You are on page 1of 16

‫‪ISSN: 1112-9336‬‬ ‫مجلة آفاق علمية‬

‫رقم العدد التسلسلي ‪91‬‬ ‫المجلد‪ 99 :‬العدد‪ 20:‬السنة ‪0291‬‬

‫تاريخ القبول‪9491/40/94:‬‬ ‫تاريخ اإلرسال‪9491/40/91 :‬‬


‫الفيجري والتنصير في الجزائر‪:‬‬
‫ضخامة االمكانيات والجهود وضآلة النتائج والمردود‪.‬‬
‫قرى العرب النصارى أنموذجا‬
‫‪Lavigerie and Christianity in Algeria:‬‬
‫‪The great potentials and efforts, the small results‬‬
‫‪and profitability.‬‬
‫‪Arab Christian villages Model‬‬
‫عبد القادر بوتشيشة ‪Abdelkader BOUTCHICHA‬‬
‫‪a.boutchicha@univ-chlef.dz‬‬
‫جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬قسم العلوم‬
‫اإلنسانية‪.‬‬

‫يعد الفيجري من بين الشخصيات الفرنسية الكبيرة التي نشطت في شمال إفريقيا في‬
‫مجال التنصير الذي بلغ في عهده ذروته حتى لقب بأبو التنصير في الجزائر‬
‫وافريقيا‪ ،‬وعدته الكتابات التاريخية التنصيرية أبرز شخصية دينية طيلة القرن التاسع‬
‫عشر‪.‬‬
‫استغل الفيجري الظروف القاسية التي كان الجزائريون يعيشونها نتيجة المجاعة‬
‫وانتشار األوبئة وجمع عدد من األيتام في مراكز خاصة وعمل على تنشئتهم تنشئة‬
‫نصرانية‪ .‬ولما كبروا كون منهم أس ار وأسكنهم في قريتين بسهل الشلف‪ ،‬بنيت‬
‫خصيصا لهم‪ ،‬عرفت بقرى النصارى العرب‪.‬‬
‫بالرغم من الطرق والوسائل التنصيرية الجديدة التي جاء بها الفيجري واالمكانيات‬
‫التي سخرها لهذا الغرض إال أنه لم يحقق نجاحا يذكر وفشلت تجربة قرى النصارى‬
‫العرب بفضل تماسك نسيج المجتمع الجزائري وحصانته الدينية‪.‬‬

‫‪656‬‬
ISSN: 1112-9336 ‫مجلة آفاق علمية‬
91 ‫رقم العدد التسلسلي‬ 0291 ‫ السنة‬20:‫ العدد‬99 :‫المجلد‬

،‫ العرب النصارى‬،‫ اآلباء البيض‬،‫ التنصير‬،‫ مكماهون‬،‫ الفيجري‬:‫الكلمات المفتاحية‬


.‫ سانت مونيكا‬،‫ سان سيبريان‬،‫القبائل‬
Abstract :
Lavigerie is one of the great French figures who has been active
in North Africa in the field of Christianization, he was named
the Father of Christianity in Algeria and Africa, he was
promised by the historical writings of Christianity and regarded
as the most prominent religious figure throughout the nineteenth
century.
Despite the new missionary methods ways and means of
Christianizing that Lavigerie had brought to this end, he had not
achieved much success and the experience of Arab Christian
villages had failed thanks to the cohesion of the Algerian society
and its religious immunity.
Key words: Lavigerie, McMahon, Christianization, White
fathers, Christian Arabs, the Kabyles, Saint Cyprian, St. Monica.

657
‫‪ISSN: 1112-9336‬‬ ‫مجلة آفاق علمية‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪91‬‬ ‫المجلد‪ 99 :‬العدد‪ 20:‬السنة ‪0291‬‬

‫مقدمة‬
‫لعله أصبح من المسلمات القول بأن التنصير كان من أبرز أهداف االستعمار‬
‫الفرنسي في الجزائر؛ إذا صرح بذلك وأعلنه قادة فرنسا وزعمائها السياسيين‬
‫والعسكريين ومفكريها‪ .‬وبالرغم من أن التنصير كان من ضمن الخطط العسكرية‬
‫والمشاريع الثقافية‪ ،‬واإلستراتيجية التعليمية لإلدارة االستعمارية‪ ،‬إال أن الكنيسة انبرت‬
‫لهذا الهدف وسخرت له إمكانيات كبيرة وأنشأت له مؤسسات تولى إدارتها وتوجيهها‬
‫أشهر وأقدر كهنتها‪.‬‬
‫يعتبر الكاردينال الفيجري من أشهر األساقفة الذين عملوا في هذا المجال‪ ،‬فهو‬
‫مؤسس «جمعية مرسلي إفريقيا» التي عرفت تاريخيا باسم «اآلباء البيض»‪ ،‬وتفرعت‬
‫عن هذه المؤسسة األم فرقة أخرى وهي «األخوات البيض» وشكلت جيشا من‬
‫ِّ‬
‫المنصرين سماه الدكتور أبو القاسم سعد هللا «الجيش األبيض»‪.‬‬
‫استغلت هذه الفرقة الظروف القاسية التي كان يعيشها المجتمع الجزائري في ظل‬
‫االحتالل الفرنسي‪ ،‬لتحاول نشر النصرانية على نطاق واسع خاصة زمن الحروب‬
‫والمجاعات باعتبارها مؤسسة «خيرية» تهدف إلى تخفيف المعاناة عن السكان‪.‬‬
‫من ذلك ما قام به الفيجري خالل مجاعة ‪ 8181‬م من جمع لعدد من األيتام‬
‫ووضعهم داخل مراكز وقرى وتنشئتهم تنشئة نصرانية لغاية تحويلهم في النهاية إلى‬
‫مواطنين فرنسيين‪ .‬تجسد هذا المشروع في قريتي «سان سيبريان» و«سانت مونيكا»‬
‫بنواحي العطاف بسهل الشلف‪.‬‬
‫سنحاول في هذه الورقة البحثية تسليط الضوء على النشاط التنصيري لجمعية‬
‫«مرسلي إفريقيا» وأسلوب عملها في المنطقة وظروف انشاء مراكز األيتام والقرى‬
‫االستيطانية للعرب المنصرين‪ ،‬ومدى نجاح الفيجري وجمعيته في أهدافه التنصيرية‪.‬‬
‫األبعاد الدينية للغزو االستعماري الفرنسي للجزائر‪:‬‬
‫تميزت الحركة االستعمارية الحديثة بتعدد أبعادها وأهدافها وتنوع وسائلها؛ فهي‬
‫اقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية في آن واحد‪ .‬واعتبرت الحركة االستعمارية‪ ،‬في‬

