You are on page 1of 25

‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫األوضاع السياسية في الجزائر في العهد العثماني‬


‫(‪)1830-1519‬‬
‫باب ـ ـ ـ ـ ــه عائشـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ :‬طالبة دكتوراه ‪ /‬جامعة الجزائر‪2‬‬
‫إشراف‪ :‬ا‪.‬د‪ .‬حساني مختار ‪ /‬جامعة الجزائر‪2‬‬

‫امللخص‪:‬‬
‫مما ال شك فيه ان الدولة العثمانية وخالل هذه الحقبة مرت بالعديد من املحطات بدءا من تلك‬
‫الفترة التي تمثل عهد السلطان سليم األول والتي تحولت من دولة صغيرة إلى دولة تتميز بقوتها‬
‫وسيطرتها بفضل النجاحات التي حققتها من أوروبا إلى املحيط الهندي مرورا بفترة عثمان بك وأبنائه‬
‫وأحفاده وقبلهم أبوه ارطغرل وما ساعدهم على هذا التقدم أنهم كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم‬
‫مسلمون قبل أي ش يء‪ ,‬فكان والؤهم يتجه بالترتيب إلى‪ :‬الدين االسالمي ‪ ،‬السلطان ‪ ،‬الدولة‪ ،‬وفيما‬
‫يخص الحكم العثماني بالجزائر فبدأت مالمحه تظهر من سنة ‪ 1492‬بعد سقوط غرناطة آخر معقل‬
‫لإلسالم في اسبانيا ضد الوجود اإلسالمي في إسبانيا ‪ ،‬والذي لحقه حالة من التدهور واالنهيار‬
‫والضعف في أوضاع الغرب اإلسالمي فقد انتهت دولة اإلسالم في األندلس وتوال بعدها سقوط أقطار‬
‫شمال إفريقيا في أيدي الغزاة ‪ .‬وفى البحر املتوسط ازدادت عمليات القرصنة األوروبية وضرب املسلمين‬
‫في عرض البحر وهو ما تسبب في صدام املسيحيين الغزاة بالعثمانيين الش يء الذي أدى إلى حالة من‬
‫االضطراب السياس ي‪ ،‬والفوض ى العارمة مع بداية القرن ال ‪ 16‬والتي كانت تعم املجتمع الجزائري في‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬وهو ما أدى إلى ضم دولة الجزائر إلى املمتلكات الخاصة بالسلطان العثماني جاء نتيجة‬
‫لحرب طويلة خاضها الفالحون الجزائريون من خالل دعم العثمانيين ضد االستعباد اإلقطاعي‪،‬‬
‫والسيطرة األجنبية‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪:‬‬
‫الوضع السياس ي‪ ،‬السلطان‪ ،‬الدولة العثمانية‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪335‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫في مطلع القرن الرابع عشر نبتت ورسخت جذور الدولة العثمانية كانت هذه عبارة عن‬
‫إمارة صغيرة داخل حدود العالم اإلسالمي تعتمد كل االعتماد على الفكرة األساسية التي مبدأها الغزو‬
‫ضد الكفار املسيحيين‪.‬‬
‫فقد أخذت هذه الدولة الصغيرة في التوسع بشكل تدريجي التي بدت غير مهمة في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬وذلك ملدى صغرها في هذه الفترة من التاريخ‪ ,‬فقد قامت بعملية التوسع من خالل إخضاع‬
‫وضم األراض ي التابعة لبيزنطة في البلقان‪ ،‬واألناضول‪ ،‬وقد أصبحت منذ عام ‪ 1517‬أقوى دولة في‬
‫العالم اإلسالمي آنذاك حيث قامت بضم املنطقة العربية إليها‪.‬‬
‫وخالل فترة (‪1566 – 1520‬م) تلك الفترة التي تمثل عهد السلطان سليم األول تحولت الدولة‬
‫العثمانية من دولة صغيرة إلى دولة تتميز بقوتها وسيطرتها‪ ،‬وذلك بفضل النجاحات املتتابعة في اآلفاق‬
‫(‪)1‬‬
‫الواسعة التي تمتد من أوروبا الوسطى إلى املحيط الهندي‪.‬‬
‫عثمان بك‪:‬‬
‫في عام ‪ 656‬هـ ‪1258 /‬م ولد ألرطغرل ابنه عثمان الذي تنتسب إليه الدولة العثمانية وتعتبر هذه‬
‫السنة هي السنة التي قام فيها املغول بقيادة الزعيم هوالكو بغزو العاصمة بغداد عاصمة الخالفة‬
‫العثمانية‪ ،‬وكانت هذه األحداث عظيمة واملصائب جسيمة‪ ،‬حيث يقول ابن كثير " ومالوا على البلد‬
‫فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان واملشايخ والكهول والشبان ودخل كثير من‬
‫ً‬
‫الناس في اآلبار‪ ،‬وأماكن الحشوش‪ ،‬وقني الوسخ‪ ،‬وكمنوا كذلك أياما ال يظهرون وكان الجماعة من‬
‫الناس يجتمعون إلى الحانات‪ ،‬ويغلقون عليهم األبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار ثم يدخلون‬
‫عليهم فيهربون منهم إلى أعالي األمكنة فيقتلونهم باألسطح ‪ ,‬حتى تجري امليازيب من الدماء في األزقة"(‪.)2‬‬
‫لقد كانت هناك مهزلة كبرى‪ ،‬فقد كانت األمة ضعيفة بسبب معاصيها وذنوبها لذلك سلط‬
‫عليهم املغول‪ ،‬فقاموا بسفك الدماء‪ ،‬وهتك األعراض‪ ،‬وقتل األنفس‪ ،‬وتخريب البيوت وسرقة األموال‪،‬‬
‫وفى تلك الظروف العظيمة والوهن الذي ساد مفاصل األمة‪ ,‬ولد عثمان مؤسس الدولة العثمانية(‪،)3‬‬
‫ففي بداية القرن الرابع عشر هزت األزمات الداخلية الكثيرة اإلمبراطوريات الكبرى التي كانت تمتد من‬
‫نهر جيحون (أوكسوس) إلى الدانوب كدولة اإليلخانيين في إيران‪ ،‬والقبيلة الذهبية في أوروبا الشرقية‬
‫واإلمبراطورية البيزنطية في البلقان وغرب األناضول‪.‬‬

‫(‪)1‬خليل اينالجيك‪ ،‬الدولة العثمانية من النشوء إلى االنحدار ‪ ،‬ترجمة محمد ‪.‬م‪ .‬األرناؤوط‪ ،‬دار املدار اإلسالمي‪ ,‬ط ‪2002 ،1‬م‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫(‪)2‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرش ي البصري ثم الدمشقي (املتوفى‪774 :‬هـ)‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي معوض‪ ،‬وآخرون‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية(‪)203/13‬‬
‫(‪)3‬علي محمد محمد الصال بي‪ ،‬الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط‪ ، ،‬شركة األمل للتجهيزات الفنية‪ ،‬ط‪2001 ،1‬م‪ ،‬ص‬
‫‪45‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪336‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫وفى نهاية القرن نفسه يتمكن أحفاد عثمان‪ ,‬وهو املعروف بمؤسس الساللة العثمانية من‬
‫تأسيس إمبراطورية تمتد من الدانوب إلى الفرات‪ ،‬ويعود الفضل في هذا األمر إلى السلطان بايزيد‬
‫املعروف بلقب " يلدريم "‪ ،‬أي الصاعقة‪.‬‬
‫فقد قام يلدريم بتشتيت الجيش الصليبي في معركة نيقوبوليس خالل عام ‪1396‬م‪ ,‬حيث كان‬
‫يضم الجيش الصليبي مجموعة من الفرسان الذين تفخر بهم أوروبا في ذلك الوقت‪ ،‬وقام بتحدي‬
‫سلطنة املماليك التي كانت أقوى دولة إسالمية في هذا العصر‪ ،‬وقام بانتزاع بعض املدن منها التي كانت‬
‫تقع على الفرات‪ ،‬كما قام بتحدي الحاكم تيمور العظيم " حاكم آسيا الوسطى وإيران"‪ ،‬حيث أنه كان‬
‫(‪)1‬‬
‫الحاكم الجديد لها‪.‬‬
‫وقد قدمت الدولة العثمانية العديد من أمرائها شهداء في حروبهم مع البيزنط ومن بين هؤالء‬
‫الشهداء كوندز ألب بك أخو عثمان بك الذي استشهد في عام ‪ 1306‬م‪.‬‬
‫حيث بلغت اإلمارة التي تركها عثمان غازي في عام ‪1324‬م ‪ 16000 ,‬كم‪ 2‬فقط ‪ ,‬فإذا ما وضعنا‬
‫في االعتبار أن أبا عثمان بك قد ترك له ‪4800‬كم‪ 2‬من األراض ي فإن ‪16000‬كم‪ 2‬التي تركها عثمان بك‬
‫ً‬
‫تعادل تقريبا ‪ 3/5‬أضعاف مساحة اإلمارة التي تركها أبوه ‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد كان عثمان بك استراتيجيا‪ ،‬فلقد قام بتوجيه فتوحاته إلى البيزنط باعتبار أن كل فتح‬
‫يناله منهم سيزيد من قوته‪ ,‬كما أنه في نفس الوقت تحاش ى بكل جهده التصادم مع جيرانه أمراء‬
‫األناضول الذين يحيطون به‪ ،‬كإمارة جيرمان أوغلو القوية‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد كانت فتوحات عثمان بك كانت ذات أهداف‪ ،‬ومغزى شماال وصل إلى الضفة الشرقية‬
‫ً‬
‫من نهر سقاريا‪ ،‬واقترب كثيرا إلى مدخل النهر والبحر األسود‪ ،‬وفى الغرب نفذ إلى البحر حيث قام‬
‫باالستيالء على الضفاف الجنوبية لبحيرة إيزنك من البيزنط وكذلك أخذ الضفاف الشرقية لبحيرة‬
‫أولوباد‪ ،‬ورصيف مودانيا الذين يقعان بينهما فى منطقة متوسطة‪.‬‬
‫فمن فتوحات عثمان بك ‪:‬‬
‫‪-‬اسكي شهر ‪.1288‬‬
‫‪-‬بيله جك ‪1299‬أو ‪. 1304‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪-‬ومودانيه فى ‪. 1321‬‬
‫نسبة العثمانيون ‪:‬‬
‫إن العثمانيون ينتسبون إلى عشيرة " قايي "‪ ،‬فقد كانت تلك العشيرة من عشائر أتراك‬
‫"األوغوز" الذين قاموا بالهجرة من آسيا الوسطى إلى األناضول ‪.‬‬

‫(‪)1‬خليل اينالجيك‪،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪13‬‬


‫(‪)2‬يلماز أوزتونا‪ ،‬تاريخ الدولة العثمانية ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عدنان محمود سلمان‪ ،‬مج‪ ،1‬مؤسسة فيصل للتمويل‪ ,‬تركيا‪ ,‬ط‪1988 ,1‬م‪ ,‬ص ‪-92‬‬
‫‪.93‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪337‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫ويعتبر عثمان الغازي هو أحد األبناء الثالثة ألرطغرل غازي حيث كان يلقب بفخر الدين‪,‬‬
‫حيث تذكر الروايات أن والده أرطغرل الغازي أخطر باألعمال الكبيرة والعظيمة التي سيحققها ابنه‬
‫قبل موته‪ ,‬فبسبب خبرته في اإلدارة واستعداده العالي الذى قد منحه هلل إياه أن قام جميع األمراء‬
‫ً‬
‫باالعتراف به رئيسا على العشيرة بعد وفاة والده أرطغرل‪.‬‬
‫ً‬
‫فبالرغم من أن عثمان كان أصغر أوالده الثالثة‪ ,‬إال أن كل األمراء قد اعترفوا به رئيسا على‬
‫(‪)1‬‬ ‫ً‬
‫العشيرة‪ ,‬وبهذا األمر فقد اتفقت اآلراء أن عثمان الغازي أصبح أميرا على العشيرة‪.‬‬
‫وتميزت حياة األمير عثمان مؤسس الدولة العثمانية بالجهاد في سبيل هلل‪ ،‬والدعوة إليه في‬
‫كل األمور‪ ,‬فقد كان علماء الدين يحيطون باألمير ويقومون باإلشراف عليه وعلى التنفيذ‪ ،‬والتخطيط‬
‫الشرعي في اإلمارة‪.‬‬
‫حيث قام عثمان بكتابة وصية له وحفظها التاريخ لنا وهى وصية البنه أورخان‪ ,‬فقد كان‬
‫عثمان على فراش املوت وكانت تلك الوصية فيها داللة منهجية شرعية سارت عليها الدولة العثمانية‬
‫فيما بعد موته‪ ،‬وكان مما ذكر في وصيته البنه أن قال " يابنى ‪ :‬إياك أن تشتغل بش يء لم يأمر هلل رب‬
‫ً‬
‫العاملين وإذا واجهتك في الحكم معضلة فأتخذ من مشورة علماء الدين موئال‪ ،‬يا بني ‪ :‬أحط من‬
‫أطاعك باإلعزاز وأنعم على الجنود وال يغرنك الشيطان بجندك وبمالك وإياك أن تبتعد عن أهل‬
‫الشريعة (‪" ، )2‬اعلم يا بني ‪ ,‬أن نشر اإلسالم ‪ ,‬وهداية الناس إليه ‪ ,‬وحماية أعراض املسلمين وأموالهم‬
‫(‪)3‬‬
‫أمانة في عنقك سيسألك هلل عز وجل عنها"‪.‬‬
‫املالمح األولى إلمارة عثمان ‪:‬‬
‫لقد اشتركت إمارة آل عثمان مع اإلمارات التركمانية األخرى في عملية نشأتها األولى‪ ,‬حيث‬
‫أخذت هذه اإلمارات تتميز بالتدريج‪ ،‬وتبرز بين بقية اإلمارات الحدودية غربي األناضول في الفترة ما بين‬
‫‪1310-1280‬م ‪ ,‬ومن ثم يكون املجتمع القبلي العثماني قد مر في تطوره بمرحلتين هما‪:‬‬
‫املرحلة األولى ‪:‬‬
‫تتمثل املرحلة األولى في دعوة الغزاة " آلب " للغزو والجهاد في األراض ي البيزنطية‪ ،‬حيث وجدت‬
‫هذه الدعوة استجابات عديدة من القبائل التي كانت في املناطق الحدودية‪ ،‬حيث لعب األمير والقائد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الغازي دورا كبيرا في عملية تشكيل مجموعة خاصة مع رفاقه الغزاة اكتسبت بالتدريج وضعا خاصا‬

