You are on page 1of 204

‫جمهورية العراق‬

‫وزارة التربية‬
‫المديرية العامة للمناهج‬

‫تاريخ البالد العربية الحديث والمعاصر‬


‫للصف السادس االدبي‬

‫المؤلفون‬
‫د‪ .‬جعفــر عبــاس حميـــدي د‪ .‬نوري عبد الحميد خليل‬
‫د‪ .‬اسامة عبد الرحمن الدوري د‪ .‬زينـــب منعــــم كريـم‬
‫السيد علي ضياء حسين‬

‫‪1445‬هـ ‪ 2023 /‬م‬ ‫الطبعة السابعة‬


‫المشرف العلمي على الطبع ‪ :‬د‪ .‬أسراء طالب توفيق‬

‫علي غازي جواد‬ ‫المشرف الفني على الطبع ‪:‬‬

‫التصميم‬

‫أحمد سعد شجاع الركابي‬

‫استنادا ً الى القانون يوزع مجانا ً ويمنع بيعه وتداوله في االسواق‬


‫الفصل األول‬
‫العراق في العهد العثماني‬
‫أوال‪ -‬الحياة السياسية‬
‫احتل السلطان سليمان القانوني (‪1566-1520‬م) بغداد عام ‪1534‬م وذلك بعد ان ازاح‬
‫الصفويين الذين كانوا قد استولوا على العراق بقيادة اسماعيل الصفوي عام ‪1508‬م ‪.‬‬
‫ولم يستتب االمر للصفويين بعد اسماعيل الصفوي‪ ،‬إذ جاء للحكم ابنه طهماسب‬
‫االول ولم يستطع السيطرة على حكم العراق‪ ،‬اذ تمرد عليه الكردي الفيلي ذو الفقار بن‬
‫نخود الذي كان حاكماً في لورستان واستطاع ان يستلم مقاليد الحكم في بغداد‪ ،‬وحكم‬
‫العراق مايقارب الست سنوات وقد احتمى بالسلطان العثماني سليمان القانوني وخطب‬
‫له من على المنابر حتى يكون له سنداً من خطر الحاكم الصفوي طهماسب االول‪،‬‬
‫لكن طهماسب استطاع عام ‪1530‬م ان يحاصر بغداد لكنه عجز عن فتحها فأتجه الى‬
‫الخداع والحيلة وبهذة الطريقة استطاع من قتل ذو الفقار بن نخود الفيلي عام ‪1530‬م‬
‫وقد شجعت هذه االحداث التي اضعفت الصفويين السلطان سليمان القانوني ان يدخل‬
‫بغداد مع جيشه الكبير في ‪ 31‬كانون االول من عام ‪1534‬م ولم يكن هناك احد من‬
‫ممثلي الحكومة الصفوية غير الوالي محمد خان تكلو الذي هرب من الجيش العثماني‪.‬‬
‫وجرت مناوشات بين بقايا الجنود الصفويين والعثمانيين في سوق الرياحين (الشورجة)‬
‫ومحلة سوق الخفافين (قرب سوق السراي) وجامع الخليفة (سوق الغزل) واستطاع‬
‫العثمانيون من االنتصار والسيطرة‪ ،‬وقدمت مفاتيح السلطة للحاكم العثماني سليمان‬
‫القانوني واستمر الحكم العثماني الذي لم يقدم للعراق مايستحق االشادة والذكر حتى‬
‫عام ‪1623‬م وهو العام الذي احتل فيه الشاه عباس الصفوي العراق مرة ثانية بعد ان قتل‬
‫قائد االنكشارية العثمانية بكر صوباشي واخوه واوالده‪.‬‬
‫وكان بكر صوباشي الذي اثقل العراقيين بجباية الضرائب قد طلب من الصدر االعظم‬
‫قرة حسين باشا منحه والية بغداد بعد مقتل الوالي السابق يوسف باشا اال انه رفض‬
‫طلبه واعلن تمسكه بحكم بغداد بال منازع‪ ،‬وحاول الشاه عباس استغالل خالفه مع‬
‫الدولة العثمانية مقابل اعالن تبعيته للدولة الصفوية اال انه رفض وعند ذلك قام جيش‬

‫‪5‬‬
‫الشاه عباس بالتوغل في بغداد والقبض على بكر صوباشي واعدامه وانهى بذلك الحكم‬
‫العثماني االول للعراق‪.‬‬

