You are on page 1of 41

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الجامعة األردنية‬

‫مادة‬

‫الثقافة الوطنية‬

‫‪3400100‬‬

‫الفصل الصيفي‪2019/2018 ،‬‬

‫إشراف‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬أحمد يعقوب المجدوبة‬

‫لجنة اإلعداد والتوجيه‪:‬‬

‫د‪ .‬حمزة خوالدة (المقرر)‬

‫د‪ .‬عالء الطراونة‬ ‫د‪ .‬نضال الزبون‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬إبراهيم الشرعة‬

‫د‪ .‬عبدالهادي القعايدة‬ ‫د‪ .‬عبدهللا المانع‬ ‫د‪ .‬عبدهللا الشديفات‬

‫دة‪ .‬ميساء الرواشدة‬ ‫د‪ .‬وسام الهزايمة‬ ‫د‪ .‬خليل هالالت‬

‫‪-1-‬‬
‫الوحدة السابعة‪ :‬تاريخ األُردن‬
‫إعداد‪ :‬األستاذ الدكتور إبراهيم الشرعة‬

‫العديد من الحضارات في عصورها التاريخية القديمة‪،‬‬


‫َ‬ ‫تنو ًعا حضاريًّا َش ِم َل‬
‫شهدت أرض األردن ُّ‬
‫ومرور بالعصور البرونزية والعصور الحديدية‪ ،‬وتدرجت فيها الحضارة من‬‫ًا‬ ‫ابتداء من العصور الحجرية‬
‫ً‬
‫حضارة إنسان جامع لغذائه ويحترف مهنة الصيد إلى حضارة اإلنسان المستقر الذي مارس الزراعة وأقام‬
‫المدن وأنشأ الممالك‪ .‬ومن أهم الحضارات القديمة التي نشأت على أرض األردن اآلدومية والمؤابية‬ ‫َ‬
‫بدءا من عهد‬ ‫ِ‬ ‫والعمونية والنبطية والرومانية‪ .‬أما في ِ‬
‫مهم وكبير‪ً ،‬‬‫دور ٌّ‬‫لألردن ٌ‬ ‫الحقبة اإلسالمية فكان‬
‫وليس انتها ًء‬
‫َ‬ ‫ومرور بالعصور األموية والعباسية والفاطمية واأليوبية والمملوكية‪،‬‬
‫ًا‬ ‫الخلفاء الراشدين‪،‬‬
‫بالعصر العثماني‪ .‬ولما كان العثمانيو َن َقريبي عهد بنا فينبغي الوقوف على سيرتهم على نحو أكث َر‬
‫تفصيالً؛ إذ أقاموا في لواء عجلون (سنجق عجلون)‪ ،‬الذي ضم المنطقة الممتدة من الطيبة في الشمال‬
‫إلى وادي موسى في الجنوب‪ ،‬ومن نهر الشريعة غرًبا إلى البادية شرًقا‪ ،‬وتكون من نواحي‪ :‬عجلون‪،‬‬
‫والصلت‪ ،‬والغور‪ ،‬والكرك‪ ،‬وجبل حميده‪ ،‬وكرك الشوبك‪ .‬أما المنطقة الشمالية من األردن فكانت تتكون‬
‫من ثالث نواح تتبع لواء حوران‪ ،‬هي‪ :‬ناحية بني كنانة‪ ،‬وناحية بني األعسر‪ ،‬وناحية بني جهمة‪.‬‬
‫وأنشئت القالع في عجلون‪ ،‬والسلط‪ ،‬والكرك‪ ،‬والشوبك‪ ،‬وكذا أنشئت سلسلة منها على طريق الحج؛‬
‫بهدف فرض األمن وحماية طريق الحجاج التي لها مكانة خاصة لدى المسلمين والسالطين‪.‬‬
‫العثماني في شرقي األردن منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر على اآلتي‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫وقد انصب االهتمام‬
‫أوالا‪ -‬الناحية اإلدارية‪ :‬قسمت منطقة شرقي األردن إلى مجموعة من الوحدات اإلدارية‪ ،‬كان أولها عام‬
‫‪ 1851‬عندما أنشأت الدولة العثمانية قضاء عجلون‪ ،‬الممتد من نهر اليرموك شماالً إلى نهر‬
‫مركز‪ ،‬وقد ألحق هذا القضاء بمتصرفية حوران التابعة‬
‫جنوبا‪َ ،‬و َعينت له قائمقام اتخذ إر َبد ًا‬
‫ً‬ ‫الزرقاء‬
‫لوالية الشام‪ .‬وتال ذلك بسط الدولة سيطرتها على المنطقة الوسطى (منطقة البلقاء) في عام‬
‫نوبا‪،‬‬
‫‪1866‬م عندما أنشأت قضاء البلقاء‪ ،‬الذي امتد من وادي الزرقاء شماالً إلى وادي الموجب ج ً‬
‫مركز‪ ،‬وقد ألحق هذا القضاء بمتصرفية نابلس التابعة لوالية بيروت‪.‬‬
‫وعين له قائمقام اتخذ السلط ًا‬
‫ثم أنشئت المنطقة الجنوبية (الكرك ومعان) في عام ‪1893‬م‪َ ،‬وأطلِ َق عليها لواء الكرك َوألحقت‬
‫بوالية الشام‪ .‬أما العقبة فقد ظلت القوات المصرية مرابطة فيها حتى عام ‪ 1892‬حيث ألحقت‬
‫بالمدينة المنورة‪ ،‬وبقيت كذلك إلى أن دخلتها قوات الثورة العربية الكبرى عام ‪1917‬م‪.‬‬

‫‪-2-‬‬
‫ثانيا‪ -‬الناحية السياسية‪ :‬مثل توفيق المجالي لواء الكرك في مجلس المبعوثان العثماني في دورته األولى‬
‫ا‬
‫في انتخابات ‪َ ،1908‬وأعيد انتخابه في دورة المجلس الثانية عام ‪1914‬م‪ .‬وإلى جانب ذلك فقد‬
‫عدد من أبناء اللواء في المجلس العمومي لوالية سوريا‪ ،‬وهم‪ :‬عودة القسوس (عن الكرك)‪،‬‬
‫شارك ٌ‬
‫السكر (عن السلط)‪ ،‬وعبد النبي النسعه (عن معان)‪ ،‬وعبد المهدي محمود (عن‬ ‫ويوسف ُّ‬
‫الطفيلة)‪.‬‬
‫قاطعا إياها من‬ ‫عبر األراضي األردنية‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ثال اثا‪ -‬سكة حديد الحجاز (‪1908-1900‬م)‪ :‬مر قسمها األكبر َ‬
‫الشمال إلى الجنوب‪ ،‬وقد أدى ذلك إلى إقامة عدد كبير من المحطات على طول الخط لتوفير‬
‫أهمها‪ :‬جابر‪ ،‬والمفرق‪ ،‬والخربة السمراء‪ ،‬والزرقاء‪ ،‬وعمان‪َ ،‬وأم الحيران‪ ،‬واللبن‪،‬‬
‫األمن والحماية‪ُّ ،‬‬
‫وزيزياء‪ ،‬وضبعة‪ ،‬وخان الزبيب‪ ،‬وسواقة‪ ،‬والقطرانة‪ ،‬والمنزل‪ ،‬وفريفرة‪ ،‬وطرفة‪ ،‬والشيدية‪ ،‬وغدير‬
‫الحاج‪ ،‬وحطين‪ ،‬وبطن الغول‪ ،‬والرملة‪ ،‬وتلول الشحم‪ ،‬والمدورة‪.‬‬
‫وقد أفادت األردن من هذا الخط في جميع النواحي‪ ،‬وأفادت منه الدولة العثمانية ًأيضا‪،‬‬
‫فبالنسبة إلى شرقي األردن كان أو َل وسيلة مواصالت مهمة تشهدها المنطقة‪ ،‬كما أفادت األردن‬
‫من المحطات التي أنشأتها الدولة العثمانية مما سهل ربط مدن هذه المنطقة وتجمعاتها بالشام‬
‫َ‬
‫والحجاز‪ ،‬وبخاصة بعد أن ربطت هذه المحطات بالبوسطة والتلغراف فأصبحت متصل ًة بالعاَلم‬
‫الخارجي‪.‬‬
‫حدها‪ ،‬بل كانت‬
‫لم تكن ثورة الكرك عام ‪1910‬م في حقيقة األمر ثورة مدينة الكرك و َ‬
‫تعبر عن رفض األهالي كافة لنهج الدولة العثمانية وتوجهاتها وسياساتها في المنطقة‪ ،‬وتمثلت‬
‫أسباب الثورة الرئيسة في انعدام الثقة بين األهالي وممثلي الحكومة العثمانية‪ ،‬والقسوة التي‬
‫عصياني الشوَب ِك عام ‪1905‬م‪ ،‬واإلجراءات التي نفذتها الدولة العثمانية‬
‫ِ‬ ‫استخدمت لتصفية‬
‫اء في جمع السالح من األهالي أو‬ ‫المرتبطة مباشرة بتطبيق قانون الخدمة العسكرية اإلجبارية‪ ،‬سو ٌ‬
‫إجراء تَعداد عام للسكان أو تسجيل األراضي واألمالك األخرى‪ ،‬وكلها إجراءات كان األهالي قد‬
‫نحو إقدام الحكومة العثمانية على عمل ما ِتجاه سكان هذه‬ ‫ات أولية َ‬ ‫فسروها على أنها خطو ٌ‬
‫المنطقة‪.‬‬
‫ِ‬
‫المدينة والقرى المحيطة بها‪ ،‬فأعلنوا العصيان‪ ،‬وهاجموا‬ ‫ونتيجة لتلك المظالم تحرك أهالي الكرك‪،‬‬
‫ِ‬
‫حوص َر الجنود بالقلعة‪ ،‬وأحرقوا ونهبوا الكثير من‬ ‫قلعة الكرك في ‪ 21‬تشرين الثاني ‪1910‬؛ حيث‬
‫(هبة الكرك) أو ( َهية‬
‫السجالت العثمانية المهمة‪ ،‬وقد عرفت هذه الحركة في تاريخنا المحلي باسم َ‬

‫‪-3-‬‬
‫الكرك)‪ .‬ولما كان ذلك فقد أرسلت الدولة العثمانية حمل ًة عسكرية كبيرة بقيادة الضابط سامي باشا‬
‫من الوصول بسرعة بسبب استخدامها سكة حديد الحجاز‪ ،‬مما ساهم في سرعة إنهاء‬ ‫الفاروقي‪ ،‬تمكنت َ‬
‫عدد من رموز الثورة وقادتها ونفي‬
‫التمرد بعد أن قمع بشدة وعنف‪َ ،‬وفرضت الغرامات المالية‪ ،‬وأعدم ٌ‬
‫مع الروح العامة‬
‫أماكن متفرقة‪ .‬ومهما يكن من أمر فإن هذه الثورة جاءت لتتماشى َ‬
‫َ‬ ‫بعضهم اآلخر إلى‬
‫التي كانت سائدة في كل الواليات العربية ِتجاه الحكم العثماني‪ ،‬ولتكون إحدى إرهاصات النهضة التي‬
‫أخذت البالد العربية تعيشها آنذاك‪ ،‬وتمثلت في ما بعد بالثورة العربية الكبرى‪.‬‬
‫وكانت السلط والكرك ومعان وعجلون أهم الحواضر األردنية في أواخر حكم الدولة العثمانية‪ ،‬أما‬
‫عمان فكانت عام ‪ 1905‬قرية صغيرة ال يزيد عدد سكانها على خمسة آالف نسمة‪.‬‬
‫أما األوضاع في شرقي األردن فكانت سيئة على نحو عام‪ ،‬خاصة بعد أن قضى العثمانيون على‬
‫حركة الكرك في عام ‪1910‬م‪ ،‬التي شملت كل المناطق التابعة للواء الكرك‪ ،‬وكان من أسبابها عزم‬
‫الحكومة على فرض قانون الخدمة العسكرية وجمع السالح من السكان؛ حيث أخمد العثمانيون المتمردين‬
‫بكل قسوة َوعنف‪ ،‬مما أدى إلى زيادة الحقد عليهم‪.‬‬
‫وعندما قامت الحرب العالمية األولى في األول من شهر آب عام ‪ ،1914‬بين دول الحلفاء ودول‬
‫الوسط‪ ،‬وقفت الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا؛ فأعلنت التعبئة العامة؛ حيث جِن َد القادرون على حمل‬
‫السالح من قضاء عجلو َن وباقي أجزاء األردن‪ ،‬أما الكرك فلم يشملها التجنيد؛ إذ أعفي أبناؤها من الخدمة‬
‫َ‬
‫العسكرية بعد قيام حركة الكرك عام ‪.1910‬‬
‫لقد عانت شرقي األردن –كغيرها من البالد العربية– من ظروف الحرب‪ ،‬سواء أكان ذلك بارتفاع‬
‫بضائع وحاصالت زراعية‪ ،‬وزاد‬
‫َ‬ ‫األسعار‪ ،‬أم بفقدان السلع الضرورية‪ ،‬أم بمصادرة ما لدى المواطنين من‬
‫خالل سنوات الحرب‪ ،‬إضافة إلى قطع اآلالف من األشجار الحرجية‬
‫َ‬ ‫بالد الشام‬
‫من ذلك غزو الجراد َ‬
‫واألشجار المثمرة من أجل توفير الفحم للقطارات بعد أن قطعت الدول األوروبية عن الدولة العثمانية‬
‫الفحم الحجري‪ ،‬وشمل إجراء تقطيع األشجار معظم مناطق شرقي األ ِ‬
‫ردن تقر ًيبا‪ .‬فضالً عن عمليات‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫االبتزاز واالعتقال والنفي‪ ،‬خاصة في مناطق تحشد القوات التركية كقضاء عجلون‪ ،‬وبعض مدن البلقاء‬
‫ِ‬
‫أعداد كبيرة من سكانه إلى‬
‫ٌ‬ ‫نظام عسكر ٌّي صارم‪ ،‬وأرسلت‬
‫ٌ‬ ‫قضاء عجلو َن مثالً‬ ‫ض على‬ ‫وقراها؛ فقد ف ِر َ‬
‫ميادين القتال بموجب قانون التجنيد اإلجباري‪.‬‬
‫وتعرضت بعض المدن األردنية إلى الضرب بقنابل مدفعية الجيشين البريطاني والعثماني‪ ،‬كالس ِ‬
‫لط‬
‫اآلخر‪،‬‬
‫َ‬ ‫بعضهم‬
‫السلطات العثمانية َ‬
‫ان وما جاورهما‪ ،‬مما أدى إلى قتل العديد من المواطنين‪ ،‬وإعدام ُّ‬
‫وعم َ‬

‫‪-4-‬‬
‫بعض و َجهاء المنطقة (السلط‪ ،‬والكرك‪ ،‬ومعان)‬
‫السلطات العثمانية َ‬
‫هاجر بعضهم إلى القدس‪ ،‬ونفت ُّ‬
‫َ‬ ‫كما‬
‫تأديبا لهم‪.‬‬
‫خارج شرقي األردن؛ ً‬
‫تطوٌر إداري على جنوبي منطقة شرقي األردن في أثناء الحرب؛ حيث أصبح قضاءا م َ‬
‫عان‬ ‫وط أر ُّ‬
‫و ِ‬
‫العقبة تابعين للمملكة الهاشمية الحجازية وعاصمتها مكة‪ ،‬وتشكلت الدوائر الحكومية في معان‪ ،‬بينما‬
‫كانت الدوائر الداخلية في العقبة‪.‬‬

‫الثورة العربية الكبرى والدور األُردني في معاركها‪:‬‬


‫ت َعُّد الثورة العربية الكبرى أو ما يعرف بالنهضة العربية أهم حدث في تاريخ األمة العربية الحديث؛‬
‫ملكا على األمة العربية‪.‬‬
‫نفسه ً‬
‫حيث أعلن الشريف الحسين بن علي‪ ،‬وهو قائد الثورة العربية الكبرى‪َ ،‬‬
‫وفي هذا السياق يقول المؤرخو َن إنه بعد استقرار رأي ساسة العرب ومفكريهم على االنفصال عن‬
‫الدولة العثمانية بشتى الوسائل‪ ،‬اتصل أعضاء األحزاب والجمعيات العربية (كالفتاة والعهد) بالشريف‬
‫الحسين ِ‬
‫بن علي؛ إذ أرسلوا إليه فوزي البكري في نهاية عام ‪ ،1914‬حامالً رسالة شفوية من الزعماء‬
‫الوطنيين في سورية والعراق‪ ،‬مفادها إعالمه برغبة العرب في الحصول على االستقالل والنهوض‬
‫بعروبتهم‪.‬‬
‫ابنه فيصالً إلى إستنبول لمقابلة الصدر األعظم (رئيس الوز ارء)‪ ،‬وأعضاء‬
‫تال ذلك إرسال الحسين َ‬
‫الجمعيات في سورية‪ ،‬وخاصة جمعيتي (الفتاة والعهد)‪ ،‬اللتين وضع أعضاؤهما في أيار عام ‪1915‬‬
‫مع بريطانيا‪،‬‬
‫ميثاًقا سم َي (ميثاق دمشق)‪ ،‬كان األساس الذي ارتكزت عليه مباحثات الشريف حسين َ‬
‫وأبرز ما جاء فيه اعتراف بريطانيا باستقالل البالد العربية (في آسيا) باستثناء عدن‪ ،‬ومنح العرب‬
‫األفضلية لبريطانيا في المشروعات االقتصادية‪ ،‬وعقد معاهدة دفاعية بين بريطانيا والدولة العربية‬
‫المستقلة‪ ،‬وإلغاء االمتيازات األجنبية‪.‬‬
‫مع هن ــري مكماهــون (‪)Henry McMahon‬‬ ‫ِِ‬
‫بناء على ما سلف‪ ،‬بدأ الحسين بن علي اتصاالته َ‬ ‫ً‬
‫معا‬
‫ابتداء من ‪ 14‬تموز عام ‪ 1915‬وحتى ‪ 10‬آذار عام ‪ ،1916‬فتبادال ً‬ ‫ً‬ ‫ممثل بريطانيا في مصر‪،‬‬
‫رسائل تضمنت مطالب العرب‪ ،‬التي رفعت للشريف الحسين ِ‬
‫بن علي‪ .‬وعلى هذا األساس أعلن‬ ‫َ‬ ‫عشر‬
‫َ‬
‫الشريف الحسين بن علي عن بدء الثورة العربية في ‪ 10‬حزيران عام ‪.1916‬‬

‫‪-5-‬‬
‫وبذا أعلن الشريف الحسين بن علي نهض ًة عربية ليس لها شبيه في تاريخ هذه األمة؛ فقد أعلن أن‬
‫حق مقدس يجب أن يعتز به العرب‪ ،‬وأن هذا االعتزاز يتفق واإلسالم‪ ،‬وأعلن أن لعرب ًّ‬
‫حقا‬ ‫العروبة ٌّ‬
‫مع حقوق الشعوب األخرى‪.‬‬ ‫مَقد ًسا في تقرير مصيرهم‪ ،‬على أال يتعارض ذلك َ‬
‫أما عن دور األردنيين في حروب الثورة العربية الكبرى‪ ،‬فقد اتصل األمير فيصل بالعديد من شيوخ‬
‫دعوتَه ووفدوا‬
‫عشائر األردن‪ :‬الحويطات وبني صخر وبني عطية والعمارات والرولة والش اررات‪ ،‬الذين لبوا َ‬
‫شيخا وزعيم قبيلة‪ .‬ومن أبرز هؤالء‬
‫إلى الوجه منذ شهر آذار عام ‪ ،1917‬ووصل عددهم إلى (‪ً )242‬‬
‫الشيخ عودة أبو تايه‪ ،‬الذي أقسم لألمير فيصل أن يقف معه ضد األتراك‪ ،‬واقترح تحرير العقبة‪ .‬وقد‬
‫مع نوري الشعالن‪ ،‬كما اتصل‬
‫بن علي‪ ،‬الذي اتصل َ‬ ‫شكلت لذلك حمل ٌة صغيرة برئاسة الشريف ناصر ِ‬
‫حو (‪ )500‬متطوع من‬ ‫أبو تايه الذي كان يرافق الحملة برجال قبيلته‪ ،‬وجمعوا في وادي السرحان ن َ‬
‫االنضمام إلى الحملة‪.‬‬
‫َ‬ ‫طالبا إياهم‬
‫الحويطات والرولة‪ ،‬كما أرسل الشريف ناصر إلى عشائر بني صخر م ً‬
‫معان وأبي اللسن والقويرة‪َ ،‬وحررت العقبة في‬
‫َ‬ ‫واستطاعت هذه الحملة مهاجمة غدير الحاج جنوبي‬
‫وكثير من عسكره وبعض الضباط األلمان‪ ،‬والفضل‬ ‫بداية تموز من العام ِ‬
‫نفسه؛ إذ استسلم قائد حاميتها‬
‫ٌ‬
‫في ذلك يعود لعشائر جنوبي منطقة شرقي األردن الحويطات والنجادات والرولة والش اررات‪ ،‬كما أعيد‬
‫تشكيل قوات الثورة العربية الكبرى في شرقي األردن بعد تحرير العقبة‪ ،‬وتشكلت قوة نظامية وأخرى غير‬
‫نظامية تألفت من متطوعي القبائل والعشائر في شرقي األردن وعشائر الحجاز وسورية‪.‬‬
‫هم في النصف الثاني من عام ‪1917‬؛ حيث هاجمت خط ِسكة‬ ‫دور م ٌّ‬
‫وكان للعشائر األردنية ٌ‬
‫الحديد الحجازي جنوب معان وشمالها‪ ،‬ومن أبرز هذه العشائر‪ :‬التوايهة والرولة وبني عطية والحويطات‬
‫خسائر كبيرة في األرواح ودمرت أكثر من ثالثين‬
‫َ‬ ‫وعشائر الكرك وبني صخر والسرحان؛ فألحقت باألتراك‬
‫جس ًار ونزعت من ِسكة الحديد عشرة آالف قضيب‪.‬‬
‫بن علي ِم َن االستيالء على الطفيلة؛ حيث دخلتها‬
‫وقد تمكنت قوات الثورة بزعامة الشريف ناصر ِ‬