‫(‪)1‬عثمان نورى طوباش ‪ ،‬العثمانيون رجالهم العظام ومؤسساتهم الشامخة‪ ، ،‬ترجمة ‪ :‬محمد حرب‪ ،‬دار األرقم للنشر‪ ،‬ط‪2016 ،1‬م‪ ،‬ص‬
‫‪26 - 25‬‬
‫(‪)2‬علي محمد محمد الصالبى ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪ ،49‬عصمت عبد املجيد بكر‪ ،‬املدخل لدراسة النظام القانوني في العهدين العثماني‬
‫والجمهوري التركي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ص‪ ،10‬سيد باغجوان ‪ ،‬شيخ اإلسالم ابن كمال باشا وآراؤه االعتقادية ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ص‪.26‬‬
‫(‪)3‬علي محمد محمد الصالبى ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص‪ ،50‬إيناس حسني البهجي ‪ ،‬تاريخ الدولة العثمانية‪ ، ،‬مركز الكتاب األكاديمي‪ ،‬ص‪، 55‬‬
‫مؤميد أحمد غازي تاريخ الدولة التركية‪ ،‬املكتبة الجنلدرية‪ ،‬ص‪ ،22‬علي محمد محمد الصالبى ‪ ،‬كفاح الشعب الجزائري‪ ،‬دار املعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪2017 ،‬م‪ ،‬ص‪.138‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪338‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫داخل العشيرة حيث انفصلت هذه الفئة عن بقية أفراد القبيلة الذين قاموا على شئون الزراعة‬
‫وتربية الحيوانات في ذلك املجتمع القبلي‪.‬‬
‫املرحلة الثانية ‪:‬‬
‫ارتبطت تلك املرحلة بعملية توحيد فرق الغزاة تحت قيادة واحدة قد فرضت نفسها من خالل‬
‫ما قامت بتحقيقه من إنجازات وفتوحات‪ ،‬وانتصارات‪ ,‬حيث وصلت هذه املجتمعات التركمانية في هذه‬
‫(‪)1‬‬
‫الفترة ملستويات كبيرة من مستوى اإلمارات التي تقوم برعاية األمور السياسية بين قادة الغزاة ‪.‬‬
‫وتختلف املصادر التاريخية العثمانية في عملية تحديد دور الشخصيات العثمانية التاريخية‪,‬‬
‫فبينما تنسب بعض التواريخ إلى أرطغرل قيامه ببعض الغزوات وتحقيق االنتصارات العسكرية‪ ,‬يرى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫آخرون أن هذا الجيل لم يكن ناشطا ال سياسيا‪ ،‬وال عسكريا‪ ,‬فعلى األقل بعد قدومهم إلى بيثينيا يروى‬
‫" أبز " أنه في عهد أرطغرل‪ ،‬وبعد انتقال القبيلة إلى بيثينيا لم يكن هناك أي قتال‪ ،‬أو حروب عسكرية‪,‬‬
‫فلقد كانوا ينتقلون بين مراعى الصيف والشتاء فقط ‪.‬‬
‫فمن الواضح أن سعى العثمانيين من أجل التنافس السياس ي لم يبدأ إال مع عثمان‪,‬‬
‫فالظروف التي دفعت القبيلة من أجل املشاركة الفعالة في األمور السياسية للتخوم‪ ,‬وبالتالي إلى‬
‫ً‬
‫السجالت التاريخية‪ ,‬قامت حوالي سنة ‪ 1290‬كما اقترح توغان‪ ,‬فاألكيد إذا أن القبيلة قد تمتعت‬
‫بارتقاء عظيم في مستوى نجاحاتها العسكرية السياسية تحت قيادة عثمان‪.‬‬
‫لذلك كان اسم عثمان وليس أي اسم آخر من أسالفه هو املعرف لإلمارة‪ ,‬فال نعرف بأي اسم‬
‫عرفت قبيلته قبل قدومه‪ ,‬ولكن العثمانيين "اتباع عثمان"‪ ،‬فإن القبيلة واإلمارة نعتتا بهذا االسم ملدة‬
‫(‪)2‬‬
‫طويلة ‪.‬‬
‫قيام الدولة واتساعها ‪:‬‬
‫لقد أتيحت ألرطغرل فترة سالم طويل استطاع خاللها أن يقوم بعملية تدعيم وتوطيد حكم‬
‫العشيرة على األراض ي التي وكل إليها أن يحكمها‪ ،‬ثم استغل عثمان هذه الفترة من أجل أن يقوم‬
‫باالستعداد لفترة الفتوح التي توجت أواخر حياته‪ ,‬وال تتوفر لنا قرائن معاصرة من شأنها أن تعيننا على‬
‫ً‬
‫الحكم الشامل على عثمان‪ ،‬فهو لم يكن ابن أمير ولم يعتد على أنه حاكم لدولة صغيرة جدا‪ ,‬ويبدو أن‬
‫إنجازاته قد اقتصرت على عملية إرساء قواعد األسرة وبدء التوجه نحو عملية توسيع رقعة الدولة في‬
‫البداية على حساب البيزنطيين مع تفادى االصطدام بالدول التركمانية العظيمة التي كانت تجاوره حتى‬
‫أتى الوقت الذي يشتد فيه ساعد الدولة بحيث يمكنه خاللها أن يواجههم بقوة جيشه وعتاده‪.‬‬
‫فقد بدأت الفتوحات الفعلية له في أوائل القرن الرابع عشر حين أدى االنهيار النهائي لدولة‬
‫السالجقة إلى استالئه على قلعتي إسكي شهر وقرجة حصار‪ ,‬فمن الواضح أن عثمان كان شخصية‬

‫(‪ )1‬سيد محمد السيد محمود تاريخ الدولة العثمانية النشأة واالزدهار‪ ,‬مكتبة اآلداب‪ ،‬ط ‪2007 ،1‬م‪ ،‬ص ‪84 – 83‬‬
‫(‪)2‬جمال كفادار ‪ ،‬تكوين الدولة العثمانية ‪ ,‬دار االجتهاد لألبحاث والترجمة والنشر‪ ،‬مج ‪ ،11‬ع ‪1999 ،42 – 41‬م‪ ،‬ص ‪60‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪339‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫جذابة تقوم بإغراء اآلخرين بخدمته‪ ،‬كما أنه تحلى باملثابرة وضبط النفس والهيبة‪ ،‬ورغم حماسته‬
‫الدينية فقد اتصف بالتسامح‪.‬‬
‫فلقد عين عثمان املوظفين الالزمين من أجل إقامة شعائر اإلسالم ومن أجل تطبيق الشريعة‬
‫فقد وطد سلطته على أساس العدالة‪ ,‬فما لبث أن قام بتوسيع رقعة دولته التي وصلت إلى "بني شهر"‪،‬‬
‫وبذلك أصبح على مرمى البصر من بروسية ونيقية حيث يعتبرا من أهم املدن اليونانية في غربي‬
‫األناضول‪ ,‬فما لبثت بني شهر أن أصبحت عاصمة مللكه وبذلك فقد توفرت له قاعدة قوية لالنطالق‬
‫(‪)1‬‬
‫صوب بروسة القسطنطينية‪.‬‬
‫فلقد كان العثمانيون ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مسلمون قبل أي ش يء‪ ,‬فكان والؤهم‬
‫يتجه بالترتيب‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬الدين اإلسالمي‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا ‪ :‬السلطان‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا ‪ :‬الدولة‪.‬‬
‫لقد كانت روح الجهاد الغالبة على العثمانيين هي روح الجهاد الديني الذي كان يغلب على‬
‫إسالم العثمانيين ‪ ,‬فلقد زادوا صالبة وقوة عندما استقروا في األناضول على حدود أو على مقربة من‬
‫الكيانات املسيحية التي كانت متناثرة في هذا اإلقليم في ذلك الوقت ‪.‬‬
‫فاإلسالم عند العثمانيين دين محاربين فلقد كان شعارهم الصيحة من أجل الحرب وحمل‬
‫ً‬
‫السالح‪ ,‬وازدادت هذه الروح نارا عندما واجه العثمانيون التكتالت الصليبية املتعاقبة الواسعة النطاق‬
‫(‪)2‬‬
‫التي كانت تضم العديد من الدول األوروبية‪.‬‬
‫لقد أظهر األمير عثمان قدرة فائقة في وضع النظم اإلدارية إلمارته بحيث قطع العثمانيون على‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عهده شوطا بعيدا على طريق التحول من نظام القبيلة املتجولة إلى نظام اإلدارة املستقرة؛ مما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ساعدها على توطيد تطورها‪ ،‬ومركزها تطورا سريعا إلى دولة كبرى‪ ،‬وإعدادها للدور الضخم الذي‬
‫قامت به بعد ذلك‪.‬‬
‫ونشأة اإلمارة العثمانية في الشمال الغربي لألناضول على حافتي العالم املسيحي‪،‬والعالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وقد فرضت عليها سياسة حربية معينة ‪ ,‬ذلك ان هذه اإلمارة كانت على الحدود والثابت في‬
‫ً‬
‫تاريخ األناضول أن اإلمارات التي نشأت على الحدود كانت أوفر نصيبا من عوامل التطور والنمو من‬
‫(‪)3‬‬
‫إمارات الداخل ‪.‬‬

‫(‪)1‬أحمد عبد الرحيم مصطفى‪ ،‬أصول التاريخ العثماني‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط‪1986 ،2‬م‪،‬ص ‪37 - 36‬‬
‫(‪ ،)2‬عبد العزيز محمد الشناوى ‪ ،‬الدولة العثمانية دولة اسالمية مفترى عليها ‪ ،‬مكتبة األنجلو املصرية‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫‪1980‬م‪ ،‬ص ‪10‬‬
‫(‪)3‬إسماعيل أحمد ياغي‪ ،‬الدولة العثمانية في التاريخ اإلسالمي الحديث‪ ,‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪1996 ،1‬م‪ ,‬ص ‪13- 12‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪340‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫وعلى أثر ازدياد قوة العثمانيين وبدء فترة الحروب الكبرى لجأوا إلى وسيلة جديدة تعمل على‬
‫زيادة أعدادهم‪ ،‬وتوفير فئة خاصة شديدة الوالء للدولة‪ ،‬وهذه الوسيلة تسمى " الدوشرمة "‬
‫والدوشرمة تعنى جمع عدد من أطفال دار الكفر وإعدادهم من أجل املهام اإلدارية والقتالية بعد‬
‫تحويلهم إلى اإلسالم‪ ,‬ويعتبر هؤالء األطفال دعامة استندت عليها القوة العثمانية‪ ,‬فسلطة العثمانيون‬
‫ً‬
‫لم تستند إلى أي أساس شعبي‪ ،‬أو تفوق عرقي‪ ،‬بل كانت نوعا من الحكم املستبد الذي تباشره أسرة‬
‫واحدة تقوم باالستناد على قوة عسكرية من املدنيين قوامها رجال الخدمة السلطانية الذين كانوا‬
‫يتميزون باإلخالص للسلطان‪ ,‬وقد مأل أطفال الدوشرمة بعد تعليمهم‪ ،‬وتدريبهم صفوف فرقة‬
‫االنكشارية وقوة الخيالة النظاميين‪ ،‬ومن خالل اتساع الدولة كان األتراك يشكلون الفئة املهيمنة على‬
‫(‪)1‬‬
‫حين أن أطفال الدوشرمة كانوا يشكلون قمة جهاز الحكم ويقومون بالسيطرة على األتراك ذاتهم ‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد كان العثمانيون أكثر اإلمارات الحدودية تواضعا حتى أنه ال يمكن أن يطلق عليهم اسم‬
‫مدينة ويرجع سبب ظهورهم إلى سببين رئيسيين‪:‬‬
‫السبب األول ‪:‬‬
‫هو سبب جغرافي سياس ي يدخل في إطار ضربات الحظ االستثنائية التي ال يمكن أن تتكرر‪،‬‬
‫ً‬
‫فقد أتاحت الظروف ألرطغرل بك وطنا في جنوب شرقي بحر مرمرة وكأنه على مدخل البيزنط‪ ،‬وبهذا‬
‫األمر فقد كان أرطغرل أقرب أمير من حدود بيزنط ولم يكن سواه من األمراء الحدوديين في مثل هذا‬
‫الوضع الخطير‪ ,‬فقد جعل هذا األمر أنه على العثمانيين أن يتخذوا الحذر الدائم‪ ،‬واملستمر‪ ،‬وأن تكون‬
‫دولتهم على أهبة االستعداد من أجل القتال والجهاد والغزو في كل لحظة‪ ،‬وهو موقف يبرره أن‬
‫اكتساح الروم ملثل هذه اإلمارة بوضعها الجغرافي كان من الناحية الجغرافية يسهل اكتساح غيرها من‬
‫اإلمارات ‪.‬‬
‫السبب الثاني‪:‬‬
‫وهذا السبب يمثل الخصائص النفسية والجسمية ألرطغرل بك‪ ،‬ونسله الذي جاء من أخالط‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إلى دومانيج‪ ,‬فال يمكن وجود داهية لدى اإلمارات التركمانية في األناضول الغربية إداريا وعسكريا عدا‬
‫آيدن أوغلو أو مور بك أما اآلخرون فال يزيد على كونهم مجموعة من القادة يقومون بواجبهم على‬
‫الوجه األكمل ‪.‬‬
‫وعلى خالف هذا األمر فقد كان الوضع بالنسبة للعثمانيين‪ ,‬فلقد أنجبت مجموعة من‬
‫الدهاة املتعاقبين وكل حاكم من الحكام قد اعتلى العرش قد تفوق على من كان قبله بإمكاناته‬
‫(‪)2‬‬
‫وخصائصه كما أنهم تميزوا بالقدرة على التخطيط والحركات العسكرية املحسوبة ‪.‬‬

