You are on page 1of 7

‫الغرب األوروبي‪ ،‬وما نتج عنه من إقامة كيان يهودي على أرض فلسطين‪ ،‬بعد أن تمتعت الواليات العربية

بحماية الدولة‬
‫العثمانية‪ ،‬قرابة أربع مائة وثالثة عشر سنة وبضعة أشهر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫العثمانيون في التاريخ‪:‬‬

‫يعود األتراك ‪ -‬العثمانيون ‪ -‬في أصولهم إلى األصول األوغوزية التي ينتسب إليها سكان تركستان جميع األعراق التركية‪ ،‬وقد‬
‫دخلت اإلسالم هذه الشعوب في عهد الخليفة الثالث عثمان رضي اهلل عنه‪ ،‬وذلك سنة (‪29‬هـ‪469 -‬م)‪ .‬وكانت هذه الشعوب‬
‫في حياتها االجتماعية‪ ،‬مجتمعات بدوية تعيش على تربية المواشي والرعي‪ ،‬ومع اعتناقهم لإلسالم بدأ الكثير منهم في‬
‫االستيطان والتحضر‪ ،‬عندما دخلوا في خدمة الخالفة العباسية‪ ،‬وكان ظهورهم بشكل مباشر في عهد الخليفة المعتصم سنة‬
‫(‪218‬هـ‪833 -‬م) وخاصة في موقعة عمورية ضد الروم‪ ،‬ومنذ ذلك التاريخ بدأ ظهورهم في الغرب اآلسيوي‪ ،‬مع الغزو‬
‫المغولي القادم من الشرق إلى الغرب‪ ،‬فقد اكتسح في طريقه دواًل وإمارات‪ ،‬وأزهق أروا ًح ا كثيرة ال تحصى‪ ،‬كان من ضحاياها‪،‬‬
‫دولة خوارزم شاه فيما وراء النهر‪ ،‬وذلك سنة (‪617‬هـ‪1220 -‬م)‪ ،‬فكانت من أوائل الدول اإلسالمية التي سقطت على يد هذا‬
‫الغزو الجارف‪ ،‬وقد دفع هذا السيل الجارف مع من دفع‪ ،‬األتراك وكان أميرهم يومها سليمان بن قيالب "جد عثمان"‪ ،‬حيث‬
‫وصل إلى دولة سالجقة الروم‪ ،‬وكان عدد أفراد قبيلته في حدود الخمسة آالف‪ ،‬وكان ذلك سنة (‪621‬هـ‪1224 -‬م)‪ ،‬وبعد‬
‫وفاته غرًق ا في الفرات‪ ،‬تولى زعامة القبيلة ابنه أرطغرل والد عثمان‪ ،‬وبعد وفاته عام (‪680‬هـ‪1281 -‬م)‪ ،‬خلفه ابنه عثمان الذي‬
‫ينتسب إليه األتراك العثمانيون‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫سار عثمان على خطى أبيه في الجهاد اإلسالمي‪ ،‬واستولى سنة (‪687‬هـ‪1288 -‬م) على حصن "قرجة حصار"‪ ،‬وهي قلعة‬
‫حصينة بأرض الروم تقع على نهر سقاريا‪ ،‬ومع ضعف حال سالجقة الروم بعد الغزو المغولي لها سنة (‪699‬هـ‪1300 -‬م)‪،‬‬
‫ونصرة عثمان للحاكم السلجوقي عالء الدين‪ ،‬وانتصاره على المغول‪ ،‬فقد استقل عثمان بما وقعت عليه يده من أقاليم‪ ،‬واتخذ‬
‫من مدينة "بني شهر ‪ -‬المدينة الجديدة" عاصمة له‪ ،‬جاعاًل من نفسه حاكًم ا لها‪ ،‬وأطلق على نفسه لقب "باد شاه آل عثمان" أي‬
‫"سلطان العثمانيين"‪ ،‬وكانت هي البداية األولى لمولد السلطنة العثمانية‪ ،‬التي قامت على أركان الدولة السلجوقية‬
‫وجغرافيتها‪ ،‬التي أرخ سقوطها بــ(‪699‬هـ‪1300 -‬م)‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وبقيام السلطنة العثمانية هذه‪ ،‬ذهبت في التوسع في جغرافيتها غرًبا‪ ،‬حتى تم فتح القسطنطينية سنة (‪1453‬م)‪ ،‬وجاء هذا‬
‫الفتح بمثابة حد فاصل بين عهدين في حياة الدولة العثمانية المسلمة‪ ،‬وجوارها من الغرب األوروبي المسيحي‪ ،‬فقد وحد بين‬
‫األتراك‪ ،‬وانتقلوا بهذا الفتح من المجتمع القبلي اإلقليمي‪ ،‬إلى الدولة السياسية العالمية التي تدين باإلسالم عقيدة ونظام حياة‪،‬‬
‫ورفع هذا الفتح من شأن العثمانيين عند دول العالم اإلسالمي ومجتمعاته‪ ،‬خاصة بعد أن جسد قول محمد الفاتح لشعبه عندما‬
‫هم بفتح هذه المدينة فقال في ذلك‪" :‬هدفنا ليس االستيالء على قلعة من القالع‪ ،‬وإنما نشر عدالة اإلسالم‪ ،‬وعلى هذه‬
‫األصول قامت الدولة العثمانية‪ ،‬حتى تم لمجموعة من القوميين األتراك‪ ،‬بدافع من يهود الدونمة إلى االنقالب على نظام‬
‫السلطنة العثمانية‪ ،‬وذلك سنة ‪1923‬م‪ ،‬لتقوم على أنقاضها دولة جمهورية برئاسة كمال أتاتورك الذي أعلن العلمانية دستوًر ا‬
‫لهذه الدولة‪ ،‬فألغى الحرف العربي في الكتابة‪ ،‬ونظام الشريعة اإلسالمي‪ ،‬وها هي في عصرها الحديث تعود ألصولها اإلسالمية‬
‫بعد خمس وسبعين سنة من علمانيتها‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫إدارة مشيخة اإلسالم ودواعي نشأتها‪:‬‬