‫في بداية عام ‪َ ،1918‬وكلف الشيخ ذياب العوران بتشكيل قوة جندرمة (شرطة) محلية‪ ،‬والتعاون َ‬
‫مع عودة‬
‫أبو تايه وحمد بن جازي‪ ،‬في إعداد القوات الالزمة لمهاجمة خط ِ‬
‫السكة‪.‬‬
‫قسمت منطقة شرقي األردن في عهد المملكة العربية السورية إلى ثالثة ألوية‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫و‬
‫أوالا‪ :‬لواء الكرك‪ ،‬ومركزه مدينة الكرك‪ ،‬وتتبعه أقضية الطفيلة ومعان والعقبة ونواحي الشوَبك‬
‫والعراق وذيبان وتبوك‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬لواء البلقاء‪ ،‬ومركزه السلط‪ ،‬ويتبعه قضاءا الجيزة وعمان وناحية مأدبا‪.‬‬
‫ا‬

‫‪-6-‬‬
‫ثال اثا‪ :‬لواء حوران‪ ،‬ومركزه درعا‪ ،‬وتتبعه أقضية عجلون (إربد) وجرش وأزرع وبصرى‪.‬‬
‫يوم ‪ 7‬حزيران عام ‪1919‬؛ بهدف قيام دولة واحدة يرأسها األمير‬
‫دمشق َ‬
‫َ‬ ‫َوعقد المؤتمر السوري في‬
‫فيصل؛ حيث مثل شرقي األردن مجموع ٌة من األشخاص‪ ،‬هم‪ ::‬سعيد الصليبي وسعيد أبو جابر (من‬
‫قضاء السلط)‪ ،‬وسليمان السودي الروسان وعبد الرحمن ارشيدات (من قضاء عجلون)‪ ،‬وناجي ذيب ثم‬
‫خليل التلهوني (من قضاء معان)‪ ،‬وعيسى المدانات (من قضاء الكرك)‪ ،‬وعبد المهدي المرافي ثم حسن‬
‫العطيوي (من قضاء الطفيلة)‪ ،‬وناصر الفواز الزعبي (من ناحية الرمثا)‪.‬‬
‫ورفض أهالي سورية السياس َة البريطانية – الفرنسية‪ ،‬حتى إن أهالي شرقي األردن في منطقة‬
‫الصهيونية في سمخ‬
‫الكفارات وبني عبيد والرمثا والوسطية أغاروا في عام ‪1920‬على المستعمرات ُّ‬
‫عيمهم كايد المفلح العبيدات‪ ،‬وتعرضت أ ُّم قيس‬
‫وبيسان‪ ،‬ولكن بريطانيا تصدت لهم بطائراتها وقتلت ز َ‬
‫ان في‬
‫االنتداب‪ ،‬الذي أثار السخط والهيج َ‬
‫َ‬ ‫لقصف الطائرات البريطانية‪ .‬كما رفض أهالي شرقي األردن‬
‫نفوسهم‪ ،‬مما دفع قائد منطقة القنيطرة علي خلقي الشرايري إلى تولي مسؤولية تنظيم المقاومة ضد القوات‬
‫تعبير عن الحالة السائدة في المنطقة‪.‬‬
‫الفرنسية في لبنان؛ ًا‬
‫وشكل اهالي شرقي األردن بعد معركة ميسلون ‪ 1920‬قوة كبيرة بزعامة سلطان العدوان‪ ،‬ضمت‬
‫دمشق‬
‫َ‬ ‫عددا من الشركس بزعامة مير از باشا وسعيد المفتي‪ ،‬كان هدفها مساعدة الجيش العربي في‬
‫ً‬
‫للوقوف ضد االحتالل الفرنسي‪ ،‬لكن القوة األردنية توقفت عند دخول الفرنسيين دمشق‪ .‬واشترك أهالي‬
‫شرقي األردن في المقاومة السورية ضد االحتالل الفرنسي بعد خروج الملك فيصل؛ حيث سافر عدد من‬
‫أهالي عمان والبلقاء بالقطار ومعهم مدفعان؛ إضافة إلى حملة من فرسان العشائر برئاسة منور الحديد‬
‫وصل عددها إلى (‪ )400‬خيال‪ ،‬وتولى الشريف علي البديوي قيادة المتطوعين من شرقي األردن‪ ،‬الذين‬
‫وصل عددهم إلى أكثر من ألف‪ ،‬معظمهم من بدو البلقاء وأهل السلط وعمان‪.‬‬
‫وتألفت في منطقة شرقي األردن ما بين آب ‪ 1920‬وآذار ‪ 1921‬عدة مجالس إدارة‪ ،‬اصطلح‬
‫على تسميتها (الحكومات المحلية)‪ ،‬ومن أبرزها‪ :‬حكومة إربد‪ ،‬وحكومة السلط‪ ،‬وحكومة الكرك‪ .‬وكانت‬
‫الروح القبلية والعصبية العشائرية صف ًة غالبة على الحكومات الثالث‪ ،‬التي لم تستمر أكثر من سبعة‬
‫أشهر؛ فحكامها زعماء َووجهاء عشائر‪ .‬ولما لم تظهر شخصية أقوى من هؤالء الزعماء يخضعون لها‬
‫حكومات جديدة‪ ،‬كما حدث في‬
‫ٌ‬ ‫وينصاعون ألوامرها فقد انفصلت مناطق عن الحكومة المركزية‪َ ،‬وشكلت‬
‫حينذاك عدم وجود قوة عسكرية كافية لفرض هيبة الحكومة َوسلطانها والمحافظة‬
‫َ‬ ‫إربد مثالً‪ .‬كما لوحظ‬
‫على االستقرار‪ ،‬مما شجع بعض العشائر على اعتداء بعضها على بعض‪ ،‬ومن ثَم حدوث نزاعات‬

‫‪-7-‬‬
‫عجزت الحكومات عن حلها‪ ،‬رغم أن الضباط البريطانيين كانوا يساعدون في فرض األمن من خالل‬
‫بعض الجنود‪ ،‬الذين كانوا يأتون من ِفَلسطين‪ .‬فضالً عن فشل هذه الحكومات في تحصيل الضرائب من‬
‫سلبا على الموظفين ورجال الدرك‪ ،‬الذين استمر بعضهم بالعمل‬
‫المواطنين بصورة منتظمة‪ ،‬مما انعكس ً‬
‫لعدة شهور من غير الحصول على رواتب‪.‬‬

‫عشائرها إلدارتها ما بين آب ‪ 1920‬وآذار ‪1921‬؟‬


‫أهل المنطقة و ُ‬‫اء الذي اتبع ُه ُ‬
‫سؤال‪ :‬ما اإلجر ُ‬
‫المالمح التي اتسمت بها الحكومات المحلية في منطقة شرقي األُردن؟‬
‫ُ‬ ‫سؤال‪ :‬ما‬

‫للمزيد‪ ،‬انظر الموقع اإل لكتروني اآلتي‪:‬‬


‫‪http://jaf.mil.jo/Arabic/ArmyForces/ArmyForcesHistory/GreatArabRev‬‬
‫‪olution/Pages/Introduction.aspx‬‬

‫تأسيس إمارة شرقي األُردن (‪:)1946 -1921‬‬


‫ُ‬
‫أرسل عدد من الزعماء المحليين في شرقي األردن ومن سوري َة‪ ،‬أبرزهم‪ :‬عودة أبو تايه‪ ،‬وسعيد‬
‫خير‪ ،‬وعادل أرسالن‪ ،‬وغالب الشعالن ومحمود الهندي‪ ،‬برقيات للشريف الحسين‪ ،‬طالبوه فيها بإرسال‬
‫أحد أبنائه كي يتزعم حركة المقاومة ضد الفرنسيين‪ ،‬فاستجاب لمطالبهم بإرسال األمير ِ‬
‫عبدهللا الذي كان‬
‫يشغل منصب وزير خارجية مملكة الحجاز‪ ،‬الذي رافقته قوة من رجاالت البدو من قبيلة عتيبة‪ ،‬تراوح‬
‫عددها ما بين (‪ )1000-500‬رجل‪ ،‬خرجت من مكة في ‪ 27‬أيلول عام ‪ 1920‬متجهة إلى معان؛ حيث‬
‫استقبَله أهلها وعشائرها‪ ،‬وخاصة عودة أبو تايه‪ ،‬بحماسة شديدة‪ ،‬كما التحق به بعض الضباط العرب في‬
‫المنطقة‪ ،‬منهم‪ :‬غالب الشعالن‪ ،‬ومحمد علي العجلوني‪ ،‬وخلف التل‪ ،‬وفؤاد سليم‪ ،‬وبهجت طبارة‪.‬‬

‫عبدهللا إلى شرقي األُردن؟‬


‫سؤال‪ ،‬لماذا جاء األمير ُ‬

‫نائبا عن أخيه الملك فيصل؛ من أجل تحرير سوري َة من الفرنسيين‬


‫جاء األمير إلى المنطقة بوصفه ً‬
‫وطردهم‪ ،‬وإعادة المملكة العربية السورية وعاصمتها دمشق‪ ،‬كما جاء استجابة لنداءات أهالي البالد‬
‫السورية عام ًة‪ ،‬الذين استنجدوا بشريف مك َة الحسين ِ‬
‫بن علي‪ .‬وقد بادر عدد من زعماء المنطقة ووجهائها‬

‫‪-8-‬‬
‫بتلبية دعوة األمير عبدهللا وهو في معان فالتحقوا به‪ ،‬وكان من هؤالء‪ :‬حمد بن جازي ومثقال الفايز‬
‫وحديثة الخريشا وعطوي المجالي وحسين الطراونة وسعيد خير وسعيد المفتي وشيخ العيسى‪ ،‬وبعض‬
‫السوريين الفارين من االحتالل الفرنسي‪ ،‬من مثل‪ :‬أحمد مريود ونبيه العظمة وكامل البديوي ومحمود‬
‫مريود‪.‬‬

‫قادما من معان‪ ،‬وتنفي ًذا لهذه‬


‫تمهدا النتقال األمير إليها ً‬
‫ً‬ ‫شكل األردنيون حركة وطنية في عم َ‬
‫ان‬
‫بناء على طلب مثقال الفايز‬‫ان ً‬ ‫الحسين الحارثي إلى عم َ‬ ‫بن‬
‫يف علي َ‬
‫الخطوة أرسل األمير عبدهللا الشر َ‬
‫وسعيد خير‪ ،‬فاستقبلته عشائر بني صخر والبلقاء‪ ،‬وساعدوه في استقبال وفود الوطنيين القادمين إلى‬
‫عمان من مختلف أنحاء شرقي األردن؛ حيث أعلنوا دعمهم لألمير ِ‬
‫عبدهللا وللحركة الوطنية ضد‬ ‫َ‬
‫الفرنسيين‪.‬‬
‫وصل األمير عبدهللا إلى القطرانة ثم الجيزة فعمان في ‪ 2‬آذار ‪ ،1921‬وكان في استقباله أهلها‬
‫والمجتمعون فيها من وفود وأعيان وعلماء وأشراف وجند وضباط؛ حيث قدموا له الوالء والتأييد‪ ،‬وحل‬
‫ضيفا على رئيس بلدية عمان سعيد خير‪.‬‬‫األمير ً‬
‫وفي ‪ 12‬آذار افتتح المؤتمر المنعقد في القاهرة برئاسة ونستون تشرشل (‪،)Winston Churchill‬‬
‫األمير ِ‬
‫عبدهللا عمان‪ ،‬وكانت هناك عدة آراء حول طريقة‬ ‫ِ‬ ‫وفيه طرحت مسألة شرقي األردن‪ ،‬بعد دخول‬
‫أهمها‪ :‬إخراج األمير من شرقي األردن بالقوة‪ ،‬أو االتفاق معه على حكم البالد‪،‬‬
‫مع هذه المسألة‪ُّ ،‬‬
‫التعامل َ‬
‫أو التخلص منه عن طريق االعتماد على القوى المحلية‪ .‬وتوصل المؤتمرون إلى حل مفاده االتفاق َ‬
‫مع‬
‫عبدهللا على حكم شرقي األردن؛ فقرروا إرسال قوات بريطانية إلى هناك لحماية حدود ِفَلسطين‬ ‫األمير ِ‬
‫الشرقية ومنع أية حركة ضد الفرنسيين في سورية‪.‬‬
‫وجه تشرشل دعوة إلى األمير ِ‬
‫عبدهللا لمقابلته في القدس‪ ،‬فالتقاه هناك في ‪ 28‬آذار‪ ،‬ودارت‬
‫مباحثات بين الطرفين أعرب تشرشل خالَلها عن تقديره لموقف العرب المشرف في الحرب العالمية‬
‫األولى‪ ،‬وتحدث عن خطة بريطانيا ِتجاه األسرة الهاشمية‪ ،‬المتمثلة في ترشيح الملك فيصل لعرش العراق‪،‬‬
‫عبدهللا في شرقي األردن‪ .‬وتمخض عن هذا االجتماع التوصل إلى اتفاق مؤقت مدته ستة‬ ‫وبقاء األمير ِ‬
‫شهور‪ ،‬تضمن إقامة حكومة وطنية في شرقي األردن برئاسة األمير ِ‬
‫عبدهللا‪ ،‬تكون مستقلة استقالالً إداريًّا‬
‫ماديا لتوطيد األمن‪ ،‬وتسترشد بمندوب بريطاني يقيم في عمان‪ ،‬وتنشئ بريطانيا‬
‫تاما‪ ،‬وتساعدها بريطانيا ًّ‬
‫ًّ‬

‫‪-9-‬‬
‫ان وزيزياء (الجيزة)‪ ،‬وتحافظ على حدود سورية وِفَلسطين من كل اعتداء‪،‬‬ ‫قاعدتين للطيران في عم َ‬
‫وتتوسط بريطانيا لتحسين العالقات بين األمير ع ِبدهللا و ُّ‬
‫السلطة الفرنسية في سورية‪.‬‬
‫مرضيا؛ إذ استطاع أن يحظى بدعم دولة كبرى لتحقيق‬
‫ً‬ ‫ولقد عد األمير عبدهللا هذا االتفاق حالً‬
‫آماله‪ .‬وباشر بعد ذلك في ‪ 11‬نيسان عام ‪1921‬بتأليف أول حكومة في عهد اإلمارة‪ ،‬فعين رشيد طليع‬
‫ئيسا "لمجلس المشاورين" ومنحه لقب الكاتب اإلداري‪ .‬والصفة الغالبة على هذه الحكومة أن معظم‬ ‫ر ً‬
‫أعضائها من حزب "االستقالل السوري"؛ إذ لم يكن بينهم سوى أردني واحد هو علي خلقي الشرايري‪،‬‬
‫ابة أربعة أشهر أقيلت الحكومة‪ ،‬فشكل مظهر رسالن‬ ‫ووزير من الحجاز وآخر من ِفَلسطين‪ .‬وبعد قر ِ‬
‫َ‬
‫حكومة جديدة أطلق عليها "مجلس المستشارين"‪.‬‬
‫تاما وعقد‬ ‫وبدأت مطالبات األمير ِ‬
‫عبدهللا المسؤولين البريطانيين باستقالل شرقي األردن استقالالً ًّ‬
‫أي شيء‪ ،‬سوى‬ ‫غير أنه لم ينجم عن هذه المباحثات وغيرها ُّ‬
‫معاهدة بين الطرفين تَض َمن هذا االستقالل‪َ ،‬‬
‫ما أعلنه هيربرت صموئيل عندما زار عمان في ‪ 25‬أيار عام ‪1923‬؛ إذ اعترفت الحكومة البريطانية‬
‫عبدهللا‪ ،‬على شرط أن تكون دستورية بحيث تمكن‬‫بوجود حكومة مستقلة في شرقي األردن برئاسة األمير ِ‬
‫بريطانيا من أداء تعهداتها الدولية‪.‬‬

‫عبدهللا عند بداية تأسيس اإلمارة عدة صعوبات داخلية وخارجية‪ ،‬ما هي؟‬
‫األمير ُ‬
‫ُ‬ ‫سؤال‪ :‬واجه‬

‫قاوم عدد من شيوخ العشائر والزعماء التقليديين الحكوم َة المركزية التي أنشأها األمير في عمان‪،‬‬
‫الجديدة التي أصبحت‬ ‫ِ‬
‫التنظيمات اإلداري َة‬ ‫عيم ناحية الكورة كليب الشريدة‪ ،‬الذي رفض‬
‫َ‬ ‫وكان أبرز هؤالء ز َ‬
‫ان مباشرة‪ ،‬لكن طلبه هذا رفض‪ ،‬مما أدى إلى‬ ‫طالبا أن يتبع لعم َ‬
‫الكورة بموجبها تابعة لمتصرف إربد‪ ،‬م ً‬
‫صدام بينه وبين الحكومة أطلق عليه "حادث الكورة"‪ .‬واستمر مسلسل األحداث الداخلية في بداية‬ ‫وقوع ِ‬
‫ف‬‫تأسيس اإلمارة؛ إذ حاول عدد من الزعماء تقليد الشريدة‪ ،‬وأبرز هؤالء سلطان العدوان‪ ،‬الذي تزعم حل َ‬
‫ان في آب عام ‪ .1923‬وظهر في آذار عام‬ ‫اصطدام في عم َ‬
‫ٌ‬ ‫البلقاء‪ ،‬وحصل بينه وبين قوات اإلمارة‬
‫‪ 1926‬تمرد في جنوب شرقي األردن ضد اإلدارة الجديدة‪ ،‬في قرى وادي موسى‪ ،‬تمثل في هجوم أهالي‬
‫المنطقة على مخفر الدرك ودار الحكومة‪ ،‬وقد اتبعت الحكومة سياسة اللين في بادئ األمر‪ ،‬لكن الهجوم‬
‫عاد من جديد بعد أن أنشأت الحكومة طريًقا للسيارات بين معان ووادي موسى؛ حيث هاجم األهالي‬
‫مخافر الدرك هناك‪.‬‬
‫َ‬

‫‪-10-‬‬
‫وتكمن أسباب قيام مثل هذه الحركات في اعتياد سكان منطقة شرقي األردن على عدم وجود‬
‫السلطة العثمانية مرة واحدة في السنة‪ ،‬عند جباية‬‫حكومة مركزية؛ إذ كانوا في السابق يشاهدون رجال ُّ‬
‫الكثير من االمتيازات التي كانوا يتمتعون‬
‫َ‬ ‫الضرائب‪ ،‬إضافة إلى فقدان شيوخ العشائر والزعماء التقليديين‬
‫ونها قبل تأسيس اإلمارة؛ كالفصل في‬‫بها في العهد العثماني‪ ،‬وحرمانهم من َم َهمات كثيرة كانوا يؤد َ‬
‫بناء على العادات والتقاليد التي كانت سائدة آنذاك‪ ،‬فضالً عن كراهية سكان المنطقة‬
‫الخالفات العشائرية ً‬
‫للسلطة التي عجزت عن تقديم العون لهم في أثناء المجاعات وانتشار األوبئة الفتاكة‪ ،‬وهذا موروث‬
‫ُّ‬
‫تاريخي لمسه الناس أيام العثمانيين‪ ،‬إلى جانب الجهل الذي كان متفشًيا بين الناس نتيجة لقلة المدرسين؛‬
‫لذا عجزوا عن استيعاب ما حدث‪ ،‬خاصة قيام حكومة مركزية في منطقة شرقي األردن شبيهة –من‬
‫نفسها‬
‫ليب َ‬
‫وجهة نظرهم– بالحكومة العثمانية‪ ،‬واتباع الحكام والموظفين الجدد في الحكومة األردنية األسا َ‬
‫التي كانت أيام األتراك العثمانيين؛ إذ لم تختلف عقليتهم عن عقلية األتراك‪ ،‬والتقاء مصالح بعض الشباب‬
‫مناصب في اإلدارة‬
‫َ‬ ‫مع مصالح بعض زعماء العشائر‪ ،‬وخاصة مسألة الحصول على‬ ‫األردنيين المثقفين َ‬
‫الجديدة‪ ،‬والحلول محل الموظفين العرب‪.‬‬
‫تطور الحياة السياسية في شرقي األردن فقد سعت الحكومة إلى إبرام معاهدة ثنائية‬
‫أما في يتعلق ب ُّ‬
‫مع نظيرتها الحكومة البريطانية‪ ،‬خاصة بعد إعالن ‪ 25‬أيار عام ‪ ،1923‬الذي اعترفت بريطانيا من‬ ‫َ‬
‫خالله بوجود حكومة مستقلة في شرقي األردن برئاسة األمير ِ‬
‫عبدهللا‪ ،‬لكن هذه المساعي لم تتحقق إال في‬
‫بداية عام ‪ .1928‬وقد توصل الجانبان؛ األردن ُّي برئاسة رئيس المجلس التنفيذي (الوزراء) حسن خالد أبو‬
‫الهدى‪ ،‬والبريطاني برئاسة اللورد بلومر (‪ )Lord Plumer‬إلى عقد اتفاقية بينهما‪ ،‬وقعت في ‪ 20‬شباط‬
‫عام ‪ ،1928‬وكانت مطابق ًة لمبادئ صك االنتداب البريطاني على شرقي األردن‪ ،‬رغم احتوائها على مواد‬
‫نحو األمام للتخلص من االنتداب البريطاني‪ .‬وكان أهم ما تضمنته‬ ‫عبدهللا خطوة َ‬
‫األمير َ‬
‫َ‬ ‫جديدة‪ ،‬منحت‬
‫السل ِ‬
‫طات التشريعي َة واإلدارية التي‬ ‫االتفاقية وضع قانون أساسي للبالد "دستور"‪ ،‬ومنح األمير ِ‬
‫عبدهللا ُّ‬ ‫َ‬
‫مع حقها في تنظيم قوات‬ ‫كانت بيد ملك بريطانيا‪ ،‬واحتفاظ بريطانيا بقوات مسلحة في شرقي األردن‪َ ،‬‬
‫مسلحة وإنشائها ومراقبتها بهدف الدفاع عن البالد وتأييد األمير ِ‬
‫عبدهللا‪ ،‬والتزام بريطانيا بتقديم معونة‬
‫مالية على سبيل ِهبة أو قرض لسد النفقات العادية لإلدارة ولإلنفاق على القوات الالزمة للدفاع عن شرقي‬
‫األردن‪ ،‬إضافة إلى تقديم التسهيالت للقوات البريطانية والسماح بنقل الوقود والعتاد والذخيرة واللوازم‬
‫وتخزينها على طرق شرقي األردن َوِس َك ِكها الحديدية ومعابرها المائية وموانئها‪ ،‬وكذلك عدم وجود حواجز‬