‫(‪)1‬أحمد عبد الرحيم مصطفى‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪41‬‬


‫(‪)2‬يلماز أوزتونا‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪90‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪341‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫وعندما أعلن السلطان عثمان استقالل الدولة العثمانية اإلسالمية في عام ‪699‬هـ أتاه من كل‬
‫حدب وصوب علماء وأعيان وأمراء السالجقة التي قد انهارت بدافع الجهاد تحت لوائه من أجل أن‬
‫تصبح الدولة العثمانية املتنفس الوحيد للحماس الديني اإلسالمي‪ ،‬فجاء كل راغب في الجهاد في سبيل‬
‫ هلل من أجل نشر تعاليم الدين ونشر الدين اإلسالمي في البقاع املتعددة‪ ،‬فلقد جذبت هذه اإلمارة‬
‫العديد من األشخاص الذين تحمسوا لنصرة دين هلل تعالى ضد املسيحية‪ ,‬وهذا إنما يؤكد على أن‬
‫الدولة العثمانية كانت إسالمية املنطق والهدف‪ ،‬فكان الغزو والجهاد عاملين مهمين في عملية تأسيس‬
‫وتطوير الدولة العثمانية القوية‪.‬‬
‫فاملجتمع في إمارات الحدود قد صاغه إطار فكرى خاص قد أشبعه بفكرة الجهاد املستمر‪،‬‬
‫والفتح الدائم في سبيل إعالء كلمة هلل‪ ،‬حتى تشمل العالم بأسره‪ ,‬فلقد كان التركمان الرحل القادمون‬
‫إلى األناضول عبارة عن القلب النابض في املقاطعات الحدودية العثمانية‪ ,‬هؤالء قد جاهدوا بلهفة في‬
‫سبيل النصر‪ ،‬أو الشهادة‪ ،‬وقد تربوا تربية إسالمية مليئة بالقيم الروحية املبينة على حب العمل وحب‬
‫الجهاد من أجل نشر اإلسالم في البالد املسيحية وصد الغارات الصليبية املعادية لإلسالم واألمة‬
‫اإلسالمية ‪ ,‬ويتجلى هذا االتجاه في سياسة العثمانيين وتشجيعهم للجهاد من أجل نشر دين هلل تعالى‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫تأسيس الحكم العثماني بالجزائر‪:‬‬
‫ً‬
‫يعتبر سقوط غرناطة سنة ‪1492‬م إذانا بنهاية الوجود اإلسالمي في إسبانيا بعدما أسس فيها‬
‫املسلمون أعظم حضارة على مر التاريخ‪ ,‬وبعد سلسلة من حروب االسترداد التي قادتها املمالك‬
‫املسيحية اإلسبانية ضد الوجود اإلسالمي في إسبانيا وحتى في سواحل شمال إفريقيا‪ ،‬والذي لحقه‬
‫حالة من التدهور واالنهيار والضعف في أوضاع الغرب اإلسالمي فقد انتهت دولة اإلسالم في األندلس‬
‫وتوال بعدها سقوط أقطار شمال إفريقيا في أيدي الغزاة ‪.‬‬
‫وفى البحر املتوسط ازدادت عمليات القرصنة األوروبية وضرب املسلمين في عرض البحر وهو‬
‫ما تسبب في صدام املسيحيين الغزاة بالعثمانيين‪ ،‬حيث ارتبط هذا الوضع بظهور األتراك العثمانيين‬
‫في البحر املتوسط‪ ،‬وتقدمهم نحو سواحل إسبانيا الشرقية‪ ،‬وكذلك سواحل شمال إفريقيا‪ ,‬فقد كان‬
‫العثمانيون يمثلون اإلسالم وعرفت الحروب التي قامت بينهم بالجهاد البحري ومن هنا بدأت أولى‬
‫مالمح العالقات العثمانية بالدولة بالجزائر‪،‬لقد كانت السفن العثمانية تنخر عباب البحر األبيض‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫املتوسط بقيادة بحارة عثمانيين سوف يلعبون دورا مهما في املستقبل خصوصا في ربط شمال إفريقيا‬
‫(‪)2‬‬
‫بالدولة العثمانية ‪.‬‬

‫(‪)1‬خلف بن دبالن بن خضر الوذينانى ‪،‬الدولة العثمانية والغزو الفكري حتى عام ‪1909‬م‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬ط‪2003 ،2‬م‪ ،‬ص ‪،32 – 31‬‬
‫يلمازأوزتونا‪ ،‬تاريخ الدولة العثمانية‪ ،‬ترجمة عدنان محمود سلمان‪ ،‬مؤسسة فيصل للتمويل‪ ،‬تركيا‪1988 ،‬م(‪.)88/1‬‬
‫(‪)2‬سفيان صغيري ‪ ،‬العالقات الجزائرية العثمانية خالل عهد الدايات في الجزائر (‪ ,)1830 – 1671‬رسالة ماجستير‪ ,‬كلية العلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة الحاج لخضر – باتنة‪ ،‬الجزائر‪2012 ،‬م‪ ،‬ص ‪13 - 12‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪342‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫لقد عرفت الجزائر مع بداية القرن ال ‪ 16‬حالة من االضطراب السياس ي‪ ،‬والفوض ى العارمة‬
‫التي كانت تعم املجتمع الجزائري في ذلك الوقت ويدل على هذه الفوض ى ما عبرت عنه الشواهد اآلتية‪:‬‬
‫‪-‬انتشرت الفوض ى في كل مكان‪ ,‬حيث كان سكان الواليات قسنطينة وسكان مدينة الجزائر‪،‬‬
‫وأهل الغرب الوهراني لم يبقوا معترفين بسلطة عليهم‪.‬‬
‫‪-‬في أواخر القرن ال ‪ 15‬كانت وهران تبدو وهي في ظل حكم السلطة االسمية لبنى زيان في صورة‬
‫جمهورية تجارية حقيقية مستقلة‪.‬‬
‫‪ -‬أما مدينة بجاية فقد كانت في نفس ذلك العصر تكتسب ثروة طائلة وبصفة مستقلة من‬
‫التجارة الواسعة التي كانت تتعاطاها مع البالد اإليطالية ومن القرصنة‪.‬‬
‫‪ -‬كانت مملكة تلمسان تشمل بصفة غير محددة الغرب الجزائري الحالي وكان رجال الدولة في‬
‫أواخر القرن الخامس عشر قد تحرروا من السلطة املركزية فكان أدعياء امللك ال يجدون صعوبة في‬
‫عملية جمع األنصار من أجل محاربة السلطان القائم‪ ،‬وكان األبناء يثورون‪ ،‬ويقومون بخلع آبائهم كما‬
‫ً‬
‫أن األبناء في ذلك الوقت كانوا يحاربون بعضهم بعضا من أجل اقتسام ملك أبيهم‪.‬‬
‫ففي ظل هذه األمور فقد تدهور االقتصاد‪ ،‬وعمت الفتن‪ ،‬والفوض ى في أوساط املجتمع‬
‫(‪)1‬‬
‫الجزائري‪ ,‬فدخل الناس في حالة من الهرج واملرج ‪.‬‬
‫إن التدخل العثماني لم يكن في املغرب العربي أمر متوقع ولم يكن يدور هذا األمر في أرجاء‬
‫الدولة العثمانية‪ ,‬باإلضافة إلى أن التدخل لم يكن نتيجة وتصميم عثمانيين‪ ,‬بل لقد حكمت الظروف‬
‫التي كانت تسود تلك الفترة في املغرب العربي بعد غزوات اإلسبان املتكررة على السواحل وظهور عروج‬
‫من أجل الدفاع عنها‪ ,‬وإنقاذ املسلمين من سيطرتهم حتى وفاته ‪.‬‬
‫فقد تسلم أخوه خير الدين السلطة من بعده وطلب من السلطان العثماني سليم األول أن‬
‫ينطوي تحت سيطرة حكمه نتيجة املبادرة التي اشترك فيها أهل الجزائر‪ ,‬فاملبادرة لم تكن سوى رد‬
‫فعل على التدخل اإلسباني‪ ،‬وبعد أن استقرت األمور‪ ،‬توحدت الجزائر‪ ،‬وأصبحت دولة تحكم كأي‬
‫(‪)2‬‬
‫دولة كبرى‪.‬‬
‫إن عملية ضم دولة الجزائر إلى املمتلكات الخاصة بالسلطان العثماني جاء نتيجة حرب‬
‫طويلة خاضها الفالحون الجزائريون من خالل دعم العثمانيين ضد االستعباد اإلقطاعي‪ ،‬والسيطرة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫األجنبية‪ ,‬حيث لعب العثمانيون في املغرب للمرة األولى دورا عسكريا وسياسيا كبيرا وملحوظا في عام‬
‫‪ 1486‬عندما وصل أسطول كمال رئيس بأمر من بايزيد من أجل مساعدة املسلمين اإلسبان‪ ،‬ومنذ‬
‫ذلك الوقت ظلت السفن العثمانية ترسو في مياه غرب البحر األبيض املتوسط تقوم بعملية القرصنة‬

‫(‪)1‬محمد السعيد قاصري‪ ،‬مقاربة تاريخية بين نظام الحكم العثماني في الجزائر وبين نظام الحكم في دولة األمير عبد القادر‪ ,‬املجلة‬
‫التاريخية الجزائرية‪ ،‬ع‪2017 ،3‬م‪ ،‬ص ‪89‬‬
‫(‪)2‬مؤيد محمود حمد املشهداني ‪ ،‬أوضاع الجزائر خالل الحكم العثماني ‪ ،1830 – 1518‬مجلة الدراسات التاريخية والحضارية‪ ،‬مج‪ 5‬ع‬
‫‪2013 ،16‬م‪ ،‬ص ‪413‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪343‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫ً‬
‫ضد السفن التجارية األوروبية‪ ،‬أو تنقل األسلحة إلى املوريسكيين وأحيانا تدافع عن املوانئ األفريقية‬
‫الشمالية ضد هجمات الغزاة األوروبيين‪.‬‬
‫فلقد كان بعض البحارة العثمانيون يعملون في خدمة الباب العالي مباشرة فيما كان‬
‫البعض اآلخر يعمل في خدمة سلطان تونس الحفص ي‪ ،‬وغيره من الحكام املحليين‪ ,‬ففي أكثر األوقات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كان الرياس (القباطنة) العثمانيون يتصرفون بمبادرة ذاتية تماما وكثيرا ما كانوا يعملون كقراصنة‬
‫(‪)1‬‬
‫باسم السلطان الحفص ي‪ ،‬أو السلطان العثماني ‪.‬‬
‫إنه من الصعب التأكد من تاريخ محدد لدولة الجزائر التابعة في عملية التحول إلى والية‬
‫عثمانية عادية‪ ,‬حيث يمكن القول بأن هناك عدد كبير من املؤرخين ال سيما مؤرخي املدرسة الفرنسية‪,‬‬
‫ال يالحظون هذا الفارق ويكتفون بالتركيز على مجرد حقيقة الفتح العثماني للجزائر في سنة ‪.1519‬‬
‫أما املؤرخون األتراك املعاصرون فيعتبرون املسألة عبارة عن نتيجة لتلك الزيارة التي قام‬
‫بها خير الدين بربروس إلى اسطنبول ‪ ،‬حيث يذكر أن هذه الزيارة لقبت ب " الزيارة التاريخية"‪،‬‬
‫ويذكرون أن زيارة خير الدين بربروس كانت الهدف منها‪ :‬اإلعالن عن قرار الجزائر الطوعي باالنضمام إلى‬
‫السلطنة العثمانية‪ ,‬فمهما كانت صحة هذا األمر فإن هذا الحدث كان له تأثير كبير وبالغ األهمية على‬
‫(‪)2‬‬ ‫ً‬
‫مصير البالد‪ ،‬حيث أصبحت الجزائر تابعة رسميا إلى السلطنة العثمانية ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد كان الجزائريون طيلة فترة الجمهورية الجزائرية العثمانية يتبارون أتراكا وعربا في أعمال‬
‫الخير املختلفة واملتنوعة‪ ,‬فكانت أعمال الخير تشمل األوقاف الطائلة على املدراس واملساجد‪ ،‬واملنشآت‬
‫(‪)3‬‬
‫العامة‪ ،‬وكانت دور العلم عامرة وحلقات الدروس خاصة بالطالب في كل مساجد املدن الكبرى‪.‬‬
‫لقد أعطى الحكم العثماني للجزائر اسمها الحديث الذي بدأت تعرف به منذ ذلك الوقت‪,‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بعدما كان مقتصرا فقط على املدينة التي أصبحت مركزا للحكومة العثمانية‪ ،‬وقام العثمانيون بإدخال‬
‫مفهوم الحدود السياسية إلى املغرب العربي الحديث بعد عملية القضاء على الفوض ى الداخلية التي‬
‫كانت منتشرة في أغلب أنحاء الجزائرـ وتوحيد القوة من أجل مواجهة الخطر األوروبي املحيط بهم‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد أعلنت تبعية الجزائر رسميا للدولة العثمانية من خالل عملية منح خير الدين لقب‬
‫بيكلربيك‪ ،‬أو بايلر باي بمعنى أمير األمراء ونائب السلطان والعامل باسم الباديشاه‪ ،‬وبهذا األمر تكونت‬
‫والية الجزائر ودعي للسلطان العثماني على املنابر‪ ،‬وضربت العملة باسمه‪ ،‬وقامت إدارة الجزائر‬
‫(‪)4‬‬
‫بالخضوع إلدارة خاصة ضمن منظومة أوجاقات الغرب‪.‬‬
‫لقد كانت القرصنة تشكل أساس األوجاق الغربي‪ ،‬وكانت غزواتهم تعتبر من أنواع الجهاد‬
‫البحري ومن خالل اتحاد رياس البربر مع الرياس األتراك غدت البحرية العثمانية قوة ضارية‪ ,‬ففي‬