‫يعود دخول األتراك في اإلسالم كما سبقت اإلشارة‪ ،‬إلى السنوات األولى من وصوله إلى بالدهم في عهد الخليفة عثمان رضي‬
‫اهلل عنه‪ .‬فقد أسلموا وحسن إسالمهم‪ ،‬وذهب الكثير منهم إلى التطوع في خدمة دولة اإلسالم‪ ،‬وخاصة الدولة العباسية‪ ،‬وقد‬
‫حافظ األتراك على معتقدهم السني‪ ،‬في ظل ما عصف في المجتمعات اإلسالمية من عواصف الفكر اإللحادي الباطني الكافر‪،‬‬
‫تحت مظلة االنتصار آلل البيت‪ ،‬وقد جاء اإلسالم على األتراك بالخير‪ ،‬لما فيه مصلحة لهم وللمسلمين‪ ،‬فقد كانوا بشارة رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم بفتح القسطنطينية‪ ،‬وعلى واقع زعامة عثمان لقومه‪ ،‬بعد الغزو المغولي القادم من الشرق‪ ،‬فقد طاب‬
‫لعثمان وقومه النزوح إلى دولة سالجقة الروم‪ ،‬الذين تربطهم بأبناء عمومتهم األتراك وحدة النسب في نسب األوغوز‪ ،‬ومن هذا‬
‫النسب انقسم الفرعان‪ ،‬وطاب لألتراك ‪ -‬العثمانيين ‪ -‬العيش في كنف الدولة السلجوقية‪ ،‬وفي استقرارهم هذا‪ ،‬فقد مضى هذا‬
‫المجتمع البدوي والرعوي إلى التحضر واالستقرار‪ ،‬وعلى واقع الغزو المغولي المتجدد‪ ،‬والقادم من الشرق‪ ،‬فقد أنجد عثمان‬
‫سلطان السالجقة ضد المغول كما سبق في الحديث‪ ،‬وانتصر عليهم‪ ،‬وأمام هذا أقطع لهم السلطان السلجوقي أراض في كنف‬
‫دولته‪ ،‬ومضى السلطان عثمان في السير في سياسة البناء‪ ،‬إلعداد دولة قوية يتحدى بها عواصف الزمن‪ ،‬بما يضمن لها‬
‫االستمرارية والبقاء‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وكان ضعف دولة سالجقة الروم العسكري والسياسي‪ ،‬أن جعلها مطمًع ا لدولة الروم‪ ،‬وخوًف ا من هذا الواقع على مسلمي الدولة‬
‫وعلى الدولة نفسها‪ ،‬من أن تسقط بيد الروم‪ ،‬ذهب السلطان عثمان في وضع يده على دولة سالجقة الروم‪ ،‬ومضى في بناء‬
‫الدولة على األصول والنظم اإلسالمية‪ ،‬التي كانت تسود الدولة اإلسالمية‪ ،‬فيما قبل قيام الدولة العثمانية‪ ،‬وكان من هذه‬
‫األنظمة نظام قاضي القضاة الذي عرف في عهد الخليفة هارون الرشيد (‪170 -194‬هـ = ‪786 -808‬م)‪ ،‬فقد استبدله السلطان‬
‫عثمان‪ ،‬بنظام مشيخة اإلسالم‪ ،‬كنظام من النظم التي ستقوم عليها هذه الدولة‪ ،‬وال سيما أن هذه الدولة جغرافًي ا محاطة بدول‬
