبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم ال يعود)(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هي فرض عند اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.64/1270‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.40‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.60/3201‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.26/85‬‬
‫(‪ )6‬الفََرط‪ :‬الذي يتقدم اإلنسان من ولده أي أجراً متقدماً‪.‬‬
‫(‪ )7‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.75‬‬
‫( ‪)1/343‬‬

‫المسبوق‪:‬‬
‫ال يقتدي المسبوق باإلمام وهو بين تكبيرتين بل ينتظره حتى يكبِّر فيدخل معه ثم يقضي ما فاته من‬
‫التكبيرات بسرعة مع الدعاء إن أمن رفع الجنازة‪ ،‬وإ ال كبَّر متتابعاً من غير أن يقول شيئاً قبل رفع‬
‫الجنازة عن األرض‪.‬‬
‫فواتها‪:‬‬
‫تفوت صالة الجنازة إذا حضر بعد التكبيرة الرابعة قبل السالم‪.‬‬
‫مكروهاتها‪:‬‬
‫‪ - 1‬تكره الصالة على الجنازة في مسجد الجماعة كراهة تنزيهية‪ ،‬وإ ن خشي التلويث فهي كراهة‬
‫تحريمية‪ .‬لما روي عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‪( :‬من صلى على جنازة في المسجد فال شيء‬
‫له)‪.‬‬
‫‪ - 2‬تكره صالة الجنازة في الشارع وفي أراضي الغير‪.‬‬
‫أولى الناس بالصالة على الميت‪:‬‬
‫الولي‪ .‬وإ ذا صلى من هو دون الولي بدون إذنه يجوز للولي إعادة‬
‫ّ‬ ‫السلطان‪ ،‬ثم نائبه أو إمام الحي‪ ،‬ثم‬
‫الولي ال تعاد صالة الجنازة‪ ،‬ألنه ال يصح فيها التنفل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الصالة‪ .‬واألصل أنه لو صلى‬
‫وإ ذا كثرت الجنائز فإفراد كل واحدة بصالة أولى‪ .‬وإ ن صليت على الجميع مرة واحدة جاز‪ ،‬لما‬
‫روي عن الشعبي قال‪" :‬صلى علي يوم صفين على عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة‪ ،‬فكان عمار‬
‫أقربهما إلى علي وكان هاشم أقربهما إلى القبلة"(‪ .)1‬وتجعل جميعها صفاً واحداً مما يلي القبلة‪،‬‬
‫ويقف اإلمام محاذياً لصدرهم جميعاً‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما "أنه صلى على تسع‬
‫جنائز رجال ونساء‪ ،‬فجعل الرجال مما يلي اإلمام والنساء مما يلي القبلة‪ ،‬وصفهم صفاً واحداً"(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.36‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.33‬‬

‫( ‪)1/344‬‬

‫رابعاً ‪ -‬حمل الجنازة ودفنها‪:‬‬


‫أوالً ‪ -‬حمل الجنازة‪:‬‬
‫ما يسن في حملها‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يحملها أربعة رجال من أركانها األربعة تكريماً وتخفيفاً وتحاشياً من تشبيهها باألمتعة‪ .‬وأن‬
‫يحمل كل رجل أربعين خطوة ليؤديها حقها وتُ َكفَّر ذنوبه‪ ،‬لما روي عن وائلة قال‪" :‬من حمل بجوانب‬
‫السرير األربع غفر له أربعون كبيرة"(‪ .)1‬يبدأ الحامل بمقدمها األيمن وهو يسار السرير فيضعه‬
‫على عاتقه األيمن‪ ،‬ثم يضع مؤخرها األيمن على عاتقه األيمن‪ ،‬ثم يضع مقدمها األيسر على عاتقه‬
‫األيسر‪ ،‬ثم يختم بالجانب األيسر بحملها على عاتقه األيسر‪ ،‬فيكون من كل جانب عشر خطوات‪.‬‬
‫الخَبب (‪ ،)2‬لما روى أبو هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه‬
‫‪ - 2‬اإلسراع في الحمل دون َ‬
‫فشر‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬أسرعوا بالجنازة‪ ،‬فإنها إن تك صالحة فخير تقدمونها‪ ،‬وإ ن تك سوى ذلك ّ‬
‫تضعونه عن رقابكم)(‪.)3‬‬
‫‪ - 3‬المشي خلفها ال أمامها‪ ،‬لما روي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال‪" :‬كنت مع‬
‫علي بن أبي طالب في جنازة وعلي آخذ بيدي ونحن خلفها وأبو بكر وعمر أمامها‪ ،‬فقال علي‪ :‬إن‬
‫فضل الماشي خلفها على الذي يمشي أمامها كفضل‪ S‬صالة الجماعة على صالة الفذ‪ ،‬وإ نهما ليعلمان‬
‫من ذلك ما أعلم ولكنهما يسهالن على الناس"(‪ .)4‬وورد أيضاً عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه‬
‫عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬الجنازة متبوعة وال تتبع‪ .‬ليس منا من تقدمها)(‪ .)5‬وقد‬
‫روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مشى خلف جنازة ابنه إبراهيم حافياً)(‪ .)6‬أي تواضعاً‪.‬‬
‫ويكره أن يتقدم الكل عليها أو ينفرد متقدم واحد‪.‬‬
‫ويجوز للراكب أن يسير خلف الجنازة‪ ،‬والماشي أمامها قريباً منها‪ ،‬لما روي عن المغيرة بن شعبة‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬الراكب خلف الجنازة والماشي حيث‬
‫شاء منها)(‪.)7‬‬
‫ويستحب لمن مرت به جنازة أن يقول‪" S:‬سبحان الحي الذي ال يموت" ويدعو للميت بالخير والتثبيت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الجامع الصغير‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪ ،170‬وهو حديث ضعيف‪.‬‬
‫الخَبب‪ :‬نوع من السير‪ .‬أي يمشون به دون الخبب بحيث ال يضطرب الميت على الجنازة‪.‬‬
‫(‪َ )2‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.50/1252‬‬
‫(‪ )4‬المحلى البن حزم‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.243‬‬
‫(‪ )5‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.394‬‬
‫(‪ )6‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.408‬‬
‫(‪ )7‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.56‬‬

‫( ‪)1/345‬‬
‫ما يكره في حمل الجنازة‪:‬‬
‫‪ - 1‬رفع الصوت بالذكر أو بالقرآن‪ ،‬وعليهم الصمت‪.‬‬
‫‪ - 2‬اتباع النساء الجنائز‪ ،‬لما روي عن أم عطية رضي اللّه عنها قالت‪( :‬نهينا عن اتباع الجنائز ولم‬
‫ُيعزم علينا)(‪ )1‬والكراهة تحريمية‪.‬‬
‫‪ - 3‬يكره الجلوس قبل وضعها‪ ،‬لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا اتبعتم جنازة فال تجلسوا حتى توضع)(‪.)2‬‬
‫وشق الثوب‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه‬
‫ّ‬ ‫‪ - 4‬يكره َّ‬
‫الندب‬
‫وشق الجيوب‪ ،‬ودعا بدعوى الجاهلية)(‪ .)3‬ويحرم‬
‫ّ‬ ‫عليه وسلم قال‪( :‬ليس منا من ضرب الخدود‪،‬‬
‫النوح وال بأس بالبكاء‪ ،‬لما روي عن أم عطية رضي اللّه عنها قالت‪( :‬أخذ علينا رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم مع البيعة أال ننوح)(‪ ،)4‬وعن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إن اللّه ال يعذب بدمع العين‪ ،‬وال بحزن القلب‪ ،‬ولكن يعذب بهذا ‪ -‬وأشار إلى‬
‫لسانه ‪ -‬أو يرحم)(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.11/35‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.24/76‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.37/1235‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.10/31‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.6/12‬‬

‫( ‪)1/346‬‬

‫ثانياً ‪ -‬دفن الميت‪:‬‬


‫حكمه‪ :‬هو فرض كفاية‪.‬‬
‫كيفيته‪:‬‬
‫‪ - 1‬يحفر بمقدار طول قامة إنسان وبعرض نصف قامته‪ ،‬ألن ذلك أبلغ في الحفظ‪.‬‬
‫صب عليه‬ ‫وي ْن َ‬
‫‪ - 2‬أن يلحد في القبر‪ ،‬أي تُجعل ُحفَْيرة فيجانب القبلة من القبر يوضع فيها الميت‪ُ ،‬‬
‫الَّلبِن (‪ .)1‬وذلك لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫والشق لغيرنا)(‪ )2‬أي لغير المسلمين‪ .‬ثم يهال عليه التراب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وسلم‪( :‬اللحد لنا‬
‫والشق هو ما يحفر في وسط القبر ثم توضع بالطة فوقه‪ .‬وال بأس فيه إن كانت األرض رخوة‪.‬‬
‫‪ - 3‬يسن أن يغطى القبر برداء إن كان الميت امرأة ستراً لها إلى أن يسوى عليها التراب‪.‬‬
‫‪ - 4‬يستحب للحاضرين أن يحثي كل منهم ثالث حثيات من التراب‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه بن عامر‬
‫بن ربيعة عن أبيه قال‪( :‬رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم حين دفن عثمان بن مظعون رضي اللّه‬
‫عنه‪ ...‬حثا بيديه ثالث حثيات من التراب وهو قائم على القبر)(‪ .)3‬يقول في األولى‪{ :‬منها‬
‫خلقناكم}‪ ،‬وفي الثانية‪{ :‬وفيها نعيدكم}‪ ،‬وفي الثالثة‪{ :‬ومنها نخرجكم تارة أخرى} لما روي عن أبي‬
‫أمامة رضي اللّه عنه قال‪ :‬لما وضعت أم كلثوم بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في القبر قال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى‪ ،‬بسم اللّه‬
‫وفي سبيل اللّه وعلى ملة رسول اللّه)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫َّ‬
‫(‪ )1‬اللبِن‪ :‬ما يعمل من الطين ُم َربَّعاً ُ‬
‫ويبنى به‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.408‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.410‬‬
‫(‪ )4‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.409‬‬

‫( ‪)1/347‬‬

‫‪ُ - 5‬يسنم (‪ )1‬القبر بمقدار أربع أصابع أو شبر‪ ،‬لما روي عن سفيان التمار "أنه رأى قبر النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم َسَّنماً"(‪.)2‬‬
‫‪ُ - 6‬يدخل الميت من جهة القبلة‪ ،‬ويقول واضعه‪" :‬بسم اللّه وعلى ملة رسول اللّه"‪ ،‬لما روي عن‬
‫عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا وضعتم موتاكم‬
‫ويوجهه إلى القبلة لما روي عن عبيد بن‬
‫ّ‬ ‫في قبورهم فقولوا‪ :‬بسم اللّه وعلى سنة رسول اللّه)(‪.)3‬‬
‫عمير عن أبيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً)(‪.)4‬‬
‫دخل القبر ثالثة أو أربعة لوضع الميت‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما فيمن نزل قبر‬
‫وي ُ‬
‫َ‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم‪" :‬ونزل في حفرته علي بن أبي طالب‪ ،‬والفضل بن العباس‪ ،‬وقثم أخوه‪،‬‬
‫صلَحاء‪.‬‬
‫ُمَناء أقوياء ُ‬
‫وشقران مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"(‪ .)5‬ويشترط أن يكونوا أ َ‬
‫أما المرأة فذو الرحم أولى بوضعها في قبرها من غيرهم‪ ،‬لما روي عن عبد الرحمن بن أبزى "أن‬
‫كبر على زينب بنت جحش أربعاً‪ ،‬ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى‬
‫عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ّ‬
‫اللّه عليه وسلم من يدخل هذه قبرها؟ فقلن‪ :‬من كان يدخل عليها في حياتها"(‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ُ )1‬يسنم‪ :‬أي يرفع عن األرض مقدار شبر أو أكثر مثل سنام البعير‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.94/1325‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.55‬‬
‫(‪ )4‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.408‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.65/1628‬‬
‫(‪ )6‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.53‬‬

‫( ‪)1/348‬‬

‫‪ - 7‬يسن أن يقف جماعة بعد دفن الميت يدعون ويستغفرون له‪ ،‬ويقرؤون‪ S‬عنده شيئاً من القرآن‪ ،‬أو‬
‫ختمة إن أمكن‪ ،‬ويسألون اللّه له التثبيت‪ ،‬لما روي عن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه قال‪ :‬كان‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت قال‪( :‬استغفروا لميتكم وسلوا له التثبيت‪ ،‬فإنه اآلن‬
‫ُي ْسأَل)(‪.)1‬‬
‫أما التلقين فمشروع في القبر أيضاً‪ ،‬لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬لقنوا موتاكم قول ال إله إال اللّه)(‪ .)2‬وكيفيته كما رواه سعيد بن عبد اللّه‬
‫األودي قال‪ :‬شهدت أبا أمامة ‪ -‬رضي اللّه عنه ‪ -‬وهو في النزع فقال‪ :‬إذا أنا مت فاصنعوا لي كما‬
‫أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬فقال‪( :‬إذا مات أحد من إخوانكم‪ ،‬فسويتم التراب على قبره‬
‫فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل‪ :‬يا فالن ابن فالنة فإنه يسمعه وال يجيب‪ ،‬ثم يقول‪ S:‬يا فالن ابن‬
‫فالنة فإنه يستوي قاعداً‪ ،‬ثم يقول‪ :‬يا فالن ابن فالنة‪ ،‬فإنه يقول‪ :‬أرشدنا رحمك اللّه‪ ،‬ولكن ال‬
‫تشعرون فليقل‪ :‬اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ال إله إال اللّه‪ ،‬وأن محمداً عبده ورسوله‪ ،‬وأنك‬
‫رضيت باللّه رباً‪ ،‬وباإلسالم ديناً‪ ،‬وبمحمد نبياً‪ ،‬والقرآن إماماً)(‪.)3‬‬
‫الجريد (‪ِ )4‬‬
‫واإل ْذخر على القبر ألنه يستغفر للميت ما دام رطباً‪ ،‬لما روي عن ابن‬ ‫‪ - 8‬يسن وضع َ‬
‫عباس رضي اللّه عنهما (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم‬
‫غرز في قبر كل واحدة‪ .‬فقالوا يا رسول اللّه ِل َم صنعت هذا؟ فقال‪ :‬لعلهما أن يخفف عنهما ما لم‬
‫ييبسا)(‪.)5‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.56‬‬


‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.20/3117‬‬
‫(‪ )3‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.45‬‬
‫الجريد‪ :‬جمع َج ِريدة وهي َس ْعفَة طويلة رطبة‪ .‬وقيل‪ :‬الجريدة للنخلة كالقضيب للشجرة‪.‬‬
‫(‪َ )4‬‬
‫(‪ )5‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.106‬‬

‫( ‪)1/349‬‬

‫‪ - 9‬يستحب أن يدفن الميت في مقبرة المح ّل الذي مات فيه أو قتل‪ ،‬لما روي عن منصور بن صفية‬
‫أمه قالت‪ :‬مات أخ عائشة رضي اللّه عنها بوادي الحبشة فحمل من مكانه فأتيناها نعزيها فقلت‪" :‬ما‬
‫أجد في نفسي أو يحزنني في نفسي إال أني وددت أنه كان دفن في مكانه"(‪ .)1‬وعن جابر بن عبد اللّه‬
‫رضي اللّه عنهما ‪ -‬في قتلى أحد ‪( -‬إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في‬
‫مضاجعهم فرددناهم)(‪ .)2‬فإذا مات شخص بعيداً عن بلده ال ينقل إليها بل يدفن حيث مات‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.57‬‬


‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.42/3165‬‬

‫( ‪)1/350‬‬

‫ما يكره في الدفن‪:‬‬


‫‪ - 1‬يكره للنساء النزول إلى القبر‪.‬‬
‫‪ - 2‬يكره بناء القبر بالجص واآلجر والخشب‪ ،‬وأن يكتب عليه‪ ،‬لما روي عن جابر رضي اللّه عنه‬
‫قال‪( :‬نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن ُيبنى على القبر ويجصص أو يقعد عليه‪ ،‬ونهى أن‬
‫يكتب عليه)(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬أن يدفن اثنان في قبر واحد‪ ،‬إال لضرورة ويجعل بينهما تراب‪ ،‬لما روي عن جابر بن عبد اللّه‬
‫رضي اللّه عنهما (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد)(‪.)2‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.370‬‬


‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.72/1280‬‬
‫( ‪)1/351‬‬

‫‪ - 4‬الدفن في البيوت الختصاصه باألنبياء‪ ،‬ومن مات في سفينة يغسل ويكفن ويصلى عليه ويلقى‬
‫في البحر‪ ،‬لما روي في البحر‪ ،‬لما عن الحسن البصري أنه قال فيه‪" :‬يغسل ويكفن ويصلى عليه‬
‫ويطرح في البحر"(‪.)1‬‬
‫‪ - 5‬نقل الميت من بلد إلى بلد لمسافة أكثر من ميلين‪ ،‬أما بعد الدفن فال يجوز نقله‪.‬‬
‫لحق صاحبها إن طلبه‪ ،‬وإ ن شاء‬
‫‪ - 6‬ويحرم نبش القبر إال أن يكون دفن في أرض مغصوبة فيخرج ّ‬
‫سواه باألرض وانتفع بها زراعة‪ .‬أو أخذت األرض بال ُشفّعة (‪ )2‬والشفيع ُي َخيَّر‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإ ن دفن بقبر يملكه غيره (‪ )3‬من األحياء بأرض ليست ملكاً ألحد ضمنت قيمة القبر من تَ ِركته أو‬
‫من بيت مال المسلمين‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.7‬‬


‫الشفيع بسبب ِ‬
‫الشركة أو ِ‬
‫الجوار‪.‬‬ ‫الش ْف َعة‪ :‬هي ضم بقعة مشتراة إلى عقار َّ‬
‫(‪ُّ )2‬‬
‫(‪ )3‬من بسط مصلى في المسجد أو المجلس‪ ،‬فإن كان واسعاً ال يصلي عليه وال يجلس عليه غير‬
‫صاحبه‪ ،‬وإ ن كان ضيقاً جاز لغيره أن يرفع البساط ويصلي في ذلك المكان أو يجلس‪.‬‬

‫( ‪)1/352‬‬

‫التعزية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ما يستحب في التعزية‪:‬‬
‫‪ - 1‬تستحب التعزية للرجال والنساء‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن‬
‫حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إال كساه‬
‫اللّه سبحانه من ُحلَل الكرامة يوم القيامة)(‪ .)1‬وعن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من َّ‬
‫عزى مصاباً فله مثل أجره)(‪.)2‬‬
‫يعم جميع األقارب‪ ،‬وأن تكون صيغة التعزية بما روي عن أسامة بن زيد رضي‬
‫‪ُ - 2‬يستحب أن َّ‬
‫اللّه عنهما‪ ،‬أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال معزياً ابنته لما مات ولدها‪( :‬إن للّه ما أخذ وله ما‬
‫ضر‬ ‫أعطى‪ ،‬وكل شيء عنده بأجل مسمى)(‪ ،)3‬أو بما روي عن أنس رضي اللّه عنه في تعزية ِ‬
‫الخ ْ‬
‫وخلَفاً من كل‬
‫عليه السالم ألهل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم‪" .‬إن في اللّه عزاء من كل مصيبة‪َ ،‬‬
‫هالك وعوضاً من كل فات‪ ،‬فإلى اللّه فأنيبوا‪ ،‬وإ ليه فارغبوا‪ ،‬فإنما المصاب من لم يجبره الثواب"(‪.)4‬‬
‫‪ - 3‬يستحب لجيران الميت واألباعد من أقاربه تهيئة طعام ألهل الميت ُيشبِ َعهم يومهم وليلتهم‪ ،‬لما‬
‫روي عن عبد اللّه بن جعفر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬اصنعوا ألهل‬
‫لح عليهم باألكل‪ ،‬ألن الحزن يمنعهم الطعام‬
‫وي ّ‬
‫جعفر طعاماً‪ ،‬فإنهم قد جاءهم ما يشغلهم)(‪ُ .)5‬‬
‫ومعوض األجر‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫فيضعفهم‪ ،‬واللّه ملهم الصبر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.56/1601‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.71/1073‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.6/11‬‬
‫(‪ )4‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.3‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.21/998‬‬

‫( ‪)1/353‬‬

‫ب ‪ -‬ما يكره في التعزية‪:‬‬


‫‪ - 1‬يكره االجتماع عند أهل الميت حتى يأتي إليهم من يعزيهم‪ ،‬بل ينبغي إذا رجعوا من الدفن أن‬
‫يتفرقوا ليشتغلوا بأمرهم‪.‬‬
‫‪ - 2‬الجلوس على باب الدار للمصيبة‪.‬‬
‫‪ - 3‬التعزية في المسجد‪.‬‬
‫‪ - 4‬تكرار التعزية‪.‬‬
‫‪ - 5‬الضيافة من أهل الميت‪ ،‬لما روي عن جرير بن عبد اللّه البجلي رضي اللّه عنه قال‪" :‬كنا نرى‬
‫االجتماع إلى أهل البيت وصنعة الطعام من النياحة"(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.60/1612‬‬

‫( ‪)1/354‬‬

‫زيارة القبور‪:‬‬
‫حكمها‪:‬‬
‫هي مندوبة للرجال والنساء‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬فزوروا القبور فإنها تُذكر بالموت)(‪ ،)1‬وعن ثوبان رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها‪ ،‬واجعلوا زيارتكم لها صالة عليهم واستغفاراً‬
‫لهم)(‪.)2‬‬
‫وقيل تكره للنساء‪ ،‬واألصح أن الرخصة للرجال والنساء‪ ،‬فعن علي بن الحسين عن أبيه "أن بنت‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده"(‪.)3‬‬
‫وعن عبد اللّه بن أبي مليكة "أن عائشة رضي اللّه عنها أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها‪ :‬يا أم‬
‫المؤمنين من أين أقبلت‪ .‬قالت‪ :‬من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت لها‪ :‬أليس كان رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬كان نهى ثم أمر بزيارتها"(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.81/3234‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪ .59‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.78‬‬
‫(‪ )4‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.78‬‬

‫( ‪)1/355‬‬

‫كيفية الزيارة‪:‬‬
‫أن يقف قائماً ‪ -‬دون أن يطأ القبور ‪ -‬مستدبر القبلة‪ ،‬مستقبالً وجه الميت ثم يلقي السالم فيقول‪:‬‬
‫"السالم عليكم دار قوم مؤمنين‪ ،‬وإ نا إن شاء اللّه بكم الحقون‪ .‬أسأل اللّه لي ولكم العافية"‪ .‬وال يمسح‬
‫يمسه‪ .‬وذلك لما روي عن بريدة رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه‬ ‫يقبله وال ّ‬
‫القبر وال ّ‬
‫عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر‪ .‬فكان قائلهم يقول‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬أهل الديار من المؤمنين‬
‫والمسلمين‪ ،‬وإ نا إن شاء اللّه‪ ،‬لالحقون‪ .‬أسأل اللّه لنا ولكم العافية)(‪.)1‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ما من أحد يمر بقبر رجل كان‬
‫يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إال عرفه ورد عليه السالم)(‪.)2‬‬
‫ويستحب للزائر أن يقرأ سورة "يس"‪ ،‬لما روي عن أنس رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفَّف اللّهم عنهم يومئذ العذاب‪ ،‬وكان له بعدد ما‬
‫فيها من حسنات)(‪.)3‬‬
‫ويستحب أيضاً أن يقرأ سورة "اإلخالص" إحدى عشرة مرة‪ ،‬إذ ال مانع من الجلوس على القبر‬
‫لقراءة القرآن‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.35/104‬‬
‫(‪ )2‬الجامع الصغير‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.151‬‬
‫(‪ )3‬حاشية الطحطاوي على مراقي الفالح‪ :‬ص ‪.610‬‬

‫( ‪)1/356‬‬

‫مكروهات زيارة القبور‪:‬‬


‫‪ - 1‬يكره الجلوس على القبر لغير القراءة‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ألن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه خير له من أن‬
‫يجلس على قبر)(‪ .)1‬كما يكره النوم والصالة عنده‪.‬‬
‫‪ - 2‬يكره تحريماً قضاء الحاجة على القبور‪ ،‬لما روي عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ألن أمشي على جمرة أو سيف‪ ،‬أو أخصف نعلي برجلي‪ ،‬أحب‬
‫إلي من أمشي على قبر مسلم‪ ،‬وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي‪ ،‬أو وسط السوق)(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 3‬يكره قطع الحشيش الرطب وكذا الشجرة من المقبرة‪ ،‬ألنه يسبح اللّه تعالى ما دام رطباً فيؤنس‬
‫الميت وتنزل بذكر اللّه تعالى الرحمة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.95‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.45/1567‬‬

‫( ‪)1/357‬‬

‫هل يثاب األموات بما يقدمه األحياء‪:‬‬


‫روي عن عائشة رضي اللّه عنها أن رجالً قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إن أمي افتُِلتَت نفسها‪،‬‬
‫ت‪ ،‬فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال‪ :‬نعم)(‪.)1‬‬
‫وأَظنها لو تكلمت تصدقّ ْ‬
‫وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا مات اإلنسان انقطع‬
‫عنه عمله إال من ثالثة‪ :‬إال من صدقة جارية‪ ،‬أو علم ُينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له)(‪.)2‬‬

‫وعن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬ما من أهل‬
‫بيت يموت منهم ميت فيتصدقون عنه بعد موته إال أهداها له جبريل عليه السالم على طبق من نور‪،‬‬
‫ثم يقف على شفير القبر العميق هذه هدية أهداها إليك أهلك فاقبلها‪ ،‬فيدخل عليه فيفرح بها ويستبشر‪،‬‬
‫ويحزن جيرانه الذين ال يهدى إليهم شيء)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.93/1322‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الوصية باب ‪.3/14‬‬
‫(‪ )3‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.139‬‬

‫( ‪)1/358‬‬

‫كتاب الصيام‬
‫الباب األول [تعريفه‪ ،‬أقسامه‪ ،‬ما يستحب ويكره فيه]‬
‫الفصل األول‪ :‬تعريف الصوم‪... ،‬‬
‫لغة‪ :‬اإلمساك عن الفعل أو القول‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪{ :‬إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً}‬
‫(‪.)1‬‬
‫المفطرات‪ ،‬حقيقة أو حكماً (‪ ،)2‬في وقت مخصوص (من طلوع الفجر إلى‬
‫ّ‬ ‫شرعاً‪ :‬اإلمساك عن‬
‫غروب الشمس)‪ ،‬من شخص مخصوص مع النية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مريم‪.26 :‬‬
‫(‪ )2‬اإلمساك حكماً‪ :‬كمن أكل ناسياً‪.‬‬

‫( ‪)1/359‬‬

‫الحكمة من مشروعيته‪:‬‬
‫األمارة بالسوء عن التحرك إلى ما ال يرضي‪ ،‬ألنه إذا جاعت النفس شبعت جميع‬
‫‪ - 1‬سكون النفس َّ‬
‫األعضاء عن الحركة وإ ذا شبعت النفس جاعت الجوارح بمعنى قويت على البطش والنظر فعل ما ال‬
‫ينبغي‪ ،‬لذا يصفو القلب بالصوم وتحصل المراقبة قال تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام‬
‫كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬العطف على المساكين باإلحساس بألم الجوع‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.183 :‬‬

‫( ‪)1/360‬‬

‫فضيلة الصوم‪:‬‬
‫روى أبو هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬الصيام ُجَّنة‪ ،‬فال َيرفُث‬
‫وال يجهل‪ ،‬وإ ن امرؤ قاتله أو شاتمه‪ ،‬فليقل إني صائم ‪ -‬مرتين ‪ -‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لخلوف فم‬
‫الصائم أطيب عند اللّه تعالى من ريح المسك‪ ،‬يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي‪ ،‬الصيام لي‬
‫وأنا أجزي به‪ ،‬والحسنة بعشر أمثالها)(‪ )1‬أي أن اللّه تعالى ينفي شركة الغير عن الصوم‪ ،‬وهذا لم‬
‫يذكر في سائر الطاعات‪ ،‬لذا ليس في الصوم المفروض رياء‪ ،‬وقيل تؤخذ الحسنات في المظالم إال‬
‫الصوم‪.‬‬
‫ثوابه‪ :‬ت ّكرماً من اللّه تعالى في اآلخرة‪ ،‬إن لم يكن الصوم منهياً عنه‪ ،‬فإن كان منهياً عنه كصوم يوم‬
‫النحر فالصوم صحيح والصائم آثم إلعراضه عن ضيافة اللّه تعالى‪.‬‬
‫الريَّان‪،‬‬
‫روي عن سهل رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إن في الجنة باباً يقال له َّ‬
‫َيدخل منه الصائمون يوم القيامة‪ ،‬ال يدخل منه أحد غيرهم‪ ،‬يقال أين الصائمون‪ ،‬فيقومون‪ S‬ال يدخل‬
‫منه أحد غيرهم‪ ،‬فإذا دخلوا أُغلق‪ ،‬فلم يدخل منه أحد)(‪.)2‬‬
‫أركان الصوم‪ :‬اإلمساك عن قضاء شهوتي البطن والفرج وعما أُلحق بهما‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.2/1795‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.4/1797‬‬

‫( ‪)1/361‬‬

‫شروط الصوم‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬شروط وجوب الصوم‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلسالم‪ :‬ألنه عبادة فال يجب على الكافر‪.‬‬
‫‪ - 2‬العقل‪ :‬فال يجب على الصغير والمجنون والمغمى عليه‪ ،‬لما روى علي بن أبي طالب رضي‬
‫اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن‬
‫الصبي حتى يحتلم‪ ،‬وعن المجنون حتى يعقل)(‪ .)1‬ويجب القضاء في حالة اإلغماء ولو امتد اإلغماء‬
‫فعدة من أيام أخر}(‪ )2‬إال أنه ال‬
‫الشهر كله لندرته ولقوله تعالى‪{ :‬فمن كان منكم مريضاً أو على سفر ّ‬
‫يقضي اليوم الذي حدث فيه اإلغماء إذا كان نوى الصيام‪ ،‬وأما الجنون فإن استوعب الشهر كله فال‬
‫يقضي‪ ،‬وإ ن لم يستوعب قضى ما ُج َّن فيه‪.‬‬
‫ويؤمر به قياساً على‬
‫‪ - 3‬البلوغ‪ :‬فال يجب الصوم على الصبي المميز‪ ،‬لكن صومه صحيح‪ُ ،‬‬
‫الصالة‪ ،‬ويضرب على تركه ِل َعشر‪ .‬والتكليف هنا لألولياء‪.‬‬
‫‪ - 4‬العلم بالوجوب‪ :‬لمن أسلم في دار الحرب‪ ،‬ويحصل بإخبار عدل أو امرأتين‪ .‬أما من نشأ في‬
‫دار اإلسالم فال عذر له بالجهل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب الحدود باب ‪.16/4403‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.184 :‬‬

‫( ‪)1/362‬‬

‫ثانياً‪ :‬شروط وجوب األداء‪:‬‬


‫األداء هو تفريغ ذمة المكلف عن الواجب في ذمته المعين له‪.‬‬
‫فعدة من أيام أخر}(‪.)1‬‬
‫‪ - 1‬الصحة من المرض‪ :‬لقوله تعالى‪{ :‬فمن كان منكم مريضاً أو على سفر ّ‬
‫‪ - 2‬الخلو من الحيض والنفاس‪.‬‬
‫‪ - 3‬اإلقامة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.184 :‬‬

‫( ‪)1/363‬‬

‫ثالثاً‪ :‬شروط صحة الصوم‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬النية‪ :‬فال تصح كل عبادة إال بالنية‪ ،‬ولحديث عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإ نما لكل امرئ ما نوى)‪ .‬وتتحقق النية بقصد‬
‫القلب وعزمه على الصوم‪ ،‬وال يشترط لها النطق باللسان‪.‬‬
‫وتجب النية لكل يوم‪ ،‬ألن صوم كل يوم عبادة مستقلة‪ .‬فلو نوى من أول ليلة في رمضان صوم جميع‬
‫الشهر لم يجزئ إال عن أول يوم‪ ،‬ولكن ُيسن له ذلك ليصح صوم النهار الذي نسي النية فيه على‬
‫مذهب اإلمام مالك رضي اللّه عنه‪.‬‬
‫وأقل النية‪ :‬نويت الصيام‪ ،‬وأكملها‪ :‬نويت صوم يوم غد عن أداء فرض رمضان إيماناً واحتساباً‪.‬‬
‫والتسحر في رمضان نية‪ ،‬ألن النطق باللسان ليس شرطاً بل هو سنة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫وإ ن علق النية على شرط لم تصح‪ ،‬كأن يقول‪ :‬نويت الصيام إال إذا ُدعيت إلى طعام‪ ،‬فال تعتبر نية‪.‬‬

‫شروط النية‪:‬‬
‫‪ - 1‬التبييت‪ :‬ومعناه أن ينوي الصيام من الليل‪ ،‬من غروب الشمس إلى طلوع الفجر‪.‬‬
‫‪ - 2‬التعيين‪ :‬وهو أن يحدد نوع الصوم الذي يريد‪.‬‬

‫وهذان الشرطان غير واجبيين في كل أنواع الصيام‪:‬‬


‫أ ‪ -‬ال يشترط تبييت النية وال تعيينها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أداء شهر رمضان؛ أما ما روي عن حفصة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(من لم يبيِّت الصيام من الليل فال صيام له) فيحمل على أنه نفي كمال الصوم ال نفي وجوده أصالً‪.‬‬

‫( ‪)1/364‬‬

‫واستدل على عدم اشتراط التبييت في صوم رمضان بما يلي‪:‬‬


‫‪ - 1‬نية أكثر النهار تكون نية للكل‪ ،‬فلو نوى قبيل الضحوة الكبرى ‪ -‬وهو ما قبل نصف النهار ‪-‬‬
‫صح صومه‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬جاء أعرابي إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫فقال رأيت الهالل‪ .‬فقال‪( :‬أتشهد أن ال إله إال اللّه وأن محمداً عبده ورسوله‪ .‬قال‪ :‬نعم فنادى النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬أن صوموا)(‪.)3‬‬
‫ولو نوى في رمضان أداء واجب آخر غير رمضان وقع عن رمضان إن كان صحيحاً مقيماً‪.‬‬
‫المعين زمانه‪ :‬كمن نذر صوم يوم بعينه فال يحتاج في نيته إلى تعيين وال تبييت‪ ،‬لكن لو‬
‫(‪ - )2‬النذر ّ‬
‫نوى صوم واجب غير النذر المعين وقع الصوم عن هذا الواجب‪ ،‬وبقي‪ S‬النذر المعين بذمته فيقضيه‪،‬‬
‫أما لو نوى نفالً مطلقاً فيقع عن النذر‪.‬‬
‫علي النبي صلى اللّه‬
‫(‪ - )3‬صوم النفل المطلق‪ :‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬دخل ّ‬
‫عليه وسلم ذات يوم فقال‪( :‬هل عندكم شيء؟ فقلنا‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فإني إذن صائم‪ .‬ثم أتانا يوماً آخر فقلنا‪:‬‬
‫ي لنا َح ْي ٌس (‪ .)4‬فقال‪ :‬أرينيه فلقد أصبحت صائماً‪ ،‬فأكل)(‪.)5‬‬ ‫يا رسول اللّه أ ْ ِ‬
‫ُهد َ‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب بدء الوحي باب ‪.1/1‬‬


‫(‪ )2‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.197‬‬
‫(‪ )3‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.132‬‬
‫ويعجن بالسمن‪.‬‬
‫الح ْيس‪ :‬تمر ُينزع نواه ُ‬
‫(‪َ )4‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب الصيام باب ‪.32/170‬‬

‫( ‪)1/365‬‬

‫وتصح النية في صوم النفل المطلق حتى الضحوة الكبرى‪.‬‬


‫ب ‪ -‬يشترط التبييت والتعيين فيما يلي‪:‬‬
‫(‪ - )1‬قضاء رمضان‪.‬‬
‫(‪ - )2‬قضاء ما أفسده من نفل‪.‬‬
‫(‪ - )3‬صوم الكفارات بأنواعها ككفارة اليمين والتمتع والقران‪.‬‬
‫(‪ - )4‬النذر المطلق‪.‬‬

‫( ‪)1/366‬‬

‫ثانياً‪ :‬خلوه عما يفسده‪:‬‬

‫ومفسدات الصوم هي‪:‬‬


‫‪ - 1‬الجماع عمداً واالستمناء عمداً؛ لقوله تعالى‪{ :‬أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}(‪ .)1‬أما‬
‫الجماع ناسياً للصوم‪ ،‬فهو كاألكل ناسياً ال يفطر‪ ،‬لما روى أبو هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من أكل أو شرب ناسياً فال يفطر فإنما هو رزق رزقه اللّه)(‪)2‬‬
‫فالنص هنا على األكل والشراب‪ ،‬وقيس عليه الجماع‪.‬‬
‫‪ - 2‬وصول‪ S‬أي شيء عمداً أو خطأ إلى ما يسمى جوفاً‪ ،‬أو ما كان في حكم الجوف وهو الدماغ‪ ،‬من‬
‫منفذ مفتوح‪ :‬فأما الشيء فيشمل الطعام والشراب‪ ،‬ويلحق به التدخين‪ ،‬وابتالع ما ال يؤكل عادة‬
‫كالدرهم والحصاة والخيط‪ .‬ويستثنى غبار الطريق‪ ،‬ودخان السيارات‪ ،‬وما بين األسنان إن كان دون‬
‫الدُبر أو الفم أو‬
‫الحمصة‪ .‬وأما الجوف‪ :‬فيشمل جوف اإلنسان كله‪ ،‬سواء كان الداخل من الفرج أو ُ‬
‫أي منفذ له‪ ،‬فلو أدخلت المرأة إصبعها في فرجها ولو للتنظيف أفطرت‪ ،‬والقطرة في األنف واألذن‬
‫تُفطر بخالف القطرة في العين فإنها ال تفطر‪.‬‬
‫‪ - 3‬االستقياء‪ :‬فلو تعمد التقيؤ أفطر‪ ،‬أما لو ذرعه القيء فال يضره وال قضاء عليه‪ ،‬إال إذا ابتلعه‬
‫عمداً وكان ملء الفم فعليه القضاء‪ .‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬من َذ َرعه القيء (‪ )3‬فليس عليه قضاء‪ ،‬ومن استقاء عمداً فليقض)(‪ )4‬وقال اإلمام أبو يوسف‪:‬‬
‫إذا تعمد القيء وكان أقل من ملء الفم ال يفسد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.187 :‬‬
‫(‪ )2‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الصوم باب ‪.26/721‬‬
‫ق إلى ِفيه‪.‬‬
‫وسَب َ‬
‫(‪َ )3‬ذَرعه القيء‪َ :‬غلَبه َ‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الصوم باب ‪.25/720‬‬

‫( ‪)1/367‬‬

‫ثالثاً‪ :‬خلوه عما ينافي صحته‪:‬‬


‫‪ - 1‬اإلسالم‪ :‬فال يصح صوم الكافر وال المرتد لقوله تعالى‪{ :‬لئن أشركت ليحبطن عملك}(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬النقاء من الحيض والنفاس‪ :‬فلو طهرت بعد الفجر بقليل لم يصح صوم ذاك النهار‪ ،‬لكن يجب‬
‫اإلمساك عن المفطرات بقية اليوم وقيل يسن‪ ،‬وعليها القضاء‪ .‬أما إذا حاضت بعد آذان المغرب بقليل‬
‫صح صومها وال قضاء عليها‪ .‬وكذا لو نقيت من الحيض أو النفاس قبل الفجر صح صومها ولم‬
‫تقض ذاك النهار ولو لم تغتسل‪ ،‬ألن االغتسال ليس شرطاً لصحة الصوم بل هو أفضل‪ .‬وكذا من‬
‫أصبح جنباً صح صومه ولو لم يغتسل‪ .‬وذلك لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها (أن رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم كان يدركه الفجر‪ ،‬وهو جنب من أهله‪ ،‬ثم يغتسل ويصوم)(‪ ،)2‬وإ ن كان‬
‫األفضل له أن يغتسل قبل الفجر‪.‬‬
‫وليس العقل واإلقامة من شروط الصحة‪ ،‬فإن الجنون إذا طرأ وبقي إلى الغروب صح صومه أي ولم‬
‫يأكل شيئاً ولم يدخل المفطر جوفه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الزمر‪.65 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.22/1825‬‬
‫( ‪)1/368‬‬

‫أقسام الصوم‬
‫الفصل الثاني‪َ :‬‬
‫يقسم الصوم من حيث حكمه إلى أقسام‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الصوم المفروض وهو نوعان‪:‬‬
‫الم ّعين‪.‬‬ ‫‪ُ - 1‬م ّعين‪ :‬وهو ما كان له وقت خاص‪ ،‬ويشمل صوم شهر رمضان‪َّ ،‬‬
‫والنذر ُ‬
‫‪ - 2‬غير معين‪ :‬وهو ما ليس له وقت خاص‪ ،‬ويشمل‪:‬‬
‫‪ - 1‬قضاء ما فات من صوم رمضان‪.‬‬
‫‪ - 2‬النذر المطلق‪.‬‬
‫المتْعة‬ ‫ِّ‬
‫‪ - 3‬الكفارات‪ :‬وتشمل كفارة الظهار‪ ،‬والقتل الخطأ‪ ،‬واليمين‪ ،‬وصوم جزاء الصيد‪ ،‬وصوم ُ‬
‫والقران إن لم ِ‬
‫يهد‪ ،‬وفدية األذى في اإلحرام إذا اختار الصوم‪ ،‬وكفارة اإلفطار العمد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ثانياً‪ :‬الصوم الواجب‪ :‬ويشمل‪:‬‬
‫‪ - 1‬قضاء ما أفسد من صوم نفل‪ ،‬ألنه يجب بالشروع فيه‪.‬‬
‫‪ - 2‬إتمام ما شرع به من صيام النفل‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وال تبطلوا أعمالكم}(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬صوم االعتكاف المنذور‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الصوم المسنون‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬الصوم المندوب‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬الصوم المكروه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬محمد‪.33 :‬‬

‫( ‪)1/369‬‬

‫المفروض)‪S.‬‬
‫َّوم ُ‬‫القسم األول (الص ْ‬
‫صوم شهر رمضان‪:‬‬
‫دليله‪ :‬ثبتت فرضية صوم رمضان بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫من الكتاب‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى‬
‫والفرقان‪ ،‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه‪.)1(}..‬‬
‫ومن السنة‪ :‬ما رواه ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬بني‬
‫اإلسالم على خمس‪ :‬شهادة أن ال إله إال اللّه‪ ،‬وأن محمداً رسول اللّه‪ ،‬وإ قام الصالة‪ ،‬وإ يتاء الزكاة‪،‬‬
‫والحج‪ ،‬وصوم رمضان)(‪.)2‬‬
‫ويكفر جاحد وجوب صوم رمضان‪ .‬ومن تركه من غير ٍ‬
‫جحد وال ٍ‬
‫عذر عذب وضيق عليه حتى‬
‫يصوم‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬فرض عين أداء وقضاء‪.‬‬
‫سبب وجوب صوم رمضان‪:‬‬
‫شهود جزء صالح للصوم من رمضان‪ ،‬أي شهود جزء صالح إلنشاء الصوم فيه من كل يوم وهو ما‬
‫كان من طلوع الفجر الصادق إلى قبيل الضحوة الكبرى‪ .‬خرج بذلك الليل وما بعد الزوال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.185 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب اإليمان باب ‪.1/8‬‬

‫( ‪)1/370‬‬

‫حكم التماس الهالل‪:‬‬


‫يجب وجوباً كفائياً رؤية الهالل في ليلة الثالثين من شهر شعبان‪ ،‬ألنه قد يكون الشهر ناقضاً‪ ،‬فقد‬
‫روي عن أم سلمة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إن الشهر يكون تسعة‬
‫وعشرين يوماً)(‪ .)1‬كما يجب التماس هالل شوال ليلة الثالثين من رمضان‪.‬‬
‫وتثبت رؤية الهالل عند القاضي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إن كان الجو غائماً‪ :‬يثبت هالل شهر رمضان بخبر مسلم واحد بالغ عاقل َع ْدل(‪ ،)2‬أو بخبر‬
‫مجهول الحال(‪ ،)3‬ولو كان أنثى أو رقيقاً أو محدوداً بقَ ْذف ثم تاب‪ .‬ويحق لألنثى أن تشهد بغير إذن‬
‫وليها ألنها فرض عين‪ .‬ويلزم العدل أن يشهد عند الحاكم في ليلة رؤيته إلثبات رمضان‪ ،‬وذلك لما‬
‫روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬جاء أعرابي إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‪ :‬إني‬
‫رأيت الهالل‪ ،‬فقال‪( :‬أتشهد أن ال إله إال اللّه؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أتشهد أن محمداً رسول اللّه؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا بالل أ ّذن في الناس فليصوموا غداً)(‪ ، )4‬وال يشترط لفظ الشهادة‪ ،‬كماال يشترط حكم أو‬
‫مجلس قضاء‪.‬‬
‫حرين مسلمين مكلَّفين‬
‫أما هالل شوال وغيره من األشهر في يوم الغيم فال بد في إثباته من عدلين ّ‬
‫محدود ْين في قذف‪ ،‬أو رجل وامرأتين لكن بال اشتراط تقدم دعوى‪ .‬وذلك لما روي عن ربعي‬
‫َ‬ ‫غير‬
‫بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬اختلف الناس في آخر يوم من‬
‫رمضان‪ ،‬فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم باللّه ألهالّ الهالل أمس عشية‪ .‬فأمر‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس أن يفطروا) (‪.)5‬‬
‫ب ‪ -‬إن كانت السماء صحواً‪ :‬فالبد من رؤية جماعة كثيرين إلثبات رمضان وشوال‪ ،‬فالتفرد في‬
‫هذه الحالة يوهم الغلط‪ .‬والجمع الكثير قيل‪ :‬أهل المحلة‪ ،‬وقال أبو يوسف‪ ،‬خمسون‪.‬‬
‫أما إن لم يكن في القرية قاض وال وال فيصوم بخبر أحدهم إن كان ثقة‪ ،‬وذلك بأن يشهد ليلة رؤيته‬
‫ويفطرون بخبر رجلين‪ ،‬إن كان في السماء علّة‪ ،‬وإ ال فالبد من َجمع عظيم‬
‫بين الناس في المسجد‪ُ ،‬‬
‫لثبوت الصيام والفطر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.11/1811‬‬
‫الع ْدل‪ :‬من كانت حسناته أكثر من سيئاته‪ ،‬والعدالة ملكة تحمل على مالزمة التقوى والمروءة‪.‬‬
‫(‪َ )2‬‬
‫(‪ )3‬المجهول الحال‪ :‬من لم يظهَر له فسق وال عدالة‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.14/2340‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.13/2339‬‬

‫( ‪)1/371‬‬

‫ثبوت شهر رمضان‪:‬‬


‫يجب صوم رمضان بأحد األمور التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬استكمال شعبان ثالثين يوماً إن ُغ َّم الهالل بغيم أو غبار‪ ،‬وذلك باإلجماع‪ .‬روي عن ابن عمر‬
‫رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬الشهر تسع وعشرون ليلة‪ ،‬فال تصوموا‬
‫حتى تروه‪ ،‬فإن ُغ َّم عليكم فأكملوا ِ‬
‫الع ّدة ثالثين)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬رؤية هالل رمضان‪ ،‬للحديث المتقدم ولحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال النبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم‪( :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن ُغبِّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثالثين)(‪.)2‬‬
‫وال عبرة برؤية الهالل نهاراً سواء قبل الزوال أو بعده‪ .‬أي يجب سبق الرؤية على الصوم والفطر‪.‬‬
‫والرؤية عند عامة الصحابة والتابعين ومن بعدهم عشية كل شهر وهو المختار من المذهب‪ .‬روى‬
‫شقيق بن سلمة قال‪" :‬جاءنا كتاب عمر رضي اللّه عنه ونحن بخانقين أن األهلة بعضها أكبر من‬
‫بعض‪ ،‬فإذا رأيتم الهالل نهاراً فال تفطروا إال أن يشهد رجالن مسلمان أنهما أهاله باألمس عشية"(‬
‫‪.)3‬‬
‫كما يجب الصوم ويعم إذا ثبت هالل رمضان بحكم حاكم‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجب صوم رمضان بحق من رأى الهالل وحده ولو رده القاضي‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فمن شهد منكم‬
‫الشهر فليصمه}(‪ .)4‬لكن ال يأمر الناس بالصوم سواء كان من عرض الناس أو كان إماماً‪.‬‬
‫أما لو رأى هالل شوال منفرداً فال يجوز له الفطر‪ ،‬وال يأمر الناس بالفطر ولو كان إماماً‪ ،‬وال يصلي‬
‫بهم العيد أخذاً باالحتياط‪ .‬ولو أفطر وجب عليه القضاء دون الكفارة لوجود الشبهة‪.‬‬
‫‪ - 4‬يجب الصوم بحق من أُخبر رؤية الهالل من قبل من يثق به‪.‬‬
‫‪ - 5‬إذا ثبتت رؤية الهالل بقُطر من األقطار وجب الصوم على سائر األقطار ال فرق بين القريب‬
‫والبعيد منها‪ ،‬أي ال عبرة الختالف المطالع مطلقاً‪ .‬وهناك قول آخر باستقالل كل قطر الختالف‬
‫المطالع وكال القولين مصحح‪.‬‬
‫المنجمين وعلماء الفلك فال عبرة له‪ ،‬وال يجب عليهم الصوم لحسابهم وال على من وثق‬
‫ّ‬ ‫أما قول‬
‫بقولهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.11/1808‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.11/1810‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.213‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.185 :‬‬