‫(‪)1‬نيقوالى ايفانوف ‪ ،‬الفتح العثماني لألقطار العربية ‪ ، 1574 – 1516‬ترجمة ‪ :‬يوسف عطا هلل‪ ،‬دار الفارابى‪ ،‬ط‪1988 ،1‬م‪ ،‬ص ‪95‬‬
‫(‪)2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪109‬‬
‫(‪)3‬أحمد توفيق املدني ‪ ،‬هذه هي الجزائر‪ ,‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬د‪ .‬ط‪1984 ،‬م‪ ،‬ص ‪76 - 73‬‬
‫(‪)4‬مؤيد محمود حمد املشهدانى‪,‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪417 - 416‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪344‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫بادئ األمر قام الرياس بتوجيه اهتمامهم بالدرجة األولى من أجل عملية إنقاذ املسلمين من ظلم‬
‫اإلسبان والقضاء على التجارة اإلسبانية في البحر وضرب سواحلها وإلحاق الضرر بها ‪.‬‬
‫وبهذه املهمة الجهادية لم يعد بإمكان أي إنسان مقارنة نفسه بواحد من الرياس الجزائريين‬
‫بسبب أنهم كللوا أعمالهم بالنصر‪ ،‬والنجاح وأثبتوا وجودهم حتى النهاية‪ ,‬وأوقفوا خالل املعارك في‬
‫الصف األول كما حدث في ضم تونس‪ ،‬وحرب مالطة و لبيناتو‪،‬فكسبوا بشجاعتهم العالية ومواقفهم‬
‫اإلنسانية النبيلة ثقة الجميع وعمت الشهرة كافة األرجاء ‪.‬‬
‫لقد أعطى الجزائريون أهمية كبيرة لسفنهم وعملوا باستمرار على تطويرها‪ ،‬وتنظيمها‬
‫واعتمدوا عليها في معظم حروبهم‪ ,‬فاألضرار التي ألحقه الرياس بأعداء تركيا يستحيل تقديرها‪ ،‬وحساب‬
‫النتائج التي ترتبت عنها‪.‬‬
‫إن ما قام به الرياس الجزائريون في سبيل اإلسالم مشابه ملا فعله فرسان سان إتيان من‬
‫أجل املسيحية‪ ،‬فقاموا بمهاجمة سفنهم التجارية‪،‬وأحرقوا مدنهم الساحلية‪ ،‬وأسروا سكانها‪ ،‬وخربوا ما‬
‫(‪)1‬‬
‫استطاعوا‪ ،‬لكنهم عاملوا النساء واألطفال معاملة طيبة ‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر فإن البالد الجزائرية كلها على البحر األبيض املتوسط ولها ساحل صخري‬
‫في الغالب يمتد نحو ‪ 1200‬كيلو متر‪ ,‬فيما بين تونس ومراكش ويكاد هذا الساحل يسير على خط‬
‫ً‬
‫مستقيم ليس به كثير من الخلجان‪ ،‬فطبيعة األرض الجزائرية مرتفعة‪ ،‬حيث تتميز بأن فيها سهوال‬
‫ضيقة شاسعة الغنى بديعة الحسن تنحصر بين الجبال وساحل البحر ووراء هذه السهول الساحلية‬
‫تمتد مجموعة من جبال األطلس من أقص ى الشرق إلى أقص ى الغرب‪ ،‬فإذا ما انحدرت من هذه الجبال‬
‫املتواصلة رأيت نفسك في إقليم "النجود" الذي يتميز بأنه مترامي األطراف والذي يبلغ ارتفاعه نحو ‪800‬‬
‫متر‪.‬‬
‫أما ناحية الجنوب فهناك سلسلة من جبال األطلس الصحراوي التي تخترق القطر بأسره من‬
‫شرقه إلى غربه‪ ،‬كأنها عبارة عن سد منيع قد تم إحكام صنعه من هلل عز وجل ليحول دون عملية‬
‫(‪)2‬‬
‫تسرب رمال الصحراء إلى إقليمي‪ :‬النجود‪ ،‬واألطلس التلي‪.‬‬
‫اإلدارة العثمانية في الجزائر ‪:‬‬
‫لقد تميز األتراك العثمانيين في الجزائر بهيمنة عظيمة‪ ،‬ومطلقة شملت الجيش واالقتصاد مع‬
‫ً‬
‫تهميش كبير ناحية السكان‪ ،‬وإبعاد السكان نهائيا عن أمور النيابة وإخضاعهم للضرائب والغرامات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املالية‪ ،‬فظل النظام الجزائري قابعا تحت سلطتهم منعزال عن كل ما يحيط بهم من تمثيل للحكومة‬

‫(‪ )1‬عزيز سامح التر ‪ ،‬األتراك العثمانيون في إفريقيا الشمالية‪ ,‬ترجمة ‪ :‬محمود على عامر‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1989‬م‪،‬ص ‪.150 – 148‬‬
‫(‪)2‬أحمد توفيق املدني‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪12- 11‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪345‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫لدى القوى األوروبية‪ ،‬ومنع ذوى الصلة بهم كالكراغلة‪ ،‬أو العنصر التركي العثماني قبل أن يبعدوا في‬
‫عهد الدايات وذلك ألسباب سياسية األمر الذي أدى إلى تهميش الجزائريين ‪.‬‬
‫فلقد أخذ األتراك استقاللهم الذاتي‪ ،‬وأن السلطة كانت تعبر عن مصالحهم وما عالقتهم بالدولة‬
‫العثمانية سوى عالقة تبادل منافع وتضامن في مواجهة العدو املشترك على الرغم من ان الدول‬
‫األوروبية كانت تتعامل مع الجزائر على أساس أنه عبارة عن والية عثمانية كانت تقوم بإرسال سفرائها‬
‫إلى عاصمة الدولة العثمانية وتقوم بإرسال القناصل إلى الجزائر ‪.‬‬
‫فعلى الرغم من أن الدولة العثمانية كانت تعتبر سكان الجزائر رعاياها‪ ،‬إال أن السلطة الحقيقية‬
‫في الجزائر كانت بيد أتراكها‪ ،‬وأن هذه السلطة كان لها القدرة على إبرام معاهدات مع بلدان أخرى دون‬
‫الرجوع إلى السلطان‪ ,‬فإن ما حصل في تونس من تونسة النظام بالقضاء على اإلنكشارية لم يحصل في‬
‫(‪)1‬‬
‫الجزائر رغم محاولة علي خوجة ‪.‬‬
‫لقد ربط العثمانيون حياتهم بالحضارة الشرقية األناضولية‪ ،‬وقاموا بنقل معاملها إلى دولة‬
‫الجزائر التي تمثلت في النظم العسكرية واإلدارية‪ ،‬ومعامالتهم االجتماعية واالقتصادية وقاموا‬
‫باالندماج بالعناصر األندلسية والكرغلية‪ ،‬والفئات الجزائرية بمختلف مستوياتهم الثقافية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬واملالية بالرغم من االختالف في املذهب الديني‪ ،‬واالختالف اللغوي‪ ،‬واالختالف في‬
‫العادات‪.‬‬
‫ولم يكن املسيحيون الذين دخلوا اإلسالم بمعزل عن املجتمع بل قاموا باالختالط بأهل املدن في‬
‫حياتهم اليومية‪ ،‬والحرفية‪ ،‬واإلدارية‪ ،‬وحتى اليهود قاموا بجلب صنائعهم ومعامالتهم التجارية في‬
‫ً‬
‫املجتمع الحضري‪ ,‬الذي أصبح مزيجا من التراث الحضاري والخلقي‪ ،‬والديني‪.‬‬
‫إن فاعلية النظام االجتماعي للجزائر العثمانية قد استند على القوانين اإلسالمية التي جسدتها‪،‬‬
‫وقامت بتنظيمها هيئات قضائية حنفية ومالكية وتنظيمات من األوجاق اإلدارية التي كانت موجهة من‬
‫أجل تحقيق املنافع العامة وذلك باملؤسسات الوقفية ‪.‬‬
‫إلى جانب ذلك لقد كانت الهياكل العدلية تقوم بتنظيم الشرائح االجتماعية عبر القضاة الحنفية‬
‫واملالكية‪ ،‬وبعض املوظفين واالنكشارية الذين كانت لهم صالحيات في عملية تنفيذ القوانين‪ ،‬وتحقيقها‬
‫بين أفراد املجتمع املدني‪ ،‬والحرفي من أجل توفير األمن وإقرار األحكام التي تتعلق بالقصاص‪ ،‬والعقاب‬
‫والفصل في أمور املنازعات واملحافظة على املعامالت اإلسالمية والعادات واألعراف الجزائرية وبالتالي‬
‫(‪)2‬‬
‫حافظت على االستقرار االستهالكي‪ ،‬والصحي للمجتمع ‪.‬‬

‫(‪)1‬فاطمة دخية‪ ،‬الحركة األدبية في الجزائر خالل العهد العثماني ‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ,‬كلية اآلداب واللغات‪ ،‬جامعة محمد خيضر بسكرة‪،‬‬
‫الجزائر‪2015 ،‬م‪،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪)2‬حسان كشرود‪ ,‬رواتب الجند وعامة املوظفين وأوضاعهم االجتماعية واالقتصادية بالجزائر العثمانية من ‪1659‬م إلى ‪1830‬م ‪ ,‬تخصص‬
‫التاريخ االجتماعي‪ ,‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ,‬جامعة منتوري – قسنطينة‪ ،‬الجزائر‪2008 ،‬م‪ ,‬ص ‪20 – 19‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪346‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫لقد حاول العثمانيون استرداد الجزائر بالقوة في أوائل ‪1835‬م عندما جاء كتاب من القائم‬
‫باألعمال العثماني في باريس إلى نورى أفندي‪ ،‬وفيه يقوم بذكر أن هناك كلمات قد قيلت وتنادي بكون‬
‫الجزائر تابعة لفرنسا في البرملان الفرنس ي‪ ،‬ويرجو السفير أن يكتب متن مذكرة من أجل أن يقدمها لوزير‬
‫الخارجية الفرنس ي‪.‬‬
‫أحضر نورى أفندي مذكرة تبين حق العثمانيين في الجزائر وقام بإرسالها إلى باريس حيث‬
‫قدمها روح الدين إلى وزير الخارجية عام ‪1835‬م بعد ان قام بترجمتها إلى الفرنسية ‪ ,‬إال أن رئيس‬
‫ً‬
‫املترجمين في الوزارة املذكورة قام بإعادتها بعد ثالث أو أربع ساعات لروح الدين أفندي مخبرا إياه أن‬
‫الوزير لن يستطيع أن يقبل مذكرة كهذه املذكرة‪.‬‬
‫لقد كان رفض فرنسا املذكرة العثمانية قد دفع نورى أفندي من أجل التقابل مع سفير‬
‫روسيا من جديد‪ ،‬وعندما اطلع هذا األخير على متن املذكرة أبان أن أحسن تصرف هو عملية إرسال‬
‫ً‬
‫صورة عن املذكرة إلى اللورد بلمرستون وطبقا لهذه النصيحة تقابل السفير نورى أفندي مع وزير‬
‫ً‬
‫خارجية انجلترا في جويلية ‪ 1835‬شارحا له رفض الوزير الفرنس ي للمذكرة التي قدمها القائم باألعمال‬
‫ً‬
‫العثماني في باريس‪ ،‬إال أن اللورد رد عليه بأنه يكون من األفضل أن ال يبحث مطلقا في الوقت الحاضر‬
‫ً‬
‫شيئا بهذا الشأن ‪.‬‬
‫فلقد فهم أن استرداد الجزائر من فرنسا باملباحثات السياسية فقط غير ممكن‪ ,‬فأيقن بذلك أن‬
‫(‪)1‬‬ ‫ً‬
‫عليه أن يسلك طرقا أخرى من أجل استردادها ‪.‬‬
‫العالقات بين العثمانيين والجزائريين ‪:‬‬
‫يعتبر الحكم العسكري العثماني في ظل فترته في الجزائر هو السائد‪ ،‬وهو الذي كان يميز‬
‫(‪)2‬‬
‫الحكم في ذلك الوقت في جميع أنحاء الدولة العثمانية آنذاك‪.‬‬
‫مراحل الحكم العثماني في الجزائر‪.‬‬
‫مر الحكم العثماني في الجزائر بالعديد من املراحل‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫فترة البايلربايات (‪:)1587 – 1519‬‬
‫يبدأ عصر البايلربايات ببداية تاريخ إلحاق الجزائر بالدولة العثمانية في سنة ‪1519‬م وتعيين‬
‫خير الدين بايلرباي عليها من قبل السلطان العثماني من خالل تزويده بقوة عسكرية وأسلحة وذخائر‪,‬‬
‫فقد جاء هذا التعيين من أجل أن يدعم سلطة خير الدين في البالد‪ ,‬فقام باتخاذ مركزه في مدينة‬
‫الجزائر‪.‬‬