‫نصرانية‪ ،‬وال يقوم على ديمومتها واستمراريتها سوى النظام وحسن اإلدارة والحكم باإلسالم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وفي الحديث عن إدارة ‪ -‬مؤسسة شيخ اإلسالم ‪ -‬فقد أكرم منزلتها بأن جعلها في صدارة اإلدارات بعد إدارة الصدر األعظم‪،‬‬
‫وذلك لسمو مكانتها عند الرعية‪ ،‬فهي صلة الوصل بينها وبين السلطان‪ ،‬وقد مرت هذه المؤسسة في دورين اثنين في عهد‬
‫مؤسسها السلطان عثمان‪ ،‬وعرفت في المرحلة األولى بنظام المفتي‪ ،‬حيث كان هذا النظام سائًد ا في عدد من الدول اإلسالمية‪،‬‬
‫وقد أوكل عثمان هذا المنصب في الفتوى‪ ،‬إلى الشيخ "إده بالي" وذلك سنة (‪725‬هـ‪1325 -‬م)‪ ،‬ثم جاء بعده صهره‬
‫"طورسون أفندي"‪ ،‬وبالنسبة لشيخ اإلسالم‪ ،‬فقد تعددت اآلراء في الوجهة التاريخية عن تاريخ نشأة وظيفة شيخ اإلسالم‪،‬‬
‫وهناك شبه إجماع على أن مراد الثاني‪ ،‬هو الذي أتى على هذا النظام في نشأته‪ ،‬وأن الشيخ "شمس الدين الفناري" هو الذي‬
‫حمل لقب "المفتي األكبر ‪ -‬شيخ اإلسالم"‪ ،‬وذلك سنة (‪828‬هـ‪1425 -‬م)‪ ،‬ويؤرخ المؤرخ العثماني "مستقيم زادة سليمان‬
‫سعد الدين أفندي" في كتابه دوحة المشايخ‪ ،‬وبناء على بيانات المؤرخ العثماني الثاني "علي أمير أفندي"‪ ،‬حول تاريخ نشأة‬
‫المشيخة‪ ،‬فقد أشار فيما كتبه في مجلة "علمية سالنامة"‪ ،‬على أن هذه اإلدارة إنما ظهرت في عهد مراد الثاني‪ ،‬وارتبط‬
‫وجودها مع تكليف الشيخ "الفناري أفندي" بوظيفة "المفتي األكبر"‪ ،‬وأن المشيخة كانت أول ما ظهرت في عام (‪828‬هـ‪-‬‬
‫‪1425‬م)‪ ،‬وكان مركزها األول في مدينة "بروسة"‪ ،‬ومنها انتقل إلى مدينة "أدرنة"‪ ،‬ثم تم نقلها إلى "إسطنبول" بعد فتحها‬
‫سنة (‪1453‬م)‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أما دواعي نشأة هذه اإلدارة‪ ،‬فقد جاءت نشأتها سيًر ا مع تنظيم أمور الدولة‪ ،‬ومن جانب آخر‪ ،‬توحيد األمة على منهج أهل السنة‬
‫والجماعة‪ ،‬في عصر تكاثرت فيه عقائد الرافضة‪ ،‬وساد مع وجودها قضايا االغتياالت السياسية والدينية‪ ،‬وكان أصحاب هذه‬
‫السياسة في االغتيال طائفة الحشيشيين اإلسماعيلية‪ ،‬حيث أشار بن القالنسي في القرن الخامس الهجري‪ ،‬أن القتل كان‬
‫يحدث في كل مكان‪ .‬ال يفرق بين أمير وعالم دين‪ ،‬وكان قادة هؤالء القتلة‪ ،‬كل من داعية القرامطة‪ ،‬وصاحب الزنج‪ ،‬وحسن‬
