You are on page 1of 3

‫الشيخ بلفضل الطاهر رحمه هللا‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم والصالة والسالم على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله‬
‫وصحبه إلى يوم الدين‪.‬‬
‫إن الحديث عن الحاج الطاهر والحاج بسدات ذو شجون ومهما قال المرء او كتب فانه ال يمكن‬
‫ان ينم بتفاصيل حياة الرجلين إال أنها ال تخرج عن منهج اإلمام عبد الحميد بن باديس ودوره في‬
‫إصالح حال األمة وتربية النشء تربية صالحة وما عملها إال امتداد لحركة اإلصالح‬
‫مولده‪:‬‬
‫ولد الشيخ الحاج الطاهر بلفضل سنة ‪ 1908‬بزاوية المنصب ‪،‬زاوية جده الحاج الطيب منشؤها‬
‫بعرش أوالد سيدي محمد بن يعقوب وأبوه الحاج السعيد خليفة الشيخ الحاج الطيب ‪،‬اشتهرت‬
‫هذه الزاوية منذ تأسيسها بوفرة طلبة العلم وحفظة القران الكريم يأتون إليها من كل الجهات‬
‫يسعون إلى حفظ كتاب هللا الكريم والحديث الشريف والسيرة النبوية فضال عن تعلم علوم اللغة‬
‫العربية والفقه ‪ ،‬في هذا الجو نشأ الحاج الطاهر وحفظ القران وهو صغير بفضل ما أوتي من‬
‫قدرة على الحفظ ورجاجة العقل والتواضع والزهد في الدنيا فكان لين الجانب‪ ،‬ثاقب النظر‪،‬‬
‫“دقيق المالحظة حسن المعاملة‪ ،‬كيسا ظريفا فطنا كريم الطباع ‪،‬كان في شبابه مياال إلى‬
‫المطالعة فإذا انكب على قراءة الكتاب التزم بمطالعته المستمرة ال تقطعها إال الصلوات حتى إذا‬
‫استمع األذان أسرع إلى الوضوء وصلى وسرعان ما يعود إلى الكتاب وهو في كل مرة يجول‬
‫في ظالل كتب التفسير وكتب الفقه وكتب علوم اللغة العربية ‪.‬‬

‫فحفظ االجرومية وألفية بن مالك بأبياتها وشواهدها وشروحاتها وهوامشها وبعد أن حفظ القران‬
‫الكريم كما بينا بزاوية والده الحاج السعيد ونظرا لما رأى الوالد في ولده من ذكاء وقدرة على‬
‫الحفظ واستعداد ال نظير له في اإلقبال على التعلم طالبا منه أن يتوجه نحو الشمال لطلب العلم‬
‫فكانت وجهته األولى إلى مدينة مستغانم وبالضبط زاوية الشيخ احمد بن تكوك فتتلمذ على يد‬
‫ابنه الشيخ سيدي احمد بن تكوك وتيسر له بهذه الزاوية أن يتطلع في علوم الفقه واللغة العربية‬
‫فنال جائزة في العلوم الفقهية وكان ذلك في عام ‪. 1930‬‬
‫وهاهو الشيخ سيدي احمد بن تكوك يقترح على الطالب المتفوق أن يتوجه إلى تونس أو مصر‬
‫اللتان كانتا محجة العلماء الشباب والى جامع الزيتونة فتوجه إليها وحط الرحال بها وكان السفر‬
‫شاقا وكان الطريق محفوفا بالمخاطر وكله عزم وإرادة من فوالذ فترك العائلة والولد واألحباب‬
‫في سبيل طلب العلم عمال بقول االمام الشافعي رضي هللا عنه ‪( :‬سأضرب في طول البالد‬
‫وعرضها أنال مرادي أو أموت غريبا) وكانت الظروف صعبة والترحال أصعب زيادة على‬
‫الغربة والمكابدة وشغف العيش ومع ذلك بقي في تونس لمدة عام وانقطعت الصلة بينه وبين‬
‫عائلته ولم تعد الفرنكة القليلة تصل إليه فقرر العودة إلى الجزائر وبالضبط في زاوية ابيه فاخذ‬
‫يعلم الطلبة القران الكريم وعلوم الفقه واللغة لمن كان لهم االستعداد لتقبل هذه العلوم فكانت فئة‬
‫خاصة الن العامة كانت تركز على حفظ القرآن الكريم أوال ‪ .‬وأراد أن يحقق مشروعا وهو‬
‫توسيع الزاوية وهذا محاكاة لما رآه بزاوية مستغانم و جامع الزيتونة ولكن تجري الرياح بما ال‬
‫تشتهي السفن حيث سرعان ما أعلنت القوات االستعمارية منطقة المنصب منطقة محرمة ال‬
‫يقطنها إنسان أو حيوان إال وتعرض للقنبلة الن االستعمار الحظ اتصاالت وحركات مشبوهة لم‬