‫(‪)1‬آرجمنت كوران ‪ ،‬السياسة العثمانية تجاه االحتالل الفرنس ي للجزائر ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عبد الجليل التميمي‪ ,‬منشورات الجامعة التونسية‪ ،‬د‪.‬‬
‫ط‪1970 ،‬م‪ ،‬ص ‪88 - 87‬‬
‫(‪ )2‬أبو القاسم سعد هلل ‪ ،‬تاريخ الجزائر الثقافي ‪ ،‬دار البصائر للنشر و التوزيع ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ط ‪ : 1‬ص ‪142 - 141‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪347‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫وتم تعيين أحمد بن القاض ي الغيريني سلطان جبل كوكو على بعد ‪ 18‬كم من أربعاء "نايث‬
‫ً‬
‫ايراثن" حاكما على بالد القبائل والناحية الشرقية فلم يرتح الحفصيون واملرينيون من أجل هذا األمر‪،‬‬
‫وأخذ كل واحد يدبر املؤامرات ضد خير الدين ونظامه‪ ،‬فاإلسبان من جانبهم قد نظموا ضده حملة‬
‫عسكرية قادها "قودومونكاد" ونزلت بوادي الحراش في شهر أوت ‪1519‬م‪ ،‬ولكنها قد أصيبت بهزيمة‬
‫شديدة‪ ،‬وفقد اإلسبان أسلحتهم وعتادهم وكان من ضمن أسباب هزيمتهم تأخير عملية اإلمدادات من‬
‫الزيانيين املتحالفين معهم من تلمسان‪.‬‬
‫وظن اإلسبان أن عملية رحيل خير الدين سيعمل على تسهيل احتالل الجزائر‪ ،‬وطرد حلفائه‬
‫منها فقاموا بالتركيز على موانئ تونس‪ ،‬واحتلوا الكثير منها وشارك في النزاع ضدهم خير الدين نفسه‪ ،‬ثم‬
‫رأوا أن يضربوا الجزائر نفسها‪ ،‬فقاموا بإعداد حملة كبيرة قد استغرق إعدادها عدة أشهر‪ ،‬وقادها‬
‫ملكهم شارلكان نفسه‪ ,‬فقد نزل بجهة حسين الداي في عاصمة الجزائر يوم ‪ 1541 – 10 -23‬وكان‬
‫(‪)1‬‬
‫مصيرها الفشل مثل باقي الحمالت السابقة ‪.‬‬
‫وفى عام ‪ 1521‬م تمكن خير الدين من السيطرة على القل‪ ،‬ثم عنابة وقسنطينة في سنة‬
‫ً‬
‫‪1522‬م‪ ،‬وقام بوضع حاميات من االنكشارية قدرت بنحو ‪ 200‬جنديا من الجنود في املدينة األولى‪،‬‬
‫ً‬
‫و‪ 600‬جنديا في املدينتين التاليتين يرأسهم ضباط يسمون العسكر‪ ,‬لقد كان قائد الحامية القسنطنية‬
‫يسمى يوسف حيث أعطى الحرية في عملية اتخاذ السياسة التي يراها مناسبة مع السكان‪ ،‬وحثه خير‬
‫الدي ن على عملية تحسين عالقاته بالسكان خاصة وأن قسنطينة يصعب تموينها من البحر‪ ،‬ويتحتم‬
‫تموينها عبر األسواق املحلية؛ لذا فقد ربط القائد يوسف عالقة جيدة مع الشيخ الفكون (الجد) الذي‬
‫مكنه من االتصال بأوالد يعقوب الذواودة الذين يتحكمون بمناطق واسعة بقسنطينة وتعهدوا بتزويد‬
‫األتراك باملؤن مقابل عملية الحصول على البارود بصفة كافية‪.‬‬
‫بعد عملية انسحاب خير الدين من تونس عقب استنجاد الحسن الحفص ي بشارل لكان‬
‫عام ‪1535‬م‪ ,‬عرجت قواته إلى قسنطينة‪ ،‬ولكن تم منعها من عملية الدخول‪ ،‬فقام القائد يوسف‪،‬‬
‫والشيخ الفكون بالتدخل‪ ،‬وقاموا بإقناع الجيش بمحاولة التمركز خارج املدينة والحصول على ما يكفى‬
‫ً‬
‫من املؤن لهم ‪ ,‬وعندما عين حسن أغا ساردوا قبطانا على البحرية العثمانية خلفه حسن قورصو بايلر‬
‫باي على الجزائر وقد وضع عدة حاميات تركية في أماكن مهمة بقسنطينة ما بين ‪ 1540‬و ‪ 1541‬وفى‬
‫زمورة‪ ,‬برج بوعريج‪ ,‬ومسيلة‪ ,‬بويرة ‪.‬‬

‫(‪)1‬يحي بو عزيز ‪ ،‬املوجز في تاريخ الجزائر ‪ ،‬ديوان املطبوعات الجامعية‪ ،‬ط‪ ،2‬د ‪ .‬ت‪18 – 17/2،‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪348‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫ولقد لعب الصراع بين القبائل دورا مهما في عدم استقرار الترك باملنطقة وتوصلت‬
‫األطراف املتنافسة إلى حل بان يستقر الحنانشة شرق البالد والذواودة غربها‪ ,‬وتم تعيين بوعكاز بن‬
‫(‪)1‬‬
‫عاشور على الذواودة شرق قسنطينة وعبد العزيز من قلعة بنى عباس على مجانة عام ‪1542‬م ‪.‬‬
‫فترة الباشوات (‪:)1659 - 1587‬‬
‫لقد تم تغيير نظام البايلرباى بنظام الباشوات بعدما ارتأت الدولة أن تقوم بإدخال‬
‫مجموعة من التعديالت على الحكم الجزائري‪ ,‬حيث وجدت أن والة الجزائر أصبحوا يحكمون القطر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حكما مطلقا‪ ،‬ويقومون بالتصرف في شؤونه بكل حرية رغم اعترافهم بسيادة الباب العالي عليهم‪ ،‬حتى‬
‫طمع بعض الوالة في عمل مملكة تضم املغرب اإلسالمي‪ ,‬فقد حاولوا وضع حد أمام سلطة جيش‬
‫االنكشارية املجندين من بلدان األناضول من خالل االعتماد على الفرق املجندة من القبائل الجزائرية‬
‫من العرب وغيرهم ولكن طموحاتهم لم يطمأن لها الحكام العثمانيون في اسطنبول‪ ,‬فقاموا بتغيير‬
‫النظام من خالل أسلوب جديد في الحكم وهو نظام الباشوات الجديد‪ ,‬فقد اقتض ى ذلك حذف البايلر‬
‫باى الذي كان يحمله حاكم الجزائر وصار يلقب بالباشا‪.‬‬
‫إن الدافع الكبير الذي أدى إلى عملية استحداث نظام الباشوات هو الرغبة الشديدة في‬
‫ً‬
‫عملية إحكام سيطرة العثمانيون على البالد ومنع حدوث التمرد ضدها‪ ،‬لكن األمور قد سلكت مسلكا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مغايرا تماما‪ ،‬فلقد بدأ ديوان األوجاق يزداد نفوذه وتزداد سيطرته خالل هذا العهد‪ ،‬وتدرج من أجل‬
‫التخلص من سيطرة العثمانيين وتالقت جهوده مع جهود الباشوات من أجل تجسيم هذا االتجاه‬
‫وإبرازه‪.‬‬
‫فلقد شجع الباشا خضر طائفة الرياس من أجل الغزو البحري‪ ،‬وسعى من أجل وضع حد‬
‫لالمتيازات التي كانت تخص التجار الفرنسيين في ساحل عنابة والقالة‪ ,‬وقام باألمر بهدم املركز التجاري‬
‫لديهم وأسر األشخاص املشتبه في أمرهم‪.‬‬
‫لم يستطع خلفه أن يعالج املوقف كما تريد الدولة العثمانية؛ ألن الديوان قد عارض أوامر‬
‫وتعاليم السلطان التي حملها إليه مبعوثه الخاص اآلغا مصطفى القابجي ‪ ,‬القاضية بإعداد املركز‬
‫(‪)2‬‬
‫الفرنس ي‪ ،‬وإطالق سراح األسرى الفرنسيين‪.‬‬
‫عندما تم الفتح املبارك وسافر الباشا سنان قام االنكشارية بعده فضبطوا ملك تونس‬
‫ً‬
‫وقاموا بتمهيد قواعده‪ ،‬وقاموا أيضا بتدعيمها‪ ،‬فتمكن بذلك بتمكين قدمهم ورسوخها واستمرت‬
‫ً‬
‫البالد بأيديهم خلفا بعد سلف‪،‬وقاموا بإصالح ما فسد من أسوارها وقلعتها‪ ,‬وقاموا بجعل دار اإلمارة بها‬
‫وهى املعبر عنها بدار الباشا‪.‬‬

‫(‪ )1‬حسين بوخلوة عبد الكريم الفكون القسنطيني حياته وآثاره ‪،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية والحضارة اإلسالمية‪ ،‬جامعة‬
‫السانية – وهران‪ ،‬الجزائر‪2009 ،‬م‪،‬ص ‪4‬‬
‫(‪)2‬يحي بو عزيز‪،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪35‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪349‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫ً‬
‫وجعلوا أيضا دار الديوان من أجل أن يرسم بها عند التشاور في أمور البالد‪،‬وسنوا لهم‬
‫مجموعة من القوانين التي يتميزون بها وأجروا في أمرهم األحكام على قانون الجزائر‪ ,‬فجعلوا املتصرف‬
‫في البالد دوالتليا‪ ،‬واملتصرف فى أمور املرتبات ودفعها والنظر في أمور العامة من الساحات‬
‫واإلقطاعات‪ ،‬وما ينضاف إلى ذلك هو الباشا الوارد من األعتاب العثمانية‪ ،‬فكلما ذهب باشا خلفه‬
‫باشا وال يكون إال بتولية األعتاب العثمانية‪ ،‬وجعلوا نظر العساكر آلغتهم وجعلوا والة لجمع الجبايات‪.‬‬
‫وقاموا بتدوين الدواوين وخرج الوالة لجباية األموال على مقتض ى تلك الدواوين‪ ،‬وجعلوا‬
‫تفرقة املال الذي تجبيه البايات على العساكر في دار الباشا على مقتض ى مراتب العساكر‪ ,‬فانتشرت‬
‫األعالم واألحكام في أقاليم إفريقيا‪ ،‬وخطب الخطباء باسم السالطين العثمانية‪ ،‬وضربت السكة‬
‫(‪)1‬‬
‫باسمهم وتوجهت اآلمال نحوهم وانضافت إفريقية إلى السلطنة العثمانية‪.‬‬
‫لقد اتسمت مرحلة الباشوات بانتشار الفوض ى‪ ،‬واالضرابات السياسية لتحديد فترة الحكم‬
‫فيها إلى ثالث سنوات‪ ,‬فلقد انكب الوالة املعينين من طرف األستانة على جمع األموال؛ إما إثراء‬
‫ألنفسهم‪ ،‬أو من أجل تعويض ما صرفوه من أموال من أجل شراء هذا املنصب إلى حد قد جعل زمام‬
‫السلطة ينفلت من أيديهم لصالح االنكشارية التي أخذت تقحم نفسها في الشؤون السياسية العليا في‬
‫البالد وهي عبارة عن أمور لم تكن من اختصاصهم مما أدى إلى تذمر األهالي من هذا التسيب اإلداري‪.‬‬
‫أدى هذا األمر إلى انتفاضة تلمسان ‪1627‬م التي تلتها انتفاضة الكراغلة األولى عام ‪1629‬م‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫– ‪1630‬م‪ ،‬والثانية عام ‪1633‬م؛ ليشهد الجنوب الجزائري تمردا شعبيا هو اآلخر دام قرابة عشر‬
‫سنوات في االنتفاضة التي عرفت بـ"ابن الصخرى"‪ ،‬ويضاف إلى تمرد أوالد عبد املؤمن بقسنطينة وأوالد‬
‫(‪)2‬‬
‫مقران بمجانة عام ‪1643‬م‪.‬‬
‫فترة األغوات (‪:)1671 – 1659‬‬
‫لقد دخلت الجزائر مرحلة جديدة هي مرحلة تسمى باألغوات‪ ,‬فبعد أن اعتلى البوكباش ي‬
‫خليل رأس السلطة في الجزائر بعد تمرد االنكشارية على الحكم في الجزائر بشكل كامل في مواجهة‬
‫الباب العالي‪ ,‬حيث إنه بعد سيطرة االنكشارية على الحكم في الجزائر حدثت مجموعة من التطورات‬
‫الخطيرة أثرت على السلطة العثمانية‪ ,‬فقد شملت هذه التطورات على مدة حكم األغا التي لم تتجاوز‬
‫السنتين على أن ينظر الديوان في أموره بعد ذلك‪ ,‬باإلضافة إلى حصر نفوذه وتحديد مسؤولياته‬
‫ومهامه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد كان لقب األغا يعتبر لقبا تشريفيا للحاكم‪ ،‬وعملية تفخيم لسلطته‪ ،‬بل هو لقب فخري‬
‫يفتخر به‪ ,‬بينما كان الديوان هو الحاكم األساس ي والحقيقي؛ لذلك كثرت عمليات االغتياالت نتيجة‬