‫الصباح صاحب الدعوة الحشيشية‪ ،‬وقد ظهر في عهد مراد الثاني داعية منحرف وذلك سنة (‪816‬هـ‪1416 -‬م)‪ ،‬واسمه "بدر‬
‫الدين بن تاضي السماونة" والذي ذهب في الدعوة إلى شيوعية المال والملك‪ ،‬وقال بأن الجنة والنار هي األلم والفرح‪ ،‬وتأتيان‬
‫نتيجة لفعل الخير والشر‪ ،‬وذهب هذا الداعي إلى القول بأن كل المحرمات قد رفعت‪ ،‬وأن كل شيء محلل وجائز‪ ،‬وهذا ما قال‬
‫به الداعية القرمطي بتحليل البنات واألخوات للمحارم‪ ،‬وقد كلف السلطنة العثمانية الشيء الكثير حتى تم قتله والقضاء عليه‬
‫وعلى دعوته وذلك سنة (‪823‬هـ‪1420 -‬م)‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫ومن هنا جاءت وظيفة مشيخة اإلسالم‪ ،‬لتضفي على المجتمع العثماني‪ ،‬الوجه السني في معتقدها اإلسالمي شريعة ومنهج‬
‫حياة‪ ،‬وسيًر ا على خطى الخالفة العباسية التي اتخذت من مذهب أبي حنيفة مذهًب ا رسمًي ا للدولة‪ ،‬وعلى خطاها اتخذت‬
‫السلطنة العثمانية‪ ،‬من المذهب الحنفي مذهًب ا رسمًي ا للدولة‪ ،‬بقصد قطع الطريق على أي خالف ديني‪ ،‬وال غرابة أن نجد أن‬
‫العثمانيين قد ساروا على نهج غيرهم من مجتمعات العالم اإلسالمي في وظيفة شيخ اإلسالم‪ ،‬فقد عرفت الخالفة العباسية‪،‬‬
‫نظام وإدارة قاضي القضاة‪ ،‬والذي استحدث في عهد الخليفة هارون الرشيد سنة (‪170 -194‬هـ = ‪786 -808‬م)‪ ،‬ويلحق‬
‫بدواعي نشأة مشيخة اإلسالم‪ ،‬قضية عدم تعدد المفتين الرسميين من قبل الدولة‪ ،‬فتنحصر الفتوى بشخص واحد‪ ،‬وبذل يتم‬
‫قطع الطريق على أي مفٍت يفتي على هواه‪ ،‬حسًم ا للفوضى الدينية‪ ،‬إذا لم يكن المفتي من أهل العلم والقدرة على الفتوى‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ويضاف إلى دواعي نشأة إدارة مشيخة اإلسالم‪ ،‬إسالمية الدولة وتمسكها برسالة اإلسالم شريعة ونظام دولة‪ ،‬وذلك ما توصل‬
‫إليه السلطان العثماني‪ ،‬بأن جعل اإلسالم هو المرجعية األولى في بناء الدولة‪ ،‬ولهذا جاءت إدارة مشيخة اإلسالم لتقدم صورة‬
‫الدولة العثمانية أمام جوارها من الدول األوروبية التي تدين بالنصرانية‪ ،‬وعندما تبلور مصطلح "المسألة الشرقية" بعد مؤتمر‬
‫فيرونا سنة (‪1822‬م)‪ .‬فقد برهن هذا المصطلح بأنه جسد في هدفه صراع الغرب األوروبي النصراني‪ ،‬مع الدولة العثمانية‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫من قاضي العسكر إلى شيخ اإلسالم‪:‬‬