‫‪-11-‬‬
‫جمركية بين ِفَلسطين وشرقي األردن ما لم يقع ُّ‬
‫أي اتفاق بين البلدينن ووضع التسهيالت أمام تجارة شرقي‬
‫األردن في الموانئ ال ِفَلسطينية‪.‬‬
‫وقد جاءت المعاهدة خاتمة لمرحلة مليئة باالضطرابات الداخلية والمصاعب المالية واالقتصادية‬
‫واالعتداءات الخارجية والصراع بين رجال االنتداب البريطاني والوطنيين من قادة حزب االستقالل العربي‪،‬‬
‫عبدهللا ومكنت بريطانيا من وضع يدها على الشؤون المالية واإلدارة العسكرية‪ ،‬كما‬
‫األمير َ‬
‫َ‬ ‫لكنها قيدت‬
‫كانت بداية لعهد جديد اتسم باالستقرار الداخلي وقيام مؤسسات دستورية وحياة سياسية‪ ،‬إضافة إلى انفتاح‬
‫معها‪.‬‬
‫شرقي األردن على الدول المجاورة وإقامة عالقات ثنائية َ‬
‫تطور الحياة السياسية في اإلمارة‪ ،‬وكانت أبرز اإلنجازات على‬
‫مع بريطانيا ُّ‬‫تال توقيع المعاهدة َ‬
‫الصعيد الداخلي وضع قانون أساسي‪ ،‬كما ورد في المادة الثانية من المعاهدة ِ‬
‫نفسها‪ ،‬قدمته الحكومة‬ ‫َ‬
‫البريطانية الئحتَه إلى حكومة شرقي األردن‪ ،‬ونشر في ‪ 16‬نيسان من العام نفسه‪ ،‬وكان إلى حد كبير‬
‫مشابها للقانون األساسي الذي كان معموالً به في العراق‪.‬‬
‫ً‬
‫أرسى القانون األساسي القو َ‬
‫اعد األولية لمؤسسات الحكم في اإلمارة؛ إذ حدد صالحيات رئيس الدولة‬
‫عبدهللا وحكومته‪ ،‬ونص على تأليف مجلس لمساعدته في ممارسة صالحياته‪ ،‬وعلى تأليف مجلس‬ ‫األمير ِ‬
‫وآخر تشريعي‪ ،‬إضافة إلى إق ارره بوجود مؤسسات قضائية مؤلفة من ثالثة أنواع من المحاكم‬ ‫َ‬ ‫تنفيذي‬
‫الدينية والمدنية والخاصة‪ ،‬كما بين القانون حقو َق الشعب األردني القائمة على المساواة بين المواطنين‪.‬‬
‫ويمكن القول إن األمير عبدهللا سيطر من خالل معاهدة عام ‪ 1928‬والقانون األساسي "الدستور" لعام‬
‫‪ 1928‬على مقاليد األمور‪ ،‬وأصبح بموجب هذين اإلج ارءين ذا نفوذ وقوة‪.‬‬
‫وبناء على القانون األساسي "الدستور" أجريت في كانون الثاني عام ‪ 1929‬أول انتخابات عامة‬
‫ً‬
‫ألول مجلس تشريعي في اإلمارة‪ ،‬شارك فيها جميع سكان اإلمارة من الذكور‪ ،‬وفيها نجح معظم مرشحي‬
‫الحكومة ولم ينجح إال اثنين من المعارضة‪ :‬مسيحي وشركسي‪ ،‬وبذا أصبح المجلس التشريعي مؤلًفا من‬
‫عضوا‪ ،‬إضافة إلى أعضاء الحكومة ورئيسها‪ .‬وكانت اإلمارة مقسمة إلى أربع دوائر انتخابية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ً‬ ‫(‪)16‬‬

‫عجلون والبلقاء والكرك ومعان‪ ،‬وهناك دائرتان انتخابيتان تمثل إحداهما َ‬


‫بدو الشمال واألخرى ب َ‬
‫دو‬
‫عضو في المجلس‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الجنوب‪ ،‬ولكل واحدة منهما‬
‫وكانت أول أعمال المجلس التشريعي المنتَخب المصادق َة على المعاهدة األردنية – البريطانية في ‪4‬‬
‫حزيران عام ‪ ،1929‬وإقرار النظام الداخلي للمجلس في ‪ 7‬أيار من العام ِ‬
‫نفسه‪.‬‬

‫‪-12-‬‬
‫اضيا عن كثير من مواد المعاهدة؛ لذا انعقد في مدينة عمان في ‪ 5‬تموز‬
‫لم يكن الشعب األردني ر ً‬
‫طالب فيه المؤتمرون أن تكون‬
‫َ‬ ‫ميثاق‬
‫ٌ‬ ‫صدر عنه‬
‫َ‬ ‫مؤتمر وطني برئاسة حسين الطراونة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عام ‪1928‬‬
‫ذات سيادة بحدودها الطبيعية‪ ،‬وأن تدار بحكومة دستورية مستقلة‪،‬‬
‫قي األردن دول ًة عربية مستقلة َ‬‫شر ُّ‬
‫االنتداب البريطاني ووعد بلفور‪ ،‬كما رفض االعتراف بأي انتخابات نيابية تجري على‬
‫َ‬ ‫واستنكر الميثاق‬
‫صادر عن حكومة دستورية‬
‫ًا‬ ‫غير قواعد التمثيل الصحيح‪ ،‬ورفض كذلك كل تجنيد عسكري ال يكون‬
‫مسؤولة‪ ،‬ورفض دفع أية نفقات للقوات األجنبية في شرقي األردن‪ ،‬كما طالب بمنح شرقي األردن‬
‫تقالل في شؤونها المالية‪.‬‬
‫االس َ‬
‫وانتخب المؤتمرون مجموع ًة من األشخاص َ‬
‫تحت اسم "أعضاء اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني"‪،‬‬
‫رفعوا هذه المطالب لألمير ِ‬
‫عبدهللا‪ ،‬ولكن المعتمد البريطاني لم يستجب لذلك‪ ،‬فقابَله حسين الطراونة‬ ‫َ‬
‫السلطة التشريعية‪ ،‬وبجعل الحكومة مسؤولة‬‫السلطة التنفيذية عن ُّ‬
‫وسلمه مذكرة تضمنت المطالبة بفصل ُّ‬
‫أمام المجلس التشريعي‪ ،‬والتخلص من الموظفين البريطانيين‪ ،‬والتخفيف من االتفاقات المالية التي تصرف‬
‫على البريطانيين‪ ،‬إضافة إلى رفض االنتداب على البالد‪.‬‬
‫وقد رد المعتمد البريطاني على هذه المذكرة فأشار إلى أن بريطانيا اعترفت باستقالل الحكومة‬
‫األردنية في ‪ 25‬أيار عام ‪ ،1923‬ودافع عن القانون األساسي الجديد "الدستور"‪ ،‬ولكن اللجنة التنفيذية‬
‫اجتمعت في ‪ 16‬آب عام ‪ 1928‬وردت عليه بمذكرة بينت فيها أن اإلدارة البريطانية في شرقي األردن‬
‫تقوم بتصرفات غير مسؤولة؛ إذ لم تحسن من حالة البالد االقتصادية لدرجة أن المواطن األردني أرِهق‬
‫انين استثنائية ظالمة‪ ،‬من مثل‪ :‬قانون الجرائم وقانون‬
‫عالوة على إخضاع البالد لقو َ‬ ‫ً‬ ‫من الضرائب‪،‬‬
‫العقوبات المشتركة وقانون النفي واإلبعاد وتقييد حرية الصحافة‪ ،‬وأدى هذا بدوره إلى خنق الحريات العامة‬
‫والفردية‪.‬‬

‫أبرز ق اررات المؤتمر الوطني األُردني في عام ‪1929‬؟‬


‫سؤال‪ :‬ما ُ‬

‫مقاومتَها للتدابير التي‬


‫َ‬ ‫وتابعت المعارضة األردنية بزعامة حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني‬
‫اتُّخذت بعد توقيع معاهدة عام ‪ ،1928‬وهاجمت قانون االنتخاب وبعض القوانين االستثنائية‪ .‬ووصل بها‬
‫ان وعجلو َن لألمين العام لعصبة األمم عريضتين في ‪ 24‬تشرين الثاني‬ ‫ِ‬
‫األمر إلى َرف ِع شيوخ الكرك وعم َ‬
‫مع إبقاء‬ ‫ِ‬ ‫من العام ِ‬
‫تأسيس دولة عربية مستقلة في شرقي األردن برئاسة األمير عبدهللا‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫نفسه‪ ،‬طالبوا فيهما‬

‫‪-13-‬‬
‫االنتداب البريطاني دو َن المس بسيادة البالد‪ ،‬كما طالبوا برفض االنتخابات العامة غير المبنية على قواعد‬
‫التمثيل الصحيح‪ ،‬وأن تكون قيادة الجيش العربي بيد قيادة عربية ال بريطانية‪ ،‬وأن تكون َم َهمة بريطانيا‬
‫استشاري ًة فني ًة فقط‪.‬‬
‫وقد انتظمت المعارضة في عدة أحزاب‪ ،‬وِس َم معظمها بالعشائرية الجهوية‪ ،‬وكان من أبرزها‪ :‬حزب‬
‫اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني برئاسة حسين الطراونة‪ ،‬وحزب الشعب برئاسة هاشم خير‪ ،‬والحزب الحر‬
‫المعتدل بزعامة رفيفان المجالي‪ ،‬وحزب التضامن األردني بزعامة مصطفى وهبي التل‪ .‬واستطاع حزب‬
‫مع األحزاب األخرى‬ ‫اللجنة التنفيذية عقد خمسة مؤتمرات بين عامي (‪ ،)1933-1929‬نجح من خاللها َ‬
‫في تعبئة الرأي العام في شرقي األردن ضد معاهدة عام ‪ 1928‬والقانون األساسي "الدستور" والقوانين‬
‫االستثنائية األخرى‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد كان توقيع المعاهدة بداية الوعي والنضال السياسي األردني‪.‬‬
‫بارز في معارضة‬
‫دور ًا‬‫وانتقلت المعارضة إلى قاعة المجلس التشريعي؛ حيث أدى أعضاء المجلس ًا‬
‫الهيمنة البريطانية على البالد؛ فندد النائب عادل العظمة بامتياز البحر الميت لشركة البوتاس‪ ،‬ووصفها‬
‫مع شركة َنفط العراق‪ ،‬وأثار‬
‫بأنها شركة صهيونية‪ ،‬واعترض النائب حسين الطراونة على االتفاق المعقود َ‬
‫نائب إربد نجيب الشريدة موضوع االستغناء عن الموظفين غير األردنيين‪ ،‬كما كرر أعضاء المجلس‬
‫عبدهللا أن يبذل ما في وسعه لتعديل‬
‫األمير َ‬
‫َ‬ ‫المطالبة بتعديل مواد معاهدة عام ‪1928‬؛ حيث طالبوا‬
‫المعاهدة‪ ،‬ولكن هذه المحاوالت قوبلت بالرفض من المندوب السامي البريطاني‪.‬‬
‫وقد بدأت الحركة الوطنية األردنية تضعف ابتداء من منتصف الثالثينيات‪ ،‬في الوقت الذي برزت‬
‫فيه الحركة الوطنية ال ِفَلسطينية‪ ،‬وخرجت المعارضة إلى المنفى (سورية) بزعامة صبحي أبو غنيمة‪،‬‬
‫وانضمت إلى صفوف المعارضة ال ِفَلسطينية‪ ،‬واتصلت بدول المحور أمالً في التخلص من االنتداب‬
‫البريطاني‪ ،‬وقد جعل هذا ُّ‬
‫كله الحرك َة الوطنية األردنية خالل الحرب العالمية الثانية (‪)1945-1939‬‬
‫شبه معدومة‪ ،‬رغم وجود مشاعر وطنية‬
‫غير فاعلة وليس لها دور يذكر‪ .‬وكانت المعارضة في الداخل َ‬ ‫َ‬
‫لدى بعض األردنيين‪.‬‬

‫إمارة شرقي األُردن في الحرب العالمية الثانية (‪:)1945-1939‬‬


‫كان األمير عبدهللا في مقدمة الزعماء العرب الذين أعلنوا والءهم لبريطانيا؛ حيث وقفت إمارة‬
‫شرقي األردن وشعبها إلى جانب بريطانيا وأعلنت حالة الطوارئ في البالد‪ ،‬وقررت الحكومة البريطانية في‬
‫تشرين األول عام ‪ 1940‬رفع عدد القوات األردنية المسلحة التي لم يزد عدد القادرين منها على الحرب‬

‫‪-14-‬‬
‫نفس ِه قرر قائد القوات البريطانية في الشرق؛ الجنرال ويفل (‪،)Wavell‬‬
‫جنديا‪ .‬وفي السياق ِ‬
‫على (‪ًّ )350‬‬
‫زيادة قوة البادية األردنية لتصبح كتيبة مدرعة‪ ،‬كما تقرر زيادة قوة حدود شرقي األردن التي كان يقودها‬
‫آنذاك الكولونيل بيتر ويلسون )‪.(Peter Wilson‬‬

‫سؤال‪ :‬ما أهم إسهامات حكومة شرقي األُردن في الحرب العالمية الثانية؟‬

‫كان من أبرز مهام القوات األردنية خالل الحرب حراسة المنشآت العسكرية البريطانية في ِفَلسطين‪،‬‬
‫بعد أن وافق األمير عبدهللا على طلب المندوب السامي البريطاني‪ ،‬المتضمن وضع (‪ )200‬جندي أردني‬
‫تحت تصرفه‪ .‬وقد بقيت هذه القوة في ِفَلسطين حتى نهاية الحرب‪ ،‬تحمي الموانئ والطرق ومخازن‬
‫األسلحة وشبكات البرق والهاتف‪.‬‬
‫كذلك أسهمت الحكومة األردنية في القضاء على االنقالب العسكري في العراق‪ ،‬الذي نفذه رشيد‬
‫عالي الكيالني وبعض الضباط العراقيين ضد البريطانيين في بداية نيسان عام ‪1941‬؛ حيث هرب‬
‫عبد اإلله إلى شرقي األردن‪ ،‬وطلب المساعدة من األمير ِ‬
‫عبدهللا؛ لذا‬ ‫الوصي على عرش العراق األمير ِ‬
‫جاءت المشاركة عن طريق إرسال كتيبة البادية األردنية ضمن القوات البريطانية بزعامة رئيس أركان‬
‫مع قوة حدود شرقي‬‫الجيش األردني الفريق جون باغوت غلوب (‪ ،)J.B.Glubb‬التي تمكنت بالتعاون َ‬
‫الرطبة في أيار من العام ِ‬
‫نفسه‪ ،‬تال ذلك قيامها ِب َم َهمة االستطالع للقوات‬ ‫األردن من احتالل مدينة ُّ‬
‫ضي على االنقالب في نهاية أيار‪،‬‬ ‫السكة الحديدية وطريق بغداد – الموصل‪ ،‬وقد ق ِ‬
‫البريطانية‪ ،‬وبحراسة ِ‬
‫َ‬
‫وعاد األمير عبد اإلله إلى بغداد‪.‬‬
‫مع القوات البريطانية في طرد قوات فيشي (‪ )Vichy‬الفرنسية الموالية‬
‫شاركت القوات األردنية َ‬
‫لأللمان من سورية‪ ،‬وبدأ الهجوم من األراضي األردنية؛ حيث تجمعت القوات البريطانية وقوات الجيش‬
‫خطابا في قواته دعاهم فيه إلى تحرير سوري َة من قوات‬
‫ً‬ ‫العربي في مدينة المفرق‪ ،‬وألقى األمير عبدهللا‬
‫مع القوات البريطانية‪ ،‬واحتالل‬
‫احتالل مدينة تدمر َ‬
‫َ‬ ‫فيشي‪ .‬وكان من أبرز ما قامت به القوات األردنية‬
‫كلها‪ ،‬وعادت هذه القوات إلى شرقي األردن بعد إنهاء مهامها‪.‬‬ ‫السخنة؛ حيث حررت البادية السورية ُّ‬
‫بلدة ُّ‬
‫ويبدو أن هدف األمير ِ‬
‫عبدهللا من إشراكه القوات األردنية في الحرب تحقيق عدة أمور‪ ،‬من أبرزها‪:‬‬
‫زيادة أعداد الجيش العربي وتقويته عن طريق إكسابه المهارة العسكرية وزيادة تسليحه‪ ،‬إضافة إلى إثبات‬
‫قوة الحكومة األردنية وأنها قادرة على حماية نفسها‪ ،‬وكان هدفه من ذلك الحصول على االستقالل من‬

‫‪-15-‬‬
‫بريطانيا‪ .‬كما أن سعى األمير عبدهللا إلى تدعيم مكانته بين الزعماء العرب‪ ،‬وإثبات أنه الحليف األول‬
‫والمخلص لبريطانيا؛ لذا أشرك قو ِاته في حرب الصحراء الليبية ضد إيطاليا‪ ،‬كما طلب أن تسهم قواته في‬
‫العمليات الحربية في منطقة البلقان‪ ،‬لكن ذلك لم يتم لتغير ظروف الحرب‪ .‬كما أرسلت كتيبة أردنية‬
‫إلخضاع القبائل الثائرة في إيران‪.‬‬
‫ونتيجة للدور الذي أداه الجيش العربي في الحرب‪ ،‬رغم تواضع عدد أفراده‪ ،‬فقد شكرت الحكومة‬
‫عبدهللا‪ ،‬وشاركت ثل ٌة من القوات األردنية في مسيرة "يوم النصر" في لندن بتاريخ ‪8‬‬
‫األمير َ‬
‫َ‬ ‫البريطانية‬
‫الوحيدة من بين‬
‫َ‬ ‫تقدير إلسهام إمارة شرقي األردن؛ إذ كانت الحكومة األردنية‬
‫ًا‬ ‫حزيران عام ‪1946‬؛‬
‫الحكومات العربية التي أعلنت بصراحة وقوفها إلى جانب دول الحلفاء‪ ،‬كما كان األمير عبدهللا الزعيم‬
‫العربي الوحيد الذي أعلن وقوفه إلى جانب بريطانيا منذ بداية الحرب‪ .‬وكان من أهم نتائج الحرب على‬
‫الصعيد العسكري زيادة عدد قوات الجيش العربي‪ ،‬بحيث أصبحت تقدر بـِ (‪ )8،000‬ضابط وجندي‪.‬‬
‫للمزيد‪ ،‬انظر الموقع اإل لكتروني اآلتي‪:‬‬
‫‪http://www.pm.gov.jo/arabic/index.php?page_type=pages&part=1&p‬‬
‫‪age_id=124‬‬

‫األُردن المستقل عام ‪:1946‬‬


‫قررت الحكومة البريطانية أن تتخلى عن انتدابها على شرقي األردن؛ إذ زار األمير عبدهللا ورئيس‬
‫ردني برئاسة‬
‫وزرائه إبراهيم هاشم لندن في ‪ 20‬شباط عام ‪ ،1946‬وجرت مفاوضات بين الطرفين‪ :‬األ ِ‬
‫يطاني برئاسة وكيل و ازرة المستعمرات جريتش جونز (‪ ،)G.Jones‬انتهت بإبرام معاهدة في‬
‫هاشم والبر ِ‬
‫‪ 22‬آذار من العام ِ‬
‫نفسه‪ ،‬وقعها إبراهيم هاشم عن الجانب األردني ووزير الخارجية إيرنست بيفن ( ‪A.‬‬
‫‪ )Bevin‬وجونز عن الجانب البريطاني‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬ماذا تضمنت معاهد ُة التحالف والصداقة األُردنية البريطانية؟‬


‫يطاني على شرقي‬ ‫بموجب معاهدة التحالف والصداقة األردنية – البريطانية أ ِ‬
‫لغ َي االنتداب البر ُّ‬
‫األردن‪ ،‬كما ألغيت اتفاقية عام ‪ 1928‬واالتفاقات المكملة لها في عامي (‪ 1934‬و‪ ،)1941‬واعترفت‬

‫‪-16-‬‬
‫ملكا عليها‪ .‬كما تعهد الجانبان بأال يقف‬ ‫بريطانيا بشرقي األردن دولة كاملة االستقالل وباألمير ِ‬
‫عبدهللا ً‬
‫أحدهما من اآلخر في البالد األجنبية بما ال يتفق وبنود المعاهدة‪ .‬واتفقا على إقامة التمثيل الدبلوماسي‬
‫بينهما‪ ،‬وتعهدت بريطانيا بدفع معونة مالية إلى األمير لكنها مقيدة بشروط‪ ،‬وأعطيت الحق في امتالك‬
‫قوات مسلحة في شرقي األردن‪.‬‬
‫وقد ضمنت بريطانيا هيمنتها على شرقي األُردن من خالل‪:‬‬
‫أ – وجود قوات بريطانية عسكرية على األراضي األردنية‪.‬‬
‫ب – السيطرة على الجيش العربي من خالل الضباط البريطانيين‪ ،‬كما ظل تَعداد هذا الجيش‬
‫طا بقرار الحكومة البريطانية في االستمرار بدفع نفقاته‪.‬‬
‫وتجهيزه مرتب ً‬
‫ج – السيطرة على المعونة المالية المقدمة من بريطانيا إلى حكومة شرقي األردن‪ ،‬من خالل‬
‫المباشر على أوجه إنفاقها‪.‬‬
‫َ‬ ‫اإلشراف‬
‫د – طول مدة نفاذ المعاهدة التي اتُّفق عليها‪ ،‬وهي خمس وعشرون عا ًما‪.‬‬