‫(‪)1‬محمود مقديش‪ ،‬نزهة األنظار في عجائب التواريخ واألخبار‪ ،‬دار الغرب االسالمي‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1988 ،‬م‪ ،‬عدد‬
‫األجزاء‪86 - 85 /2،2 :‬‬
‫(‪)2‬كوثر العايب‪ ،‬العالقات الجزائرية التونسية خالل عهد الدايات‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ,‬كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬جامعة الوادي‪,‬‬
‫‪2014‬م‪ ،‬ص ‪.10 – 9‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪350‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫للتآمرات واملكائد التي كانت تدبر نحو الحكام‪ ،‬لقد أثر هذا األمر بشكل كبير على استقرار أوضاع الحكم‬
‫في الجزائر‪ ،‬وأدى ذلك إلى ضعف القوة العسكرية؛ نتيجة لتعرضها للعديد من الضربات األوروبية‬
‫الصعبة والثورات الداخلية‪.‬‬
‫كل هذه األمور أدت إلى إدخال البالد في حالة عارمة من الفوض ى‪ ،‬فلم يستقر أغا واحد في‬
‫الحكم أكثر من سنة‪ ,‬بل اشتد أكثر من ذلك‪ ،‬حيث أدت حالة التمرد من االنكشارية واألهالي إلى تغيير‬
‫أكثر من خمسة أغوات خالل سنة ‪1671‬م‪ ,‬وهو ما أدى إلى عودة رياس البحر إلى الواجهة وإمساكهم‬
‫ً‬
‫بزمام داخل اإليالة؛ خوفا من ضياع امتيازاتهم‪ ،‬وثرواتهم في البالد‪ ،‬فقاموا بإلغاء نظام األغوات‪،‬‬
‫ً‬
‫وتعيين واحدا منهم كحاكم وأعطي لقب الداي‪ ،‬حيث كان أول داي يحكم من رياس البحر هو الحاج‬
‫(‪)1‬‬
‫محمد التريكي ‪.‬‬
‫لقد أدت مجموعة من العوامل إلى خلق أزمة مالية شديدة‪ ,‬حيث لم تكن موارد الخزينة في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذلك الوقت كافية لسداد رواتب الجنود االنكشارية‪ ,‬فلقد بذل إبراهيم باشا جهدا جبارا في عملية‬
‫جمع األموال من خالل طرق غير شرعية من خالل ابتزاز أغنياء الدولة‪ ،‬وفرض العقوبات والغرامات‬
‫اإلضافية على التجار والحرفيين وكل من يمكنهم الدفع‪ ,‬غير أنه لم يفلح في مسعاه‪ ،‬لقد اشتد غضب‬
‫االنكشارية على إبراهيم الذي عجز عن دفع مستحقاتهم‪ ،‬فلم يمهلوه‪ ،‬بل قاموا برميه في السجن في‬
‫ً‬
‫‪1659‬م‪ ,‬خاصة أن ذلك قد صادف قدوم على باشا الذي عين حديثا من طرف الباب العالي‪.‬‬
‫ً‬
‫فلقد حمل الوالي الجديد معه فرمانا يأمر الجزائريين بتجهيز‪ ،‬وإرسال عمارة بحرية إلى‬
‫املشرق‪ ,‬مع عملية تعويض مالي مقابل مشاركتهم في عمليات حرب كريت‪ ,‬لكن الوالي قد وجد نفسه‬
‫ً‬
‫حرج جدا‪ ,‬إذا كان االنكشاريون في حالة أقرب من الهيجان ينتظرون بفارغ الصبر دفع رواتبهم املتأخرة‬
‫ً‬
‫في حين كانت الخزينة فارغة‪ ،‬وملا لم يجد بدا‪ ,‬عزم على اقتطاع قسم من املال املرسل لطائفة الرياس‪,‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وعلى أثر هذا األمر‪ ،‬ثارت طائفة على علي باشا وتأزم الوضع‪.‬‬
‫ويعتبر نظام األغوات عملية من أجل إيجاد نوع من الديمقراطية داخل الطبقة العسكرية‬
‫التركية الحاكمة‪ ,‬إذ أن مدة اآلغا ال تتجاوز الشهرين ويخلفه في مهامه أكثر العسكريين أقدميه‪،‬‬
‫باإلضافة إلى كون هذا النظام غير واقعي وال علمي‪ ،‬وأنه يحمل في نفسه بذور الزوال‪ ،‬إال أنه يتميز‬
‫بظاهرتين‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬أنه كان عبارة عن محاولة بارزة من أجل االنفصال عن السلطة العثمانية‪ ،‬واالستقالل‬
‫بدولة الجزائر‪.‬‬

‫(‪)1‬سفيان صغيرى‪ ,‬العالقات الجزائرية العثمانية خالل عهد الدايات فى الجزائر (‪ 1830 – 1671‬م)‪ ,‬رسالة ماجستير‪ ,‬كلية العلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية والعلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الحاج لخضر باتنة‪ ,‬الجزائر‪2012 ،‬م‪ ،‬ص ‪35 - 34‬‬
‫(‪ )2‬أمين محرز‪ ،‬الجزائر في عهد األغوات‪ ,‬البصائر الجديدة للنشر والتوزيع‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ,‬ص ‪78 – 77‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪351‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫الثانية ‪ :‬أنه كان عبارة عن انتقام من طائفة الرياس التي كانت كلمتها هي العليا في عهد معظم‬
‫الباشوات‪.‬‬
‫لقد ظهرت بوادر ضعف هذا النظام منذ السنة األولى من عملية استقراره‪ ،‬فعندما انتهت‬
‫املدة املقررة لوالية خليل آغا الذي كان أول آغا رفض التخلي عن مهامه‪ ،‬فثارت في وجهه كل طائفة‬
‫الرياس وفرقة اليولداش وأعدمته وعينت مكانه رمضان آغا الذي اغتيل بدوره في شهر اوت من سنة‬
‫‪1661‬م وقد تولى رمضان آغا بناء املسجد الجديد الشهير بالجزائر وهكذا فقد تبين من أول عهد‬
‫(‪)1‬‬
‫األغوات استحالة تحقيق هذا النظام القائم على املساواة املطلقة بين القادة العسكريين‪.‬‬
‫حكم الدايات (‪: )1830 – 1671‬‬
‫لقد كان الدايات في بداية عهدهم ينتخبون من طائفة الرياس التي قامت باسترجاع نفوذها‬
‫بعد إلغاء نظام األغوات‪ ,‬فرغم هذا االنقالب الذي حدث في نظام الحكم‪ ,‬فإن السلطان العثماني قد‬
‫ً‬
‫استمر في تعيين الباشاوات‪ ،‬إال أن وجودهم في الجزائر كان شرفيا فقط؛ إذ جردوا من كل السلطات‪.‬‬
‫فكان هذا الوضع في صالح االنكشاريين الذين تمكنوا من استرجاع نفوذهم ومكانتهم‪ ,‬فمنذ‬
‫عام ‪1689‬م أصبح الدايات ينتخبون من االنكشاريين ملدى الحياة‪.‬‬
‫لقد كان منصب الداي يتواله في غالب األمر أحد الشخصيات البارزة في الدولة‪ ،‬وهى الخزناجى‬
‫واآلغا وخوجة الخيل‪،‬إال أن هذه القاعدة لم تكن ثابتة‪ ,‬فقد كان بإمكان أي فرد أن يصل إلى منصب‬
‫(‪)2‬‬
‫الداي‪.‬‬
‫ويعتبر علي آغا (‪1671 – 1665‬م) هو آخر آغا عثماني حكم الجزائر‪ ,‬تم اغتياله سنة‬
‫ً‬
‫‪1671‬م إذانا بذلك نهاية نظام األغوات الذى امتد فترته من ‪1587‬م حتى سنة ‪1671‬م‪ ,‬وتنصيب حكم‬
‫جديد وهو نظام الدايات حيث قام رياس البحر بعد قيامهم بالثورة على االنكشارية بتعيين أحدهم‬
‫ً‬
‫وهو الحاج محمد دايا على الجزائر وبهذا األمر فقد دخلت الجزائر مرحلة جديدة من نظام حكم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العثمانيين وهو نظام الدايات بدءا من سنة ‪1671‬م وصوال لسنة ‪1830‬م‪.‬‬
‫لقد اخذ الحاكم العثماني في الجزائر بداية من سنة ‪1671‬م يلقب بلقب الداي وهو لقب‬
‫شرفي فخرى‪ ،‬وتدل هذه الكلمة على القايد أو القائد باللغة التركية وتعنى (ألب) أي الخال‪ ،‬وأول من‬
‫لقب به هو محمد بكطاش‪ ،‬كما أن لقب الداي كان يطلق على أمراء والية تونس‪ ،‬حيث إن سنان باشا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كان قد نظم االنكشارية في تونس‪ ،‬وجعل كال منهم أميرا‪ ،‬سمى بالداى وهو لقب يشعره بالعظمة‪.‬‬

‫(‪)1‬مبارك بن محمد الهاللى امليلى‪ ،‬تاريخ الجزائر في القديم والحديث‪ ، ،‬مكتبة النهضة الجزائرية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪172 /3،‬‬
‫(‪ ،)2‬أرزقى شويتام ‪ ،‬نهاية الحكم العثمانى فى الجزائر وعوامل انهياره (‪1830 – 1800‬م) ‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة االسكندرية‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب‪ ،‬اإلسكندرية‪1988 ،‬م‪ ،‬ص ‪19‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪352‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫وقد باشر الدايات مهامهم في الجزائر في السلطة منذ سنة ‪1671‬م ‪ ,‬وأطلق على الداي حسين‬
‫رايس التريكي لقب دولتى أو (دولتلى)‪ ،‬وسمى خلفه بابا حسن بالدولتى ولقد جمع الداي حسين "‬
‫ميزوموترو " فى بادئ األمر بين لقبي الباشا والداي‪.‬‬
‫يتم تعيين منصب الداى في الجزائر عن طريق إجراء انتخابات في حالة ما إذا توفى الداي‬
‫ً‬
‫على سريره‪ ،‬أو تم قتله وهو ما قد تكرر كثيرا‪ ،‬وقد أجريت هذه العملية في العديد من املرات وسط‬
‫منافسة شديدة‪ ,‬فقد كان الدايات في بادئ األمر من رجال رياس البحر ولكنهم فقدوا مكانتهم بعد‬
‫استرجاع طائفة االنكشارية ملكانتهم ونفوذهم فى السلطة فأصبح الداي يتم انتخابه من رجال‬
‫االنكشارية حيث يمارس من خاللها سلطته بشكل شبه مطلق ويخضع لسلطة االنكشارية رغم كل‬
‫(‪)1‬‬
‫الصالحيات واملزايا التي يتمتع بها ‪.‬‬
‫وفي عهد الداى حسن أصبحت التجارة في أيدى اليهود وفى خدمة مصالحهم بالدرجة األولى‪,‬‬
‫ويرجع ذلك إلى أنهم عرفوا كيف يستفيدوا من الظروف الدولية ويحولونها إلى أداة يقومون باستغاللها‬
‫من أجل تحقيق مكاسبهم‪ ,‬مركزين بذلك على تقديم معلومات إلى الدايات حول التحركات األجنبية‬
‫وتقديم الرشوة إلى املوظفين ومساعدة بعضهم على الوصول إلى مناصب عليا وغيرها من األساليب التي‬
‫(‪)2‬‬
‫تعود اليهود على استعمالها‪.‬‬
‫لقد كان الداي يتمتع بسلطات محدودة‪ ،‬وصالحيات تم تحديدها من قبل هيئة األوجاق‪،‬‬
‫وكانوا يمثلون ضباط امليليشيا التركية الذين كانوا متواجدين في مجلس الدولة‪ ،‬وكان في عهدته السهر‬
‫على عملية تطبيق القوانين املدنية والعسكرية واإلشراف على حصون املدينة‪ ،‬وتنظيم الجيوش‪،‬‬
‫ومراسلة القبائل املختلفة؛ قصد تهدئتهم واملحافظة على أمنهم‪ ،‬وحماية القبائل من الظلم‪ ،‬والبحث‬
‫ً‬
‫عن السبل التي تكفل تحقيق ازدهارها فيظل السالم بعيدا عن مخاطر الحرب‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن صالحيات الداى أيضا تعيين الوزراء وغيرهم من أعضاء حاشيته‪ ،‬واإلشراف على‬
‫الشؤون املالية‪،‬وتنظيم إدارتها على أحسن ما يرام‪.‬‬
‫وكان القادة العسكريين لهم سلطة كبيرة في الديوان‪ ،‬فهم الذين يكونون الديوان‪ ،‬وكان‬
‫عددهم في الهيئة ستون‪ ،‬يجتمعون كل يوم في الصباح في محل مخصص من أجل االطالع على األعمال‬
‫اإلدارية ومراقبة الحكومة بمقتض ى السلطات املخولة لهم بصفتهم هيئة عليا تتكون من قادة األوجاق‪،‬‬
‫فال يحصل الداي على مرتبة‪ ،‬إال منهم وبحضورهم‪ ،‬وهم الذين يقومون باالنتخابات وتعيين العاهل‬
‫(‪)3‬‬
‫املبعوث من الباب العالي الذي يحمل قرار من جرى تعيينه‪.‬‬
‫نهاية الحكم العثماني بالجزائر‪:‬‬