‫يطمئن إليها من أجل التجنيد وطلب المساعدات وطرح بعض المسائل تتعلق بالجهاد في سبيل‬
‫تحرير الوطن‪“ .‬ولما اشتدت شوكة العدو وتعرضت منطقة المنصب للقنبلة وقذف‪ y‬المدافع‬
‫أعطت القوات المستعمرة الفرصة األخيرة من اجل هجرة الزاوية فكانت المهلة محدودة جدا‬
‫ورحل الشيخ الطاهر وأخوه “الشيخ الحاج الغوثي وعائلتهما وأبناؤهما واتجهوا نحو السوقر‬
‫وكان هذا عام ‪ . 1957‬ومضت سنوات ساد فيها ليل االستعمار الفرنسي الطويل وساهم الحاج‬
‫الطاهر والحاج بسدات في لجنة تحضير االستقالل فكانت تتألف من المسؤول السياسي الذي هو‬
‫السي العيد من والية البيض والشيخين الحاج الطاهر والشيخ بسدات وكانت ……‪ ..‬واستمر‬
‫نشاط هذه اللجنة سريا وحذرا من األرجل السوداء ‪ OAS‬وكان مقرها بحي الحمري الشعبي‬
‫إلى أن جاءت تباشير االستقالل في اليوم الخامس من جويلية من ‪ 1962‬فرفع العلم الجزائري‬
‫ألول مرة فكانت الفرصة عظيمة وسطعت شمس الحرية على هذا الشعب األبي ورحل‬
‫المستعمر إلى غير رجعة فكان الجالء وكان االستقالل في هذا الوقت ‪ .‬عين الحاج الطاهر إماما‬
‫بمسجد أوالد خليف وشرع في هذا المسجد الصغير يدرس الطلبة الشباب فأقبلوا إقبال النحل‬
‫على الخلية على تالوة القرآن واألخذ بالسنة النبوية ‪ ،‬أما دروس القواعد فتعرف إقباال ال نظير‬
‫له حتى أخذ الطلبة في التباري في دراسة وحفظ النحو الواضح بأجزائه الثالثة وحفظ األلفية‬
‫وشرحها وبرزت تالميذ نجباء من بينهم ‪:‬سي حمزة معتوق ‪،‬سي احمد معتوق‪ ،‬يماني بوزيان‪،‬‬
‫سي أحمد لزرق وسي الحاج محمد معراجي‪ ،‬واإلمام الحاج السعيد واإلمام بوطاقة وغيرهم‬
‫ممن ال يتسع المقام لذكرهم‪ ،‬وكان هذا الجيل األول وكان الجيل الثاني ويليه الثالث وهكذا……‬
‫وبني مسجد عمار بن ياسر(المسجد الكبير) وعين الحاج الطاهر اماما في سنة‪، 1963‬واستمر‬
‫نشاطه في العلوم العربية بحيث لم يكن يضاهيه احد سوى الحاج بسدات وتفرغ للمطالعة بعد‬
‫مجيء ولده المرحوم السي مختار من مصر سنة ‪ 1963‬بشهادة ليسانس في علم الفلسفة‬
‫واالجتماع فجاء بكتب كثيرة في علوم الفقه و العربية وتوسعت آفاقه‪ .‬وكان الرجل معروفا‬
‫بصدره على المطالعة فكانت غذاءه الروحي وكنا ونحن صغار النراه إال منكبا على مطالعة‬
‫الكتاب ال يغادره إال لصالة أو زيارة أحبابه أو تالمذته و شهد له عني أنه كان شديد التعلق‬
‫بشيخه بزاوية مستغانم سي محمد بن تكوك ثم عين مديرا للشؤون الدينية بوالية تيارت في بداية‬
‫األمر إال أن ورعه وتواضعه حال دون أن يقبل هذا المنصب وفضل أن يكون نائبا للمدير ألنه‬
‫رأى هذه الوظيفة الجديدة تفصله عن طلبته‪ ،‬وهكذا ساهم السهم الكبير في تكوين المعلمين في‬
‫علوم القرآن والحديث الشريف وسد الفراغ الذي كانت تعانيه الجزائر في بداية استقاللها وما‬
‫يزال الكثير من هؤالء الطلبة يترحمون عليه ويذكرونه بخير ‪ .‬كما أضيفت إليه مهمة االستشارة‬
‫في الفتوة الفقهية في العبادات والمعامالت والمواريث وبقي يعمل في هذا الميدان ال يكل وال‬
‫يتعب فكانت دروسه في المسجد وخطبه في أيام الجمعة واألعياد تعرف إقباال ال نظير له فكانت‬
‫أشهر من خطبة أع ّد ها وألقاها حول السيرة النبوية الشريفة لنلتمس عن قرب منهجية محمد‬
‫أن كل حامل يلحقهم األذى والعناء والمشقة ووالدة المصطفى‬ ‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬األولى‪َّ :‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم لم يلحقها شيء منذ ذلك‪ .‬ثانيا‪ :‬يكون للحامل مخاض يوم الوالدة ولم يكن‬