‫ار بإعالن البالد األردنية دول ًة مستقلة‬


‫يعي في ‪ 25‬أيار عام ‪ ،1946‬واتخذ قرًا‬ ‫اجتمع المجلس التشر ُّ‬
‫ملكا دستورًّيا على رأس الدولة‬‫بن الحسين ً‬ ‫تاما وذات حكومة ملكية وراثية نيابية‪ ،‬والمناداة ِ‬
‫بعبدهللا ِ‬ ‫استقالالً ًّ‬
‫ملك المملكة األردنية الهاشمية"‪ .‬كما أقر المجلس تعديل القانون‬ ‫األردنية بلقب "حضرة صاحب الجاللة ِ‬
‫األساسي األردني " الدستور"‪.‬‬
‫وتقدم األردن بعد ذلك بطلب إلى هيئة األمم المتحدة من أجل الحصول على عضويتها‪ ،‬لكن‬
‫العضوين السوفييتي والبولندي عارضاه؛ حيث استخدم االتحاد السوفييتي حق النقض (الفيتو)‪ ،‬وتكرر‬
‫ضوا في‬
‫استخدم السوفييت حق النقض ثاني ًة‪ .‬وعليه‪ ،‬فلم يصبح األردن ع ً‬
‫َ‬ ‫الطلب األردني مرة أخرى‪ ،‬ف‬
‫هيئة األمم المتحدة إال في ‪ 14‬كانون األول عام ‪ ،1955‬عندما كانت الحكومة األردنية تسعى إلى‬
‫سبب رفض‬ ‫َ‬ ‫االنضمام إلى حلف بغداد بجانب العراق وتركيا وإيران وباكستان وبريطانيا‪ .‬ويظهر أن‬
‫عضوا في هيئة األمم أنه لم ي ِقم َم َعها عالقات دبلوماسي ًة‪ ،‬إضافة إلى أنه‬
‫ً‬ ‫بول األردن‬
‫االتحاد السوفييتي َق َ‬
‫ال يزال تحت الهيمنة البريطانية من خالل معاهدة ‪ ،1946‬التي أثرت في استقالله السياسي وسيادته‬
‫اإلقليمية‪.‬‬
‫السلطات البريطانية إلى تعديل بنود المعاهدة بعد أن واجهت‬
‫لذا سعت الحكومة األردنية لدى ُّ‬
‫معارضة شديدة وانتقادات عديدة‪ ،‬خاص ًة بعد أن فشل األردن في الحصول على عضوية هيئة األمم‬

‫‪-17-‬‬
‫المتحدة‪ ،‬فوجهت الحكومة البريطانية دعوةً إلى رئيس الوزراء األردني توفيق أبو الهدى‪ ،‬الذي زار لندن‬
‫مفاوضات انتهت بالتوصل‬
‫ٌ‬ ‫في ‪ 25‬كانون الثاني عام ‪ ،1948‬وجرت بين الطرفين‪ :‬البريطاني واألردني‬
‫إلى اتفاق مبدئي على نصوص المعاهدة الجديدة في ‪ 6‬شباط من العام ِ‬
‫نفسه‪َ ،‬ووق َع توفيق أبو الهدى‬
‫نفسه صادق‬‫يطاني إليك كيركبرايد المعاهدة يوم ‪ 15‬آذار في عمان‪ ،‬وفي اليوم ِ‬ ‫والوزير المفوض البر ُّ‬
‫َ‬
‫عليها الملك عبدهللا‪.‬‬

‫دور الشرق اُردنيين في الدفاع عن فل ْسطين قبل قيام إمارة شرقي األُردن؟‬
‫سؤال‪ :‬ما ُ‬

‫األُردن والقضية الفل ْسطينية‪:‬‬


‫شعر الشرق أردنيين منذ عام ‪ 1918‬أن الوجود اليهودي في ِفَلسطين هو خطر على الجانبين‪:‬‬
‫األردني وال ِفَلسطيني‪ ،‬خاص ًة بعد إنشاء المستعمرات اليهودية قرب طبريا؛ لذا هاجم بعض األردنيين‪،‬‬
‫ومعظمهم من فالحي قرى شمال األردن‪ ،‬بزعامة شيخ مشايخ الكفارات كايد المفلح العبيدات (أول شهيد‬
‫عما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أردني على أرض فَلسطين في نيسان عام ‪ ،)1920‬المستعمرات اليهودي َة في َسمخ؛ بدافع ديني د ً‬
‫فضا للوجود اليهودي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إلخوانهم عرب فَلسطين‪ ،‬ور ً‬
‫َخ ِشي الشعب األردني أن تمتد هجرة اليهود إلى شرقي األردن‪ ،‬وقد كانت أحداث ِفَلسطين تؤثر في‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الرأي العام األردني‪ ،‬حتى إن كل األحداث التي حصلت في فَلسطين آنذا َك كان لها ردة فعل في شرقي‬
‫(المبكى) عام ‪ .1929‬ولم يقتصر هذا الموقف على فئة الشعب‪ ،‬بل إن‬ ‫األردن؛ كالخالف على حائط َ‬
‫السلطات البريطانية في‬ ‫مهتما بما يجري في ِفَلسطين؛ حيث تدخل مرًا‬
‫ار لدى ُّ‬ ‫ًّ‬ ‫نفسه كان‬
‫عبدهللا َ‬
‫األمير َ‬
‫َ‬
‫ِفَلسطين لوقف الهجرة اليهودية‪ ،‬م َبيًنا مدى خطورة الوضع‪ ،‬ومحاوالً إيجاد تسوية مقبولة لدى العرب‬
‫واليهود‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬ما رد ُة الفعل األُردني شعبيا ورسميا على األحداث التي كانت تحصل على الساحة الفل ْسطينية؟‬
‫أبرز محاوالت األمير عبدهللا لحل القضية الفل ْسطينية؟‬
‫سؤال‪ :‬ما ُ‬

‫‪-18-‬‬
‫تعاطف‬
‫َ‬ ‫جاءت ردة الفعل األردنية قوية عندما قامت الثورة ال ِفَلسطينية في نيسان عام ‪1936‬؛ حيث‬
‫مع ال ِفَلسطينيين‪ ،‬فقامت المظاهرات في المدن األردنية‪ ،‬وقدم عدد من ضباط الجيش العربي‬ ‫األردنيو َن َ‬
‫كثير من‬
‫تأثير في الحركة الوطنية األردنية؛ إذ شارك فيها ٌ‬ ‫حقيقيا للثوار‪ .‬كما كان لها ٌ‬
‫ًّ‬ ‫دعما‬
‫األردني ً‬
‫األردنيين‪ ،‬واشترك بعضهم في المظاهرات التي قامت في الس ِ‬
‫لط وإر َبد وغيرِهما من المدن األردنية‪ .‬فضالً‬
‫عن تهريب كثير من الشخصيات األردنية األسلح َة إلى ِفَلسطين‪ ،‬ومن أبرزهم حديثة الخريشة أحد زعماء‬
‫بني صخر‪ ،‬الذي كان يورد السالح للثوار عن طريق الغور األردني‪.‬‬
‫السلطات البريطانية لحل مسألة‬
‫جهودا دبلوماسية لدى ُّ‬
‫ً‬ ‫وعلى الصعيد الرسمي بذل األمير عبدهللا‬
‫اإلضراب وإنهاء الثورة عن طريق التوصل إلى تسوية ترضي الجانب ال ِفَلسطيني‪ ،‬وذلك بتنفيذ مطالبه‬
‫ومنع انتقال األراضي إلى اليهود‪ ،‬وإقام َة حكومة وطنية على أساس‬ ‫وقف الهجرة اليهودية‪،‬‬ ‫المت ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ضم َنة َ‬
‫ََ‬
‫حمل بريطانيا على تقديم بعض التنازالت لعرب ِفَلسطين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫التمثيل النيابي‪ .‬وقد كان هدف األمير عبدهللا َ‬
‫ومنع انتقال الثورة إلى شرقي األردن‪.‬‬
‫َ‬
‫رحب األمير عبدهللا باقت ارح اللجنة الملكية المرسلة إلى ِفَلسطين برئاسة اللورد بيل (‪)Lord Peel‬‬
‫طين وتقسيمها إلى ثالثة‬ ‫ِ‬ ‫ضم ِن‬
‫إلغاء االنتداب البريطاني على فَلس َ‬
‫َ‬ ‫في تشرين الثاني عام ‪ ،1936‬المتَ َ‬
‫مع شرقي األردن لتشكيل دولة عربية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫طين َ‬
‫أقسام‪ ،‬أولها يضم األراضي الداخلية الواسعة الفقيرة من فَلس َ‬
‫وثانيها دولة يهودية تضم األراضي الساحلية والسهلية من ِفَلسطين‪ ،‬ويشمل ثالثها مدينتي القدس وبيت‬
‫لحم ويتصل بالبحر بممر ضيق‪ ،‬ويوضع تحت االنتداب البريطاني‪ .‬لكن هذا االقتراح قوبل برفض من‬
‫عبدهللا كان مياالً لقبول هذا االقتراح‪.‬‬ ‫ِ‬
‫طين والبالد العربية‪ ،‬رغم أن األم َير َ‬
‫عرب فَلس َ‬
‫مشروعا لحل القضية ال ِفَلسطينية‪ ،‬تضمن إقام َة دولة عربية‬
‫ً‬ ‫وقدم األمير عبدهللا في أيار عام ‪1938‬‬
‫ضمان وحدة‬ ‫طين وشرقي األردن وإعطاء اليهود إدارة ذاتية‪ ،‬وكان الهدف من هذا المشروع‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫مكونة من فَلس َ‬
‫مع شرقي األردن‪ ،‬لكن لجنة التقسيم رفضت هذا المشروع رغم أنه تضمن المحافظ َة على‬ ‫ِ‬
‫فَلسطينية َ‬
‫عارضه العرب‪ ،‬خاص ًة ِمصر‪.‬‬
‫َ‬ ‫المصالح البريطانية في المنطقة‪ ،‬كما‬
‫طين وضمان سيادتها؛ إذ كان‬ ‫ِ‬
‫بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية طالب األمير عبدهللا باستقالل فَلس َ‬
‫يسعى إلى تحقيق مشروع سوري َة الكبرى‪ .‬وفي ‪ 8‬أيار عام ‪ 1946‬اشترك الملك عبدهللا بمؤتمر أنشاص‪،‬‬
‫الذي وافق الزعماء العرب خالله على قرارهم القاضي بدعم المطالب العربية في ِفَلسطين‪ ،‬لكن هذه‬
‫االقتراحات وغيرها لم يستجب لها‪ .‬وفي ‪ 29‬تشرين الثاني عام ‪ 1947‬اجتمعت الجمعية العامة لألمم‬
‫الجليل الغربي‪،‬‬ ‫تضم‬ ‫طين إلى ثالث مناطق‪ :‬منطقة عربية‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ار بتقسيم فَلس َ‬
‫المتحدة واتخذت باألغلبية قرًا‬

‫‪-19-‬‬
‫الجليل الشرقي‬
‫َ‬ ‫ونابلس‪ ،‬والسهل الساحلي من مدينة أشدود إلى الحدود المصرية‪ ،‬ومنطقة يهودية تشمل‬
‫صر على مدينة القدس‪ .‬كما تضمن قرار الجمعية‬ ‫ومعظم السهل الساحلي والنقب‪ ،‬ومنطقة دولية تقتَ ِ‬
‫إنهاء االنتداب البريطاني‪ ،‬وإقامة الدولتين المستقلتين‪ :‬العربية واليهودية والنظا ِم الدولي الخاص‬
‫َ‬ ‫العامة‬
‫بمدينة القدس بعد انسحاب القوات البريطانية بشهرين‪ .‬ويمكن حصر موقف األردن من التقسيم بموقفين‪:‬‬
‫الحاج محمد‬
‫ُّ‬ ‫أولهما الموقف الشعبي‪ ،‬الذي كان مؤيًدا لِوجهة النظر الشعبية ال ِفَلسطينية‪ ،‬التي كان يمثلها‬
‫أمين الحسيني‪ ،‬وهي رفض قرار التقسيم‪ ،‬وثانيهما الموقف الرسمي؛ حيث كان لدى الملك ِ‬
‫عبدهللا رأيان‪:‬‬
‫مع عرب ِفَلسطين‪َ ،‬وَن َب َع ثانيهما –وهو أكثر‬‫مع الموقف العربي العام‪ ،‬وقام على التضامن َ‬ ‫انس َج َم أولهما َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واقعي ًة‪ -‬من قناعات الملك عبدهللا الشخصية‪ ،‬وينحصر في أحد أمرين‪ :‬إما قبول قرار التقسيم على‬
‫عالته‪ ،‬هذا في حالة عدم قدرة العرب على الحرب ضد اليهود‪ ،‬أو أن يعهد للجيش العربي (األردني)‬
‫عضوا في هيئة‬ ‫بمواجهة اليهود‪ ،‬وينال الدعم والمساعدة من الدول العربية‪ ،‬بالن ِ‬
‫ظر إلى أن األردن ليس‬
‫ً‬
‫مع اليهود‪.‬‬
‫األمم المتحدة‪ ،‬ويستطيع أن يدخل في حرب َ‬

‫سؤال‪ :‬ماذا تضمن قرُار الجمعية العامة للُمم المتحدة الصادر في ‪ 29‬تشرين الثاني عام ‪ 1947‬لحل‬
‫موقف األُردن منه؟‬
‫ُ‬ ‫القضية الفل ْسطينية‪ ،‬وما‬

‫دور األُردن في الحرب العربية ‪ -‬اإلسرائيلية عام ‪:1948‬‬


‫ُ‬
‫من اللجنة السياسية التابعة لجامعة الدول العربية أن تؤيده في دخول‬
‫طلب الملك عبدهللا األول َ‬
‫طين إلنقاذها‪ ،‬فردت الجامعة بالقبول‪ ،‬وأرسلت اللواء إسماعيل صفوت لمقابلة المل ِك‬ ‫ِ‬
‫الجيش العربي فَلس َ‬
‫وإج ارء مباحثات حول الوضع في ِفَلسطين‪ ،‬لكن صفوت عرف أنه لن يسمح للجيش العربي بدخول‬
‫ِفَلسطين قبل يوم ‪ 15‬أيار‪.‬‬
‫الملك ِ‬
‫عبدهللا‬ ‫ِ‬ ‫ونتيجة لتردي األوضاع وتدهور الحالة في ِفَلسطين رأى الزعماء العرب أن تدخل‬
‫ان في ‪ 25‬نيسان من‬ ‫ِ‬
‫طين من اليهود؛ لذا عقد اجتماعٌ في عم َ‬
‫خول الجيش العربي المعرك َة قد ينقذ فَلس َ‬
‫ود َ‬
‫نفسه اشترك فيه الملك عبدهللا واألمير عبداإلله ورؤساء وزراء العراق ولبنان واألردن‪ ،‬وصفوت‬‫العام ِ‬
‫باشا‪ ،‬وبعض كبار الضباط كمندوبين عن قيادات الجيوش العربية المختلفة‪ .‬وبعد إجراء مباحثات بين‬
‫دعم الجيش األردني لمحاربة اليهود؛ وذلك بتقديم‬
‫األطراف العربية اقترح الملك عبدهللا على المجتمعين َ‬
‫معونة مالية لِتَحل َم َحل المعونة المالية البريطانية في حالة قطعها عن األردن‪ .‬لكن هذا االقتراح رفض‪،‬‬

‫‪-20-‬‬
‫واتُِّف َق على أن يتولى الملك عبدهللا القيادةَ العليا للجيوش العربية‪َ ،‬وي َسل َم إسماعيل صفوت باشا قيادةَ جيش‬
‫اإلنقاذ‪.‬‬
‫اقي‪ ،‬وكان تركيز الملك‬
‫طين‪ ،‬كما دخلها الجيش العر ُّ‬ ‫ِ‬
‫ودخل الجيش األردني ليلة ‪ 15 -14‬أيار فَلس َ‬
‫مصير النصر في الحرب أو الهزيمة يتوقف عليها؛ فقد‬ ‫عبدهللا منصًبا على حماية مدينة القدس؛ ألن‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫كانت القدس عزيزة على قلب الملك ِ‬
‫عبدهللا ِب َوص ِفها أولى القبلتين وفيها ثالث الحرمين الشريفين‪ ،‬كما أنها‬ ‫ً‬
‫بن علي؛ زعيم الثورة العربية الكبرى‪ ،‬ومحافظة الجيش األردني عليها ربما‬ ‫يح والده الحسين ِ‬
‫تحوي ضر َ‬
‫الجيش األردني بدخولها في‬
‫َ‬ ‫عاما؛ لذا أمر‬
‫يعوض –ولو جز ًّئيا– عن فقدان مك َة والمدينة قبل نحو ثالثين ً‬
‫عديدة ضد اليهود للسيطرة عليها وعلى الطريق الذي يمتد بينها وبين تل أبيب‪،‬‬
‫ً‬ ‫معارك‬
‫َ‬ ‫خاض‬
‫‪ 18‬أيار‪ ،‬ف َ‬
‫أكثر من (‪.)300‬‬
‫وقد بلغ عدد اإلصابات في الجيش األردني نتيج َة ذلك َ‬
‫يوما من القتال ازر الملك‬
‫عشر ً‬
‫أحد َ‬
‫انتصار على القوات اليهودية‪ ،‬وبعد َ‬
‫ًا‬ ‫وقد حققت القوات األردنية‬
‫عبدهللا مدين َة القدس؛ حيث استقبله أهلها بحماس بالغ‪ .‬وواصل الجيش األردني انتصارِات ِه في القدس‬
‫القديمة وفي باب الواد واللطرون‪ ،‬وأبدى األردنيون بسال ًة نادرة‪ ،‬حتى إنهم نجحوا في إنقاذ القدس القديمة‬
‫وجزء صغير من المدينة الجديدة‪ .‬وتعد معركة القدس‪ ،‬التي خاضها الجيش األردني بعدد أفراد أقل من‬
‫ستة آالف رجل‪ ،‬من أبرز المعارك في حرب عام ‪1948‬؛ ألن المساحة التي انتشروا فيها كانت تزيد‬
‫حينذاك ثالث كتائب غربي القدس بهدف إغالق الطريق‬ ‫ضعت‬ ‫على ستة آالف كيلومتر مربع‪ .‬وقد و ِ‬
‫َ‬
‫ضعت في المدينة ِ‬
‫نفسها‪.‬‬ ‫المؤدية إلى تل أبيب‪ ،‬أما القوات الباقية َفو ِ‬
‫وشاركت فر ٌق شعبية من األردن في الحرب بزعامة حمد بن جازي الحويطات‪ ،‬كما شاركهم اإلخوان‬
‫المسلمون بزعامة عبد اللطيف أبو قورة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد تمكن الجيش العربي من إنقاذ مدينة القدس‪ ،‬واستولى على تسع مستعمرات يهودية‪،‬‬
‫غير أن نتيجة المعركة عام ًة‬
‫أسر (‪ )850‬يهوديًّا‪ ،‬أما عدد القتلى والجرحى من أفراده فبلغ (‪َ .)500‬‬
‫و َ‬
‫مع‬
‫مصر اتفاقية هدنة َ‬
‫َ‬ ‫كانت هزيمة جيوش الدول العربية أمام اليهود‪ ،‬مما أدى في نهايتها إلى توقيع‬
‫إسرائيل في شباط عام ‪ ،1949‬ثم لحق بها األردن في شهر آذار من العام ِ‬
‫نفسه‪ ،‬ومن بعده سوريا‪ ،‬أما‬
‫العراق فقد رفض‪ ،‬وانسحبت قواته وحلت محلها القوات األردنية‪ ،‬كما انسحبت القوات المصرية من‬
‫ِفَلسطين وحلت محلها القوات األردنية أيضا‪ ،‬وبذلك أصبحت الضفة الغربية ُّ‬
‫كلها تحت حماية األردن‪.‬‬ ‫ً‬

‫قيام وحدة الضفتين عام ‪:1950‬‬


‫ُ‬

‫‪-21-‬‬
‫عد قيام الوحدة بين األردن والجزء الذي بقي للعرب في ِفَلسطين (الضفة الغربية) في عام ‪1950‬‬
‫ي ُّ‬
‫كثير بموضوع‬
‫مهتما ًا‬‫مع اليهود؛ إذ كان الملك عبدهللا ًّ‬‫البارز بالنسبة إلى األردن بعد حرب العرب َ‬
‫َ‬ ‫الحدث‬
‫َ‬
‫عاما للمنطقة الواقعة‬‫حاكما ًّ‬
‫ً‬ ‫الوحدة‪ ،‬واتخذ لتحقيقها عدة إجراءات في أثناء الحرب؛ إذ عين إبراهيم هاشم‬
‫حاكما‬
‫ً‬ ‫تحت إشراف الجيش األردني‪ ،‬وعين أحمد حلمي ‪-‬أحد أعضاء الهيئة العربية العليا ل ِفَلسطين‪-‬‬
‫حاكما عسكريًّا في رام هللا‬
‫ً‬ ‫عسكرًّيا على القدس في ‪ 11‬حزيران عام ‪ ،1948‬كما عين عزمي النشاشيبي‬
‫ومدير لإلذاعة العربية فيها‪ .‬ويبدو أن الهدف من اإلجراءات اإلدارية السابقة هو كسب الجانب‬‫ًا‬
‫مع ِفَلسطين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفَلسطيني‪ ،‬والتمهيد لتحقيق فكرة الوحدة َ‬