‫عرف العثمانيون في بداية دولتهم في عهد عثمان‪ ،‬نظام "قاضي العسكر" وذلك سنة "‪765‬هـ‪1363 -‬م"‪ ،‬قبل استحداث إدارة‬
‫"مشيخة اإلسالم"‪ ،‬وكان قاضي العسكر يومها "جاندارلي خليل أفندي" وكان على درجة عالية من العلمية والمكانة‬
‫االجتماعية‪ ،‬كما كان يشرف على سائر أعمال القضاة‪ ،‬ويقوم كذلك بترجيح من يقع عليه اختياره بشغل وظائف القضاء‪ ،‬وتشير‬
‫كلمة "العسكر" التي يحتويها مصطلح "قاضي العسكر"‪ ،‬على الهوية التي يتميز بها هذا الجهاز‪ ،‬والذي تأسس قبل اثنين‬
‫وستين عاًم ا على تأسيس "مشيخة اإلسالم" وكان الغرض منها تلبية حاجات الجند والعسكر ارتباًط ا بعسكرة هذا المجتمع‬
‫يومها‪ ،‬وكانت مهام إدارة "قاضي العسكر أو قاضي الجند"‪ ،‬تتركز في القضايا التالية‪:‬‬

‫• إدارة األجهزة التعليمية‪" ،‬التدريس والمدرسين"‪ ،‬وجهاز القضاء العثماني‪.‬‬


‫• تلبية حاجات القضاء واألفراد والجيش في أوقات السلم والحرب‪ ،‬وحل خالفاتهم والنظر في دعاواهم‪.‬‬

‫• إصدار الفتاوى السياسية واإلدارية للدولة العثمانية قبل تأسيس المشيخة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فعلى هذا الشأن والحال ودواعي الحاجة "لمشيخة اإلسالم" كانت هذه اإلدارة في الدولة العثمانية الناهضة‪ ،‬وقد جعلها‬
‫السلطان العثماني قريبة منه في العاصمة‪ ،‬وارتبطت بهذه اإلدارة جميع واليات الدولة العثمانية‪ ،‬في القضايا التشريعية‬
‫والقضايا المتعلقة بالفتيا واألحكام الشرعية‪ ،‬ومع امتداد عمر الدولة العثمانية‪ ،‬كانت هذه اإلدارة في تجدد دائم من تاريخ‬
‫نشأتها‪ ،‬الذي امتد بها العمر من "‪ 513‬سنة هجرية ‪ 497 -‬سنة ميالدية" وانتهى عهدها مع إلغاء الخالفة العثمانية في ‪ 11‬ربيع‬
‫األول ‪1341‬هـ ‪ -‬تشرين الثاني ‪1922‬م‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫إلغاء مشيخة اإلسالم‪:‬‬