‫( ‪)1/372‬‬

‫ك‪:‬‬
‫يوم الش ّ‬
‫تعريفه‪ :‬هو اليوم الذي يلي التاسع والعشرين من شعبان وقد استوى فيه طرفا العلم والجهل بحقيقة‬
‫الحال‪ ،‬بأن غم الهالل‪ ،‬فاحتمل كمال شعبان ونقصانه‪ .‬وكذلك قد يحصل الشك بسبب عدم توفر‬
‫شروط شهادة الشهود‪.‬‬
‫وي ْح ُسن بالمفتي أن يأمر باإلمساك حتى الضحوة الكبرى كي يتأكد المسلمون عدم كونه من رمضان‪.‬‬
‫َ‬
‫حكم صومه‪:‬‬
‫‪ - 1‬مكروه تحريماً إن صامه على أنه من رمضان على جهة االحتياط‪ ،‬لقول عمار بن ياسر رضي‬
‫اللّه عنهما‪" :‬من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى اللّه عليه وسلم "(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬مكروه تنزيهاً إذا نوى صيامه عن واجب‪ ،‬أو إذا نوى صيامه متردداً فيه بين نفل وواجب أو‬
‫بين نفل وفرض؛ كأن يقول‪ :‬إن كان غداً من رمضان فهو فرض وإ ن كان من شعبان فهو نفل‪.‬‬
‫وعلى ٍ‬
‫كل إن صامه وظهر أنه رمضان أجزأه بأي نية كانت إال أن فيه كراهة‪ .‬أما إن صامه قضاء‬
‫أو نذراً أو كفارة فال يكره بحقه‪ ،‬وكذا إن صامه نفالً بال ترديد بينه وبين صوم آخر فإنه ال يكره‪،‬‬
‫لحديث عمران بن حصين رضي اللّه عنه (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لرجل هل صمت من‬
‫سرر هذا الشهر شيئاً؟ قال‪ :‬ال‪ .‬فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬فإذا أفطرت من رمضان‬
‫فصم يومين مكانه)(‪ )2‬وسرار الشهر آخره الستتار القمر فيه‪ .‬ويستحب ختم كل شهر بعبادة‪ .‬ولكن‬
‫يشترط لمن صامه أال يعلن ذلك خشية الظن أن صيامه أفضل‪ ،‬ولئال يتم بالعصيان لخبر عمار‬
‫رضي اللّه عنه المتقدم‪.‬‬
‫وإ ذا وافق يوم الشك معتاده فصومه أفضل اتفاقاً‪ ،‬واختلف في األفضل إذا لم يوافق معتاده‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫األفضل الفطر احترازاً لظاهر النهي‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬ال تقدموا رمضان بصوم يوم وال يومين إال رجل كان يصوم صوماً فليصمه)(‪.)3‬‬
‫وقيل‪ :‬ال بأس بالصوم اقتداء بعلي وعائشة رضي اللّه عنهما فإنهما كانا يصومانه‪.‬‬
‫‪ - 3‬باطل صومه إن نوى متردداً بين الصوم واإلفطار‪ ،‬كأن يقول‪ :‬إن كان من رمضان فصائم وإ ال‬
‫فمفطر‪ ،‬لعدم الجزم بالنية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.153‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.37/200‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.3/21‬‬

‫( ‪)1/373‬‬

‫حاالت اإلفطار في رمضان وأحكامها‬


‫أوالً ‪ -‬حالة اإلفطار المحرم الموجب للقضاء والكفارة معاً‪:‬‬
‫‪ - 1‬الجماع في أحد السبيلين من آدمي حي ُمشتهى وإ ن لم ينزل‪ ،‬في نهار رمضان‪ ،‬عامداً مختاراً‬
‫بعد نية الصوم من الليل‪ ،‬وهو مكلف عالم بالتحريم‪.‬‬
‫ُكرهت فال كفارة عليها‪ ،‬بل يجب عليها‬ ‫ِ‬
‫مطاوعة‪ ،‬فإن أ ِ‬ ‫وتجب الكفارة على المرأة في حال كونها‬
‫القضاء فقط كما في الخطأ‪ .‬أما لو أكرهت المرأة زوجها فعليهما القضاء والكفارة‪ ،‬وقال اإلمام‬
‫محمد‪ :‬ال تجب عليه الكفارة لكونه مكرهاً‪.‬‬

‫( ‪)1/374‬‬

‫‪ - 2‬األكل والشرب عامداً في نهار رمضان‪ :‬وإ ن ق ّل‪ ،‬سواء كان المفطر مما ُيتغذى به أو ُيتداوى‪.‬‬
‫لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‪ :‬إني‬
‫أفطرت يوماً من رمضان‪ .‬قال‪( :‬من غير عذر وال سفر؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬بئس ما صنعت‪ .‬قال‪ :‬فما‬
‫تأمرني؟ قال‪ :‬أعتق رقبة)(‪ .)1‬وكذا شرب الدخان في الصيام يوجب الكفارة على قول من يقول‪ S:‬إن‬
‫سبب وجوب الكفارة قضاء الشهوة وتنقضي بشربه وتناوله‪.‬‬
‫بالمس‪ ،‬إال إذا استفتى فقيهاً فأفتاه بالفطر‬
‫ّ‬ ‫المس أو القبلة بغير إنزال ظاناً أنه أفطر‬
‫‪ - 3‬إذا أكل بعد ّ‬
‫فأكل فال تجب عليه الكفارة‪ .‬وكذا إذا أكل بعد حدوث شيء‪ ،‬كأن اكتحل أو َد َهن شاربه أو اغتاب‪،‬‬
‫فظن أنه أفطر بذلك‪ ،‬ألنه متعمد ولم يستند إلى دليل شرعي فتلزمه الكفارة‪ ،‬إال إذا كان جاهالً‬
‫فاستفتى فأفتي له بالفطر فحينئذ ال تلزمه الكفارة‪ ،‬ألن الفتوى تصير شبهة في حق الجاهل‪.‬‬
‫شروط تحقق وجوب الكفارة‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون الصائم مكلفاً‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون مبيتاً النية في أداء رمضان‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن ال يطرأ قبله ما يبيح الفطر كالسفر‪ ،‬فإن سافر ثم أفطر فال كفارة عليه‪ ،‬وأن ال يطرأ بعده ما‬
‫يبيح الفطر كالمرض أو الحيض‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون غير مكره‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يكون متعمداً غير ناس للصوم‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يكون غير مخطئ وال مضطر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪ ،167‬رواه أبو يعلى والطبراني واألوسط ورجاله ثقات‪.‬‬

‫( ‪)1/375‬‬

‫ماهية الكفارة‪:‬‬
‫المفوتة للمنفعة‪ ،‬وال يشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة إلطالق‬
‫‪ - 1‬عتق رقبة سالمة من العيوب ِّ‬
‫النص‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن عجز عن الرقبة لعدم ُملكها أو ُملك ثمنها صام شهرين متتابعين لو بدأ باألهلة‪ ،‬أما لو بدأ في‬
‫أثناء الشهر ولو في اليوم الثاني منه فعليه ستون يوماً متتابعة‪ ،‬خالية من أيام العيد أو أيام التشريق‪،‬‬
‫ويجب فيها التتابع‪ ،‬إال المرأة فتقطع أيام حيضها ثم تتابع بعد طُهرها من الحيض‪ ،‬وإ ذا قدر على‬
‫يتم صيام الشهرين أعتق‪.‬‬
‫الرقبة قبل أن ّ‬
‫‪ - 3‬إن لم يستطع الصوم لعجز أو مرض أطعم ستين مسكيناً ولو في أوقات متفرقة لحصول‬
‫الواجب‪ .‬واإلطعام أقله وجبتان‪ :‬فطور وسحور أو غداءان لكل مسكين‪ ،‬ويجوز إعطاؤهما لمسكين‬
‫واحد على ستين يوماً‪ ،‬ألنه بتجدد الحاجة في كل يوم يصير بمنزلة مسكين آخر‪.‬‬
‫ويشترط في اإلطعام اإلشباع‪ ،‬ويقدر بنصف صاع (‪ )1‬من ُب ّر أو صاع من تمر أو شعير أو قيمته‪.‬‬
‫أما دليل وجوب الكفارة فما روى أبو هريرة رضي اللّه عنه قال‪( :‬جاء رجل إلى النبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬هلكت يا رسول اللّه‪ .‬قال‪ :‬وما أهلكك؟ قال‪ :‬وقعت على امرأتي في رمضان‪ .‬قال‪:‬‬
‫هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فهل‬
‫بع َرق (‪ )2‬فيه‬
‫تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال ثم جلس؟ فأتي النبي صلى اللّه عليه وسلم َ‬
‫الب ْتيها (‪ )3‬أهل بيت أحوج إليه مناّ‪ ،‬فضحك النبي‬
‫تمر‪ ،‬فقال‪ :‬تصدق بهذا‪ .‬قال‪ :‬أفقر منا؟ فما بين َ‬
‫صلى اللّه عليه وسلم حتى بدت أنيابه‪ ،‬ثم قال‪ :‬اذهب فأطعمه أهلك)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أي ما يعادل اثنين ونصف كيلوغرام من الدقيق‪.‬‬
‫الع َرق‪ :‬القُفّة‪ ،‬وعاء معروف‪.‬‬
‫(‪َ )2‬‬
‫المدينة‪:‬حرتّان‬
‫َ‬ ‫(‪ )3‬الالبة‪ :‬الحَّرة‪ ،‬أي األرض التي قد أْل َسَبتْها حجارة سود‪ ،‬وجمعها البات‪ .‬والبتا‬
‫مكتنفتانها‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.14/81‬‬

‫( ‪)1/376‬‬

‫تعدادها‪:‬‬
‫تكفي كفارة واحدة عن مفسدات للصوم متعددة في أيام كثيرة بشرط أن ال يتخلل هذه المفسدات (أكل‪،‬‬
‫رمضانيين على الصحيح‬
‫َ‬ ‫جماع) تكفير‪ ،‬ألن الكفارة للزجر وبواحدة يحصل‪ ،‬ولو كانت األيام من‬
‫لوقوع التداخل‪ .‬فإن تخلل بين اإلفطارين تكفير وجب إعادة الكفارة إلعادة الجرم‪.‬‬
‫متى يسقط وجوب الكفارة‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا طرأ حيض أو نفاس أو مرض يبيح للفطر في يوم اإلفساد الموجب للكفارة‪ ،‬ألنها تجب في‬
‫صوم مستحق وهو ال يتجزأ ثبوتاً وسقوطاً فتمكنت الشبهة في عدم استحقاقه من أوله بطروء العذر‬
‫في آخره‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا سافر ثم أفطر‪ ،‬أما إذا سافر مختاراً أو مكرهاً بعد لزومها عليه فال تسقط‪ ،‬ألن ذلك من صنع‬
‫العباد‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬حالة اإلفطار المحرم الموجب للقضاء فقط‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا فعل ما ليس فيه كمال شهوة الفرج‪.‬‬
‫أ ‪ -‬إن جامع فيما دون السبيلين أو بهيمة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إن قبل أو لمس فأنزل‪.‬‬
‫بالكف أو غيره‪ ،‬أو الفطر بالجماع في غير رمضان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جـ ‪ -‬االستمناء‬
‫فهذه األفعال كلها مفطرة لكن ال توجب الكفارة لعدم تمام الجناية‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن أقطر في أذنه‪ ،‬أو استعط أي أقطر في أنفه‪ .‬أما إن دخل الماء في أذنيه بال صنعة فال يفطر‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن استقاء متعمداً‪ ،‬وشرط أبو يوسف أن يكون ملء الفم ألن ما دونه كالعدم حكماً‪ ،‬أو ابتلع عمداً‬
‫ما ذرعه من القيء وكان ملء الفم‪ ،‬وفي األقل منه روايتان في الفطر وعدمه‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن داوى جائفة‪ ،‬وهي الجراحة في البطن‪ ،‬أو آمة‪ ،‬وهي الجراحة بالرأس‪ ،‬بدواء ووصل إلى‬
‫جوفه أو دماغه‪.‬‬
‫‪ - 5‬إن أكل ما ليس فيه غذاء‪ ،‬كأن بلع تراباً أو حصواً أو ما ال يؤكل بدون طبخ‪.‬‬
‫‪ - 6‬إن أفطر عمداً بعد أكله ناسياً وجب عليه القضاء دون الكفارة لوجود الشبهة‪ ،‬وفي رواية تجب‬
‫الكفارة‪.‬‬
‫‪ - 7‬إن أفطر مكرهاً ولو بالجماع‪.‬‬
‫الح ْقَنة في‬
‫الدُبر ولو كانت اإلصبع مبللة أو خرقة‪ ،‬أو قطنة‪ ،‬وكذا ُ‬
‫‪ - 8‬إدخال شيء في القُُبل أو ُ‬
‫الدبر‪ ،‬أو القبل عند أبي يوسف إذا وصل الماء أو الدهن إلى المثانة‪.‬‬

‫( ‪)1/377‬‬

‫‪ - 9‬إن أتى بالمفطرات عمداً بعد ما نوى الصيام نهاراً ولم يكن مبيتاً نيته‪ ،‬وجب عليه القضاء دون‬
‫الكفارة لشبهة عدم صومه عند السادة الشافعية‪.‬‬
‫‪ - 10‬إن سافر في نهار رمضان بعد ما أصبح مقيماً ناوياً من الليل‪ ،‬فأكل في حالة السفر وجامع‬
‫عمداً‪ ،‬وجب عليه القضاء دون الكفارة لشبهة السفر وإ ن لم يحل له الفطر‪.‬‬
‫‪ - 11‬إن أدخل الدخان عمداً إلى جوفه أو دماغه‪ ،‬سواء أكان دخان عنبر أو عود أو غيرهما‪ ،‬حتى‬
‫لو استنشق بخوراً أفطر‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬حالة اإلفطار الجائز الموجب للقضاء فقط‪:‬‬
‫‪ - 1‬المرض‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إن خاف المكلف زيادة مرضه أو بطء الشفاء جاز له الفطر وعليه القضاء من أيام آخر‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬فمن كان منكم مريضاً أو على سفر ِ‬
‫فع ّدة من أيام أُخر}(‪.)1‬‬
‫ب ‪ -‬إن خاف على نفسه الهالك أو ذهاب منفعة عضو وجب عليه الفطر‪.‬‬
‫‪ - 2‬السفر‪:‬‬
‫يجوز للمسافر في رمضان قبل الفجر أن يفطر‪ ،‬وعليه القضاء فيما بعد‪ ،‬أما إن أنشأ السفر بعد الفجر‬
‫فال يحل له الفطر بعد ما أصبح صائماً‪.‬‬
‫وأدلة جواز الفطر في السفر قوله تعالى‪{ :‬فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر}(‬
‫‪ .)1‬وما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬صام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في‬
‫السفر وأفطر)(‪ .)2‬ولكن الصوم في السفر أفضل من الفطر إن لم يضره‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪{ :‬وأن‬
‫تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون}(‪ ،)3‬وما روي عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال‪( :‬لقد رأيتنا‬
‫مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بعض أسفاره في اليوم الحار‪ ،‬الشديد الحر وإ ن الرجل ليضع‬
‫يده على رأسه من شدة الحَّر‪ ،‬وما في القوم أحد صائم إال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬وعبد اللّه‬
‫بن رواحة)(‪.)4‬‬
‫هذا إذا لم يكن عامة رفقته مفطرين‪ ،‬وإ ال فاألفضل الفطر موافقة للجماعة‪.‬‬
‫وإ ذا كان مسافراً فأقام أثناء النهار‪ ،‬وكان أكل أو شرب‪ ،‬فيستحب له اإلمساك بقية يومه‪ ،‬أما إذا وصل‬
‫قبل الزوال‪ ،‬ولم يفسد صومه‪ ،‬فينوي الصوم ويتابع يومه صائماً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.184 :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.184 :‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجه‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصيام باب ‪.10/1661‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجه ج ‪ / 1‬كتاب الصيام باب ‪.10/1663‬‬

‫( ‪)1/378‬‬

‫‪ - 3-‬الغزو‪ :‬إذا كان المكلف يعلم يقيناً أو بغلبة الظن وقوع القتال‪ ،‬ويخاف الضعف عنه إن صام‪،‬‬
‫جاز له الفطر قبل الحرب‪.‬‬
‫‪ - 4‬الحامل والمرضع‪ :‬إن خافتا على نفسيهما أو ولديهما بإخبار طبيب حاذق مسلم عدل‪ ،‬أو‬
‫بتجربة سابقة‪ ،‬جاز لهما الفطر‪ ،‬ووجب في حقهما القضاء فقط‪ .‬لما روي عن أنس ابن مالك رضي‬
‫اللّه عنه قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إن اللّه عز وجل وضع للمسافر الصوم وشطر‬
‫والمرضع)(‪.)1‬‬
‫الحبلى ُ‬
‫الصالة وعن ُ‬
‫‪ - 5‬صاحب العمل الشاق‪ :‬إن أجهده العطش الشديد أو الجوع المفرط‪ ،‬وخاف الهالك جاز له‬
‫الفطر‪ .‬لكن ال يفطر حتى يجهده الصوم‪.‬‬
‫ومن مات قبل زوال عذره بمرض أو سفر ونحوه من األعذار المبيحة للفطر سقط عنه القضاء‪ ،‬وال‬
‫يجب عليه اإليصاء بفدية لفوات إدراكه عدة من أيام أخر‪ ،‬وإ ن أدرك العدة قضى ما قدر على‬
‫قضائه‪ ،‬وإ ن لم يقض وجب اإليصاء بقدر اإلقامة من السفر والصحة من المرض وزوال العذر‬
‫اتفاقاً؛ فلو فاته عشرة أيام فقدر على خمسة أدى فديتها فقط‪ ،‬وتخرج الفدية من الثلث ألنها تابعة‬
‫للوصية‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.190‬‬

‫( ‪)1/379‬‬

‫رابعاً ‪ -‬حالة اإلفطار الجائز الموجب للفدية دون القضاء‪:‬‬


‫‪ - 1‬الشيخ الفاني إن عجز عن األداء‪ ،‬لقول ابن عباس رضي اللّه عنهما في تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}(‪ ،)1‬هو الشيخ الكبير‪ ،‬والمرأة الكبيرة‪ ،‬ال يستطيعان أن‬
‫يصوما‪ ،‬فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً(‪ .)2‬وقد أطعم أنس رضي اللّه عنه بعد ما َكبِر عاماً أو‬
‫عامين‪ ،‬كل يوم مسكيناً‪ ،‬خبزاً ولحماً‪ ،‬وأفطر(‪.)3‬‬
‫‪ - 2‬المريض مرضاً مبيحاً لإلفطار وال يرجى شفاؤه‪.‬‬
‫‪ - 3‬العاجز عن أداء نذر صوم الدهر‪ ،‬يفطر ويفدي الشتغاله بالمعيشة‪.‬‬
‫ماهية الفدية‪:‬‬
‫إطعام مسكين نصف صاع من ُب ّر‪ ،‬أو صاعاً من تمر أو شعير‪ ،‬أو قيمته‪ ،‬أو أكلتين مشبعتين عن كل‬
‫يوم‪ ،‬وال يشترط التمليك(‪ .)4‬فإن لم يقدر على اإلطعام لعسرته يستغفر اللّه سبحانه ويطلب منه العفو‬
‫عن تقصيره في حقه‪.‬‬
‫وال تجوز الفدية إال عن صوم هو أصل بنفسه ال بدل عن غيره‪ .‬حتى لو وجبت عليه كفارة يمين أو‬
‫قتل أو ظهار أو إفطار‪ ،‬فلم يجد ما يكفر به عن عتق أو إطعام أو كسوة‪ ،‬وهو شيخ فان أو لم يصم‬
‫حال قدرته على الصوم حتى صار فانياً‪ ،‬ال تجوز له الفدية ألن الصوم هنا بدل عن غير وهو التكفير‬
‫بالمال‪ .‬ولذا ال يجوز المصير إلى الصوم إال عند العجز عما يكفر به من المال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.184 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب التفسير باب ‪.27/4235‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب التفسير باب ‪.27‬‬
‫(‪ )4‬بخالف صدقة الفطر فال ُب ّد فيها من التمليك كالزكاة‪ .‬وكل ما شرع بلفظ اإلطعام أو الطعام‬
‫يجوز فيه التمليك واإلباحة وال يجب‪ ،‬وما شرع بلفظ اإليتاء أو األداء يشترط فيه التمليك‪.‬‬

‫( ‪)1/380‬‬
‫خامساً ‪ -‬حالة اإلفطار الواجب الموجب للقضاء‪:‬‬
‫وهي حالة الحائض والنفساء‪ .‬ودليل وجوب القضاء ما روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان‬
‫يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم وال نؤمر بقضاء الصالة)(‪ .)1‬فإن طهرتا أثناء النهار يجب‬
‫اإلمساك بقية النهار قضاء لحق الوقت وألنهما صارتا أهالً للصوم‪ .‬وقيل يسن لهما اإلمساك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.15/69‬‬

‫( ‪)1/381‬‬

‫سادساً ‪ -‬حالة وجوب اإلمساك مع وجوب القضاء وال إثم فيها‪:‬‬


‫‪ - 1‬إن تسحر بعد الفجر شاكاً أنه لم يطلع وقد طلع ال كفارة عليه للشبهة ألن األصل بقاء الليل‪،‬‬
‫ويأثم إثم ترك التثبت ال إثم جناية اإلفطار‪ .‬وإ ذا لم تبين له طلوع الفجر ال يجب عليه القضاء بالشك‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن أفطر ظاناً أن الشمس قد غربت ولم تغرب‪ ،‬والبد من غلبة الظن ال مجرد الشك؛ ألن‬
‫األصل بقاء النهار فال يكفي مجرد الشك إلسقاط الكفارة‪ ،‬بخالف الشك في طلوع الفجر عمالً‬
‫باألصل في كل محل‪.‬‬
‫وفي الحالتين يجب عليه القضاء واإلمساك بقية اليوم قضاء لحرمة الوقت بالقدر الممكن ونفياً للتهمة‪،‬‬
‫فقد قيل "من أقام نفسه مقام التهمة فال يلومن من أساء الظن به"‪ .‬ودليل وجوب القضاء ما روي عن‬
‫حنظلة رضي اللّه عنه‪ ،‬وكان صديقاً لعمر رضي اللّه عنه‪ ،‬قال‪" :‬كنت عند عمر في رمضان فأفطر‬
‫وأفطر الناس‪ ،‬فصعد المؤذن ليؤذن فقال‪ :‬يا أيها الناس هذه الشمس لم تغرب‪ .‬فقال عمر رضي اللّه‬
‫عنه‪ :‬كفانا اللّه شرك‪ ،‬إنا لم نبعثك راعياً‪ .‬ثم قال عمر رضي اللّه عنه‪ :‬من كان أفطر فليصم يوماً‬
‫مكانه"(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬إن أفطر خطأ بسبق ماء المضمضة واالستنشاق إلى جوفه‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن أفطر مكرهاً‪.‬‬
‫‪ - 5‬إن أمسك اليوم كله ولم ِ‬
‫ينو صوماً وجب عليه القضاء لتفويت النية بالجهل ولفقد شرط الصحة‪.‬‬
‫ويكون القضاء في جميع الحاالت على التراخي‪ ،‬فلو أخره حتى دخل رمضان آخر فال فدية عليه‬
‫علي الصوم من رمضان‪ ،‬فما أستطيع أن‬
‫بالتأخير‪ ،‬فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪" :‬كان يكون ّ‬
‫أقضي إال في شعبان"(‪ .)2‬وال يشترط التتابع (‪ )3‬في القضاء إلطالق النص‪ ،‬لكن يستحب التتابع‬
‫وعدم التأخير عن زمن القدرة مسارعة إلى الخير وبراءة للذمة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.217‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.39/1849‬‬
‫(‪ )3‬أما الصوم الواجب أداؤه فهو أداء رمضان وكفارة الظهار والقتل واليمين وكفارة اإلفطار عمداً‪.‬‬
‫وأما الصوم المخير أداؤه متتابعاً‪ :‬فهو قضاء رمضان وفدية الحلق في الحج والمتعة والقران وجزاء‬
‫الصيد والتطوع والنذر إال أن ينذره متتابعاً‪.‬‬

‫( ‪)1/382‬‬

‫سابعاً ‪ -‬حاالت ال تفطر وال يجب فيها شيء‪:‬‬


‫‪ - 1‬األكل والشرب والجماع ناسياً‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم‪( :‬من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه‪ ،‬فإنما أطعمه اللّه وسقاه)(‪ .)1‬ومن‬
‫رأى ناسياً للصوم يأكل وكان قادراً على إتمام الصوم فليذكره أنه صائم‪ ،‬ويكره له كراهة تحريمية‬
‫ترك التذكير‪ ،‬أما إن لم يكن له قوة فاألفضل عدم تذكيره لما فيه من قطع الرزق‪ ،‬واللطف فيه أفضل‬
‫شاباً كان أو شيخاً‪.‬‬
‫‪ - 2‬االحتالم‪ :‬وهو غير مفسد للصوم لتجرده عن القصد‪ ،‬ولما روى عن ابن عباس رضي اللّه‬
‫عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ثالثة ال يفطرن الصائم‪ :‬القيء والحجامة‬
‫واالحتالم)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬اإلنزال من غير مباشرة أو فعل منه‪ ،‬كاإلنزال بالنظر إلى المرأة أو بالفكر‪ ،‬ال يفسد الصوم ولو‬
‫أدام النظر‪ ،‬رغم أنهما حرام‪.‬‬
‫وكذا القبلة ال تفطر‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقبل‬
‫ويباشر وهو صائم‪ ،‬وكان أملككم ِإل ْربه)(‪.)3‬‬
‫‪ - 4‬دهن الجلد أو االغتسال ولو وجد برد الماء في كبده‪.‬‬
‫‪ - 5‬االكتحال ولو وجد طعمه في حلقه أو لونه في بصاقه‪ ،‬وسواء كان مطيباً أم ال‪ ،‬إذ ليس بين‬
‫العين والدماغ مسلك‪ ،‬وروي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬اكتحل رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم وهو صائم)(‪ .)4‬ومثله القطرة بالعين‪.‬‬
‫‪ - 6‬االحتجام‪ ،‬للحديث المتقدم‪( :‬ثالثة ال يفطرن الصائم‪ :‬القيء والحجامة واالحتالم)‪ ،‬أما ما رواه‬
‫أبو هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬أفطر الحاجم والمحجوم)(‪ )5‬فمؤول‬
‫بذهاب األجر‪ .‬ومثله إبرة سحب الدم أثناء الصوم‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.33/171‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.170‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪ ،23/1826‬وإِ ْرب‪ :‬الحاجة‪ ،‬أي كان صلى اللّه عليه وسلم‬
‫أغلبكم لهواه‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجه‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصيام باب ‪.17/1678‬‬
‫(‪ )5‬ابن ماجه‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصيام باب ‪.1679 /18‬‬

‫( ‪)1/383‬‬

‫‪ - 7‬دخول الدخان في حلقه بال صنعة لعدم القدرة على االمتناع منه‪.‬‬
‫‪ - 8‬دخول غبار طريق أو ذباب‪ ،‬أو بقاء أثر طعم أدوية في حلقه‪ ،‬ال يفسد الصوم لعسر الحتراز‬
‫عنها‪.‬‬
‫‪ - 9‬االحتقان في قبل الرجل بماء أو دهن ال يفطر عند اإلمام أبي حنيفة ومحمد (خالفاً ألبي يوسف‬
‫فيما إذا وصل إلى المثانة يفسد)‪.‬‬
‫‪ - 10‬نزول النخامة من الرأس إلى األنف ثم استنشاقها وابتالعها عمداً ال يفسد الصوم‪ ،‬لكن يستحب‬
‫إلقاؤها للخروج من خالف السادة الشافعية‪.‬‬
‫‪ - 11‬إذا سبح أو استحم فدخل في أذنه ماء ال يفسد صومه للضرورة‪ .‬وكذا حك األذن بعود وخروج‬
‫درن من الصماخ ال يفسد الصوم ولو أدخله مراراً‪.‬‬
‫‪ - 12‬إذا ابتلع ما بين أسنانه ال يفطر إن كان دون الحمصة‪.‬‬
‫‪ - 13‬إذا مضغ قدر سمسمة‪ ،‬قد تناولها من خارج فمه‪ ،‬حتى تالشت ولم يجد لها طعماً في حلقه‪.‬‬
‫‪ - 14‬من ذرعه القيء ولو مأل فاه ال يفسد إن لم يبتلعه‪.‬‬
‫‪ - 15‬من تعمد القيء وكان أقل من ملء الفم ال يفسد عند اإلمام أبي يوسف‪ ،‬وقال اإلمام محمد‬
‫بالفساد‪.‬‬
‫‪ - 16‬اإلصباح بالجنابة ال يفسد‪ ،‬ألن من ضرورة اإلذن بالمباشرة طوال الليل وقوع الغسل بعد‬
‫الفجر‪.‬‬
‫‪ - 17‬إذ نوى الفطر ولم يفطر لعدم الفعل‪.‬‬
‫‪ - 18‬الغيبة‪ :‬ال تفسد الصوم‪.‬‬

‫( ‪)1/384‬‬
‫الم ْسُنون)‪.‬‬
‫َّوم َ‬
‫القسم الثاني (الص ْ‬
‫وهو صوم يوم عاشوراء‪ ،‬فإنه يكفر السنة الماضية‪ ،‬بشرط أن يكون مع التاسع أو الحادي عشر‪،‬‬
‫لحديث أبي قتادة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬صيام يوم عاشوراء أحتسب‬
‫على اللّه أن يكفر السنة التي قبله)(‪ ،)1‬ولحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬لئن بقيت إلى قَابِل ألصومن التاسع)(‪ .)2‬أي إلى عام قابل‪ ،‬ولم يبق صلى‬
‫اللّه عليه وسلم إليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.36/196‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.20/134‬‬

‫( ‪)1/385‬‬

‫المندوب)‪.‬‬
‫َّوم َ‬
‫القسم الثالث (الص ْ‬
‫ويشمل‪:‬‬
‫‪ - 1‬صيام ثالثة أيام من كل شهر‪ ،‬فيكون كمن صام الشهر‪ .‬ويندب كونها أيام البيض (‪ )1‬أي‬
‫الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر‪ ،‬لما روي عن ابن ملحان القيسي عن أبيه قال‪( :‬كان‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض‪ :‬ثالث عشرة‪ ،‬وأربع عشرة‪ ،‬وخمس‬
‫عشرة‪ ،‬قال‪ :‬قال‪ُ :‬هن كهيئة الدهر)(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬صوم يومي االثنين والخميس‪ :‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى‬
‫ُحب أن يعرض عملي وأنا صائم)(‬
‫اللّه عليه وسلم قال‪( :‬تعرض األعمال يوم االثنين والخميس‪ ،‬فأ ّ‬
‫‪.)3‬‬
‫‪ - 3‬صوم ستة أيام من شوال‪ :‬لما روي عن أبي أيوب األنصاري رضي اللّه عنه أن رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من صام رمضان‪ ،‬ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)(‪.)4‬‬
‫ويستحب أن تكون متفرقة‪ ،‬وقيل‪ :‬األفضل وصلها‪.‬‬
‫‪ - 4‬صوم يوم عرفة لغير الحاج‪ ،‬لحديث أبي قتادة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬صيام يوم عرفة أحتسب على اللّه أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)(‪.)5‬‬
‫‪ - 5‬صوم عشر ذي الحجة‪ :‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللّه من هذه األيام العشر‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول اللّه‬
‫وال الجهاد في سبيل اللّه؟ فقال‪ ،‬وال الجهاد في سبيل اللّه إال رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من‬
‫ذلك بشيء)(‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سميت كذلك لتكامل ضوء الهالل وشدة البياض فيها‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.68/2449‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الصوم باب ‪.44/747‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.39/204‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.36/196‬‬
‫(‪ )6‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الصوم باب ‪.52/757‬‬

‫( ‪)1/386‬‬

‫‪ - 6‬صوم األشهر الحرم‪ ،‬وهي‪ :‬ذو القعدة‪ ،‬وذو الحجة‪ ،‬ومحرم‪ ،‬ورجب‪ ،‬وأفضلها صوم محرم‪،‬‬
‫لما روي عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬صم من‬
‫الحرم واترك‪ ،‬صم من الحرم واترك‪ ،‬صم من الحرم واترك‪ .‬وقال بأصابعه الثالثة فضمها ثم‬
‫أرسلها)(‪ .)1‬ولحديث‪( :‬أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللّه المحرم‪ ،‬وأفضل الصالة بعد الفريضة‬
‫صالة الليل)(‪ .)2‬وكذلك يندب صوم شعبان لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كان رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصوم حتى نقول ال ُيفطر ويفطر حتى نقول ال يصوم‪ ،‬فما رأيت رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم استكمل صيام شهر إال رمضان‪ ،‬وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان)(‬
‫‪.)3‬‬
‫‪ - 7‬صوم يوم وإ فطار يوم‪ :‬لحديث عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال لي رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬فصم يوماً وأفطر يوماً‪ ،‬فذلك صيام داود عليه السالم‪ ،‬وهو أفضل الصيام)(‬
‫‪.)4‬‬
‫‪ - 8‬النفل المطلق‪ :‬وهو ما لم يثبت عند الشارع كراهته وال يخصص بوقت‪ ،‬لعموم قوله صلى اللّه‬
‫عليه وسلم فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنه‪( :‬من صام يوماً في سبيل اللّه باعد اللّه وجهه‬
‫عن النار سبعين خريفاً)(‪.)5‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الصوم باب ‪.54/2428‬‬


‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.38/202‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.51/1868‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.55/1875‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.31/168‬‬

‫( ‪)1/387‬‬

‫جواز الفطر في صوم التطوع‪:‬‬


‫اختلف الفقهاء في جواز الفطر لمن نوى الصوم متطوعاً‪:‬‬
‫علي‬
‫‪ - 1‬قال أبو يوسف بالجواز ولو بدون عذر‪ ،‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬دخل ّ‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم فقال‪( :‬هل عندكم شيء؟ فقلنا‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فإني إذن صائم‪ ،‬ثم أتانا‬
‫يوم آخر فقلنا‪ :‬يا رسول اللّه أُهدي لنا َحْيس‪ ،‬فقال‪ :‬أرينيه فلقد أصبحت صائماً‪ ،‬فأكل)(‪.)1‬‬
‫أن ليس له أن يفطر إال لعذر‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال‬
‫‪ - 2‬ذكر الكرخي وغيره ْ‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا دعي أحدكم فليجب‪ ،‬فإن كان مفطراً فليطعم‪ ،‬وإ ن كان صائماً‬
‫فليصل)(‪ .)2‬فلو كان الفطر جائزاً كان الفطر أفضل إلجابة الدعوة التي هي سنة‪.‬‬
‫والصحيح أن إفساد الصوم أو الصالة بعد الشروع بهما نفالً مكروه وليس حراماً ألن الدليل ليس‬
‫قطعي الداللة‪ ،‬لكن يلزمه القضاء‪ .‬أما إن عرض للمتطوع عذر أبيح له الفطر اتفاقاً‪ ،‬والضيافة عذر‬
‫للضيف والمضيف على السواء فيما قبل الزوال ال بعده‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.32/170‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.75/2460‬‬

‫( ‪)1/388‬‬

‫كروه)‪.‬‬
‫الم ُ‬
‫َّوم َ‬
‫القسم الرابع (الص ْ‬
‫وهو قسمان‪:‬‬
‫(‪ )1‬المكروه تنزيهاً‪:‬‬
‫‪ - 1‬صوم يوم عاشوراء منفرداً عن التاسع أو الحادي عشر‪.‬‬
‫‪ - 2‬إفراد يوم الجمعة بالصوم لوجود النهي عنه‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ال تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي‪ ،‬وال تَ ُخصُّوا الجمعة بصيام من بين‬
‫األيام‪ ،‬إال أن يكون في صوم يصومه أحدكم(‪ ،)1‬وعنه أيضاً قال‪ :‬سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫يص ُو َّ‬
‫من أحدكم يوم الجمعة إال يوماً قبله أو بعده)(‪.)2‬‬ ‫يقول‪( :‬ال َ‬
‫‪ - 3‬إفراد يوم السبت بالصوم‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه بن بسر عن أخته أن رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬ال تصوموا يوم السبت إال فيما افترض اللّه عليكم)(‪ .)3‬وكذا إفراد يوم النيروز (‪)4‬‬
‫أو المهرجان (‪ ،)5‬ألنه تعظيم أليام نهينا عن تعظيمها‪ ،‬إال أن يصادف معتاده فال كراهة‪.‬‬
‫‪ - 4‬يكره صوم الدهر لحديث أبي قتادة رضي اللّه عنه وفيه‪( :‬فقال عمر‪ :‬يا رسول اللّه كيف بمن‬
‫يصوم الدهر كله؟ قال‪ :‬ال صام وال أفطر)(‪.)6‬‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.24/148‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.62/1884‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الصوم باب ‪.43/744‬‬
‫(‪َّ )4‬‬
‫النيروز‪ :‬يوم في طرف الربيع‪.‬‬
‫الم ْهرجان‪ :‬يوم في طرف الخريف‪ ..‬وهذا اليوم والذي قبله عيدان للفرس‪.‬‬
‫(‪َ )5‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.36/196‬‬

‫( ‪)1/389‬‬

‫‪ - 5‬يكره صوم يوم الشك إن صامه عن فرض أو واجب أو تردد فيه بين نفل وواجب‪.‬‬
‫‪ - 6‬يكره الوصال في الصوم حتى يتصل صوم الغد باألمس‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إياكم والوصال‪ .‬قالوا‪ :‬فإنك تواصل يا رسول اللّه‪ .‬قال‪:‬‬
‫إنكم لستم في ذلك مثلي‪ .‬إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من األعمال ما تطيقون)(‪.)1‬‬
‫‪ - 7‬يكره صوم المسافر إذا أجهده الصوم‪ ،‬لما روي عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‪:‬‬
‫قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ليس من البر أن تصوموا في السفر)(‪.)2‬‬
‫‪ - 8‬يكره للمرأة أن تصوم تطوعاً وزوجها حاضر إال بإذنه‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي اللّه عنه‬
‫وب ْعلُها شاهد إال بإذنه)(‪ .)3‬وله أن‬
‫قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال تصوم المرأة َ‬
‫يفَ ِّ‬
‫طرها إال أن يكون مريضاً أو صائماً أو ُم ْح ِرماً فال يجوز له منعها في هذه الحال‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪ - 9‬يكره الصوم عن الكالم ألنه في غير شرع اإلسالم وقد نسخه شرعنا‪ ،‬فعن ابن عباس رضي‬
‫اللّه عنهما قال‪ :‬بينما النبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم‪ ،‬فسأل عنه فقالوا‪ :‬أبو‬
‫إسرائيل نذر أن يقوم وال يقعد‪ ،‬وال يستظل وال يتكلم‪ ،‬ويصوم‪ .‬فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪:‬‬
‫(مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه)(‪.)4‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.11/58‬‬


‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.15/92‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب النكاح باب ‪.84/4896‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 6‬كتاب األيمان والنذور باب ‪.30/6326‬‬

‫( ‪)1/390‬‬

‫(‪ )2‬المكروه تحريماً‪:‬‬


‫وهو إن صامه انعقد صومه مع اإلثم‪ ،‬وإ ن شرع فيه ثم أفسده ال يلزمه القضاء‪.‬‬
‫‪ - 1‬صوم يومي عيد الفطر وعيد األضحى‪ ،‬لحديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‪( :‬نهى‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والنحر)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬صوم أيام التشريق‪ ،‬وهي الثالثة التي بعد عيد األضحى‪ ،‬لحديث ُنَب ْي َشة الهُ َذلي قال‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أيام التشريق أيام أكل وشرب)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.65/1890‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.23/144‬‬

‫( ‪)1/391‬‬

‫النذر (‪:)1‬‬
‫حكم الوفاء بالنذر‪:‬‬
‫هو فرض على الراجح‪ ،‬وعلى القول المرجوح واجب إن كان من القربات‪ ،‬ضمن شروط سنذكرها‪،‬‬
‫ودليل كونه واجباً أن اآلية التي ثبت الحكم فيها‪{ :‬وليوفوا نذورهم}(‪ ،)2‬دخلها التخصيص بمن نذر‬
‫معصية ولذا فهي غير قطعية الداللة‪ ،‬فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه‬
‫صه)(‪ )3‬فال وفاء لنذر المعصية بل‬ ‫وسلم‪( :‬من نذر أن يطيع اللّه فليطعه ومن نذر أن يعصه فال يع ِ‬
‫َْ‬
‫يحرم فعلها‪.‬‬
‫وقد انعقد اإلجماع على وجوب الوفاء بنذر الطاعة‪ ،‬إن لم يكن نذر لجاج (‪ )4‬إذ اختلف في وجوب‬
‫الوفاء به‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخر الكالم على النذر تأخيراً لما أوجبه العبد على نفسه عما أوجبه الحق ج ّل وعال عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحج‪.29 :‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 6‬كتاب األيمان والنذور باب ‪.30/6322‬‬
‫(‪ )4‬مثال نذر اللجاج‪ :‬أن ينذر أن يفعل شيئاً إذا أصاب أخاه مكروه‪.‬‬

‫( ‪)1/392‬‬

‫شروط الوفاء بالنذر‪:‬‬


‫‪ - 1‬أن يكون من جنسه فرض بأصله‪ ،‬كالصالة والصوم والحج‪ ،‬إال أن يكون في وقت محرم‪ ،‬كأن‬
‫ينذر صوم أيام التشريق أو العيدين‪ ،‬فيصح النذر ويقضيه في غير هذه األيام‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون المنذور مقصوداً لذاته ال لغيره كالوضوء فإنه مقصوداً لغيره‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن ال يكون واجباً قبل نذره بإيجاب اللّه تعالى كالصلوات الخمس والوتر‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن ال يكون محاالً‪ ،‬كأن يقول‪ S:‬علي صوم أمس‪.‬‬
‫ويصح النذر بالصالة غير المفروضة والصوم والصدقة واالعتكاف والذبح‪.‬‬
‫أقسام النذر‪:‬‬
‫علي صالة ركعتين‪ ،‬وهذا يجب الوفاء به في أي زمان وأي مكان‬
‫‪ - 1‬النذر المطلق‪ :‬كأن يقول للّه َّ‬
‫ألن النذر إيجاب بالفعل من حيث هو قربة‪ .‬وال عبرة للزمان المعين وال للمكان المعين‪ ،‬فلو نذر‬
‫صوم شهر رجب صح منه وفاء لنذره صوم شعبان‪ ،‬ومن نذر صالة ركعتين في مكة صحت منه‬
‫ركعتان في أي مكان‪ .‬كما ال عبرة لتعيين الدرهم وتعيين الفقير‪ ،‬فمن نذر أن يتصدق لفقير معين‬
‫صح منه ألي فقير وبأي درهم‪ ،‬ألن المقصود تحقيق النذر من حيث هو تحقيق معنى العبادة؛ وهذا‬
‫المعنى حاصل بدون مراعاة زمان ومكان وشخص خالفاً لزفر الذي قال بالتعيين‪.‬‬
‫‪ - 2‬النذر المعلق‪ :‬وهو قسمان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬نذر معلق على شرط يريد وقوعه‪ ،‬كأن يقول‪ :‬إن رزقني اللّه غالماً أطعمت عشرة مساكين‪.‬‬
‫فهذا يجب أداؤه إن تحقق الشرط وال يجزئه إن فعله قبل تحقق الشرط‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نذر معلق على شرط ال يريد حصوله‪ ،‬كأن يقول‪ S:‬إن كلمت زيداً فللّه علي عتق رقبة‪ ،‬فإذا‬
‫كلّمه فهو مخير بين أن يوفي بالنذر وبين أن يكفر كفارة يمين ألنه بظاهره نذر وبمعناه يمين‪.‬‬

‫( ‪)1/393‬‬
‫الفصل الثالث [ما يستحب ويكره]‬
‫أوالً ‪ -‬ما يستحب في الصيام‪:‬‬
‫‪ - 1‬تعجيل الفطر أي قبل استفحال النجوم‪ ،‬لحديث سهل بن سعد رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬ال يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬أن يفطر على رطبات ثالث ثم يصلي المغرب‪ ،‬لما روي عن سلمان بن عامر قال‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر‪ ،‬فإن لم يجد فليفطر على الماء فإنه‬
‫طهور)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬أن يدعو اللّه عند اإلفطار ألن الصائم دعاؤه مستجاب‪ ،‬لما روى عبد اللّه بن عمرو ابن العاص‬
‫رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد)(‪.)3‬‬
‫‪ - 4‬السحور‪ :‬لحديث أنس رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬تسحروا‪،‬‬
‫فإن في السحور بركة)(‪ .)4‬وعن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬السحور كله بركة فال تدعوه‪ ،‬ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء‪ ،‬فإن اللّه عز وجل‬
‫ومالئكته يصلون على المتسحرين)(‪ .)5‬وال يكثر منه إخالله بالمراد (ذوق مرارة الجوع)‪.‬‬
‫ويستحب تأخير السحور‪ ،‬لحديث أبي الدرداء رضي اللّه عنه‪( :‬ثالث من أخالق المرسلين‪ :‬تعجيل‬
‫اإلفطار‪ ،‬وتأخير السحور‪ ،‬ووضع اليمين على الشمال في الصالة)(‪.)6‬‬
‫‪ - 5‬الغسل من الحدث األكبر ليالً‪ ،‬ليكون على طهارة من أول يومه‪.‬‬
‫‪ - 6‬اإلكثار من قراءة القرآن ومدارسته‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كان‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أجود الناس‪ ،‬وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل‪،‬‬
‫وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن‪.)7()..‬‬
‫‪ - 7‬التوسعة على العيال‪.‬‬
‫‪ - 8‬اإلكثار من الصدقة‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كان النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫أجود الناس بالخير‪ ،‬وكان أجود ما يكون في رمضان)(‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.44/1856‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصيام باب ‪.25/1699‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصيام باب ‪.48/1753‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.20/1823‬‬
‫(‪ )5‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.150‬‬
‫(‪ )6‬الجامع الصغير‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪ ،136‬رواه الطبراني في الكبير وهو حديث حسن‪.‬‬
‫(‪ )7‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب بدء الوحي باب ‪.1/6‬‬
‫(‪ )8‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.7/1803‬‬

‫( ‪)1/394‬‬

‫‪ - 9‬يسن االعتكاف في رمضان‪ ،‬خاصة في العشر األواخر منه‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها‬
‫قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجتهد في العشر األواخر ما ال يجتهد في غيره)(‪.)1‬‬
‫وفي هذا العشر ليلة القدر‪ ،‬ويستحب أن يطلبها‪ ،‬لما روى أبو هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه)(‪ .)2‬وعن عائشة‬
‫رضي اللّه عنها قالت‪ :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ُيجاور في العشر األواخر من رمضان‪،‬‬
‫ويقول‪( :‬تحَّروا ليلة القدر في العشر األواخر من رمضان)(‪ .)3‬وهي من ليالي الوتر في العشر‬
‫األخير‪ ،‬والعمل في هذه الليلة خير من العمل في ألف شهر‪ ،‬واألفضل‪ S‬أن يحيي كل الليل بأنواع‬
‫العبادة‪ ،‬وأدناها أن يصلي العشاء في جماعة والصبح في جماعة‪ .‬ويستحب لمن وافقها أن يقول‪S:‬‬
‫"اللّهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني"‪ ،‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬قلت يا‬
‫رسول اللّه أرأيت إن علمت أي ليلة ليلةَ القدر ما أقول فيها؟ قال‪ :‬قولي‪( :‬اللّهم إنك عفو كريم تحب‬
‫العفو فاعف عني)(‪.)4‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب االعتكاف باب ‪.3/8‬‬


‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.6/1802‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب صالة التراويح باب ‪.4/1916‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب الدعوات باب ‪.85/3513‬‬

‫( ‪)1/395‬‬

‫ثانياً ‪ -‬ما يكره للصائم‪:‬‬


‫‪ - 1‬الحجامة والفصد والعمل الشاق ألنها تضعف الجسم‪ ،‬سئل أنس بن مالك رضي اللّه عنه‪" :‬أكنتم‬
‫تكرهون الحجامة للصائم؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬إال من أجل الضَّعف"(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬ذوق الطعام إال لحاجة‪ ،‬إذا كان زوجها سيئ الخلق فلها ذوق الملح‪ .‬أما الطعام خشية الغبن‬
‫فمختلف فيه‪.‬‬
‫‪ - 3‬العلك الذي ليس له طعم إن كان متماسكاً يكره‪ ،‬وإ ن كان متفتتاً يفطر ويجب فيه القضاء‪ .‬روي‬
‫عن أم حبيبة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم قولها‪" :‬ال يمضغ العلك للصائم"(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬كل ما يؤدي إلى الوقوع في مفسد كالقبلة والمباشرة إن لم يأمن عدم اإلنزال أو الجماع‪.‬‬
‫‪ - 5‬المبالغة في المضمضة‪ ،‬لما روى لقيط بن صبرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال لي رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم‪ ...( :‬وإ ذا استنشقت فبالغ إال أن تكون صائماً)(‪.)3‬‬
‫‪ - 6‬تأخير الفطر إن تعمده‪ ،‬لحديث أبي ذر رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪( :‬ال تزال أمتي بخير ما عجلوا اإلفطار وأخروا السحور)(‪.)4‬‬
‫‪ - 7‬جمع الريق في الفم ثم بلعه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.32/1838‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.269‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.269‬‬
‫(‪ )4‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.147‬‬

‫( ‪)1/396‬‬

‫ثالثاً ‪ -‬أشياء ال تكره للصائم‪:‬‬


‫‪ - 1‬القبلة والمباشرة مع األمن من عدم اإلنزال والجماع‪ ،‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها‬
‫قالت‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم)(‪ .)1‬وقيل‪ :‬تكره‬
‫المباشرة على الصحيح‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه (أن رجالً سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫عن المباشرة للصائم فرخص له‪ ،‬وأتاه آخر فسأله فنهاه‪ ،‬فإذا الذي رخص له شيخ‪ ،‬والذي نهاه شاب)‬
‫(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬دهن الشارب إذ ليس فيه ما ينافي الصوم‪ ،‬فعن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‪" :‬أصبحوا‬
‫مدهنين صياماً"(‪.)3‬‬
‫‪ - 3‬الكحل‪ :‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬اكتحل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫وهو صائم)(‪.)4‬‬
‫‪ - 4‬الحجامة والفصد إن لم َيضعف عن الصوم‪.‬‬
‫‪ - 5‬السواك آخر النهار بل هو سنة كأوله‪ ،‬لما روي عن عامر بن ربيعة العدوي رضي اللّه عنه‬
‫قال‪( :‬ما أحصي وال أعد ما رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتسوك وهو صائم)(‪ ،)5‬وورد‬
‫عن علي بن عيسى قال‪" :‬سألت عاصم األحول فقلت أيستاك الصائم؟ فقال‪ :‬نعم‪ .‬فقلت‪ :‬برطب‬
‫عمن‪ .‬قال‪ :‬عن أنس بن مالك‬
‫السواك ويابسه‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ .‬قل‪ :‬أول النهار وآخره‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ .‬قلت‪َّ :‬‬
‫عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "(‪.)6‬‬
‫‪ - 6‬المضمضة‪ ،‬واالستنشاق‪ ،‬واالغتسال والتلفف بثوب مبتل قصد التبرد‪ .‬هذا المفتى به وهو قول‬
‫اإلمام يوسف‪ ،‬روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫بالع َرج يصب على رأسه الماء وهو صائم من‬
‫قال‪( :‬لقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم َ‬
‫العطش أو قال من الحر)(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصيام باب ‪.12/65‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.35/2387‬‬
‫(‪ )3‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.167‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الصوم باب ‪.17/1678‬‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.272‬‬
‫(‪ )6‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.272‬‬
‫(‪ )7‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.263‬‬

‫( ‪)1/397‬‬

‫الباب الثاني (االعتكاف)‪.‬‬


‫تعريفه‪:‬‬
‫لغة‪ :‬اللّبث والمقام‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬سواء العاكف فيه والباد}(‪.)1‬‬
‫شرعاً‪ :‬المقام في مكان مخصوص (المسجد) بأوصاف مخصوصة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحج‪.25 :‬‬

‫( ‪)1/398‬‬

‫حكمه‪:‬‬
‫‪ - 1‬واجب في االعتكاف المنذور‪ .‬روي عن عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬من نذر أن يطيع اللّه فليطعه‪ ،‬ومن نذر أن يعصي اللّه فال يعصه)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬سنة مؤكدة في العشر األخير من رمضان‪ ،‬بدليل ما روت عائشة رضي اللّه عنها (أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم كان يعتكف العشر األواخر من رمضان حتى توفاه اللّه عز وجل‪ .‬ثم اعتكف‬
‫أزواجه من بعده)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬مستحب في كل وقت سوى ما ذكر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب النذور واأليمان باب ‪.2/1526‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب االعتكاف باب ‪.1/5‬‬

‫( ‪)1/399‬‬

‫مدته‪:‬‬
‫أقله في الواجب والمنذور‪ :‬يوم فال يجوز أقل من ذلك ألنه يشترط له الصوم وال يكون بأقل من يوم‪،‬‬
‫لما روت عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ال اعتكاف إال بصوم)(‪.)1‬‬
‫ولو نذر يوماً أو يومين لزمته الليالي مع األيام‪.‬‬
‫أما النفل فمدته عند اإلمام يوم على األقل‪ ،‬وعند محمد ساعة فأكثر (‪ ،)2‬وعند أبي يوسف يجوز‬
‫بأكثر النهار‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الصوم باب ‪.80/2473‬‬
‫(‪ )2‬كما هو عند السادة الشافعية‪.‬‬

‫( ‪)1/400‬‬

‫شروط صحته‪:‬‬
‫‪ - 1‬النية‪ :‬لقوله صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إنما األعمال بالنيات)‪ ،‬وألنه عبادة محضة فال يصح بغير‬
‫نية كالصالة والصوم‪ .‬ويجب تحديد نوع االعتكاف عن نذر أو غيره‪.‬‬
‫‪ - 2‬اللّبث في المسجد لقوله تعالى‪{ :‬وال تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}(‪ .)1‬ويصح بأي‬
‫مسجد تقام فيه صالة الجماعة‪ ،‬وهو في المسجد الجامع أفضل‪.‬‬
‫عين في نذره االعتكاف في مسجد معين صح بأي مسجد ويسقط التعيين‪.‬‬
‫ومن ّ‬
‫أما المرأة فتعتكف في مسجد بيتها‪ ،‬ألنه أفضل في حقها‪ ،‬وهو الموضع الذي أعدته لصالتها‪ .‬لما‬
‫روي عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي اللّه عنهم أنها جاءت النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول اللّه إني أحب الصالة معك‪ .‬قال‪( :‬قد علمت أنك تحبين الصالة معي‪ .‬وصالتك في‬
‫بيتك خير لك من صالتك في حجرتك‪ ،‬وصالتك في حجرتك خير من صالتك في دارك‪ ،‬وصالتك‬
‫في دارك خير لك من صالتك في مسجد قَومك‪ ،‬وصالتك في مسجد قومك خير لك من صالتك في‬
‫مسجدي)(‪ .)2‬ولو اعتكفت في المسجد جاز مع الكراهة‪.‬‬
‫‪ - 3‬الصوم‪ ،‬وهو ليس شرطاً في النفل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.187 :‬‬
‫(‪ )2‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 6‬ص ‪.371‬‬

‫( ‪)1/401‬‬

‫شروط المعتكف‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلسالم‪.‬‬
‫‪ - 2‬العقل‪ .‬ويكفي‪ S‬التمييز‪.‬‬
‫‪ - 3‬الطهارة من الحدث األكبر حيضاً كان أو نفاساً أو جنابة‪.‬‬
‫مكروهات االعتكاف‪:‬‬
‫‪ - 1‬يكره البيع والشراء للتجارة والعمل بأمور الدنيا‪.‬‬
‫ويقرأ القرآن‪.‬‬ ‫َّ‬
‫في ْذكر اللّه ُ‬
‫‪ - 2‬يكره الصمت ولكن ال ُيتكلم إال بخير ُ‬
‫‪ - 3‬يكره اللغو والتكلم بكالم الناس‪.‬‬
‫مفسدات االعتكاف‪:‬‬
‫‪ - 1‬الخروج من المسجد ساعة بال عذر ُم ْعتََب ٍر أو نِ ْسياناً‪ .‬أما الخروج لعذر كقضاء حاجة‪ ،‬وحضور‬
‫مجلس علم‪ ،‬وعيادة مريض‪ ،‬وحضور جنازة‪ ،‬وأداء شهادة‪ ،‬وطروء مرض‪ ،‬فال يفسد االعتكاف‪ .‬لما‬
‫علي رأسه‬
‫روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬وإ ن كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليدخل ّ‬
‫وهو في المسجد فأرجله‪ ،‬وكان ال يدخل البيت إال لحاجة إذا كان معتكفاً)(‪.)1‬‬
‫بعد زوال العذر‪.‬‬
‫‪ - 2‬عدم الرجوع إلى المسجد ْ‬
‫‪ - 3‬الحيض والنفاس‪ ،‬إذ يجب أن تخلو مدة االعتكاف منهما‪.‬‬
‫‪ - 4‬الجماع مختاراً أو المباشرة‪.‬‬
‫‪ - 5‬الردة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬لئن أشركت ليحبطن عملك}(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب االعتكاف باب ‪.3/1925‬‬
‫(‪ )2‬الزمر‪.65 :‬‬

‫( ‪)1/402‬‬

‫كتاب الزكاة‬
‫الباب األول [تعريفها‪ ،‬شروطها‪ ،‬األنواع التي تجب فيها]‬
‫تعريف الزكاة‪:‬‬
‫والنماء والبركة‪ .‬يقال‪َ :‬ز َك ِت البقعة إذا بورك فيها‪ ،‬وتزكية النفس‪َ :‬م ْد ُحها‪ ،‬وز ّكى‬
‫لغة‪ :‬الطهارة َّ‬
‫الشاهد إذا مدحه‪.‬‬
‫مؤديها من الذنوب ومن البخل‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫وهذه المعاني كلّها توافق المعنى الشرعي‪ ،‬فهي تطهر ّ‬
‫ويثنى عليه‪.‬‬
‫مدح فاعلها ُ‬
‫وي َ‬
‫{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}(‪ .)1‬وهي تنمي المال ُ‬
‫مال عيَّنه الشارع لمسلم فقير غير هاشمي للّه تعالى مع قَطع المنفعة عن المملِّك‬
‫ك جز ِء ٍ‬
‫شرعاً‪ :‬تملي ُ‬
‫من كل وجه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.103 :‬‬

‫( ‪)1/403‬‬

‫معنى التعريف‪:‬‬
‫‪ - 1‬تمليك‪ :‬أخرج اإلباحة‪ ،‬فلو أطعم فقيراً أو أعاره كساه ال تكون زكاة إال أن يهب له الطعام‪.‬‬
‫‪ - 2‬جزء مال‪ :‬أخرج المنفعة‪ ،‬فال يعتبر زكاة من أسكن في داره فقيراً بنية الزكاة‪.‬‬
‫‪ - 3‬عيَّنه الشارع‪ :‬أخرج النافلة وصدقة الفطر‪.‬‬
‫‪ - 4‬لمسلم فقير‪ :‬فال تصح الزكاة للكافر أو الكتابي‪ ،‬وال للغني وال للّهاشمي‪.‬‬
‫‪ - 5‬قطع المنفعة عن المملّك‪ :‬ليبين أنها ال تجوز للفروع واألصول‪ ،‬وال لمن تجب عليه نفقتهم‪.‬‬
‫‪ - 6‬للّه تعالى‪ :‬تأكيد اشتراط النية فيها‪.‬‬
‫حكم الزكاة‪:‬‬
‫الزكاة ركن من أركان اإلسالم وفرض عين على كل من توفرت فيه الشروط‪.‬‬
‫دليل فرضيتها‪:‬‬
‫ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫من الكتاب‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة}(‪.)1‬‬
‫ومن السنة‪ :‬حديث (بني اإلسالم على خمس‪ ...‬وإ يتاء الزكاة)(‪.)2‬‬
‫وقد فرضت الزكاة فرضت الزكاة في السنة الثانية للّهجرة قبل فرض رمضان‪ ،‬وقُرنت في القرآن‬
‫بالصالة في اثنين وثمانين موضعاً‪ ،‬وهذا دليل على كمال االتصال بينهما‪.‬‬
‫وأجمعت األمة على أنها ركن من أركان اإلسالم حتى صارت معلومة من الدين بالضرورة‪ ،‬فاإليمان‬
‫بها واجب‪ ،‬والجاحد بها كافر‪.‬‬
‫فرق بين‬
‫ولو منعها قوم قاتلهم اإلمام كما فعل الصديق رضي اللّه عنه؛ قال‪( :‬واللّه ألقاتلن من َّ‬
‫الصالة والزكاة‪ ،‬فإن الزكاة حق المال‪ ،‬واللّه لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم لقاتلتهم على منعها)(‪.)3‬‬
‫ومن مات وعليه زكاة أو صدقة فطر فال تؤخذ من تركته‪ ،‬إال إذا تبرع الورثة فتسقط عن الميت بأداء‬
‫الوارث‪ .‬ولو أوصى بها أخذت من الثلث‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.43 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب اإليمان باب ‪.8 / 2‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.1335 / 1‬‬

‫( ‪)1/404‬‬

‫شروط وجوب الزكاة‪:‬‬


‫‪ - 1‬شروط تتعلق بالمالك (المكلف)‪.‬‬
‫‪ - 2‬شروط تتعلق بالملك نفسه‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬شروط المكلف بتأدية الزكاة‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلسالم‪ :‬فال تجب الزكاة على الكافر‪ ،‬وال المرتد حالة ردته؛ ولو رجع وأسلم ال يجب عليه‬
‫قضاء ما فاته حال ردته‪ .‬لما روي عن أنس رضي اللّه عنه أن الصديق رضي اللّه عنه كتب له كتاباً‬
‫لما وجهه إلى البحرين قال فيه‪( :‬هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫على المسلمين)(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬العقل‪.‬‬
‫وليهما بإخراجها ألنه عبادة‬
‫‪ - 3‬البلوغ‪ :‬فال تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون‪ ،‬وال ُيطالب ّ‬
‫محضة وليسا مخاطبين بها‪ ،‬لحديث علي رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬رفع‬
‫القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصبي حتى يحتلم‪ ،‬وعن المجنون حتى يعقل)(‪.)2‬‬
‫وتجب عليهما الغرامات والنفقات والضمانات لكونها من حقوق العباد‪ .‬كما يجب في مالهما زكاة‬
‫الزروع وصدقة الفطر ألن فيهما معنى المؤونة فألحقت بحقوق العباد‪ .‬والمعتوه إن استوعب عتهه‬
‫الحول فال زكاة عليه كالصالة‪ ،‬وإ ن كان ال يستوعب الحول تجب عليه الزكاة‪.‬‬
‫‪ - 4‬الحرية‪ :‬فال تجب الزكاة على العبد ولو كان مكاتباً‪ ،‬فعن جابر رضي اللّه عنه قال‪" :‬ليس في‬
‫مال المكاتب وال العبد زكاة حتى يعتق"(‪.)3‬‬
‫‪ - 5‬ملك النصاب‪ :‬والنصاب اسم لقدر معلوم من مال تجب فيه الزكاة‪ ،‬فال زكاة فيما دونه‪ ،‬ويختلف‬
‫باختالف المال الذي تجب فيه الزكاة لحديث جابر رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫الو ِرق صدقة‪ ،‬وليس فيما دون خمس َّذود من اإلبل‬
‫عليه وسلم‪( :‬ليس فيما دون خمس أواق من َ‬
‫صدقة‪ ،‬وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)(‪.)4‬‬
‫والعبرة بتمام النصاب أول الحول وآخره‪ .‬ويضاف المستفاد أثناء الحول إلى النصاب فيدفع عن‬
‫الجميع آخر الحول‪ ،‬سواء أكان المستفاد ربحاً عن النصاب نفسه ومتولداً عنه أم كان هبة أو وصية‪،‬‬
‫على أن يكون المستفاد مجانساً للنصاب‪ ،‬ولو كان المستفاد بمقدار نصاب أو أكثر‪ ،‬ما دام ملك‬
‫النصاب في يوم ما من الحول فعند تمام الحول ينظر ما معه ويدفع عن الجميع‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.1386 / 37‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 4‬كتاب الحدود باب ‪.4403 / 16‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.109‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة ‪.6‬‬

‫( ‪)1/405‬‬

‫ثانياً ‪ -‬الشروط المتعلقة بالمالك نفسه‪:‬‬


‫‪ - 1‬أن يكون المالك تاماً‪ ،‬أي أن يكون المال تحت يد المالك‪ ،‬فال تجب الزكاة في مال مفقود وال‬
‫مغصوب‪ ،‬وال في مال مدفون ال يعرف مكانه‪ ،‬وال في مال مستملك للدولة‪ .‬وذلك لقوله صلى اللّه‬
‫عليه وسلم‪( :‬ال زكاة في مال ِّ‬
‫الضمار)‪ ،‬وروي عن أيوب السختياني "أن عمر بن عبد العزيز كتب‬
‫في ٍ‬
‫مال قبضه بعض ُوالته ظلماً يأمر َبر ِّده إلى أهله‪ ،‬وتؤخذ زكاته لما مضى من السنين‪ ،‬ثم عقب‬
‫ٍ‬
‫بكتاب أن ال يؤخذ منه إال زكاة واحدة فإنه كان ضماراً"(‪ .)1‬وكذا كل مال كان مصادراً أو‬ ‫بعد ذلك‬
‫محجوزاً‪.‬‬
‫أما َّ‬
‫الد ْين فقسمه األئمة إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الدين الضعيف‪ ،‬ومثله مهر المرأة قبل أن تقبضه‪ ،‬والدين المجحود الذي ال ّبينة عليه‪ .‬وحكم‬
‫زكاة هذا الدين يتبع األموال السابقة بأن ال تدفع زكاة عليه قبل أن يقبض المالك نصاباً ويحول عليه‬
‫الحول‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الدين المتوسط‪ ،‬ومثله ثمن ما باعه من حاجاته األصلية‪ ،‬فيدفع الدائن زكاة هذه األموال عن‬
‫السنوات التي لم يكن المال فيها تحت يده إذا قبض منها نصاباً‪ ،‬فكلما قبض نصاباً ز ّكاه لكل السنوات‬
‫السابقة‪.‬‬
‫مقراً‬
‫جـ ‪ -‬الدين القوي كبدل القرض أو ثمن المبيع بشرط أن يكون المبيع من مال التجارة أو أي مال ّ‬
‫به عن المدين‪ ،‬وتجب الزكاة على الدائن متى قبض منه خمس النصاب أي أربعين درهماً فأكثر‪،‬‬
‫ويعتبر لما مضى من الحول‪ ،‬فيبدأ حوله من وقت بلوغ النصاب فيزكي عن األعوام السابقة لما‬
‫قبضه‪.‬‬
‫هذا حكم الزكاة في الدين إذا لم يكن عند المال نصاب من جنسه‪ ،‬أما إن كان عند المالك أموال غيرها‬
‫فإن ما يقبض يضاف إلى نصاب من جنسه ويدفع زكاته متى حال الحول على األصل ألنه له حكم‬
‫المستفاد أثناء الحول‪.‬‬
‫وال زكاة في المال الموقوف لعدم الملك فيه‪ ،‬وال في الزرع النابت بأرض مباحة‪ ،‬وال زكاة في المال‬
‫المشترى قبل القبض فإذا قبضه زكاه لما مضى(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الموطأ‪ :‬ص ‪.169‬‬
‫(‪ )2‬المال المشترى قبل القبض مملوك للمشتري ملكاً تاماً ولكنه لم يدخل في ضمانه‪ .‬إال إذا كان‬
‫الشراء فاسداً فإنه ال يدخل في ملك المشتري قبل القبض وإ نما يملك بالقبض‪ .‬وعلى كل إذا اشترى‬
‫شيئاً صحيحاً ولم يقبضه ثم قبضه زكاه لما مضى‪.‬‬

‫( ‪)1/406‬‬

‫‪ - 2‬أن يكون المال فارغاً عن دين حان أجله مطالب به من جهة العباد(‪ .)1‬وقيل‪ :‬إن الدين المؤجل‬
‫يمنع‪ ،‬واألصح هو األول‪ .‬أي إن ال يكون المالك مديوناً فيكون المال متعلقاً بحق الدين‪ ،‬ألن الدين‬
‫حاجة أصلية والملك مع وجود الدين يعتبر ناقصاً والزكاة وجبت شكراً للنعمة التامة‪ ،‬وألن اللّه تعالى‬
‫جعل للغارمين حقاً في أموال الزكاة لقضاء ديونهم‪.‬‬
‫ويقصد بالدين المانع من الزكاة‪ :‬الدين الذي له مطالب من قبل العباد‪ .‬سواء أكان دين اللّه كالزكاة‬
‫(ألنه مطالب بها من قبل اإلمام)‪ ،‬أو دين العباد كالقرض وصداق الزوجة والنفقات‪ S‬والكفالة‪.‬‬
‫أما دين اللّه الذي ليس له مطالب من قبل العباد‪ ،‬كالكفارات والنذور والحج‪ ،‬فال تمنع من وجوب‬
‫الزكاة لعدم المطالب‪.‬‬
‫أما زكاة الزروع والثمار فإنها متعلقة بعين الزرع لذلك ال يمنع وجود الدين من وجوبها‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون النصاب زائداً عن حوائجه األصلية‪ ،‬لما روي عن جابر رضي اللّه عنه أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ابدأ بنفسك فتصدق عليها‪ ،‬فإن فضل شيء فألهلك‪ ،‬فإن فضل عن أهلك‬
‫شيء فلذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا)(‪ .)2‬ومما يدل على وجوب تقديم حوائجه األصلية‪ ،‬من الطعام‬
‫والسكن والكتب والركوب‪ .‬ولو كان عنده مال فأمسكه لحاجة أصلية‪ ،‬كشراء بيت أو زواج‪ ،‬وحال‬
‫عليه الحول‪ ،‬وهو بيده‪ ،‬وجب فيه الزكاة (‪.)3‬‬
‫نص الشارع على وجوب الزكاة فيها‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون النصاب من األموال التي َّ‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬الدين ثالثة أقسام‪ - 1 :‬دين خالص للعباد‪ - 2 .‬دين للّه تعالى لكن له مطالباً من جهة العباد‪،‬‬
‫والمطالب هو اإلمام‪ - 3 .‬دين خالص للّه تعالى ليس له مطالب من جهة العباد كالنذور والكفارات‬
‫وصدقة الفطر ونفقة الحج‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.41 / 13‬‬
‫(‪ )3‬ووجب الحج إن حان وقت الحج ولم يتزوج‪.‬‬

‫( ‪)1/407‬‬

‫‪َ - 5‬ح َوالن الحول على جميع أنواع األموال التي تجب فيها الزكاة باستثناء زكاة الزروع والثمار‪.‬‬
‫ومعنى حوالن الحول‪ :‬مرور سنة قمرية على ملكية النصاب‪ ،‬لما روي عن علي رضي اللّه عنه أن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول)(‪ ،)1‬وألنه ال بد من‬
‫التمكن من التصرف في النصاب مدة يتحقق فيها النماء‪.‬‬
‫ويبدأ حول أموال المجنون عند إفاقته‪ ،‬وأموال الصبي عندما يبلغ‪ ،‬وحول أموال السوائم (‪ ،)2‬إن‬
‫اشتراها للتجارة ثم سامها‪ ،‬من وقت السَّوم ال من وقت الشراء‪.‬‬
‫والمعتبر في كمال النصاب طرفا الحول سواء بقي في أثنائه أم هلك جزء منه‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يكون المال نامياً‪ ،‬ويقصد بذلك الثمنية بالنسبة للدراهم والسَّوم لألنعام‪ ،‬ونية التجارة في‬
‫العروض سواء أكانت هذه النية صراحة أم داللة بالبيع والشراء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.1573 / 4‬‬
‫(‪ )2‬السوائم‪ :‬الماشية واإلبل الراعية‪.‬‬

‫( ‪)1/408‬‬

‫شروط صحة أداء الزكاة‪:‬‬


‫‪ - 1‬النية‪ :‬ألن الزكاة عبادة محضة‪ .‬وتكون مقارنة للدفع أو عند عزل المال الواجب (لذا ال تدفع‬
‫الزكاة عن الميت من تركته إال إن أوصى فتدفع من أصل الثلث إال أن يجيز الورثة)‪ .‬فلو دفع للفقير‬
‫بال نية ثم نوى والمال قائم في يد الفقير أو نوى عند الدفع للوكيل جاز ولو دفع الوكيل بدون نية‪ .‬وال‬
‫يجوز للوكيل أن يخلط زكاة موكله بماله فلو خلطها ِ‬
‫ضمن الزكاة وكان متبرعاً بما يتصدق به‪ .‬أما لو‬
‫تصدق بدراهم نفسه ودراهم موكله قائمة مع نية الرجوع إليها أجزأته‪ .‬ولو دفع زكاة موكله إلى ولده‬
‫الفقير أو زوجته جاز‪ .‬وال يجوز أن يأخذها لنفسه إال إذا قال الوكيل‪ :‬ضعها حيث شئت‪.‬‬
‫صور من غير المسلم‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلسالم‪ :‬ألن النية ال تُتَ ّ‬
‫المفتى به في المذهب وهو قول اإلمام‪ ،‬فإن َّ‬
‫أخرها كان‬ ‫‪ - 3‬أن يكون األداء على الفور‪ ،‬وهو القول ُ‬
‫آثماً ألن تأخيرها مكروه تحريماً‪ ،‬وألن األمر بالوجوب معه قرينة حاجة الفقير وهي ملحة‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬إن افتراض الزكاة على التراخي‪ ،‬ففي أي وقت أداها أجزأته‪ .‬واستدال على ذلك‬
‫بأن هالك النصاب بعد وجوب الزكاة مسقط لها إن أن يكون متعدياً‪.‬‬
‫‪ - 4‬الدفع إلى المستحق (وهو أحد األصناف الثمانية التي سيرد بيانها)‪.‬‬
‫‪ - 5‬التمليك‪ :‬فالبد لصحة أداء الزكاة من قبض الفقير لها أو وليه أو الوصي عليه‪ .‬أما لو أطعم‬
‫ونوى الزكاة فال يجزئ‪ .‬وال يصح أداء الزكاة بإسقاط جزء من دين له على فقير‪ ،‬بأن يسامحه به أو‬
‫بجزء منه بنية الزكاة عن ماله‪ .‬لكن لو كان َّ‬
‫الدين نصاباً وسامحه به كامالً سقطت الزكاة عن هذا‬
‫النصاب‪ .‬ولو كان المدين مستحقاً للزكاة فدفع الدائن له من زكاته ثم أعاده الفقير له على سبيل وفاء‬
‫صح‪.‬‬
‫دينه جاز‪ ،‬أو قال‪ :‬خذ من َمديني فالن مبلغاً من المال وكان ناوياً زكاة ماله ّ‬

‫( ‪)1/409‬‬

‫‪ - 6‬توزيعها على فقراء بلده‪ .‬ويكره نقلها إلى بلد آخر الطّالع فقراء بلده على ماله وتعلق آمالهم‬
‫بها‪ ،‬وألنهم أولى بها‪ ،‬إال أن يعطيها لفقراء من ذوي القربى‪ ،‬أو يكون في البلد اآلخر محاويج‬
‫ومجاعات فيجوز نقلها‪ .‬وقد روي أن معاذاً رضي اللّه عنه نقل من صدقات أهل اليمن إلى المدينة‬
‫لفقرهم وشدة احتياجهم‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن يكون األداء من وسط المال في زكاة األعيان (‪ ،)1‬ألن أخذ الجيد يضر المالك وأخذ الرديء‬
‫يضر الفقير‪ ،‬ولحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لمعاذ‬
‫بن جبل حين بعثه إلى اليمن‪ ...( :‬فإياك وكرائم أموالهم)(‪.)2‬‬
‫وعن سويد بن َغ َفلة قال‪" :‬أتانا مصدق النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ...‬وأتاه رجل بناقة َكوماء (‪)3‬‬
‫فقال‪ :‬خذها‪ .‬فأبى‪ .)4("....‬وعن قرة بن دعموص أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬وخذ‬
‫صدقاتهم من حواشي أموالهم)(‪.)5‬‬
‫‪ - 8‬أن تخرج الزكاة من المال الحالل‪ ،‬فال تجوز الزكاة بالمال الحرام القطعي‪.‬‬
‫وال يشترط لصحة األداء حوالن الحول‪ ،‬لذا يصح تعجيل الزكاة لسنة أو سنتين أو سنوات‪ ،‬لما روي‬
‫عن علي رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لعمر‪( :‬إنا قد أخذنا زكاة العباس عام‬
‫األول للعام)(‪.)6‬‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬األعيان‪ :‬مأخوذ من َع ْين الشيء‪ ،‬كزكاة َّ‬
‫النعم‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.1425 /62‬‬
‫(‪ )3‬ناقة كوماء‪ :‬أي ضخمة السَّنام‪.‬‬
‫(‪ )4‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.101‬‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.102‬‬
‫(‪ )6‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الزكاة باب ‪.37/679‬‬

‫( ‪)1/410‬‬

‫ويشترط للتعجيل‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون المال عند التعجيل بالغاً النصاب ليتحقق سبب الوجوب‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن ال ينقطع النصاب أثناء الحول‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون النصاب كامالً في آخر الحول ألنه وقت وجوب األداء‪.‬‬
‫وال يشترط بقاء آخذ الزكاة مستحقاً وال على قيد الحياة حتى تمام الحول‪ ،‬ألن المهم كونه مستحقاً عند‬
‫الدفع إليه‪.‬‬
‫ويجوز دفع القيمة عوضاً عن عين المال‪ ،‬وكذا يجوز البدل بدفع القيمة في الكفارات والنذور وصدقة‬
‫الفطر‪.‬‬
‫وتقدر القيمة يوم األداء في السائمة باالتفاق‪ ،‬وفي غيرها قال الصاحبان‪ :‬يوم األداء أيضاً وقال‬
‫غيرهما‪ :‬يوم الوجوب‪ .‬وتعتبر القيمة في البلد الذي فيه المال‪ ،‬فإن كان المال في مفازة ففي أقرب‬
‫األمصار‪ .‬روي عن معاذ رضي اللّه عنه أنه قال ألهل اليمن‪" :‬ائتوني بِ َع ْر ٍ‬
‫ض‪ ،‬ثياب َخميص أو‬
‫لَبيس (‪ ،)1‬في الصدقة‪ ،‬مكان الشعير والذرة‪ ،‬أهون عليكم‪ ،‬وخير ألصحاب النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم بالمدينة"(‪ .)2‬بخالف الهَ ْدي واألُضحية فال تصح فيهما القيمة ألنها غير معقولة المعنى‪.‬‬
‫يكره إعطاء الفقير الواحد أكثر من نصاب إال إذا كان مديوناً‪ ،‬فيجوز أن يعطي ما يكفي لوفاء دينه‪،‬‬
‫أو إذا كان عنده عيال بحيث لو فرق عليهم ما أخذه يجب أن يصيب كل واحد منهم دون النصاب‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬اللّبيس‪ :‬الثوب إذا َكثُر لُْب ُسه‪.‬‬


‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪ 32‬تعليقاً‪.‬‬

‫( ‪)1/411‬‬

‫األنواع التي تجب فيها الزكاة‪:‬‬


‫تجب الزكاة في خمسة أنواع من األموال‪:‬‬
‫‪َّ - 1‬‬
‫النعم (السوائم)‪.‬‬
‫‪ - 2‬الذهب والفضة‪.‬‬
‫‪ - 3‬العروض التجارية‪.‬‬
‫والركاز‪.‬‬
‫‪ - 4‬المعادن ِّ‬
‫‪ - 5‬الزروع والثمار‪.‬‬

‫( ‪)1/412‬‬

‫الباب الثاني [زكاة النعم‪ ،‬الزروع والثمار‪ ،‬النقد‪ ،‬العروض التجارية]‬


‫الفصل األول‪َ :‬زكاة َّ‬
‫الن َعم‬
‫َّ‬
‫الن َعم هي‪ :‬اإلبل‪ ،‬والبقر ويشمل الجاموس‪ ،‬والغنم بنوعيه الضأن والمعز‪ .‬والمراد بها األهلية‪ ،‬فال‬
‫زكاة في الوحشية‪ .‬أما المتولدة بين وحشي وأهلي ينظر فيه لألم فإن كانت أهلية ففيها الزكاة وإ ال‬
‫فال‪.‬‬
‫شروط وجوب زكاة النعم‪:‬‬
‫يشترط إضافة إلى الشروط العامة ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تكون سائمة‪ .‬والسوم في اللغة معناه‪ :‬أن ترعى الماشية بنفسها وال تُ ْعلَف‪ .‬وفي اصطالح‬
‫والسمن حوالً أو أكثر الحول‪.‬‬
‫النسل والزيادة ّ‬‫الد ِّر أو َّ‬
‫الفقهاء‪ :‬أن ترعى الماشية بنفسها بقصد َ‬
‫‪ - 2‬أن ترعى أكثر الحول في ٍ‬
‫كأل مباح‪.‬‬
‫الدر والنسل والسمن وذلك لتحقق معنى َّ‬
‫النماء‪ .‬فلو أسيمت للحمل أو‬ ‫‪ - 3‬أن يقصد من سومها ّ‬
‫الركوب أو ُس ِّومت بدون قصد مالكها ال تدفع عليها زكاة‪ .‬ولو ُس ِّومت للتجارة فليس فيها زكاة‬
‫السوائم بل زكاة التجارة‪ .‬ولو ُحولت من التجارة إلى السوم أثناء الحول بطل حولها األول وبدأ حول‬
‫السوم من وقت التحويل‪.‬‬

‫( ‪)1/413‬‬

‫أوالً‪ :‬زكاة اإلبل‪:‬‬


‫نصاب اإلبل ومقدار زكاتها‪:‬‬
‫ُحدد نصاب اإلبل وما يتعلق بصدقتها في كتاب سيدنا أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه إلى أنس‬
‫رضي اللّه عنه لما وجهه إلى البحرين أميراً عليها ونصه‪( :‬هذه فريضة الصدقة‪ ،‬التي فرض رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم على المسلمين‪ ،‬والتي أمر اللّه بها رسوله‪ ،‬فمن سئلها من المسلمين على‬
‫عط‪ :‬في أربع وعشرين من اإلبل فما دونها‪ ،‬من الغنم‪ ،‬من كل‬ ‫وجهها َفْليع ِطها‪ ،‬ومن سئل فوقها فال ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مخاض (‪ )1‬أنثى‪ ،‬فإذا بلغت ستاً‬‫ٍ‬ ‫خمس شاة‪ ،‬فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمساً وثالثين ففيها بنت‬
‫وثالثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون (‪ )2‬أنثى‪ ،‬فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها ِحقَّة (‬
‫ط ُروقَة الجمل‪ ،‬فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة (‪ ،)4‬فإذا بلغت ‪ -‬يعني‬ ‫‪َ )3‬‬
‫‪ِ -‬ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لَُبون‪ ،‬فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها ِحقّتان‬
‫ط ُروقتا الجمل‪ ،‬فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون‪ ،‬وفي كل خمسين ِحقَّة‪،‬‬ ‫َ‬
‫ومن لم يكن معه إال أربع من اإلبل فليس فيها صدقة إال أن يشاء ربُّها‪ ،‬فإذا بلغت خمساً من اإلبل‬
‫ففيها شاة‪.)5()...‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬بنت المخاض‪ :‬التي لها من العمر سنة واحدة‪.‬‬
‫(‪ )2‬بنت لبون‪ :‬لها من العمر سنتان وطعنت في الثالثة‪.‬‬
‫(‪ِ )3‬‬
‫الحقَّة‪ :‬التي لها من العمر ثالث سنوات‪.‬‬
‫(‪ )4‬الجذعة‪ :‬التي لها من العمر أربع سنوات‪.‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.37/1386‬‬

‫( ‪)1/414‬‬

‫وإ ذا زادت على عشرين ومائة تستأنف الفريضة فال يجب على الزيادة حتى تصير خمساً فتجب فيها‬
‫شاة‪ .‬فإذا صار المجموع خمسين ومائة وجب فيها ثالث ِحقاق‪ ،‬فإذا صار مائتين وجب فيها أربع‬
‫ِحقاق‪ .‬لما روى البيهقي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم في الصدقة‬
‫كتاباً ومما جاء فيه‪( :‬إلى أن تبلغ عشرين ومائة‪ ،‬فإذا كانت أكثر من ذلك فعد في كل خمسين حقة وما‬
‫فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة اإلبل)(‪ ،)1‬وروي هذا أيضاً عن علي وابن مسعود رضي اللّه عنهما‬
‫وهما من فقهاء الصحابة‪.‬‬
‫وبناء على هذه الكتب يكون ترتيب زكاة اإلبل كما يلي‪:‬‬
‫في كل خمس من اإلبل شاة واحدة‪.‬‬
‫في كل عشرة في اإلبل شاتان‪.‬‬
‫في كل خمس عشرة من اإلبل ثالث شياه‪.‬‬
‫في كل عشرين إلى أربع وعشرين أربع شياه‪.‬‬
‫في كل خمس وعشرين إلى خمس وثالثين بنت مخاض‪.‬‬
‫في كل ست وثالثين إلى خمس وأربعين بنت لبون‪.‬‬
‫في كل ست وأربعين إلى ستين ِحقَّة‪.‬‬
‫في كل واحدة وستين إلى خمس وسبعين جذعة‪.‬‬
‫في كل ست وسبعين إلى تسعين بنتا لبون‪.‬‬
‫في كل إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ِحقّتان‪.‬‬
‫ثم تستأنف الفريضة بعدها فما زاد على مائة وعشرين‪ ،‬حتى يصير المجموع مائة وخمسين‪ .‬ففي كل‬
‫مائة وخمسين إلى مائة وتسع وتسعين من اإلبل ثالث ِحقاق‪ .‬فإذا صارت مائتين ففيها أربع ِحقاق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.94‬‬

‫( ‪)1/415‬‬
‫ثانياً‪ :‬زكاة البقر‪:‬‬
‫نصاب البقر‪ :‬أول نصاب البقر ثالثون‪.‬‬
‫زكاته‪ :‬إذا بلغ الملك ثالثين من البقر فزكاته تبيع (‪ )1‬أو تبيعة‪.‬‬
‫فإذا بلغ األربعين فزكاته َّ‬
‫مسنة (‪.)2‬‬
‫فإذا بلغ الستين فزكاته تبيعان‪.‬‬
‫فإذا بلغ السبعين فزكاته َّ‬
‫مسنة وتبيع‪.‬‬
‫فإذا بلغ الثمانين فزكاته مسنتان‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما روي (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل‬
‫ثالثين بقرة تبيعاً أو تبيعة‪ ،‬ومن كل أربعين مسنة)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التبيع من البقر‪ :‬هو الذي بلغ سنة وطعن في الثانية‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسنة‪ :‬ما لها من العمر سنتان وطعنت في الثالثة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الزكاة باب ‪.5/623‬‬

‫( ‪)1/416‬‬

‫ثالثاً‪ :‬زكاة الغنم‪:‬‬


‫أول نصاب الغنم أربعون‪ ،‬وال يجب في أقل منها صدقة‪.‬‬
‫مقدار الزكاة‪ :‬إذا بلغ الملك أربعين من الغنم فزكاته شاة واحدة‪.‬‬
‫فإذا بلغ الملك مائة وإ حدى وعشرين فزكاته شاتان‪.‬‬
‫فإذا بلغ الملك مائتين وواحدة فزكاته ثالث شياه‪.‬‬
‫فإذا بلغ الملك أربعمائة فزكاته أربع شياه‪.‬‬
‫ثم في كل مائة شاة‪ ،‬وذلك لما ورد في كتاب سيدنا أبي بكر إلى أنس بن مالك رضي اللّه عنهما وفيه‪:‬‬
‫(‪ ...‬وفي صدقة الغنم‪ :‬في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة‪ ،‬فإذا زادت على عشرين‬
‫ومائة شاتان‪ ،‬فإذا زادت على مائتين إلى ثالثمائة ففيها ثالث شياه‪ ،‬فإذا زادت على ثالثمائة ففي كل‬
‫مائة شاة‪ ،‬فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة‪ ،‬فليس فيها صدقة إال أن يشاء ربها)(‬
‫‪ .)1‬وفي رواية أخرى لحديث أنس رضي اللّه عنه أن أبا بكر رضي اللّه عنه كتب له‪( :‬وال ُيخرج‬
‫ص ِّدق)(‪ .)2‬وال يجزئ في زكاة النعم إال‬ ‫من الصدقة َه ِرمة‪ ،‬وال ذات َع َوار‪ ،‬وال تَْيس‪ ،‬إال ما شاء ُ‬
‫الم َ‬
‫ني(‪.)3‬‬‫َّ‬
‫الث ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.37/1386‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.38/1387‬‬
‫(‪ )3‬الثني‪ :‬هو الذي أتم السنة وطعن في الثانية‪.‬‬

‫( ‪)1/417‬‬

‫زكاة الخيل‪:‬‬
‫وزفَر‬
‫ال يجب في الخيل السائمة زكاة عند الصاحبين‪ ،‬وهو القول المفتى به‪ ،‬ويرى اإلمام أبو حنيفة ُ‬
‫للد ّر والنسل‪ ،‬وسائمة ذكوراً وإ ناثاً‪ ،‬وحال عليها الحول فتجب فيها الزكاة‪ .‬وإ ن كانت ذكوراً‬
‫إذا كانت َ‬
‫خير أن يدفع عن‬
‫فقط أو إناثاً فقط فاألصح هو عدم وجوب الزكاة فيها‪ .‬فإن كانت من أفراس العرب ّ‬
‫كل فرس ديناراً‪ ،‬لما روي عن جابر رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬في‬
‫يقومها ويدفع عن كل مائتي درهم خمسة دراهم‪ .‬أما‬
‫الخيل السائمة في كل فرس دينار)(‪ ،)1‬أو أن ّ‬
‫إن لم تكن من أفراس العرب فيقومها ويدفع القيمة‪.‬‬
‫وأما إذا كانت للتجارة فتجب فيها زكاة التجارة باالتفاق‪ .‬أما إن كانت علوفة‪ ،‬أو سائمة للحمل أو‬
‫الركوب أو الجهاد‪ ،‬فال شيء فيها الشتغالها بالحاجة األصلية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.119‬‬

‫( ‪)1/418‬‬

‫أحكام عامة في زكاة السوائم‪:‬‬


‫‪ - 1‬أجمع الفقهاء على أن البغال والحمير ال تجب فيها الزكاة ولو كانت سائمة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ال تدفع عن الصغار (المولدة) زكاة إال تبعاً للكبار ولو واحدة‪ .‬فلو هلكت الكبار كلها قبل نهاية‬
‫الحول فال يدفع شيئاً عن الصغار حتى يحول حولها‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا هلك النصاب بعد حوالن الحول بدون تفريط من المالك سقطت عنه الزكاة بال ضمان‪ ،‬أما‬
‫قصر في حفظها فتكون الزكاة ديناً واجباً في ذمته‪.‬‬
‫فرط أو ّ‬
‫لو باعها أو استهلكها أو ّ‬
‫‪ - 4‬تؤخذ الزكاة من الذكور مع وجود اإلناث أو تؤخذ من الغالب‪ ،‬وال تؤخذ المريضة وال المعيبة‬
‫عيباً واضحاً‪.‬‬
‫‪ - 5‬يضم ما يستفاد من السوائم أثناء الحول إلى أصل من نوعه إن وجد‪ ،‬ولو استفيد عن طريق‬
‫اإلرث‪ ،‬ويزكى متى حال الحول على األصل‪ .‬وكذا ربح كل نصاب يضم إلى أهله‪.‬‬

‫( ‪)1/419‬‬

‫الزروع والثِّ َمار‬


‫الفصل الثاني‪َ :‬زكاة ُ‬
‫تجب الزكاة في كل ما تنتجه األرض بقصد االستغالل واالستنبات سواء أكان صالحاً للبقاء كالحبوب‬
‫أم غير صالح للبقاء كالثمار والخضار من خوخ ومشمش وباذنجان‪...‬‬
‫دليلها ومقدارها‪:‬‬
‫ثبت وجوب زكاة المحاصيل الزراعية بالكتاب والسنة وإ جماع الصحابة‪.‬‬
‫من الكتاب‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬وآتوا حقه يوم حصاده}(‪ ،)1‬وقال تعالى‪{ :‬وأنفقوا من طيبات ما كسبتم‬
‫ومما أخرجنا لكم من األرض}(‪.)2‬‬
‫ومن السنة‪ :‬حديث عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬فيما سقت‬
‫السماء والعيون أو كان َعثَِرياً (‪ )3‬العشر‪ ،‬وما سقي َّ‬
‫بالنضح (‪ )4‬نصف العشر)(‪.)5‬‬
‫وقد أجمعت األمة على وجوب الزكاة في الزروع والثمار‪.‬‬
‫الع ْشر‪.‬‬
‫وتسمى زكاة الزروع والثمار ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األنعام‪.141 :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.267 :‬‬
‫الم َسايل‪.‬‬
‫ُجري إليه من َ‬
‫ي‪ :‬هو من الزرع ما ُسقي بماء السيل والمطر وأ ْ‬ ‫العثَِر ّ‬
‫(‪َ )3‬‬
‫ضح‪َ :‬نقل الماء على أي شيء‪ .‬و ِفقه ذلك أن ما ُسقي بغير مشقة أو كان بعالً فزكاته العشر‪،‬‬ ‫(‪َّ )4‬‬
‫الن ْ‬
‫وما سقي بتعب أو مشقة فعليه نصف العشر‪.‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.54/1412‬‬

‫( ‪)1/420‬‬

‫شروط وجوب العشر‪:‬‬


‫‪ - 1‬أن تكون األرض غير خراجية لكي ال يجتمع عشر وخراج‪ ،‬لما روي عن البيهقي بسنده عن‬
‫أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال‪" :‬ال يجتمع على المسلم خراج وعشر"(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬أن تكون المنتجات بقصد االستغالل واالستثمار‪ ،‬فال تجب الزكاة في الحطب والقصب‬
‫والحشيش والصمغ‪ ...‬وال تجب في ثمار شجر الدار أو بستان داخل الدار ألنه تابع له‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن تكون األرض مسقية بماء المطر أو السيح (‪ )2‬كالنهر‪ ،‬أما إن سقيت بكلفة (كدلو أو دوالب‬
‫أو غير ذلك) ففيه نصف العشر‪ .‬وإ ن سقيت نصف الوقت بماء السماء أو السيح أو النهر والنصف‬
‫اآلخر بالدلو ففيه نصف العشر‪ ،‬وقيل‪ :‬ثالثة أرباعه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.132‬‬
‫(‪ )2‬السِّيح‪ :‬الماء الظاهر الجاري على وجه األرض‪.‬‬