‫تمهيدا لتحقيق فكرة الوحدة مع فل ْسطين؟‬


‫ا‬ ‫عبدهللا‬
‫الملك ُ‬
‫ُ‬ ‫اءات اإلدارية التي اتخذها‬
‫سؤال‪ :‬ما اإلجر ُ‬

‫صر‬
‫وتحرك الملك عبدهللا على الصعيد العربي محاوالً إقناع الزعماء العرب بفكرته‪ ،‬فزار م َ‬
‫والسعودي َة والعراق إلقناع رؤسائها بالوحدة‪ ،‬لكنه واجه معارضة شديدة من الزعماء العرب ومن جامعة‬
‫شكيل‬
‫فضها هذا االقتراح‪ ،‬وقررت في المقابل ت َ‬ ‫الدول العربية‪ ،‬التي أعلنت اللجنة السياسية التابعة لها ر َ‬
‫"مجلس إدارة" ل ِفَلسطين برئاسة أحمد حلمي‪ .‬وهكذا‪ ،‬فقد أثار موضوع الوحدة جدالً وخالًفا كبيرين بين‬
‫مع الهيئة العربية العليا ل ِفَلسطين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الدول العربية‪ ،‬دفع الجامعة إلى إنشاء "حكومة عموم فَلسطين" بالتعاون َ‬
‫مركز لها‪ ،‬واعترفت بها جميع الدول العربية باستثناء األردن‪.‬‬
‫متخذين من غزَة ًا‬
‫وعرض الملك عبدهللا فكرة الوحدة على ال ِفَلسطينيين‪َ ،‬وعقد في األول من تشرين األول عام ‪1948‬‬
‫ان تألفت لجنته التحضيرية من‪ :‬سليمان التاجي الفاروقي‪ ،‬وسعد الدين العلمي‪ ،‬وعجاج‬ ‫مؤتمر في عم َ‬
‫ٌ‬
‫هيئات وشخصيات‬‫ٌ‬ ‫نويهض‪ ،‬وحكمت التاجي الفاروقي‪ ،‬ومصطفى األنصاري‪ ،‬وعزت الكرزون‪ ،‬وحضرته‬
‫ومدعوون من مختلف أنحاء ِفَلسطين‪ ،‬ومن و َجهاء الالجئين في األردن والبالد العربية األخرى‪ ،‬وبلغ عدد‬
‫ِ‬
‫طبقات الشعب ال ِفَلسطيني من علماء ورجال‬ ‫أكثر من ستة آالف شخص‪ ،‬يمثلون‬ ‫الذين حضروا المؤتمر َ‬
‫صحافة وتجار ومالكين و‪ ،...‬بحثوا فيه ما ط أر‬ ‫دين وقضاة وموظفين وأطباء ومحامين ومهندسين ورجال َ‬
‫على ِفَلسطين من تطورات‪ ،‬وناشدوا الدول العربية بأن يعملوا إلنقاذ ِفَلسطين‪ ،‬كما عارضوا حكومة عموم‬
‫ض المؤتمرون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فَلسطين التي أعلنت في غزة معارض ًة تامة؛ ألنها شكلت دون موافقة أهل فَلسطين‪ ،‬كما فو َ‬
‫تاما مطلًقا لمعالجة قضية ِفَلسطين‪.‬‬
‫تفويضا ًّ‬
‫ً‬ ‫عبدهللا‬
‫الملك َ‬
‫َ‬

‫‪-22-‬‬
‫عقد مؤتمر ثان في مدينة أريحا‪ ،‬وذلك في‬ ‫ِ‬
‫طين َ‬
‫قرر أهل فَلس َ‬
‫ان َ‬
‫وبعد شهرين من انعقاد مؤتمر عم َ‬
‫األول من كانون األول عام ‪1948‬؛ حيث رأت الهيئة التي عقدت المؤتمر األول‪ ،‬وبعد استشارة أهل‬
‫الرأي من عرب ِفَلسطين‪ ،‬أن تدعو إلى عقد مؤتمر جديد لبحث حالة ِفَلسطين وتقرير مصيرها‪ ،‬وترأس‬
‫المؤتمر محمد علي الجعبر ونائبه فؤاد عطاهللا وأمين ِ‬
‫السر عجاج نويهض وعضوا مكتب المؤتمر حكمت‬
‫التاجي الفاروقي وكمال حنون‪.‬‬
‫المؤتمر األعيان وشيوخ القبائل ومندوبو غرف التجارة ورؤساء البلديات والهيئات‬
‫َ‬ ‫وقد حضر هذا‬
‫واللجان والجمعيات‪ ،‬وبحث فيه المؤتمرون األوضاع في ِفَلسطين فوجدوا أن خطورة أوضاعها السياسية‬
‫كبير؛ لذا قرروا أن تتألف مملك ٌة واحدة من ِفَلسطين واألردن‪ ،‬وأن يبايِ َع‬
‫حدا ًا‬ ‫والعسكرية قد بلغت ًّ‬
‫ملكا دستورًّيا على ِفَلسطين‪ ،‬كما قرروا رفع قرار‬
‫عبدهللا بن الحسين ً‬
‫الملك َ‬
‫َ‬ ‫طين‬ ‫ِ‬
‫المؤتمرو َن باسم عرب فَلس َ‬
‫المبايعة وقرار طلب توحيد البلدين إلى الملك ِ‬
‫عبدهللا‪ ،‬وإبالغ هذه الق اررات إلى جامعة الدول العربية وهيئة‬
‫األمم المتحدة والممثلين السياسيين في عمان‪.‬‬
‫مع األردن‪ ،‬ويرجع ذلك إلى أسباب‪ ،‬هي‪ :‬عدم‬ ‫وكان االتجاه العام في المؤتمرين المطالب َة بالوحدة َ‬
‫وجود مقومات لدى ال ِفَلسطينيين لقيام دولة ِفَلسطينية‪ ،‬كالجيش والشرطة والمؤسسات األخرى‪ ،‬والخالفات‬
‫السياسية القائمة بين فئات الشعب ال ِفَلسطيني‪ ،‬التي حالت دون قيام الدولة ال ِفَلسطينية‪ ،‬وخاصة بين‬
‫جماعة مفتي القدس الحاج محمد أمين الحسيني من جهة والزعامات األخرى سواء في نابلس أو الخليل‬
‫أو غيرهما من جهة ثانية‪ ،‬والحاجة إلى مدة زمنية طويلة حتى يستطيع أهل ِفَلسطين تأسيس قوات أمن‬
‫داخلية وبناء مؤسسات محلية تقوم الدولة على أساسها‪ ،‬وخيبة األمل الكبيرة لدى أهل ِفَلسطين بعد حرب‬
‫عام ‪ 1948‬وفشل الدول العربية في المحافظة على األراضي ال ِفَلسطينية التي استولى عليها اليهود‪.‬‬
‫قبول مقررات مؤتمر أريحا ورفعها إلى مجلس‬ ‫بناء على ما سلف‪ ،‬فقد قرر مجلس الوزراء األردني َ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫اجتماعا في ‪ 13‬كانون األول من العام نفسه وصادق على قرار مجلس الوزراء‬ ‫األمة‪ ،‬الذي عقد‬
‫ً‬
‫بخصوص قبول مقررات مؤتمر أريحا‪ .‬وفي هذا الصدد اتخذ األردن إجراءات عملية‪ ،‬كان من أبرزها‪:‬‬
‫لغي منصب الحاكم‬ ‫إلغاء الحكم العسكري األردني في ِفَلسطين‪ ،‬الذي حلت محله إدارةٌ مدنية‪ ،‬كما أ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بوزرة الداخلية‬
‫طين ألحقوا ا‬ ‫العسكري العام‪ ،‬وعينت الحكومة األردنية متصر َ‬
‫فين للمناطق العربية من فَلس َ‬
‫األردنية‪ .‬ورغم اإلجراءات األردنية السابقة فقد تأخر إعالن الوحدة بشكل رسمي حتى أوائل عام ‪.1950‬‬
‫توصل الملك عبدهللا إلى قناعة بأنه ال بد من إعالن الوحدة رغم شن حمالت عنيفة ضد األردن؛‬
‫األهداف القومية‬
‫َ‬ ‫فمصر َعدت قرَار الوحدة "طعنة في ظهر اإلسالم"‪ ،‬أما سورية فقالت إن القرار ال يتفق و‬

‫‪-23-‬‬
‫واإلنسانية التي دخلت الجيوش العربية من أجلها إلى األراضي المقدسة‪ ،‬كما عارضت السعودية قيام‬
‫ودمشق والرياض‪.‬‬
‫َ‬ ‫معارض لألردن‪ ،‬تمثل في القاه ِرة‬
‫ٌ‬ ‫لث (محور)‬
‫الوحدة‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد أصبح هناك مث ٌ‬
‫انتخابات نيابية في الضفتين‪ ،‬كانت نزيهة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وإلقرار الوحدة فقد جرت في شهر نيسان عام ‪1950‬‬
‫ِ‬
‫تبعا لها حكومة برئاسة سعيد المفتي‪،‬‬ ‫ونجح فيها مرشحون عن مختلف االتجاهات في فَلسطين‪ ،‬ألَفت ً‬
‫دخل فيها خمسة وزراء ِفَلسطينيين‪ ،‬هم‪ :‬روحي عبد الهادي‪ ،‬وأحمد طوقان‪ ،‬وراغب النشاشيبي‪ ،‬وأنسطاس‬
‫حنانيا‪ ،‬وسعيد عالء الدين‪ .‬وقد قدمت الحكومة الجديدة مشروع قرار بوحدة الضفتين إلى مجلس األمة؛‬
‫كل األعيان والنواب باستثناء النائب شفيق ارشيدات‪ .‬وهكذا جرت االنتخابات َوفق إجراءات‬
‫وافق عليه ُّ‬
‫مهما هو أال يؤثر هذا القرار في حقوق الشعب ال ِفَلسطيني عند‬
‫أمر ًّ‬
‫ديمقراطية‪ .‬ولكن قرار الوحدة تضمن ًا‬
‫حل نهائي فألهل‬ ‫تسوية القضية ال ِفَلسطينية بشكل نهائي؛ أي بمعنى إذا حصلت تسوية نهائية أو ٌّ‬
‫مع الضفة الشرقية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فَلسطين الحق في فك االرتباط َ‬
‫وقد اعترفت الحكومة البريطانية في ‪ 27‬نيسان بوحدة الضفتين‪ ،‬على أن تسري المعاهدة األردنية –‬
‫نفسه طلبت الحكومة المصرية برئاسة مصطفى النحاس عق َد‬ ‫البريطانية على الضفة الغربية‪ .‬وفي اليوم ِ‬
‫وفدا‬
‫اجتماع للجنة السياسية لجامعة الدول العربية لبحث موضوع الوحدة‪ ،‬فانتدبت الحكومة األردنية ً‬
‫يمثلها برئاسة وزير الخارجية محمد الشريقي‪ ،‬وقد كان موقف الوفد المصري عدائيًّا من الوحدة‪ ،‬حتى إنها‬
‫اج األردن من الجامعة‪ ،‬ولكن العراقيين حالوا دون ذلك‪.‬‬
‫حاولت بمساندة من الدول العربية األخرى إخر َ‬
‫أما أبرز آثار الوحدة على البلدين فقد تولدت رغبة لدى الطرفين بالتعاون والتضامن؛ إذ أصبح‬
‫نصف سكان األردن من ال ِفَلسطينيين‪ .‬وانعكست نتائج الوحدة على الحياة السياسية في األردن‪ ،‬فتشكلت‬
‫اب سياسية في البالد دخلها األردنيون وال ِفَلسطينيون بغض النظر عن أصولهم؛ إذ انضم إلى األحزاب‬ ‫أحز ٌ‬
‫الشيوعية والقومية والوطنية أعضاء من الضفتين على حد سواء؛ فزادت الوحدة الوعي السياسي في األردن‬
‫َوَق ِوَي ِت الحركة الوطنية‪ ،‬واندمج األردنيون وال ِفَلسطينيون في معظم التنظيمات خارَج األردن وداخله‪ ،‬عدا‬
‫مصر عارضت الوحدة ووقفت ضدها؛ إذ اقتصرت على رابطة للطلبة األردنيين ورابطة أخرى للطلبة‬
‫ال ِفَلسطينيين برئاسة ياسر عرفات‪ .‬وسارت األمور بعد قيام الوحدة بين الضفتين بشكل مريح من غير‬
‫مشكالت‪ ،‬حتى إنها ت َعُّد من أمتن مشروعات الوحدة العربية التي تحققت في منتصف القرن العشرين؛ إذ‬
‫استمرت مدرة طويلة‪ ،‬وال ازلت آثارها قائمة حتى الوقت الحاضر‪.‬‬

‫تسلم الملك ُحسين الحكم عام ‪:1953-52‬‬

‫‪-24-‬‬
‫أحدث غياب الملك ِ‬
‫عبدهللا‪ ،‬الذي اغتيل في ‪ 20‬تموز عام ‪ ،1951‬ما يشبه أزمة سياسية في‬
‫صحات السويسرية‪ ،‬لكن عودته في ‪6‬‬ ‫الم َ‬
‫يضا يعالج في إحدى َ‬ ‫طالل مر ً‬
‫ٌ‬ ‫ولي العهد األمير‬
‫البالد؛ إذ كان ُّ‬
‫ملكا على األردن أنهى األزمة السياسية ومسألة غياب رئيس‬ ‫كانون األول من العام ِ‬
‫نفسه والمناداة به ً‬
‫دستور جديد بمبادرة من‬ ‫الدولة‪ .‬ورغم ِقص ِر مدة حكم الملك طالل‪ ،‬التي لم تتجاوز العام‪ ،‬فقد و ِ‬
‫ض َع‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫الملك طالل‪ ،‬وقعه في أول كانون الثاني عام ‪َ ،1952‬وي َعُّد من أكثر الدساتير عصري ًة في العاَلم؛ إذ‬
‫أمام مجلس األمة‪.‬‬
‫نص على مسؤولية الو ازرة َ‬
‫ملكا على األردن‬ ‫بعد أن اشتد المرض على الملك طالل أ ِ‬
‫عف َي من منصبه‪ ،‬ونودي باألمير حسين ً‬
‫صغر ِسِنه تألف مجلس وصاية على العرش من‪ :‬سليمان طوقان‪،‬‬ ‫في ‪ 11‬آب عام ‪ ،1952‬وبسبب ِ‬
‫أقسم‬
‫بلغ الملك حسين الثامن َة عشرَة في ‪ 2‬أيار عام ‪َ 1953‬‬‫وعبدالرحمن ارشيدات‪ ،‬وإبراهيم هاشم‪ .‬ولما َ‬
‫ئيس دولة‪.‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِِ‬
‫أمام مجلس األمة‪ ،‬وتسلم سلطاته الدستوري َة ب َوصفه ر َ‬
‫اليمين الدستورية َ‬
‫َ‬
‫خالل مدة قصيرة تحقيق نهضة شاملة في مختلف مستويات التنمية والتطور‬
‫َ‬ ‫واستطاع الملك حسين‬
‫في المجاالت‪ :‬االقتصادية واالجتماعية والتعليمية‪ ،‬حتى أصبحت نسبة التعليم العالي في األردن من‬
‫ادر‬
‫الشاب ق ًا‬
‫ُّ‬ ‫تمض أربع سنوات على حكم الملك حسين حتى أصبح الملك‬ ‫ِ‬ ‫أعلى النسب في العاَلم‪ .‬ولم‬
‫على قيادة شعبه ومعالجة المشكالت والقضايا بحكمة َوِدراية‪ ،‬خاص ًة تلك التي نجمت عن نكبة عام‬
‫يال القضية ال ِفَلسطينية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ 1948‬وما ترتب عليها من التزامات جديدة ح َ‬
‫ص من المعاهدة األردنية – البريطانية وتوابعها؛ لذا طلب من‬ ‫وكان َه ُّم الملك حسين التخل َ‬
‫خالل زيارته إلى لندن في كانون األول عام ‪ ،1954‬لكن الحكومة البريطانية طلبت‬
‫َ‬ ‫البريطانيين تعديَلها‬
‫تأجيل النظر في ذلك ِلحين إنشاء حلف دفاعي في الشرق األوسط‪ ،‬واستطاعت بريطانيا في بداية عام‬
‫حلف عسكري مكو ٌن من بريطانيا والع ارق وتركيا‬ ‫ِ‬
‫إيجاد ميثاق عرف بـ "ميثاق حلف بغداد"‪ ،‬وهو ٌ‬
‫َ‬ ‫‪1955‬‬
‫المِد الشيوعي في منطقة الشرق األوسط‪ .‬وفي ظل هذه الظروف‬ ‫وإيران والباكستان‪ ،‬هدفه الوقوف ضد َ‬
‫ألمر‬
‫علما أن هذا ا َ‬ ‫أصبح األردن مرش ًحا لالنضمام إلى الحلف‪ ،‬وقد حاول البريطانيون َ‬
‫ذلك َو َس َعوا إليه‪ً .‬‬
‫حينئذ أن يوفر له إمكاني َة مضاعفة عدد قواته‬‫إيجابا على األردن؛ إذ يمكن َ‬
‫ً‬ ‫–لو تحقق‪ -‬كان سينعكس‬
‫مع استمرار المساعدات المالية والدفاعية‬ ‫وتقليص مدتها‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫وتعديل المعاهدة األردنية – البريطانية‬
‫َ‬ ‫المسلحة‪،‬‬
‫عيا‪ ،‬وإقام َة‬
‫صناعيا وز ار ًّ‬
‫ًّ‬ ‫وتوفير مساعدات اقتصادية لتنمية البالد‬
‫َ‬ ‫التي كان األردن في ِ‬
‫أمس الحاجة إليها‪،‬‬
‫ص من القيادة البريطانية في الجيش العربي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مشروعات كبيرة تقلل من االعتماد على الخارج‪ ،‬والتخل َ‬

‫‪-25-‬‬
‫الملك ُحسين منذ توليه ُسُلطاته الدستورية للتخلص من المعاهدة‬
‫ُ‬ ‫اءات التي قام بها‬
‫سؤال‪ :‬ما اإلجر ُ‬
‫األُردنية – البريطانية وتوابعها؟‬

‫وعليه‪ ،‬فقد أبدى الملك حسين استجاب َة األردن ورغبته في االنضمام إلى الحلف‪ ،‬فتعهدت بريطانيا‬
‫بزيادة عدد القوات األردنية‪ ،‬وإرسال أسلحة متنوعة إليه‪ ،‬وإبدال معاهدة ‪ 1948‬باتفاقية خاصة‪ ،‬أما‬
‫ردن فركز على أن تعلن بريطانيا عن تأييدها له في تحقيق المطالب والحقوق العربية في ِفَلسطين‪.‬‬
‫األ ُّ‬
‫اجتماعا في ‪ 12‬كانون األول لدراسة المقترحات‬
‫ً‬ ‫لذلك عقد رئيس الوزراء سعيد المفتي‬‫واستكماالً َ‬
‫ِ‬
‫استقاالتهم‬ ‫البريطانية وإعداد مشروع اتفاقية أردنية – بريطانية‪ ،‬لكن أربعة وز ارء من أصل ِفَلسطيني قدموا‬
‫ذلك أزم ٌة و ازرية انتهت بتقديم سعيد المفتي استقال َة حكومته‪،‬‬
‫اء َ‬‫ين الدخول في الحلف‪ ،‬وحدثت َجر َ‬‫ارفض َ‬
‫تشكيل حكومة جديدة في ‪ 15‬كانون األول عام ‪ ،1955‬أعلنت‬ ‫َ‬ ‫حينها كلف الملك حسين هزاع المجالي‬
‫َ‬
‫عزمها على انضمام األردن إلى حلف بغداد‪ ،‬لكن المواطنين في الضفتين قاموا بمظاهرات واضطرابات‬
‫أجبرت الحكومة على تقديم استقالتها في ‪ 19‬من الشهر ِ‬
‫نفسه‪.‬‬
‫بغداد واألزمة الو ازرية التي تلته‬
‫َ‬ ‫أدرك الملك حسين ما سببته حوادث محاولة االنضمام إلى حلف‬
‫مع‬
‫مع نبض الشارع األردني‪ ،‬وبدأ من خالل جلساته َ‬ ‫الشاب على اتصال َ‬
‫ُّ‬ ‫نتائج سلبية‪ ،‬وكان الملك‬
‫َ‬ ‫من‬
‫رئيس هيئة األركان العامة جـون باجــوت غلــوب (‪ )J.B. Glubb‬يدرك الفر َق في األفكار بينه وبين‬
‫نحو مستقبل الدولة األردنية بحيث يصبح هناك جيش قوي ودولة حديثة‪ ،‬وفي‬
‫غلوب؛ فالملك كان يتطلع َ‬
‫المقابل كان غلوب يفكر بنهاية سليمة له في األردن‪ ،‬كما كان الملك يعي مدى هيمنة غلوب على الحياة‬
‫الحرس الوطني رغم عدم‬
‫َ‬ ‫السياسية العامة‪ ،‬وتخاذله في الرد على الهجمات اإلسرائيلية‪ ،‬عندها أنشأ الملك‬
‫مع الضباط الشبان‪ ،‬ومنهم علي أبو نوار‪ ،‬الذي كان ملحًقا عسكرًّيا في‬ ‫رضا غلوب‪ ،‬كما بدأ يتعاون َ‬
‫اءت ِه في طرح أفكاره‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد طرَد‬
‫السفارة األردنية بباريس‪ ،‬وكان غلوب قد أبعده عن الجيش لِجر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الملك حسين غلوب باشا والضباط البريطانيين‪ ،‬وكان ذلك في األول من آذار عام ‪ ،1956‬في عهد‬
‫حكومة سمير الرفاعي‪.‬‬
‫استقبل األردنيون تعريب قيادة الجيش األردني بفرح ومظاهرات ً‬
‫تأييدا للملك حسين‪ ،‬وتحول الملك‬
‫ِ‬
‫الملك حسين السابق ضربة‬ ‫نتيجة هذا العمل إلى بطل شعبي‪ ،‬أما على الصعيد القومي فقد عد قرار‬
‫بعث إليه الرؤساء العرب وعلى رأسهم جمال عبدالناصر بط ِ‬
‫اقات تهنئة‬ ‫للوجود البريطاني في المنطقة؛ لذا َ‬
‫وتأييد بهذه المناسبة‪ ،‬وقرروا مساعدة األردن في مقاومة أي ضغط أجنبي أو عدوان إسرائيلي‪.‬‬