‫مع بيان التاريخ الذي سبق‪ ،‬وفيه تم إلغاء الخالفة العثمانية كنظام سياسي إسالمي‪ ،‬طال فيه العمر أكثر من ستة قرون‪،‬‬
‫وانتهى مع نظام الخالفة سقوط آخر خليفة‪ ،‬هو محمد وحيد خان‪ ،‬وسقط مع هذا النظام‪ ،‬إدارة الصدارة العظمى‪ ،‬ولحق بها‬
‫اإلدارة التي تليها في المكانة الرسمية في دولة الخالفة‪ ،‬والتي هي إدارة مشيخة اإلسالم‪ ،‬والتي بلغ عددها (‪ )131‬شيًخ ا‪،‬‬
‫فكان األول منهم الشيخ "محمد شمس الدين فناري أفندي"‪ ،‬وقد جاءت مشيخته (‪828 -834‬هـ‪1431 -1425 /‬م)‪ ،‬في عهد‬
‫السلطان مراد الثاني‪ ،‬وكان آخرهم الذي حمل الرقم (‪" )131‬محمد نوري أفندي المدني"‪ ،‬والذي استلم مشيخته (‪-1341‬‬
‫‪1339‬هـ‪1920 /‬م‪1922 -‬م)‪ ،‬في عهد الخليفة محمد وحيد الدين السادس‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ومن هؤالء المشايخ من أدار المشيخة لمرتين ومنهم من أدارها لثالث مرات‪ ،‬والكثير من هؤالء المشايخ من ترك من خلفه‬
‫موروًث ا كبيًر ا من الفتاوى‪ ،‬حتى عرفت بفتاوى الشيخ الذي تنسب إليه‪ ،‬وكان الجميع على أهلية علمية في العلوم الشرعية‪ ،‬بما‬
‫يؤهله لهذه المكانة الرسمية في الدولة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫خصوصيات ارتبطت بأسماء البعض من هذه اإلدارة‪:‬‬