‫(‪ )1‬سفيان صغيرى‪ ،‬املرجع السابق‪،‬ص ‪40 - 39‬‬


‫(‪)2‬بن صحراوي كمال ‪ ،‬الدور الدبلوماس ي ليهود الجزائر في أواخر عهد الدايات ‪،‬رسالة ماجستير‪ ،‬معهد العلوم االجتماعية واإلنسانية‪،‬‬
‫املركز الجامعي‪ ،‬مصطفى اسطمبولي – معسكر‪ ،‬الجزائر‪2008 ،‬م‪،‬ص ‪133‬‬
‫(‪ )3‬النظام السياس ي الجزائري في العهد العثماني‪ ،‬أحمد السليماني‪ ،‬ص ‪20 - 19‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪353‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫*الثورات الريفية ‪:‬‬


‫لقد عرفت الجزائر في القرن التاسع عشر العديد من الثورات‪ ,‬فكان من أهمها الثورة الدرقاوية‬
‫التي قادها كل من ابن الشريف‪ ،‬وابن األحرش في شرق وغرب البالد‪.‬‬
‫*ثورة ابن األحرش ‪:‬‬
‫يعرف لدى العامة بابن األحرش‪ ،‬أو بالبودالي وأصله من عرب املغرب األقص ى‪ ,‬فقد قيل إن‬
‫ً‬
‫ابن األحرش قد جمع جيشا من املغاربة والجزائريين‪ ،‬وانضم إلى الجنود املصريين من أجل محاربة‬
‫ً‬
‫الفرنسيين‪ ،‬وأظهر أثناء املعارك شجاعة كبيرة مما جعله يكتسب شهرة وصيتا‪ ,‬فبعد أن مكث ابن‬
‫األحرش بعض الوقت في تونس انتقل إلى مدينة عنابة على ظهر إحدى السفن اإلنجليزية‪ ،‬واستقر به‬
‫املطاف في مدينة جيجل‪ ,‬وهناك بدأ ابن األحرش دعوته ويقوم باإلعداد إلعالن الحرب على السلطة‬
‫الحاكمة في الشرق الجزائري‪ ،‬فقد تمكن من جمع عدد كبير من األنصار‪ ,‬وكان أول نشاط قام به هو‬
‫تسليح السفن‪ ،‬وأمر بحارتها باإلغارة على السفن الفرنسية التي كانت تصطاد املرجان في السواحل‬
‫الجزائرية الشرقية‪ ،‬واستولوا على إحدى السفن الفرنسية‪ ،‬وأسر أربعة وخمسين منهم‪ ,‬وبعد هذه‬
‫(‪)1‬‬
‫الغزوة الناجحة قرر ابن األحرش أن يعلن الحرب على السلطة الحاكمة‪.‬‬
‫لقد عرفت مدينة وهران في العهد العثماني العديد من االضطرابات العسكرية والسياسية‬
‫ً‬
‫والتي كان أطراف النزاع فيها بايات وهران املتعاقبين؛ دفاعا على السلطة العثمانية‪ ,‬أما الطرف اآلخر‬
‫فهم أصحاب السلطة الدينية‪ ،‬أو الطرق الصوفية واملرابطون املتواجدون في بايلك الغرب‪.‬‬
‫وتعد ثورة درقاوة من أخطر الثورات واالضطرابات‪ ،‬وقادها عبد القادر بن الشريف‪ ,‬فلقد‬
‫كان املرابطون والطرق الصوفية هم السلطة الروحية للجزائريين وهذا ملا يقدمونه من خدمات‬
‫تعليمية واجتماعية‪ ,‬وقد جعل هذا األمر عالقتهم بالسكان عالقة روحية متينة عكس عالقة السكان‬
‫بالسلطة العثمانية‪ ،‬وينتسب ثوار درقاوة إلى الطريقة الصوفية التي ترجع أصولها إلى الطريقة‬
‫الشاذلية‪ ,‬حيث ظهرت هذه الثورة في عهد الباي مصطفى املنزالي الذى انهزم في معركة‪ ،‬حين التقى‬
‫جيش الباى بجيش ابن الشريف الدرقاوى‪ ،‬فانهزم الباي وتراجع الى مدينة وهران‪ ،‬ثم قام الثوار‬
‫الدرقاويون بإحكام سيطرتهم على معظم مدن بايلك الغرب‪ ،‬واستولوا على معسكر العاصمة للبايلك‬
‫باإلضافة إلى مدن مليانة ومازونة‪ ،‬والقلعة‪ ،‬وتلمسان‪ ،‬وتم القضاء على الحاميات التركية املوجودة في‬
‫(‪)2‬‬
‫تلك املدن‪.‬‬
‫لقد بدأ ابن الشريف يعد عدته‪ ،‬وعتاده‪ ،‬وجنوده من أجل أن يشن الحرب على سلطة‬
‫البايلك في الغرب الجزائري‪ ،‬ويرجع ذلك إلى أنه عندما كان بالغرب األقص ى عند شيخه محمد العربي‬

‫(‪)1‬أرزقى شويتام‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪93 - 89‬‬


‫(‪ )2‬عبد القادر بلغيث‪ ،‬الحياة السياسية واالجتماعية بمدينة وهران خالل العهد العثماني ‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية العلوم والحضارة‬
‫االسالمية‪ ،‬الجزائر‪2014 ،‬م‪ ،‬ص ‪.60 – 58‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪354‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫ً‬
‫الدرقاوي قال له " ياسيدى أن بوطننا قوما يقال لهم الترك ال ش يء لهم من دعائم اإلسالم‪ ،‬ويظلمون‬
‫الناس‪ ،‬وال يميزون بين العلماء واألولياء وغيرهم‪ ,‬نسأل منك أن يكون هالكهم على يدي؛ ليستريح منهم‬
‫العباد وتطهر منهم البالد‪ ،‬فقال له عليك بجهادهم وقتالهم وأن هلل ينصرك عليهم(‪.)1‬‬
‫فإن األسباب التي دفعت ابن الشريف إلى القيام بالثورة هي شبيهة بتلك األسباب التي أدت‬
‫إلى نشوب ثورة ابن األحرش في الشرق الجزائري‪ ،‬كما اتبع ابن الشريف نفس الطريقة التي اتبعها ابن‬
‫األحرش في عملية جمع االنصار ونشر الدعوة‪ ،‬وقد كان لثورة ابن الشريف عدة نتائج من أهمها‪ :‬توقف‬
‫النشاط الزراعي طول فترة الحرب‪ ,‬مما أدى إلى قلة الحبوب‪ ،‬فارتفعت أسعارها‪ ،‬كما خلفت الحروب‬
‫(‪)2‬‬
‫خسائر بشرية ومادية ‪.‬‬
‫ثورة التجانيين ‪:‬‬
‫إن العداء الذى وقع بين الطريقة التجانية‪ ،‬والسلطة العثمانية بدأ منذ اإلعالن عن‬
‫تأسيسها في عام ‪1782‬م‪ ،‬والذى ترجمته املضايقات املتكررة على عين ماض ي التي كانت عبارة عن‬
‫املركز الرئيس ي للطريقة‪ ,‬فإن أول حملة ضد الطريقة كانت قائدها الباى "محمد الكبير" باي الغرب‬
‫الجزائرى عام‪ 1784‬م‪ ،‬وكان هدفها تشديد الحصار على عين ماض ي‪ ،‬والحد من نشاط التجاني‪ ،‬وفى‬
‫العام املوالي قد جهز صالح باي قسنطينة حملة أخرى على عين ماض ي‪ ،‬وبعد سنتين قام عثمان باي‬
‫ابن الباي محمد الكبير بشن حملة أخرى على عين ماض ي‪ ،‬فكانت تلك املضايقات الكثيرة وراء هجرة‬
‫ً‬
‫الشيخ أحمد التجاني إلى فاس عام ‪1798‬م ‪ ,‬حتى يحافظ على طريقته من الزوال‪ ,‬فلقد كان حريصا‬
‫على ت قوية طريقته بوطنه من خالل توصية الشيخ صاحبه الحاج على التماسينى بإعادة ابنيه إلى عين‬
‫ماض ي‪.‬‬
‫وزاد من حدة التوتر والعداء بين التجانيين والعثمانيين أنه عندما ذهب محمد الكبير إلى‬
‫الحج‪ ،‬سمع الداي حسين بمغادرته فأمر الباي قسنطينة بإلقاء القبض عليه فور رجوعه من الحج؛‬
‫لكنه لم يتمكن من ذلك‪.‬‬
‫لقد كانت هذه الثورات أحد أهم األسباب األساسية لضعف الدولة‪ ،‬واإلسراع في عملية‬
‫إنهاء الحكم العثماني في الجزائر‪ ،‬فلقد كان لهذه االنتفاضات االنعكاس السلبي على ركود الحياة‬
‫الثقافية واالقتصادية‪ ،‬فقد عمل العثمانيون على تفريق العلماء والطلبة وتعطيل نشاطهم الديني ‪,‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫ً‬
‫فقد كان سوء تعامل الحكام مع هؤالء وخصوصا املتصوفة هو الطابع الغالب على تلك املرحلة ‪.‬‬
‫وقد هدفت هذه الثورات إلى وضع حد الستنزاف خيرات الريف‪ ،‬وتسخير سكانه لفائدة‬
‫االمتيازات األجنبية واالحتكارات التي كانت في أيدي اليهود التي كانت تهدف إلى تصدير أكبر كمية من‬

‫(‪)1‬أرزقى شويتام‪ ،‬املرجع السابق ‪،‬ص ‪.100‬‬


‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪107 - 100‬‬
‫(‪ ))3‬سعاد عقاد‪ ،‬الفالحون الجزائريون والسلطة العثمانية في الجزائر (‪ 1830 – 1519‬م) ‪،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية‬
‫والحضارة اإلسالمية‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪141 - 138‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪355‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫املواد األولية‪ ،‬والحبوب التي يقوم بإنتاجها الريف بأسعار زهيدة في فترة كانت فيها املجاعة واألمراض‬
‫تعصف بالسكان‪ ،‬وذلك بأمر من الداي مصطفى باشا الذي مكن التجار اليهود‪ ،‬ومنهم (بكرى بوشناق)‬
‫من تصدير كل احتياطي الحبوب في الشرق الجزائري إثر موت الداي محمد عثمان باشا‪ ،‬وقتل صالح‬
‫باي ‪1792‬م‪ ،‬وتولى حكام متعاملين مع التجار األوروبيين واليهود على حساب املصالح الحيوية لإليالة‬
‫(‪)1‬‬
‫الجزائرية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد عرفت السلطة العثمانية ضعفا كبيرا في أواخر عهد الدايات بسبب حالة عدم االستقرار‬
‫التي نتجت عن كثرة االغتياالت‪ ،‬وكثرة املؤامرات‪ ,‬فلقد شملت تلك املؤامرات السلطة‪ ،‬وأجهزة الحكم‬
‫ً‬
‫واملوظفين الساميين‪ ،‬واملساعدين لهم أيضا وشهدت األقاليم اإلدارية األخرى نفس الظروف من‬
‫الفوض ى‪ ،‬وعدم االستقرار بحيث تعرض العديد من البايات إلى القتل‪ ،‬والثورات من طرف السكان‬
‫بسبب سوء التسيير وتفاقمت األوضاع من السوء إلى األسوأ وهو ما أدى إلى اندالع العديد من الثورات‬
‫ضد الحكام األتراك عبر مختلف أرجاء الجزائر ‪.‬‬
‫فلقد اتسمت سياستهم بالتعسف وإرهاق الناس بالضرائب الذي أدى إلى ظهور الحركات‬
‫التمردية الكثيرة التي تزعمها شيوخ القبائل‪ ،‬ورجال الطرق الصوفية التي ازداد نفوذها وخطورتها؛‬
‫ً‬
‫خصوصا وأن حكام األتراك لم يجدوا بدأ من نقض عهده معهم بسبب األوضاع االقتصادية الصعبة‪،‬‬
‫فهمشوهم وحاولوا استغاللهم مثل باقي الرعية‪.‬‬
‫كذلك كان للتدخل األجنبي من طرف فرنسا وبريطانيا في عملية تغذية التمرد األثر البالغ في‬
‫حدوث ثورات ضد الحكم العثماني في الجزائر‪ ,‬فقد عملت فرنسا على دعم‪ ،‬وتشجيع القبائل الناقمة‬
‫ً‬
‫على السلطة العثمانية الحاكمة في الجزائر انطالقا من الشرق الجزائري وذلك من خالل مدها‬
‫باألسلحة والذخيرة‪ ،‬وعملية التحريض على الثورة والتمرد فكان دور قنصليتها التي كانت متواجدة في‬
‫الجزائر الدور الكبير في هذا األمر‪ ،‬كما أنه ال يمكن تجاهل الدور الذي قامت به تونس في الشرق‬
‫واملغرب في الغرب في عملية تدعيم الثورات و التمردات ضد الحكام العثمانيين في الجزائر‪ ,‬رغم محاولة‬
‫(‪)2‬‬
‫الدولة العثمانية التوسط من أجل فض النزاع ألكثر من مرة‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد عرفت الجزائر العثمانية في أواخر حكم الدايات أوضاعا متردية سردتها الكتابات‬
‫التاريخية سببها الرئيس ي النظام السياس ي الفاسد‪،‬فقد ساد االستبداد املطلق في الريف واملدن‪ ،‬وأثر‬
‫(‪)3‬‬
‫هذا األمر على مستقبل البالد في كافة نواحي الحياة‪.‬‬
‫تكاثر األزمات ‪:‬‬