‫‪-26-‬‬
‫انفتح األردن بعد ذلك على الدول العربية؛ فزار الملك حسين دمشق في ‪ 10‬نيسان من العام ِ‬
‫نفسه‪،‬‬ ‫َ‬
‫فرحين بخطوة الحسين السابقة حتى إن الضباط السوريين حملوه على أكتافهم وداروا به‬
‫َ‬ ‫وكان السوريون‬
‫تعبير عن تأييدهم له‪ .‬وهكذا‪ ،‬أصبحت للملك حسين شعبية كبيرةٌ والفت ٌة في العاَلم‬
‫ًا‬ ‫مشق‬
‫في شوارع د َ‬
‫آخر فقد كان طرد غلوب باشا خطوةً‬ ‫العربي‪ ،‬ربما تفوق فيها على جمال عبدالناصر‪ ،‬وعلى صعيد َ‬
‫ممهدة‪ ،‬بل حاثة لعبدالناصر على تأميم قناة السويس وطرد البريطانيين والفرنسيين من مصر‪.‬‬
‫وفي ‪ 22‬أيار عام ‪ 1956‬تشكلت حكوم ٌة وطنية برئاسة سعيد المفتي‪ ،‬كانت أول خطوة اتخذتها‬
‫ئيسا ألركان الجيش األردني وترفيعه إلى رتبة أمير لواء‪ ،‬وكذا ترفيع عدد من الضباط‪،‬‬
‫تعيين أبي نوار ر ً‬
‫وفي عهد هذه الحكومة نالت األحزاب السياسية حرية‪ ،‬وصدرت صحف باسم األحزاب‪ ،‬وطالبت األح ازب‬
‫بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة‪ ،‬وقد حل المجلس فعالً وجرت تلك االنتخابات في عهد‬
‫حكومة إبراهيم هاشم في ‪ 21‬تشرين األول من العام ِ‬
‫نفسه‪ ،‬شاركت فيها األحزاب السياسية على اختالف‬
‫مقعدا‪ ،‬وعليه فقد شك َل زعيمه سليمان‬
‫عشر ً‬‫أحد َ‬
‫اتجاهاتها‪ ،‬وحصل فيها الحزب الوطني االشتراكي على َ‬
‫ص ِر عمر هذا الحدث‬ ‫ِ‬
‫النابلسي الحكومة‪ ،‬التي ت َعُّد الحزبية الوحيدة في تاريخ األردن‪ .‬وعلى الرغم من ق َ‬
‫الذي تبناه الملك الحسين‪ ،‬فقد َقوى لح ِم َة الوحدة الوطنية‪.‬‬
‫كانت أزمة السويس في تشرين األول أو َل امتحان واجهته حكومة النابلسي؛ إذ اعتدت بريطانيا‬
‫نفسه‪ .‬وقد وقف األردن بقيادة الملك‬‫وفرنسا وإسرائيل على مصر بسبب تأميمها قناة السويس في العام ِ‬
‫َ‬
‫مع مصر‪ ،‬فوجه الملك رسالة إلى عبدالناصر بمناسبة تأميم القناة أعلن فيها تضام َنه معع ووقوفه‬
‫حسين َ‬
‫مصر في ‪29‬‬ ‫َ‬ ‫إلى جانب الشعب المصري في مواجهة أي اعتداء خارجي‪ .‬وعندما وقع االعتداء على‬
‫مع فرنسا‪ ،‬وصدرت اإلرادة‬ ‫ِِ‬
‫تشرين األول أعلن األردن وقوفه إلى جانب مصر‪ ،‬وقطع عالقاته الدبلوماسي َة َ‬
‫الملكية بالدعوة إلى النفير العام‪ ،‬كما دخل نحو عشرة آالف مقاتل سوري وعراقي إلى األردن بناء على‬
‫طلب الحكومة األردنية‪ .‬ونتيجة لتدخل االتحاد السوفييتي والواليات المتحدة األمريكية انتهت أزمة‬
‫دبلوماسيا في هذه الحرب‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫السويس‪ ،‬وخرج عبدالناصر أقوى من السابق‪ ،‬وانتصرت مصر‬
‫سعيه إلى‬ ‫ِ‬
‫تلك المدة م َن الزمان‪ ،‬ونتيج ًة لمواصَلة األردن َ‬
‫واستكماالً للوقوف على أهم األحداث في َ‬
‫إنهاء المعاهدة األردنية – البريطانية الم َوق َع ِة عام ‪ ،1948‬فقد عرضت الدول العربية على األردن معونة‬
‫مالية لِتَحل َم َحل المعونة البريطانية‪ ،‬وفي ‪ 19‬كانون الثاني عام ‪ 1957‬اجتمع الملك حسين والملك‬
‫مندوبا عن شكري القوتلي‪ ،‬فأسفر اجتماعهم عن‬‫ً‬ ‫سعوٌد وعبدالناصر ورئيس وزراء سوري َة صبري العسلي‬
‫ماليين لألردن‪ ،‬والسعودية‬
‫َ‬ ‫تبعا لها بدفع خمسة‬ ‫توقيع "اتفاقية التضامن العربي"‪ ،‬التي التزمت مصر ً‬

‫‪-27-‬‬
‫مثلها‪ ،‬أما سورية فمليونين ونصف‪ .‬وكان عقد هذه االتفاقية ممهًدا إلنهاء المعاهدة األردنية – البريطانية‪.‬‬
‫نفسه بدأ الطرفان؛ األردني برئاسة رئيس الوزراء سليمان النابلسي والبريطاني‬ ‫وفي ‪ 4‬شباط من العام ِ‬
‫برئاسة السفير جونستون (‪ ،)Johnston‬محادثات بشأن إنهاء المعاهدة وسحب القوات البريطانية من‬
‫األردن‪ ،‬وفي ‪ 13‬آذار وقعت االتفاقية الخاصة بإنهاء معاهدة ‪ ،1948‬التي ت َعُّد نهاية التحالف األردني –‬
‫عاما‪.‬‬
‫البريطاني الذي استمر ست ًة وثالثين ً‬
‫خطوة أولى‬
‫ً‬ ‫استقبل الشعب األردني خبر إنهاء المعاهدة بحماس بالغ‪َ ،‬و َعد الملك حسين هذا الحد َث‬
‫نحو الوحدة والحرية‪ .‬وهكذا تحرر األرد ُّن من الهيمنة األجنبية ومن الوجود العسكري األجنبي‪ ،‬لكنه في‬‫َ‬
‫جاه األردن؛ فبدأ الملك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوقت نفسه واجه أزم ًة مالية؛ إذ إن الدول العربية الثالث لم تَف بالتزاماتها ت َ‬
‫حسين يبحث عن حلفاء جدد بعد هزيمة بريطانيا وفرنسا في حرب السويس‪ ،‬فوجد الواليات المتحدة‬
‫هما يمكنه معالجة أوضاعه االقتصادية‪ ،‬خاص ًة بعد ظهور ما يعرف بـِ "مبدأ أيزنهاور"‬ ‫حليفا م ًّ‬
‫األمريكية ً‬
‫(‪ )Eisenhower Doctrine‬في كانون الثاني عام ‪ ،1957‬ورغبة أميركا بملء الفراغ في الشرق‬
‫األوسط‪ ،‬ودعم الدول التي تقف أمام الخطر الشيوعي‪ .‬وقد أبدى الملك حسين رغب ًة في هذا األمر‬
‫ذلك أدى إلى‬
‫للتخلص من األعباء المالية والصعوبات االقتصادية التي واجهت األردن آنذاك‪ ،‬لكن َ‬
‫حصول خالف بين الملك حسين وحكومة سليمان النابلسي ِ‬
‫ذات االتجاه الناصري القومي؛ إذ عارضت‬
‫لك‬
‫مع االتحاد السوفييتي‪ ،‬ووصل األمر إلى إقالة ت َ‬
‫الحكومة مبدأ أيزنهاور‪ ،‬وقررت إقامة عالقات َ‬
‫الحكومة في العاشر من نيسان عام ‪.1957‬‬

‫امل التي أسهمت في تعزيز قيام االتحاد العربي؟‬


‫سؤال‪ :‬ما العو ُ‬

‫افي‬ ‫وفي بداية عام ‪ 1958‬أعلِ َن عن قيام االتحاد العربي بين األردن والعراق‪ ،‬وكان للق ِ‬
‫رب الجغر ِ‬
‫ِ‬ ‫الحاكمتين ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحاجة األ ِ‬
‫ردن االقتصادية‬ ‫فيهما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العائلتين‬ ‫بينهما وتشابه نظام حكم ِهما ودرجة القرابة َ‬
‫بين‬ ‫َ‬
‫آنذاك إلى دولة غنية تت ِحد َم َعها‪ ،‬إضافة إلى إعالن قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مص َر‬ ‫َ‬ ‫الماس ِة‬
‫اضح َو َجلِ ٌّي في تسريع قيام االتحاد العربي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وسوري َة في ‪ 2‬شباط من العام نفسه‪ ،‬أثٌَر و ٌ‬
‫بدأت مفاوضات االتحاد بين الجانبين‪ :‬العراقي برئاسة الملك فيصل الثاني‪ ،‬واألردني برئاسة الملك‬
‫مشتركا في ‪ 14‬شباط‪ ،‬أعلنت فيه عن توصل الجانبين‬‫ً‬ ‫رسميا‬
‫ًّ‬ ‫بالغا‬
‫حسين‪ ،‬وأصدرت الحكومة األردنية ً‬
‫بينهما‪ ،‬يقوم على أسس أهمها‪ :‬إنشاء حكومة اتحادية‪ ،‬وتوحيد سياسة البلدين الخارجية‪،‬‬
‫إلى عقد اتفاق َ‬

‫‪-28-‬‬
‫مع االحتفاظ بالمكانة الدولية المستقلة للبلدين‪ ،‬كما اتُِّف َق على تشكيل حكومة‬
‫وتوحيد الجيشين َم ًعا‪َ ،‬‬
‫االتحاد ومجلسها التشريعي‪ ،‬ووضع دستور اتحادي‪ ،‬إال أن رئاسة االتحاد اقتصرت على ملك العراق‬
‫مركز حكومة االتحاد‬ ‫َ‬ ‫"الملك فيصل الثاني"‪ ،‬وينوب عنه الملك حسين في حالة غيابه‪ .‬فضالً عن أن‬
‫ان؛ أي ستة شهور لكل منهما‪ ،‬كما أصبح َعَلم الثورة العربية َعَل َم دولة‬ ‫بغداد وعم َ‬
‫َ‬ ‫بين‬
‫أصبح مناوب ًة َ‬
‫االتحاد‪.‬‬
‫ض َع لالتحاد في شهر أيار دستوٌر تضمن عد َة أمور‪ ،‬من أهمها أنه قام على أساس‬ ‫وقد و ِ‬
‫َ‬
‫قيامه‪ ،‬وتأكيد الدستور‬ ‫كونفدرالي‪ ،‬مع التزام كل دولة من دوله بالمعاهدات والمواثيق الدولية المعقودة قبل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ديموم َة رئاسة ملك العراق لالتحاد‪ ،‬ونصه على تأليف مجلس له‪.‬‬
‫شك َل نوري السعيد حكومة االتحاد األولى والوحيدة‪ ،‬وكان نائبه ًّ‬
‫أردنيا (إبراهيم هاشم)‪ ،‬وروعي توزيع‬
‫نشاء مؤسسات دولة االتحاد‪،‬‬‫المناصب الو ازرية َوفًقا لعدد السكان في البلدين‪ .‬وقد حاولت هذه الحكومة إ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫بي بعد‬ ‫ص ِر مدته (‪ 14‬شباط – ‪ 14‬تموز)‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد ا َ‬
‫نهار االتحاد العر ُّ‬ ‫بعضها لم ينجز بسبب ق َ‬ ‫لكن َ‬
‫انقالب عسكري في العراق في ‪ 14‬تموز‪ ،‬نفذه عدد من الضباط‬
‫ٌ‬ ‫خمسة شهور من قيامه؛ إذ حدث‬
‫العراقيين بزعامة عبِدالكريم قاسم وعبدالسالم عارف‪ ،‬فسقط نظام الحكم الملكي في العراق‪ ،‬وتعرض‬
‫األردن إلى أزمة سياسية واقتصادية خانقة تجاوزها عن طريق الدعم الغربي (البريطاني واألميركي)‪ ،‬في‬
‫ِ‬
‫لقادمة‬‫مام الطائرات ا‬ ‫ِ‬
‫الوقت الذي وقفت فيه معظم الدول العربية ضد األردن‪ ،‬فأغلقت مجاالتها الجوي َة أ َ‬
‫اء أَأردني ًة كانت أم َ‬
‫غير اردنية‪ ،‬ومنعت وصول النفط إليه‪.‬‬ ‫منه سو ٌ‬
‫ودمشق بعد انهيار االتحاد‬
‫َ‬ ‫نفس ِه تعرض األردن لحمالت تحريض من إذاعا ِت القاه ِرة‬
‫وفي السياق ِ‬
‫العربي‪ ،‬وساد توتٌُّر في العالقات بين األردن والجمهورية العربية المتحدة‪ ،‬ترتب عليه إغالق الحدود‬
‫افق ذلك في تشرين الثاني عام ‪ 1958‬من محاوالت اعتداء‬ ‫أمام وسائط النقل األردنية‪ ،‬وما ر َ‬
‫السورية َ‬
‫الطائرات السورية المقاتلة على شخص الملك حسين‪ ،‬التي كادت تحدث على إثرها أزم ٌة أردنية – سورية‪.‬‬
‫وقد حاول األردن في عهد حكومة هزاع المجالي (‪ 6‬أيار ‪19-1959‬آب ‪ )1960‬إعادة بناء العالقات‬
‫مع األردن في بداية‬ ‫الطيبة مع الدول العربية المجاورة‪ ،‬لكن ُّ ِ‬
‫السلطات السوري َة عادت وأغلقت الحدود َ‬ ‫َ‬
‫غير أن الحدود فتحت من جديد‬ ‫ِ‬
‫حزيران عام ‪ ،1959‬بحجة تزايد عدد القوات األردنية بالقرب منها‪َ ،‬‬
‫تبعا لذل َك تبادل‬ ‫ِ‬
‫بينهما نتيج ًة لمساعي أمين عام جامعة الدول العربية عبدالخالق حسونة‪ ،‬واستؤنف ً‬ ‫َ‬
‫التمثيل الدبلوماسي بين األردن والجمهورية العربية المتحدة ابتداء من ‪ 15‬آب من العام ِ‬
‫نفسه‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪-29-‬‬
‫عبدالناصر كان يش ُّن‬
‫ورغم ذلك استمرت الحمالت الصحفية واإلذاعية ضد األردن‪ ،‬حتى إن َ‬
‫حمالت التهديد من خالل خطاباته‪ ،‬وزاد من ذلك وقوع انفجار في مبنى دار رئاسة الوزراء في ‪ 29‬آب‬
‫شخصا‪ ،‬وأصيب واحد وأربعون‬
‫ً‬ ‫إثره رئيس الوزراء هزاع المجالي‪ ،‬إضافة إلى اثني عشر‬
‫‪ ،1960‬قتل َ‬
‫بجراح وكسور مختلفة‪.‬‬
‫مع العراق‪ ،‬التي انقطعت بعد انقالب تموز عام ‪ ،1958‬وقد بدأت تلك‬
‫حاول األردن إعادة عالقاته َ‬
‫سينا‬
‫الملك ح ً‬
‫َ‬ ‫ابتداء من تشرين األول عام ‪ 1960‬عندما التقى وزير خارجية العراق هاشم جواد‬
‫ً‬ ‫المحاوالت‬
‫في نيويوك؛ إذ طلب إليه أن تعود العالقات بين البلدين‪ ،‬واتخذ مجلس الوزراء األردني في األول من‬
‫ار باالعتراف بالوضع القائم في العراق‪ ،‬وعلى إث ِر ذلك قررت الحكومة الع ارقية فتح طرق‬
‫تشرين األول قرًا‬
‫كثر‬
‫النقل البرية والجوية مع األردن‪ ،‬واستئناف االتصاالت الهاتفية والبرقية والبريدية بعد انقطاع استمر أ َ‬
‫ابتداء من كانون األول عام ‪َ ،1960‬فعِي َن وصفي التل ًا‬
‫سفير أردنيًّا‬ ‫ً‬ ‫اء‬
‫السفر َ‬
‫تبادل البلدان ُّ‬
‫َ‬ ‫من سنتين‪ ،‬ثم‬
‫اقيا في عمان‪.‬‬ ‫بغداد‪ ،‬بينما عِي َن عبدالكريم شاكر ًا‬
‫سفير عر ًّ‬ ‫َ‬ ‫في‬
‫بغداد‪ ،‬الذي شاركت فيه‬
‫َ‬ ‫وفي بداية كانون الثاني عام ‪ 1961‬ع ِق َد مؤتمر وزراء الخارجية العرب في‬
‫جميع الدول العربية‪ ،‬ونج َم عنه تَ َح ُّس ٌن في العالقات بين األردن والجمهورية العربية المتحدة‪ ،‬وتوقفت‬
‫مع‬
‫أكثر من ثالث سنوات‪ .‬ولكن هذا التحسن في العالقات َ‬ ‫بينهما‪ ،‬التي استمرت َ‬ ‫تبادَلة َ‬
‫الحمالت الم َ‬
‫العراق والجمهورية العربية المتحدة لم يستمر طويالً؛ حيث عاد الخالف من جديد بعد تهديدات الرئيس‬
‫ومصر في ‪ 28‬أيلول عام ‪1961‬؛‬ ‫العراقي ِ‬
‫عبدالكريم قاسم للكويت‪ ،‬وتأييد األردن لالنفصال بين سوري َة‬
‫َ‬
‫ردن في األول من تشرين األول من العام ِ‬
‫نفسه‪ .‬وفي المقابل أقام األردن‬ ‫مع األ ِ‬ ‫ِ‬
‫إذ قطعت مصر عالقاتها َ‬
‫ردن من جديد‪ ،‬وما رافقها من حرب‬‫مصر واأل ِ‬ ‫عالقات مع سوري َة في الشهر ِ‬
‫نفسه‪ ،‬فعادت القطيعة بين‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مع العراق‪.‬‬ ‫اإلذاعات وتبادل االتهامات‪ ،‬يضاف إليه ُّ‬
‫التأزم في العالقة َ‬

‫دور األُردن في حربي‪ :‬حزيران ‪ 1967‬وتشرين ‪:1973‬‬


‫بدأت القوات اإلسرائيلية في ربيع عام ‪ 1967‬باستفزاز القوات السورية في منطقة الجوالن‪ ،‬وذلك‬
‫نفس ِه وقعت معركة بين الطرفين في األجواء السورية‪،‬‬‫بإجرائها مسحا للمنطقة‪ .‬وفي ‪ 7‬نيسان من العام ِ‬
‫َ ً‬
‫ِ‬
‫َفَق َد فيها السوريون مجموع ًة كبيرة من الطائرات المقاتلة‪َ .‬و ِم َن المؤكد أن حو َ‬
‫ادث نيسان بين السوريين‬
‫واإلسرئيليين كانت "َف ًّخا" إسر ًّ‬
‫ائيليا لتوريط الدول العربية في حرب جديدة‪.‬‬

‫‪-30-‬‬
‫سؤال‪ :‬كيف كانت العالقات األُردنية – العربية ُقبْيل قيام حرب ‪1967‬؟‬

‫بعضا‪ ،‬حتى إن الوضع كان‬ ‫مع بعضها ً‬ ‫وهنا‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن الدول العربية كانت في نزاع َ‬
‫السلط َة في‬ ‫سيًئا؛ فالسوريون كانوا في نزاع مع ِ‬
‫عبدالناصر‪ ،‬خاص ًة البعثيين المتطرفين الذين استلموا ُّ‬ ‫َ‬
‫ومصر من جهة ثانية‪ ،‬وما‬
‫َ‬ ‫بين األ ِ‬
‫ردن‬ ‫بين األردن وسورية من جهة‪ ،‬وما َ‬ ‫سورية‪ ،‬كما كان هناك توتٌُّر ما َ‬
‫ردن ومنظمة التحرير ال ِفَلسطينية من جهة ثالثة‪.‬‬
‫بين األ ِ‬
‫َ‬
‫نفسه في وضع َحرج‪ ،‬خاص ًة أنه تعرض لضغوط إعالمية‬ ‫وجد عبدالناصر َ‬‫وعلى أية حال‪ ،‬فقد َ‬
‫عربية ِب َوص ِف ِه بطالً قوميًّا يدافع عن األمة العربية‪ ،‬فقرَر إيقاف اإلسرائيليين عن مالحقة الطائ ارت‬
‫جميع قواتها المسلحة في حالة إنذار قصوى‪ ،‬وأجرت مناورات‬ ‫َ‬ ‫السورية؛ لذا وضعت مصر في ‪ 15‬أيار‬
‫يق‬
‫ئيس أركان قواتها المسلحة الفر َ‬
‫تأييدا لسورية‪ ،‬كما أرسلت ر َ‬
‫ضخم ًة في سيناء‪ ،‬في مظاهرة عسكرية ً‬
‫دمشق في محاولة منها لتنسيق الجهد العسكري َ‬
‫مع سورية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫محمد فوزي إلى‬
‫وبدأت بوادر نشوب الحرب تظهر على نحو واضح بين الدول العربية وإسرائيل‪ ،‬عندما طلب‬
‫سحب قوات الطوارئ الدولية من‬
‫َ‬ ‫عبدالناصر من السكرتير العام لألمم المتحدة يوثانت (‪)Youthant‬‬
‫قطاع غزَة وبعض أجزاء سيناء جز ًّئيا؛ لتمكين القوات المصرية من أخذ مواقعها على الجبهة‪ ،‬كما قررت‬
‫حوصرت إيالت‪ ،‬وأصبح‬‫ِ‬ ‫السفن اإلسرائيلية؛ وهكذا‬
‫أمام ُّ‬ ‫ِ‬
‫ان والعقبة َ‬
‫إغالق مضائق تير َ‬
‫َ‬ ‫مصر في ‪ 23‬أيار‬
‫أمر مؤكًدا‪.‬‬
‫نشوب الحرب ًا‬
‫أمامه خياران؛ أولهما الدخول في الحرب إلى جانب‬ ‫ردن‪ ،‬فقد أحس بحرج الموقف‪ ،‬وكان َ‬ ‫أما األ ُّ‬
‫الدول العربية األخرى‪ ،‬وثانيهما عدم الدخول في الحرب‪ ،‬ومن ثَم إنقاذ الضفة الغربية من االحتالل‬
‫بناء على ذلك زار الملك حسين القاهرة في ‪ 30‬أيار‪ ،‬والتقى‬ ‫ِ‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬وهما خياران أحالهما مٌّر‪ً .‬‬
‫طمأن‬ ‫عبدالناصر ووقع معه اتفاًقا توضع معاهدة "الدفاع العربي المشترك" من خالله ِ‬
‫موض َع التنفيذ‪ .‬وقد‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سينا على سالمة سالح الجو المصري وفاعليته وقدرته واستعداده لتغطية جبهة‬ ‫الملك ح ً‬
‫َ‬ ‫عبدالناصر‬
‫الجيش األردني‪ ،‬وخاصة في منطقة القدس‪.‬‬
‫خاض األردن الحرب في نطاق القيادة العربية المشتركة‪ ،‬ووضع جميع قواته المسلحة ِبإم َ ِرة القائد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التعليمات‬ ‫المصري الفريق عبدالمنعم رياض‪ ،‬الذي أدار القتال على الجبهة األردنية‪ ،‬وكان يتلقى األو َ‬
‫امر و‬
‫عبدالكريم عامر‪ .‬وفي هذا السياق أشاد عبدالمنعم رياض بأداء‬ ‫من القائد العام للقوات العربية المشير ِ‬
‫َ‬