‫‪658‬‬
‫‪ISSN: 1112-9336‬‬ ‫مجلة آفاق علمية‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪91‬‬ ‫المجلد‪ 99 :‬العدد‪ 20:‬السنة ‪0291‬‬

‫البالد العربية خاصة والعالم االسالمي عامة‪ ،‬حلقة من حلقات الصراع بين االسالم‬
‫والنصرانية الذي بدأ مع ظهور االسالم ورفض الكنيسة له‪ .‬فقد بات الدافع الديني‬
‫والهدف التنصيري من أهم دوافع وأهداف االستعمار‪.‬‬
‫ابتداء أن حملتهم على الجزائر محدودة في الزمان والمكان‬
‫ً‬ ‫فالفرنسيون التي أعلنوا‬
‫والهدف‪ ،‬برروها بكونهم سينتقمون لشرفهم المهان وأقنعوا بابا الفاتيكان بأنهم‬
‫«سيرفعون الصليب ويخفضون الهالل في الجزائر فبارك ودعا ربه بالنصر»‪ .1‬كان‬
‫ذلك ضمن جملة من التصريحات لساستهم وقادتهم ومفكريهم كلها تصب في نفس‬
‫السياق‪.‬‬
‫فوزير الحربية في حكومة شارل العاشر وفي تقرير رفعه إلى مجلس الوزراء بتاريخ‬
‫‪ 81‬أكتوبر ‪ 8181‬م‪ ،‬اعتبر أن الفرنسيين سيكونون سعداء لو تمكنوا من «تمدين!»‬
‫سكان الجزائر وتحوليهم إلى النصرانية‪ .2‬والملك نفسه خاطب كل أساقفة فرنسا قائال‬
‫لهم‪« :‬إن مرادنا أن تقيموا صلوات في جميع الكنائس وتطلبوا من هللا أن يحمي الراية‬
‫ويعطينا النصر»‪ .3‬وعندما َّ‬
‫وقع الداي حسين وثيقة االستسالم ودخل الجيش الفرنسي‬
‫مدينة الجزائر؛ أقيمت صالة للنصارى خطب فيها كبير األساقفة الذين رافقوا الحملة‬
‫وتوجه بخطابه إلى قائدها قائال‪« :‬لقد فتحت بابا للمسيحية على شاطئ افريقيا»‪.4‬‬
‫وعندما تمت لهم السيطرة على العاصمة وبقية الحواضر الجزائرية‪ ،‬قرن الفرنسيون‬
‫األقوال باألعمال فوضعوا أيديهم على المؤسسات الدينية وخاصة المساجد‪ ،‬فكان‬
‫مصير جلها الهدم العاجل أو اآلجل أو تحويل بعضها إلى كنائس أو مقار إدارية‬
‫وعسكرية‪.5‬‬
‫إن االستالء على المؤسسات االسالمية كان جزًء من مخطط واسع للقضاء على‬
‫مقومات المجتمع الجزائري تمهيدا لفرنسته وتغريبه؛ واعتبر زعماء فرنسا ومنظري‬
‫السياسة االستعمارية في الجزائر أن فرنسة المجتمع الجزائري مرهون بتنصيره‪ .‬ألجل‬
‫المنصرون على الجزائر‪ ،‬وانتظموا ضمن جمعيات ومؤسسات‪ .‬ولعل من‬ ‫ِّ‬ ‫ذلك تهاطل‬
‫أشهر من نشط في ميدان التنصير بالجزائر الكاردينال الفيجري‪.6‬‬

‫‪659‬‬
‫‪ISSN: 1112-9336‬‬ ‫مجلة آفاق علمية‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪91‬‬ ‫المجلد‪ 99 :‬العدد‪ 20:‬السنة ‪0291‬‬

‫األيتام ضحايا مجاعة ‪ 9681‬م لقمة صائغة للتنصير‪.‬‬


‫في سنة ‪ 8181‬م عرفت الجزائر قحط شديد فأجدبت األرض جراء الجفاف وأسراب‬
‫الجراد التي غزت المناطق الزراعية في الشمال‪ ،‬فانتشرت المجاعة بين السكان‬
‫المسلمين دون األوروبيين‪ 7.‬وزاد في تفاقم أوضاع المسلمين الجزائريين انتشار الوباء‬
‫(الطاعون والتيفوس)؛ خاصة بعد الزلزال الذي ضرب مدينة البليدة‪ ،‬فمات من‬
‫الجزائريين خلق كثير (يزيد عن ‪ 000 000‬نسمة)‪.8‬‬
‫لقد كان عدد الضحايا مرتفعا جدا في أوساط الجزائريين النعدام وسائل الوقاية‬
‫الصحية لديهم‪ ،‬وتدهور أوضاعهم االقتصادية والمعيشية‪ ،‬وعدم اهتمام السلطات‬
‫‪9‬‬
‫االستعمارية بمقاومة الوباء إال في أوساط األوروبيين‬
‫وبالنسبة لالفيجري فإن الكارثة المزدوجة (المجاعة والوباء)‪« ،‬قد غيرت من واقع‬
‫ِّ‬
‫المنصرين آفاقاً جديدة»‪ .‬إذ أن الضحايا الذين حصدهم الجوع‬ ‫الحال وفتحت أمام‬
‫والمرض تركوا خلفهم آالف األيتام‪« 10.‬واُعتبرت المجاعة الكبرى لعام ‪9681‬م‬
‫فرصة من هللا إل زالة العقبات التي تقف أمام أَْنجلة افريقية»‪ .11‬ولكي يبرر سلوك‬
‫الكنيسة في استغالل األوضاع المأسوية للسكان المسلمين وحاجاتهم للخبز والعالج‪،‬‬
‫راح يتهم المسلمين بأنهم تركوا هؤالء األطفال يواجهون قدرهم المحتوم جراء الجوع‬
‫والمرض‪.‬‬
‫جمع الفيجري أطفال المسلمين ضحايا المجاعة والوباء ووضعهم في مراكز لأليتام‪.‬‬
‫كسانت‬ ‫‪12‬‬
‫كان عددها خمسة (في العاصمة وحدها)‪ :‬ثالثة للبنين وأثنين للبنات‬
‫أوجين واألبيار وبن عكنون‪ .‬وأرسل رسائل إلى أوروبا لتق أر في الكنائس؛ فجاءته‬
‫المساعدات والمعونات المالية من كل حدب وصوب (فرنسا‪ ،‬بلجيكا‪ ،‬اسبانيا‪،‬‬
‫بريطانيا وغيرها)‪ ،‬وبعث له البابا ‪ 0000‬فرنك‪ .‬كما طاف القساوسة بمختلف مدن‬
‫الجزائر لجمع المال‪ ،‬وتشكلت لجان لهذا الغرض حتى بلغت قيمة ما جمع من مال‬
‫‪ 000‬ألف فرنك‪(13‬يزيد المبلغ على المليون فرنك حسب البو عبدلي)‪ ،14‬وأرسل له‬