‫( ‪)1/421‬‬

‫ما ال يشترط في زكاة الحرث‪:‬‬


‫‪ - 1‬ال يشترط حوالن الحول‪ ،‬ألنه قد تنبت األرض في السنة أكثر من مرة‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬وآتوا‬
‫حقه يوم حصاده}‪.‬‬
‫‪ - 2‬ال يشترط بلوغ النصاب‪ ،‬فتجب زكاة الحرث في كل ما تنبته األرض قليله وكثيره‪.‬‬
‫‪ - 3‬ال يشترط البلوغ والعقل‪ S،‬فتجب في أرض المجنون والصغير‪.‬‬
‫‪ - 4‬ال يشترط ملكية األرض‪ ،‬ألنها قد تجب على المستأجر عند الصاحبين‪ ،‬أو على المشتري إن‬
‫اشترى الزرع قبل إدراكه‪ .‬كما تؤخذ من األراضي الموقوفة‪.‬‬
‫‪ - 5‬ال يشترط خلو المكلف من َّ‬
‫الدين‪.‬‬
‫‪ - 6‬ال يشترط في المستنبت البقاء بل تجب في الخضر والفواكه أيضاً‪.‬‬
‫على من تجب زكاة الحرث‪:‬‬
‫أجر أرضاً أو أعارها‬
‫تجب زكاة الحرث في األصل على كل من استنبت أرضاً وجنى قطافها‪ .‬فلو َّ‬
‫لالستنبات فالزكاة على المستأجر أو المستعير‪ ،‬بينما الخراج على مالك األرض بصرف النظر عن‬
‫المستفيد منها‪.‬‬
‫ولو باع الزرع قبل إدراكه فالعشر على المشتري‪ ،‬أما إن باعه بعد إدراكه فالزكاة على البائع‪.‬‬
‫الب ْذر من صاحب األرض فعليه الزكاة‪ ،‬وإ ن كان من العامل فعليهما‬
‫أما في المزارعة‪ :‬إن كان َ‬
‫بالحصة‪.‬‬
‫الذمة حتى لو تركه سنين يدفع عن الجميع‪ .‬أما‬
‫ولو استهلك الثمر قبل دفع زكاته وجب العشر َدْيناً في ّ‬
‫لو ترك الخراج فال يدفع عن ما مضى عند اإلمام‪.‬‬
‫ُخذ من تركته كالديون‪.‬‬‫وإ ذا مات إنسان وعليه عشر أو خراج أ ِ‬
‫زكاة العسل‪:‬‬
‫يجب في العسل زكاة وذلك تبعاً للزروع والثمار‪ ،‬ألن النحل يتغذى من الثمار واألزهار (‪،)1‬‬
‫والثمار فيها العشر‪ .‬فإذا أنتج عسالً في أرض خراجية ولو لم تكن أرضاً عشرية كأن تكون في جبل‬
‫أو مفازة‪ ،‬تجب فيه الزكاة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬بخالف دود القز‪ ،‬فإنه يتناول األوراق‪ ،‬وليس في األوراق عشر‪.‬‬

‫( ‪)1/422‬‬

‫دليلها ومقدار ما يجب‪:‬‬


‫يجب في العسل عشر اإلنتاج‪ ،‬وال يشترط في زكاته نصاب وال حول‪ .‬ودليل ذلك ما روي عن عبد‬
‫العشر)(‪ ،)1‬وعن‬
‫اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬أخذ من العسل ُ‬
‫أبي سيارة المتقي قال‪ :‬قلت يا رسول اللّه إن لي نخالً‪ .‬قال‪ِّ :‬‬
‫(أد العشر)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الزكاة باب ‪.20/1824‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الزكاة باب ‪.20/1823‬‬

‫( ‪)1/423‬‬

‫الخراج‪:‬‬
‫تقسم األراضي إلى قسمين‪ :‬عشرية وخراجية‪.‬‬
‫‪ - 1‬األرض العشرية‪ :‬وهي األرض المستنبتة بقصد االستغالل بيد المسلم‪ ،‬ويدفع عنها العشر‪.‬‬
‫وتضم‪:‬‬
‫‪ - 1‬أراضي العرب فهي كلها عشرية‪.‬‬
‫ط ْوعاً‪.‬‬
‫‪ - 2‬كل أرض أسلم أهلها َ‬
‫‪ - 3‬كل أرض فتحت عنوة ثم قُ ِسمت بين الفاتحين‪.‬‬
‫وات وسقاه بماء مسلم‪.‬‬‫‪ - 4‬ما أحياه المسلم من م ٍ‬
‫َ‬
‫‪ - 2‬األرض الخراجية‪ :‬ويدفع عنها الخراج‪ .‬وهي تضم‪:‬‬
‫‪ - 1‬كل أرض فتحها المسلمون عنوة‪ ،‬وتركوها في يد أهلها يزرعونها ويدفعون خراجها لبيت مال‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ذمي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪ - 2‬كل أرض موات أحياها ّ‬
‫‪ - 3‬أرض سواد العراق كلها خراجية بأمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‪.‬‬
‫‪ - 4‬كل أرض لمسلم تسقى بماء الخراج كاألنهار التي حفرها الكفار‪.‬‬
‫‪ - 5‬أرض الغنائم التي اقتطعها اإلمام لذمي‪.‬‬
‫‪ - 6‬دار الذمي إذا اتخذها بستاناً‪.‬‬
‫‪ - 7‬كل أرض اشتراها مسلم من ذمي تبقى خراجية (‪ .)1‬وال يجتمع على أرض عشر وخراج لقول‬
‫إبراهيم‪" :‬ال يجتمع على المسلم خراج وعشر"‪ ،‬وألن سبب العشر اإلسالم فهو عبادة وسبب الخراج‬
‫ضريبة على األرض يدفعها غير المسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫فعة‪ ،‬أو بحكم القضاء‪ ،‬أو ُر ّدت عليه بسبب فساد البيع فإنها‬ ‫(‪ )1‬أما إن اشتراها من ذمي بحق ُّ‬
‫الش َ‬
‫تبقى عشرية‪.‬‬

‫( ‪)1/424‬‬

‫الفرق بين العشر والخراج‪:‬‬


‫الع ْشر‪:‬‬
‫أ‪ُ -‬‬
‫‪ - 1‬هو عبادة‪ ،‬ألنه زكاة على الثمار والزروع (نماء)‪.‬‬
‫‪ - 2‬يجب على المسلم وال يجب في حق غيره‪.‬‬
‫‪ - 3‬يدفع على الثمار والزروع‪.‬‬

‫الخراج‪:‬‬
‫تقسم األراضي إلى قسمين‪ :‬عشرية وخراجية‪.‬‬
‫‪ - 1-‬األرض العشرية‪ :‬وهي األرض المستنبتة بقصد االستغالل بيد المسلم‪ ،‬ويدفع عنها العشر‪.‬‬
‫وتضم‪:‬‬
‫‪ - 1‬أراضي العرب فهي كلها عشرية‪.‬‬
‫ط ْوعاً‪.‬‬
‫‪ - 2‬كل أرض أسلم أهلها َ‬
‫‪ - 3‬كل أرض فتحت عنوة ثم قُ ِسمت بين الفاتحين‪.‬‬
‫وات وسقاه بماء مسلم‪.‬‬‫‪ - 4‬ما أحياه المسلم من م ٍ‬
‫َ‬
‫‪ - 2-‬األرض الخراجية‪ :‬ويدفع عنها الخراج‪ .‬وهي تضم‪:‬‬
‫‪ - 1‬كل أرض فتحها المسلمون عنوة‪ ،‬وتركوها في يد أهلها يزرعونها ويدفعون خراجها لبيت مال‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ذمي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪ - 2‬كل أرض موات أحياها ّ‬
‫‪ - 3‬أرض سواد العراق كلها خراجية بأمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‪.‬‬
‫‪ - 4‬كل أرض لمسلم تسقى بماء الخراج كاألنهار التي حفرها الكفار‪.‬‬
‫‪ - 5‬أرض الغنائم التي اقتطعها اإلمام لذمي‪.‬‬
‫‪ - 6‬دار الذمي إذا اتخذها بستاناً‪.‬‬
‫‪ - 7‬كل أرض اشتراها مسلم من ذمي تبقى خراجية (‪ .)1‬وال يجتمع على أرض عشر وخراج لقول‬
‫إبراهيم‪" :‬ال يجتمع على المسلم خراج وعشر"‪ ،‬وألن سبب العشر اإلسالم فهو عبادة وسبب الخراج‬
‫ضريبة على األرض يدفعها غير المسلم‪.‬‬
‫‪ - 4‬ال تجب زكاة الثمار والزروع حتى تحصد (‪.)1‬‬
‫ب ‪ -‬الخراج‪:‬‬
‫‪ - 1‬هو ضريبة على األرض‪.‬‬
‫‪ - 2‬يدفعه الذمي عن األرض‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجب الخراج على األرض إذا تمكن من زراعتها ولم يفعل‪.‬‬
‫__________‬
‫وزفر‪ :‬يجب عند ظهور الثمرة واألمن‬
‫(‪ )1‬اختلفوا في وقت الثمار والزروع‪ ،‬فقال اإلمام أبو حنيفة ُ‬
‫عليها من الفساد وإ ن لم يستحق الحصاد إذا بلغت حداً ينتفع بها‪ ،‬وقال أبو يوسف‪ :‬عند استحقاق‬
‫الحصاد‪ ،‬وقال محمد‪ :‬إذا حصدت وصارت في الجرين‪.‬‬

‫( ‪)1/425‬‬

‫النقد‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬زكاة ّ‬
‫تجب الزكاة بإجماع الفقهاء في نقود الذهب والفضة وسبائكها إذا تحققت فيها شروط وجوب الزكاة‪.‬‬
‫ضروب‪ ،‬من الذهب والفضة‪ ،‬ولو خالطه معادن أخرى بنسبة قليلة‪ ،‬ألنه ال‬
‫الم ْ‬
‫كما تجب الزكاة في َ‬
‫يقوم كالعروض‪،‬‬
‫عبرة للمغلوب‪ .‬ويعتبر المغشوش قليالً كالخالص‪ .‬وإ ن كان مخلوطاً بنسبة كبيرة ّ‬
‫إال إذا كان يخلص منه ما يبلغ نصاباً‪ ،‬أو أقل وعنده ما يتم به النصاب‪ ،‬أو كان أثماناً رائجة وبلغت‬
‫من أدنى نقد تجب زكاته‪ ،‬فتجب الزكاة وإ ال فال‪.‬‬
‫نصاب الذهب والفضة‪:‬‬
‫نصاب الذهب عشرون مثقاالً (‪ ،)1‬ودليل ذلك ما روي عن علي رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم‪ ،‬وليس عليك شيء‬
‫‪ -‬يعني في الذهب ‪ -‬حتى يكون لك عشرون ديناراً‪ ،‬فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول‬
‫ففيها نصف دينار)(‪.)2‬‬
‫ونصاب الفضة مائتا درهم (‪ ،)3‬ودليل ذلك ما روى جابر رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه‬
‫الو ِرق (‪ )5‬صدقة)(‪.)6‬‬
‫عليه وسلم أنه قال‪( :‬ليس فيما دون خمس أوراق (‪ )4‬من َ‬
‫والعبرة للوزن إذا كان كل صنف على حدة بلغ نصاباً‪ ،‬أما في ضم الذهب إلى الفضة فالعبرة للقيمة‪،‬‬
‫إذ يجوز ضم أحد النقدين إلى اآلخر‪ ،‬بل يجب إذا لم يكن لكل منهما نصاب إلتمام النصاب‪ ،‬ألنهما‬
‫من حيث الثمنية شيء واحد‪.‬‬
‫ضم‪ .‬ولو أراد صاحب نصابين مختلفين ضمهما ليدفع‬‫وإ ذا كان لكل منهما نصاب أدى منهما بغير ّ‬
‫الزكاة من نوع واحد‪ ،‬جاز بشرط أن يكون الضم لمصلحة الفقير‪.‬‬
‫وتضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة حتى يتم النصاب كما يضم الذهب إلى الفضة‪ .‬ويكون‬
‫الضم باعتبار األجزاء عند الصاحبين وباعتبار القيمة عند اإلمام‪ ،‬فلو كان لدى شخص نصف نصاب‬
‫الصاحب ْين‬
‫َ‬ ‫من الفضة وربع نصاب من الذهب‪ ،‬فعند اإلمام يضم باعتبار القيمة وتجب الزكاة‪ ،‬وعند‬
‫يضم باعتبار األجزاء فال تجب الزكاة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أي ما يعادل (‪ )100‬غ ذهباً‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.4/1573‬‬
‫(‪ )3‬أي ما يعادل (‪ )700‬غ فضة‪.‬‬
‫(‪َ )4‬أواق‪ :‬جمع أوقية‪ ،‬وهي أربعون درهماً‪.‬‬
‫الو ِرق‪ :‬وهو الفضة‪.‬‬
‫(‪َ )5‬‬
‫(‪ )6‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة ‪.6/‬‬

‫( ‪)1/426‬‬

‫مقدار الزكاة في النقدين‪:‬‬


‫الواجب في الذهب والفضة ربع العشر مطلقاً‪ ،‬وما زاد على النصاب فاختُِلف فيه‪:‬‬
‫‪ - 1‬قول اإلمام أبي حنيفة‪ :‬ال تُدفع الكسور حتى تبلغ خمس النصاب‪ ،‬أي أربعين درهماً في الفضة‬
‫وأربعة مثاقيل في الذهب‪ .‬وذلك لما روي عن الحسن البصري قال‪" :‬كتب عمر إلى أبي موسى‬
‫األشعري ‪ -‬رضي اللّه عنهما ‪ :-‬فما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهماً درهم"(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬قول الصاحبين‪ :‬ما زاد على النصاب فبحسابه قل الزائد أو كثر‪ ،‬لما روي عن علي رضي اللّه‬
‫عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬هاتوا ربع العشور‪ ،‬من كل أربعين درهماً درهم‪ .‬وليس‬
‫عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم‪ ،‬فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم‪ ،‬فما زاد فعلى حساب‬
‫ذلك‪.)2()...‬‬
‫والعبرة عند الدفع للوزن إن كان دفع من جنس النصاب‪ ،‬وللقيمة إن دفع من غير جنسه أو في حالة‬
‫ضم الجنسين لبعضهما‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الجوهر النقي (بذيل السنن الكبرى للبيهقي)‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.135‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.4/1572‬‬

‫( ‪)1/427‬‬

‫الحْلي وأدوات االستعمال المتخذة من الذهب والفضة‪:‬‬


‫زكاة َ‬
‫تجب الزكاة في الحلي وأدوات االستعمال المتخذة من الذهب والفضة مطلقاً‪ ،‬سواء أكانت مباحة أو‬
‫محرمة االستعمال‪ ،‬متى بلغ المملوك منها نصاباً‪ .‬وذلك لما روي عن أم سلمة رضي اللّه عنها قالت‪:‬‬
‫كنت ألبس أوضاحاً من ذهب فقلت‪ :‬يا رسول اللّه ‪ -‬صلى اللّه عليه وسلم ‪ -‬أكنز هو؟ قال‪( :‬ما بلغ‬
‫أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز)(‪.)1‬‬
‫والعبرة فيه لوزن الذهب الصافي أو الفضة ال القيمة‪ .‬مثالً‪ :‬من كان عنده إبريق من الفضة وزنه (‬
‫‪ )150‬غ وقيمته مائتين فال زكاة عليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.140‬‬

‫( ‪)1/428‬‬

‫سبب وجوب الزكاة فيها‪:‬‬


‫الثمنية التي تجعلها محالً َّ‬
‫للنماء‪ ،‬فاقتناؤها يوجب الزكاة‪ .‬والدليل على ذلك ما روى عمرو بن شعيب‬
‫عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها َم َس َكتان‬
‫(‪ )1‬غليظتان من ذهب‪ .‬فقال لها‪( :‬أتعطين زكاة هذا؟ قالت‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬أيسرك أن يسوركم اللّه بهما‬
‫يوم القيامة سوارين من نار؟ قال‪ :‬فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقالت‪ :‬هما للّه‬
‫عز وجل ولرسوله)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫الم َس َكتان‪ :‬بالتحريك تثنية َم َس َكة‪ ،‬وهي هنا السِّوار‪.‬‬
‫(‪َ )1‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.3/1563‬‬

‫( ‪)1/429‬‬

‫زكاة الآللئ والجواهر‪:‬‬


‫ال تجب الزكاة في الآللئ والجواهر وإ ن بلغت قيمتها آالفاً‪ ،‬لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه‬
‫عن جده قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال زكاة في حجر)(‪ )1‬إال أن تكون للتجارة‬
‫ففيها الزكاة‪ ،‬لما روي عن سعيد بن جبير قال‪" :‬ليس في حجر زكاة إال ما كان لتجارة من جوهر وال‬
‫ياقوت وال لؤلؤ وال غيره إال الذهب والفضة"(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.146‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.146‬‬

‫( ‪)1/430‬‬

‫زكاة األوراق النقدية‪:‬‬


‫المعتمد هو أن تدفع الزكاة مطلقاً عن األوراق النقدية سواء كانت تحت يد صاحبها أو ُم ْو َدة في‬
‫المصارف‪.‬‬
‫مسد النقدين في التعامل والرواج فأخذت حكمهما في وجوب‬ ‫وسبب وجوب الزكاة فيها أنها َّ‬
‫سدت ّ‬
‫الزكاة‪ ،‬وألن وجوب الزكاة في النقدين هو لخاصة الثمنيَّة‪ ،‬فإذا وجدت في غيرهما كاألوراق النقدية‬
‫أخذت حكمهما في وجوب الزكاة‪.‬‬
‫ويجب فيها ربع العشر كما في الذهب والفضة‪.‬‬
‫والركاز‪:‬‬
‫زكاة المعدن ِّ‬
‫الركاز‪ :‬لغة‪ :‬اإلثبات‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وشرعاً‪ :‬مال مركوز تحت األرض سواء كان بخلق اللّه من كل معدن منطبع (‪ ،)1‬أو كان مما كنزه‬
‫الكفار في أرض عشرية أو خراجية أو َمفَازة أو َجَبل‪ ،‬وجده مسلم أو ذمي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المنطبع‪ :‬القابل للطرق والصفح‪.‬‬

‫( ‪)1/431‬‬

‫مقدار زكاة الركاز‪:‬‬


‫‪ - 1‬إن كان من َد ْفن الجاهلية ففيه الخمس‪ ،‬يدفع لبيت مال المسلمين‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪ ...( :‬وفي الركاز الخمس)(‪ .)1‬والباقي‬
‫لمالك األرض إن وجد أو ورثته أو لبيت مال المسلمين‪ .‬أما إن وجد الركاز في صحراء أو مفازة‬
‫ذمياً‪.‬‬
‫فالباقي عن الخمس لواجده ولو كان ّ‬
‫وأما المعدن (‪ )2‬فال شيء فيه إن وجده في داره أو حانوته عند اإلمام أبي حنيفة وقاال فيه الخمس‪.‬‬
‫وإ ن وجده في أرضه فهناك روايتان عن اإلمام؛ فعلى رواية األصل ال شيء فيه وعلى الرواية‬
‫األخرى ‪ -‬وهي موافقة لقول الصاحبين ‪ :-‬هناك فرق بين األرض والدار ووجهه أن الدار ال مؤنة‬
‫فيها أصالً فلم تخمس فصار الكل للواجد بخالف األرض فإن فيها مؤنة الخراج والعشر فتخمس‪.‬‬
‫واألخذ بهذه الرواية ْأولى‪.‬‬
‫للح ْربي شيء من الركاز إن استخرج بغير إذن اإلمام‪ ،‬فإن كان بإذنه فله ما شرط فيه‪.‬‬
‫وليس َ‬
‫‪ - 2‬إن كان الركاز من دفن المسلمين‪ ،‬كأن يكون عليه طبع يدل على أنه بعد اإلسالم‪ ،‬فحكمه حكم‬
‫طة (‪.)3‬‬‫اللُّقَ َ‬
‫‪ - 3‬إن لم تظهر عليه أية عالمة اعتبر من َد ْفن الجاهلية‪.‬‬
‫يخمس‪ ،‬بل هو لواجده كله ولو كان مستأمناً‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن وجد الكنز في أرض الكفار أو صحرائها فال َّ‬
‫أما إن وجده في أرض مملوكة رده إلى مالكه تحرزاً من الغدر‪ ،‬فإن هرب به َملَكه ُمْلكاً خبيثاً سبيله‬
‫ُّ‬
‫التصدق‪.‬‬
‫‪ - 5‬إن وجد الفيروز والياقوت والزمرد في جبل أو مفازة أي في مواضعها‪ ،‬فليس فيها شيء‪ ،‬فإن‬
‫كانت من كنز الجاهلية ففيها الخمس لكونها غنيمة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.65/1428‬‬
‫(‪ )2‬خرج بقولنا المعدن الكنز فإنه يخمس ولو وجده في أرض مملوكة ألحد أو في داره‪.‬‬
‫(‪ )3‬اللقطة إن لم يعرف صاحبها بعد سنة من تعريفها والمناداة عليها‪ ،‬فإن كان الملتقط فقيراً انتفع‬
‫بها على شرط الضمان‪ ،‬وإ ن كان غنياً تصدق بها على شرط الضمان أيضاً إن ظهر صاحبها ولم‬
‫ُي ِج ِز الصدقة‪.‬‬
‫( ‪)1/432‬‬

‫مصارف الزكاة‪:‬‬
‫هي مصارف الغنائم رغم أن الركاز أُلحق بالزكاة‪ .‬وبناء على هذا يجوز للواجد أن يصرف الخمس‬
‫على نفسه أو ولده إن كان فقيراً بحيث تكون أربع أخماس دون النصاب‪.‬‬
‫أما ما يستخرج من البحر سواء أكان لؤلؤاً أم ذهباً مدفوناً في قاع البحر‪ ،‬فليس فيه شيء‪ .‬لما روي‬
‫عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال‪" :‬ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء دسره البحر"(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.146‬‬

‫( ‪)1/433‬‬

‫الفصل الرابع‪َ :‬زكاة العروض التجارية‬


‫المتاجر به‪ ،‬ألن التجارة‬
‫أجمع الفقهاء على وجوب الزكاة في عروض التجارة مهما كان نوع المال ُ‬
‫تجعل المال نامياً‪ ،‬وهي علة وجوب الزكاة‪ ،‬ولحديث َس ُم َرة بن ُجندب رضي اللّه عنه قال‪( :‬أما بعد‪،‬‬
‫فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يأمرنا أن ُن ِ‬
‫خرج الصدقة من الذي نعد للبيع)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.2/1562‬‬

‫( ‪)1/434‬‬

‫شروط وجوب الزكاة‪:‬‬


‫المتاجر به نصاباً من ذهب أو فضة‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪ - 1‬أن تبلغ قيمة المال‬
‫ضة‪ ،‬فلو تملكها بإرث فال تجب فيها زكاة العروض حتى يتاجر بها فعالً‪ ،‬لما‬
‫عاو َ‬
‫‪ - 2‬أن تُملك بعقد ُم َ‬
‫روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪" :‬ليس في العروض زكاة إال ما كان للتجارة"(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬أن ينوي التجارة بها عند الشراء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.147‬‬
‫( ‪)1/435‬‬

‫كيفية إخراجها‪:‬‬
‫وتقوم قيمتها بأحد َّ‬
‫النقدين‪ ،‬فإن بلغت نصاباً وجبت‬ ‫يمكن ضم جميع العروض التجارية إلى بعضها َّ‬
‫قوم باألصلح للفقراء أو َّ‬
‫بالنقد الغالب‪ .‬وروى البيهقي بسنده عن أبي عمرو بن حماس‬ ‫فيها الزكاة‪ .‬وتُ َّ‬
‫أن أباه حماس (كان حماس يبيع األدم والجعاب) قال‪" :‬مررت بعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‬
‫وعلى عنقي آدمة أحملها فقال عمر‪ :‬أال تؤدي زكاتك يا حماس؟ فقلت يا أمير المؤمنين ما لي غير‬
‫هذه التي على ظهري وآهبة في القرط فقال‪ :‬ذاك مال فضع‪ .‬قال‪ :‬فوضعتها بين يديه فحسبها‪.‬‬
‫فوجدت قد وجبت فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة"(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.147‬‬

‫( ‪)1/436‬‬

‫زكاة المباني المؤجرة‪:‬‬


‫ال زكاة في المباني المؤجرة التي لم يقصد بها التجارة‪ ،‬وإ نما تجب الزكاة على األجرة إذا حال عليها‬
‫الحول أو ضمت إلى النصاب الموجود عند المالك‪.‬‬
‫زكاة المصانع‪:‬‬
‫ال زكاة على اآلالت المستعملة في المصنع‪ ،‬ألنها ليست للتجارة‪ ،‬وإ نما تجب في المواد كالخيوط‬
‫والحديد المعدة للبيع وغيرها (‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورد في مجلة لواء اإلسالم تحت عنوان‪( :‬الزكاة والنظام االجتماعي) لإلمام أبي زهرة‪ :‬ما‬
‫يلي‪ :‬يلحق بزكاة المحاصيل الزراعية زكاة المباني المؤجرة باعتبار أن علة وجوب الزكاة هو‬
‫كسبتْه‬
‫النماء‪ .‬والمحاصيل الزراعية تدفع العشر أو نصف العشر من الخارج من األرض أي مما َ‬ ‫َّ‬
‫األرض‪ ،‬فإن المباني المؤجَّرة والمصانع تنتج أرباحاً كبيرة (تحقق النماء) لذا فقد أوجب الفقهاء‬
‫الم ْحدثون الزكاةَ على المباني ودور السكن المؤجَّرة والمصانع (وذلك خالفاً للمذهب)‪.‬‬
‫ُ‬
‫ويدفع يوم القبض {وآتوا حقه يوم حصاده}‪.‬‬
‫والمقدار الواجب فيها هو نصف العشر‪ُ ،‬‬
‫نقالً عن محاضرات في الفقه اإلسالمي العام ‪ /‬د‪ .‬فوزي فيض اللّه‪.‬‬
‫( ‪)1/437‬‬

‫الباب الثالث (مصارف الزكاة)‪.‬‬


‫حدد اللّه تعالى األفراد الذين يستحقون صرف الزكاة إليهم في ثمانية أصناف‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬
‫{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها‪ ،‬والمؤلفة قلوبهم‪ ،‬وفي الرقاب‪ ،‬والغارمين‪ ،‬وفي‬
‫ّ‬
‫سبيل اللّه‪ ،‬وابن السبيل}(‪.)1‬‬
‫وللمالك أن يعطي جميع األصناف أو يقتصر على صنف واحد؛ ألن الزكاة حق اللّه تعالى‪ ،‬وهو‬
‫اآلخذ الفعلي لها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}(‪ ،)2‬وروي عن عبد‬
‫اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قوله‪" :‬إن الصدقة تقع في يد اللّه قبل أن تقع في يد السائل‪ .‬ثم قرأ عبد‬
‫اللّه‪ :‬وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات"(‪.)3‬‬
‫وقد استثني من األصناف الثمانية المؤلفة قلوبهم وذلك بإجماع الصحابة قالوا‪ :‬إن اللّه عز وجل أعز‬
‫اإلسالم فال حاجة لتأليف القلوب عليه فقد انتهى الحكم بانتهاء علته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.60 :‬‬
‫(‪ )2‬التوبة‪.104 :‬‬
‫(‪ )3‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪ ،111‬رواه الطبراني في الكبير‪.‬‬

‫( ‪)1/438‬‬

‫شرح األصناف السبعة‪:‬‬


‫‪ - 1‬الفقير (‪ :)1‬وهو الذي يملك شيئاً قليالً ال يكفيه؛ أي الذي يملك ما ال يبلغ نصاباً‪ ،‬أو يملك نصاباً‬
‫غير ٍ‬
‫نام ُم ْستَ ْغ َرقَاً في حوائجه (كثمن داره التي يسكنها‪ ،‬أو مصروفه) ولو كان صحيحاً مكتسباً‪ .‬أما‬
‫مستهلك فلي حوائجه األصلية فال يجوز إعطاؤه من مال الزكاة وال‬ ‫ٍ‬ ‫إن كان يملك نصاباً غير ٍ‬
‫نام غير‬
‫يجب عليه دفع الزكاة‪ ،‬بل تجب عليه صدقة الفطر واألضحية‪.‬‬
‫‪ - 2‬المسكين‪ :‬وهو أدنى حاالً من الفقير‪ ،‬فهو الذي ال شيء له‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬أو مسكيناً ذا َمتربة}(‬
‫‪ .)2‬وروي عن اإلمام أبي حنيفة قوله الفقير الذي ال يسأل والمسكين الذي يسأل‪.‬‬
‫‪ - 3‬العامل عليها‪ :‬وهو الموظف على جبايتها وتوزيعها من قبل اإلمام(‪ ،)3‬ولو هلك مال الزكاة في‬
‫يده سقط حقه في األجر‪ .‬ويجوز للعامل ولو كان غنياً ألنه فرغ نفسه لهذا العمل فيأخذ عوض عمله‬
‫ما يكفيه وأعوانه بشرط أن ال يتجاوز ذلك نصف ما جبى‪.‬‬
‫‪ - 4‬الرقاب‪ :‬وهم المكاتبون مكاتبة صحيحة فيعطون ما يعينهم على ِ‬
‫العتق‪.‬‬
‫‪ - 5‬الغارم‪ :‬وهو المديون الذي ال يملك لدينه وفاء‪ ،‬والدفع إليه أفضل منه للفقير‪.‬‬
‫‪ - 6‬في سبيل اللّه‪ :‬وهم المنقطعون من الغزاة‪ ،‬أي الذين عجزوا عن اللحوق بجيش اإلسالم لفقرهم‬
‫بهالك النفقة أو الدابة أو غيرهما فتحل لهم الزكاة‪.‬‬
‫‪ - 7‬ابن السبيل‪ :‬هو المنقطع عن أهله‪ ،‬البعيد عن ماله‪ ،‬فيعطي من الزكاة ما يوصله إلى أهله أو‬
‫ماله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الفقر شرط في جميع األصناف إال العامل والمكاتب وابن السبيل‪.‬‬
‫(‪ )2‬البلد‪.16 :‬‬
‫(‪ )3‬أما ُجباة الجمعيات فيشترط فقرهم‪.‬‬

‫( ‪)1/439‬‬

‫الذين ال يجوز دفع الزكاة إليهم‪:‬‬


‫‪ - 1‬بنو هاشم ومواليهم‪ ،‬لقوله صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس‪،‬‬
‫وإ نها ال تحل لمحمد وال آلل محمد)(‪ ،)1‬ولما رواه ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى‬
‫أهل البيت من الصدقات شيء وال ُغسالة أيدي الناس‪،‬‬
‫اللّه عليه وسلم قال البني عمه‪( :‬ال يحل لكما َ‬
‫الخ ُمس لما يغنيكم أو يكفيكم)(‪.)2‬‬
‫إن لكم في خمس ُ‬
‫وقد روى أبو عصمة عن اإلمام أنه يجوز الدفع إلى بني هاشم في زمانه ألن عوضها وهو خمس‬
‫الخمس لم يصل إليهم‪.‬‬
‫‪ - 2‬األغنياء‪ :‬لما روي عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(ال تَ ِح ّل الصدقة لغني وال لذي ِم ّرة سوي)(‪ .)3‬كما ال تح ّل لولد الغني الصغير (دون البلوغ) وال‬
‫الم ْق َعد؛ أي الذي فرضت نفقته على أبيه (أما إذا كان قبل فرض نفقته فيجوز أن‬
‫إلى ابنه الكبير ُ‬
‫يعطى)‪ ،‬وال إلى مملوكه‪ ،‬ألنهم أغنياء بغناه‪ .‬بخالف ولد الغني الكبير وزوجته وأبيه إن كانوا فقراء‪،‬‬
‫فمن األ َْولى جميع األقارب الذين تجب نفقتهم على الغني إن كانوا فقراء فال يعتبرون أغنياء بغناه‪.‬‬
‫والغني في الشرع ثالث مراتب‪:‬‬
‫‪ - 1‬غني يحرم عليه السؤال‪ ،‬ويح ّل له أخذ الزكاة‪ :‬وهو أن يملك قوت يومه وستر عورته‪ ،‬أو كان‬
‫صحيحاً مكتسباً‪ ،‬لما روى سهل بن الحنظلية رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬من‬
‫سأل وعنده ما يغنيه‪ ،‬فإنما يستكثر من النار‪ .‬فقالوا‪ :‬يا رسول اللّه وما يغنيه؟ قال‪ :‬قدر ما يغديه‬
‫ويعشيه)(‪.)4‬‬
‫‪ - 2‬غني يحرم عليه السؤال واألخذ‪ ،‬ويوجب عليه صدقة الفطر واألضحية‪ :‬وهو أن يملك نصاباً‬
‫غير ٍ‬
‫نام عن حوائجه األصلية‪.‬‬
‫‪ - 3‬غني يحرم عليه السؤال واألخذ‪ ،‬ويوجب عليه صدقة الفطر واألضحية والزكاة‪ :‬وهو أن يملك‬
‫نِصاباً كامالً نامياً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.51/168‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪ ،91‬رواه الطبراني في الكبير‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.23/1634‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.23/1629‬‬

‫( ‪)1/440‬‬

‫ذمي أو َح ْربي‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه‬


‫‪ - 3‬غير المسلمين‪ :‬فال يجوز دفع الزكاة إلى ّ‬
‫عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما بعث معاذاً رضي اللّه عنه إلى اليمن قال له‪( :‬فأخبرهم‬
‫أن اللّه قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)(‪.)1‬‬
‫للذمي بخالف النذور والكفارات فال يجوز دفعها عند أبي يوسف‬
‫ّ‬ ‫أما الصدقات النافلة فيجوز أن تُدفع‬
‫إال لمسلم كالزكاة‪.‬‬
‫المز ّكي وأصوله كاألب والجد واألم والجدة‪ ،‬من الجانبين‪ ،‬والولد وولد الولد وإ ن َسفل‪.‬‬
‫‪ - 4‬فروع ُ‬
‫ويجوز إعطاؤها إلى من سوى ما ذكر كاألخوة واألخوات واألعمام والعمات واألخوال والخاالت‬
‫الفقراء‪ ،‬بل هم أولى لما فيه من الصلة مع الصدقة‪.‬‬
‫المزكي اتفاقاً‪ ،‬فال يجوز للزوج أن يدفع زكاة ماله لزوجته لوجوب نفقتها عليه‪ .‬واختُِلف‬
‫‪ - 5‬زوجة ُ‬
‫في جواز دفع الزوجة زكاة مالها لزوجها فعند اإلمام ال يجوز أن تدفع الزوجة زكاة مالها لزوجها‬
‫ولو كان فقيراً‪ ،‬ألنه يعود بالنفع عليها‪ ،‬وهو القول المعتمد‪ .‬وعند الصاحبين يجوز‪ ،‬وذلك لما روي‬
‫عن زينب‪ .‬فقال‪( :‬أي الزيانب؟ فقيل امرأة ابن مسعود‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬ائذنوا لها‪ .‬فأُِذن لها‪ .‬قالت‪ :‬يا نبي‬
‫اللّه‪ ،‬إنك أمرت اليوم بالصدقة‪ ،‬وكان عندي حلي لي‪ ،‬فأردت أن أتصدق به‪ ،‬فزعم ابن مسعود‪ :‬أنه‬
‫وولده أحق من تصدقت به عليهم‪ ،‬فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬صدق ابن مسعود‪ ،‬زوجك‬
‫ِ‬
‫تصدقت به عليهم)(‪.)2‬‬ ‫وولدك أحق من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب اإليمان باب ‪.7/31‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.43/1393‬‬
‫( ‪)1/441‬‬

‫تعقيبات‪:‬‬
‫‪-‬إذا دفع المكلف الزكاة لرجل ظنه مستوفياً للشروط فقيراً أو مسكيناً‪ ،‬ثم تبين له خالف ذلك‪ ،‬جاز‬
‫وصحت الزكاة عند اإلمام خالفاً ألبي يوسف‪ ،‬ودليل ذلك ما روي عن معن رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها‪ ،‬فوضعها عند رجل في المسجد‪ ،‬فجئت فأخذتها‪ ،‬فأتيته بها‪،‬‬
‫فقال‪ :‬واللّه ما إياك أردت‪ ،‬فخاصمته إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬فقال‪( :‬لك ما نويت يا‬
‫يزيد‪ ،‬ولك ما أخذت يا معن)(‪.)1‬‬
‫‪-‬ال يجوز دفع الزكاة لبناء مسجد أو إصالح شارع‪ ،‬وال يقضى بها دين عن ميت‪ ،‬وال ُيغسل منها‬
‫وال ُيكفن‪.‬‬
‫‪-‬ما يأخذه البغاة (‪ )2‬يسقط الخراج وال يسقط الزكاة‪ ،‬ألنهم ال يصرفونها في مصارف الزكاة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.14/1356‬‬
‫(‪ )2‬البغاة‪ :‬هم الذين خرجوا على اإلمام واستولوا على السلطة‪.‬‬

‫( ‪)1/442‬‬

‫الباب الرابع (صدقة ِ‬


‫الفطر)‪.‬‬ ‫َ‬
‫حكمها ودليلها‪:‬‬
‫وهي واجبة‪ ،‬وال يكفر جاحدها‪ ،‬بدليل ما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪( :‬فرض رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر واألنثى‪ ،‬والحر والمملوك‪ ،‬صاعاً من تمر أو‬
‫أم َر أ َْمر إيجاب‬
‫"فرض" في الحديث َ‬
‫َ‬ ‫صاعاً من شعير)(‪ .)1‬وهي ليست فرضاً‪ ،‬ألن معنى كلمة‬
‫واألمر الثابت بدليل ظني يفيد الوجوب‪ ،‬وألن اإلجماع المنعقد على وجوبها ليس قطعياً ألنه لم ُينقل‬
‫بالتواتر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب صدقة الفطر باب ‪.8/1440‬‬

‫( ‪)1/443‬‬
‫الحكمة من تشريعها‪:‬‬
‫شرعت صدقة الفطر لجبر الخلل الواقع في الصوم‪ ،‬كما يجبر سجود السهو نقص الصالة‪ ،‬وذلك‬
‫لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زكاة ِ‬
‫الفطر طُهرة‬
‫للصائم من اللَّغو َّ‬
‫والرفَث وطعمة للمساكين)(‪.)1‬‬

‫كما شرعت للتوسعة على الفقراء والمساكين وإ غنائهم عن سؤال الناس في يوم العيد‪ ،‬وذلك للحديث‬
‫المتقدم ولقوله صلى اللّه عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عمر رضي اللّه عنهما‪( :‬أغنوهم عن الطواف‬
‫في هذا اليوم)(‪ .)2‬كما أنها سبب لقبول الصيام لما روي أن‪ :‬صوم شهر رمضان معلق بين السماء‬
‫واألرض وال يرفع إال بزكاة الفطر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.17/1609‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني وسنده ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)1/444‬‬

‫ويلي عليه‪.‬‬
‫ونه َ‬
‫سببها‪ :‬رأس َي ُم ُ‬
‫شروط وجوبها‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلسالم‪ :‬فال تجب على الكافر ولو عن عبده المسلم‪ .‬لكن يجب على المولى أن يدفع عن عبده‬
‫الكافر لتحقق السبب وهو رأس يمونه ويلي عليه‪.‬‬
‫‪ - 2‬الحرية‪ :‬فال تجب على العبد ألنه ال يملك‪ ،‬بل يجب على سيده أن يخرجها عنه‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يملك مقدار نصاب ٍ‬
‫خال عن الدين وزائد عن حوائجه األصلية‪ ،‬سواء أكان نامياً أم غير نام‪.‬‬
‫وال يشترط بقاء النصاب‪ ،‬فلو هلك النصاب بعد وجوبها ال تسقط عنه بخالف الزكاة‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يدركه فجر عيد الفطر‪ ،‬فمن مات قبل الفجر أو ُوِلد بعده فال تجب عليه صدقة الفطر‪.‬‬
‫وال يشترط لوجوبها العقل والبلوغ‪ ،‬فتجب في مال الصبي والمجنون‪ ،‬وإ ذا لم يخرجها وليُّهما كان‬
‫آثماً‪ ،‬ويجب عليهما دفعها للفقراء بعد اإلفاقة أو البلوغ‪.‬‬
‫على من تجب زكاة الفطر‪:‬‬
‫ونه‪ ،‬بدليل حديث ابن عمر‬
‫تجب على كل من توفرت فيه شروط الوجوب‪ ،‬فتجب عن نفسه وعمن َي ُم ُ‬
‫رضي اللّه عنهما قال‪( :‬أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير‪،‬‬
‫والحر والعبد ممن تمونون)(‪ .)1‬أي يجب أن يدفع عمن تقع عليه واليته ومؤونته‪ ،‬فيدفع األب عن‬
‫ولده الصغير الفقير‪ ،‬وعن ولده الكبير الذي في عياله إن كان فقيراً ومجنوناً‪ ،‬وعن عبده ولو ذمياً‪.‬‬
‫وال تجب على الزوج عن زوجته أو ولده الكبير الفقير العاقل‪ ،‬لكن إن دفعها ولو من غير إذنهما‬
‫أجزأت بشرط كونهما في عياله‪.‬‬
‫وال يجب على المكلف أن يخرجها عن أمه وأبيه ولو كانا فقيرين‪ ،‬إن أن يتبرع‪ ،‬أو كان أحدهما‬
‫مجنوناً فقيراً فيدفع عنه لوجود المؤونة والوالية‪.‬‬
‫الج ّد عن أوالد ابنه القاصرين الفقراء عند موت أبيهم‪ .‬وال يدفع عن أوالد ابنته ولو فقراء‪.‬‬
‫ويدفع َ‬
‫وتدفع المرأة عن نفسها إن كانت غنية‪ ،‬وال تدفع عن أوالدها وال عن زوجها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.141‬‬

‫( ‪)1/445‬‬

‫مقدارها‪:‬‬
‫نصف صاع من القمح‪ ،‬أو صاع من زبيب أو تمر أو شعير‪.‬‬
‫ويجوز دفع القيمة وهي أفضل عند وجدان الفقير ما يحتاجه‪ ،‬بأن كان الزمن زمن خصب‪ ،‬ألن‬
‫الع ْين أفضل‪ .‬ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي‬
‫الحكمة منها إغناؤه‪ .‬أما إن كان زمن شدة فإخراج َ‬
‫اللّه عنهما قال‪( :‬فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من شعير أو صاعاً من‬
‫والح ِّر والمملوك)(‪.)1‬‬
‫تمر‪ ،‬على الصغير والكبير‪ُ ،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب صدقة الفطر باب ‪.9/1441‬‬

‫( ‪)1/446‬‬

‫وقتها‪:‬‬
‫أفضل وقت إلخراجها قبل الخروج لصالة عيد الفطر‪ ،‬ويجوز إخراجها بعد دخول شهر رمضان‪،‬‬
‫وال يجوز تقديمها عنه‪ ،‬ويكره تأخيرها عن صالة العيد‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما‬
‫والرفث وطُ ْع َمة‬ ‫قال‪( :‬فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زكاة ِ‬
‫الفطر طُهرة للصائم من اللّغو َّ‬
‫للمساكين‪ ،‬من أداها قبل الصالة فهي زكاة مقبولة‪ ،‬ومن أداها بعد الصالة فهي صدقة من الصدقات)(‬
‫‪ .)1‬لكنها ال تسقط بالتأخير‪ ،‬ولو لم ِّ‬
‫يؤدها ثبتت َدْيناً في ذمته يجب عليه دفعها‪ ،‬ولو أخرها حتى‬
‫مات؛ فإن دفعها الورثة أو غيرهم أجزأت ِ‬
‫وبرئت ذمته‪ ،‬وإ ن أوصى بها تُخرج من الثلث‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.17/1609‬‬

‫( ‪)1/447‬‬

‫كتاب الحج‬
‫الباب األول (تعريف الحج وشروطه)‪.‬‬
‫لغة‪ :‬القصد إلى َّ‬
‫معظم‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬زيارة مكان مخصوص‪ ،‬في زمن مخصوص‪ ،‬بفعل مخصوص‪.‬‬
‫ويقصد بالمكان المخصوص‪ :‬الكعبة وعرفات‪.‬‬
‫وبالزمن المخصوص‪ :‬الوقوف‪ S‬بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة‪ ،‬والطواف بالبيت فجر يوم النحر‬
‫إلى ما بعده‪.‬‬
‫والفعل المخصوص‪ :‬اإلحرام بنية الحج وباقي األركان‪.‬‬
‫حكمه‪:‬‬
‫أ ‪ -‬هو ركن من أركان اإلسالم‪ ،‬وفرض عين على كل مستطيع‪ ،‬يكفر جاحده‪ ،‬وهو عبادة مالية‬
‫وبدنية‪.‬‬
‫دليل فرضيته‪:‬‬
‫ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫حج البيت من استطاع إليه سبيالً‪ ،‬ومن كفر فإن اللّه غني‬
‫من الكتاب‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬وللّه على الناس ّ‬
‫عن العالمين}(‪.)1‬‬
‫ومن السنة‪ :‬حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬بني‬
‫اإلسالم على خمس‪ :‬شهادة أن ال إله إال اللّه‪ ،‬وأن محمداً رسول اللّه‪ ،‬وإ قام الصالة‪ ،‬وإ يتاء الزكاة‪،‬‬
‫والحج‪ ،‬وصوم رمضان)(‪.)2‬‬
‫وقد انعقد إجماع الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين إلى يومنا هذا على أن الحج فريضة ُم ْح َكمة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬آل عمران‪.97 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب اإليمان باب ‪.2/8‬‬
‫( ‪)1/448‬‬

‫وهو فرض في العمر مرة واحدة‪ ،‬ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬خطبنا رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‪( :‬أيها الناس‪ ،‬قد فرض اللّه عليكم الحج فحجوا‪ ،‬فقال رجل‪ :‬أكل عام‬
‫يا رسول اللّه؟ فسكت‪ ،‬حتى قالها ثالثاً‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬لو قلت نعم لوجبت‪،‬‬
‫ولما استطعتم)(‪.)1‬‬
‫وما روي عن علي رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من ملك زاداً وراحلة‬
‫تُبلِّغه إلى بيت اللّه ولم يحج (‪ )2‬فال عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً‪ .‬وذلك أن اللّه يقول في كتابه‪:‬‬
‫{وللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال})(‪.)3‬‬
‫وقيل هو فرض مرة في العمر على الفور (‪ )4‬إذا توفرت شروط وجوبه‪ ،‬فإن أخره عن أول عام‬
‫استطاع فيه أثم بالتأخير‪ .‬ولو َّ‬
‫أخره سنين ثم َّ‬
‫حج اعتبر أداء ال قضاء‪ ،‬ألن دليل الفورية ظني‪ ،‬وهو‬
‫أن الحج له وقت معين في السنة والموت خالل سنة غير نادر‪.‬‬
‫ب ‪ -‬واجب‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.73/412‬‬
‫(‪ )2‬لم يحجَّ‪ :‬أي حتى مات وال عذر له‪.‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الحج باب ‪.3/812‬‬
‫(‪ )4‬عند أبي يوسف رحمه اللّه‪ ،‬وعن أبي حنيفة رضي اللّه عنه ما يدل عليه‪ .‬وعند محمد الشافعي‬
‫رحمهما اللّه على التراخي‪.‬‬

‫( ‪)1/449‬‬

‫ويحرم به‪ ،‬فإن‬


‫‪ - 1‬يجب على اآلفاقي إذا أراد دخول مكة واجتاز الميقات أن يختار أحد النسكين ُ‬
‫كان وقت الحج واختاره وجب عليه‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬ال تجاوز الموقت إال بإحرام)(‪ .)1‬وسبب وجوب اإلحرام تعظيم تلك البقعة الشريفة‪.‬‬
‫ويستوي في ذلك التاجر والمعتمر‪ ،‬فإن اجتاز الميقات بغير إحرام وجب عليه دم ما لم َي ُعد إلى‬
‫وي َحرم منه بأحد النسكين‪.‬‬
‫الميقات ُ‬
‫‪ - 2‬يجب إتمامه بعد اإلحرام به متطوعاً‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪{ :‬وأتموا الحج والعمرة للّه}(‪.)2‬‬
‫جـ ‪ -‬سنة‪ :‬إن نواه متطوعاً‪.‬‬
‫د ‪ -‬مكروه‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا أحرم به دون إذن من له والية عليه‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا حجت المرأة بدون َمحرم‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬محرم‪ :‬إن حج بمال حرام‪ ،‬لكن يسقط عنه الفرض وال يثاب بسبب المال الحرام‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪ ،216‬رواه الطبراني في الكبير‪.‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.196 :‬‬