‫‪-31-‬‬
‫ِ‬
‫الوحدات األردني َة‬ ‫ِ‬
‫منقطعة النظير"‪ ،‬وإن‬ ‫القوات األردنية والعراقية قائالً‪" :‬إنها خاضت المعركة ببسالة‬
‫اجبها بكل بسالة وشرف"‪.‬‬
‫ير في ظروف غير مقبولة وأدت و َ‬ ‫قاتلت " قتاالً مر ًا‬
‫الحرب مثل باقي الدول العربية األخرى فقد خرجَ بطالً هو ومليكه‪ ،‬وأول من‬
‫َ‬ ‫ورغم أن األردن َخ ِس َر‬
‫اقفا إلى جانبه في أحلك‬ ‫مخلصا لألردن حتى وفاته وو ً‬
‫ً‬ ‫اعترف بذلك هو جمال عبدالناصر‪ ،‬الذي بقي‬
‫الظروف‪ ،‬وخاصة أيام العمل الفدائي في األردن‪ ،‬وقد يكون َم َرُّد ذلك إلى الشعور بالذنب؛ إذ اعترف‬
‫عبدالناصر بتوريط الملك حسين في الحرب‪ ،‬مما أدى إلى ضياع الضفة الغربية‪.‬‬
‫كانت نتائج حرب ‪ 1967‬شديدة على األردن؛ حيث استولت إسرائيل على الضفة الغربية بما فيها‬
‫من مقدسات وصناعات وموارد إنتاج واقتصاد‪ ،‬كما خسر جميع موارده السياحية تقر ًيبا‪ ،‬إضافة إلى‬
‫نفس ِه أصيب ميناء العقبة بالشلل نتيجة‬
‫انقطاع توظيف رؤوس األموال الخاصة واألجنبية‪ ،‬وفي الوقت ِ‬
‫إغالق قناة السويس‪ ،‬الذي استمر حتى عام ‪1975‬؛ إذ صار األردن يتكبد نفقات كبيرًة الستي ارد المؤن‬
‫والبضائع عن طريق ميناء بيروت أو عن طريق رأس الرجاء الصالح‪.‬‬
‫شخصا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وكانت الخسائر العسكرية كبيرة؛ إذ وصل عدد الشهداء إلى (‪ ،)696‬والجرحى (‪)421‬‬
‫مدفعا‪ ،‬وقد قدرت الخسائر في‬
‫شخصا‪َ ،‬ودمرت (‪ )21‬طائرة‪ ،‬و (‪ )179‬دبابة‪ ،‬و (‪ً )382‬‬
‫ً‬ ‫َوأ ِس َر (‪)530‬‬
‫السالح والعدة والعتاد بمبلغ (‪ )70‬مليون دينار‪.‬‬
‫تال ذلك مواجهة األ ِ‬
‫ردن مشكلة تدفق أعداد كبيرة من النازحين‪ ،‬الذين تركوا ديارهم تحت التهديد‬
‫العدو عمليات اإلرهاب والتنكيل‬
‫ُّ‬ ‫امل نفسية خلفتها الحرب وضخمها الخوف من أن يكرر‬ ‫وتحت وطأة عو َ‬
‫التي مارسها في حرب ‪ .1948‬وقد بلغ عدد النازحين اإلجمالي بعد الحرب (‪ )354‬ألف نسمة‪ ،‬بينهم‬
‫ان والزرقاء واألغوار‪.‬‬
‫مخيمات إلغاثتهم في عم َ‬
‫ٌ‬ ‫ألفا من قطاع غزة‪ ،‬أ ِعدت‬
‫(‪ً )38‬‬
‫ورغم وقوع الضفة الغربية تحت االحتالل اإلسرائيلي فقد استمر األ ُّ‬
‫ردن في تحمل مسؤوليات الدوائر‬
‫والمؤسسات والمرافق األساسية هناك‪ ،‬بما في ذلك التعليم والصحة والزراعة والبلديات والخدمات‬
‫من اإلشارة إلى أن العالقة األردنية –‬
‫االجتماعية‪ ،‬فدفع رواتب الموظفين وإيجارات األبنية‪ .‬وهنا ال بد َ‬
‫ال ِفَلسطينية تعززت رغم نتائج الحرب السلبية‪.‬‬
‫وتحديدا في ‪ 21‬آذار عام ‪ ،1968‬غ از الجيش‬ ‫ً‬ ‫حو تسعة أشهر على حرب حزيران‪،‬‬ ‫بعد ن ِ‬
‫صدى له الجيش األردني‬ ‫اضي الضفة الشرقية بهدف القضاء على قواعد الحركة الفدائية‪َ ،‬فتَ َ‬‫ائيلي أر‬
‫اإلسر ُّ‬
‫َ‬
‫بكل ما يملك من أسلحة‪ .‬وفي أثناء ذلك أخبرت القيادة العامة للقوات المسلحة قادة الفدائيين في وادي‬
‫األردن أن إسرائيل تخطط لشن هجوم على قواعدهم وعلى منطقة الكرامة‪ ،‬طالب ًة إليهم مغادرتَها خشي َة‬

‫‪-32-‬‬
‫تدميرهم‪ .‬وانطلق الهجوم من ثالثة جسور‪ ،‬هي‪ :‬األمير محمد‪ ،‬والملك حسين‪ ،‬واألمير عبدهللا‪ ،‬ومن‬
‫احتالل مرتفعات البلقاء والوصول إلى مشارف‬
‫َ‬ ‫منطقة غور الصافي باتجاه طريق الكرك‪ .‬وكان هدفه‬
‫ِ‬
‫القضاء على قواعد الفدائيين‪.‬‬ ‫ان‪َ ،‬عدا عن‬
‫عم َ‬
‫أنزل اإلسرائيليون قو ِاتهم المظلي َة على أطراف التالل المشرفة على الكرامة من ناحية الشرق؛ بهدف‬
‫قطع الطريق على الموجودين في القرية‪ ،‬ورافق ذلك قصف القوات األردنية والفدائيين بالطائرات‪ ،‬ودار‬
‫قتال بين الجانبين أسفر عن سيطرة اإلسرائيليين على الكرامة‪ ،‬ورغم ذلك فقد تصدت قوات الجيش‬ ‫ٌ‬
‫األردني للقوات اإلسرائيلية وألحقت الهزيمة بها‪ ،‬حتى إن إسرائيل أجبرت على طلب وقف إطالق النار‪،‬‬
‫ِ‬
‫ودباباتهم وقتالهم على أرض الكرامة‪.‬‬ ‫واضطر اإلسرائيليون إلى التراجع تاركين ِ‬
‫آلياتهم‬
‫يحا‪ ،‬وترك الجنود اإلسرائيليون على‬
‫خسرت إسرائيل في هذه المعركة (‪ )250‬قتيالً و (‪ )450‬جر ً‬
‫أرض المعركة (‪ )19‬دبابة وآلية مختلفة‪ ،‬أما شهداء األردن فقد بلغ عددهم (‪ ،)66‬و (‪ )108‬جرحى‪،‬‬
‫إضافة إلى (‪ )13‬دبابة و (‪ )39‬آلية مختلفة‪.‬‬
‫كانت نتائج معركة الكرامة سلبية على اإلسرائيليين وإيجابية على األردن؛ فألول مرة يتراجع‬
‫شبيها بالهزيمة‪ ،‬عالوة على ارتفاع الخسائر‪ ،‬كما أعادت هذه‬
‫ً‬ ‫اإلسرائيليون عن أرض المعركة تر ً‬
‫اجعا‬
‫قادر على مجاراة الجندي اإلسرائيلي واالنتصار عليه‪ ،‬رغم ما‬
‫المعركة الثقة للجندي العربي من حيث إنه ٌ‬
‫حدث في عامي ‪ 1948‬و‪.1967‬‬
‫واستمرت إسرائيل بشن هجماتها على القرى األردنية بعد معركة الكرامة‪ ،‬واستخدم العد ُّو الجو َ‬
‫الن‬
‫قاعدة لقصف المدن والقرى األردنية الشمالية‪ /‬مما أدى إلى نزوح عدد كبير من سكان منطقة الغور إلى‬
‫المرتفعات الجبلية‪َ .‬و َش ِه َد يوم ‪ 25‬آب من عام ‪ 1968‬أشد الهجمات التي قام بها اإلسرائيليون‪ ،‬كما َش ِه َد‬
‫يوم ‪ 3‬كانون األول َه َجمات على مدينة إر َبد وقريتي صما والطيبة‪ .‬وواصلت إسرائيل مسلسل هجماتها‬
‫على القرى والمدن األردنية طوال عامي ‪ 1968‬و‪ ،1969‬التي نجم عنها قتل الناس وهدم بيوتهم‪ .‬وقد‬
‫سميت الحرب التي شنها اإلسرائيليون على األردن وبعض الدول العربية بعد عام ‪ 1967‬بحرب‬
‫االستنزاف‪.‬‬
‫مصر وسوري َة لم تطلعا الحكومة‬
‫َ‬ ‫تفاجأ األردن بنشوب حرب تشرين عام ‪ ،1973‬خاص ًة أن‬
‫ط ِط ِهما؛ لذا كان الوضع َح ِرًجا‪ ،‬خاص ًة أن األردن ال يستطيع دخول الحرب من غير‬ ‫األردنية على خ َ‬
‫عنصر المباغتة " المفاجأة" الذي اعتمد عليه المصريون والسوريون‪ .‬والغريب أن‬
‫َ‬ ‫سالح جو‪ ،‬كما أنه َفَق َد‬

‫‪-33-‬‬
‫السادات طلب من الملك حسين دخول الحرب في اليوم الثالث من نشوبها‪ ،‬فاتخذ األردن جانب ِ‬
‫الحياد في‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بداية األمر؛ ألنه كان يخشى أن تحتل إسرائيل الضفة الشرقية‪.‬‬
‫ورغم ما تقدم فقد استعد األ ُّ‬
‫ردن للحرب‪ ،‬واستعدت قواته االحتياطية‪ ،‬ثم قرر دخول الحرب بعد أن‬
‫اءه الم َدرعَ (‪ )40‬إلى الجبهة السورية؛‬
‫فأرسل لو َ‬
‫َ‬ ‫دمشق‪،‬‬
‫َ‬ ‫دخل اإلسرائيليون األراضي السوري َة واقتربوا من‬
‫َ‬
‫نحو خط نوى – الشيخ مسكين‪ ،‬فتعرض إلى‬ ‫حيث خضع للقيادة السورية‪ ،‬وتقدم في ‪ 14‬تشرين األول َ‬
‫شهيدا‪ ،‬و (‪ )50‬جري ًحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫خسائر في األرواح والمعدات‪ ،‬بلغت (‪)24‬‬
‫َ‬ ‫ضربات إسرائيلية أوقعت في صفوفه‬
‫َودم َرت عشرات الدبابات‪ ،‬وأربع ناقالت‪.‬‬
‫ع (‪ )99‬إلى الجبهة السورية‪ ،‬فوصل في ‪ 22‬تشرين األول إلى منطقة‬
‫اء الم َدر َ‬
‫كما أرسل األردن اللو َ‬
‫الشيخ مسكين – نوى‪ ،‬واستعد اللـواءان (‪ 40‬و ‪ )99‬للهجوم يوم ‪ 23‬تشرين األول‪ ،‬لكن ذلك لم يحدث‬
‫بسبب صدور قرار مجلس األمن رقم (‪.)338‬‬
‫ات مؤيدة للعرب‪ ،‬وقرر‬
‫مع األشقاء السوريين والمصريين؛ إذ خرجت مسير ٌ‬
‫ردني َ‬
‫تعاطف الشعب األ ُّ‬
‫طلبة الجامعة األردنية المشارك َة في الحرب على الجبهة السورية‪ ،‬فوافق على إثرها مجلس عمدائها على‬
‫هين إلى األراضي السورية‪ ،‬وعند وصولهم إلى درعا توقف القتال‪،‬‬ ‫ذلك‪ ،‬فحملوا بعدد من الحافالت متَ َوج َ‬
‫فعادوا دون مشاركة‪ ،‬إضافة إلى حمالت التبرع بالدم و‪. ...‬‬
‫جعل بعض الدول‬ ‫َ‬ ‫أثر طيب في نفوس العرب‪ ،‬مما‬ ‫وكان للمشاركة األردنية في حرب ‪ٌ 1973‬‬
‫ِ‬
‫عالقاتها مع األردن‪ ،‬من مثل الجزائر‪ ،‬ودفعت الكويت المعونة المالية المترتبة عليها لألردن‪،‬‬ ‫العربية تعيد‬
‫صفاء في العالقات بين الجانبين وصل إلى درجة التنسيق‬
‫ٌ‬ ‫موقف األردن؛ فساد‬
‫َ‬ ‫كما َقدرت القيادة السورية‬
‫والتكامل في عام ‪.1975‬‬
‫وفي الفترة ما بين (‪ )29-26‬تشرين األول عام ‪1974‬؛ أي بعد عام من حرب تشرين‪ ،‬عقد مؤتمر‬
‫قمة الرباط بالمغرب‪ ،‬الذي ي َعُّد نقطة تحول في تاريخ العالقة األردنية – ال ِفَلسطينية؛ حيث أطلق أنور‬
‫السادات مفاجأة باقتراحه أن تكون منظمة التحرير ال ِفَلسطينية الممث َل الشرعي والوحيد للشعب ال ِفَلسطيني‪.‬‬
‫خيار غير القبول بقرار الدول العربية‪ ،‬فقد وافق على ذلك رغم شعور الملك حسين‬ ‫ردن ًا‬‫ولما لم يجد األ ُّ‬
‫بالم اررة؛ إذ كان َه ُّمه الرئيس إعادة الضفة الغربية وتخليصها من االحتالل اإلسرائيلي؛ فهو لم يرغب في‬
‫التنازل عنها وفصل الوحدة بين الضفتين‪ ،‬كما لم يرغب في التنازل عن مسؤولياته ِتجاه القضية‬
‫ال ِفَلسطينية حتى ال تَفس َر هذه الخطوة أنها تهرب من المسؤولية‪ .‬ورغم اتخاذ القرار عام ‪ 1974‬فإن‬

‫‪-34-‬‬
‫قائما بمسؤولياته ِتجاه سكان الضفة‬
‫الحسين لم يتخل عن هذه المسؤولية‪ ،‬وبقي األردن من الناحية الفعلية ً‬
‫الغربية حتى فك االرتباط القانوني واإلداري في نهاية تموز عام ‪.1988‬‬
‫مع إسرائيل؛ إذ إن الحرب لم تحرك‬
‫اقتنع السادات‪ ،‬بعد انتهاء حرب ‪ ،1973‬بأنه ال بد من السالم َ‬
‫عملية السالم‪ ،‬فاقترح وزير الخارجية األميركي هنري كسينجر (‪ )Henry Kissinger‬عليه أن يذهب إلى‬
‫صبًّا على استعادة سيناء منها‪ ،‬فذهب في تشرين الثاني عام‬
‫مع قادتها‪ ،‬وكان َه ُّمه من َ‬
‫إسرائيل ويتفاوض َ‬
‫مع الكنيست‬
‫لقاء َ‬
‫‪ 1977‬إلى تل أبيب‪ ،‬وهناك رحب به رئيس الوزراء اإلسرائيلي بيغن (‪ ،)Begin‬وعقد ً‬
‫إثر ذلك اتفاقية كامب ديفيد في أيلول عام ‪ ،1978‬ثم اتفاقية السالم في آذار‬
‫طالبه‪ ،‬ثم وقع َ‬
‫عرض فيه م َ‬
‫َ‬
‫عام ‪.1979‬‬
‫قابلت الدول العربية خطوة السادات السابقة باالستنكار؛ إذ َش َج َبت الحكومة األردنية انفرَادها‬
‫بالصلح‪ .‬وكان السادات قد عرض على الملك حسين أن يفاوض المسؤولين اإلسرائيليين السترجاع الضفة‬
‫الغربية وتوقيع اتفاقية الحكم الذاتي عن ال ِفَلسطينيين‪ ،‬لكن الملك حسين لم يستجب لطلبه رغم قناعته‬
‫طين من اختصاص منظمة التحرير ال ِفَلسطينية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالحل السلمي؛ إذ أصبحت مسؤولية فَلس َ‬
‫بغداد في الفترة ما بيـن (‪ )5-2‬تشرين الثاني عام‬
‫َ‬ ‫حضر األردن مؤتمر القمة العربي الذي عقد في‬
‫‪ ،1978‬الذي أدان العرب فيه خطوة مصر ورفضوا اتفاقية كامب ديفيد ودعوا مصر إلى العودة إلى‬
‫مصر وتجميد عضويتها في‬
‫َ‬ ‫مع‬
‫ار بقطع العالقات السياسية َ‬ ‫الصف العربي‪ .‬وقد اتخذ المؤتمرون قرًا‬
‫ضت عليها مقاطع ٌة اقتصادية شملت النفط‬‫جامعة الدول العربية ونقل مقر الجامعة إلى تونس‪َ ،‬فف ِر َ‬
‫والمبادالت التجارية واألرصدة‪.‬‬
‫مع إسرائيل‪ ،‬وصلت إلى (‪)3.500‬‬
‫مبالغ مالية لدول المواجهة َ‬
‫َ‬ ‫حينذاك بدفع‬
‫َ‬ ‫وتكفلت الدول العربية‬
‫مليون دوالر‪ ،‬كان نصيب األردن منها (‪ )1.250‬مليون دوالر‪ .‬وفي َ‬
‫ضوء ذلك باشر األردن شراء‬
‫األسلحة والمعدات العسكرية بغ َي َة تحسين وضعه الدفاعي‪.‬‬
‫جاهه‪ ،‬وأثر في العالقة‬ ‫ٌّ ِ‬ ‫برز تطوٌر آخر على الصعيد ال ِفَلسطيني‪ ،‬كان لألردن موقف‬
‫إيجابي ت َ‬
‫عاما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طين ألول مرة بعد عشرين ً‬ ‫شعر أهل فَلس َ‬
‫األردنية الفَلسطينية‪ ،‬هو حدوث االنتفاضة عام ‪1987‬؛ إذ َ‬
‫من احتالل الضفة الغربية وقطاع غزة عام ‪ 1967‬بأنه ال يمكن االعتماد على القوى الخارجية (عربية‬
‫ضعَفت منظمة التحرير ال ِفَلسطينية إثر العدوان على ال ِفَلسطينيين في لبنان عام‬
‫ودولية)‪ ،‬خاص ًة بعد أن َ‬
‫‪ ،1982‬إضافة إلى تخلي الدول العربية عنها؛ لذا ترسخت لدى ال ِفَلسطينيين قناع ٌة بأنه يجب التحرك من‬
‫الداخل‪ ،‬وهذا ما حصل عام ‪1987‬؛ إذ قامت االنتفاضة نتيجة تراكم قناعات ال ِفَلسطينيين بين عامي‬