‫السلطان مراد الرابع‬


‫‪1640-1623‬م‬
‫بعد حوالي خمسة عشر عاماً عزم السلطان العثماني مراد الرابع استرجاع بغداد‬
‫فسار اليها بجيش كبير ودخلها بعد حصار على المدينة دام حوالي الشهر بعد معارك‬
‫ضارية في شوارع بغداد الى ان استسلم بكتاش خان الى السلطان مراد الرابع‪ ،‬وكان‬
‫السلطان مراد قد نزل بجيوشه في موضع يقال له االن سبع ابكار عام ‪1638‬م واستمر‬
‫القتال بين الجيشين العثماني والصفوي اربعين يوماً ودخل السلطان مراد الرابع بغداد‬
‫في ‪ 24‬كانون االول من عام ‪1638‬م ‪.‬‬
‫وقتل في هذه المعركة الصدر االعظم محمد باشا الطيار الذي كان قد تعهد‬
‫للسلطان مراد باالستبسال حتى الموت وحزن السلطان لمقتله وقام بدفنه في مقبرة‬
‫االمام االعظم وحل محله بمنصب الصدر االعظم مصطفى باشا ‪.‬‬
‫ترك السلطان مراد الرابع بغداد في ‪ 15‬كانون الثاني عام ‪1639‬م واستقرت بغداد بيد‬
‫العثمانيين الى قيام الحرب العالمية االولى ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ - 2‬عودة الحكم العثماني المباشر ‪1917-1831‬م‬
‫بانتهاء عهد المماليك وعودة الحكم العثماني المباشر الى العراق الذي استمر اكثر‬
‫من خمسة وثمانين عاما بدأ عهد جديد لهذا الحكم‪ .‬دعاه بعض المؤرخين بالعهد‬
‫العثماني الثالث‪ ،‬او العهد العثماني االخير الذي انتهى بدخول البريطانيين بغداد عام‬
‫‪1917‬م‪ .‬وقد شهد هذا العهد ماعرف بـ(عصر التنظيمات) اي عصر االصالحات التي‬
‫ارادت منها الحكومة العثمانية ادخال اصالحات شاملة في مؤسسات الدولة وتحديثها‬
‫ووضعها على اسس عصرية‪ ،‬والتي بدأ الوالة بتطبيقها في العراق‪.‬‬
‫كان الوالة الذين حكموا في هذا العهد من العثمانيين الذين يتم تعيينهم من استانبول‬
‫مباشرة و بلغ عددهم خمسة وثالثين واليا بعضهم حكم اكثر من مرة‪ ،‬والكثير منهم‬
‫لم يكمل مدة حكمه ( ثالث سنوات) تميز بعضهم بالكفاية والمقدرة‪ .‬وحققوا انجازات‬
‫واصالحات شملت الجوانب العسكرية واالدارية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فرضتها طبيعة‬
‫االحداث والتطورات الداخلية والخارجية التي مرت على العراق‪.‬‬
‫قسم العراق بموجب تلك االصالحات عام ‪1864‬م الى ثالث واليات هي بغداد والموصل‬
‫والبصرة‪ ،‬وكل والية ضمت عددا من االقضية‪ ،‬ويتبع كل قضاء مجموعة من النواحي‪،‬‬
‫وكل نــاحية ترتبط بها مجموعة من القرى‪ .‬وكانت كل من الموصل والــبصرة تشكل‬
‫قائم مقامية او متصرفية تابعة لبغداد حينا‪ ،‬وفي احيان اخرى تكون لكل منها ادارة‬
‫منفصلة عن بغداد ومرتبطة مباشرة بالعاصمة استانبول‪.‬‬
‫اما من حيث السياسة العامة لهؤالء الوالة فلم يجر عليها تغيير كبير‪ ،‬فظل الفساد‬
‫والرشوة والمحسوبية والشغب ينخر االدارة‪ .‬وتواصلت حالة العداء بين العثمانيين‬