‫‪660‬‬
‫‪ISSN: 1112-9336‬‬ ‫مجلة آفاق علمية‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪91‬‬ ‫المجلد‪ 99 :‬العدد‪ 20:‬السنة ‪0291‬‬

‫الجيش البغال والعربات وعشرات الخيم‪ ،‬وبعض الجنود لغرض الحراسة وأعمال‬
‫التمريض‪.15‬‬
‫لقد كانت الدعاية التي صاحبت التقاط هؤالء األيتام أكبر من العمل في حد ذاته‪،‬‬
‫فمات عدد كبير من األطفال وهم في مراكز األيتام إذا كانوا يموتون بمعدل عشرة أو‬
‫خمسة عشر‪ .16‬فمات ‪ -‬حسب بونار ‪ 000 -‬يتيم‪ ،‬وعاد إلى ذويه ‪ 000‬منهم وبقي‬
‫منهم ألف طفل في مركز اليتيمات الذي أنشأ في القبة‪ ،‬وفي بن عكنون والدار‬
‫المربعة (الحراش) بالنسبة للذكور منهم‪ .17‬وكان الفيجري قد اشترى مساحات من‬
‫األراضي بضواحي العاصمة‪ ،‬وأقام بها مستثمرات فالحية‪ .‬وهكذا كان الحال لجل‬
‫بينما قلة منهم‬ ‫‪18‬‬
‫األيتام الذين جمعهم الفيجري‪ ،‬حيث وجهوا لالشتغال في الفالحة‪.‬‬
‫من امتهن حرفة غير الزراعة؛ فخمسة منهم أصبحوا أطباء وبعضهم انتسب إلى‬
‫ِّ‬
‫(منصرين)‪.19‬‬ ‫السلك الكنسي وأصبح ثالثة منهم إرساليين‬
‫بعد أن انزاحت غمة المجاعة والوباء عن الجزائر‪ ،‬وقع خالف حول مصير األيتام‪.‬‬
‫كان مخطط الفيجري هو تنصيرهم واإلبقاء عليهم عنده‪ ،‬بينما طالب أقاربهم‬
‫باستعادتهم‪ ،‬وكذلك الحاكم العام «مكماهون» ألنه كان يخشى ردة فعل «األهالي»‬
‫تجاه تنصير أبنائهم واندفاع الفيجري بقوة في هذا االتجاه‪ .‬وتم تبادل الرسائل بين‬
‫الطرفين من جهة‪ ،‬وبين كل طرف والسلطات المدنية والعسكرية في باريس‪ .‬وكعادته‬

‫هاجم الفيجري اإلسالم والقرآن واعتبرهما عائق في طريق «تمدين» ْ‬


‫وفرَنسة‬
‫«األهالي»‪ ،‬كما انتقد إدارة الحكم العسكري في الجزائر ومشروع «المملكة العربية»‪.‬‬
‫وتقاطعت مشاريع وخطط الفيجري مع مصالح المعمرين‪ .‬وطالب بإطالق يد الكنيسة‬
‫مستندا على تأييد اإلمبراطور نابليون الثالث والرأي العام‬ ‫‪20‬‬
‫الكاثوليكية في الجزائر‬
‫‪21‬‬
‫الفرنسي‪.‬‬
‫لم يعبأ الفيجري بمعارضة السلطات العسكرية في الجزائر‪ ،‬وأصر باالحتفاظ‬
‫باألطفال واعتبرهم ملكا له ألنه كان يرى أنه هو من افتكهم من براثن الموت المحتم‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫وقال إن القوة وحدها هي التي تنتزعهم منه‪.‬‬

‫‪661‬‬
‫‪ISSN: 1112-9336‬‬ ‫مجلة آفاق علمية‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪91‬‬ ‫المجلد‪ 99 :‬العدد‪ 20:‬السنة ‪0291‬‬