‫( ‪)1/450‬‬

‫شروط الحج‪:‬‬
‫أوالً ‪ -‬شروط وجوب الحج‪:‬‬
‫وهي الشروط التي إن توفرت في شخص وجب عليه الحج مطلقاً‪ ،‬بنفسه‪ ،‬أو باإلحجاج عنه‪ ،‬أو‬
‫يوصي بالحج إن مات ولم يحج‪ .‬أي يترتب عليه ثبوت الحج َد ْيناً في ذمته‪.‬‬
‫وهذه الشروط هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلسالم‪ ،‬ألن الكافر غير مخاطب بالتكاليف‪.‬‬
‫‪ - 2‬العقل والبلوغ‪ :‬فال يجب الحج على المجنون وال على الصغير‪ ،‬ولو حجا ونوى عنهما وليهما‬
‫صح الحج تطوعاً وال تسقط فريضة حجة الفريضة‪ ،‬فلو بلغ الصبي أو أفاق المجنون وجبت عليهما‬
‫الفريضة‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ‪ -‬ورفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال‪( :‬أيُّما صبي حج‪ ،‬ثم بلغ الحنث‪ ،‬فعليه أن يحج َحجُّة أخرى)(‪ .)1‬وإ ذا بلغ قبل الخروج إلى‬
‫عرفات‪ ،‬فله أن يجدد النية من أقرب ميقات‪ ،‬وتجزئه عن حجة اإلسالم‪ .‬أما المعتوه فهو مكلف‬
‫بالعبادات احتياطاً‪.‬‬
‫‪ - 3‬الحرية‪ :‬فال يجب الحج على العبد ولو ُم َدبَّراً (‪ )2‬أو مكاتباً أو أم ولد‪ ،‬ألن فرض الحج ال يتأتى‬
‫إال بالمال وال ملك لهؤالء‪ ،‬وحتى ال يفوت حق السيد مدة الحج‪ .‬ولو حج العبد انعقد حجه تطوعاً‪ ،‬لما‬
‫روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ‪ -‬رفعه ‪ -‬قال‪( :‬وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى)(‬
‫‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.179‬‬
‫الم َعلّق ِعتقه بموت سيده‪.‬‬
‫الم َدّبر‪ :‬هو ُ‬
‫(‪ )2‬العبد ُ‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.179‬‬
‫( ‪)1/451‬‬

‫‪ - 4‬العلم بفرضية الحج‪ ،‬إن كان في غير دار اإلسالم‪ ،‬بإخبار عدل‪ ،‬أو مستورين‪ ،‬أو رجل‬
‫وامرأتين‪ .‬أما إن كان في دار اإلسالم فيجب عليه الحج ولو لم يعلم بفرضيته سواء أنشأ مسلماً أو ال‪.‬‬
‫‪ - 5‬االستطاعة‪ :‬لقوله تعالى‪{ :‬وللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيالً}(‪ )1‬وتتحقق‬
‫االستطاعة باألمور التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬صحة البدن بالسالمة من األمراض والعمى والعاهات المانعة من القيام بما ال بد منه في السفر‪.‬‬
‫فإذا ملك المريض زاداً وراحلة وجب عليه أن يستنيب عند الصاحبين‪ ،‬وعند اإلمام‪ :‬ال يجب الحج‬
‫على المرضى وأصحاب العاهات‪ ،‬ألنه يعتبر الصحة الجسدية من شروط الوجوب (وثمرة االختالف‬
‫في اإليصاء واالستنابة)‪ .‬ولو حج سقط عنه الفرض اتفاقاً‪ .‬وإ ذا ملك من يحمله ويضعه وجب عليه‬
‫الحج‪ ،‬أو االستنابة وتجزئه ما دام عاجزاً‪ ،‬فإذا زال عجزه أعاد الحج‪.‬‬
‫‪ُ - 2‬ملك الزاد والراحلة والنفقة ذهاباً وإ ياباً‪ ،‬وذلك لما روي عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما‬
‫قال‪ :‬قيل يا رسول اللّه ما السبيل إلى الحج؟ قال‪( :‬الزاد والراحلة)(‪.)2‬‬
‫ويشترط أن يكون الزاد والراحلة زائدين عن حوائجه األصلية التي هي‪ :‬وفاء َّ‬
‫الدين‪ ،‬والمسكن‪،‬‬
‫والملبس‪ ،‬والمواشي‪ ،‬والكتب لمن هو من أهلها‪ ،‬وآالت ِ‬
‫الح ْرفة‪ ،‬والسالح‪ ،‬ونفقة الزواج حتى قيل‬
‫بوجوبه عند التّوقان‪.‬‬
‫كما يشترط أن يكونا زائدين عن مؤونة بيته‪ ،‬ونفقة عياله‪ ،‬ومن تجب عليه نفقتهم مدة غيابه إلى أن‬
‫يعود وقيل حتى بعد عودته بشهر‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫يضيع من يقوت)(‪ .)3‬والنفقة تشمل الطعام والكسوة‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬كفى بالمرء إثماً أن ّ‬
‫والسكنى‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬آل عمران‪.97 :‬‬


‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.327‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الزكاة باب ‪.45/1692‬‬

‫( ‪)1/452‬‬
‫‪ - 3‬أمن الطريق وقت الخروج إلى الحج‪ ،‬فغلبة السالمة ولو بالرشوة شرط لوجوب الحج (إذ يجب‬
‫أن يدفع هو الضطراره ألداء الفريضة واإلثم على اآلخذ) إذا لم يتحقق األمن إال بالدفع‪ ،‬فإن قتل‬
‫بعض الحجاج فال سالمة‪ .‬ولو تمكن من األمن بدفع ضريبة وجب عليه الحج والدفع‪.‬‬
‫الح ْبس‪.‬‬
‫‪ - 4‬عدم َ‬
‫الم ْح َرم للمرأة زوجاً كان أو غيره غير مجوسي (ألنه قد يستبيح زواجها ولو كان أباها)‬
‫‪ - 5‬توفر َ‬
‫وال فاسق‪ .‬وإ ن كانت شابة فال تسافر مع صهرها وال أخيها من الرضاع‪ .‬وأن يكون المحرم عاقالً‬
‫بالغاً‪ ،‬والمراهق كالبالغ‪ ،‬لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم‪( :‬ال تسافر المرأة ثالثاً إال مع ذي محرم)(‪.)1‬‬
‫وتجب عليها نفقة المحرم إن أمكنها ولم يتيسر لها محرم بدون إنفاق‪ .‬وليس للزوج منعها من َحجَّة‬
‫الفرض إذا وجدت محرماً‪ ،‬وال يجب عليها التزوج من أجل الحج‪ .‬وال يجوز لها الخروج مع جماعة‬
‫النساء ولو كن ثقات‪ .‬وإ ذا حجت المرأة بدون محرم صح حجها وسقطت الفريضة لكن مع الكراهة‬
‫التحريمية‪ ،‬أي ال يكون حجها مبروراً‪.‬‬
‫معتدة من طالق أو وفاة وقت خروج الناس للحج‪ ،‬أما لو أدركتها ِ‬
‫الع َّدة أثناء‬ ‫‪ - 6‬أن ال تكون المرأة َّ‬
‫ِ‬
‫فرق‪:‬‬‫في َّ‬‫الطريق‪ ،‬فإن كان طالقاً رجعياً ال يفارقها زوجها وتتم حجها‪ ،‬أما إن كان بائناً أو ع َّدة وفاة ُ‬
‫عدتها في بيتها‪.‬‬‫أ ‪ -‬إن كانت تبعد عن بلدها أقل من مسافة سفر القصر‪ ،‬رجعت وأمضت ّ‬
‫ب ‪ -‬إن كانت تبعد عن بلدها أكثر من مسافة سفر القصر‪ ،‬وهي آمنة في مكانها‪ ،‬تبقى حيث هي‬
‫صر‪.‬‬
‫الم ْح َ‬
‫فتقضي عدتها وال تتابع حجها ويكون حكمها حكم ُ‬
‫صد أقل من مسيرة ثالثة أيام وجب إتمام الحج‪.‬‬
‫الم ْق َ‬
‫جـ ‪ -‬إن كان بينها وبين بلد َ‬
‫‪ - 7‬توفر االستطاعة وقت الحج؛ فلو توفرت بعد وقت الحج لم تجب عليه في تلك السنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.74/417‬‬

‫( ‪)1/453‬‬

‫تعقيبات‪:‬‬
‫‪ - 1‬من كان عنده مال وعليه زكاة وكفارات‪ S،‬يلزمه تقديم الحج‪.‬‬
‫‪ - 2‬من كان بيته واسعاً‪ ،‬بحيث لو باع قسماً منه لكفى ثمنه للحج‪ ،‬ال يلزمه ذلك وإ ن كان أفضل‪.‬‬
‫‪ - 3‬من كان عنده مال ويريد الزواج‪ ،‬لكن أدركه الحج قبل الزواج‪ ،‬فيحج أوالً‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬شروط صحة األداء‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلسالم‪ :‬سواء باشره بنفسه أو فعله عن غيره‪ ،‬فال يصح الحج من الكافر وال يصح عنه‪.‬‬
‫‪ - 2‬التمييز والعقل‪ S:‬فإذا حج صبي مميز وقام بأعمال الحج صح حجه‪ ،‬لكن ال تسقط عنه الفريضة‪.‬‬
‫أما إن كان غير مميز أو مجنوناً فال يصح الحج منهما وال يصح إحرامهما‪ ،‬وعلى الولي أن يقوم‬
‫باإلحرام عنهما‪ ،‬وأن يجردهما من المالبس قبل اإلحرام عنهما؛ ويلبسهما اإلزار والرداء‪ ،‬وأن‬
‫يحضرهما المواقف؛ فيطوف ويسعى بهما ويأخذهما إلى عرفة‪.‬‬
‫‪ - 3‬مباشرة األفعال في زمن مخصوص‪ ،‬وهو وقت طواف الزيارة ووقت الوقوف بعرفة‪ .‬وال‬
‫يصح من أفعال الحج شيء قبل أشهر الحج إال اإلحرام فيصح مع الكراهة‪.‬‬
‫‪ - 4‬مباشرة األفعال في مكان مخصوص‪ ،‬وهو أرض عرفة للوقوف بها‪ ،‬والمسجد الحرام لطواف‬
‫الزيارة‪.‬‬
‫‪ - 5‬اإلحرام‪.‬‬
‫‪ - 6‬عدم الجماع بين اإلحرام ووقوف‪ S‬عرفة‪ ،‬فإن فعل فسد حجه‪ ،‬ويمضي في فاسده وعليه الحج من‬
‫قابل‪.‬‬

‫( ‪)1/454‬‬

‫الحج)‪.‬‬
‫(أر َكان ّ‬
‫الباب الثاني ْ‬
‫الركن األول ‪ -‬اإلحرام‪:‬‬
‫معنى اإلحرام‪:‬‬
‫لغة‪ :‬هو مصدر من أَحرم‪ ،‬أي دخل في حرمة ال تُنتهك (أي في ِذ َّمة)‪.‬‬
‫عرفه البعض بأنه النية مع التلبية‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬الدخول في ُح ُرمات مخصوصة؛ أي التزامها‪ .‬وقد َّ‬
‫حكمه‪ :‬هو فرض يجمع بين الشرط والركن‪ .‬فهو شرط ابتداء‪ ،‬لذا يصح قبال أشهر الحج مع‬
‫الكراهة‪ .‬وله معنى الركن‪ ،‬ألنه لو فاته الحج في العام الذي أحرم فيه َح َّل بعمرة ثم يقضي في العام‬
‫القادم بإحرام جديد‪ ،‬وألنه في الوقت نفسه داخل في أفعال الحج‪.‬‬
‫شروط تحقق اإلحرام‪:‬‬
‫‪ - 1‬النية‪ :‬وهي قصد القلب الدخول بالحج أو العمرة‪ ،‬لحديث عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( S:‬إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإ نما لكل امرئ ما نوى)(‪.)1‬‬
‫وإ ذا أبهم اإلحرام فلم يعين ما أحرم به جاز‪ ،‬لكن عليه التعيين قبل أن يشرع في الطواف‪ ،‬فإن أ ِ‬
‫ُحصر‬ ‫َ‬
‫أو فسد إحرامه قبل التعيين صرف العمرة‪ ،‬وال يصرف للحج إال إذا عينه قبل أن يبدأ باألفعال‪ .‬ولو‬
‫وقف بعرفة قبل الطواف تعين إحرامه للحج‪ .‬ولو أطلق نية الحج صرف للفرض‪ ،‬وإ ن عين نفالً‬
‫صار نفالً‪ ،‬إال عند محمد إن عين نفالً ولم يكن قد حج للفرض صرف للفرض‪ .‬وبناء على هذا يجوز‬
‫عند اإلمام أبي حنيفة وأبي يوسف أن يحج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه‪ ،‬وال يجوز عند اإلمام‬
‫الحجة له‪.‬‬
‫محمد ولو حج عن غيره ولم يكن قد حج عن نفسه انصرفت َ‬
‫ويستحب التلفظ بالنية وكماله أن يقول‪ :‬نويت الحج وأحرمت به للّه تعالى‪.‬‬
‫كما يستحب أن يقرن النية بالدعاء فيقول‪ :‬اللّهم إني أريد الحج فيسره لي َّ‬
‫وتقبْله مني (‪ .)2‬ويسن أن‬
‫يذكر ما نواه أثناء التلبية‪ ،‬فعن أنس رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫يقول‪( :‬لبيك عمرة وحجاً)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب بدء الوحي باب ‪.1/1‬‬
‫(‪ )2‬طلب التيسير لوجود المشقة وطول زمن الحج‪ ،‬وطلب القبول اقتداء بإبراهيم وإ سماعيل عليهما‬
‫السالم‪{ :‬ربنا يقبل منا إنك أنت السميع العليم} فهما طلبا ذلك في بناء البيت‪ ،‬والعبادة في المساجد‬
‫عمارة لها ناسبها هذا الدعاء‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.34/215‬‬

‫( ‪)1/455‬‬

‫‪ - 2‬الذكر وهو التلبية أو ما يقوم مقامها ويسمى بالخصوصية‪ .‬فلو نوى ولم يذكر ال يصير محرماً‪.‬‬
‫شروط تحقق الذكر‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون مقروناً بالنية للمرة األولى‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يتلفظ به لسانه‪ ،‬وقيل‪ :‬حتى األخرس يلزمه تحريك لسانه‪ ،‬وال يشترط أن يكون بالعربية‬
‫فيصح بغيرها‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون بالصيغة التالية‪" :‬لبيك اللّهم لبيك‪ ،‬لبيك ال شريك لك لبيك‪ ،‬إن الحمد والنعمة لك‬
‫والملك‪ ،‬ال شريك لك)(‪ .)1‬ويكره تحريماً أن ُي ِنقص عن هذه الصيغة‪.‬‬
‫ويسن في التلبية‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يزيد على الصيغة السابقة وخاصة بالمأثور‪ ،‬فعن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال‪:‬‬
‫"كان عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اللّه عنه ‪ -‬يهل بإهالل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من هؤالء‬
‫الكلمات ويقول‪ S:‬لبيك اللّهم لبيك‪ ،‬لبيك وسعديك‪ ،‬والخير في يديك‪ ،‬لبيك والرغباء إليك والعمل"(‪.)2‬‬
‫وعن أنس رضي اللّه عنه قال‪" :‬كانت تلبية النبي صلى اللّه عليه وسلم لبيك حجاً حقاً تعبداً ورقاً"(‬
‫‪ .)3‬وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقف بعرفات‪ ،‬فلما قال‬
‫لبيك اللّهم لبيك‪ .‬قال‪ :‬إنما الخير خير اآلخرة)(‪.)4‬‬
‫‪ - 2‬أن يرفع الصوت بها‪ ،‬لما روى خالد بن السائب عن أبيه رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم باإلهالل والتلبية)‬
‫(‪.)5‬‬
‫‪ - 3‬أن يكررها دائماً‪ ،‬لحديث جابر رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ما‬
‫ض َحى للّه يومه‪ ،‬يلبي حتى تغيب الشمس إال غابت ذنوبه فعاد كما ولدته أمه)(‪.)6‬‬
‫من محرم َي ْ‬
‫ما يقوم مقام الذكر‪ :‬تقليد بدنة‪ ،‬وهو ما يسمى بالخصوصية‪ .‬ويشترط في التقليد (‪ )7‬اقترانه بالنية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.25/1474‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.3/21‬‬
‫(‪ )3‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.223‬‬
‫(‪ )4‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.223‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الحج باب ‪.15/829‬‬
‫(‪ )6‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.17/2925‬‬
‫(‪ )7‬التقليد‪ :‬هو ربط عنق البدنة (بقر أو جمل)‪ ،‬وال يجزئ تقليد الشاة‪.‬‬

‫( ‪)1/456‬‬

‫واجبات اإلحرام‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلحرام من الميقات‪.‬‬
‫‪ - 2‬اجتناب محظورات اإلحرام‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬اإلحرام من الميقات‪:‬‬
‫الحد‪ ،‬وشرعاً‪ :‬زمن العبادة ومكانها‪.‬‬
‫الميقات لغة‪ّ :‬‬
‫وميقات اإلحرام الزماني‪ :‬أشهر الحج‪ :‬شوال وذو العقدة وعشر ليال من ذي الحجة‪ .‬ودليله‪ :‬قوله‬
‫تعالى‪{ :‬الحج أشهر معلومات}(‪.)1‬‬
‫ويجوز اإلحرام في غير هذه األشهر مع الكراهة‪.‬‬
‫وأما الميقات المكاني لإلحرام فيختلف باختالف الجهة التي يأتي منها الحاج‪:‬‬
‫‪ - 1‬بالنسبة لآلفاقي (‪ :)2‬يحرم اآلفاقي من أحد المواقيت التالية حسب جهة قدومه‪:‬‬
‫الحلَْيفَة‪ :‬وهو ميقات أهل المدينة ومن جاء منها‪ .‬وبينها وبين مكة تسع مراحل‪ ،‬وهو أبعد‬
‫‪ - 1‬ذو ُ‬
‫المواقيت عن مكة‪.‬‬
‫مر عليهما من غير أهلهما‪ .‬وقد أبدلت اليوم‬
‫الج ْحفَة‪ :‬وهي ميقات أهل الشام ومصر‪ ،‬ومن ّ‬
‫‪ُ -2‬‬
‫برابغ‪.‬‬
‫‪َ - 3‬يلَ ْملَم‪ :‬وهو ميقات أهل اليمن وتهامة والهند‪ .‬ويلملم جبل صغير على بعد مرحلتين من مكة‪.‬‬
‫‪ - 4‬قَ ْرن المنازل‪ :‬وهو ميقات أهل نجد والحجاز‪ ،‬وهو جبل مشرف على عرفات على بعد‬
‫مرحلتين منه‪.‬‬
‫ذات ِع ْرق‪ :‬وهي ميقات أهل العراق وسائر أهل المشرق‪ ،‬وهي قرية على بعد مرحلتين من‬
‫‪ُ -5‬‬
‫مكة‪ ،‬وسميت بذلك لوجود جبل فيها يسمى ِعرقاً يشرف على وادي العقيق‪.‬‬
‫وهذه المواقيت ألهل الجهات ولمن مر بها أو حاذاها جواً‪ .‬واألفضل‪ S‬لآلفاقي أن يحرم ُد َو ْي َرة أهله إذ‬
‫أن ذلك من تمام الحج‪.‬‬
‫‪ - 2‬لمن هو داخل المواقيت وخارج مكة‪ :‬من حيث أنشأ الحج‪ ،‬أي ميقاته الحل‪.‬‬
‫‪ - 3‬ألهل مكة‪ :‬الحرم‪.‬‬
‫ودليل تحديد المواقيت حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬وقت رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫الج ْحفَة‪ ،‬وألهل نجد قَرن المنازل‪ ،‬وألهل اليمن َيلَ ْملَم‪.‬‬
‫الحلَيفة‪ ،‬وألهل الشام ُ‬
‫وسلم ألهل المدينة ذا ُ‬
‫فمهلُّهُ من‬ ‫فهن لهن‪ ،‬ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة‪ ،‬فمن كان دونهن ُ‬
‫أهله‪ ،‬وكذاك حتى أهل مكة ُيهلّون منها)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.197 :‬‬
‫(‪ )2‬اآلفاقي‪ :‬هو من كان خارج المواقيت التي حددها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.9/1454‬‬

‫( ‪)1/457‬‬

‫حكم اإلحرام الجتياز الميقات‪:‬‬


‫‪ - 1‬إذا كان آفاقياً قاصداً مكة لنسك أو غيره‪ ،‬فيجب أن ال يتجاوز الميقات إال محرماً‪ ،‬وإ ال وجب‬
‫في ِ‬
‫حرم منه قبل أن يبدأ بالمناسك‪ ،‬أو يحرم من مكة‬ ‫عليه دم وكان آثماً؛ إال أن يعود إلى الميقات ُ‬
‫ويعود إلى الميقات ملبياً‪.‬‬
‫‪ - 2‬أما لو كان آفاقياً وجاء يقصد اإلقامة بجدة مثالً‪ ،‬وال يريد ُن َسكاً وال يريد دخول مكة‪ ،‬فله أن‬
‫يتجاوز الميقات بدون إحرام وال شيء عليه‪.‬‬
‫وأما من كان داخل الميقات فله أن يدخل مكة بدون إحرام ومتى شاء‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬اجتناب محظورات اإلحرام‪:‬‬
‫من واجبات اإلحرام اجتناب محظورات اإلحرام إال الجماع فهو إن وقع مفسد للحج أصالً إذا كان‬
‫قبل الوقوف بعرفة‪.‬‬
‫ومحظورات اإلحرام هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما يتعلق منها باللباس‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بالنسبة للرجل‪:‬‬

‫( ‪)1/458‬‬

‫‪ - 1‬يحرم على الرجل لبس ما يحيط ببدنه‪ ،‬سواء نتيجة غرز أو لصق أو نسج‪ ،‬أو أي ثوب لبساً‬
‫معتاداً كالقميص والسراويل والعمامة والقباء‪ .‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن رجالً‬
‫قال‪ :‬يا رسول اللّه ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال يلبس‬
‫القُ ُمص وال العمائم وال السراويالت‪ ،‬وال البرانس‪ ،‬وال الخفاف‪ ،‬إال أحد ال يجد نعلين فليلبِس خفين‬
‫وليقطعهما أسفل الكعبين‪ .)1()..‬أما إذا لم يكن اللبس على الهيئة المعتادة‪ ،‬كأن ألقيت عليه عباءة‬
‫يزرر أو يدخل يديه في كميها فيكره‪ ،‬وإ ن‬
‫وهو نائم فال مانع‪ .‬وإ ذا وضع العباءة على كتفيه دون أن ِّ‬
‫زرر يحرم‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 2‬يحرم على الرجل لبس الخفين إال أن لم يجد النعلين فيقطع الخفين أسفل الكعبين ثم يلبسهما‬
‫للحديث المتقدم‪.‬‬
‫‪ - 3‬يحرم عليه لبس القفازين‪.‬‬
‫‪ - 4‬يحرم ستر الرأس والوجه‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬إحرام المرأة في وجهها وإ حرام الرجل في رأسه)(‪ ،)2‬وروي عنه أيضاً أنه كان يقول‪S:‬‬
‫"ما فوق الذقن من الرأس فال ُيخمره المحرم"(‪ .)3‬وسواء في الحرمة تغطية بعض الوجه أو الرأس‬
‫أو كله‪ .‬وال يجوز للرجل أن يحمل فوق رأسه شيئاً اعتاد الناس أن يغطوا رؤوسهم به‪ .‬أما لو حمل‬
‫ِع ْدالً (‪ )4‬فال بأس‪ ،‬والمعتمد في الحرمة هو القصد‪.‬‬
‫ويكره تحريماً أن ي ِ‬
‫دخل رأسه تحت أستار الكعبة‪ ،‬وإ ن طال لمدة يوم وليلة ففيه دم‪ .‬ويكره عصب‬ ‫ُ‬
‫الرأس ولو فعله يوماً وليلة ففيه صدقة‪.‬‬
‫وتجوز تغطية وجه الميت ورأسه إن مات ُم ِ‬
‫حرماً النقطاع اإلحرام بالموت‪ ،‬بدليل ما روي عن‬
‫بعض أهل العلم قوله‪" :‬إذا مات انقطع إحرامه ويصنع به كما يصنع بغير المحرم"(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.20/1468‬‬
‫(‪ )2‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.294‬‬
‫(‪ )3‬الموطأ‪ :‬ص ‪.224‬‬
‫العدل‪ :‬المتاع‪.‬‬
‫(‪ْ )4‬‬
‫(‪ )5‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الحج باب ‪.105‬‬
‫( ‪)1/459‬‬

‫وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬إذا مات اإلنسان انقطع عمله‬
‫إال من ثالث علم ينتفع به‪ ،‬أو صدقة تجري له‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له)(‪ .)1‬أما قوله صلى اللّه عليه‬
‫صته دابته‪( :‬ال تخمروا رأسه‪ ،‬فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)(‪ )2‬فهو‬
‫وسلم في المحرم الذي َوقَ َ‬
‫مخصوص به إلخبار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنه‪ ،‬أما غيره فقد انقطع إحرامه بالموت‪.‬‬
‫ب ‪ -‬بالنسبة للمرأة‪:‬‬
‫يجوز للمرأة لبس المخيط والثياب المعتادة لكن‪:‬‬
‫يمس الوجه‬
‫‪ - 1‬يحرم عليها ستر وجهها بساتر َيْل َم ُس البشرة‪ .‬أما إن كان الساتر متجافياً بحيث ال ّ‬
‫فال مانع منه‪ .‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬وال‬
‫تنتقب المرأة المحرمة وال تلبس القفازين‪.)3S()...‬‬
‫‪ - 2‬يندب لها عدم لبس القفَّازين‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما يتعلق منها بالبدن‪:‬‬
‫‪ - 1‬إزالة الشعر‪ :‬فال يصح للمحرم أن يزيل شيئاً من شعر رأسه وجسده كيفما كان حلقاً أو قصاً أو‬
‫يمكن غيره أن يحلق له‪ .‬إال شعرة نبتت في العين فال‬ ‫نتفاً‪ ،‬وال يحلق رأس غيره ولو كان حالالً‪ ،‬وال ِّ‬
‫شيء في إزالتها‪ .‬وذلك لقوله تعالى‪{ :‬وال تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي َم ِحلَّه}(‪ ،)4‬وألن فيه‬
‫الشعث (‪ ،)5‬روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قام رجل إلى النبي صلى اللّه عليه‬ ‫إزالة َّ‬
‫(الش ِعث التَِّفل)(‪.)6‬‬
‫وسلم فقال‪ :‬ما الحاج؟ قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬سنن الدرامي‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.139‬‬


‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الجنائز باب ‪.19/1206‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب اإلحصار باب ‪.24/1741‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.196 :‬‬
‫الش ِعث‪ :‬من كان ذا شعر ُمغبر متلبد‪.‬‬
‫(‪َّ )5‬‬
‫(‪ )6‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.58‬‬

‫( ‪)1/460‬‬
‫طالء‬
‫ً‬ ‫‪ - 2‬التطيب‪ :‬ويقصد به استعمال الطيب في الثوب والبدن وإ ن لم يقصده فال يجوز أن يستعمل‬
‫طيَّباً‪ ،‬لما‬
‫صفراً أو ُم َ‬
‫للتداوي إن كان مطيباً‪ ،‬وال يغسل بصابون إن كان معطراً‪ ،‬وال يلبس ثوباً ُم َع ْ‬
‫روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن رجالً قال‪ :‬يا رسول اللّه ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ ...( :‬وال تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران أو الورس)(‪.)1‬‬
‫شم الطيب‪ ،‬لما روى البيهقي بسنده عن جابر بن عبد اللّه‬
‫أما الثياب المبخرة فال شيء فيها‪ .‬كما يكره ّ‬
‫رضي اللّه عنهما "أنه سئل عن الريحان أيشمه المحرم‪ ،‬والطيب‪ ،‬والدهن‪ ،‬فقال‪ :‬ال"(‪ .)2‬كما ال‬
‫يجوز للمحرم أن يشرب ما خالطه طيب إن كان غالباً كالقهوة مع الهيل‪.‬‬
‫والتزين‪ ،‬إال إذا‬
‫ّ‬ ‫‪ِّ - 3‬‬
‫االدهان‪ :‬فال يجوز للمحرم أن َي ْدهن رأسه بزيت أو غيره فيما يستعمل للتطيَّب‬
‫كان للتداوي فيجوز‪ .‬كما يجوز دهن جسمه بما ليس بطيب كالفازلين أو غيره‪ .‬ويجوز أكل الزيت‬
‫مطلقاً‪.‬‬
‫‪ - 4‬إزالة األظافر‪ :‬أي قطعها‪ ،‬ولو واحداً بنفسه أو غيره‪ ،‬أو َقْل ُم ظُ ِ‬
‫فر غيره‪ .‬إال إذا انكسر بحيث ال‬
‫ينمو فال بأس بإزالته‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال في المحرم‪ ..." :‬وإ ذا‬
‫انكسر ظفره طرحه"(‪.)3‬‬
‫‪ - 3‬ما يتعلق باألفعال‪:‬‬
‫والمحرم هو فعل الجماع وليس العقد‪،‬‬
‫َّ‬ ‫‪ - 1‬الرفث‪ :‬وهو الجماع‪ ،‬أو ِذكره وخاصة بحضرة النساء‪.‬‬
‫فيجوز للمحرم أن يعقد لنفسه أو لغيره‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فال رفث وال فسوق وال جدال في الحج}(‪.)4‬‬
‫‪ - 2‬الفسوق‪ :‬وهي المعاصي‪ ،‬وتركها في غير الحج واجب وفي الحج أوجب‪ .‬روي عن أبي هريرة‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ومن حج هذا البيت فلم َي ْرفُث ولم ي ْف ُسق رجع‬
‫كيوم ولدته أمه)(‪.)5‬‬
‫والم َكارين (‪ ،)6‬لقوله تعالى‪{ :‬فمن فرض فيهن‬
‫‪ - 3‬الجدال‪ :‬وهو الخصومة مع الرفقاء والخدم ُ‬
‫الحج فال رفث وال فسوق وال جدال في الحج}‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.20/1468‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.57‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.62‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.197 :‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب اإلحصار وجزاء الصيد باب ‪.11/1724‬‬
‫الم َكاري‪ :‬المستأجر‪.‬‬
‫(‪ُ )6‬‬

‫( ‪)1/461‬‬
‫‪ - 4‬صيد البر‪ :‬يحرم على المحرم قتل صيد البر (‪ )1‬سواء أكان مأكوالً أم ال‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪:‬‬
‫البر ما دمتم حرماً}(‪ ،)2‬وقوله‬ ‫ِ‬
‫{أُح َل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة‪ ،‬وحرم عليكم صيد ّ‬
‫تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ال تقتلوا الصيد وأنتم حرم}(‪.)3‬‬
‫وال يجوز للمحرم أن يشير إليه وال يدل عليه ألن الداللة واإلشارة في معنى الصيد من حيث إزالة‬
‫األمن عن الحيوان‪ ،‬وكذلك ال يجوز له أن يكسر بيض الحيوان ألنه أصله‪.‬‬
‫أما إذا اصطاد غير محرم فيجوز للمحرم أكله إذا لم يعنه‪ ،‬لما روي عن عبد اللّه بن أبي قتادة قال‪:‬‬
‫كان أبو قتادة في نفر محرمين وأبو قتادة محل‪ .‬واقتص الحديث وفيه "أنه اصطاد حمار وحش فسألوا‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أكله" قال‪( :‬هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‬
‫يا رسول اللّه‪ .‬قال‪ :‬فكلوا)(‪.)4‬‬
‫والبق‬
‫ّ‬ ‫الشعث‪ .‬ويجوز له قتل البراغيث‬
‫الهوام والقمل‪ ،‬ألن فيه إزالة ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ - 5‬يحرم على المحرم قتل‬
‫والح َدأة‪ ،‬ألنها ليست صيداً وال متولدة من البدن‬ ‫ُّ‬
‫والذباب والحية والعقرب والفأرة والذئب والغراب َ‬
‫وليس في قتلها إزالة ال ّشعث‪ ،‬وألن منها ما هو ٍ‬
‫مؤذ ويبتدئ باإليذاء وألن المحظور التعرض‬
‫للحيوانات اآلمنة ال دفع أذاها‪ .‬ودليل ما روي عن عائشة رضي اللّه عنها عن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم أنه قال‪( :‬خمس فواسق يقتَْلن في ِ‬
‫الح ِّل والحرم‪ :‬الحية والغراب األبقع (‪ )5‬والفأرة والكلب‬ ‫ُ‬
‫العقور (‪ )6‬والحديا(‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البري‪ :‬ما كان مسكنه في البر ويعيش في البر‪.‬‬
‫(‪ )2‬المائدة‪.96 :‬‬
‫(‪ )3‬المائدة‪.95 :‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.8/64‬‬
‫(‪ )5‬أ ِ‬
‫ُحل قتله ألنه يأكل الجيف وال يؤكل لحمه‪.‬‬
‫(‪ )6‬يمثل الكلب العقور كل سبع صائل‪.‬‬
‫(‪ )7‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.9/67‬‬

‫( ‪)1/462‬‬

‫‪ - 6‬يحرم على المحرم قطع شجر الحرم إال ِ‬


‫اإل ْذخر‪ ،‬ألنه محظور على الحالل فهو على المحرم‬
‫أولى‪ .‬وذلك لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪ :‬إن اللّه‬
‫أحلَّت لي ساعة من نهار ال يختلى خالها‪،‬‬
‫حرم مكة‪ ،‬فلم تحل ألحد قبلي‪ ،‬وال تحل ألحد بعدي‪ ،‬وإ نما ِ‬
‫طتُها إال لمعَّرف وقال العباس‪ :‬يا رسول اللّه إال‬
‫ضد شجرها وال ينفر صيدها‪ ،‬وال تلتقط لُقَ َ‬ ‫وال ُي ْع َ‬
‫ذخر)(‪.)1‬‬ ‫اإل ِ‬
‫ذخر‪ ،‬لصاغتنا وقبورنا‪ .‬فقال‪ :‬إال ِ‬‫ِ ِ‬
‫اإل َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب اإلحصار وجزاء الصيد باب ‪.20/1736‬‬

‫( ‪)1/463‬‬

‫ما يباح للمحرم‪:‬‬


‫‪ - 1‬صيد البحر بكل أنواعه‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة}‪.‬‬
‫‪ - 2‬ذبح اإلبل والبقر والغنم ألنها ليست صيداً‪ ،‬ودليل ذلك ما روي عن ناجية الخزاعي ‪ -‬رضي‬
‫اللّه عنه ‪ -‬صاحب بدن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬قلت يا رسول اللّه كيف أصنع بما‬
‫عطب من البدن‪ .‬قال‪ :‬انحرها)(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬االغتسال ألنه قد يحتاج إليه من الجنابة‪ ،‬لكن يحترز من سقوط الشعر أو القمل‪ .‬وقد روي عن‬
‫عبد اللّه بن حنين أنه سأل أبا أيوب األنصاري رضي اللّه عنه كيف كان رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم يغسل رأسه وهو محرم‪ .‬قال‪" :‬فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم‬
‫قال إلنسان يصب عليه‪ :‬اصبب‪ .‬قال‪ :‬فصب على رأسه ثم حرك أبو أيوب رأسه بيديه فأقبل بهما‬
‫وأدبر‪ .‬ثم قال‪ :‬هكذا رأيته يفعل صلى اللّه عليه وسلم "(‪ .)2‬فإن سقطت شعرة ففيها شيء من طعام‪،‬‬
‫كف من ُب ّر‪.‬‬
‫وفي ثالث شعرات ّ‬
‫‪ - 4‬يجوز للمحرم أن يقف تحت سقف أو يستظل بظل ال يالمس رأسه‪ ،‬فعن أم الحصين رضي اللّه‬
‫عنها قالت‪" :‬حججت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبالالً وأحدهما‬
‫آخذ بخطام ناقة النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬واآلخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة‬
‫العقبة"(‪.)3‬‬
‫يشد وسطه ُبزّنار‪ ،‬وأن يحمل سالحه ويقاتل عدوه إن قاتله‪.‬‬
‫‪ - 5‬يجوز له أن ّ‬
‫ك بدنه ورأسه‪ ،‬أو جبر كسره‪ .‬وذلك لما‬
‫‪ - 6‬يجوز له االختتان واالحتجام‪ ،‬وقلع ضرسه‪ ،‬أو ح ّ‬
‫روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم احتجم وهو محرم)(‪ ،)4‬وعنه‬
‫أيضاً قال في المحرم‪ ...( :‬ويدخل الحمام‪ ،‬وينوع ضرسه‪ ،‬ويفقأ‪ S‬القرحة‪ ،‬وإ ذا انكسر ظفره أماط‬
‫عنه األذى)(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.71/910‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.38/1840‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.51/312‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.36/1835‬‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.63‬‬

‫( ‪)1/464‬‬

‫سنن اإلحرام‪:‬‬
‫يستحب لمن أراد اإلحرام بالحج أو العمرة ما يلي‪:‬‬
‫ويقص شاربه‪ ،‬ويحلق عانته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ - 1‬أن يقلّم أظافره‪،‬‬
‫‪ - 2‬أن يغتسل ويتوضأ‪ ،‬لما روى خارجة بن زيد عن أبيه رضي اللّه عنه (أنه رأى النبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم تجرد إلهالله واغتسل)(‪ .)1‬والمقصود بهما هنا النظافة مطلقاً‪ ،‬لذا يستحب للحائض‬
‫والنفساء أن تغتسل وتتوضأ‪ ،‬لحديث جابر رضي اللّه عنه في صفة حج النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة‪ .‬فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر‪ .‬فأرسلت إلى‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كيف أصنع؟ قال‪ :‬اغتسلي‪ ،‬واستثفري بثوب وأحرمي)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬أن يلبس إزاراً ورداء أبيضين جديدين أو مغسولين طاهرين‪ ،‬لحديث ابن عمر رضي اللّه‬
‫عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)(‪ ،)3‬وألن رسول‬
‫اللّه ارتدى عند إحرامه الجديد‪ ،‬وقال فيما رواه عنه ابن عباس رضي اللّه عنهما‪( :‬البسوا من ثيابكم‬
‫البياض‪ ،‬فإنها من خير ثيابكم)(‪.)4‬‬
‫بدنه قبل اإلحرام‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كنت أطيِّب رسول اللّه‬
‫طيِّب َ‬
‫‪ - 4‬أن ُي َ‬
‫صلى اللّه عليه وسلم إلحرامه قبل أن يحرم)(‪ ،)5‬وعنها أيضاً قالت‪( :‬كأني أرى وبيص الطيب في‬
‫َمفرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد ثالثة وهو محرم)(‪ .)6‬أي ال يضر بقاء أثر الطيب‪ ،‬من‬
‫لون وريح‪ ،‬على البدن بعد اإلحرام‪ .‬أما الثوب فيضر‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يصلي ركعتين قبل إحرامه بنية سنة اإلحرام‪ ،‬إذا لم يكن الوقت وقت كراهة‪ ،‬لما روى نافع‬
‫قال‪" :‬كان ابن عمر رضي اللّه عنهما إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة‪ ،‬ثم‬
‫يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب‪ ،‬وإ ذا استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال‪ :‬هكذا رأيت‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم يفعل"(‪ .)7‬وتجزئ عنهما الفريضة‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يكثر من التلبية بعد كل صالة‪ ،‬وكلما عال َش َرفاً‪ ،‬أو هبط وادياً‪ ،‬أو القى صاحباً‪ ،‬أو دخل في‬
‫وقت السَّحر‪ .‬لما روى جابر رضي اللّه عنه قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يلبي إذا‬
‫رأى راكباً أو صعد أكمة‪ ،‬أو هبط وادياً‪ ،‬وفي إدبار المكتوبة‪ ،‬وآخر الليل)‪ .‬ويستحب أن يرفع صوته‬
‫بها‪ ،‬لما روي عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل أي الحج‬
‫(الع ُّج والثَّجُّ)(‪ .)8‬والعج هو رفع الصوت بالتلبية ألنه شعار الحجاج‪ ،‬والثّج هو إسالة‬
‫أفضل؟ قال‪َ :‬‬
‫الدم بالذبح لنفع أهل الحرم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الحج باب ‪.16/830‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬
‫(‪ )3‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.34‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.18/994‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.11/1745‬‬
‫(‪ )6‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪ .18/2928‬والوبيص‪ :‬البريق واللمعان‪.‬‬
‫(‪ )7‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.28/1479‬‬
‫(‪ )8‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الحج باب ‪.14/827‬‬

‫( ‪)1/465‬‬

‫الركن الثاني ‪ -‬الوقوف بعرفة‪:‬‬


‫دليله‪ :‬ما روي عن عبد الرحمن بن َي ْع ُمر الديلي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬الحج عرفة‪،‬‬
‫فمن جاء قبل صالة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه)(‪ .)1‬والمعنى أنه من فاته الوقوف بعرفة في وقته‬
‫فقد فات حجه‪ ،‬فيطوف ويسعى ويتحلل من اإلحرام‪ ،‬ثم يقضي الحج في العام الذي يليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.57/3015‬‬

‫( ‪)1/466‬‬

‫مكان الوقوف وصفته‪:‬‬


‫ليس المقصود الوقوف ذاته بل مطلق الحضور‪ .‬فيصح ولو مجتازاً‪ ،‬أو هارباً‪ ،‬أو طالب غريم‪ ،‬أو‬
‫نائماً‪ ،‬أو مجنوناً‪ ،‬أو سكران بأرض عرفة‪ ،‬ولو على دابة أو شجرة‪.‬‬
‫ويصح الحضور في أي موضع من جبل عرفات إال بطن عرنة‪ ،‬لما روي عن جابر رضي اللّه عنه‬
‫أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ووقفت‪ S‬ههنا‪ ،‬وعرفة كلها موقف)(‪ .)1‬وعنه أيضاً قال‪:‬‬
‫قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬كل عرفة موقف‪ ،‬وارتفعوا عن بطن عرنة)(‪.)2‬‬
‫وح ُّد عرفة‪ :‬من الجبل المشرف على وادي عرنة إلى الجبال المقابلة له‪ ،‬إلى ما يلي منطقة بساتين‬
‫َ‬
‫بني عامر‪ .‬ويفضل‪ S‬لإلمام أن ينزل في مسجد نمرة أوالً وبعد الصالة ينتقل إلى الموقف‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.20/149‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.55/3012‬‬

‫( ‪)1/467‬‬

‫شرطه‪:‬‬
‫يشترط أن يكون الوقوف في وقته المخصص‪ ،‬وهو يبدأ من زوال شمس يوم عرفة (التاسع من ذي‬
‫الحجة)‪ ،‬ويستمر إلى طلوع فجر يوم النحر‪ .‬والدليل على ذلك حديث عبد الرحمن ابن يعمر الديلي‬
‫المتقدم وحديث جابر رضي اللّه عنه في صفة حج النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أنه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة‪ ،‬فنزل بها‪ ،‬حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء‬
‫فرحلت له)(‪.)1‬‬
‫والركن هو مطلق الحضور‪ ،‬فلو وقف ساعة بعد الزوال ثم أفاض أجزأه‪ ،‬لحديث عروة بن مضرس‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من صلى هذه الصالة معنا‪ ،‬وقد وقف‬
‫قبل ذلك بعرفة ليالً أو نهاراً فقد تم حجه)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬
‫(‪ )2‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.264‬‬

‫( ‪)1/468‬‬

‫واجبه‪:‬‬
‫أن يمتد الوقوف إلى ما بعد الغروب حتى يكون أخذ قسطاً من الليل‪ ،‬لما روي عنه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم أنه قال‪( :‬كونوا على مشاعركم‪ ،‬فإنكم على إرث من إرث إبراهيم)(‪ ،)1‬واألمر بالمكث هنا‬
‫للوجوب‪ ،‬فإن دفع من عرفة قبل الغروب لزمه دم‪ .‬أما من وصل عرفة بعد الغروب فليس عليه دم‪.‬‬
‫وال يشترط للوقوف بعرفة طهارة‪ ،‬بل يصح من المحدث والجنب والحائض والنفساء‪ ،‬لحديث عائشة‬
‫رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لها لما حاضت‪( :‬افعلي كما يفعل الحاج‪ ،‬غير أن‬
‫ال تطوفي بالبيت حتى تطهري)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الحج باب ‪.53/883‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.80/1567‬‬

‫( ‪)1/469‬‬

‫سنن الوقوف بعرفة‪:‬‬


‫‪ - 1‬الغسل‪ ،‬ألنه يوم يجتمع فيه الناس‪ .‬وقيل الوضوء سنة والغسل مستحب‪ .‬لما روي عن عبد‬
‫الرحمن بن يزيد قال‪" :‬اغتسلت مع ابن مسعود يوم عرفة تحت األراك"(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬اإلكثار من التلبية والتهليل‪ ،‬وال يترك التلبية حتى يرمي جمرة العقبة‪ ،‬بعد طلوع شمس يوم‬
‫النحر‪ ،‬لما روي عن الفضل بن عباس رضي اللّه عنهما (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ّلبى‬
‫حتى رمى جمرة العقبة)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬اإلكثار من الدعاء جهراً مع االجتهاد واإللحاح في المسألة‪ ،‬لحديث طلحة بن عبيد اللّه ابن‬
‫كريز رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬أفضل الدعاء يوم عرفة‪ ،‬وأفضل ما‬
‫قلت أنا والنبيون من قبلي‪ :‬ال إله إال اللّه وحده ال شريك له)(‪.)3‬‬
‫وزاد البيهقي في رواية عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه‪( :‬له الملك وله الحمد وهو على كل‬
‫شيء قدير‪ ،‬اللّهم اجعل لي في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً‪ ،‬اللّهم اشرح لي‬
‫صدري‪ ،‬ويسر لي أمري‪ ،‬وأعوذ بك من وسواس الصدر وشتات األمر وفتنة القبر‪ .‬اللّهم إني أعوذ‬
‫بك من شر ما يلج في الليل‪ ،‬وشر ما يلج في النهار‪ ،‬وشر ما تهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر)(‬
‫‪.)4‬‬
‫‪ - 4‬يسن القيام أثناء الدعاء مستقبالً القبلة وبخشوع‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إن لكل شيء سيداً وإ ن سيد المجلس قبالة القبلة)(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.253‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.28/1815‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.117‬‬
‫(‪ )4‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.117‬‬
‫(‪ )5‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 8‬ص ‪ ،59‬رواه الطبراني‪.‬‬
‫( ‪)1/470‬‬

‫‪ - 5‬يسن للحاج أن ُي ْفطر يوم عرفة‪ ،‬ألن الفطر أعون له على الدعاء‪ ،‬بخالف غيره فيسن له‬
‫الصوم‪ .‬لما روت أم الفضل رضي اللّه عنها قالت‪" :‬شك الناس يوم عرفة في صوم النبي صلى اللّه‬
‫عليه وسلم فبعثت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بشراب فشربه"(‪.)1‬‬
‫‪ - 6‬النزول في مسجد نمرة بعد الزوال‪ ،‬حيث يجتمع الحجاج مع اإلمام األعظم أو نائبه‪.‬‬
‫‪ - 7‬يسن لإلمام خطبتان بعد الزوال قبل صالة الظهر كخطبتي الجمعة‪ ،‬يعلم فيهما الناس المناسك‪.‬‬
‫وإ ن خطب قبل الزوال أجزأه مع الكراهة لما روى جابر رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم خطب الناس يوم عرفة وقال‪( :‬إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام‪.)2()...‬‬
‫‪ - 8‬يسن لإلمام أن يجمع صالة الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان وإ قامتين‪ ،‬لحديث جابر‬
‫رضي اللّه عنه في صفة حج النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ثم أذن‪ ،‬ثم أقام فصلى الظهر‪ ،‬ثم أقام‬
‫فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً)(‪ .)3‬ويسر بالقراءة‪ ،‬وال يفصل بين الصالتين بشيء من السنن‬
‫كما في الحديث‪ ،‬بل يقيم للظهر ويصليه ويقيم للعصر ويصليه‪ .‬ويقصر اإلمام إن كان مسافراً‪.‬‬
‫أما إذا صلى الحجاج في رحلهم فال يجمعوا‪ ،‬بل يصلوا الظهر في وقته والعصر في وقته عند اإلمام‪،‬‬
‫وعند الصاحبين يجمعوا‪ .‬ودليل اإلمام أن الجمع صح على خالف األصل‪ ،‬فال يجوز إال بشروطه‪،‬‬
‫وشروط الجمع هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلحرام بالحج‪.‬‬
‫‪ - 2‬الحضور بعرفة‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن تكون الصالة جماعة‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يقيم الصالة اإلمام األعظم أو نائبه‪.‬‬
‫‪ - 9‬يسن للحاج الوقوف مع اإلمام األعظم عند الصخرات قرب جبل الرحمة‪ ،‬مستقبالً القبلة‪،‬‬
‫ويتوجه للدعاء وال يقطعه إال بالتلبية ثم يعود إليه‪ ،‬كما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬فقد‬
‫روى جابر رضي اللّه عنه في صفة حجه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته‬
‫القصواء إلى الصخرات‪ ،‬وجعل حبل المشاة بين يديه‪ ،‬واستقبل القبلة‪ ،‬فلم يزل واقفاً حتى غربت‬
‫الشمس)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.84/1575‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬

‫( ‪)1/471‬‬

‫وينبغي للحاج أن يجتهد في الدعاء‪ ،‬فيدعو بما يحفظه أو يقرؤه‪ ،‬لما ورد في فضيلة الدعاء يوم عرفة‬
‫وإ جابة الدعاء فيه‪ ،‬فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ما من‬
‫يوم أكثر من أن يعتق اللّه عبداً فيه من النار من يوم عرفة‪ ،‬وإ نه ليدنو ثم يباهي بهم المالئكة فيقول‪ S‬ما‬
‫أراد هؤالء؟)(‪ .)1‬ومن األدعية الواردة في هذا اليوم‪" :‬ال إله إال اللّه وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله‬
‫الحمد‪ ،‬يحيي ويميت وهو حي ال يموت‪ ،‬بيده الخير وهو على كل شيء قدير‪ .‬سبحان اللّه والحمد للّه‬
‫وال إله إال اللّه واللّه أكبر‪ ،‬وال حول وال قوة إال باللّه العلي العظيم‪ .‬يا رفيع الدرجات‪ ،‬يا منزل‬
‫ضجت إليك األصوات تسألك الحاجات وحاجتي أن ترحمني‬
‫البركات‪ ،‬يا فاطر األرضين والسماوات ّ‬
‫علي وأن تعينني على طاعتك‬
‫في دار البالء إذا نسيني أهل الدنيا‪ .‬أسألك أن توفقني لما افترضت ّ‬
‫وأداء حقك وقضاء المناسك‪ ،‬التي أريتها خليلك إبراهيم‪ ،‬وعلمت عليها حبيبك محمد صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪ .‬اللّهم لكل متضرع إليك إجابة‪ ،‬ولكل مسكين لديك رأفة‪ ،‬ولقد جئتك متضرعاً إليك مسكيناً‬
‫قلت وأنت ال تُخلف الميعاد‪:‬‬
‫لديك‪ ،‬فاقض حاجتي واغفر ذنوبي وال تجعلني من أخيب وفدك‪ ،‬وقد َ‬
‫ادعوني أستجب لكم‪ ،‬وقد دعوتك متضرعاً سائالً‪ .‬فأجب دعائي وأعتِقني من النار ووالدي وجميع‬
‫المسلمين والمسلمات برحمتك يا أرحم الراحمين"‪.‬‬
‫ويستحب أن يقول عند الغروب قبل اإلفاضة‪" :‬اللّهم ال تجعله آخر العهد بهذا الموقف‪ ،‬وارزقنيه ما‬
‫أبقيتني‪ ،‬واجعلني اليوم ُمفلحاً مرحوماً مستجاباً دعائي‪ ،‬مغفورة‪ S‬ذنوبي‪ ،‬يا أرحم الراحمين"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.79/436‬‬

‫( ‪)1/472‬‬

‫‪ - 10‬تسن اإلفاضة بعد غروب الشمس مع اإلمام‪ ،‬لما روى ميسرة األشجعي عن عبد اللّه ابن عمر‬
‫رضي اللّه عنهما أنه حج معه حتى وقف بعرفات‪ ...‬ثم قال‪" :‬لقد كان المشركون ال يفيضون من‬
‫عرفات حتى تعمم الشمس في الجبال فتصير في رؤوسها كعمائم الرجال في وجوههم‪ ،‬وأن رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان ال يفيض حتى تغرب الشمس"(‪ .)1‬وعن جابر رضي اللّه عنه في‬
‫حديثه الطويل في صفة حجه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت‬
‫الصفرة قليالً حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد شنق‬
‫للقصواء الزمام"(‪ .)2‬وال يجوز الدفع قبل اإلمام حتى تغرب الشمس‪ ،‬أما التأخر بعد الغروب لزحمة‬
‫فجائز‪.‬‬
‫‪ -11‬أن يكثر من االستغفار عند اإلفاضة لقوله تعالى‪{ :‬ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس‪،‬‬
‫واستغفروا اللّه إن اللّه غفور رحيم}(‪.)3‬‬
‫وأن يمشي على هينته‪ ،‬لما روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬يا أيها الناس عليكم السكينة)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.255‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬
‫(‪ )3‬البقرة‪.199 :‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.54/885‬‬

‫( ‪)1/473‬‬

‫الركن الثالث ‪ -‬الطواف بالبيت أربعة أشواط‪:‬‬


‫ويسمى طواف الركن ألنه الركن الثاني من أركان الحج‪ ،‬كما يسمى طواف اإلفاضة ألن الحاج يفعله‬
‫بعد إفاضته من منى إلى مكة‪ .‬ويسمى أيضاً طواف الزيارة ألن الحاج يأتي من منى فيزور البيت‬
‫وال يقيم بمكة بل يرجع إلى منى‪.‬‬
‫ومن ترك طواف اإلفاضة ظل على إحرامه‪ ،‬وال يحل له قربان النساء أبداً‪ ،‬وكلما جامع لزمه دم إذا‬
‫تعدد المجلس‪ ،‬إال أن يقصد الرفض (‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الرفض‪ :‬أي أن يقول رفضت إحرامي‪ ،‬عندها لو جامع في عدة مجالس ال يجب عليه غير دم‬
‫واحد‪ .‬إال أنه يبقى محرماً باعتبار الشارع ألنه ال يخرج من إحرامه إال بتمام أفعال الحج وهو‬
‫طواف الركن‪.‬‬

‫( ‪)1/474‬‬
‫دليل فرضيته‪:‬‬
‫طوفوا بالبيت العتيق}(‪.)1‬‬
‫{ولي َّ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬‬
‫وحديث عائشة رضي اللّه عنها أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم حاضت‪،‬‬
‫(أحابستُنا هي؟ قالوا‪ :‬إنها قد أفاضت‪ .‬قال‪ :‬فال‬
‫َ‬ ‫فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫إذاً)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحج‪.29 :‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.144/1670‬‬

‫( ‪)1/475‬‬

‫وقته‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أول وقته‪ :‬طلوع فجر يوم النحر‪ ،‬وذلك لقوله تعالى‪{ :‬فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} ‪-‬‬
‫يعني األضحية ‪ -‬ثم قال‪{ :‬وليطوفوا بالبيت العتيق}(‪ .)1‬فجمع بين الذبح والطواف فكان وقتهما‬
‫واحداً‪ .‬ولو طاف قبل يوم النحر أعاد‪.‬‬
‫ب ‪ -‬آخر وقته‪ :‬حتى آخر العمر‪ .‬إال من مات بعد الوقوف بعرفة وقبل الطواف‪ ،‬وأوصى‪ S‬بإتمام‬
‫ويقبل حجه‪ .‬ولو لم يوص صح حجه وال شيء عليه‪.‬‬
‫الحج‪ ،‬فيجبر عنه َبَبدنة ُ‬

‫أخره بدون‬
‫تطوع بعد الوقوف بعرفة‪ ،‬فلو ّ‬
‫ٍ‬ ‫جـ ‪ -‬وقته الواجب‪ :‬أيام النحر‪ .‬ويجزئ عنه أي طواف‬
‫عذر إلى ما بعد أيام النحر فعليه دم‪ ،‬إال إن كانت حائضاً فتؤخره لعذر الحيض وليس عليها دم‪ .‬ما لم‬
‫تكن طهرت قبل غروب الشمس من ثالث أيام النحر بوقت يسع طهورها وطوافها أربعة أشواط‪ ،‬أو‬
‫حاضت بعد دخول يوم النحر بوقت يسع ذلك ولم تَطُف‪ ،‬فيلزمها دم‪.‬‬
‫د ‪ -‬وقته المكروه تنزيهاً‪ :‬تأخيره عن أول يوم النحر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحج‪.29 :‬‬

‫( ‪)1/476‬‬
‫شروط صحة الطواف‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلسالم‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلحرام‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون قد وقف بعرفة قبله‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون الطواف حول البيت بنيته‪ ،‬فلو طاف يسعى وراء غريم لم يصح‪.‬‬
‫‪ - 5‬فعله في وقته‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يباشر الطواف بنفسه‪ ،‬فال تصح فيه النيابة إال للمغمى عليه‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن يكون الطواف حول الكعبة داخل المسجد ما لم يخرج عن الحرم‪.‬‬
‫ويجوز الطواف في هواء المسجد‪ ،‬وعلى سطحه ولو مرتفعاً عن البيت‪ .‬وال بأس بالحائل بين‬
‫الطائف والبيت‪.‬‬
‫واجباته‪:‬‬
‫‪ - 1‬ستر العورة‪ :‬فلو كشف ربع العضو فأكثر وجب عليه دم‪ ،‬بدليل ذلك ما روى أبو هريرة رضي‬
‫اللّه عنه أن أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم قبل حجة الوداع‪ ،‬يوم النحر‪ ،‬في رهط‪ ،‬يؤذن في الناس‪( :‬أال يحج بعد العام مشرك‪ ،‬وال‬
‫يطوف بالبيت عريان)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.66/1543‬‬

‫( ‪)1/477‬‬

‫‪ - 2‬الطهارة من الحدثين األكبر واألصغر‪ :‬لحديث عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬فافعلي ما يفعل الحاج غير أن ال تطوفي بالبيت حتى تطهري)(‪ ،)1‬وروي‬
‫عنها أيضاً في صفة حجه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم‬
‫طاف بالبيت)(‪ .)2‬ولو طاف جنباً وجب عليه ب َدنة وصح طوافه (‪ ،)3‬أما لو طاف م ِ‬
‫حدثاً وجب عليه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شاة‪ .‬وكذا الطهارة من النجاسة في الثوب والبدن والمكان‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما أن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬الطواف حول البيت مثل الصالة‪ ،‬إال أنكم تتكلمون فيه)(‪ .)4‬وإ ذا‬
‫انتقض وضوؤه‪ S‬جدده‪ ،‬وبنى على طوافه األول‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يطوف ماشياً إال لعذر‪ ،‬من مرض شديد أو غيره‪ ،‬لحديث أم سلمة رضي اللّه عنها قالت‪:‬‬
‫شكوت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أني أشتكي‪ .‬فقال‪( :‬طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)‬
‫(‪ .)5‬ولو طاف راكباً لغير عذر وجب عليه أن يعيد الطواف ما دام بمكة‪ ،‬فإن غادرها قبل أن يعيد‬
‫فعليه دم‪ .‬أما ما ورد عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه طاف في حجة الوداع على بعير (‪ ،)6‬فمحمول‬
‫على أنه صلى اللّه عليه وسلم كان مريضاً ُم ِسناً‪.‬‬
‫‪ - 4‬التيامن‪ ،‬بأن يطوف عن يمين البيت‪ ،‬جاعالً البيت عن يساره‪ ،‬ماراً تلقاء وجهه‪ .‬وهو واجب‬
‫ألن الكعبة كاإلمام والطائف كالمؤتم بها والواحد يقف عن يمين اإلمام‪ ،‬ولحديث جابر بن عبد اللّه‬
‫رضي اللّه عنهما (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه‪ ،‬ثم مضى‬
‫على يمينه)(‪ .)7‬ولو تركه أعاد ما دام بمكة‪ ،‬فإن لم ُي ِعد وجب عليه دم‪.‬‬
‫‪ - 5‬االبتداء من الحجر األسود في كل شوط‪ ،‬فلو بدأ من غيره لم ُيحسب له ما طاف قبله‪ .‬ويجب أن‬
‫يبدأه قبل الحجر بقليل ليكون ماراً بكل جسده حول الحجر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب الحيض باب ‪.7/299‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.86‬‬
‫وهم الركب بالرحيل‪ ،‬وعليها طواف الزيارة‪ ،‬تطوف وتكون آثمة‬
‫(‪ )3‬وكذا لو حاضت المرأة‪َّ ،‬‬
‫بدخولها المسجد وهي حائض‪ ،‬فتذبح َب َدنة‪.‬‬
‫(‪ )4‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الحج باب ‪.112/960‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.73/1552‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.57/1530‬‬
‫(‪ )7‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.90‬‬

‫( ‪)1/478‬‬

‫ويعتبر الشاذروان من البيت وكذا‪ِ ،‬ح ْجر‬


‫‪ - 6‬أن يكون الطائف خارجاً بجميع بدنه عن جميع البيت‪ُ ،‬‬
‫سيدنا إسماعيل‪ ،‬وهو الحطيم لحديث عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬سألت النبي صلى اللّه عليه‬
‫الج ْدر أمن البيت هو؟ قال‪ :‬نعم)(‪ ،)1‬وفي رواية مسلم أنه قال‪( :‬وزدت فيها ستة أذرع من‬
‫وسلم عن َ‬
‫الحجر‪ ،‬فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة)(‪.)2‬‬
‫‪ - 7‬إتمام الطواف إلى سبعة أشواط من الحجر األسود إلى الحجر األسود‪ ،‬فإن ترك شيئاً من السبع‬
‫لم يجزئه عن الواجب‪ ،‬بدليل حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪( :‬قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين)(‪ .)3‬ولو طاف شوطاً ثامناً متعمداً لزمه تتمة السبع‪،‬‬
‫ألن طوافه صار الزماً بالشروع‪ .‬ولو شك في عدد األشواط ال يبني على األقل في طواف الركن‬
‫والواجب بل يعيد األشواط‪ ،‬أما في طواف السنة فيبني على األقل‪ ،‬ألنه مبني على التوسعة‪ .‬وقيل إن‬
‫كان كثير الشك يتحرى‪ ،‬فإن أخبره عدل صدقه ويستحب أن يأخذ بقوله ولو أخبره عدالن وجب‬
‫العمل بقولهما‪.‬‬
‫يتم طوافه في وقته الواجب‪ ،‬وهو أيام النحر‪ ،‬فلو أخره عنها لغير عذر لزمه دم‪.‬‬
‫‪ - 8‬أن ّ‬
‫‪ - 9‬أن يصلي ركعتين بعد كل طواف خلف مقام إبراهيم عليه السالم أو في أي مكان من المسجد ثم‬
‫في الحرم‪ ،‬ثم ال فضيلة بعد الحرم بل اإلساءة‪ .‬ويفضل‪ S‬أن يقرأ فيهما بـ الكافرون واإلخالص‪ ،‬وذلك‬
‫اقتداء لفعله صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬فقد روى جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما في صفة حجه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم‪ ...( :‬حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثالثاً ومشى أربعاً‪ .‬ثم قام إلى مقام‬
‫إبراهيم فقال‪{ :‬واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}‪ .‬فجعل المقام بينه وبين البيت ‪ -‬فكأن أبي يقول‪S:‬‬
‫وال أعلمه ذكره إال عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ‪ -‬أنه يقرأ في الركعتين قل يا أيها الكافرون وقل‬
‫هو اللّه أحد‪.)4()..‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.41/1507‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.69/401‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.71/1547‬‬
‫(‪ )4‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.84/3074‬‬

‫( ‪)1/479‬‬

‫ويستحب أن يدعو بعد الركعتين بالدعاء المأثور‪" :‬اللّهم إنك سري وعالنيتي فاقبل معذرتي‪ ،‬وتعلم‬
‫حاجتي فأعطني ُسؤلي‪ ،‬وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي‪ .‬اللّهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي ويقيناً‬
‫صادقاً حتى أعلم أنه لن يصيبني إال ما قسمت لي"‪.‬‬
‫ولو صلى أكثر من ركعتين جاز‪ ،‬وال تجزئ الصالة المكتوبة وال المنذورة عنهما‪.‬‬
‫وتكره صالة ركعتي الطواف في وقت الكراهة بخالف الطواف‪ ،‬فلو طاف بعد العصر يؤخر ركعتي‬
‫الطواف إلى ما بعد صالة المغرب قبل السنة‪ .‬وال تنعقد ركعتا الطواف في ثالثة من األوقات المنهي‬
‫عنها‪ :‬عند طلوع الشمس‪ ،‬وعند االستواء‪ ،‬وعند الغروب‪ .‬وتنعقد مع الكراهة بعد الفجر والعصر‪.‬‬
‫ويصلي لكل سبعة أشواط ركعتين‪ ،‬ويكره أن يجمع إال إذا طاف وقت الكراهة‪ ،‬فإنه يؤخر الصالة‬
‫ويطوف طوافاً آخر وبعد زوال وقت الكراهة يصلي ما وجب عليه من ركعات الطواف‪ .‬وإ ن جمع‬
‫في غير ذلك جاز مع الكراهة‪.‬‬

‫( ‪)1/480‬‬
‫سنن الطواف‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يستقبل البيت أول طوافه‪ ،‬فيقف مستقبالً الحجر األسود‪ ،‬بأن يجعل منكبه األيمن عند طرف‬
‫الحجر الذي إلى جهة الركن اليماني‪ ،‬وينوي الطواف‪ ،‬ثم يمر مستقبالً ومحاذياً ببدنه الحجر األسود‬
‫إلى أن يصير طرف الحجر الذي إلى جهة باب الكعبة محاذياً منكبه األيسر‪ ،‬ثم ينتقل جاعالً البيت‬
‫عن يساره متوجهاً إلى جهة الباب‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يسلم الحجر بيده في ابتداء الطواف‪ ،‬فيضع كفّيه على الحجر األسود ويسجد عليه ويقبله لما‬
‫روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪" :‬رأيت عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قبله وسجد عليه‬
‫ثم قال‪ :‬رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعل هكذا ففعلت"(‪ ،)1‬وعن ابن عمر رضي اللّه‬
‫عنهما قال‪" :‬قَبَّل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال‪ :‬أما واللّه لقد علمت أنك حجر‪ ،‬ولوال أني رأيت‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"(‪ .)2‬ويستحب أن يكرر ثالثاً‪ ،‬وأن يستلم في ابتداء‬
‫كل شوط وفي ختم الطواف وقبل ركعتي الطواف‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪:‬‬
‫(كان رسول اللّه ال يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة‪ .‬قال‪ :‬وكان عبد اللّه بن عمر‬
‫يفعله"‪.‬‬
‫فإن عجز عن االستالم والتقبيل أشار بيده‪ ،‬لما روي عن أبي الطفيل رضي اللّه عنه قال‪( :‬رأيت‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يطوف بالبيت‪ ،‬ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن)(‪.)4‬‬
‫وكذا يسن استالم الركن اليماني بال تقبيل عند اإلمام محمد‪.‬‬
‫وال يسن للنساء استالم وال تقبيل إال عند ُخ ِّلو المطاف‪.‬‬
‫ويسن أن يقول عند االستالم‪" :‬اللّهم إيماناً بك‪ ،‬وتصديقاً بكتابك‪ ،‬ووفاء بعهدك‪ ،‬واتباعاً لسنة نبيك‬
‫محمد صلى اللّه عليه وسلم "‪ ،‬لما روي عن علي رضي اللّه عنه أن كان يقول إذا استلم الحجر‪:‬‬
‫"اللّهم إيماناً بك‪ ،‬وتصديقاً بكتابك‪ ،‬ووفاء بعهدك‪ ،‬واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى اللّه عليه وسلم "(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.74‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.41/248‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.48/1876‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪ .42/257‬والمحجن‪ :‬القضيب‪.‬‬
‫(‪ )5‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.79‬‬

‫( ‪)1/481‬‬
‫‪ - 3‬أن يقول قبالة الكعبة‪" :‬اللّهم إن البيت بيتك‪ ،‬والحرم حرمك‪ ،‬واألمن أمنك‪ ،‬وهذا مقام العائذ بك‬
‫من النار‪ .‬مشيراً إلى مقام إبراهيم عليه السالم"‪.‬‬
‫وعند الركن اليماني يقول‪" S:‬اللّهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وعمالً مقبوالً وتجارة لن تبور‪،‬‬
‫يا عزيز‪ ،‬يا غفور"‪.‬‬
‫ويقول بين الركنين‪" :‬ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار"(‪.)1‬‬
‫وروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه كان يقول‪ :‬احفظوا هذا الحديث وكان يرفعه إلى النبي‬
‫علي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم وكان يدعو بين الركنين‪( :‬رب قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه‪ ،‬واخلف ّ‬
‫كل غائبة لي بخير)(‪.)2‬‬
‫الشرك والشك والنفاق ِّ‬
‫والشقاق وسوء األخالق وسوء‬ ‫ويقول أثناء الطواف‪" :‬اللّهم إني أعوذ بك من ِّ‬
‫المنقلب في األهل والمال والولد"‪.‬‬
‫وتحت الميزاب‪" :‬اللّهم أظلَّني تحت ظل عرشك يوم ال ظ ّل إال ِظلك"‪.‬‬
‫ويسن اإلكثار من الدعاء ورفع األيدي في جميع الطواف‪ ،‬ومأثور الدعاء أفضل‪.‬‬
‫الر َمل (‪ )3‬للرجل في الطوفات الثالث األولى إذا أعقب الطواف سعي‪ .‬ويسن المشي على‬
‫‪ - 4‬يسن َّ‬
‫الهينة في األربع األخيرة‪ ،‬وأن يقول أثناء الرمل‪" :‬اللّهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وعمالً‬
‫مقبوالً وتجارة لن تبور‪ ،‬يا عزيز‪ ،‬يا غفور"‪ .‬وذلك لما روى ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬قدم‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب‪ .‬قال المشركون‪ :‬إنه ي ْقدم‬
‫عليكم غداً قوم وهنتهم الحمى ولَقُوا منها شدة‪ ،‬فجلسوا مما يلي ِ‬
‫الح ْجر‪ ،‬وأمرهم النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم أن يرملوا ثالثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون َجلَ َدهم فقال المشركون‪ :‬هؤالء‬
‫الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟ هؤالء أجلد من كذا وكذا)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.52/1892‬‬
‫(‪ )2‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.455‬‬
‫وهز الكتفين‪.‬‬
‫طا ّ‬
‫الخ َ‬
‫(‪ )3‬الرمل‪ :‬هو المشي بسرعة مع تقارب ُ‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.39/240‬‬

‫( ‪)1/482‬‬

‫‪ - 5‬يسن االضطباع للرجل والصبي‪ ،‬في طواف يسن فيه الرمل‪ ،‬وذلك بأن يجعل وسط ردائه تحت‬
‫منكبه األيمن وطرفيه على عاتقه األيسر‪ .‬وال يسن االضطباع في ركعتي الطواف‪ .‬ودليل ذلك ما‬
‫روى؟يعلى؟ رضي اللّه عنه قال‪( :‬طاف النبي صلى اللّه عليه وسلم مضطبعاً ببرد أخضر)(‪.)1‬‬
‫أما المرأة فال ترمل وال تضطبع‪.‬‬
‫‪ - 6‬المواالة بين أشواط الطواف‪ ،‬فال يقطع الطواف إال لضرورة‪ ،‬فإن عرضت له حاجة ضرورية‬
‫قطع الطواف فإذا عاد بنى على ما مضى‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه كان يطوف‬
‫بالبيت فلما أقيمت الصالة صلى مع اإلمام ثم بنى على طوافه‪ ،‬وكذا إذا أحدث في الطواف أو‬
‫حضرت جنازة صلى جنازة صلى عليها ثم يبني على طوافه‪.‬‬
‫‪ - 7‬يسن االقتراب من البيت للرجل ألنه أيسر في االستالم والتقبيل‪ ،‬إال أن يؤدي إلى األذى فالبعد‬
‫أولى‪.‬‬
‫‪ - 8‬تُسن المواالة بين الطواف وصالة الركعتين‪ ،‬ويكره تأخيرها عنه إال في حالة الوقت المكروه‪.‬‬
‫‪ - 9‬يسن عدم الكالم إال في خير كتعليم جاهل أو غير ذلك‪ ،‬لما روى أبو هريرة رضي اللّه عنه أنه‬
‫سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬من طاف بالبيت سبعاً‪ ،‬وال يتكلم إال بسبحان اللّه والحمد للّه‬
‫وال إله إال اللّه واللّه أكبر وال حول وال قوة إال باللّه‪ ،‬محيت عنه عشر سيئات وكتبت له عشر‬
‫حسنات‪ ،‬ورفع له بها عشرة درجات)(‪.)2‬‬
‫ويكره في الطواف األكل والشرب ووضع اليد على فيه بال حاجة‪ ،‬وأن يشبك بين أصابعه‪ ،‬وليكن‬
‫طوافه بحضور قلب ولزوم أدب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.50/1883‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.32/2957‬‬

‫( ‪)1/483‬‬

‫مندوبات الطواف‪:‬‬
‫‪ - 1‬استالم الركن اليماني دون تقبيل‪.‬‬
‫‪ - 2‬يستحب أن يأتي زمزم بعد الركعتين‪.‬‬
‫المْلتَزم قبل الخروج للسعي‪ ،‬وقيل يلتزم قبل الصالة ثم يصلي ثم يأتي زمزم‬
‫‪ - 3‬أن يقف عند ُ‬
‫وبعدها يعود الستالم الحجر األسود إن أراد السعي فيهلل ويكبر ثم يخرج للسعي‪ .‬لما روي عن ابن‬
‫عباس رضي اللّه عنهما "أنه كان يلزم ما بين الركن والباب وكان يقول ما بين الركن والباب يدعى‬
‫الملتزم ال يلزم ما بينهما أحد يسأل اللّه شيئاً إال أعطاه إياه"(‪.)1‬‬
‫تتعوذ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال‪" :‬طفت مع عبد اللّه‪ ،‬فلما جئنا ُدُبر الكعبة قلت‪ :‬أال َّ‬
‫نعوذ باللّه من النار‪ ،‬ثم مضى حتى استلم الحجر‪ ،‬وأقام بين الركن والباب‪ ،‬فوضع صدره‪ ،‬ووجهه‪،‬‬
‫وذراعيه‪ ،‬وكفيه هكذا‪ ،‬وبسطهما بسطاً‪ ،‬ثم قال‪ :‬هكذا رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعل"(‬
‫‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.164‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.55/1899‬‬

‫( ‪)1/484‬‬

‫الحج)‪.‬‬
‫(واجبات ّ‬
‫َ‬ ‫الباب الثالث‬
‫واجبات الحج (‪ )1‬قسمان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الواجبات المتعلقة باألركان المذكورة سابقاً‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الواجبات األصلية غير المتعلقة باألركان أو الشروط وهي‪:‬‬
‫أوالً ‪ -‬السَّعي بين الصَّفا والمروة (‪:)2‬‬
‫دليل الوجوب‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬إن الصفا والمروة من شعائر اللّه‪ ،‬فمن حج البيت أو اعتمر فال جناح عليه أن يطوف‬
‫بهما}(‪ .)3‬وحملت اآلية على الوجوب ألنها ال تفيد الركنية‪.‬‬
‫وحديث حبيبة بنت أبي تجرأة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬اسعوا فإن‬
‫اللّه كتب عليكم السعي)(‪ ،)4‬وهو خبر آحاد ال يفيد الركنية أيضاً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ترك الواجب يوجب دماً‪.‬‬
‫صفَاة وهو الحجر األملس‪ ،‬والمروة‪ :‬حجر أبيض ّبراق‪ ،‬والمراد مكانان هناك‬
‫(‪ )2‬الصَّفا‪ :‬جمع َ‬
‫بجوار المسجد الحرام من الجهة الشرقية‪.‬‬
‫(‪ )3‬البقرة‪.158 :‬‬
‫(‪ )4‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.255‬‬

‫( ‪)1/485‬‬

‫وقته‪:‬‬
‫يجب أن يقع السعي بعد طواف معتد به‪ ،‬واألفضل‪ S‬أن يقع بعد طواف اإلفاضة لترتيب الواجب على‬
‫الركن‪ .‬ويجوز إيقاعه بعد طواف القدوم أو طواف نفل ألهل مكة ومن هم داخل الميقات (ألنه ال‬
‫طواف قدوم عليهم) وال يعيده بعد اإلفاضة ترخيصاً للمسلمين‪.‬‬
‫واجبات السعي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يبدأ الساعي بالصفا‪ ،‬لحديث جابر رضي اللّه عنه في صفة النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(فلما دنا من الصفا قرأ‪{ :‬إن الصفا والمروة من شعائر اللّه} أبدأ بما بدأ اللّه به فبدأ بالصفا)(‪ .)1‬فلو‬
‫عكس الترتيب لم تحسب المرة األولى‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يسعى سبعة أشواط‪ ،‬ويحسب ذهابه من الصفا إلى المروة مرة‪ ،‬واإلياب مرة أخرى‪ .‬لما‬
‫روي عن عبد اللّه بن أبي أوفى رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (أتى الصفا‬
‫والمروة فسعى بينهما سبعاً)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬أن يسعى ماشياً‪ ،‬فلو ركب أو ُحمل لغير عذر وجب عليه دم كمن ترك السعي أصالً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.56/1903‬‬

‫( ‪)1/486‬‬

‫سنن السعي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يستلم الحجر بنهاية الطواف قبل السعي‪ ،‬وأن يخرج إلى السعي من باب الصفا‪.‬‬
‫ص َعد على الصَّفا والمروة حتى يرى البيت‪ ،‬وأن يمكث على كل منهما قدر ما يقرأ سورة‬
‫‪ - 2‬أن َي ْ‬
‫من الفصل‪ ،‬لما روى جابر رضي اللّه عنه في صفة حج النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ثم خرج‬
‫من الباب إلى الصفا‪ ،‬فلما دنا من الصفا قرأ‪{ :‬إن الصفا والمروة من شعائر اللّه} أبدأ بما بدأ اللّه به‪،‬‬
‫فبدأ بالصفا‪ ،‬فرقي عليه حتى رأى البيت)(‪ .)1‬ويكره ترك الصعود‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يقرأ قوله تعالى‪{ :‬إن الصفا والمروة من شعائر اللّه} للحديث المتقدم‪.‬‬
‫البداءة‪.‬‬
‫‪ 4 -‬أن يرفع يديه ُح ْذ َو منكبيه عند َ‬
‫‪ - 5‬أن يستقبل البيت ويهلّل ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وسلم بصوت مرتفع‪ ،‬وأن يدعو‬
‫بالدعاء التالي‪" :‬اللّه أكبر‪ ،‬اللّه أكبر‪ ،‬ال إله إال اللّه‪ ،‬وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد يحيي‬
‫ويميت وهو حي ال يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير‪ .‬ال إله إال اللّه وال نعبد إال إياه‬
‫مخلصين له الدين ولو كره الكافرون‪ .‬ال إله إال اللّه أهل التكبير والتحميد والتهليل‪ .‬ال إله إال اللّه‬
‫وحده‪ ،‬أنجز وعده‪ ،‬ونصر عبده‪ ،‬وهزم األحزاب وحده‪ .‬فله الملك وله الحمد"‪.‬‬
‫العسرى‪ ،‬واغفر لي في اآلخرة واألولى"‪S.‬‬ ‫اليسرى ِّ‬
‫وجنبني ُ‬ ‫فإذا نزل من الصفا قال‪" :‬اللّهم يسِّر لي ُ‬
‫ويقول على المروة مثل ما قال على الصفا‪ .‬ودليل ذلك حديث جابر رضي اللّه عنه قال‪( :‬فبدأ‬
‫بالصفا‪ ،‬فرقي عليه‪ ،‬حتى رأى البيت‪ ،‬فاستقبل القبلة‪ ،‬فوحد اللّه وكبره‪ ،‬وقال‪ :‬ال إله إال اللّه وحده ال‬
‫شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‪ ،‬ال إله إال اللّه وحده أنجز وعده ونصر عبده‪،‬‬
‫وهزم األحزاب وحده‪ .‬ثم دعا بين ذلك‪ .‬قال‪ :‬مثل هذا ثالث مرات‪ ،‬ثم نزل إلى المروة)(‪ .)2‬ويقول‬
‫في السعي‪" :‬رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬

‫( ‪)1/487‬‬

‫‪ 6 -‬يسن اإلكثار من التكبير والتسبيح والتهليل‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار إلقامة ذكر‬
‫اللّه)(‪.)1‬‬
‫‪ - 7‬يسن الرمل بين الميلين األخضرين‪ ،‬لحديث جابر رضي اللّه عنه قال‪ ...( :‬ثم نزل إلى المروة‬
‫حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي‪ ،‬حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة‪ ،‬فصنع على‬
‫المروة مثل ما صنع على الصفا)(‪.)2‬‬
‫أخره لعذر أو ليستريح‬
‫‪ - 8‬المواالة بين السعي والطواف‪ ،‬فال يجب السعي فوراً بعد الطواف‪ ،‬فلو َّ‬
‫فال بأس عليه‪ .‬ودليل ذلك ما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪( :‬قدم النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فطاف بالبيت سبعاً‪ ،‬وصلى خلف المقام ركعتين‪ ،‬فطاف بين الصفا والمروة سبعاً‪{ :‬لقد كان‬
‫لكم في رسول اللّه أسوة حسنة})(‪ ،)3‬كما تسن المواالة بين مرات السعي‪ ،‬فلو أقيمت الصالة أثناء‬
‫السعي قطع سعيه وصلى ثم عاد وبنى على ما سعى وال يعيد‪.‬‬
‫‪ - 9‬يسن للساعي الطهارة من الحدثين‪ ،‬كما يندب له صالة ركعتين بعد السعي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.51/1888‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.57/1905‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.79/1563‬‬

‫( ‪)1/488‬‬
‫ثانياً ‪ -‬الوقوف بمزدلفة‪:‬‬
‫وقته‪ :‬بعد فجر يوم النحر حتى طلوع الشمس‪ .‬فيصلي اإلمام بالناس الصبح َب َغلس ثم يقف والناس‬
‫معه‪ .‬والمزدلفة كلها موقف إال بطن ُم َحسِّر لما روي عن جابر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم قال‪( :‬كل مزدلفة موقف وارتفعوا عن بطن محسِّر)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.55/3012‬‬

‫( ‪)1/489‬‬

‫دليل الوجوب‪:‬‬
‫أ ‪ -‬عمل الرسول صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬فقد روى عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪( :‬ما رأيت‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى صالة إال لميقاتها إال صالتين‪ :‬صالة المغرب والعشاء بجمع‪،‬‬
‫وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها) وفي رواية‪ :‬وقال‪( :‬قبل وقتها بغلس)(‪.)1‬‬
‫وعن جابر رضي اللّه عنه قال‪ ...( :‬ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام‪ ،‬فاستقبل القبلة‪،‬‬
‫ووح َده‪ ،‬فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً‪ ،‬فدفع قبل أن تطلع الشمس)(‪.)2‬‬
‫فدعاه وكبره وهللّه ّ‬
‫ضرس قال‪ :‬أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم بجمع فقلت‪ :‬هل لي من‬
‫ب ‪ -‬روي عن عروة بن ُم ِّ‬
‫حج؟ فقال‪( :‬من صلّى هذه الصالة معنا‪ ،‬ووقف هذا الموقف حتى يفيض وأفاض قبل ذلك من عرفات‬
‫ليالً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه)(‪ .)3‬فقد علق به تمام الحج‪.‬‬
‫ض َعفَة أهله بالليل‪ ،‬فعن أم حبيبة‬ ‫وهو ليس ركناً اتفاقاً ألن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم َّ‬
‫قدم َ‬
‫رضي اللّه عنها قالت‪( :‬كنا نغلس على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المزدلفة إلى منى)(‬
‫‪ ،)4‬وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كنت فيمن قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم ليلة المزدلفة‬
‫قدمهم‪.‬‬‫في ضعفة أهله)(‪ ،)5‬ولو كان ركناً لما َّ‬
‫وإ ذا ترك الوقوف بمزدلفة لمرض أو كبر ِس ّن أو َلز ْحمة جاز وال يجب عليه شيء‪ .‬وإ ن تركه بال‬
‫عذر وجب عليه دم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.48/292‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬
‫(‪ )3‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.264‬‬
‫(‪ )4‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.262‬‬
‫(‪ )5‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.261‬‬
‫( ‪)1/490‬‬

‫سنن الوقوف بمزدلفة‪:‬‬


‫‪ - 1‬يسن المبيت في المزدلفة ليلة النحر‪ ،‬فيتوجه الحاج إليها بعد غروب شمس يوم عرفة‪ ،‬لما روي‬
‫عن أسامة رضي اللّه عنه قال‪( :‬كنت ردف النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬فلما وقعت الشمس دفع‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم )(‪.)1‬‬
‫‪- 2‬أن يصلي فيها المغرب جمعاً معه العشاء بأذان وإ قامة واحدة‪ ،‬لما روي عن أشعث ابن ُسليم عن‬
‫أبيه قال‪( :‬أقبلت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة‪ ،‬فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى أتينا‬
‫المزدلفة فأذن وأقام‪ ،‬أو أمر إنساناً فأذن وأقام‪ ،‬فصلى بنا المغرب ثالث ركعات‪ ،‬ثم التفت إلينا فقال‪:‬‬
‫الصالة‪ ،‬فصلى بنا العشاء ركعتين‪ ...‬فقيل البن عمر في ذلك فقال‪ :‬صليت مع رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم هكذا)(‪ .)2‬وإ ن فصل بينهما أعاد باإلقامة للعشاء‪ ،‬لما روي عن أسامة بن زيد رضي اللّه‬
‫عنه قال‪ ...( :‬حتى قدمنا المزدلفة ‪ -‬أي مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ‪ -‬فأقام المغرب ثم أناخ‬
‫الناس في منازلهم‪ ،‬ولم يحلوا حتى أقام العشاء فصلى ثم حل الناس)(‪ .)3‬ولو صلى المغرب بعرفة‬
‫أو في الطريق يعيدها إذا وصل مزدلفة ألنها غير جائزة‪ ،‬وإ نما تنقلب جائزة بطلوع الفجر‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن ينزل بجانب جبل قَُزح‪.‬‬
‫ب الباقالَّء (‪.)4‬‬
‫‪ - 4‬أن يجمع من المزدلفة سبعين حصاة بقدر َح ّ‬
‫‪ - 5‬أن يكثر من التكبير والتهليل واالستغفار والصالة على النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{ثم أفيضوا من حيث أ فاض الناس واستغفروا اللّه إن اللّه غفور رحيم}(‪.)5‬‬
‫‪ - 6‬أن يقف عند المشعر الحرام فيذكر اللّه تعالى ويجتهد في الدعاء‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فاذكروا اللّه عند‬
‫المشعر الحرام}(‪ ،)6‬وللحديث المتقدم‪ ...( :‬حتى أتى المشعر الحرام‪ ،‬فاستقبل القبلة‪ ،‬فدعاه وهللّه‬
‫ووحده)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.64/1924‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.65/1933‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.122‬‬
‫(‪ )4‬الباقالَّء‪ :‬الفول‪.‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.199 :‬‬
‫(‪ )6‬البقرة‪.198 :‬‬

‫( ‪)1/491‬‬
‫ومن مأثور الدعاء قبل صالة المغرب والعشاء‪" :‬اللّهم إني أسألك أن ترزقني جوامع الخير‪ ،‬وأن‬
‫فهد ْيتَه"‪ .‬فإذا فرغ من‬
‫تجعلني ممن سألك فأعطيته‪ ،‬ودعاك فأجبته‪ ،‬وتوكل عليك ف َكفَْيتَه‪ ،‬وآمن بك َ‬
‫حرم لحمي وشعري ودمي وعظمي وجميع جوارحي على النار‪ ،‬يا أرحم‬ ‫الصالة يقول‪" S:‬اللّهم ِّ‬
‫الراحمين"‪ .‬ويسأل اللّه تعالى إرضاء الخصوم‪ ،‬فإن اللّه تعالى وعد ذلك لمن طلبه في هذه الليلة‪ ،‬فعن‬
‫كنانة بن عباس بن مرداس السلمي‪( :‬أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا ألمته عشية عرفة بالمغفرة‪.‬‬
‫فأجيب‪ :‬إني قد غفرت لهم‪ ،‬ما خال المظالم فإني آخذ للمظلوم منه‪ .‬قال‪ :‬أي رب! إن شئت أعطيت‬
‫المظلوم من الجنة‪ ،‬وغفرت للظالم‪ .‬فلم يجبه عشيته‪ .‬فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء‪ .‬فأجيب إلى‬
‫ما سأل‪ .‬قال فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم )(‪.)1‬‬
‫ويدعو بعد صالة الفجر فيقول بعد التلبية والتكبير والتهليل‪" :‬اللّهم أنت خير مطلوب وخير مرغوب‬
‫إليه‪ ،‬إلهي لكل وفد جائزة و ِقرى‪ ،‬فاجعل اللّهم جائزتي و ِقراي في هذا المقام أن تتقبل توبتي وتتجاوز‬
‫علي الرزق‬
‫عن خطيئتي وتجمع على الهدى أمري‪ .‬اللّهم ارحمني‪ ،‬وأجرني من النار‪ ،‬وأوسع َّ‬
‫أحي ْيتَني برحمتك يا أرحم‬
‫الحالل‪ .‬اللّهم ال تجعله آخر العهد بهذا الموقف‪ ،‬وارزقنيه أبداً ما َ‬
‫الراحمين"‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن يمشي بسكينة وهدوء عند الدفع من مزدلفة‪ ،‬لما روي عن جابر رضي اللّه عنه قال‪...( :‬‬
‫وأردف أسامة خلفه‪ ،‬ودفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها‬
‫ليصيب مورك رحله‪ ،‬ويقول بيده اليمنى‪ :‬أيها الناس السكينة السكينة)(‪.)2‬‬
‫__________‬

‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.56/3013‬‬


‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬

‫( ‪)1/492‬‬

‫ثالثاً ‪ -‬رمي الجمار‪:‬‬


‫وهي ثالث‪ :‬جمرة العقبة‪ ،‬والجمرة الوسطى‪ ،‬والجمرة الصغرى‪.‬‬
‫‪ - 1‬رمي جمرة العقبة يوم العقبة‪:‬‬
‫جمرة العقبة هي ثالث الجمرات على حد ِمَنى من جهة مكة‪ ،‬وهي ليست من ِمَنى‪ ،‬ويقال لها الجمرة‬
‫الكبرى‪.‬‬
‫وقت الرمي‪ :‬يبدأ وقته من طلوع فجر يوم النحر‪ ،‬ويستمر حتى طلوع فجر أول يوم من أيام‬
‫أخره حتى فات وقته لزمه دم‪.‬‬
‫التشريق‪ .‬فإن َّ‬
‫وله وقت فضيلة‪ :‬هو من طلوع الشمس إلى زوالها‪ ،‬لقوله صلى اللّه عليه وسلم فيما رواه عنه ابن‬
‫عباس رضي اللّه عنهما‪( :‬ال تَرموا الجمرة حتى تطلع الشمس)(‪ ،)1‬وعنه أيضاً‪( :‬أن النبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم كان يأمر نساءه وثقله من صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد‪ ،‬وأن ال‬
‫يرموا الجمرة إال مصبحين)(‪.)2‬‬
‫ووقت الجواز‪ :‬من الزوال إلى غروب الشمس‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما‪( :‬أن‬
‫رجالً قال للرسول صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬رميت بعد ما أمسيت‪ ،‬فقال‪ :‬ال حرج)(‪.)3‬‬
‫أما وقت الكراهة‪ :‬فهو من فجر يوم النحر إلى طلوع الشمس‪ ،‬ومن الغروب إلى فجر يوم التشريق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.62/3025‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.132‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.129/1648‬‬

‫( ‪)1/493‬‬

‫‪ - 2‬رمي الجمرات الثالث في أيام التشريق الثالثة‪:‬‬


‫الخ ْيف‪ ،‬ثم الوسطى‪،‬‬
‫يجب على الحاج أن يرمي في كل يوم‪ :‬الجمرة الصغرى وهي مما يلي مسجد َ‬
‫ثم جمرة العقبة‪ ،‬إن لم يتعجل في يومين‪ ،‬وإ ال صح الرمي في يومين‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فمن تعجل في‬
‫يومين فال إثم عليه‪ ،‬ومن تأخر فال إثم عليه}(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.204 :‬‬

‫( ‪)1/494‬‬

‫وقت الرمي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬في يومي التشريق األول والثاني‪ :‬من الزوال لكل يوم إلى الغروب سنة‪ ،‬لما روي عن جابر بن‬
‫عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‪( :‬رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يرمي ‪ -‬على راحلته ‪ -‬يوم‬
‫النحر ضحى‪ ،‬فأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس)(‪.)1‬‬
‫ومن بعد الغروب حتى طلوع شمس اليوم الذي يليه من أيام التشريق‪ :‬مكروه‪ ،‬لكن يعتبر أداء‪.‬‬
‫أما من طلوع الشمس في اليوم الثالث إلى غروبها فيعتبر قضاء‪ ،‬فأخره إلى بعد الغروب سقط عنه‬
‫وعليه دم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬في اليوم الثالث من أيام التشريق‪ :‬من طلوع فجره إلى الغروب‪ ،‬إال أنه يكره قبل الزوال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.78/1971‬‬

‫( ‪)1/495‬‬

‫شروط صحة الرمي‪:‬‬


‫‪ - 1‬أن يكون المرمي به من جنس األرض من حجر أو َم َدر أو طين‪ ،‬أو بما يصح التيمم به‪ ،‬فلو‬
‫رمى كفاً من تراب أجزأه عن حصاة واحدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يرمي كل جمرة بسبع حصيات في كل يوم‪ ،‬وأن يقذف كل حصاة على حدة‪ ،‬فلو رماها دفعة‬
‫واحدة لم تجزئ إال عن واحدة‪ .‬لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬أفاض رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر‪ ،‬ثم رجع إلى منى‪ ،‬فمكث بها ليالي أيام التشريق‪،‬‬
‫يرمي الجمرة إذا زالت الشمس‪ ،‬كل جمرة بسبع حصيات‪ .)1()..‬وال يشترط أن تصيب الحصيات‬
‫الجمرة بل لو وقعت قريبة منها دون ثالثة األذرع صح ذلك‪ ،‬وإ ن لم يتأكد أعاد الرمي احتياطاً‪.‬‬
‫ويلزمه صدقة لكل حصاة إذا لم يبلغ رمي يوم أو أكثره‪ ،‬فلو بلغ رمي يوم أو أكثره لزمه دم كأربع‬
‫حصيات يوم النحر أو إحدى عشر فيما بعده‪.‬‬
‫‪ - 3‬ترتيب الجمار الثالث أثناء الرمي في أيام التشريق‪ ،‬فيبدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم العقبة‪ .‬فإن‬
‫عكس أعاد الوسطى والعقبة على قول اإلمام محمد (وقال اإلمام أبو حنيفة وصاحبه بسنيته)‪ .‬ودليل‬
‫الترتيب ما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما (أنه كان يرمي الجمرة الدنيا‪ ،‬بسبع حصيات‪ ،‬يكبر‬
‫على إثر كل حصاة‪ ،‬ثم يتقدم حتى ُي ْس ِهل‪ ،‬فيقول‪ S‬مستقبل القبلة‪ ،‬فيقوم طويالً‪ ،‬ثم يدعو ويرفع يديه‪ ،‬ثم‬
‫في ْس ِهل‪ ،‬ويقوم مستقبل القبلة‪ ،‬فيقوم طويالً‪ ،‬ويدعو ويرفع يديه‪،‬‬
‫يرمي الوسطى‪ ،‬ثم يأخذ ذات الشمال ُ‬
‫ويقوم طويالً‪ ،‬ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي‪ ،‬وال يقف عندها‪ ،‬ثم ينصرف‪ ،‬فيقول‪S:‬‬
‫هكذا رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم يفعله)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.78/1973‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.139/1664‬‬
‫( ‪)1/496‬‬

