You are on page 1of 2

‫تأسست‬

‫الس ياق التاريخي لنشأتها‪ ،‬وهي التي ّ‬


‫بأنها دول ةٌ عسكريةٌ جهادية وفق ّ‬
‫المؤرخون طبيعة الدولة العثمانية ّ‬
‫ّ‬ ‫عرف‬
‫ّ‬
‫تأسست‬
‫الص ين إلى تركستان في حدود سنة ‪1220‬م‪ ،‬وقد ّ‬ ‫خضم الرعب من المغول وجحافل جنكيز خان من شمال ّ‬ ‫ِّ‬ ‫في‬
‫ه ذه الدول ة بواس طة قبيل ة ال َك ايِي‪ ،‬وال تي تتك ّون من ‪ 400‬خيم ة وبتع داد ‪ 4000‬نس مة‪ ،‬على ي د عثم ان بن أرطغ رل بن‬
‫سليمان شاه‪ ،‬الذي إليه ُنسبت الدولة العثمانية‪.‬‬

‫تمر أك ثر من ‪ 06‬ق رون‪ ،‬من س نة ‪1299‬م كإم ار ٍة إلى س نة ‪1924‬م كخالف ة‪ ،‬وال يط ول‬‫أن عم ر الخالف ة العثماني ة اس ّ‬
‫‪ّ ‬‬
‫عم ر دول ٍة إال بحض ار ٍة وع دل‪ .‬وه و م ا جع ل ال دكتور “محم د ح رب” يق ول‪“ :‬العثم انيون مس احةٌ مبارك ةٌ من زمن‬
‫بالس مو في ت اريخ الع الم‪ ،‬جاه دوا واجته دوا‪ ،‬أص ابوا كث ًيرا ولهم‬
‫رحب في حض ارة البش ر‪ ،‬اتّس موا ُّ‬
‫ٌ‬ ‫زء‬
‫المس لمين‪ ،‬وج ٌ‬
‫كل هذه المعاداة للعثمانيين في بالد المسلمين؟”‪ .‬وال تزال‬ ‫عزة‪ِ ،‬فلم ُّ‬
‫فخرا وللمسلمين ّ‬
‫َ‬ ‫لكنهم أضافوا لإلنسانية ً‬
‫أخطاؤهم‪ّ ،‬‬
‫قض ية التح اق الجزائ ر بالخالف ة العثماني ة س نة ‪1516‬م وال تي امت ّدت إلى س نة ‪1830‬م تث ير ج دالً ح ول س يادتها وم دى‬
‫ٍ‬
‫كدولة حديثة‪ .‬ومن يقرأ ما يكتبه أصحاب‬ ‫استقالليتها في ذلك العهد‪ ،‬ومدى انعكاس ذلك على الوجود المستق ّل للجزائر‬
‫أن جي وش األت راك قد غ َزت الدول ة الجزائري ة القائم ة الموحَّدة‪ ،‬واحتلّت‬
‫خي ل إلي ه ّ‬
‫َس ْردية “االحتالل العثم اني للجزائ ر” ُي ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫حاكم ا عليها كما يفعل المحتلّ ون‪ ،‬مع ّ‬‫ً‬ ‫وفرضت‬ ‫ضد هؤالء “الغزاة”‪َ ،‬‬
‫عاصمتها‪ :‬مدينة الجزائر‪ ،‬والقَت مقاومةً ّشعبية ّ‬
‫المؤرخ الفرنسي “أندري جوليان” في‬
‫ّ‬ ‫يرد على‬
‫األمر ليس كذلك على االطالق‪ .‬يقول الدكتور أبو القاسم سعد اهلل وهو ّ‬
‫أن “الجزائ ريين ُخلق وا‬
‫أن الحكم العثم اني “احتال ٌل للجزائ ر”‪ ،‬ونظري ة ّ‬
‫واالدع اء ب ّ‬
‫ّ‬ ‫كتاب ه (ت اريخ الجزائ ر المعاص ر)‬
‫وأن ه ض من‬
‫لالس تعمار”‪ ،‬فيق ول‪“ :‬هن اك س ببان واض حان له ذه النظري ة‪ ،‬األول‪ّ :‬أنه ا تح اول ت برير االس تعمار الفرنس ي‪ّ ،‬‬
‫سلس لة من االس تعمارات مث ل االحتالل الع ربي واالحتالل ال تركي‪ ،‬والث اني‪ّ :‬أنه ا ك انت تح اول فص ل الجزائ ريين عن‬
‫القوة‬
‫الص راع الحضاري بين ّ‬ ‫حضارتهم العربية واإلسالمية”‪ .‬الوجود العثماني بالجزائر كان في سيا ٍ‬
‫ق تاريخي في إطار ّ‬
‫اإلس المية العالمي ة وهي الخالف ة العثماني ة في ذل ك ال وقت وبين الق ّوة المس يحية العالمي ة وهي اإلمبراطوري ة اإلس بانية‬
‫وأن هذا الوجود‬‫السياسية‪ّ ،‬‬
‫الدينية اإلسالمية مع العثمانيين كانت أقوى من العالقات الجغرافية أو ّ‬ ‫ألن العالقات ّ‬
‫آنذاك‪ّ ،‬‬
‫الص ليبي‪ ،‬الذي كان يالحق العرب‬
‫للنجدة من أجل تخليصهم من هذا االحتالل ّ‬
‫العثماني كان في سياق طلب الجزائريين ّ‬
‫والمسلمين في شمال إفريقيا بعد سقوط دولة اإلسالم والمسلمين في األندلس سنة ‪1492‬م‪ ،‬وإ نهاء الوجود اإلسالمي في‬
‫مر تاريخها‪ .‬سقوط األندلس فتح شهية اإلسبان‬‫أس س فيها المسلمون أعظم حضار ٍة إسالمية وإ نسانية على ّ‬
‫إسبانيا بعدما ّ‬
‫السواحل الجزائرية بذلك َّ‬
‫النفَس الصليبي‪ ،‬فكانت الخشية حقيقي ةً من تكرار مآسي األندلس‬ ‫وخاصة ّ‬
‫ّ‬ ‫الحتالل شمال إفريقيا‬
‫بالمغرب اإلسالمي‪ ،‬فكانت سببا ِ‬
‫مباش ًرا في الوجود العثماني بالجزائر‪.‬‬ ‫ً‬