‫كانت المجموعة الجزائرية األولى التي حاولت الكنيسة تربيتها برعاية الفيجري تتركب‬
‫من ‪ 01‬يتيما أنتقوا بعناية اُختبرت فيها قدراتهم الذهنية‪ .‬وقد تطور ذلك العدد سنة‬
‫‪ 8111‬إلى ‪ 88‬فردا‪ ،‬حيث استمر تعليمهم قرابة خمس سنوات من ‪ 8181‬إلى‬
‫‪8111‬م‪ .‬ثم في مرحلة الحقة قررت الكنيسة ترحيلهم إلى فرنسا إلطالعهم على‬
‫المجتمع المسيحي الحقيقي وهناك جرى تعميدهم‪ .‬عانت مجموعة التجربة األولى من‬
‫الغربة جراء االجتثاث من واقعها‪ ،‬فعبر جمع منهم عن رغبة في العودة للجزائر‪،‬‬
‫فكان الحدث فشال مبك ار للكنيسة‪.23‬‬
‫قرى العرب النصارى‪.‬‬
‫المنصرين من المسلمين مشكلة تزداد تفاقما مع مرور الوقت‪،‬‬
‫أصبح مصير األيتام و َّ‬
‫فاألطفال لم يعودوا أطفاال‪ ،‬وذويهم لم يتوقفوا عن المطالبة باسترجاعهم‪ ،‬واإلدارة‬
‫تضغط من جهتها حفاظا على وضع التهدئة والسلم االجتماعي‪ .‬ومنذ البداية كان‬
‫الفيجري يدرك أن مراكز اإليواء ليست حال دائما؛ وأنه ال بد من التفكير في مستقبل‬
‫ساكنيها من األيتام‪ ،‬كما كان يرى ضرورة تأمين مصدر دخل قار يغطي مختلف‬
‫المصاريف المتعلقة باألنشطة التنصيرية وعليه تأمين مستقبل هؤالء األيتام‪.24‬‬
‫وبعد أن حسم الفيجري المعركة مع معارضيه ‪ -‬وخاصة مكماهون‪ -‬لصالحه؛ قرر‬
‫الفيجري إنشاء قرى فالحية «للعرب النصارى» الذين كان أغلبهم من منطقة‬
‫بغرض عزلهم عن محيطهم الطبيعي فاشترى ما يزيد عن ‪ 8000‬هكتار‬ ‫‪25‬‬
‫القبائل؛‬
‫من األراضي في منطقة العطاف بسهل الشلف لهذا الغرض‪.26‬‬
‫وشيد الفيجري قرية «سان سيبريان» تخليداً ألسقف قرطاجة السابق الذي يعتبره‬
‫الكاثوليك أشهر «شهداء» النصرانية في إفريقية‪ ،27‬وحضر بنفسه حفل التدشين الذي‬
‫كان في ‪ 80‬مارس ‪ 8110‬م وأقامت بها مجموعة مكونة من ‪ 88‬أسرة بعد ما زوج‬
‫وكان قد‬ ‫‪28‬‬
‫اليتامى الذين بلغوا سن الرشد من اليتيمات اللواتي بلغن سن الزواج‬
‫استقدمهم عبر القطار من مالجئ األيتام بالعاصمة‪ ،‬خاصة من ملجأ سان شارل‬
‫(القبة) والدار المربعة (الحراش)‪.29‬‬

‫‪662‬‬
‫‪ISSN: 1112-9336‬‬ ‫مجلة آفاق علمية‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪91‬‬ ‫المجلد‪ 99 :‬العدد‪ 20:‬السنة ‪0291‬‬

‫منح لكل أسرة من العرب النصارى ‪ 80‬هكتا اًر من األراضي الصالحة للزارعة ومنزالً‬
‫يتألف من غرفتين أو ثالث غرف‪ ،‬كما منح لكل أسرة مقدما من النقود وبعض العتاد‬
‫والمواد الزراعية والحيوانات‪ .‬أما بالنسبة لألرض فقد كانت على سبيل اإليجار وبسعر‬
‫ِّ‬
‫للمنصرين‪.30‬‬ ‫رمزي‪ ،‬وبذلك ظلت األراضي ملكا للكنيسة‪ ،‬وظل الفالحون في تبعية‬
‫ثم أسس الفيجري القرية الثانية بعد األولى بقليل‪ ،‬وسماها "سانت مونيك" تخليداً ألم‬
‫القديس أوغستين‪ ،‬وتكونت القرية من ‪ 81‬أسرة‪ .‬ومن ضمن العائالت‪ ،‬نجد عائالت‬
‫«فرانسوا بن عيسى» و «جان الشريف» الذين كانوا يعيشون أوالً في سانت أوجين‪.31‬‬
‫وأقامت "األخوات البيض" في القرية واعتنين بالتعليم والتطبيب‪ ،‬ورعاية الرضع في‬
‫الوقت الذي كانت أمهاتهن تشتغلن في الحقول‪ .‬وفي سنة ‪ 8118‬أنشأ الفيجري‬
‫مستشفى «سانت ايليزابيت» بالقرب من القريتين‪ ،‬وسماه بيت هللا (‪.32)Bit Allah‬‬
‫منهم قنصل بريطانيا الذي أبدى إعجابه‬ ‫‪33‬‬
‫شيده بحضور شخصيات مدنية وعسكرية‬
‫بالفيجري إلى درجة تشبيهه بالقديس «أوغستين» قائال‪« :‬لقد رأينا القديس‬
‫‪34‬‬
‫أوغستين»‪.‬‬
‫المرتدون‪ :‬حكم المجتمع الجزائري على العرب المتنصرين‪.‬‬
‫عندما بدأ الفيجري نشاطه التنصيري في الجزائر كان يحذوه أمل كبير في أن يدخل‬
‫الناس في دينه أفواجا‪ ،‬وكان من البداية يدرك مدى تأثير المجتمع على الفرد في‬
‫الجزائر‪ ،‬لذلك حاول تطبيق استراتيجية التنصير الجماعي وركز على منطقة القبائل‬
‫لألسباب التي ذكرناها سابقا‪ ،‬ولكن نظام الجماعة (تاجماعت) أفشل خطته ولم‬
‫صر الذين أضناهم اليتم والجوع‬
‫الق َّ‬
‫يتنصر من البالغين إال عددا محدودا‪ .‬فاتجه إلى ُ‬
‫والفاقة وأصبحوا بال معيل‪ ،‬ألنهم كانوا بمثابة العجينة التي يسهل تشكيلها‪ ،‬ومن هذه‬
‫ِّ‬
‫المتنصرين‪ .‬لقد كان الفيجري يرى في هؤالء الشبان الجزائريين‬ ‫الفئة كان العرب‬
‫‪35‬‬
‫الطليعة النصرانية «ألنجلة» كل القارة ونواة الكنيسة اإلفريقية الجديدة‪.‬‬

‫‪663‬‬
‫‪ISSN: 1112-9336‬‬ ‫مجلة آفاق علمية‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪91‬‬ ‫المجلد‪ 99 :‬العدد‪ 20:‬السنة ‪0291‬‬