‫سنن الرمي‪:‬‬
‫صة وقيل الفولة أو األ ُْن ُملَة لما‬
‫الح ُّم َ‬
‫‪ - 1‬أن يكون رمي الحصى المرمي به قدر حصى الخذف بمقدار ُ‬
‫روى ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غداة العقبة وهو‬
‫الخ ْذف فلما وضعتهن في يده قال‪:‬‬
‫على راحلته‪( :‬هات اُلقط لي‪ ،‬فلقطت له حصيات هن حصى َ‬
‫والغلَُّو في الدين‪ ،‬فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)(‪.)1‬‬
‫بأمثال هؤالء وإ ياكم ُ‬
‫‪ - 2‬أن يكون الرمي برؤوس األصابع‪ ،‬وذلك بأن يضع طرف إبهامه اليمنى على وسط السبَّابة‬
‫ويضع الحصاة على ظاهر اإلبهام‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون بين الرامي وبين الجمرة خمسة أذرع أو أكثر‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي‪ ،‬لحديث ابن عمر رضي اللّه عنهما المتقدم‪( :‬ثم يرمي‬
‫جمرة ذات العقبة من بطن الوادي)‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يقف عند جمرة العقبة بحيث تكون منى عن يمينه ومكة عن يساره‪ ،‬لما روي عن عبد‬
‫الرحمن بن يزيد أنه حج مع عبد اللّه قال‪( :‬فرمى الجمرة بسبع حصيات وجعل البيت عن يساره‬
‫ومنى عن يمينه وقال‪ :‬هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.268‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.50/307‬‬

‫( ‪)1/497‬‬

‫‪- 6‬أن يقطع التلبية عند رمي أول حصاة‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن الفضل‬
‫أخبره (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة)(‪ .)1‬وأن يكبر مع كل‬
‫حصاة عند الرمي ويقول‪" :‬اللّه أكبر رغماً للشيطان ِ‬
‫وحزبه‪ .‬اللّهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً‬
‫وذنباً مغفوراً"‪ S.‬لما روى زيد أبو أسامة قال‪( :‬رأيت سالم بن عبد اللّه يعني ابن عمر استبطن الوادي‪،‬‬
‫ثم رمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة اللّه أكبر اللّه أكبر‪ .‬اللّهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً‬
‫مغفوراً وعمالً مشكوراً‪ .‬فسألته عما صنع فقال‪ :‬حدثني أبي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان‬
‫يرمي الجمرة في هذا المكان ويقول كلما رمى بحصاة مثل ما قلت)(‪.)2‬‬
‫‪ - 7‬المواالة بين الحصيات السبع‪.‬‬
‫‪ - 8‬غسل الحصى قبل الرمي بها ليتيقن طهارتها‪.‬‬
‫‪ - 9‬أن يقف َعِقب رمي كل من الجمرتين الصغرى والوسطى مهلِّالً مكبِّراً داعياً بمقدار ما يقرأ‬
‫سورة البقرة‪ ،‬أما عقب رمي جمرة العقبة فال يقف‪ ،‬لما روت عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى‬
‫اللّه عليه وسلم (كان يرمي الجمرة إذا زالت الشمس‪ ،‬كل جمرة بسبع حصيات‪ ،‬يكبر مع كل حصاة‪،‬‬
‫ويقف عند األولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع‪ ،‬ويرمي الثالثة وال يقف عندها)(‪.)3‬‬
‫‪ - 10‬أن يرمي الجمار ماشياً إال جمرة العقبة فيجوز أن يرميها راكباً‪ .‬وذلك لما روي عن ابن عمر‬
‫رضي اللّه عنهما "أنه كان يأتي الجمار‪ ،‬في األيام الثالثة بعد يوم النحر ماشياً ذاهباً وراجعاً‪ .‬ويخبر‬
‫أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يفعل ذلك"(‪ .)4‬ولما روي عن سليمان بن عمرو بن األحوص عن‬
‫أمه قالت‪( :‬رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند جمرة العقبة راكباً ورأيت بين أصابعه حجراً‬
‫فرمى ورمى الناس)(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.45/267‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.129‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.78/1973‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.78/1969‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.78/1967‬‬

‫( ‪)1/498‬‬

‫مكروهات الرمي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تُرمى جمرة العقبة من فوق الوادي‪.‬‬
‫‪ - 2‬يكره أخذ الحصى من المرمى‪ ،‬ألنها حصى من لم تقبل حجته‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي‬
‫اللّه عنهما قال‪" :‬وكل به ملك ما تقبل منه رفع‪ ،‬وما لم يتقبل ترك"(‪ ،)1‬وعن أبي سعيد الخدري‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ما تقبل منها يرفع ولوال ذلك لرأيتها مثل‬
‫الجبال)(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬يكره أخذ حجر وكسره سبعين حصاة‪.‬‬
‫‪ - 4‬يكره الرمي بحصاة متنجسة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.128‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.128‬‬
‫( ‪)1/499‬‬

‫االستنابة في الرمي‪:‬‬
‫من كان مريضاً ال يستطيع الرمي‪ ،‬بحيث يجوز له أن يصلي الرفض قاعداً‪ ،‬يرمي عنه غيره‪ .‬وكذا‬
‫المغمى عليه‪ .‬أما من تركه أو َّ‬
‫وكل به من غير عذر لزمه دم‪.‬‬
‫ويكره للنائب أن يرمي عن غيره قبل أن يرمي عن نفسه الجمرات الثالث‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬الحلق أو التقصير‪:‬‬
‫دليله‪:‬‬
‫ِّ‬
‫قصرين}(‪.)1‬‬ ‫{لتدخلُ َّن المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين محلقين رؤوسكم ُ‬
‫وم ِّ‬ ‫ُ‬ ‫قوله تعالى‪:‬‬
‫ولما روي عن أنس رضي اللّه عنه (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتى منى‪ ،‬فأتى الجمرة‬
‫فرماها‪ ،‬ثم أتى منزله بمنى ونحر‪ .‬ثم قال للحالق خذ وأشار إلى جانبه األيمن واأليسر‪ ،‬ثم جعل‬
‫يعطيه الناس)(‪.)2‬‬
‫أقرع أو لم ينبت‬
‫َ‬ ‫والحلق هو استئصال الشعر بأي وسيلة (موسى‪ ،‬أو نورة أو غيرهما)‪ ،‬وإ ن كان‬
‫مر الموسى على رأسه‪.‬‬
‫الشعر في رأسه بعد‪ّ ،‬‬
‫أما التقصير فهو أخذ مقدار أ ُْنملة من رؤوس شعر الرأس للرجل أو المرأة‪.‬‬
‫المقدار الواجب حلقه أو تقصيره‪ :‬ربع الرأس وإ ال لم يجزئ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الفتح‪.27 :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.56/323‬‬

‫( ‪)1/500‬‬

‫سنن الحلق والتقصير‪:‬‬


‫‪ - 1‬استيعاب الرأس كله بالحلق‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يذكر عند الحلق‪ ،‬فيكبر ويقول‪" S:‬اللّهم هذه ناصيتي فاجعل لي بكل شعرة نوراً يوم القيامة‪ ،‬يا‬
‫أرحم الراحمين"‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يبدأ باليمين‪ ،‬لحديث أنس رضي اللّه عنه المتقدم‪( :‬وأشار إلى جانبه األيمن ثم األيسر)‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يدفن الشعر بعد الحلق‪.‬‬
‫وقص األظافر بعد الحلق أو التقصير‪ ،‬لما روي أن ابن عمر رضي اللّه‬
‫ّ‬ ‫‪ - 5‬يستحب أخذ الشارب‬
‫عنهما كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه‪ .‬ولما روي عن محمد بن عبد اللّه بن‬
‫زيد بن عبد ربه عن أبيه رضي اللّه عنه (أنه شهد النبي صلى اللّه عليه وسلم عند المنحر هو ورجل‬
‫من األنصار‪ ،‬فقسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ضحايا فلم يصبه وال صاحبه شيء‪ .‬وحلق رأسه‬
‫في ثوبه فأعطاه وقسم منه على رجال‪ ،‬وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه‪.)1()...‬‬
‫والحلق للرجل أفضل‪ ،‬بدليل حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫المحلِّقين‪ ،‬قالوا‪ :‬والمقَ ِّ‬
‫صرين يا رسول اللّه؟ قال‪ :‬اللّهم ارحم المحلقين‪ .‬قالوا‪:‬‬ ‫قال‪( :‬اللّهم ارحم ُ‬
‫والمقصرين يا رسول اللّه؟ قال‪ :‬والمقصرين)(‪.)2‬‬
‫وأما المرأة فالتقصير لها أفضل‪ ،‬لما روى ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم‪( :‬ليس على النساء حلق‪ ،‬إنما على النساء التقصير)(‪ ،)3‬وألن حلق شعر رأسها ُيعد‬
‫ُمثْلَة في حقها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند اإلمام أحمد‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.42‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.126/1640‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.79/1984‬‬

‫( ‪)1/501‬‬

‫خامساً ‪ -‬طواف الوداع (الصدر)‪:‬‬


‫وهو واجب على الحاج اآلفاقي بشرط كونِه مدركاً مكلفاً غير معذور‪ .‬فال يجب على المكي وال على‬
‫المعتمر مطلقاً وال المحصر وال المجنون‪ ...‬الخ‪ .‬ومن في حكمهم أي ممن كان داخل المواقيت‪،‬‬
‫وكذا من نوى االستيطان قبل حل النفر األول فال يجب عليهم بل يندب ألنه شرع لختم أفعال الحج‪.‬‬
‫ويتحقق طواف الوداع بأكثره وهو أربعة أشواط‪ ،‬أما بقية األشواط فهي سنة ويجب عليه في ترك كل‬
‫شوط منها صدقة‪.‬‬
‫ومن سافر قبل أن يطوف وجب عليه أن يعود إن لم يتجاوز الميقات بعد‪ ،‬فإن تجاوز الميقات وجب‬
‫عليه دم (وهو األ َْولى) أو العودة بإحرام جديد بعمرة من الميقات مبتدئاً بطوافها ثم يطوف طواف‬
‫الوداع‪.‬‬
‫وقته‪:‬‬
‫أ ‪ -‬وقت جواز‪ :‬بعد طواف الزيارة إذا كان عازماً على السفر حتى لو طاف كذلك ثم أطال اإلقامة‬
‫بمكة ولو سنة ولن ينو اإلقامة جاز طوافه‪ .‬ويكفي‪ S‬فيه أصل النية بال لزوم تعيين كونه للصدر فلو‬
‫طاف بعد إرادة السفر ونوى التطوع أجزأه عن الصدر كما لو طاف بنية التطوع في أيام النحر وقع‬
‫عن الفرض‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وقت مستحب‪ :‬عند إرادة السفر‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬كان الناس‬
‫يطوفون في كل وجه‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده‬
‫بالبيت)(‪.)1‬‬
‫وأما آخر وقته فليس بموقت ما دام مقيماً حتى لو أقام عاماً ال ينوي اإلقامة فله أن يطوف ويقع أداء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.67/379‬‬

‫( ‪)1/502‬‬

‫سقوطه‪:‬‬
‫النقاء‪ ،‬وال يجب عليهما‬
‫يسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء إن جاوزتا مسافة القصر قبل ّ‬
‫شيء‪ .‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬أ ُِم َر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت‪ ،‬إال أنه‬
‫ُخفِّف عن الحائض)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.143/1668‬‬

‫( ‪)1/503‬‬

‫سنن طواف الوداع‪:‬‬


‫‪ - 1‬إتمام األشواط السبعة إذ الواجب أكثرها (أي أربعة أشوط) وبترك أقلها تلزمه صدقة‪.‬‬
‫‪ - 2‬الشرب من ماء زمزم والنية بشربه ما شاء‪ ،‬لقوله صلى اللّه عليه وسلم فيما رواه عنه جابر‬
‫رضي اللّه عنه‪( :‬ماء زمزم لما ُش ِرب له)(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬تقبيل عتبة باب الكعبة المرتفعة عن األرض‪.‬‬
‫‪ - 4‬وضع الصدر والوجه على الملتزم‪ ،‬لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي اللّه‬
‫عنه قال‪( :‬رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم)(‪ .)2‬كما يسن‬
‫التشبث بأستار الكعبة والتضرع إلى اللّه تعالى بالدعاء بما أحب من أمور الدارين‪ ،‬ويكثر من البكاء‪،‬‬
‫فليتباك لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪( :‬استقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫َ‬ ‫فإن لم يبك‬
‫وسلم الحجر واستلمه‪ ،‬ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويالً‪ ،‬فالتفت فإذا عمر يبكي فقال‪ :‬يا عمر ههنا‬
‫تسكب العبرات)(‪.)3‬‬
‫‪ - 5‬المشي إلى ورائه ووجهه إلى البيت حتى يخرج من المسجد ونظره إلى الكعبة‪.‬‬
‫ويستحب أن يقول في الوداع‪" :‬اللّهم هذا بيتك الذي جعلته مباركاً وهدى للعالمين‪ ،‬فيه آيات ّبينات‬
‫مقام إبراهيم‪ ،‬ومن دخله كان آمناً‪ .‬الحمد للّه الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا اللّه‪ .‬اللّهم‬
‫فكما هديتنا فتقبله منا وال تجعله آخر العهد من بيتك الحرام"‪.‬‬
‫سادساً ‪ -‬ذبح شاة للقارن والمتمتع‪.‬‬
‫وسيأتي شرحه عند بحث الدماء إن شاء اللّه‪.‬‬
‫سابعاً ‪ -‬الترتيب بين الرمي والحلق والذبح‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.148‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.164‬‬
‫(‪ )3‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.454‬‬

‫( ‪)1/504‬‬

‫الحج وآدابه)‪.‬‬
‫(سَن ْن ّ‬
‫الباب الرابع ُ‬
‫قد فصل الحديث عن سنن كل ركن وواجب في األبواب السابقة‪ ،‬وسنذكر فيما يلي سنن الحج غير‬
‫المتعلقة باألركان والواجبات‪.‬‬
‫‪ - 1‬طواف القدوم‪ :‬لمن دخل مكة محرماً بالحج أو قارناً‪ ،‬وهو سنة لآلفاقي ال للمكي وال ألهل‬
‫المواقيت‪ ،‬ويسمى طواف التحية لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬إن أول شيء بدأ به‬
‫وضع حين وقدم النبي صلى اللّه عليه وسلم ‪ -‬أنه توضأ وطاف)(‪ .)1‬ويسن فيه الرمل واالضطباع‬
‫إن أراد السعي بعده‪ .‬ومن تركه فقد أساء‪ .‬ويسقط إذا وقف بعرفة ساعة قبل دخوله مكة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.62/1536‬‬

‫( ‪)1/505‬‬

‫‪ - 2‬المبيت في منى ليالي التشريق‪ :‬وهو سنة لفعل النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬ويكره أن يبيت في‬
‫غيرها متعمداً‪ ،‬لما روى ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪( :‬لم يرخص النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫ألحد أن يبيت بمكة إال للعباس من أجل السقاية)(‪ .)1‬ولكن ال يلزمه شيء بترك المبيت ما دام قد أدى‬
‫الرمي في وقته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.80/3066‬‬

‫( ‪)1/506‬‬

‫‪ - 3‬أن يشرب من ماء زمزم‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما‪( :‬أن رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى‪ ،‬فقال العباس‪ :‬يا فضل‪ ،‬اذهب إلى أمك‪ ،‬فأت رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم بشراب من عندها‪ .‬فقال‪ :‬اسقني‪ .‬قال‪ :‬يا رسول اللّه‪ ،‬إنهم يجعلون أيديهم فيه‪ .‬قال‪:‬‬
‫اسقني‪ .‬فشرب منه‪ ،‬ثم أتى زمزم‪ ،‬وهم يسقون ويعملون فيها‪ ،‬فقال‪ :‬اعملوا‪ ،‬فإنكم على عمل صالح)‬
‫(‪ .)1‬ويستحب أن يتنفس في الشرب ثالث مرات‪ ،‬وينظر إلى البيت ويقول‪" S:‬بسم اللّه والحمد للّه‬
‫والصالة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "‪ ،‬ويدعو ويقول‪ S‬في المرة األخيرة‪" :‬اللّهم إني أسألك‬
‫رزقاً واسعاً وعلماً نافعاً‪ ،‬وشفاء من كل داء وسقم‪ ،‬يا أرحم الراحمين"‪ ،‬وذلك لما روي عن عثمان بن‬
‫األسود قال‪ :‬جاء رجل إلى ابن عباس ‪ -‬رضي اللّه عنهما ‪ -‬فقال‪" :‬من أين جئت؟ فقال‪ :‬شربت من‬
‫زمزم‪ .‬فقال له ابن عباس‪ :‬أشربت منها كما ينبغي؟ قال‪ :‬وكيف ذاك يا أبا عباس؟ قال‪ :‬إذا شربت‬
‫فاستقبل القبلة واذكر اسم اللّه وتنفس ثالثاً وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد اللّه‪ ،‬فإن رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم قال‪( :‬آية بيننا وبين المنافقين أنهم ال يتضلعون من زمزم)(‪.)2‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ماء زمزم لما شرب‬
‫له‪ ،‬فإن شربته تستشفي به شفاك اللّه‪ ،‬وإ ن شربته مستعيذاً عاذك اللّه‪ ،‬وإ ن شربته ليقطع ظمأك قطعه)‬
‫(‪ .)3‬وكان ابن عباس رضي اللّه عنهما إذا شرب ماء زمزم قال‪" :‬اللّهم أسألك علماً نافعاً ورزقاً‬
‫واسعاً وشفاء من كل داء"(‪.)4‬‬
‫ويستحب أن يمسح وجهه ورأسه بماء زمزم‪ ،‬ويصب على رأسه إن أمكن‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.74/1554‬‬
‫(‪ )2‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪ ،472‬والتضلع‪ :‬تضلع الرجل امتأل ما بين أعضائه ِشبعاً ِ‬
‫ورياً‪.‬‬
‫(‪ )3‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.473‬‬
‫(‪ )4‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.473‬‬

‫( ‪)1/507‬‬
‫‪ - 4‬ثالث خطب يلقيها إمام الحج أو نائبه‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬يوم السابع من ذي الحجة‪ ،‬لما روى ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كان رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم إذا كان قبل التروية خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم)(‪.)1‬‬
‫ب ‪ -‬يوم عرفة بنمرة‪ ،‬لما روى جابر رضي اللّه عنه في حديثه الطويل في صفة حجه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم قال‪ ...( :‬حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها‪ ..‬فخطب الناس)(‪.)2‬‬
‫جـ _ يوم النفر األول بمنى‪ ،‬لحديث عبد اللّه بن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر‪ ،‬قاال‪:‬‬
‫(رأينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق‪ ،‬ونحن عند راحلته‪ .‬وهي‬
‫خطبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التي خطب بمنى)(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.111‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.71/1952‬‬

‫( ‪)1/508‬‬

‫‪ - 5‬التلبية عند التحول من حال إلى حال‪ ،‬كركوب أو صعود أو هبوط‪ ،‬أو إقبال ليل أو نهار‪.‬‬
‫‪ - 6‬المبادرة بطواف اإلفاضة بعد رمي جمرة العقبة‪ ،‬لما روى جابر رضي اللّه عنه في حديثه‬
‫الطويل‪ ..( :‬رمى من بطن الوادي‪ ،‬ثم انصرف إلى المنحر فنحر‪ ...‬ثم ركب رسول اللّه صلى اللّه‬
‫عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬

‫( ‪)1/509‬‬

‫‪ - 7‬اإلكثار من الصالة والطواف واالعتكاف في المسجد الحرام‪.‬‬


‫بالم َحصَّب ساعة يدعو اللّه‪ ،‬لما روي عن نافع "أن ابن‬
‫‪ - 8‬يسن لمن نفر من منى إلى مكة أن يقف ُ‬
‫عمر كان يرى التحصيب سنة"(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪ ،59/338‬والمحصب‪ :‬األبطح وهو موضع بقرب مكة‪.‬‬

‫( ‪)1/510‬‬

‫‪ - 9‬يسن النفر الثاني وهو آخر أيام التشريق اقتداء بفعله صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬ولقوله تعالى‪{ :‬فمن‬
‫تعجل في يومين فال إثم عليه ومن تأخر فال إثم عليه}(‪ )1‬فالتخيير بين الفاضل والمفضول كما في‬
‫المسافر يخير بين الصوم واإلفطار والصوم أفضل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.203 :‬‬

‫( ‪)1/511‬‬

‫‪ - 10‬أن يوقع النية في أشهر الحج ويكره قبلها‪.‬‬


‫آداب الحج‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يبدأ بالتوبة قبل الخروج للحج‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يودع أهله وولي أمره ويستأذنه‪ ،‬لما روي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه استأذن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم في العمرة فقال‪( :‬أي أخي أشركنا في دعائك وال تنسنا)(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬أن يخرج يوم الخميس‪ ،‬لما روى كعب بن مالك رضي اللّه عنه قال‪( :‬قلما كان رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم يخرج في سفر إال يوم الخميس)(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬أن يحافظ على الطهارة‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يتوسع بالنفقة‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يكثر من الصدقات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الترمذي‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب الدعوات باب ‪.110/3562‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجهاد باب ‪.84/2605‬‬

‫( ‪)1/512‬‬
‫الباب الخامس [أوجه تأدية الحج‪ ،‬التحلل‪ ،‬الحج عن الغير]‬
‫الح ّج‬
‫تأدية َ‬
‫أوجه َ‬
‫الفصل األول‪ُ :‬‬
‫أوجه تأدية الحج ثالثة وهي‪ :‬القران‪ ،‬التمتع‪ ،‬اإلفراد‪.‬‬
‫والدليل على جواز هذه األوجه الثالثة‪ :‬ما روي عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت‪( :‬خرجنا مع‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عام َح ّجة الوداع‪ ،‬فمنا من أه ّل بعمرة‪ ،‬ومنا من أهل بحجة وعمرة‪،‬‬
‫ومنا من أه ّل بالحج‪ ،‬وأهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالحج‪ ،‬فأما من أه ّل بالحج‪ ،‬أو جمع‬
‫الحج والعمرة‪ ،‬لم ِّ‬
‫يحلوا حتى كان يوم النحر)(‪.)1‬‬
‫وأفضل هذه الوجوه القران‪ ،‬ثم التمتع‪ ،‬ثم اإلفراد‪ .‬فالقران أفضل الوجوه واألدلة على ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬قوله تعالى‪{ :‬وأتموا الحج والعمرة للّه}(‪ ،)2‬وفسر العلماء إتمامها باإلحرام بها من دويرة أهله‪،‬‬
‫لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله عز وجل‪{ :‬وأتموا‬
‫الحج والعمرة للّه} قال‪( :‬من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك)(‪ ،)3‬وهذا ال يتحقق إال إذا َّ‬
‫أهل‬
‫بهما معاً‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما روي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم بوادي‬
‫صل في هذا الوادي المبارك‪ ،‬وقل‪ُ :‬عمرة في حجة)(‬ ‫العقيق يقول‪( :‬أتاني الليلة ٍ‬
‫آت من ربي فقال‪ِّ :‬‬
‫‪ .)4‬وعن أنس رضي اللّه عنه قال‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( S:‬لبيك بعمرة‬
‫وحج)(‪.)5‬‬
‫‪ - 3‬عمل الرسول صلى اللّه عليه وسلم في حجته فقد صدر بنسكين معاً‪ ،‬فعن مروان بن الحكم قال‪:‬‬
‫علي‬
‫شهدت عثمان وعلياً رضي اللّه عنهما‪ ،‬وعثمان ينهى عن المتعة‪ ،‬وأن ُيجمع بينهما‪ ،‬فلما رأى ُّ‬
‫َّ‬
‫أهل بهما‪ :‬لبيك بعمرة وحجة‪ ،‬قال‪" :‬ما كنت ألَدع ُسَّنة النبي صلى اللّه عليه وسلم لقول أحد"(‪.)6‬‬
‫‪ - 4‬وألن القران جمعاً بين عبادتين‪ ،‬وتعجيالً باإلحرام واستدامة له إلى الفراغ من أعمال الحج‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.33/1487‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.196 :‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.30‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.15/1461‬‬
‫(‪ )5‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.34/215‬‬
‫(‪ )6‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.33/1488‬‬

‫( ‪)1/513‬‬
‫أوالً ‪ -‬القران‪:‬‬
‫معناه‪ :‬لغة‪ :‬الجمع بين شيئين‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬أن يه ّل بالعمرة والحج معاً من الميقات أو من دويرة أهله‪ :‬حقيقة أو حكماً‪ .‬وال يكون القران‬
‫إال لآلفاقي‪.‬‬
‫ويكون القران باإلهالل حقيقة‪ ،‬بأن ينوي الحج والعمرة معاً فيقول‪ :‬اللّهم إني أريد الحج والعمرة‬
‫فيسرهما لي وتقبلهما مني‪ .‬لبيك اللّهم بعمرة وحجة معاً‪.‬‬
‫ويكون القران باإلهالل حكماً‪ ،‬بأن يدخل الحج على العمرة قبل أن يطوف أكثر طواف العمرة‪ ،‬أو‬
‫يدخل العمرة على الحج قبل طواف القدوم‪.‬‬
‫كيفيته‪:‬‬
‫إذا دخل مكة طاف للعمرة أوالً ثم يسعى لها‪ ،‬ثم تبدأ أفعال الحج فيطوف للحج طواف القدوم ثم يسعى‬
‫له‪ .‬ويقدم أفعال العمرة دائماً على أفعال الحج‪ ،‬إال أنه ال يحلق للعمرة حتى يوم النحر‪ ،‬ألن ذلك جناية‬
‫على إحرام الحج‪ .‬فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫عام حجة الوداع‪ ،‬فأهللنا بعمرة‪ .‬ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ :‬من كان معه هدي فليهل‬
‫بالحج مع العمرة‪ ،‬ثم ال يحل منهما جميعاً)(‪ .)1‬وال تداخل في أفعال الحج والعمرة بل البد من إتمام‬
‫أفعال كل منهما‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.17/111‬‬

‫( ‪)1/514‬‬

‫دم القران‪:‬‬
‫يجب على القارن دم القران‪ ،‬وهو دم شكر للّه تعالى فيذبح الهدي ويأكل منه‪ ،‬ويختص الذبح للقارن‬
‫والمتمتع بأيام النحر الثالثة وأفضلها أولها‪ .‬فإن لم يجد صام ثالثة أيام ولو متفرقة في الحج‪ ،‬ويندب‬
‫أن يكون آخرها يوم عرفة‪ ،‬وسبعة بعد تمام أيام الحج وهي نهاية أيام التشريق‪ ،‬سواء في مكة أم بعد‬
‫رجوعه إلى وطنه‪ ،‬ألن معنى قوله تعالى‪{ :‬وسبعة إذا رجعتم}(‪ :)1‬إذا فرغتم من أيام الحج‪ .‬فإن لم‬
‫يصم ثالثة أيام قبل الوقوف بعرفة تحتم الدم في حقه‪ ،‬فإذا مضت أيام النحر ولم يقدر على الذبح تحلل‬
‫وعليه دمان‪ :‬دم القران ودم لتقديم الحلق على الذبح‪ .‬وإ ذا صام األيام الثالثة قبل يوم عرفة ثم قدر‬
‫على الدم أيام النحر قبل الحلق‪ ،‬بأن وصلت إليه أموال‪ ،‬وجب الدم في حقه‪ ،‬أما لو قدر على الدم بعد‬
‫الحلق لم يلزمه شيء ألن التحلل قد حصل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.196 :‬‬

‫( ‪)1/515‬‬

‫ثانياً ‪ -‬التمتع‪:‬‬
‫معناه‪ :‬لغة‪ :‬من المتاع أو المتعة‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬أن يفعل العمرة في أشهر الحج في سنته وفي السفر نفسه‪.‬‬
‫كيفيته‪:‬‬
‫يدخل المكلف مكة بعمرة فيطوف لها ويسعى ثم يحلق ويتحلل‪ ،‬ويبقى في مكة حتى يوم التروية‬
‫فيحرم بالحج من الحرم‪ ،‬ثم يخرج إلى منى وعرفات‪ ،‬ويرجع يوم النحر إلى مكة فيطوف طواف‬
‫الركن ويرمل فيه‪ ،‬ثم يسعى بعده إن لم يكن طاف وسعى قبل خروجه إلى عرفات‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما روي عن جابر رضي اللّه عنه‪ :‬أنه حج مع النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم ساق البدن‬
‫معه‪ ،‬وقد أهلوا بالحج مفرداً‪ ،‬فقال لهم‪ِ :‬‬
‫(أحلّوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة‪،‬‬
‫وقصروا‪ ،‬ثم أقيموا حالالً‪ ،‬حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج‪ ،‬واجعلوا التي قدمتم بها متعة)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.33/1493‬‬

‫( ‪)1/516‬‬

‫دم التمتع‪:‬‬
‫يجب على المتمتع دم إذا تحقق تمتعه بشروط‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون قد أدى العمرة في أشهر الحج‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون الحج والعمرة في سنة واحدة‪ ،‬أي أدى العمرة أوالً ثم أحرم بالحج‪.‬‬
‫وال يسقط دم التمتع بخروج المتمتع من الحرم ومجاورته للميقات‪ ،‬إال إذا ألم بأهله إلماماً صحيحاً؛‬
‫وذلك برجوعه إلى بلده بعد أداء عمرته ثم حج من عامه‪ .‬أما لو أتى اآلفاقي بالعمرة في أشهر الحج‬
‫ثم ذهب إلى المدينة ثم حج بعد ذلك من عامه لم يبطل تمتعه وعليه دم‪ .‬وإ ذا نوى اإلقامة بعد أداء‬
‫عمرته ثم حج من سنته‪ ،‬فيكون متمتعاً وعليه دم‪ .‬أما لو نوى االستيطان الدائم بعد أداء العمرة فال‬
‫يكون متمتعاً‪.‬‬
‫ودم التمتع كدم القران ال يصح قبل يوم النحر‪ .‬فإن لم يجد الهدي صام ثالثة أيام في الحج قبل يوم‬
‫النحر‪ ،‬وتصح بعد إحرامه بالعمرة إلى يوم عرفة واألفضل تأخيرها ليكون آخر يوم منها يوم عرفة‪،‬‬
‫فلو أخرها عن يوم النحر لم يجز وثبت في حقه الدم؛ ألنه ال يجوز صومها أيام النحر وال تصح‬
‫بعدها‪ .‬فإن صام ثالثة أيام قبل يوم النحر صام سبعة بعد إتمام الحج‪ .‬وأصل ذلك قوله تعالى‪{ :‬فمن‬
‫تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي‪ ،‬فمن لم يجد فصيام ثالثة أيام في الحج وسبعة إذا‬
‫رجعتم تلك عشرة كاملة}(‪.)1‬‬
‫وإ ذا أحرم بالعمرة وساق الهدي صح لكنه ال يتحلل حتى يوم النحر‪ ،‬فيذبح هديه ويتحلل يوم النحر‪،‬‬
‫ويختلف بذلك عن القارن أنه إذا جنى جناية بعد إتمام أعمال العمرة والدخول بالحج فعليه دم واحد‬
‫بخالف القارن فعليه دمان‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬اإلفراد‪:‬‬
‫وهو أن يدخل مكة محرماً بالحج فقط‪ ،‬فيؤدي أركان الحج وواجباته‪ ،‬وعندما تنتهي أفعال الحج‬
‫وتنتهي أيام التشريق‪ ،‬يحرم بالعمرة من التنعيم أو من أي مكان من الحل‪ ،‬ثم يطوف ويسعى ويحلق‬
‫ثم يتحلل وال يلزمه شيء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.196 :‬‬

‫( ‪)1/517‬‬

‫الفصل الثاني‪:‬التحلل‬
‫للحج تحلالن‪ ،‬يحصل األول برمي جمرة العقبة ثم الحلق‪ ،‬والثاني يحصل بطواف اإلفاضة (‪ .)1‬هذا‬
‫بالنسبة للحاج المفرد‪.‬‬
‫ويحل بالتحلل األول كل محرمات اإلحرام‪ ،‬إال النساء‪ .‬ومتى طاف بعد ذلك حلت له النساء‪ .‬ودليل‬
‫ذلك ما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا رميتم‬
‫الجمرة فقد حللتم من كل شيء كان عليكم حراماً إال النساء‪ ،‬حتى تطوفوا بالبيت)(‪.)2‬‬
‫أما الحاج المتمتع أو القارن فيحصل له التحلل األول بالرمي ثم الذبح ثم الحلق‪ .‬فإن طاف بعد ذلك‬
‫ح ّل له النساء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ال تحل النساء بالطواف قبل الرمي أو الحلق‪ .‬لكن تأخير الطواف مستحب وتقديمه جائز‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.136‬‬
‫( ‪)1/518‬‬

‫الح ّج عن الغير‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬
‫هل يسقط الفرض بالنيابة‪:‬‬
‫قسم العلماء العبادات من هذه الناحية إلى أنواع‪:‬‬
‫‪ - 1‬العبادات المالية المحضة‪ ،‬كالزكاة وصدقة الفطر والعشر والنفقات‪ :‬قالوا تصح فيها النيابة‬
‫مطلقاً‪ ،‬ألن المقصود منها إيصال المال إلى الفقراء؛ وهو حاصل بفعل اإلنابة وينوي المستنيب عند‬
‫الدفع إلى النائب‪.‬‬
‫‪ - 2‬العبادات البدنية المحضة‪ :‬ال تصح فيها النيابة مطلقاً ألن المقصود منها االبتالء والمشقة‬
‫وإ تعاب النفس بأفعال مخصوصة؛ وهذه ال تتحقق بفعل النائب كالصالة والصوم‪.‬‬
‫‪ - 3‬العبادات المالية والبدنية معاً كالحج والقياس أن ال تجزئ فيها النيابة‪ ،‬لكنه تعالى رخص في‬
‫إسقاط فرض الحج عن المكلف بالنيابة عند العجز المستمر إلى الموت أو بعد الموت بأن أوصى أو‬
‫تبرع عنه وارثه رحمة منه وفضالً‪ ،‬بأن يتكلف المكلف المال ويقوم بالحج نائبه؛ فتقع الحجة فرضاً‬
‫للمنيب ونفالً للمأمور‪.‬‬
‫والدليل على ذلك ما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما‪ :‬أن امرأة من جهينة‪ ،‬جاءت إلى النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم فقالت‪ :‬إن أمي نذرت أن تحج‪ ،‬فلم تحج حتى ماتت‪ ،‬أفأحج عنها؟ قال‪( :‬نعم‪.‬‬
‫حجي عنها‪ .‬أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا اللّه‪ ،‬فاللّه أحق بالوفاء)(‪.)1‬‬
‫وروى ابن عباس رضي اللّه عنهما أيضاً قال‪ :‬جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع‪ ،‬قالت‪( :‬يا‬
‫رسول اللّه إن فريضة اللّه على عباده في الحج‪ ،‬أدركت أبي شيخاً كبيراً ال يستطيع أن يستوي على‬
‫الراحلة‪ ،‬فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال‪ :‬نعم)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب اإلحصار باب ‪.33/1754‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب اإلحصار باب ‪.34/1755‬‬

‫( ‪)1/519‬‬

‫شروط قبول الحج عن الغير‪:‬‬


‫‪ - 1‬أن يكون الحج عن ميت‪ ،‬أو عاجزاً عجزاً مستمراً إلى الموت؛ فلو قدر على الحج بعد أن يحج‬
‫عنه غيره لزمته اإلعادة‪ ،‬إال أن يكون َز ِمناً أو أعمى فال تلزمه اإلعادة بالبرء بل يسقط عنه الفرض‬
‫مطلقاً‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن ي ِ‬
‫دخل المستناب نية الحج عن الغير في نيته فيقول‪ :‬أحرمت عن فالن بحجة لبيك اللّهم بحجة‬ ‫ُ‬
‫عن فالن لبيك‪ .‬ويقول بعد صالة ركعتي اإلحرام‪ :‬اللّهم إني أريد الحج عن فالن فيسره لي وتقبله‬
‫مني ومن فالن‪ .‬وتكفي نية القلب‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يأمر المحجوج عنه بذلك‪ :‬فال يقع فرض الحج لو حج إنسان عن غيره بدون إذنه‪ ،‬إال‬
‫الوارث فيحج عن مورثه‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون المأمور أهالً للحج ولو امرأة أو عبداً‪ .‬وال يشترط له أن يكون حج عن نفسه حجة‬
‫الفرض(‪.)1‬‬
‫وإ ن أوصى رجل بحجة مطلقاً‪ ،‬فيجل على الورثة إخراج نفقة الحج من منزله ألنه المتعارف‪ ،‬إال أن‬
‫تكون النفقة قليلة ال تكفي فمن حيث تبلغ‪.‬‬
‫وإ ذا أحصر المأمور كان دم اإلحصار على اآلمر‪ ،‬أما دم التمتع والقران والجنايات فهي على‬
‫المأمور إن ِأذن له اآلمر بالتمتع أو القران‪.‬‬
‫وإ ذا أفسد المأمور حجه لزمه الضمان‪.‬‬
‫__________‬
‫َّرورة بأن يحج المكلف عن غيره قبل أن يحج عن نفسه حجة اإلسالم‪.‬‬
‫(‪ )1‬وهذا ما يسمى حج الض ُ‬
‫وقيل إن حج الضرورة إذا كان بعد تحقق الوجوب عليه بملك الزاد والراحلة والصحة فهو مكروه‬
‫كراهة تحريم خشية أن ال يدرك الفرض إال أنه يصح‪.‬‬

‫( ‪)1/520‬‬

‫هل يجب على العاجز أن يوصي أن يحج عنه‪:‬‬


‫‪ - 1‬إذا قدر على الحج فوجب عليه ولم يحج ثم عجز‪ ،‬يجب عليه أن ينيب من يحج عنه اتفاقاً‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا لم يقدر على نفقة الحج حتى عجز فأدركته فريضة الحج عاجزاً‪ ،‬اختلف فيه على قولين‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قال اإلمام‪ :‬ال يجب عليه أن ينيب‪ ،‬ألن صحة البدن شرط لوجوب الحج‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قال الصاحبان‪ :‬يجب عليه أن ينيب‪ ،‬ألن صحة البدن عندهما شرط لوجوب األداء‪ .‬وتصح‬
‫النيابة في النفل مطلقاً‪.‬‬
‫تعقيب‪:‬‬
‫هل يصح أن يهب اإلنسان ثواب عمله؟‬
‫يصح مطلقاً أن يعمل اإلنسان ويتعبد ويهب الثواب لغيره‪ ،‬فيكون الثواب له ولغيره‪ ،‬سواء نوى العمل‬
‫أو نواه لنفسه ثم وهبه‪ .‬وخالف المعتزلة مستدلين بقوله تعالى‪{ :‬وأن ليس لإلنسان إال ما سعى}(‪.)1‬‬
‫وأجيب بأن هذا النص خاص فيما إذا لم يهبه‪ ،‬فإذا تبرع صاحب العمل فوهبه يصل ثوابه سواء كان‬
‫الموهوب له حياً أو ميتاً‪ .‬واألدلة على ذلك كثيرة وبلغت مبلغ التواتر‪ :‬فقد روي أن رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين واحد لنفسه وواحد عن أمته‪.‬‬
‫وروي عن مالك بن ربيعة الساعدي قال‪ :‬بينا نحن عند رسول اللّه إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال‬
‫يا رسول اللّه‪ ،‬هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال‪( :‬نعم‪ ،‬الصالة عليهما‬
‫واالستغفار لهما وإ نفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي ال توصل إال بهما وإ كرام صديقهما)(‬
‫‪.)2‬‬
‫وعن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬إذا تصدق‬
‫بصدقة تطوعاً فليجعلها عن أبويه‪ ،‬فيكون لهما أجرها وال ينتقص من أجره شيئاً)(‪.)3‬‬
‫وروي عن معقل بن يسار قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬اقرؤوا يس على موتاكم)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النجم‪.39 :‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 5‬كتاب األدب باب ‪.129/5142‬‬
‫(‪ )3‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪ ،138‬رواه الطبراني في األوسط وفيه خارجة بن مصعب الضبي‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الجنائز باب ‪.24/3121‬‬

‫( ‪)1/521‬‬

‫الباب السادس (العمرة)‪.‬‬


‫تعريف العمرة‪:‬‬
‫لغة‪ :‬الزيارة‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬زيارة البيت الحرام للنسك‪.‬‬
‫حكمها‪ :‬المعتمد في المذهب أنها سنة مؤكدة في العمر مرة‪ ،‬لحديث طلحة بن عبد اللّه رضي اللّه عنه‬
‫أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‪( :‬الحج جهاد والعمرة تطوع)(‪.)1‬‬
‫وتكون واجبة في حق من أراد دخول مكة وهو ال يريد الحج‪ ،‬فيجب أن ال يتجاوز الميقات إال‬
‫محرماً‪ ،‬فإذا اختار العمرة صارت واجبة في حقه‪ .‬كما يكون إتمامها واجباً إذ بدأ فيها تطوعاً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.44/2989‬‬
‫( ‪)1/522‬‬

‫ميقات العمرة‪:‬‬
‫‪ - 1‬ميقاتها الزماني‪ :‬كل أيام السنة‪ ،‬وتندب في رمضان لحديث جابر رضي اللّه عنه أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬عمرة في رمضان تعدل حجة)(‪.)1‬‬
‫وأفضل وقت لإلتيان بها بعد الفراغ من الحج‪ ،‬لما روي عن عامر بن ربيعة رضي اللّه عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬تَابعوا بين الحج والعمرة‪ ،‬فإن متابعة ما بينهما تزيد في العمر‬
‫والرزق وينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد)(‪.)2‬‬
‫ويكره تحريماً إنشاؤها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬في خمسة أيام في السنة‪ :‬يوم عرفة‪ ،‬يوم النحر‪ ،‬ثالثة أيام التشريق‪ .‬ولو َّ‬
‫أهل بها في هذه األيام‬
‫لزمه رفضها ووجب قضاؤها ووجب عليه دم للرفض‪ ،‬وإ ن تابعها صحت مع الكراهة وعليه دم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬في أشهر الحج ألهل مكة‪ ،‬ومن كان مقيماً داخل المواقيت إن أراد الحج في تلك السنة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ميقاتها المكاني‪:‬‬
‫أ ‪ -‬لآلفاقي‪ :‬هي نفس مواقيت اإلحرام بالحج‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ألهل مكة وكل من كان مقيماً داخل المواقيت أو غيره‪ :‬ميقاتهم ِ‬
‫الح ّل وذلك ليتحقق لهم نوع‬
‫سفر‪.‬‬
‫وأفضل مكان لإلحرام بالعمرة لهؤالء‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التنعيم‪ :‬وهو أقرب مكان في الحل‪ ،‬وهو مكان عند مسجد السيدة عائشة رضي اللّه عنها‪ .‬ودليل‬
‫أفضليته ما روي عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي اللّه عنهما (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أمره‬
‫أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم)(‪.)3‬‬
‫ب ‪ -‬الجعرانة‪ :‬وهي تبعد عن مكة ستة فراسخ باتجاه الطائف‪ .‬ويسن أنت يقصد ماءها ليتوضأ منه‪،‬‬
‫ألنه صلى اللّه عليه وسلم فحص موضع الماء بيده الشريفة فانبجس‪ ،‬فعن خالد بن عبد العزى بن‬
‫سالمة ذكر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نزل عليه بالجعرانة وذكر الحديث وفيه قال‪( :‬ثم إن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم فحص الكدة بيده فانبجس الماء فشرب)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.45/2995‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪ ،277‬رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه عاصم بن عبيد اللّه‬
‫وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب العمرة باب ‪.6/1692‬‬
‫(‪ )4‬مجمع الزوائد‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪ ،279‬رواه الطبراني في الكبير‪.‬‬

‫( ‪)1/523‬‬

‫شروط العمرة‪:‬‬
‫اإلحرام‪ :‬وهو شرط لصحة العمرة وكيفيته كإحرام الحج‪.‬‬
‫أركانها‪:‬‬
‫الطواف أربعة أشواط‪.‬‬
‫واجباتها‪:‬‬
‫‪ - 1‬إتمام األشواط السبعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬السعي بين الصفا والمروة‪.‬‬
‫‪ - 3‬الحلق أو التقصير‪.‬‬
‫‪ - 4‬كون اإلحرام من الميقات‪.‬‬
‫‪ - 5‬تجنب محظورات اإلحرام‪.‬‬
‫وال يجب في العمرة الوقوف بعرفة وجمع‪ ،‬وال طواف الوداع‪.‬‬
‫إفسادها‪:‬‬
‫تفسد العمرة بالجماع قبل تمام أربعة أشواط من الطواف‪ .‬ويجب بإفسادها القضاء وذبح شاة‪ ،‬وال‬
‫يجب ذبح َب َدنة ألن الجناية فيها أقل من الجناية في الحج‪.‬‬

‫( ‪)1/524‬‬

‫الباب السابع ِ‬
‫(الجنايات)‪.‬‬
‫الجنايات في الحج أنواع‪:‬‬
‫‪ - 1‬الجناية على الحرم‪.‬‬
‫‪ - 2‬الجناية على اإلحرام‪.‬‬
‫‪ - 3‬الجناية على الطواف‪.‬‬
‫‪ - 4‬ترك واجب من واجبات الحج أو تأخير فرض‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬الجناية على الحرم‪:‬‬
‫وتتحقق بالتعرض لصيد الحرم أو شجره‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى‬
‫ُحلَّت لي ساعة من نهار‪ ،‬ال‬
‫(حرم اللّه مكة‪ ،‬فلم تَ ِح َّل ألحد قبلي وال ألحد بعدي أ ِ‬
‫اللّه عليه وسلم قال‪َّ :‬‬
‫لم َع ِّرف‪ .‬فقال العباس‬ ‫ضد شجرها‪ ،‬وال ُيَنفَّر صيدها‪ ،‬وال تُْلتَقط لُقَ َ‬
‫طتُها إال ُ‬ ‫ُي ْختَلَى َخالَها‪ ،‬وال ُي ْع َ‬
‫اإل ْذخر)(‪.)1‬‬ ‫اإل ْذ ِخر لصاغتنا وقبورنا؟ فقال‪ :‬إال ِ‬‫رضي اللّه عنه‪ :‬إال ِ‬
‫َ‬
‫وجزاء من صاد في الحرم وهو حالل قيمة الصيد يتصدق بها على الفقراء‪ ،‬ألن الصيد استحق‬
‫باألمن بسبب الحرم‪ .‬وال يجزئه الصوم ألنها غرامة مالية وليست كفارة فأشبه ضمان األموال‪ .‬وال‬
‫يحل له أكله وال بيعه بل هو ميتة(‪.)2‬‬
‫وإ ذا اشترك حالالن في صيد وجب عليهما معاً قيمته‪ ،‬وال يتعدد الجزاء بتعدد المعتدي‪ .‬ومن دخل‬
‫الحرم ومعه صيد وجب عليه أن يرسله‪ .‬ولو أخرج ظبية من الحرم فولدت ثم ماتت ضمن ثمنها وما‬
‫ولدت‪ .‬ولو شوى بيضاً أو جراداً أو حلب لبن صيد‪ ،‬لم يحرم أكله لكن يضمنه‪ ،‬وجاز بيعه مع‬
‫الكراهة‪.‬‬
‫ولو قطع حشيش الحرم أو شجرة فيه ليست مملوكة مما ال ينتبه الناس فعليه قيمة ما قطع إال إذا كان‬
‫يابساً‪ ،‬لحديث ابن عباس رضي اللّه عنهما المتقدم‪( ،‬إال اإلذخر)‪.‬‬
‫ويكره تحريماً بيع ما قطعه من نبات الحرم ألنه ملكه بسبب محظور‪ .‬أما ما ينبته الناس عادة فال‬
‫شيء في قطعه‪ ،‬ألنه غير مستحق لألمن‪ .‬وإ ذا قطع ما نبت وحده من نبات الحرم في ملك غيره‬
‫وجب عليه قيمتان‪ :‬قيمة لحق الشرع وقيمة لصاحب األرض على قول الصاحبين المفتى به من تملك‬
‫أرض الحرم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.75/1284‬‬
‫(‪ )2‬على قول الكرخي‪ ،‬وهو المختار في المذهب‪ ،‬وقال بعض أصحاب أبي حنيفة رضي اللّه عنه‬
‫إن أكله مباح لكن مع الكراهة‪.‬‬