‫والقاجاريين حكام فارس‪ ،‬وتنافسهم حول النفوذ ومسائل الحدود وانتقال المواطنين‬
‫باستثناء فترات قليلة‪ .‬ولم يطرأ تبدل كبير على الموقف من العشائر وسياسة الوالة‬
‫تجاههم‪ ،‬وال العالقة مع بقية السكان‪ .‬فظلت الغالبية العظمى منهم في حالة‬
‫انتفاض‪ ،‬حينذاك يضطر الوالة الرسال الحمالت لقمعها بقسوة مصحوبة باعمال‬
‫السلب والنهب والتهجير‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫عانى المجتمع العراقي التخلف والتمايز االجتماعي‪ ،‬اذ كان الحكام والزعماء وكبار‬
‫الموظفين والمتعاونين معهم من اصحاب الجاه والمنزلة الرفيعة والكلمة المسموعة‬
‫الذين يقال لهم (االعيان) يكونون الطبقة العليا وبيدهم الثروة والنفوذ‪ ،‬والى جانبهم فئة‬
‫ثانية من المالكين والملتزمين والشيوخ الذين تحولوا بمرور الزمن الى مالكين وملتزمين‬
‫وراثيين وازداد بذخهم‪ .‬في حين ظلت الغالبية العظمى من السكان ومعظمهم من‬
‫افراد العشائر المتنقلة او الساكنة في االرياف تعاني الجهل والمرض والفقر‪ .‬وهناك فئة‬
‫اخرى تضم بعض رجال الدين الموالين للعثمانيين ومن اصحاب الطرق الصوفية التى‬
‫تعددت وتنوعت اتجاهاتها ‪ ،‬وكان لها تاثير واسع في توجيه المجتمع وقيادته‪ .‬وكانت‬
‫عالقة معظم العشائر العراقية متوترة مع السلطات العثمانية التي كانت تتعامل‬
‫معها بقسوة وتحاول اخضاعها بالقوة ‪ ،‬ولم تدرك هذه السلطات طبيعة التنظيم‬
‫العشائري ودوره االجتماعي والسياسي ولم تراع حقوقهم في مناطقهم ‪.‬‬
‫التعليم‬
‫لم تبذل السلطات العثمانية اهتماما بالتعليم الذي اقتصر على الكتاتيب والمساجد‬
‫وعلى ابناء المدن‪ ،‬حيث يلقن التالميذ امور الدين واللغة والمعلومات التي ورثها الخلف‬
‫عن السلف فظل الجهل سائدا‪ .‬اما المدارس الحديثة التي تدرس المناهج التي تتالءم‬
‫وحاجات المجتمع والتطور الحاصل في اوربا‪ ،‬فلم يعرفها العراق اال في العهد العثماني‬
‫االخير‪ ،‬وكان التعليم فيها يجري باللغة التركية ‪ .‬وانشأت االرساليات التبشيرية عددا من‬
‫المدارس في المـدن الكبيرة‪ ،‬التي كانت تدرس المناهج الحديثة االمر الـذي ادى الــى‬
‫اقبال ابناء االسر الثرية عليها الن التعليم فيها يجري باللغة العربية وقد ظل تعـليم‬
‫البنات محدودا جدا‪.‬‬
‫الصحة‬
‫اما الصحة ووسائلها فكانت تقوم على اسس بدائية او ما يسمى الطب الشعبي‬
‫والتعاويذ‪ ،‬وكانت االمراض المعدية تفتك بالسكـان مثل الكـوليرا والــطاعون والــمالريا‬
‫التي تكرر وقوعها عدة مرات‪ .‬بل انها كانت تتواصل الكثر من سنة في بعض االحيان‪ .‬ولم‬
‫تكن هناك مستشفيات وال اطباء‪ ،‬وال وعي جماعي بمخاطر العدوى وانتقال المرض‪ ،‬وال‬
‫مساكن صحية‪ .‬ولكن بعض والة القرن التاسع عشر بذلوا جهودا قليلة في هذا المجال‬
‫‪15‬‬
‫الوالي مدحت باشا‬
‫‪1872-1869‬م‬