‫تعرض ت الجزائ ر فعالً إلى ذل ك التهدي د الوج ودي‪ ،‬فيق ول مول ود قاس م ن ايت بلقاس م‪ ..“ :‬في ‪ 23‬أكت وبر ‪1505‬م‬
‫وق د ّ‬
‫احتلت إس بانيا المرس ى الكب ير عن دنا‪ ،‬وفي ‪ 18‬م اي ‪1509‬م احتلت وه ران وأرزي و‪ ،‬وعلى امت داد س نة ‪1510‬م احتلت‬
‫الصليبي إلسبانيا‪ ،‬والذي وصل إلى جميع‬
‫مستغانم وتنس ودلّس وشرشال والجزائر وبجاية‪ ،”..‬ثم يقول بعد ذلك االمتداد ّ‬
‫قوته ا‪،‬‬
‫أوج ّ‬
‫س واحل ت ونس ُوص والً إلى ط رابلس‪ ،‬وال ذي ك ان ين وي أبع د من ذل ك‪“ :‬ول وال وج ود الخالف ة العثماني ة في ّ‬
‫وابنه سليمان القانوني لكان األمر غير ذلك في الشرق العربي‬
‫الصنديدان‪ :‬سليم األول ُ‬
‫وخاصة وقد كان على رأسها ذانك ّ‬
‫ّ‬
‫وخاص ة من أج ل إنق اذ المس لمين الف ّارين ب دينهم من جحيم مح اكم‬
‫ّ‬ ‫عموم ا‪ .”..‬وفي ج ّو سلس لة تل ك المآس ي‬
‫ً‬ ‫واإلس المي‬
‫استقرا بجزيرة جربة بتونس‪ ،‬التي يقول عنها مبارك الميلي‬ ‫ُّ‬ ‫ظهر األخوان العثمانيان اللذان‬
‫التفتيش بعد سقوط األندلس َ‬
‫يتعرفً ا على مظه ٍر من المظ اهر الفاجع ة ال تي خلّفه ا ض ياع األن دلس‪”..‬‬
‫“وفي ت ونس اس تطاع ع ُّروج وخ ير ال ّدين أن ّ‬
‫قاما بنقل حوالي ‪ 70‬ألف مسلم أندلسي في أسطول مؤلّ ف من ‪36‬‬
‫(تاريخ الجزائر القديم والحديث‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .)34‬وقد َ‬
‫ومحب ةً من سكان شمال إفريقيا لدوره األخوي‬
‫ّ‬ ‫عروج شهرةً‬
‫مم ا أكسب ُّ‬
‫وتم تأمينهم في الجزائر وتوطينهم بها‪ّ ،‬‬
‫سفينة‪ّ ،‬‬
‫الم دافع عن‬
‫والبطولي حتى لُقّب‪( :‬بابا عروج)‪ ،‬وهو ما جعل أغلبي ة الجزائ ريين في ذل ك الوقت ينظ رون إليه بمنظ ار ُ‬
‫الدين والمجاهد في سبيل اهلل‪.‬‬
‫ّ‬