‫‪ .1‬الشيخ محمد شمس الدين فناري أفندي‪ ،‬وهو الشيخ الذي ارتبط فيه تأسيس هذه اإلدارة ونشأتها في عهد السلطان مراد‬
‫الثاني‪ ،‬وكانت مشيخته بين سنتي (‪828 -834‬هـ‪1425 -1431 /‬م)‪ ،‬فكان األول فيها‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ .2‬الشيخ زنبيللي علي أفندي‪ ،‬وقد حمل اللقب هذا‪ ،‬من "زنبيل" حيث كان هذا الشيخ يجلس في شرفة منزله‪ ،‬يرقب من يأتيه‬
‫للسؤال‪ ،‬وله زنبيل ‪ -‬سلة ‪ -‬مربوط بحبل مدلي من الشرفة حيث يضع السائل سؤاله فيها‪ ،‬وقد عرف هذا الشيخ بورعه وتقواه‬
‫وعلمه‪ ،‬فيضع السائل سؤاله في الزنبيل‪ ،‬ويهزه السائل مرتين‪ ،‬فيسحبه الشيخ حيث يجلس‪ ،‬وبعد االنتهاء من اإلجابة‪ ،‬يعيده‬
‫بالطريقة نفسها‪ ،‬وكان اسمه قبل اللقب علي بن أحمد بن محمد الجمالي الرومي‪ ،‬وينتهي بنسبه إلى محمد فخر الدين الرازي‪،‬‬
‫وحمل الرقم (‪ )9‬في سلسلة المشايخ‪ ،‬وجاءت مشيخته "‪932 -908‬هـ‪1503 -1525 /‬م"‪ ،‬في عهد السلطان بايزيد الثاني‬
‫وسليم األول وسليمان القانوني‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ .3‬الشيخ محمد ضياء الدين أفندي‪ ،‬مفتي عزل السلطان عبدالحميد الثاني‪ ،‬جاء رقمه التسلسلي (‪ )120‬بين جملة مشايخ هذه‬
‫اإلدارة‪ ،‬وجاءت سنوات مشيخته في بدايتها ‪5/5/1909‬م‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ .4‬الشيخ مصطفى صبري أفندي‪ ،‬والذي حمل الرقم التسلسلي (‪ )129‬بين مشايخ اإلدارة‪ ،‬وكان من أنشط أبناء هذه اإلدارة فقد‬
‫ناهض الحركة الطورانية ومسألة إلغاء الخالفة‪ ،‬وجاءت مشيخته في ظل حكم السلطان محمد وحيد‪ ،‬وجاءت مشيخته مدة‬
‫سنة واحدة من سنة "‪1337‬هـ‪1919 -‬م ولغاية ‪1338‬هـ ‪1920 -‬م"‪ ،‬وقد هاجر إلى مصر‪ ،‬وله العديد من المؤلفات ناهض‬
‫فيها يهود الدونمة واالنقالبيون‪ ،‬كانت وفاته في مصر سنة "‪1373‬هـ‪1954 -‬م"‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ .5‬الشيخ محمد نوري أفندي المدني الذي حمل الرقم التسلسلي (‪ ،)131‬فكان آخر شيوخ اإلسالم من أبناء هذه اإلدارة‪،‬‬
‫وجاءت مشيخته من "‪1341 -1339‬هـ‪1922 -1920 /‬م"‪ ،‬في عهد السلطان محمد وحيد خان‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫إن تاريخ إنشاء بناء المشيخة اإلسالمية العثمانية في إستانبول الذي يعود إلى سنة ‪1555‬م‪ ،‬هو من منجزات السلطان سليمان‬
‫القانوني يرحمه اهلل‪ ،‬وقد تعرض البناء للزالزل‪ ،‬وتعّر ض للحرائق المتكررة جَّر اء الفتن سنة ‪1660‬م‪ ،‬وسنة ‪1750‬م‪ ،‬وسنة‬
‫‪1771‬م‪ ،‬وسنة ‪1782‬م‪ ،‬وقد تم ترميم البناء وتسليمه إلى المشيخة اإلسالمية سنة ‪1826‬م‪ ،‬وصدر فرمان عثماني بذلك عن‬
‫السلطان محمود الثاني سنة ‪1827‬م‪ ،‬وبقي البناء مقًر ا رسمًي ا للمشيخة اإلسالمية العثمانية حتى سنة ‪1924‬م‪ ،‬عندما حلت‬
‫محل المشيخة اإلسالمية العثمانية‪ ،‬وزارة الشئون الدينية‪ ،‬وخصصت مكان المشيخة لمفتي إستانبول‪ ،‬ثم تعّر ض البناء للحريق‬
‫سنة ‪1927‬م‪ ،‬ثم تم ترميمه سنة ‪1985‬م‪ ،‬وما زال مقًر ا لمديرية إفتاء إستانبول‪ ،‬والغريب أن اسم مشيخة اإلسالم الذي ولد‬
‫مع الدولة العثمانية اختفى في ظل الجمهورية التركية وظل هذا االسم مستخدًم ا في دول أخرى مثل ألبانيا ومقدونيا‬
‫والبوسنة والهرسك وكوسوفا‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وبعد فإن مشيخة اإلسالم التي عاشت في عمرها قرابة الستة قرون‪ ،‬كانت مدعاة لالهتمام من قبل الكثير من طلبة العلم‬
‫والمؤرخين‪ ،‬حتى قام األستاذ أحمد صدفي شقيرات بدراسة هذه اإلدارة بدراسة موسعة في مجلدين كبيرين بلغ مجموع‬
‫صفحات الكتاب في حدود (‪ )1250‬صفحة والكتاب الذي استغرق إعداده أربع سنوات‪ ،‬علمي ووثائقي‪ ،‬ونفيس‪ ،‬لم يسبقه‬
‫إليه أحد‪ ،‬في بيان مكانة إدارة مشيخة اإلسالم في تاريخ الدولة العثمانية‪.‬‬

‫حقوق النشر محفوظة ©


‪1444‬هـ ‪2022
/‬م لموقع األلوكة

‫آخر تحديث للشبكة بتاريخ ‪7/4/1444 :‬هـ ‪ -‬الساعة‪
13:15 :‬‬

You might also like