‫وبعد ظهور الحركة االصالحية في الدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن‬


‫التاسع عشر ‪ ،‬ارسلت الحكومة بعض الوالة الى العراق ممن اطلعوا على الحضارة‬
‫الغربية واساليبها في االدارة والحكم‪ .‬من امثال رشيد باشا الكوزلكلي (‪1852‬م) الذي‬
‫اهتم بالنقل والمواصالت وأنشأ شركة مالحية نهرية‪ ،‬وسير البواخر لنقل البضائع‬
‫والمسافرين واسس الخدمات البريدية‪ .‬وفي عهد الوالي نامق باشا ( حكم مرتين) ازداد‬
‫االهتمام بالنقل وتنظيم ادارته‪ ،‬فوسع الشركة السابقة التي اطلق عليها اسم(االدارة‬
‫النهرية العثمانية) وانشا معمال الصالح السفن واخر للغزل والنسيج وداراً لصنع‬
‫االسلحة وتطويرها‪.‬‬
‫كان اشهر الوالة االصالحيين الذين حكموا العراق هو مدحت باشا الذي وصل بغداد‬
‫عام ‪1869‬م‪ .‬كان يتمتع بكفاءة عالية اذ انه تثقف بالثقافة االوربية‪ ،‬وعمل واليا في‬
‫البلقان‪ .‬وقد تم نقله الى بغداد مزودا بصالحيات واسعة بما في ذلك السلطتين‬
‫المدنية والعسكرية لتمكينه من احداث التقدم واالصالح المنشود واعداد البالد لمواجهة‬
‫االخطار المحدقة بها ‪ .‬اقترن ذلك مع اقتراب موعد افتتاح قناة السويس‪ ،‬وزيادة تحكم‬
‫بريطانيا في الخليج العربي ‪ .‬فسعى مدحت باشا الى تحديث العراق واصالح اوضاعه‬
‫وتغيير حياته السياسية واالقتصادية واالجتماعية ومن تلك االنجازات‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ -1‬تطبيق نظام الطابو العثماني حال لمشكلة االراضي وكان الهدف من تطبيقه في‬
‫العراق هو القضاء على انتفاضات العشائر وتعويدهم على االستقرار ومنع الغزو‬
‫والحروب بينهم والعمل على تحسين سبل العيش بتوزيع االراضي عليهم وتثبيت‬
‫الملكيات وتوفير المياه الالزمة للزراعة‪ ،‬ولكن ذلك ادى الى تحول الكثير من شيوخ‬
‫العشائر الى مالكين كبار لالراضي فأرسى بذلك قواعد النظام االقطاعي في العراق‪،‬‬
‫وصار افراد العشيرة فالحين وعماال عند المالكين‪ .‬و قد نجح الى حد ما في توطين‬
‫العشائر وفرض الضرائب وتحصيلها منهم واتبع تطبيق هذا القانون بأصالح نظام‬
‫الضرائب الزراعية‪.‬‬
‫‪ -2‬وجه عنايته الصالح المؤسسة العسكرية فجند العراقيين بدال من العناصر االجنبية‬
‫من المماليك واالتراك‪ .‬وادخل الخدمة االلزامية عن طريق القرعة‪ .‬لكنه فشل في‬
‫المناطق العشائرية التي رفضت التجنيد االلزامي‪ .‬االمر الذي ادى الى قيام انتفاضات‬
‫عشائرية اهمها انتفاضة الدغارة التي انتهت بالقمع واعدام بعض الشيوخ‪ .‬وكذلك‬
‫انتفاضة شمر في منطقة الجزيرة قرب الموصل واعدام شيخها‪ ،‬وبذلك اجبر بقية‬
‫الشيوخ على االلتزام بالنظام ‪ .‬ادت هذه االجراءات الى زيادة عدد افراد الجيش كما‬
‫اسس مدرستين عسكريتين في بغداد لتخريج الضباط العراقيين‪.‬‬
‫‪ -3‬كانت المواصالت احدى الجوانب التي حظيت باهتمامه لما لها من اثر في التجارة‬
‫والنقل وتوحيد البالد فاهتم بالمواصالت النهرية والبحرية والبرية‪ .‬وطور (شركة االدارة‬
‫النهرية العثمانية) واشترى بواخر جديدة كبيرة لتبحر بين البصرة واستانبول عبر‬
‫قناة السويس‪ ،‬وبنى المحطات الالزمة لتزويدها بالوقود ومصنعا الصالح السفن‪.‬‬
‫امـــا على البر فقد اسس شركة لتسيير الترامواي ( قطار تجره الخيول ) بين بغداد‬
‫والكاظمية لنقل المسافرين والبضائع وتم افتتاح المشروع سنة ‪1871‬م‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الترامواي‬
‫‪ -4‬وفي ميدان التعليم والثقافة افتتح المدارس الحديثة وادخل التعليم الرسمي فاسس‬
‫المدرسة الرشدية الملكية (المدنية) ببغداد وهي مدرسة متوسطة‪ ،‬ومدرسة‬
‫للصناعة لقبول خريجي االبتدائية لتخريج الكوادر الفنية في الخياطة والنجارة‬
‫والحدادة والطباعة وغيرها من المهن العداد الحرفيين للمشاريع التي اراد انشائها‪.‬‬
‫فازداد عدد المتعلمين وتوفرت فرص العمل‪ .‬واسس مطبعة حكومية واصدر اول جريدة‬
‫عراقية وهي جريدة (زوراء) لنشر االخبار والقوانين والمقاالت واطالع العراقيين على‬
‫كل ما يستجد‪.‬‬