‫فرض الفيجري على العرب النصارى عزلة شبه تامة‪ ،‬فمنعهم من االختالط‬
‫باألوروبيين خوفا من تأثرهم بع اداتهم السيئة‪ ،‬ومنعهم من االتصال بالمسلمين من‬
‫األهالي خشية أن يعيدوهم إلى ملتهم األولى (اإلسالم)‪.‬‬
‫والواقع أن المجتمع الجزائري نبذ المتنصرين وقاطعهم‪ ،‬فاألفراد القالئل الذين تنصروا‬
‫ولفظوا من المجتمع كما يلفظ الجسم الغريب‪،‬‬ ‫‪36‬‬
‫في منطقة القبائل طردوا من قراهم‬
‫ِّ‬
‫المتنصرة التي استقرت في قريتي «سان سيبريان»‬ ‫وكذلك الحال بالنسبة لألسر‬
‫و«سانت مونيكا»‪.‬‬
‫ورِّني» (‪)M’tourni‬‬
‫طْ‬ ‫أطلق المجتمع الجزائري على من تنصر من العرب لفظ‪ْ « :‬‬
‫ام ُ‬
‫ورِّني)‪ ،‬واللفظة كما هو‬
‫طْ‬‫وهي كلمة مركبة من مقطعين‪ ،M( :‬م) و(‪ُ ،tourni37‬‬
‫واضح مزيج بين الفرنسية والعربية‪ ،‬ومنذ تلك األيام أصبحت الكلمة متداولة في‬
‫العامية الجزائرية ‪-‬والزالت‪ -‬كما أنها أصبحت تستعمل في اللغة الفرنسية ولغات‬
‫أوروبية أخرى‪.‬‬
‫ورني‪ )M’tourni ،‬هو عند البعض تحريف في النطق عند الجزائريين‬ ‫ط ْ ِّ‬
‫(ام ُ‬
‫واللفظ ْ‬
‫للعبارة الفرنسية (‪ .38)mal-tourné‬وبالرغم من أن األكاديمية الفرنسية لم تعتمد هذا‬
‫الملفوظ إال أنه أصبح شائع االستعمال عند الفرنسيين في مؤلفاتهم وكتاباتهم‬
‫ويستعمل كشتيمة وسباب لمن ينعت به وهو يعني‪ :‬المرتد (‪ ،)renégat‬أي الذي‬
‫تخلى عن االسالم واعتنق النصرانية‪ .‬ثم شمل معناها أيضا‪ -‬في صيغة الجمع ‪-‬‬
‫الذين تجنسوا بالجنسية الفرنسية حتى ولو لم يتنصروا‪ .39‬في حين نجد «بوتيي»‬
‫يترجمها حرفيا بالذين «قلبوا معاطفهم» ( ‪ceux qui ont retourné leur‬‬
‫ُّ‬
‫التجنس أو اعتد بعوائد‬ ‫‪ .40)vestes‬بل وصل الحد إلى اعتبار كل من فكر في‬
‫الفرنسيين من المرتدين (‪.41)les M’touris‬‬
‫ورني» (‪ )M’tourni‬تعني المرتد‪ ،‬وأن‬ ‫ط ْ ِّ‬
‫ام ُ‬
‫وهكذا فإنه يوجد إجماع على أن لفظ « ْ‬
‫أول من أطلقها هم مسلمو الجزائر اثناء االحتالل الفرنسي‪ ،‬وهي‪ -‬في نظرنا ‪-‬‬
‫ورني») أي ِّار َّتد‪ُ ،‬مر ٌّتد‪.‬‬
‫طْ‬‫طورني‪ْ ،‬م ُ‬
‫نحتت على صيغة اسم الفعل‪ :‬تحول‪ُ ،‬متحول (« ُ‬

‫‪664‬‬
‫‪ISSN: 1112-9336‬‬ ‫مجلة آفاق علمية‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪91‬‬ ‫المجلد‪ 99 :‬العدد‪ 20:‬السنة ‪0291‬‬

‫لقد كان لهذه الكلمة‪ /‬الشتيمة مفعولها السحري في المجتمع الجزائري‪ ،‬وكانت بمثابة‬
‫ُّ‬
‫التجنس‪ ،‬بل‬ ‫التنصر أو‬
‫ُّ‬ ‫الدعاية المضادة للتنصير في أوساط القلة الذين فكروا في‬
‫وصل الحد إلى أن كثي ار من المغتربين الجزائريين المخضرمين (الذين عاصروا فترتي‬
‫ُّ‬
‫التجنس‬ ‫االستعمار واالستقالل) آثروا التضحية بحقوقهم المهنية في فرنسا على قبول‬
‫بالجنسية الفرنسية‪.42‬‬
‫كان الفيجري يزمع أن يقيم قرى أخرى للعرب النصارى‪ ،‬لكن الحكومة الفرنسية‬
‫سحبت االعتمادات المالية التي كانت خصصتها للمشروع‪ ،‬وكان وراء هذا السحب‬
‫الذي انقلب على صديقه الفيجري واتهمه بتحويل األموال المعتمدة‬ ‫‪43‬‬
‫النائب «وارني»‬
‫لجيبه الخاص‪ ،‬وانه لم ينفق منها على األيتام إال القليل‪ .‬كما اقترح أن يوزع العرب‬
‫المتنصرين على العائالت األوروبية ليعملوا كخدم في البيوت‪.44‬‬
‫المتنصرين عزلة مضاعفة‪ُ ،‬فنبذوا من طرف المجتمع الجزائري‬ ‫ِّ‬ ‫لقد عان العرب‬
‫واُحتقروا من قبل األوروبيين‪ .‬ولم يتغير وضعهم القانوني رسميا‪ ،‬فلم يحصلوا على‬
‫وعدوا من الوجهة الرسمية رعايا فرنسيون مثلهم مثل «األهالي»؛ فالتحول‬
‫المواطنة ُ‬
‫ُّ‬
‫التجنس‪ .‬ذلك ألن اإلدارة‬ ‫(إلى النصرانية) ‪ -‬في نظر المشرع الفرنسي‪ -‬ال يعادل‬
‫االستعمارية كانت تريد اإلبقاء على هيمنة العنصر الفرنسي (ذو األصل‬
‫األوروبي)‪.45‬‬
‫لقد واجه مشروع قرى المتنصرين صعوبات جمة ومعارضة من طرف الساسة‬
‫الفرنسيين أرغم الفيجري على التخلي عن مشروع إنشاء قرى مسيحية أخرى‪ .‬وتوزع‬
‫ِّ‬
‫المتنصرين في البالد‪ ،‬وتوظفوا في مختلف القطاعات‪ .‬ولم يبق‪ -‬حسب‬ ‫العرب‬
‫«بونس»‪ -‬إال ‪ 800‬نسمة تقريبا في القريتين السابقتين (في حدود سنة ‪8100‬م)‪،‬‬
‫ولم يتقبل الفيجري فشله بصدر رحب واتهم معارضيه بالكفر وسوء النية‪ .46‬وهكذا‬
‫فإن القرى المسيحية مثلت خيبة أمل ولم يكن لها أي أثر على المجتمع االسالمي‪.47‬‬