‫( ‪)1/525‬‬

‫ثانياً ‪ -‬الجناية على اإلحرام‪:‬‬


‫ويكون متلبساً فيها من أقدم على فعل محظورات اإلحرام وهو بالغ‪ ،‬سواء كان عامداً أو ناسياً أو‬
‫جاهالً أو مكرهاً‪ .‬ولو فعله عمداً لغير ضرورة وقال‪ :‬أفدي‪ ،‬لم يجز وال يسقط عنه اإلثم بالجزاء‬
‫ويكون حجه غير مبرور‪.‬‬
‫ويتكرر الجزاء بتكرر فعل المحظور إن لم يتحد المجلس‪.‬‬
‫والجنايات على اإلحرام هي‪:‬‬
‫الرفَث‪:‬‬
‫‪َّ - 1‬‬
‫أ ‪ -‬الجماع‪ :‬وهو مفسد للحج إن وقع قبل الوقوف بعرفة‪ ،‬ويترتب على من فعله ذبح شاة‪ ،‬وأن يتم‬
‫حجه المفسد‪ ،‬ثم يقضي الحج وجوباً في العام الذي يليه‪ .‬وذلك لما روي‪ :‬أن رجالً من جذام جامع‬
‫امرأته وهما محرمان‪ ،‬فسأل الرجل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬فقال لهما‪( :‬اقضيا نسككما‪،‬‬
‫وأهديا هدياً‪ ،‬ثم ارجعا‪ ،‬حتى إذا جئتما المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا‪ ،‬وال يرى واحد‬
‫منكما صاحبه‪ ،‬وعليكما حجة أخرى‪ ،‬فتقبالن حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما‬
‫فأحرما وأتما نسككما وأهديا)(‪.)1‬‬
‫أما إن جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل األول فعليه َب َدنة ويتم حجه‪ ،‬لما روي عن ابن عباس‬
‫رضي اللّه عنهما‪" :‬أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن ُيفيض‪ ،‬فأمره أن ينحر َب َدنة"(‪.)2‬‬
‫وإ ن جامع بعد الحلق ما بين التحللين فعليه شاة لبقاء اإلحرام في حق الجماع إلى ما بعد طواف‬
‫اإلفاضة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المباشرة بشهوة وكل دواعي الجماع من عناق أو تقبيل أو لمس‪ ،‬أنزل أم لم ينزل‪ ،‬فيها شاة ما‬
‫لم يتحلل التحلل الثاني‪ .‬فعن علي رضي اللّه عنه قال‪" :‬من قَّبل امرأته وهو محرم فليهرق دماً"(‪.)3‬‬
‫جـ ‪ -‬االستمناء أو مجامعة بهيمة‪ :‬فيه شاة إن أنزل‪.‬‬
‫أما التفكر والنظر بشهوة واالحتالم ليس فيها شيء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.167‬‬
‫(‪ )2‬الموطأ‪ :‬ص ‪.265‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.168‬‬

‫( ‪)1/526‬‬

‫طيب فمه‪ ،‬أو‬


‫طيب عضواً كامالً أو أكثره‪ ،‬أو أكل طيباً كثيراً‪ ،‬أو ّ‬
‫‪ - 2‬الطيب‪ :‬تجب شاة على من ّ‬
‫طيب جسمه كله في مجلس واحد تجب شاة واحدة‪.‬‬
‫لبس ثوباً مطيباً نهاراً كامالً أو ليلة كاملة‪ .‬وإ ن ّ‬
‫طيب أقل من عضو فعليه صدقة‬
‫طيب أقل من عضو وتعددت المواضع تجمع كعضو واحد‪ ،‬فإن ّ‬
‫فإن ّ‬
‫(‪ )1‬مع إزالة الطيب عن العضو قبل التفكير‪.‬‬
‫االدهان‪ :‬من دهن عضواً كامالً لغير عذر (لغير التداوي) بزيت الزيتون أو غيره فعليه شاة‪.‬‬
‫‪ّ -3‬‬
‫‪ - 4‬لبس المخيط‪ :‬يجب شاة على من لبس مخيطاً أو غطى ربع رأسه يوماً وفيما دون ذلك صدقة‪.‬‬
‫وكذلك المرأة إن سترت وجهها‪ .‬واعتبر اليوم ارتفاقاً كامالً‪ ،‬ويقوم أكثر اليوم مقام الكل‪.‬‬
‫‪ - 5‬الحلق‪ :‬تجب شاة بحلق ربع الرأس أو ربع اللحية أو أحد اإلبطين أو العانة‪ ،‬وفي أقل من ذلك‬
‫صدقة قدرها نصف صاع من ُب ّر‪ .‬ومن حلق رأس غيره فعليه صدقة‪.‬‬
‫‪ - 6‬قص األظافر‪ :‬تجب شاة في قص أظافر يد أو أكثر في مجلس واحد‪ ،‬أما إن تعدد المجلس فيجب‬
‫في كل عضو دم (العضو خمسة أظافر)‪ ،‬وفي أقل من ذلك في كل ظفر صدقة وهي نصف صاع من‬
‫ُب ّر‪ ،‬ومن قص أظافر غيره فعليه صدقة‪ .‬أما إن انكسر ظفره فنزعه فال شيء عليه‪.‬‬
‫ومن تطيَّب أو حلق أو لبس لعذر فهو مخير بين ذبح شاة أو أن يتصدق بثالثة آصاع من طعام على‬
‫ستة مساكين أو أن يصوم ثالثة أيام‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وال تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله‪ ،‬فمن‬
‫كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}(‪ ،)2‬ولما روي عن كعب‬
‫بن عجرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مر به زمن الحديبية فقال له‪( :‬آذاك‬
‫هوام رأسك‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ .‬فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬احلق رأسك ثم اذبح شاة نسكاً أو صم‬
‫ّ‬
‫آص ٍع من تمر على ستة مساكين)(‪.)3‬‬ ‫ثالثة أيام أو أطعم ثالثة ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الصدقة نصف صاع من بر‪.‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.196 :‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.10/84‬‬

‫( ‪)1/527‬‬

‫وال يصح ذبح دم الجزاء إال في الحرم ألنه ال يعتبر قربة إال في مكان مخصوص لقوله تعالى‪{ :‬هدياً‬
‫بالغ الكعبة}(‪ .)1‬أما دم التمتع والقران فيختصان بالزمان وهو أيام النحر الثالثة والمكان وهو‬
‫الحرم‪.‬‬
‫وأما الصوم والصدقة فيصحان في كل مكان إن شاء عجلهما في مكة أو أخرهما حتى يرجع إلى‬
‫أهله‪ ،‬ألنهما قربة في جميع األزمنة واألمكنة‪.‬‬
‫يقومه عدالن في مكان قتله‬
‫‪ - 7‬الصيد‪ :‬يجب على المحرم إذ قتل صيداً أو دل عليه من يقتله جزاء ّ‬
‫أو قريب منه‪ ،‬فإن بلغت قيمته هدياً فله الخيار إن شاء اشتراه وذبحه في الحرم‪ ،‬أو اشترى بقيمته‬
‫طعاماً يتصدق به على كل مسكين نصف صاع من ُب ّر (أو صاع من تمر أو شعير)‪ ،‬أو صام عن‬
‫طعام كل مسكين يوماً‪ .‬ولو بلغت قيمة الصيد هديين أو بدنة فهو مخير بين أن يذبح شاتين في األولى‬
‫أو سبع شياه في الثانية‪ .‬والدليل على قيام القيمة مقام الذبح قوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ال تقتلوا‬
‫الصيد وأنتم حرم‪ ،‬ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم‪ ،‬هدياً‬
‫بالغ الكعبة‪ ،‬أو كفارة طعام مساكين‪ ،‬أو عدل ذلك صياماً‪ ،‬ليذوق وبال أمره‪ ،‬عفا اللّه عما سلف‪ ،‬ومن‬
‫عاد فينتقم اللّه منه‪ ،‬واللّه عزيز ذو انتقام}(‪ ،)2‬فالمطلوب هو المثل المطلق بالقيمة ال المثل في‬
‫الصورة فإنه غير مقصود‪.‬‬
‫أما الصيد غير المأكول فال يتجاوز الجزاء فيه قيمة الشاة‪ ،‬إال أن يكون معلماً فيضمن قيمته(‪ ،)3‬أو‬
‫يصوم عن طعام كل مسكين يوماً‪ .‬وال يجوز أن تعطى القيمة لألصول وال للفروع وال للزوج وال‬
‫للزوجة‪.‬‬
‫وتجب القيمة بقطع بعض قوائم الحيوان ونتف ريشه وكسر بيضه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المائدة‪.95 :‬‬
‫(‪ )2‬المائدة‪.95 :‬‬
‫(‪ )3‬المعلم يضمن قيمته لمالكه معلماً ولحق اللّه تعالى غير معلم‪.‬‬

‫( ‪)1/528‬‬

‫ويجب فيما لو قتل قملة من بدنه أو ألقاها أو ألقى ثوبه في الشمس لتموت‪ ،‬أن يتصدق بما شاء‪ ،‬فعن‬
‫ابن عمر رضي اللّه عنهما قال "في القملة يقتلها المحرم يتصدق بكسرة أو قبض من طعام"(‪ .)1‬وكذا‬
‫من قتل جرادة تصدق بما شاء‪ ،‬فعن يحيى بن سعيد "أن رجالً جاء إلى عمر بن الخطاب فسأله عن‬
‫جرادات قتلها وهو محرم‪ ،‬فقال عمر لكعب‪ :‬تعال حتى نحكم‪ ،‬فقال كعب درهم‪ ،‬فقال عمر لكعب‪:‬‬
‫إنك لتجد الدراهم لتمرة خير من جرادة"(‪.)2‬‬
‫وال يجب شيء في قتل البعوض والنمل المؤذي والبراغيث والقراد‪.‬‬
‫وحكم ما اصطاده المحرم حكم الميتة ال يجوز أكله وال بيعه وال إهداؤه‪ .‬وال بأس للمحرم أن يذبح‬
‫شاة أو بطاً أهلياً‪ ،‬ألنه ليس بصيد‪.‬‬
‫وكل ما على المفرد فيه دم على القارن فيه دمان(‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.213‬‬
‫(‪ )2‬الموطأ‪ :‬ص ‪.287‬‬
‫(‪ )3‬يعني بفعل شيء من محظورات اإلحرام وما حرم فعله بسبب نفس اإلحرام ال من حيث كونه‬
‫حجاً أو عمرة‪ ،‬فلو ترك القارن واجباً من واجبات الحج فليس عليه إال دم واحد كما إذا ترك طواف‬
‫الوداع أو الرمي أو الوقوف بمزدلفة‪.‬‬

‫( ‪)1/529‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬الجناية على الطواف‪:‬‬
‫‪ - 1‬من طاف طواف اإلفاضة جنباً أو حائضاً فعليه َب َدنة (إال إذا أعاده على طهارة)‪.‬‬
‫‪ - 2‬من طاف طواف العمرة كله أو أكثره أو أقله جنباً أو حائضاً‪ ،‬أو طاف كله أو أكثره محدثاً‪،‬‬
‫فعليه دم (شاة)‪ .‬وكذا لو ترك من طواف العمرة شوطاً ألنه ال مدخل للصدقة فيها‪ ،‬وهناك قول آخر‬
‫بأنه عليه لكل شوط صدقة كما لو طاف أقله محدثاً وجب عليه لكل شوط نصف صاع من حنطة‪.‬‬
‫‪ - 3‬من طاف طواف الركن محدثاً‪ ،‬أو طاف طواف الوداع أو طواف السنة جنباً‪ ،‬فعليه شاة‪.‬‬
‫‪ - 4‬من طاف طواف السنة محدثاً فعليه صدقة‪.‬‬
‫‪ - 5‬من طاف طواف الركن وهو كاشف العورة بما يفسد الصالة فعليه شاة‪ .‬أما من طاف وعلى‬
‫ثوبه أو بدنه نجاسة أكبر من قدر الدرهم فال شيء عليه لكن يكره‪.‬‬
‫وإ ذا أعاد المكلف الطواف الناقص‪ ،‬في جميع الحاالت المذكورة‪ ،‬على وجه مشروع سقط عنه الدم‬
‫ألن جنايته صارت متداركة‪ .‬وال يعيد السعي بعده‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬ترك واجب من واجبات الحج‪:‬‬
‫تجب شاة على من ترك واجباً من واجبات الحج كترك السعي أو طواف الوداع أو الوقوف بمزدلفة‪.‬‬
‫وتجب الشاة في ترك رمي الجمار كلها أو يوم منها‪ ،‬أو تأخير رمي يوم عن وقته (يومه)‪ ،‬فإن ترك‬
‫رمي بعض حصيات أو لم تصل الحصاة إلى مكانها عند الرمي‪ ،‬ففي كل حصاة صدقة نصف صاع‬
‫من ُب ّر‪.‬‬
‫ولو أفاض من عرفات قبل الغروب وجب عليه دم (بخالف ما إذا وقف ليالً فال يجب عليه شيء‬
‫اتفاقاً) إال أن يعود قبل الغروب فيسقط الدم على األصح‪.‬‬
‫ولو جاوز الميقات بدون إحرام لزمه دم‪ ،‬إال أن يعود فيحرم من الميقات‪.‬‬

‫( ‪)1/530‬‬

‫الباب الثامن (اإلحصار)‪.‬‬


‫تعريف اإلحصار‪:‬‬
‫لغة‪ :‬المنع أو الحبس‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬المنع من أداء ركن من أركان الحج أو العمرة‪.‬‬
‫المحصرات‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلحصار العام‪ :‬ويكون بمنع العدو المحرم بالحج أو العمرة من دخول مكة‪ ،‬أو بحصول خوف‬
‫على الطريق يمنعه من المضي إلتمام نسكه‪ .‬كما أحصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عام‬
‫الحديبية‪.‬‬
‫‪ - 2‬طروء مرض مفاجئ يمنع من إتمام النسك‪.‬‬
‫الم ْح َرم بعد اإلحرام‪ ،‬فإن كانت المرأة ال تزال في بلدها فال تخرج‪ ،‬أما إن مات زوج‬
‫‪ - 3‬موت َ‬
‫المرأة وكانت في الطريق؛ فإذا كانت في مأمن تبقى مكانها حيث مات وتقضي‪ S‬عدتها‪ ،‬وإ ن كانت في‬
‫طريق ال تستطيع البقاء‪ :‬فإن كانت أقرب إلى بلدها رجعت وتؤدي عدتها وتح ّل من إحرامها وترسل‬
‫الهدي‪ .‬أما إن كانت أقرب إلى مكة فيجب عليها إتمام النسك‪.‬‬

‫( ‪)1/531‬‬

‫‪- 4‬ضياع المال وعدم التمكن من إتمام الحج لعدم النفقة‪.‬‬


‫‪ - 5‬إن أحرمت الزوجة بغير إذن زوجها فله أن يمنعها ويحللّها بأي وسيلة كانت‪ ،‬والسيد له أن‬
‫يحلل عبده وأمته إن أحرما ولو بإذنه‪.‬‬
‫حصر‪:‬‬
‫الم َ‬
‫ما يترتب على ُ‬
‫أ ‪ -‬من أحصر عن الدخول إلى مكة‪:‬‬
‫‪ - 1‬يجب عليه أن يرسل هدياً كي يذبح في الحرم‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وأتموا الحج والعمرة للّه‪ ،‬فإن‬
‫أحصرتم فما استيسر من الهدي‪ ،‬وال تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}(‪ ،)1‬فمحل ذبحه الحرم‬
‫وال يصح في غيره‪ ،‬فإذا قيل إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ذبحوا مكانهم عام‬
‫الحديبية فألنها تابعة للحرم‪.‬‬
‫أما الزوجة والعبد فإنهما يتحلالن بأدنى شيء من محرمات اإلحرام‪ ،‬ثم ترسل الزوجة هدياً والعبد ال‬
‫يرسل حتى يتحرر‪.‬‬
‫ويجوز أن يذبح المحصر عن الحج قبل يوم النحر‪ ،‬فيرسل الهدي ويتفق مع من أرسله معه على يوم‬
‫الذبح ويتحلل به‪ .‬ويلزم القارن دمان حتى يتحلل بالذبح‪.‬‬
‫وال يجزئ الصوم عن الذبح‪ ،‬فلو عجز عن الذبح ال يتحلل بالصوم بل يبقى محرماً حتى ُيذبح عنه أو‬
‫يأتي مكة ويتحلل بأفعال العمرة‪.‬‬
‫‪ - 2‬يتحلل المحصر متى تيقن من وصول‪ S‬الهدي وذبحه في الحرم‪ ،‬وال ينتظر يوم النحر‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجب على المحصر قضاء الحج أو العمرة حسب نيته في النسك الذي ُمنع من إتمامه‪ ،‬فعن‬
‫الحجاج بن عمرو األنصاري قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من ُك ِسر أو عرج فقد ح ّل‬
‫وعليه الحج من قابل)(‪ .)2‬فإن كان ناوياً الحج وجب عليه حجة وعمرة‪ ،‬وإ ن كان قارناً وجب عليه‬
‫حجة وعمرتان‪ ،‬ألن الحج ولو كان نفالً صار فرضاً بالشروع فيه فيجب عليه قضاؤه‪ ،‬والعمرة ألن‬
‫من فاته الحج يتحلل بأفعال العمرة فلما تحلل دون أن يأتي بها وجب عليه قضاؤها‪ .‬وأما من كان‬
‫محرماً بعمرة فأحصر وجب عليه عمرة‪ ،‬فعن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه سئل عن رجل‬
‫اعتمر فنهشته حية‪ ،‬فلم يستطيع المضي‪ ،‬فقال عبد اللّه بن مسعود‪" :‬ليبعث بهدي ويواعد أصحابه يوم‬
‫حل وكانت عليه عمرة مكان عمرته"‪ .‬وقد قضى رسول اللّه صلى‬ ‫أَمار (‪ ،)3‬فإذا نحر عنه الهدي َّ‬
‫َ‬
‫صد عنها وسميت عمرة القضاء‪.‬‬ ‫اللّه عليه وسلم العمرة التي ُ‬
‫أما لو زال اإلحصار قبل فوات الحج فال يجب عليه دم إن أداه من عامه‪ ،‬وإ ن صبر على إحرامه ثم‬
‫تحلل بعمرة فال يجب عليه هدي ويقضي‪ S‬الحج‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.196 :‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.44/1862‬‬
‫(‪ )3‬األمار‪ :‬العالمة التي يعرف بها الشيء‪ ،‬يقول‪ :‬اجعلوا بينكم يوماً تعرفونه لكيال تختلفوا‪.‬‬

‫( ‪)1/532‬‬

‫ب ‪ -‬اإلحصار بعد الوقوف بعرفات‪:‬‬


‫بعدو فال يعتبر محصراً‪ ،‬إنما يترتب عليه دم عن كل واجب (الوقوف‬
‫‪ - 1‬إذا كان اإلحصار ٍّ‬
‫بمزدلفة‪ ،‬رمي الجمار‪ ،‬تأخير الحلق‪.)...‬‬
‫‪ - 2‬إذا كان اإلحصار بمرض أو موت صحت حجته‪ ،‬لحديث عبد الرحمن بن َي ْع ُمر الديلي أن النبي‬
‫صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬الحج عرفة)(‪ )1‬فلو مات بعد عرفة صحت حجته‪.‬‬
‫‪ - 3‬اإلحصار داخل مكة‪:‬‬
‫إن فاته الوقوف بعرفة وطواف الركن فهو محصر يتحلل بدم‪ ،‬أما إن استطاع فعل أحد الركنين فليس‬
‫محصراً‪ ،‬ألنه إن أدرك وقوف عرفات فقد أدرك الحج لقوله صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬الحج عرفة)‬
‫وإ ن أدرك الطواف يتحلل بعمرة وعليه قضاء الحج‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.57/3015‬‬

‫( ‪)1/533‬‬

‫الباب التاسع (الهدي)‪.‬‬


‫الهدي‪ :‬اسم لما يهدى إلى الحرم ويذبح فيه‪ .‬وهو من اإلبل والبقر والغنم‪ .‬وأدناه شاة‪ ،‬وتجزئ البدنة‬
‫والبقرة عن سبعة أشخاص‪ ،‬لما روي عن جابر رضي اللّه عنه قال‪( :‬نحرنا مع رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة‪ ،‬والبقرة عن سبعة)(‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.62/350‬‬

‫( ‪)1/534‬‬

‫محله‪ :‬الحرم‪ ،‬فال يعتبر هدياً إال إذا ذبح في الحرم‪ ،‬لكن أفضل األمكنة منى‪ ،‬لما روي عن جابر‬
‫رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬نحرت ههنا ومنى كلَها منحر فانحروا في‬
‫رحالكم)(‪ ،)1‬وعنه أيضاً قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬كل فجاج مكة طريق ومنحر)(‬
‫‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.20/149‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.170‬‬

‫( ‪)1/535‬‬

‫وقته‪:‬‬
‫أ ‪ -‬هدي التطوع والمتعة والقران‪ :‬ال يصح إال أيام النحر الثالثة وال يجوز قبلها‪.‬‬
‫ب ‪ -‬هدي الجنايات والكفارات واإلحصار‪ :‬يصح في أي وقت‪ ،‬واألَولى‪ S‬تعجيله لينجبر النقص من‬
‫أفعاله‪.‬‬
‫شروطه‪:‬‬
‫الثني إال الجذع من الضأن وال‬
‫‪ - 1‬يشترط في الهدي ما يشترط في األضحية‪ ،‬فال يجزئ ما دون ِّ‬
‫يصح بالعوراء وال العجفاء وال العمياء وال مقطوعة األذن‪ ،‬فعن أبي حصين أن ابن الزبير رأى هدياً‬
‫له فيها ناقة عوراء فقال‪" :‬إن كان أصابها بعدما اشتريتموها فأمضوها وإ ن كان أصابها قبل أن‬
‫تشترها فأبدلوها"(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬أن ال يأكل من هدي الجنايات والكفارات‪ ،‬لما روي عن طاووس وسعيد بن جبير أنهما قاال‪" :‬ال‬
‫يأكل من جزاء الصيد وال من الفدية"(‪ .)2‬ويجوز أن يأكل من هدي التمتع والقران والتطوع‪ ،‬لما‬
‫روي عن جابر رضي اللّه عنه قال‪( :‬كنا ال نأكل من لحوم بدننا فوق ثالث منى‪ ،‬فأرخص لنا رسول‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‪ :‬كلوا وتزودوا فأكلنا وتزودنا)(‪.)3‬‬
‫‪ - 3‬أن ال يعطي أجر القصَّاب منه‪ ،‬لما روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه (أن نبي اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم أمره أن يقوم على بدنه‪ ،‬وأمره أن يقسم بدنه كلها لحومها وجلودها في المساكين‬
‫وال يعطي في جزارتها منها شيء)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.242‬‬
‫(‪ )2‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.242‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب األضاحي باب ‪.5/30‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.61/349‬‬

‫( ‪)1/536‬‬

‫ما يندب في الهدي‪:‬‬


‫‪ - 1‬أن يذبح بنفسه وإ ال يوكل غيره ويشهده‪ ،‬لما روي عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما في‬
‫حديثه الطويل‪( :‬ثم انصرف ‪ -‬أي النبي صلى اللّه عليه وسلم ‪ -‬إلى المنحر فنحر ثالثاً وستين بيده)(‬
‫‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬أن يقلد(‪ )2‬هدي التطوع (تمتع‪ ،‬قران‪ ،‬نذر) دون غيره ألنه نسك يليق به اإلظهار‪ ،‬أما بقية‬
‫ت القالئد لهدي رسول‬
‫الهدايا فال يقلدها ألنها جنايات‪ .‬روت عائشة رضي اللّه عنها قالت‪( :‬ربما فَتَْل ُ‬
‫اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬فيقلد هديه ثم يبعث به)(‪.)3‬‬
‫وإ ذا عطب هدي التطوع على الطريق ال يلزمه غيره‪ ،‬وال يجوز أن يأكل منه بل يطعمه للفقراء‪ ،‬أما‬
‫إن كان غير ذلك ضمنه‪ ،‬لما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن ذؤيباً أبا قبيصة حدثه؛ أن‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول‪( S:‬إن َع ِطب منها شيء‪ ،‬فخشيت عليه‬
‫موتاً‪ ،‬فانحرها‪ .‬ثم اغمس نعلها في دمها‪ .‬ثم اضرب به صفحتها‪ .‬وال تطعهما أنت وال أحد من أهل‬
‫رفقتك)(‪.)4‬‬
‫‪ - 3‬أن يذبحه بمنى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.19/147‬‬
‫(‪ )2‬التقليد‪ :‬هو جعل قالدة أي حبل من نبات األرض في عنق اإلبل أو البقر لإلشارة بأنه هدي‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.64/366‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.66/378‬‬
‫( ‪)1/537‬‬

‫األض ِحَية‬
‫ْ‬
‫تعريفها‪:‬‬
‫األضحية لغة‪ :‬اسم لما يذبح أيام األضحى‪.‬‬
‫شرعاً‪ :‬اسم لما يذبح أو ينحر من َّ‬
‫النعم تقرباً للّه تعالى في أيام النحر‪.‬‬
‫دليلها‪:‬‬
‫ثبتت مشروعيتها بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫ِّ‬
‫{فصل لربك وانحر}(‪.)1‬‬ ‫من الكتاب‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ومن السنة‪ :‬حديث أنس رضي اللّه عنه قال‪( :‬ضحى النبي صلى اللّه عليه وسلم بكبشين أملحين (‪)2‬‬
‫وكبر ووضع رجله على صفاحهما)(‪.)4‬‬
‫أقرنين (‪ ،)3‬ذبحهما بيده‪ ،‬وسمى ّ‬
‫وقد أجمعت األمة على مشروعيتها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكوثر‪.2 :‬‬
‫(‪ )2‬كبش أ َْملح‪ :‬هو الذي بياضه غالب لسواده‪.‬‬
‫(‪ )3‬كبش أَ ْقرن‪ :‬كبير القرنين‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب األضاحي باب ‪.3/17‬‬

‫( ‪)1/538‬‬

‫حكمها‪:‬‬
‫هي واجبة على الذكر واألنثى عند اإلمام أبي حنيفة‪ ،‬وهو المعتمد‪ ،‬بدليل ما روى أبو هريرة رضي‬
‫ِّ‬
‫يضح معنا فال َي ْق َرَبن ُمصالّنا)(‪.)1‬‬ ‫اللّه عنه قال‪ :‬قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من وجد سعة فلم‬
‫ففي الحديث وعيد من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وال يكون الوعيد إال لترك واجب‪.‬‬
‫وعن أنس رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من كان ذبح قبل الصالة‬
‫ْف ُلي ِعد)(‪ )2‬واألمر للوجوب فلوال أنها واجبة ما وجبت إعادتها‪.‬‬
‫وهي سنة مؤكدة عند اإلمام أبي يوسف‪ ،‬لما روت أم سلمة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬إذا رأيتم هالل ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)(‪،)3‬‬
‫والتعليق باإلرادة ينافي الوجوب لذا فهي سنة مؤكدة‪ .‬وعلى القولين ال يكفر جاحدها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.232‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب األضاحي باب ‪.1/10‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب األضاحي باب ‪.7/41‬‬

‫( ‪)1/539‬‬

‫شروط وجوبها‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلسالم‪ ،‬ألنها عبادة‪.‬‬
‫‪ - 2‬الحرية‪ ،‬لضرورة الملك‪.‬‬
‫‪ - 3‬اليسار الذي يتعلق به وجوب صدقة الفطر‪ ،‬وهو ملك نصاب ولو غير نام‪ ،‬وأن يكون زائداً عن‬
‫حوائجه األصلية‪.‬‬
‫‪ - 4‬اإلقامة في بلد أو قرية أو بادية‪ ،‬فال تجب على المسافر‪ ،‬وال على الحاج إن كان مسافراً‪ ،‬لقول‬
‫علي رضي اللّه عنه‪" :‬ليس على المسافر جمعة وال أضحية"‪.‬‬
‫الولي أن يضحي عن ولده الصغير كصدقة الفطر الختالف سببهما‪ ،‬كما أنها ال تجب‬
‫ّ‬ ‫وال يجب على‬
‫في مال الصبي ألنها قربة وال يخاطب بها إال العاقل البالغ‪ .‬وهذا هو القول المفتى به‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬تجب في مال الصبي فيضحي عنه وليُّه‪ ،‬ومثله المجنون‪.‬‬
‫شروط صحتها‪:‬‬
‫‪ - 1‬يشترط أن تكون من النعم وهي‪ :‬اإلبل والبقر والغنم بنوعيه المعز والضأن‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة األنعام}(‪ .)1‬وأفضلها الغنم‪ .‬والكبش أفضل من النعجة‪،‬‬
‫واألنثى من المعز أفضل من التَّْيس‪ ،‬واألنثى من اإلبل والبقر أفضل من الذكر إذا استويا في اللحم‪.‬‬
‫ويجوز االشتراك في األضحية إذا كانت من اإلبل أو البقر بشرط أن ال يزيد عددهم على السبعة‬
‫أشخاص‪ ،‬فإذا كانوا أكثر من سبعة فال يجوز االشتراك‪ .‬واألفضل أن يتفقوا‪ S‬قبل الشراء ويقتسموا‬
‫لحمها بالوزن‪ .‬ودليل جواز االشتراك ما روى جابر رضي اللّه عنه قال‪( :‬نحرنا مع رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة‪ ،‬والبقرة عن سبعة)(‪ .)2‬والشاة أفضل من سبع‬
‫البقرة أو البدنة إذا استويا في اللحم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحج‪.34 :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.62/350‬‬
‫( ‪)1/540‬‬

‫ِ‬
‫‪ - 2‬يشترط الثَّن ُّي في الجميع‪ ،‬إال الضأن فقد ورد فيها جواز َ‬
‫الج َذع‪ ،‬فعن أم بالل بنت هالل عن‬
‫أبيها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬يجوز الجذع من الضأن أضحية)(‪ .)1‬والجذع ما‬
‫كان فوق ستة أشهر على أن يكون كثير اللحم بحيث لو وضع مع الثنايا ال يفرق عنها‪ .‬والثَّنِ ّي‪ :‬ما‬
‫كان فوق السنة من الغنم‪ ،‬وفوق السنتين من البقر‪ ،‬وفوق الخمس سنين من اإلبل‪.‬‬
‫‪ - 3‬يشترط في األضحية أن تكون سليمة من العيوب واألمراض‪ ،‬فال تصح بالعمياء‪ ،‬وال بالعوراء‪،‬‬
‫البين َع َرجها‪ ،‬لما روى البراء‬
‫وال بالعجفاء وهي المهزولة التي ال مخ في عظامها‪ ،‬وال بالعرجاء ّ‬
‫رضي اللّه عنه قال‪ :‬قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‪( :‬أربع ال تجوز في األضاحي‪:‬‬
‫العوراء َبيِّن عورها‪ ،‬والمريضة ّبين مرضها‪ ،‬والعرجاء ّبين ظلعها‪ ،‬والكسير التي ال تُنقى)(‪ .)2‬وال‬
‫الذنب أو اإللية إذا كان المقطوع أكثر من الثلث‪ ،‬لما روي عن علي رضي‬ ‫تصح بمقطوعة األذن أو َّ‬
‫بعضباء األذن والقرن)(‪ .)3‬وال تصح‬
‫ضحَّى ْ‬ ‫اللّه عنه (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نهى أن ُي َ‬
‫العِذرة (‪.)4‬‬
‫بالهَتْماء التي ليس لها أسنان وال بالجالّلة التي ترعى َ‬
‫ظماء وهي التي ذهب بعض قرنها‪ ،‬والتَّوالء وهي‬ ‫والع ْ‬ ‫ِ‬
‫بالجماء التي ال قرون لها خلقَة‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وتصح‬
‫بالجرب فال‬
‫بالجرباء إذا كانت سمينة‪ ،‬فإذا هزلت َ‬‫المجنونة إذا لم يمنعها الجنون من الرعي‪ .‬وتصح َ‬
‫يجوز‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب األضاحي باب ‪.7/3139‬‬
‫(‪ )2‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الضحايا باب ‪ ،6/2802‬وال تنقى‪ :‬أي ال نقي لها وهو المخ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الضحايا باب ‪.6/2805‬‬
‫العِذرة‪ :‬أماكن ّ‬
‫النجاسات‪.‬‬ ‫(‪َ )4‬‬

‫( ‪)1/541‬‬

‫وقتها‪:‬‬
‫صر أن يضحي بعد أداء صالة العيد‪ ،‬لما روى‬ ‫ِ‬
‫يبدأ وقتها بعد طلوع فجر يوم النحر‪ ،‬ويشترط في الم ْ‬
‫البراء رضي اللّه عنه قال‪ :‬خطبنا النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم النحر قال‪( :‬إن أول ما نبدأ به في‬
‫يومنا هذا أن نصلي‪ ،‬ثم نرجع فننحر)(‪ .)1‬وينتهي وقتها قبل غروب شمس ثالث أيام النحر‪.‬‬
‫واألفضل أن يضحي أول يوم‪ ،‬ويكره تنزيهاً أن يضحي في الليل‪.‬‬
‫ولو فات الوقت وكان المكلف ممن تتوفر فيهم شروط وجوبها‪ ،‬وجب عليه التصدق بمقدار ثمن شاة‪،‬‬
‫يضح فعليه أن يوصي بالتصدق بثمنها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ولو مات أيام النحر سقطت عنه‪ ،‬أما لو مات بعدها ولم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ :‬ج ‪ / 1‬كتاب العيدين باب ‪.10/925‬‬

‫( ‪)1/542‬‬

‫ما يندب في األضحية‪:‬‬


‫‪ - 1‬أن يأكل منها ويتصدق َّ‬
‫ويدخر‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}(‪ ،)1‬ولما‬
‫روى عبد اللّه بن بريدة عن أبيه رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬نهيتكم‬
‫عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم األضاحي فوق ثالث فأمسكوا ما بدا لكم)(‪ ،)2‬ويجوز‬
‫أن يطعم األغنياء منها‪ ،‬ألنه كما جاز له األكل وهو غني جاز لغيره‪.‬‬
‫‪ - 2‬يستحب أن ال تنقص الصدقة منها عن الثلث‪ ،‬ألن المنصوص قسمتها بين األكل والتصدق‬
‫واالدخار فيكون لكل قسم الثلث‪ ،‬ولو أخذ الكل لنفسه جاز ألن القربة تحصل بإراقة الدم‪ .‬أما إن‬
‫كانت األضحية منذورة فال يحل األكل منها مطلقاً‪.‬‬
‫‪ - 3‬يندب أن ال يتصدق منها بشيء إذا كان ذا عيال حتى يوسع عليهم‪.‬‬
‫‪ - 4‬يندب أن يذبحها بنفسه‪ ،‬إن كان يحسن الذبح ألنها عبادة‪ ،‬فإذا فعلها بنفسه كان أفضل كسائر‬
‫اقتداء بفعله صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬فعن أنس رضي اللّه عنه (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم‬
‫ً‬ ‫العبادات‬
‫بدنات بيده قياماً)(‪ .)3‬ويندب أن يقول عند الذبح‪" :‬وجهت وجهي للذي فطر السماوات‬‫ٍ‬ ‫نحر سبع‬
‫فاألولى أن‬
‫واألرض حنيفاً مسلماً‪ ،‬اللّهم منك ولك‪ ،‬بسم اللّه‪ ،‬اللّه أكبر"‪ .‬وإ ن كان ال يحسن الذبح ْ‬
‫يولّيها غيره‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يحضر األضحية ويشهدها إن لم يذبح‪ ،‬لما روي عن عمران بن حصين رضي اللّه عنه أن‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها‪ ،‬فإنه يغفر لك عند أول‬
‫قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملتيه‪ ،‬وقولي إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه رب العالمين‬
‫ال شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين‪ .‬قال عمران قلت‪ :‬يا رسول اللّه هذا لك وألهل بيتك‬
‫خاصة فأهل ذاك أنتم أم المسلمين عامة؟ قال‪ :‬ال بل للمسلمين عامة)(‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحج‪.28 :‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب األضاحي باب ‪.5/37‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 3‬كتاب الضحايا باب ‪.4/2793‬‬
‫(‪ )4‬المستدرك‪ :‬ج ‪ / 4‬ص ‪.222‬‬

‫( ‪)1/543‬‬

‫ما يكره في األضحية‪:‬‬


‫‪ - 1‬يكره ذبح الكتابي‪ ،‬أما المشرك والمجوسي والوثني فال يجوز ذبحه أصالً‪.‬‬
‫‪ - 2‬يكره بيع جلدها أو استبداله بما هو مستهلك‪ ،‬فإن فعل وجب التصدق بالثمن أو بالبدل‪ ،‬لقوله‬
‫صلى اللّه عليه وسلم فيما رواه عن معقل بن يسار‪( :‬من باع جلد أضحيته فال أضحية له)(‪ ،)1‬لذا‬
‫يجب أن يتصدق بالجلد أو يستعمله‪.‬‬
‫‪ - 3‬يكره أن يعطي الجزار منها شيئاً على سبيل األجرة‪ ،‬لكن يجوز أن يتصدق عليه منها زيادة‬
‫على األجرة‪ .‬لما روي عن علي رضي اللّه عنه قال‪( :‬أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن‬
‫أقوم على ُب ْدنه‪ ،‬وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلَّتها‪ ،‬وأن ال أعطي الجزار منها‪ .‬قال‪ :‬نحن نعطيه‬
‫من عندنا)(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬يكره ُّ‬
‫جز صوفها قبل الذبح‪ ،‬وإ ن فعل تصدق به‪.‬‬
‫‪ - 5‬يكره ركوبها وتأجيرها واالنتفاع بلبنها قبل ذبحها‪ ،‬بل يتصدق بكل ما يأخذه منها‪ ،‬ألنه اشتراها‬
‫قربة للّه تعالى‪ ،‬فال ينتفع بشيء منها حتى يذبحها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الجامع الصغير‪ :‬صلى اللّه عليه وسلم ‪.167‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.61/348‬‬

‫( ‪)1/544‬‬

‫فصل في زيارة النبي صلى اللّه عليه وسلم‬


‫تندب زيارة قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم ندباً مؤكداً‪ ،‬بل تقرب من درجة الواجبات لمن له سعة‪.‬‬
‫فإنه صلى اللّه عليه وسلم حرض عليها وبالغ في الندب إليها فقال صلى اللّه عليه وسلم فيما رواه عنه‬
‫ابن عمر رضي اللّه عنهما‪( :‬من زار قبري وجبت له شفاعتي)(‪ ،)1‬وعنه أيضاً قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي)(‪ )2‬إلى غير ذلك من‬
‫األحاديث‪.‬‬
‫فإذا نوى المسلم زيارة القبر الشريف فلينو معه زيارة المسجد النبوي أيضاً‪ ،‬فإنه أحد المساجد الثالثة‬
‫التي تشد إليها الرحال‪ ،‬لما روى أبو هريرة رضي اللّه عنه يبلغ به النبي صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ال‬
‫تشد الرحال إال إلى ثالثة مساجد‪ :‬مسجدي هذا‪ ،‬ومسجد الحرام ومسجد األقصى)(‪.)3S‬‬
‫وينبغي لمن رغب في زيارة قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يكثر من الصالة والتسليم عليه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم في طريقه إلى المدينة المنورة‪ .‬فإذا عاين حيطان المدينة يصلي على النبي صلى اللّه‬
‫علي بالدخول فيه‪ ،‬واجعله وقاية لي من‬
‫عليه وسلم ثم يقول‪" S:‬اللّهم هذا حرم نبيك ومهبط وحيك فامنن ّ‬
‫النار وأماناً من العذاب‪ ،‬واجعلني من الفائزين بشفاعة المصطفى يوم المآب"‪.‬‬
‫ويغتسل قبل الدخول أو بعده قبل التوجه للزيارة إن أمكنه‪ ،‬أو يتوضأ‪ ،‬ويلبس أحسن ثيابه ويتطيب‬
‫تعظيماً للقدوم على النبي صلى اللّه عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.278‬‬
‫(‪ )2‬الدارقطني‪ :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.278‬‬
‫(‪ )3‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.95/511‬‬

‫( ‪)1/545‬‬

‫ثم يدخل المدينة المنورة ماشياً‪ ،‬إن أمكنه‪ ،‬متواضعاً بالسكينة والوقار مالحظاً جاللة المكان قائالً‪:‬‬
‫صدق وأخرجني ُم ْخ َرج‬ ‫"بسم اللّه وعلى ملة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪ .‬رب أ َْد ِخلني م ْد َخل ِ‬
‫ُ‬
‫صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد واغفر لي‬ ‫صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً‪ .‬اللّهم ِّ‬ ‫ِ‬
‫ذنوبي‪ ،‬وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك"‪.‬‬
‫فإذا وصل باب مسجده فليقدم رجله اليمنى في الدخول‪ ،‬ثم يأتي الروضة فيصلي ركعتين تحية‬
‫المسجد عند المنبر بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه األيمن‪ ،‬لما روي عن أبي هريرة رضي‬
‫اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة‪.‬‬
‫ومنبري على حوضي)(‪ .)1‬ثم يسجد شكراً للّه تعالى بأداء ركعتين غير تحية المسجد لما وفقه اللّه‬
‫ومن عليه بالوصول إليه‪ ،‬ويدعو بما يحب ولمن أحب‪.‬‬
‫ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.92/502‬‬

‫( ‪)1/546‬‬
‫ثم يتوجه إلى قبره الشريف صلى اللّه عليه وسلم فيقف بعيداً عنه بمقدار أربعة أذرع‪ ،‬بغاية األدب‪،‬‬
‫مستدبر القبلة‪ ،‬محاذياً لرأس النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬مالحظاً في قلبه منزلة من هو بحضرته‬
‫وسماعه لكالمه‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪( :‬ما من أحد‬
‫علي روحي حتى َّ‬
‫أرد عليه السالم)(‪ )1‬ثم يسلم ويقول‪" :‬السالم عليك يا رسول‬ ‫ُيسلم علي إال َّ‬
‫رد اللّه َّ‬ ‫ّ‬
‫صفي اللّه السالم عليك يا حبيب اللّه‪ ،‬السالم عليك يا‬
‫َّ‬ ‫نبي اللّه‪ ،‬السالم عليك يا‬
‫اللّه‪ ،‬السالم عليك يا ّ‬
‫نبي الرحمة‪ ،‬السالم عليك يا شفيع األمة‪ ،‬السالم عليك يا سيد المرسلين‪ ،‬السالم عليك يا خاتم النبيين‬
‫َّ‬
‫وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين‪ ،‬جزاك اللّه عنا أفضل ما جزى نبياً عن قومه ورسوالً عن أمته‪،‬‬
‫أشهد أنك قد بلغت الرسالة‪ ،‬وأديت األمانة‪ ،‬ونصحت األمة‪ ،‬وكشفت الغمة‪ ،‬وأوضحت الحجة‪،‬‬
‫وجاهدت في سبيل اللّه حق جهاده‪ ،‬وأقمت الدين حتى أتاك اليقين‪ ،‬فصلى اللّه عليك إلى يوم الدين‪ .‬يا‬
‫رسول اللّه نحن وفدك وزوار قبرك‪ ،‬جئناك قاصدين قضاء حقك والتيمن بزيارتك واالستشفاع بك‬
‫إلى ربنا‪ ،‬فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا واألوزار قد أثقلت كواهلنا‪ ،‬وأنت الشافع المشفع‪ .‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه تواباً‬
‫رحيماً}(‪ .)2‬وقد جئناك ظالمين ألنفسنا مستغفرين لذنوبنا‪ ،‬فاشفع لنا إلى ربك‪ ،‬واسأله أن يميتنا على‬
‫سنتك‪ ،‬وأن يوردنا حوضك‪ ،‬وأن يسقينا بكأسك غير خزايا وال نادمين‪ .‬الشفاعة الشفاعة يا رسول‬
‫اللّه‪ .‬ربنا اغفر لنا وإلخواننا الذين سبقونا باإليمان وال تجعل في قلوبنا غالً للذين آمنوا ربنا إنك‬
‫رؤوف رحيم"‪.‬‬
‫ويبلغه سالم من أوصاه فيقول‪" :‬السالم عليك يا رسول اللّه من فالن بن فالن‪ ،‬يستشفع بك إلى ربك‪،‬‬
‫فاشفع له ولجميع المسلمين"‪ .‬ثم يصلي عليه صلى اللّه عليه وسلم ويدعو بما شاء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أبو داود‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب المناسك باب ‪.100/2041‬‬
‫(‪ )2‬النساء‪.64 :‬‬

‫( ‪)1/547‬‬

‫ثم يتحول قدر ذراع جهة يمينه حتى يحاذي رأس الصديق رضي اللّه عنه فيقول‪ S‬مسلماً عليه‪" :‬السالم‬
‫عليك يا خليفة رسول اللّه‪ ،‬السالم عليك يا صاحب رسول اللّه وأنيسه في الغار ورفيقه في األسفار‪،‬‬
‫جزاك اللّه عنا أفضل ما جزى إماماً عن أمة نبيه‪ .‬اللّهم أمتنا على حبه وال تخيب سعينا في زيارته‬
‫برحمتك يا أرحم الراحمين"‪.‬‬
‫ثم يتحول مثل ذلك حتى يحاذي رأس عمر رضي اللّه عنه فيقول‪" S:‬السالم عليك يا أمير المؤمنين‪،‬‬
‫السالم عليك يا مظهر اإلسالم ومكسر األصنام‪ .‬جزاك اللّه عنا أفضل الجزاء‪ ،‬ورضي عمن‬
‫ضجيعي رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫َ‬ ‫استخلفك"‪ .‬ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول‪" :‬السالم عليكما يا‬
‫وسلم ورفيقيه‪ ،‬جزاكما اللّه أحسن الجزاء"‪ .‬ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولن أوصاه بالدعاء ولجميع‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ثم يرجع فيقف عند قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويقول‪" S:‬ربنا اغفر لنا وآلبائنا وأمهاتنا‬
‫وإ خواننا‪ .‬ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار"‪.‬‬
‫ويأتي األسطوانة التي تاب عندها أبو لبابة رضي اللّه عنه فيعلن توبته‪ .‬وقد روي عن ابن عمر‬
‫رضي اللّه عنهما (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا اعتكف يطرح له فراشه أو سريره‬
‫إلى اسطوانة التوبة مما يلي القبلة يستند إليها)(‪.)1‬‬
‫ثم يأتي الروضة فيصلي فيها ما شاء ويدعو ويكثر من التسبيح واالستغفار‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي‬
‫اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‪( :‬صالة في مسجدي هذا خير من ألف صالة في‬
‫غيره إال المسجد الحرام)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬ج ‪ / 5‬ص ‪.247‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.94/506‬‬

‫( ‪)1/548‬‬

‫ويستحب له أن يخرج بعد زيارته صلى اللّه عليه وسلم إلى البقيع‪ ،‬فيأتي المشاهد والمزارات‬
‫وخاصة قبر سيد الشهداء حمزة رضي اللّه عنه‪ .‬ويقول‪" :‬سالم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار‪،‬‬
‫سالم عليكم دار قوم مؤمنين‪ ،‬وإ نا إن شاء اللّه بكم الحقون"‪ .‬ويقرأ آية الكرسي وسورة اإلخالص‪.‬‬
‫فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪ :‬كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‪ -‬كلما كانت ليلتها من‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‪ -‬يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول‪( :‬السالم عليكم دار قوم‬
‫مؤمنين‪ ،‬وأتاكم ما توعدون غداً‪ ،‬مؤجلون‪ ،‬وإ نا إن شاء اللّه بكم الحقون‪ ،‬اللّهم اغفر ألهل بقيع‬
‫الغرقد)(‪.)1‬‬
‫كما يستحب أن يأتي مسجد ِقباء يوم السبت أو غيره ويصلي فيه ويقول بعد دعائه بما أحب‪" :‬يا‬
‫صريخ المستصرخين‪ ،‬يا غياث المستغيثين‪ ،‬يا مفرج كرب المكروبين‪ِّ ،‬‬
‫صل على سيدنا محمد وآله‪،‬‬
‫منان يا كثير‬
‫حنان يا ّ‬
‫واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك كربه وحزنه في هذا المقام‪ ،‬يا ّ‬
‫المعروف يا دائم اإلحسان يا أرحم الراحمين"‪ ،‬لما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‪( :‬كان‬
‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأتي مسجد قباء راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين)(‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الجنائز باب ‪.35/102‬‬
‫(‪ )2‬مسلم‪ :‬ج ‪ / 2‬كتاب الحج باب ‪.97/516‬‬

‫( ‪)1/549‬‬

‫انتهى الكتاب والحمد هلل أوال وآخرا ‪.‬‬

‫( ‪)1/550‬‬

You might also like