‫المه ذلك ‪ ،‬ثالثا‪ :‬ولد صلى هللا عليه وسلم مختونا ‪ ،‬رابعا‪ :‬منعت الشياطين من السماء حين ولد‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ثم ينتقل الى نسبه صلى هللا عليه وسلم من جهة الوالد و الوالدة ثم ينتقل‬
‫الى خلقه الكريم وكيف خص باألخالق الطاهرة من رحابة صدره و بشاشة وجهه وكمال عقله‬
‫وسمو نفسه فكان أرقى الناس خلقا وأحسنهم مواصلة مع أنه نشأ أميا ال يعرف القراءة وال‬
‫الكتابة وهو القائل ‪( :‬أدبني ربي فأحسن تأديبي)‪،‬ونالحظ اعتماد الشيخ في خطبه على السجع‬
‫وهذا ليعطي رنة في آذان السامع فيستصيغها‪ ،‬وهذا ملموس في سيرة المعلم األعظم الرسول‬
‫األكرم صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬إن السيرة النبوية اإلسالمية مع ما فيها من أمر عظيم ومجد شامخ‬
‫ومعجزات خارقة ودروس شافعة………‪ ..‬ومن التوجهات التربوية التي ازدانت بها هذه‬
‫الخطبة‪… :‬ما أصعب تربية األبناء في هذه األيام تربية إسالمية صحيحة مع انتشار المالهي‬
‫وكثرة الفتن وأنها لكبيرة إال على يد مربي كبير مخلص ماهر‪ .‬وكان الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم يرعى الغنم ألهل مكة ليرتقي من رعي األغنام إلى رعاية األنام وليمتلئ قلبه رحمة‬
‫وشفقة وحنانا ‪ .‬والرسول صلى هللا عليه وسلم قدوة وهو يعطينا درسا عظيما في فضل العمل‬
‫ويحذرنا البطالة والكسل وما تهوى األنفس ‪ .‬فما أكل احد طعاما قط خير من يأكل من كسب يديه‬
‫وأن نبي هللا داوود عليه السالم كان يأكل من عمل يديه ‪،‬وأن العامل عضو نافع في جسم األمة و‬
‫العاطل عضو أشل‪ .‬ثم مع الشيء من التفصيل ‪:‬خلق الرسول صلى هللا عليه وسلم قبل اإلسالم‬
‫ويعد الرسالة ثم يتوجه الى المسؤولين وحثهم على االقتداء بخلق النبي الكريم في األمانة حتى‬
‫لقب باألمين فحاز بها الثقة و التقدير ‪ ،‬فليعلم أرباب الوظائف أن األمانة هي أول واجباتهم فال‬
‫نجاح لسائر األعمال إال بالصدق‪ ،‬وقال تعالى في الحث على األمانة ( يا أيها الدين آمنوا ال‬
‫تخونوا هللا والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)‪ .‬وفي األخير يدعو الشباب ليتدارس‬
‫بالصبر و الثبات وتحمل األذى و المكروهات حتى ينال ما نال الزعماء والمخلصون فيما مضى‬
‫و ما هو آت ‪ .‬وفقنا هللا لما فيه الخير و السعادة و أصلح هللا أحوال األمة الجزائرية ووحد كلمتها‬
‫وصفوفها وجمع شملها إنه على ذلك قدير و باإلجابة جدير‪ .‬كانت هذه مقتطفات من خطبة ألقاها‬
‫بمناسبة درس في السيرة النبوية الشريفة و أنا أرى أن خطب الشيخ الحاج الطاهر ذات أسلوب‬
‫جذ اب يعتمد إلى األسلوب اإلنشائي الرامي إلى حث المؤمنين على حب الوطن و اإلخالص له‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وهكذا كان الشيخ الحاج الطاهر شمعة تضيء الطريق المستقيم لألجيال ‪ ،‬وكل نفس ذائقة‬
‫الموت‪ ،‬وفي يوم ‪ 06‬جوان ‪ 1979‬يكتب هللا لهذه الشمعة أن تنطفئ عن عمر يناهز ‪ 70‬سنة‪،‬‬
‫تغمد هللا الفقيد برحمته الواسعة واسكنه فسيح جنانه‪ ،‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬وصدق قول القائل‬
‫‪ :‬وكم من ميت تحت الثرى حي وكم من حي فوق الثري ميت‪.‬‬
‫المصدر ‪ :‬ولداه ‪ :‬بلفضل خالد و بلفضل سليمان‬

You might also like