‫‪665‬‬
‫‪ISSN: 1112-9336‬‬ ‫مجلة آفاق علمية‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪91‬‬ ‫المجلد‪ 99 :‬العدد‪ 20:‬السنة ‪0291‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫سعينا من خالل هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على الجهود المضنية التي‬
‫بذلها الكاردينال الفيجري واإلمكانيات التي جندها من أجل تنصير المجتمع الجزائري‬
‫مرك از بالدرجة األولى على منطقة القبائل وعلى األيتام المسلمين ضحايا المجاعة‬
‫واألوبئة‪ .‬ويكمن أن نلخص نتائج هذا البحث في النقاط التالية‪:‬‬
‫اعتبار الفيجري شخصية محورية بارزة في مجال التنصير‪ ،‬وقد يعادل في نشاطه‬
‫ِّ‬
‫المنصرين‪ ،‬فقد تميز بتكوينه العالي في المجال الكنسي‪،‬‬ ‫بضعة رجال من كبار‬
‫والصبر والمثابرة وعلو الهمة وروح التضحية‪ ،‬وكان متحمسا‪ ،‬مندفعا لدرجة‬
‫التعصب‪ ،‬طموحه غير محدود‪ ،‬كما كان ميكيافيليا‪ ،‬صلبا ومتسلطا كما عبر عن‬
‫ذلك أحد «اآلباء البيض» (جون كلود سيليي)‪.48‬‬
‫قامت استراتيجية الفيجري على محاولة اختراق النسيج االجتماعي المتماسك للمجتمع‬
‫الجزائري وزرع بذور التفرقة بين أفراده خاصة بين البربر والعرب‪.‬‬
‫وظف الفيجرى األعمال االنسانية‪« -‬أعمال البر واإلحسان» ‪ -‬لغايات غير إنسانية؛‬
‫فقد استغل الفقر والجوع واليتم والحاجة إلى التعليم والتطبيب لغرض الدعوة إلى‬
‫النصرانية‪ ،‬مع أنها كانت محرمة من الوجهة القانونية‪ .‬وهو األمر الذي احتج به‬
‫ماكماهون في خالفه معه‪.‬‬
‫إن جل الذين تنصروا أو ن ِّ‬
‫صروا‪ ،‬على قلتهم‪ ،‬كانوا من األيتام اليافعين الذين لم‬ ‫ُ‬
‫يكونوا قد بلغوا سن التمييز (الرشد)‪ .‬وهذا العمل يعتبر مخالفة قانونية وتصرف ال‬
‫اخالقي وال انساني‪.‬‬
‫يمكن القول بأن الفيجرى فشل في مسعاها التنصيري ‪-‬على األقل في المدى‬
‫القريب‪ -‬ألن عدد الذين اعتنقوا الكاثوليكية بقي محدودا جدا‪ ،‬ويمكن ايعاز هذا الفشل‬
‫إلى‪:‬‬
‫‪ -‬قوة تماسك المجتمع الجزائر المسلم وقوة ايمانه وعقيدته كما عبر عن ذلك مؤلفا‬
‫كتاب‪« :‬منطقة القبائل وعادات القبائل» «فالفرد مرتبط باألسرة واألسرة مرتبطة‬

‫‪666‬‬
‫‪ISSN: 1112-9336‬‬ ‫مجلة آفاق علمية‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪91‬‬ ‫المجلد‪ 99 :‬العدد‪ 20:‬السنة ‪0291‬‬