‫جريدة زوراء‬

‫‪21‬‬
‫‪ -5‬سعى لتطوير االدارة والحياة المدنية والقضاء على البداوة‪ ،‬فانشأ مدن الناصرية‬
‫والرمادي والمدحتية‪ .‬وبنى مستشفى وابنية جديدة لدوائر الحكومة‪ .‬واسس المحاكم‬
‫المدنية والبلديات و بعض المصانع الحديثة ومصفاة للنفط في بعقوبة واقام متنزها‬
‫عاما في بغداد ووجه السكان لتشييد المساكن الحديثة ‪.‬‬
‫الواقع ان مدحت باشا سعى لتحديث العراق في جميع المجاالت‪ ،‬لكننا يجب ان ال‬
‫نبالغ في مقدار ما حققه‪ ،‬اذ انه لم يتمكن من انجاز عدد من المشاريع بسبب قصر مدة‬
‫حكمه وقلة االمكانات وعدم دعم الحكومة المركزية ومعارضة بعض السياسين في‬
‫العاصمة استانبول له‪ .‬فضال عن معارضة القوى المحلية المحافظة في العراق والتي‬
‫وقفت ضد التغيير‪ ،‬فاستقال عام ‪1871‬م وغادر العراق ‪ ،‬ولم يتمكن من اكمال الكثير‬
‫ممــا بدأ به واهملت بعض مشاريعه المنجزة وظلت الغالبية العظمى من العراقيين‬
‫تعاني الجهل والفقر‪.‬‬
‫‪ - 6‬ادت هذه االصالحات على الرغم من محدوديتها الى زيادة وعي العراقيين وشعورهم‬
‫بالحيف‪ .‬فبدأوا بتأطير انفسهم بتنظيمات سياسية تدعو الى المطالبة بالحقوق‬
‫المشروعة ضمن الدولة العثمانية‪ .‬وشاركوا في المؤتمر العربي االول الذي عقد بباريس‬
‫عام ‪1913‬م السماع صوتهم للعالم الخارجي والحصول على دعم الدول الكبرى‪ .‬وعندما‬
‫يئسوا من ذلك اضطروا الى المشاركة في الثورة العربية على العثمانيين عام ‪1916‬م‪.‬‬

‫بناية القشلة وبرج الساعة‬ ‫‪22‬‬


‫الفصل الثاني‬
‫البالد العربية في العهد العثماني‬
‫‪1918-1516‬م‬
‫أوالً ‪ -‬التوسع العثماني في البالد العربية‪:‬‬
‫بعد سقوط مدينة القسطنطينية بيد العثمانيين عام‪1453‬م واتخاذها عاصمة‬
‫للدولة العثمانية باسم (استانبول) أي مدينة اإلسالم حدث تغيير في ستراتيجية الدولة‬
‫العثمانية فتوقفت الفتوحات باتجاه أوربا واتجهت نحو البالد العربية نتيجة لعاملين‬
‫هما ظهور الدولة الصفوية في بالد فارس‪ ،‬واالستعمار األوربي الحديث ممثالً بأسبانيا‬
‫والبرتغال‪.‬‬
‫بعد تولي سليم األول (‪1520-1512‬م) السلطة في الدولة العثمانية قرر محاربة الشاه‬
‫إسماعيل الصفوي (‪1524-1487‬م) والقضاء على دولته فتولى قيادة الجيش بنفسه‪،‬‬
‫واتجه في ربيع عام ‪1514‬م صوب الشرق وعند وادي جالديران قرب تبريز التحم الجيشان‬
‫في معركة عرفت باسم معركة جالديران‪ ،‬استطاع فيها السلطان سليم األول احتالل‬
‫تبريز عاصمة الدولة الصفوية‪ ،‬وكانت هذه المعركة بداية للصراع العثماني‪ -‬الصفوي‪.‬‬