‫القائد التركي البحري العظيم‬


‫َ‬ ‫قيض اهلل لنجدة المسلمين ونصرة اإلسالم‬
‫ويقول الشيخ محمد البشير اإلبراهيمي‪“ :‬ولوال أن ّ‬
‫ٍ‬
‫استعباد للمسلمين وإ كراههم على‬ ‫تم في األندلس من‬
‫لتم في شمال إفريقيا ما ّ‬
‫الدين ّ‬
‫بابا عروج وأخاه وقريعه القائد خير ّ‬
‫أيض ا‪“ :‬كانت نجدة القائدين لمدينة الجزائر تلبية الستغاثة إسالمية بهما من شيخ تلك المدينة إذ ذاك سالم‬
‫التنصُّر”‪ ،‬ويقول ً‬
‫الت ومي‪ ،‬ولقي القائ دان من رج ال الجزائ ر م ا يري دان من تأيي د وإ عان ة وطاع ة وثب ات وبطول ة‪ ،”..‬ويق ول‪“ :‬وإ ذا ك ان‬
‫العامة” ‪.‬‬
‫فإنما ذلك للمصلحة ّ‬
‫الجزائريون قد أسندوا إليهما اإلمارة عليهم‪ّ ،‬‬

‫للنصرة والحماية والتحري ر من‬


‫طلبا دينيًّا أخويًّا ّ‬
‫بأن الوجود العثماني لم يكن احتالالً بل كان ً‬
‫وعن هذه الحقيقة التاريخية ّ‬
‫أن الجزائريين أنفسهم من‬
‫الص ليبي اإلسباني يقول الدكتور أبو القاسم سعد اهلل‪“ :‬ومن الثابت تاريخيًّا ّ‬
‫االحتالل المسيحي ّ‬
‫السادس عشر‪ ،‬وكان ذلك الطلب يستهدف التعاون مع الخالفة من أجل‬
‫طلبوا التحالف مع الخالفة اإلسالمية أوائل القرن ّ‬
‫بناء على رغبة الجزائريين أنفسهم‪،‬‬
‫فإن نزول األسطول العثماني مياه الجزائر ً‬
‫طرد الغزاة اإلسبان والبرتغاليين‪ ،‬وهكذا ّ‬
‫(أبحاث وآراء‪ ،‬ص ‪ .)62‬وبذلك ش ّكلت‬
‫ٌ‬ ‫لم يكن لالستعمار‪ ،‬ولكن إلنجاد جز ٍء من العالم اإلسالمي كان َّ‬
‫مهد ًدا بالخطر”‪.‬‬
‫بالنسبة للدولة العثمانية‪ ،‬وبديالً قويًّا ًّ‬
‫وردا حقيقيًّا‬ ‫ضد القوى المسيحية ّ‬
‫متقدم ةً للجهاد ّ‬
‫الجزائر طيلة العهد العثماني قاعدةً ّ‬
‫على سقوط األندلس‪.‬‬

‫المؤرخ الفرنسي “أندري جوليان” في كتابه (تاريخ الجزائر المعاصر)‬


‫ّ‬ ‫يرد على‬
‫يقول الدكتور أبو القاسم سعد اهلل وهو ّ‬
‫أن “الجزائ ريين ُخلق وا لالس تعمار”‪ ،‬فيق ول‪“ :‬هن اك س ببان‬
‫أن الحكم العثم اني “احتال ٌل للجزائ ر”‪ ،‬ونظري ة ّ‬
‫واالدع اء ب ّ‬
‫ّ‬
‫وأنه ضمن سلسلة من االستعمارات مثل االحتالل‬
‫واضحان لهذه النظرية‪ ،‬األول‪ّ :‬أنها تحاول تبرير االستعمار الفرنسي‪ّ ،‬‬
‫العربي واالحتالل التركي‪ ،‬والثاني‪ّ :‬أنها كانت تحاول فصل الجزائريين عن حضارتهم العربية واإلسالمية”‪.‬‬

You might also like