‫بالخروبة والخروبة بالقرية والقرية بالقبيلة»‪.49‬هذا التضامن الذي يربط الفرد بالعائلة‪،‬‬
‫فالتنظيم العائلي واالجتماعي لهؤالء السكان لم يسمح بتنصيرهم‪.50‬‬
‫‪ -‬صعوبة الدعوة لعقيدة جديدة في مجتمع متدين ومؤمن وليس كاف ار (كما كان يردد‬
‫ِّ‬
‫المتنصر‪ ،‬فالمسلمون يؤمنون‬ ‫ِّ‬
‫المنصرون)‪ ،‬فما الذي كانت ستقدمه الكنيسة للمسلم‬
‫أصال برسالة عيسى عليه السالم‪ .‬كما أن الدعوة إلى النصرانية في نظر عامة‬
‫ِّ‬ ‫المسلمين وخاصتهم هي دعوة إلى الشرك والكفر‪َّ :‬‬
‫هلل ُه َو‬ ‫ِّ‬ ‫﴿لَق ْد َك َفَر اََّلذ َ‬
‫ين َقاُلوْا إ َّن ْا َ‬
‫يح اَْب ُن َمْرَي ْم ‪ .51﴾...‬فقد يكون من السهل انتشار النصرانية في مجتمع وثني‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫اَْل َمس ُ‬
‫ولكنه من الصعب اقناع شخص مسلم بالتخلي عن عقيدة التوحيد العتناق عقيدة‬
‫هللا َثالِّ ُث َثالَ َثةٍ‪ .52﴾...‬بل بالعكس كان المسلمون‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫التثليث‪َ﴿ :‬لَق ْد َك َفَر َّالذ َ‬
‫ين َقاُلوْا إ َّن َ‬
‫ِّ‬
‫المنصرون‪.‬‬ ‫يأملون في أن ُيسلِّم هؤالء‬
‫‪ -‬كان الفيجري بفرقه ومؤسساته ومخططاته يمثل رافدا من روافد االستعمار‪،‬‬
‫فالتنصير في نظره أفضل وسيلة لإلدماج والفرنسة؛ والمجتمع الجزائري رفض‬
‫االستعمار جملة وتفصيال‪.‬‬
‫ِّ‬
‫المنصرين ‪-‬وعلى رأسهم الفيجري‪ -‬كان مطلقا؛‬ ‫ومع ذلك فال يمكن القول أن فشل‬
‫«فبالنسبة للتنصير لم يتمكن من أن يتعدى اليتامى واليتيمات في المالجئ التي‬
‫أقاموها لهم‪ .‬أما بالنسبة لنظامهم التعليمي‪ ،‬فلم يعرف الرواج الذي كانوا يأملون‬
‫بلوغه‪ ،‬غير أنه‪ ،‬وهذا هو المهم‪ ،‬صمد في البقاء في منطقة القبائل وتحصن‬
‫‪53‬‬
‫هناك‪ ،‬تمهيدا الزدهاره في المراحل الالحقة»‪.‬‬
‫وبالفعل فإن األثر الذي تركه التعليم‪ -‬الذي أشرف عليه «اآلباء واألخوات البيض»‬
‫‪ -‬في نفوس الذين درسوا في مدارسهم كان كبي ار على المدى البعيد‪ ،‬صحيح أنهم لم‬
‫يتنصروا ولم يتجن سوا؛ ولكنهم تفرنسوا وأصبحوا من أكبر المدافعين عن الثقافة‬
‫الفرنسية‪ ،‬وشكلوا ‪-‬مع من تخرجوا من المدارس العمومية الفرنسية ‪ -‬نخبة تصدرت‬
‫المشهد السياسي والثقافي في الجزائر‪.‬‬

‫‪667‬‬
ISSN: 1112-9336 ‫مجلة آفاق علمية‬
91 ‫رقم العدد التسلسلي‬ 0291 ‫ السنة‬20:‫ العدد‬99 :‫المجلد‬

،8 ‫ ط‬،8‫ ج‬،)8100-8100( ‫ الحركة الوطنية الجزائرية‬،‫ أبو القاسم سعد هللا‬- 1


.88 ‫ ص‬،8118 ،‫ بيروت‬،‫دار الغرب اإلسالمي‬
،8 ‫ ط‬،8188 ‫ التاريخ السياسي للجزائر من البداية والى غاية‬،‫ عمار بوحوش‬- 2
.18 ‫ ص‬،8111 ،‫ بيروت‬،‫دار الغرب اإلسالمي‬
،‫ دار دحلب‬،8118 - 8100 ‫ الحركة التبشيرية في الجزائر‬،‫خديجة بقطاش‬- 3
.81 ‫ ص‬،8001 ،‫الجزائر‬
.800 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬،‫ بوحوش‬- 4
:‫ لمزيد من التفاصيل عن هذه المسألة انظر‬- 5
.11 - 10 ‫ ص‬،‫ المرجع نفسه‬،‫ سعد هللا‬-
‫ أسقف‬،‫ رجل دين فرنسي ولد في بايون‬،)8118-8180( :‫ شارل لفيجري‬-6
‫ أسس‬.8118 ‫ رقي إلى رتبة كاردينال سنة‬،)8111( ‫) وقرطاج‬8188( ‫الجزائر‬
:‫ انظر‬.8181 ‫جمعية اآلباء البيض سنة‬
Georges Lucas et al., Petit Larousse en couleurs, librairie
Larousse, édition 1986, paris, septembre1985, p. 1550.
7 - Baunard, Louis, Le Cardinal Lavigerie, T1, Librairie cn.
Poussielgue, Paris, 1896, p. 199.
‫ االحتالل الفرنسي للجزائر ومقاومة الشعب في الميدان‬،‫ المهدي البوعبدلي‬- 8
.088 ‫ ص‬،8118 ‫ جوان‬،01 ‫ ع‬،‫ مجلة األصالة‬،‫الروحي‬
9 - Aylward shorter, les pères blancs au temps de la conquête
coloniale : Histoire des Missionnaires d’Afrique (1892 -
1914), tr. Gérard Guiraudin, Ed. Karthala, Paris, 2011, p.
191.
10 - Lavigerie, Lettre de Mgr l'archevêque d'Alger ... op.cit, p. 7.
11 - Félix Klein (l’Abbé), Le Cardinal Lavigerie et ses œuvres
d'Afrique, Alfred Mame et fils, Editeurs, tours, 1897, p. 124.
12 - Lavigerie, Anthologie de textes, Volume I (1857-1874),
Textes recueillis et présentés par Jean-Claude Ceillier,
Rome, 2016, p. 42.