‫(‪)1‬سعاد عقاد‪ ،‬املرجع السابق ‪،‬ص ‪142‬‬


‫(‪)2‬سفيان صغيرى‪ ،‬العالقات الجزائرية العثمانية خالل عهد الدايات في الجزائر (‪1830 – 1671‬م)‪ ,‬رسالة ماجستير‪ ,‬كلية العلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية والعلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الحاج لخضر باتنة‪ ،‬الجزائر‪2012 ,‬م‪ ،‬ص ‪.148 – 145‬‬
‫(‪ )3‬بلبراوات بن عتو‪ ,‬املدينة والريف بالجزائر في أواخر العهد العثماني رسالة دكتوراه‪ ,‬كلية العلوم اإلنسانية والحضارة اإلسالمية‪ ،‬جامعة‬
‫وهران‪2008 ،‬م‪ ,‬ص ‪.2 – 1‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪356‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫شهدت الجزائر في أواخر العهد العثماني العديد من االصطدامات بين حكام بايلك قسنطينة‬
‫وبين االنكشارية راح على إثرها معظم البايات الذين حكموا بعد مقتل صالح باي‪،‬فمن بين ‪ 19‬بايا‬
‫حكموا في الفترة ما بين ‪ 1792‬و ‪1826‬م قتل ‪ 13‬بايا وعزل الباقي‪ ,‬كما شهدت املنطقة ثورة محلية‬
‫كبرى كادت أن تنهى الحكم العثماني بالبالد قبل االحتالل الفرنس ي‪ ،‬وهى ثورة ابن األحرش عام ‪1804‬‬
‫م والتي تسببت في فوض ى عارمة بالبايلك بعد قتل الباي عثمان كما أنها تسببت في املجاعة الكبرى التى‬
‫ضربت البايلك في تلك السنة حتى صار السكان يقتاتون الدم وامليتة وغير ذلك مما ال يباح اقتياته ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما أن قسنطينة قد تعرضت في هذه الفترة إلى حصار شديد قد دام شهرا كامال من طرف باي‬
‫تونس حمودة باشا وكان سنة ‪1807‬م األمر الذي زاد من تأزم األوضاع العسكرية واالقتصادية ببايلك ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فقد استمر تدهور األوضاع في قسنطينة وأريافها حتى سنة ‪1808‬م‪.‬‬
‫ويرجع تدهور األوضاع في الجزائر في بداية القرن التاسع عشر إلى سوء تصرفات الداي مع‬
‫قناصل الدولة األوروبية في الجزائر‪ ،‬وتلهفه على املال‪ ،‬ومعاناة خزينة الدولة من أمور زيادة األسعار في‬
‫الغالء وغالء املواد املجهزة املستوردة‪ ،‬وبخس أثمان املواد األولية التي يتم تصديرها‪ ,‬باإلضافة إلى‬
‫صعوبة تنمية املوارد الداخلية للبالد وتعدد االنتفاضات الشعبية واالغتياالت‪ ,‬فلهذه األسباب تمكن‬
‫الجيش الفرنس ي من محاصرة الجزائر واحتالل سيدي فرج يوم ‪ 14‬جوان واالستيالء على العاصمة يوم‬
‫‪ 5‬جويلية ‪1830‬م ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ونتيجة الضمحالل املدخول املالي للدولة؛ أبدى الداي وحكومته اهتماما شديدا بالشؤون‬
‫الداخلية للبالد‪ ،‬وصمم على تعويض املداخيل من الغنائم والهدايا بمداخيل محلية يتحمل أعباءها‬
‫سكان الجزائر وكان من تلك املداخيل‪:‬‬
‫‪-‬اإليجار الذي يدفعه الفالحون مقابل استثمارهم لألراض ي التي تملكها الدولة ‪.‬‬
‫‪-‬الزكاة التي كانت تفرض على الحبوب واملاشية واألموال‪.‬‬
‫‪-‬الالزمة‪ :‬وهى ضريبة استثنائية تدفع كمساهمة من املواطنين في نفقات الجيش والدفاع عن الوطن ‪.‬‬
‫‪-‬العشور وهى الضرائب على املحصول‪.‬‬
‫فلقد كانت النتيجة الحتمية لزيادة الضرائب هي تزايد السخط الشعبي على حكم الداي‪ ،‬وتهرب‬
‫السكان من عمليات دفع الضرائب جملة واحدة ‪ ,‬وقيام الثورات الشعبية في العديد من النواحي‬
‫(‪)2‬‬
‫بالبالد وهذا ما يفسر االنهيار السريع للنظام التركي بالجزائر ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪-‬لقد شهدت العالقات الجزائرية الفرنسية خالل الفترة العثمانية استقرارا نسبيا‪ ،‬وكانت فرنسا‬
‫هي أول دولة حصلت على امتيازات تجارية لها بالسواحل الجزائرية خالل مطلع القرن السادس عشر‪,‬‬

‫(‪)1‬جميلة معاش ي‪ ,‬االنكشارية واملجتمع ببايلك قسنطينة في نهاية العهد العثماني رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية والعلوم‬
‫االجتماعية‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪.232 – 231‬‬
‫(‪ )2‬عمار بوحوش‪ ،‬التاريخ السياس ي للجزائر من البداية ولغاية ‪ 1962‬م ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ,‬ط‪1997 ،1‬م‪ ،‬ص ‪80 - 79‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪357‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫وبذلك أصبحت هذه تلك االمتيازات هي اإلطار العام للعالقات بين البلدين كما أنها كانت السبب‬
‫األساس ي فيما بعد إلى حدوث الكارثة املؤملة في الجزائر‪ ،‬وكان هناك العديد من األسباب التي كانت سببا‬
‫في تفكير فرنسا في احتالل الجزائر‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪-1‬اهتمام فرنسا بالجزائر ورغبتها في الحصول على االمتيازات السواحل الجزائرية مثل عنابة‬
‫وسكيكدة‪.‬‬
‫‪-2‬موقع املغرب العربي الهام على وجه العموم والجزائر بوجه الخصوص مما جعلها محطة أنظار‬
‫ً‬
‫الدول االستعمارية خصوصا بعد ضعف الدولة العثمانية ‪.‬‬
‫‪-3‬تطلع فرنسا إلى ضرب األسطول الجزائري‪ ،‬والحد من سيطرته البحرية‪ ,‬السيما أن مؤتمر فينا‬
‫في عام ‪1815‬م كان قد قرر وضع حد للقرصنة الجزائرية بالبحر األبيض املتوسط‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق شنت فرنسا حملتها العسكرية على الجزائر‪ ،‬والتي توجت بفرض حصار‬
‫عسكري على مدينة الجزائر استمر ملدة ‪ 3‬سنوات من يونيو ‪ 1827‬إلى يونيو ‪ 1830‬م ‪ ,‬وفى مقابل هذا‬
‫قام الداي حسين بتدمير املكاتب الفرنسية املوجودة في عنابة والقالة‪ ،‬وفى شهر ‪1829‬م فكرت حكومة‬
‫بولينياك على ضرورة تنفيذ مشروعها من أجل غزو الجزائر‪ ،‬لكن تلك الخطة فشلت بسبب أنها‬
‫اكتشفت من قبل سلطان املغرب األقص ى‪ ،‬وانجلترا وهكذا نجد أن حكومة بولينياك قد قررت في شهر‬
‫‪1830‬م إرسال حملة عسكرية إلى الجزائر‪.‬‬
‫وبررت اإلدارة الفرنسية إرسال الحملة بأن الداي حسين قد أهان شرف فرنسا‪ ،‬وكذلك من‬
‫أجل وقف القرصنة الجزائرية وتخليص أوروبا من القلق واالضطراب في البحر األبيض املتوسط ‪ ,‬فعلى‬
‫العموم كل هذه املبررات كانت تهدف على ضرورة إقناع الرأي العام األوروبي والفرنس ي بضرورة احتالل‬
‫(‪)1‬‬
‫الجزائر ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من تلك األسباب السابقة‪ ،‬إال أن السبب الرئيس ي للقضاء على الحكم العثماني‬
‫في الجزائر‪ ،‬واالحتالل الفرنس ي لها يرجع إلى أسباب سياسية وأخرى دينية‪ ،‬وذلك كما يلي‪:‬‬
‫األسباب السياسية ‪:‬‬
‫وتتمثل األسباب السياسية في اعتبار حكومة الرياس في الجزائر تابعة لإلمبراطورية العثمانية التي‬
‫ً‬
‫بدأت تنهار‪ ،‬والدول األوروبية تتهيأ من أجل االستيالء على األراض ي التابعة لها خصوصا أن الفرنسيين‬
‫كانوا يعتقدون أنهم سيحصلون على غنيمة تقدر ب ‪ 150‬مليون فرنك كانت موجودة بخزينة الداي‪،‬‬
‫كما أن شارل العاشر ملك فرنسا كان يرغب في خلق تعاون بين روسيا حتى يتغلب على الهيمنة‬
‫ً‬
‫البريطانية في البحر املتوسط والتمركز في ميناء الجزائر الذي كان يعتبر في نظر امللك الفرنس ي تابعا‬
‫لإلمبراطورية العثمانية املنهارة‪ ،‬وكان للمعارضة التي سيطرت على مجلس النواب في انتخابات نوفمبر‬

‫(‪ )1‬أكرم بوجمعة‪ ،‬أوضاع الجزائر مع مطلع القرن العشرين‪ ،‬مجلة كلية التربية للعلوم التربوية واإلسالمية‪ ،‬جامعة بابل‪ ،‬ع ‪2016 ،28‬م‪،‬‬
‫ص ‪163 - 162‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪358‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫جملة متون‬ ‫جامعة الدكتور موالي الطاهر سعيدة‬

‫‪1827‬م قد خلقت مصاعب داخلية للملك الفرنس ي الذي كان يعتقد أن الحل الوحيد من أجل إسكات‬
‫املعارضة هو عملية إحراز انتصار باهر على داي الجزائر‪.‬‬
‫األسباب الدينية ‪:‬‬
‫ً‬
‫من األسباب الرئيسية الحتالل فرنسا للجزائر الصراع الذي كان قائما بين الدول املسيحية‬
‫األوروبية والدول العثمانية اإلسالمية فقد انعكس على الجزائر؛ ألن األسطول الجزائري القوى يعتبر فى‬
‫نظر الدول املسيحية األوروبية عبارة عن امتداد لألسطول العثماني الذي كان يهيمن على منطقة‬
‫املشرق العربي‪ ،‬فالتعاون الوثيق بين الدولة العثمانية اإلسالمية والدولة الجزائرية املؤيدة لها في عملية‬
‫الدفاع عن حوزة اإلسالم قد دفع بالدول املسيحية في أوروبا أن تتعاون فيما بينها من أجل ضرب‬
‫(‪)1‬‬
‫املسلمين في استانبول والجزائر‪.‬‬
‫وخالف ملا سبق كان ملحمد علي دور كبير في القضاء على الدولة العثمانية في الجزائر‪ ،‬حيث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن محمد علي باشا يعتبر من صنائع مكائد الغرب وعميال مدسوسا من عمالئهم بدأ من وصوله إلى‬
‫سدة الحكم نتيجة تخطيط صليبي على األخص تخطيط فرنس ي أو كان من نتائج ذكاء محمد علي‬
‫ً‬
‫ومكره وثقافته أو األمرين معا ‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد احتوت الدول الغربية محمد علي‪ ،‬وأخذت تقوده في ركابها خصوصا وأن فيه من الصفات‬
‫والخالل التي ينشدها املستعمرون كجنون العظمة‪ ،‬وغلظة القلب وفظاظة الطبع ورقة الديانة‬
‫ً‬
‫وعدمها‪ ،‬وقد كان محمد علي يكره مسلمي مصر ويحتقرهم‪ ،‬وكان متواطئا مع الفرنسيين عند احتاللهم‬
‫ً‬
‫للجزائر حتى أنه هم بعد أن جاءته األوامر أن يقوم بنفسه باحتالل الجزائر خدمة للفرنسيين وعمال‬
‫لحسابهم الخاص‪ ،‬إال أن الفكرة قوبلت بالرفض‪ ،‬حيث إنها ستعمل على تهييج املسلمين وتثيرهم‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فقاموا بإلغائها واكتفى محمد علي بتزويد الفرنسيين في الجزائر بالغالل‪.‬‬

‫(‪ )1‬عمار بوحوش‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪86 - 83‬‬


‫(‪)2‬علي محمد محمد الصالبى ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪501‬‬

‫اجملدل الثامن – العدد الرابع – جانفي ‪2017:‬‬


‫‪359‬‬

You might also like