‫‪-35-‬‬
‫(‪ ،)1987-1982‬وألول مرة وقف شعب مجرد من السالح في وجه إسرائيل‪ ،‬حتى األطفال جابهوا‬
‫الجيش اإلسرائيلي بالحجارة‪.‬‬
‫ساعد األردن ال ِفَلسطينيين في انتفاضتهم عام ‪َ ،1987‬وخصصت لهذه الغاية مبالغ من خالل دائرة‬
‫شؤون األرض المحتلة‪ ،‬كان يذهب قسم منها للمنظمة‪ .‬ولما ات َه َم ِت المنظمة األردن بأنه ال يقدم أية‬
‫ط عليه ِ‬
‫لفك االرتباط بين الضفتين‪ ،‬فقد بدأت‬ ‫مساعدة معنوية أو مادية لل ِفَلسطينيين‪ ،‬وكان هدفها الضغ َ‬
‫بحث المسؤولون األردنيون الموقف فوصلوا إلى قناعة بأن فك االرتباط‬
‫النقمة تشتد على األردن‪ ،‬وهنا َ‬
‫حان وقته‪ ،‬فأعلن الملك حسين في خطاب ألقاه في ‪ 31‬تموز عام ‪ 1988‬قرَار فك االرتباط القانوني‬
‫عاما على الوحدة بين الضفتين‪ ،‬م َعلالً ذلك بإبراز اله ِوية‬
‫مع الضفة الغربية بعد مرور (‪ً )38‬‬ ‫واإلداري َ‬
‫ستثنيا موظفي دائرة األوقاف ودائرة قاضي القضاة‬ ‫ِ‬
‫الفَلسطينية وتمكين المنظمة من القيام بمسؤولياتها‪ ،‬م ً‬
‫علما أن مسؤولية األردن عن هاتين الدائرتين بقيت مستمرة حتى أيلول عام ‪.1994‬‬ ‫من هذا القرار‪ً .‬‬
‫وتنفي ًذا لقرار فك االرتباط أصدر رئيس الوزراء األردني زيد الرفاعي في ‪ 20‬آب عام ‪1988‬‬
‫تعليمات تنظم قضايا جوازات السفر‪ ،‬أكد فيها اعتبار كل مقيم في الضفة الغربية قبل ‪ 31‬تموز ِفَلسطينًّيا‬
‫صالحا لمدة سنتين‪ ،‬بينما‬
‫ً‬ ‫أردنيا؛ حيث أعطيت له بطاقة خضراء‪َ ،‬ومِن َح جو َاز سفر أردني مؤقت‬
‫ًّ‬ ‫وليس‬
‫أعطيت البطاقات الصفراء لل ِفَلسطينيين الذين هم داخل األردن حتى ليلة الخطاب في ‪ 31‬تموز‪ ،‬كما‬
‫من الضفة الغربية َح َس َب الحاجة‪.‬‬‫تضمنت التعليمات استم ارري َة استيراد المنتجات الصناعية والزراعية َ‬
‫رحبت منظمة التحرير ال ِفَلسطينية وجميع المنظمات الفدائية األخرى بهذا القرار‪ ،‬واتخذت المنظمة‬
‫في ضوئع عدة ق اررات مهمة‪ ،‬من أبرزها إعالن الدولة ال ِفَلسطينية في ‪ 15‬تشرين الثاني من العام ِ‬
‫نفسه‪،‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ان سفارًة لدولة فَلسطين‪ ،‬وفي ‪ 2‬نيسان عام ‪1989‬‬ ‫مكتب المنظمة في عم َ‬
‫َ‬ ‫كما اعتبرت الحكومة األردنية‬
‫ئيسا لدولة ِفَلسطين‪.‬‬
‫ياسر عرفات ر ً‬
‫تونس َ‬
‫ِ‬
‫انتخب المجلس المركز ُّي الفَلسطين ُّي في َ‬
‫َ‬

‫وحرب الخليج الثانية ‪:1991 /90‬‬


‫ُ‬ ‫األُردن‬
‫يز في عملية حل الخالف العراقي – الكويتي‬ ‫ئيسا ومم ًا‬
‫دور ر ً‬
‫ردن بزعامة الملك حسين ًا‬‫أدى األ ُّ‬
‫اق والكويت قبل نشوب األزمة بثالثة أيام‪ ،‬وحاول إقناع الجانبين بالحل‬
‫سين العر َ‬
‫لوماسيا؛ فزار الملك ح ٌ‬
‫ًّ‬ ‫دب‬
‫السياسي دون اللجوء إلى القوة‪ ،‬لكن تلك الجهود لم تثمر؛ فاحتل العراق األراضي الكويتية في ‪ 2‬آب عام‬
‫َ‬
‫رض الكويت‬‫‪ ،1990‬ووقعت الكارثة على العرب‪ .‬وحاول الحسين حل األزمة بعد دخول القوات الع ارقية أ َ‬
‫بغداد في ‪ 3‬آب‪ ،‬وأقنع صدام حسين باالنسحاب‪ ،‬فقبل‬
‫َ‬ ‫سين إلى‬
‫ضمن اإلطار العربي؛ فغادر الملك ح ٌ‬

‫‪-36-‬‬
‫مصر أدانته‪ ،‬واتخذ‬
‫َ‬ ‫بذلك شريطة عدم اتخاذ قرار عربي يدين العراق‪ ،‬لكن بعض الدول العربية بزعامة‬
‫خمس دول عن التصويت‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ار بذلك بأغلبية (‪ )14‬صوتًا‪ ،‬وامتناع‬
‫مجلس جامعة الدول العربية قرًا‬
‫األردن‪ ،‬والسودان‪ ،‬واليمن‪ ،‬وموريتانيا‪ ،‬وِفَلسطين‪.‬‬
‫بي والواليات المتحدة األميركية قوات عسكري ًة إلى منطقة الخليج لضرب العراق‪،‬‬
‫حشد العالم الغر ُّ‬
‫وانضمت إليها بعض قوات دول عربية‪ ،‬هي‪ :‬مصر والمغرب وسورية‪ ،‬متخذ ًة من األراضي السعودية‬
‫وباقي دول الخليج قاعدة لشن غاراتها على العراق‪.‬‬
‫قام الملك حسين بجوالت في الدول العربية إلقناع زعمائها بتجنب اللجوء إلى القوة‪ ،‬لكن هذه‬
‫ِ‬
‫حظر جوي‪،‬‬
‫ض عليه ٌ‬ ‫من الكويت َفف ِر َ‬
‫اب َ‬ ‫فض العراق االنسح َ‬
‫نتائج إيجابية‪ ،‬كما ر َ‬
‫َ‬ ‫المساعي لم تسفر عن‬
‫استخدام القوة ضد العراق‪.‬‬ ‫ووافق مجلس األمن في ‪ 29‬تشرين الثاني من العام ِ‬
‫نفسه على قرار يجيز‬
‫َ‬
‫وبعد انقضاء المهلة المعطاة للعراقيين بدأ الهجوم في ‪ 17‬كانون الثاني عام ‪ ،1991‬فأصيب العراق‬
‫شمل البنية التحتية كمحطات توليد الكه َرباء‬
‫َ‬ ‫بدمار كبير في منشآته العسكرية والمدنية واالقتصادية‪،‬‬
‫والجسور والمستشفيات ومحطات تنقية الماء ومحطات استخراج النفط و‪. ...‬‬
‫مع العراق‬
‫الكويت‪ ،‬كما أن التعاطف الشعبي َ‬ ‫احتالل‬
‫َ‬ ‫امتنع األردن عن إدانة العراق رغم أنه لم يؤيد‬
‫نزول القوات األجنبية في الخليج‪َ ،‬وعقدت‬ ‫افضا‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫ظاهر؛ إذ عبر الشعب األردني عن َس َخطه ر ً‬ ‫ًا‬ ‫كان‬
‫المؤتمرات الشعبية برئاسة قادة األحزاب والقوى السياسية من األردن ومن بعض الدول العربية األخرى‪،‬‬
‫معلن ًة رفضها لِما يجري على الساحة العربية‪.‬‬
‫جميعا‪ ،‬وكان األ ُّ‬
‫ردن من أكثر الدول العربية التي‬ ‫ً‬ ‫وهكذا‪ ،‬أثرت حرب الخليج َس ًلبا في العرب‬
‫العمالة األردنية في دول‬
‫تعرضت للضرر؛ فأغلقت السعودية حدودها معها‪ ،‬وطردت أعداٌد كبيرة من َ‬
‫حظر اقتصادي‪ ،‬وأوقفت شركات الطيران‬‫ٌ‬ ‫ض ُّخ النفط إليها؛ وبذا فقد فرض عليها‬
‫الخليج‪ ،‬كما أوقف َ‬
‫العالمية رحالتها إليها‪ ،‬وأصيب ميناء العقبة بشلل اقتصادي نتيجة اعتراض سفن التحالف للسفن القادمة‬
‫للميناء وتفتيشها‪ ،‬وفي أحيان كثيرة إعادتها من حيث أتت‪ .‬وتعرض األردن إلى ضغط أميركي‪ ،‬واتخذ‬
‫ار في ‪ 20‬آذار عام ‪ 1991‬بإلغاء المعونة المالية المقررة لألردن وقيمتها‬
‫مجلس الشيوخ األمريكي قرًا‬
‫سنويا‪ ،‬إضافة إلى قصف طائرات التحالف الغربي للشاحنات والصهاريج األردنية‬‫ًّ‬ ‫(‪ )57‬مليون دوالر‬
‫المتجهة إلى العراق‪.‬‬
‫حو مليون ونصف نسمة‪ ،‬متجهين إلى دولهم (عربية‬ ‫وعليه‪ ،‬فقد وفد إلى األردن في بداية األزمة ن َ‬
‫مقابل ذلك وصلت إلى (‪ )40‬مليون دينار‬
‫َ‬ ‫وأجنبية)‪ ،‬فارين من الكويت والعراق‪ ،‬وتكبد األردن نفقات كبيرًة‬

‫‪-37-‬‬
‫خالل الشهرين األولين من األزمة‪ .‬ورغم أن معظم الوافدين غادر األردن‪ ،‬فقد عاد إليها (‪ )300‬ألف‬
‫مواطن أردني كانوا يعملون في الكويت ودول الخليج‪.‬‬
‫ونتيجة لقيام حرب الخليج لحقت باألردن خسائر كبيرة بسبب الشلل الذي أصاب قطاعات السياحة‬
‫حو (‪)1.100‬‬ ‫والنقل والشحن‪ ،‬وقد وصلت خسائره َح َس َب تقديرات صندوق النقد الدولي عام ‪ 1990‬ن َ‬
‫مليون دينار‪ .‬ويعد األردن الدولة العربية الوحيدة التي وفرت للعراق منف ًذا على العاَلم‪ ،‬والوحيدة الذي لم‬
‫ردني إخو َانه العراقيين بجمع التبرعات العينية‬
‫تشترك في الحصار على العراق‪ ،‬كما دعم الشعب األ ُّ‬
‫مع العراق ولم يغلق حدوده رغم تطبيق الحصار عليه من‬ ‫والنقدية وتقديم المواد الطبية‪ .‬وهكذا بقي األردن َ‬
‫دول الجوار جميعها‪ ،‬وبقيت العالقات االقتصادية قائمة بين البلدين‪.‬‬

‫تسل ُم الملك عبدهللا الثاني الحكم في عام ‪:1999‬‬


‫العرش في ‪ 7‬شباط عام ‪ 1999‬بعد وفاة الملك حسين‪ ،‬وسار على نهجه‬
‫َ‬ ‫تولى الملك عبدهللا الثاني‬
‫ص جاللته على العمل‬‫القائم على تعزيز دور األردن اإليجابي والمعتدل في العاَلم العربي‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد َح ِر َ‬
‫نحو مزيد من مأسسة‬‫جاهدا إليجاد الحل العادل والدائم والشامل للصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬وسعى َ‬ ‫ً‬
‫الديمقراطية والتعددية السياسية التي أرساها والده الملك حسين‪ ،‬والتوجه نحو تحقيق االستدامة في النمو‬
‫أفضل لجميع األردنيين‪ ،‬كما عمل الملك‬
‫َ‬ ‫االقتصادي والتنمية االجتماعية بهدف الوصول إلى نوعية حياة‬
‫مقاليد الحكم على تعزيز عالقات األردن الخارجية‪ ،‬وتقوية دور المملكة المحوري‬
‫َ‬ ‫عبدهللا الثاني منذ توليه‬
‫في العمل من أجل السالم واالستقرار اإلقليمي‪.‬‬
‫شارك الملك عبدهللا الثاني في إرساء قواعد اإلصالح اإلداري الوطني وترسيخ الشفافية والمساءلة‬
‫في العمل العام‪ ،‬وعمل دون كلل على تقدم الحريات المدنية جاعالً األردن و ً‬
‫احدا من أكثر البلدان تقد ًما‬
‫دور كامالً غير‬‫في الشرق األوسط‪ ،‬كما عمل باهتمام على َس ِن التشريعات الضرورية التي تؤمن للمرأة ًا‬
‫منقوص في الحياة االجتماعية واالقتصادية والسياسية في المملكة‪.‬‬
‫العرش على تحويل األردن إلى‬
‫َ‬ ‫صم َم منذ اعتالئه‬ ‫أما في ما يتعلق برؤية الملك االقتصادية فقد َ‬
‫نموذج حيوي في المنطقة‪ ،‬يكون محف ًاز لبناء الشرق األوسط؛ لذا كانت التنمية المستدامة وا ُّ‬
‫لنمو‬
‫ِ‬
‫صالحات‬ ‫ط ِط ِه الوطنية‪ ،‬ت َحقق في مناخ يكفل اإل‬
‫االقتصادي والرعاية االجتماعية في رأس أولويات خ َ‬
‫ُّ‬
‫ط االجتماعي؛ من أجل تزويد األردنيين باألدوات الالزمة لتمكينهم من‬ ‫السياسي َة والديمقراطي َة والتراب َ‬
‫المساهمة في تطوير بلدهم‪.‬‬

‫‪-38-‬‬
‫عددا من القضايا المهمة التي ينبغي التركيز عليها‪ ،‬منها‪ :‬تحرير‬
‫وقد حدد الملك عبدهللا الثاني ً‬
‫االقتصاد وتحديثه ورفع مستوى معيشة جميع األردنيين‪ ،‬بما في ذلك تخفيض عبء المديونية وتقليص‬
‫عجز الموازنة وتبني سياسة اقتصادية تحررية واالندماج في االقتصاد العالمي وتعزيز العالقات‬
‫مع الدول العربية والقضاء على الِبطالة والفقر‪ ،‬إضافة إلى عدد من القضايا التي تنسجم مع‬
‫االقتصادية َ‬
‫رؤية جاللته‪ .‬كما عمل على التقريب بين القطاعين العام والخاص وبناء الثقة بينهما وجعل القطاع‬
‫يكا حقيقيًّا في تطوير األردن‪.‬‬
‫الخاص شر ً‬
‫أما بالنسبة إلى التنمية السياسية فقد أكد جاللته في عدة مناسبات أن مشارك َة المجتمع المدن ِي‬
‫وض ًحا أن‬‫الفاعل َة في عملية اتخاذ القرار ت َعُّد أهم ركائز التنمية االجتماعية واالقتصادية المستدامة‪ ،‬م َ‬
‫حيد األ ُّ‬
‫ردن‬ ‫نحو الديمقراطية والتعددية واالزدهار االقتصادي وحرية الرأي والتعبير والفكر نه ٌج لن َي َ‬
‫الطريق َ‬
‫عنه‪.‬‬
‫ار أن تنمية الحياة السياسية في األردن تستدعي وجود األحزاب السياسية‬ ‫وأكد الملك عبدهللا مرًا‬
‫ط تعتمد أسا ًسا لاللتزام بقضايا األمة‪ ،‬وأن تتبوأ المصالح األردنية‬ ‫الوطنية‪ ،‬وأن يكون لكل منها خط ٌ‬
‫جميعها لتشكيل مجموعتين أو ثالثة رئيسة‪ ،‬تضمن‬ ‫ِ‬ ‫األولوي َة‪ .‬كما أكد الحاجة إلى اتحاد األحزاب األردنية‬
‫تحت لوائها ِبه ِويتها الخاص ِة وبرامجها الواضحة وأهدافها المعلنة‪.‬‬
‫كل منها أن تتمتع األحزاب المنضوية َ‬ ‫ٌّ‬
‫عبدهللا سنت الحكومة قانو َن انتخاب جديد في عام ‪ ،2001‬هدفه توسيع‬ ‫وتمشيا مع توجيهات الملك ِ‬
‫ً َ‬
‫أفضل للمناطق األردنية كلِها‪ ،‬على أن تكون عملية االنتخابات شفافة‬ ‫َ‬ ‫القاعدة االنتخابية وضمان تمثيل‬
‫مع توجيهات جاللته بضرورة تعزيز دور المرأة في المجتمع المدني فقد اعت ِم َد تمثيلها‬ ‫انسجاما َ‬
‫ً‬ ‫ونزيهة‪ .‬و‬
‫في االنتخابات النيابية‪ .‬كما َوج َه جاللته الحكومة لتخفيض ِس ِن االنتخاب من ‪ 19‬سنة إلى ‪ 18‬سنة من‬
‫أجل إشراك الشباب في رسم المستقبل‪.‬‬
‫وفي تشرين الثاني عام ‪ ،2002‬وبتوجيه من الملك ِ‬
‫عبدهللا الثاني أطلق مفهوم "األردن أوالً" من أجل‬
‫تعزيز أسس الدولة الديمقراطية العصرية‪ ،‬وهي خطة عمل تهدف إلى ترسيخ روح االنتماء بين المواطنين‪،‬‬
‫تغليب مصلحة األردن على غيرها‬ ‫َ‬ ‫يعمل الجميع فيها شركاء في بناء األردن وتطويره‪ .‬ويؤكد "األردن أوالً"‬
‫من المصالح‪ ،‬كما يهدف إلى نشر ثقافة االحترام والتسامح وتقوية مفاهيم الديمقراطية البرلمانية وسيادة‬

‫القانون والحرية العامة والمحاسبة والشفافية والعدالة والحقوق المتساوية‪ .‬وال يزال الملك بعد مرور َ‬
‫أكثر من‬
‫عالميا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫داخليا وزيادة سمعته‬
‫ًّ‬ ‫جاهدا لتطوير األردن‬
‫ً‬ ‫طات ِه الدستوري َة يعمل‬
‫تسلمه سل ِ‬
‫عقد ونصف على ُّ‬
‫َ‬

‫‪-39-‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫‪ -‬أبو نوار‪ ،‬معن‪ :‬تاريخ القوات المسلحة األردنية – عهد الملك طالل بن عبدهللا‪ ،‬مديرية التوجيه‬
‫المعنوي‪ ،‬عمان‪.1972 ،‬‬
‫‪ -‬خير‪ ،‬هاني‪ :‬الحياة النيابية في األردن ‪ ،1993-1920‬عمان‪ ،‬منشورات لجنة تاريخ األردن‪،‬‬
‫‪.1993‬‬
‫‪ -‬الشرعة‪ ،‬إبراهيم‪ :‬االتحاد العربي عام ‪ ،1958‬اللجنة العليا لكتابة تاريخ األردن‪ ،‬عمان‪.2004 ،‬‬
‫‪ -‬الشرعة‪ ،‬إبراهيم‪ :‬األحزاب األردنية والقضايا الوطنية والقومية (‪ ،)1957–1950‬اللجنة العليا لكتابة‬
‫تاريخ األردن‪ ،‬عمان‪.2013 ،‬‬
‫الدبلوماسي والعسكر ُّي في حل األزمة الكويتية – العراقية بين عامي‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬الشرعة‪ ،‬إبراهيم‪ :‬دور األ ِ‬
‫ردن‬
‫(‪ ،)1963- 1961‬عمان‪.2001 ،‬‬
‫‪ -‬الشرعة‪ ،‬إبراهيم وآخرون‪ :‬تاريخ األردن وحضارته‪ ،‬عمان‪.2005 ،‬‬
‫‪ -‬الشرعة‪ ،‬إبراهيم وطالفحة‪ ،‬حامد‪ :‬تاريخ األردن الحديث وأساليب تدريسه‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫‪.2005‬‬
‫‪ -‬الشرعة‪ ،‬إبراهيم‪ :‬تاريخ األردن وِفَلسطين‪ ،‬دار وائل‪ ،‬عمان‪.2014 ،‬‬
‫‪ -‬محافظة‪ ،‬علي‪ :‬العالقات األردنية البريطانية ‪ ،1957–1921‬بيروت‪ ،‬دار النهار‪.1973 ،‬‬

‫‪ -‬مديرية التوجيه المعنوي‪ :‬عشرون ً‬


‫عاما من الجهاد والبناء ‪ ،1972-1952‬القوات المسلحة األردنية‪،‬‬
‫عمان‪.1972 ،‬‬
‫مديرية التوجيه المعنوي‪ :‬معركة الكرامة‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1969 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫السياسي األردني ‪ ،1973-1921‬مركز األبحاث‪ ،‬منظمة التحرير ال ِفَلسطينية‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬مراد‪ ،‬عباس‪ :‬الدور‬
‫بيروت‪.1973 ،‬‬
‫السياسي المعاصر (حزيران ‪1995-1967‬م)‪ ،‬عمان‪ ،‬لجنة تاريخ‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬موسى‪ ،‬سليمان‪ :‬تاريخ األ ِ‬
‫ردن‬
‫األردن‪.1998 ،‬‬
‫‪ -‬موسى‪ ،‬سليمان‪ :‬تاريخ األردن في القرن العشرين ‪ ،1995-1958‬ج‪ ،2‬عمان‪ ،‬لجنة تاريخ األردن‪،‬‬
‫‪.1996‬‬
‫‪- http://www.nohodainalbashadirectory.com/jordan_history.htm‬‬

‫‪-40-‬‬
- :‫ المملكة األردنية الهاشمية‬،‫ الموقع الرسمي لرئاسة الوزراء‬،‫تاريخ المملكة األردنية الهاشمية‬
http://www.pm.gov.jo/arabic/index.php?page_type=pages&part=1&page
_id=124
- ‫ القيادة العامة للقوات الم َسلحة األردنية‬،‫الثورة العربية الكبرى‬
http://jaf.mil.jo/Arabic/ArmyForces/ArmyForcesHistory/GreatArabRevoluti
on/Pages/Introduction.aspx
- http://www.sukhneh.com/main/index.php?option=com_content&view=arti
cle&id=194:2009-06-21-07-18-36&catid=13:2009-05-30-23-38-40
- http://factjo.com/pages/memberdetails.aspx?id=5556
- http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleno=187973
- http://www.jo1jo.net/vb/jo1jo8422.html
- http://www.addustour.com/17116/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1
%D8%AF%D9%86+%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8
%B6+%D8%B9%D9%84%D9%89+%D8%AC%D9%85%D8%B1+%D8%
A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9+%D8%A7%D9%84%
D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%
A9.html
- http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleno=86038
- http://www.marefa.org/books/index.php/%D8%AA%D8%A7%D8
%B1%D9%8A%D8%AE_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%A
F%D9%86

-41-

You might also like