668
ISSN: 1112-9336 ‫مجلة آفاق علمية‬
91 ‫رقم العدد التسلسلي‬ 0291 ‫ السنة‬20:‫ العدد‬99 :‫المجلد‬

،8111 ،8 ‫ ط‬،‫ دار الغرب االسالمي‬،8 ‫ ج‬،‫ تاريخ الجزائر الثقافي‬،‫ سعد هللا‬13
.880 ‫ص‬
.‫ المرجع السابق‬،‫ البوعبدلي‬- 14
15 - Tournier, Jules (Chne). Le Cardinal Lavigerie et son action
politique (1863-1892), d'après des documents nouveaux et
inédits, thèse pour le doctorat ès lettres présentée à la faculté
des lettres de l'Université de Paris par J. Tournier. 1913. P.
23
.881 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬،‫ تاريخ الجزائر الثقافي‬،‫ سعد هللا‬- 16
17 - Klein, op.cit, p. 59.
18 - Alexandre Pons (Mgr), La nouvelle église d’Afrique : ou,
Le catholicisme en Algérie, en Tunisie et au Maroc depuis
1830, librairie Louis Namura, Tunis, 1930, p. 311
19 - Pons, loc. cit.
20 - Antoine Ricard, Le cardinal Lavigerie, primat d'Afrique,
archevêque de Carthage et d'Alger, J. Lefort imprimeur
éditeur, Paris, 1892, p. 88,131.
21 - Aylward, loc. cit.
22 - Klein, op.cit, p.96.
،110 ‫ ع‬،‫ الحوار المتمدن‬،‫ المسيحية في المغرب العربي‬،‫ عز الدين عناية‬- 23
:‫اإللكتروني‬ ‫الموقع‬ ‫من‬ .8080 ‫أوت‬ 80
:‫ تاريخ المعاينة‬http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=480259&r=0
88:01:10 8081-88-81
24 - Baunard, op.cit, p. 392-393.
‫ كما صرح بذلك الفيجري في رسالة بعثها إلى النائب عن الجزائر في البرلمان‬- 25
‫ لالطالع على نص الرسالة‬.8111 ‫ أوت‬88 ‫الفرنسي السيد «وارني» بتاريخ‬
:‫انظر‬
Lettre de Mgr l'archevêque d'Alger (Lavigerie) à M. Warnier
…:
http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k5789828h/f2.image.r=le

669
ISSN: 1112-9336 ‫مجلة آفاق علمية‬
91 ‫رقم العدد التسلسلي‬ 0291 ‫ السنة‬20:‫ العدد‬99 :‫المجلد‬

s%20villages%20arabes%20chr%C3%A9tiens. Consulté le
vendredi 8 septembre 2017.
26 - Marcel Emerit, le problème de la conversion des
musulmans d'Algérie sous le Second Empire, Revue
historique, janvier mars 1960, p. 83.
27 - Klein, op.cit, p. 100.
28 - Pons, loc. cit.
29 - Ibid., p. 413 - 416.
‫ األسقف الفيجري ونشاطه التبشيري في وادي الشلف‬،‫ أبو عمران الشيخ‬30
.80 -00 ‫ ص‬،8110 ‫ السنة‬،11-10 ‫ ع‬،‫ مجلة األصالة‬،‫م‬8118 -8181
31 - Klein, op.cit, p. 100.
32 - Pons, loc. cit.
.‫ المرجع السابق‬،‫ أبو عمران‬-33
34 - Klein, op.cit, p. 119.
35 - Aylward, loc. cit.
8101 ‫ إلى‬8100 ‫ التعليم التبشيري في الجزائر من‬،‫ وعلي محمد الطاهر‬- 36
،‫ جامعة الجزائر‬،‫ رسالة ماجستير في علوم التربية‬،‫دراسة تاريخية تحليلية‬
.811 ‫ ص‬،8111- 8111
‫ تغيير‬،‫ الدوران‬:‫) والتي تعني فيما تعنيه‬tourner( ‫ من المفردة الفرنسية‬- 37
:‫ انظر‬...‫ االنعطاف‬،‫االتجاه‬
Lucas et al., op.cit, p. 932.
38 - le coup de bambou, 2éme année, n° 52, jeudi 11 octobre
1934, p. 1.
39 - Joseph Zentar, les M’touris, L'Effort algérien, 1ere année,
n°31, Samedi 3 Décembre 1927.
40 - Pottier, op.cit, p. 74.
41 - Gadant Monique, les femmes algériennes, quel enjeu ? in :
Journal des anthropologues, n°63, Hiver 1995-1996, enjeux
du religieux, pp. 67-71.
42 - Salima Bouyarden, Intériorisation - Internalisation : les
mécanismes de l'émergence d'une identité musulmane

670
ISSN: 1112-9336 ‫مجلة آفاق علمية‬
91 ‫رقم العدد التسلسلي‬ 0291 ‫ السنة‬20:‫ العدد‬99 :‫المجلد‬

européenne, thèse de doctorat présentée à l’université de


Strasbourg le 11 septembre 2013, pp. 104-106.
.)8110 -8180( )Auguste Hubert Warnier( ‫ أوغيست هيبير وارني‬- 43
.‫ انتخب نائبا عن الجزائر‬.‫ تبنى الفكر السان سيموني‬.‫طبيب ورجل دولة فرنسي‬
‫كان عارفا للغة العربية درس عادات وتقليد المجتمع الجزائري ورسم خريطة‬
‫ اشتهر بقانون تنظيم األراضي الذي استحوذ به‬.‫لمواطن مختلف القبائل‬
:‫المستعمر على ما تبقى من ملكية الجزائريين ألراضيهم انظر‬
- Faucon Narcisse, Le livre d'Or de l'Algérie, Challamel et Cie
Éditeurs, Librairie Algérienne et Coloniale, Paris, 1889,
pp.631-638.
44 - Klein, op.cit, p. 103.
45 - Laure Blévis, La citoyenneté française au miroir de la
colonisation : étude des demandes de naturalisation des «
sujets français » en Algérie coloniale, Genèses, 2003/4, n°53,
pp. 25-47.
.‫ مرجع سابق‬،‫ البوعبدلي‬- 46
47 - Aylward, loc. cit. p.191
48 - Delisle Philippe, Jean-Claude Cellier, Histoire des
Missionnaires d'Afrique (Pères Blancs) : De la fondation par
Mgr Lavigerie à la mort du fondateur (1868-1892). In :
Outre-mers, tome 97, n°368-369, 2e semestre 2010.
Cinquante ans d'indépendances africaines. pp. 442-444.
49 -A. Hanoteau, A. Letourneux, la Kabylie et les coutumes
kabyles, 2eme édition, T1, Augustin Challamel éditeur, Paris,
1893, pp. 281-282.
.881 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬،‫ تاريخ الجزائر الثقافي‬،‫ سعد هللا‬- 50
.81 :‫ اآلية‬،‫ المائدة‬،‫ القرآن الكريم‬- 51
.10 :‫ اآلية‬،‫ المائدة‬،‫ القرآن الكريم‬- 52
.818 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬،‫ وعلي محمد الطاهر‬- 53

671

You might also like