‫السلطان سليم االول‬

‫‪24‬‬
‫السيطرة العثمانية على بالد الشام ومصر‬
‫بعد االنتصار في جالديران وبحجة معاقبة اإلمارات التي وقفت مع الشاه إسماعيل‬
‫اتجه العثمانيون نحو بالد الشام وهاجموا إمارة (ذو القدر)‪ ،‬وهي إمارة تركمانية صغيرة‬
‫عاصمتها مرعش وتقع على حدود بالد الشام بحجة عرقلتها سير جيش السلطان‬
‫سليم االول أثناء تقدمه لمحاربة الصفويين وتحالفها مع دولة المماليك التي تحكم‬
‫بالد الشام وحدثت المعركة الحاسمة بين العثمانيين والمماليك في سهل مرج دابق‬
‫بالقرب من مدينة حلب في شهر آب ‪1516‬م‪ ،‬واستطاع العثمانيون من تحقيق االنتصار‬
‫على المماليك وقتل السلطان المملوكي في هذه المعركة‪.‬‬
‫فتحت معركة مرج دابق الطريق أمام السلطان سليم ألحتالل بالد الشام‪ ،‬فاحتل‬
‫حلب ودمشق وطرابلس وصفد والكرك‪ ،‬واعتقد السلطان بأن معركة مرج دابق ستؤدي‬
‫إلى انهيار دولة المماليك وسقوطها نهائياً في قبضته‪ ،‬فعرض على سلطان المماليك‬
‫االعتراف بالخضوع للسيطرة العثمانية في مقابل االحتفاظ بمنصب حاكم مصر‪ ،‬لكنه‬
‫رفض ذلك وأصر على المقاومة‪.‬‬
‫قرر السلطان سليم الزحف من بالد الشام الحتالل مصر‪ ،‬ووصل إلى شواطئ النيل‬
‫في مطلع عام‪1517‬م‪ ،‬وقد حاول المماليك تجميع قواهم وأقاموا خطاً دفاعياً عند‬
‫الصالحية لعرقلة الزحف العثماني‪ ،‬إال أن العثمانيين تجنبوا هذا الخط الدفاعي ودخلوا‬
‫الدلتا حتى بلبيس‪ ،‬وفي مشارف القاهرة عند الريدانية حدثت المعركة الحاسمة الثانية‬
‫في حياة الدولة المملوكية في كانون الثاني ‪1517‬م انتهت بهزيمة المماليك ودخول‬
‫العثمانيين مدينة القاهرة بعد انتصارهم في معركة الريدانية حيث اعدم السلطان‬
‫المملوكي طومان باي ‪.‬‬
‫بقي السلطان سليم في مصر بضعة شهور لدراسة أحوالها وتنظيم إدارتها‪ ،‬واستفاد‬
‫من بعض أمراء المماليك‪ ،‬واسند إليهم بعض المناصب اإلدارية‪ ،‬وشكل مجلساً إدارياً‬
‫باسم ديوان الباشا مهمته تنحصر في مساعدة الوالي في شؤون اإلدارة والحكم ثم‬
‫تطورت وأصبحت تشمل منع الوالي من إساءة استعمال سلطته‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫خضوع الحجاز واليمن للعثمانيين‬
‫كان من الطبيعي بعد سقوط دولة المماليك في يد العثمانيين ان يتبع ذلك انضمام‬
‫الحجاز للدولة العثمانية وذلك ألن المماليك كانوا أصحاب السيادة عليه‪ ،‬وقد أعلن‬
‫شريف مكة والءه للسلطان العثماني بعد أن وصله فرمان منح األمان‪ .‬وقد أرسل‬
‫الشريف وفداً إلى القاهرة برئاسة ابنه الكبير ليقدم فروض الوالء للسلطان العثماني‪،‬‬
‫وتسليم مفاتيح الكعبة المشرفة وبعض اآلثار النبوية الشريفة إقراراً له بالسيادة‬
‫على الحجاز‪ ،‬وقد أعلن السلطان سليم نفسه خادماً للحرمين الشريفين‪ .‬وهكذا دخل‬
‫الحجاز في نطاق السيادة العثمانية دخوالً سلمياً‪.‬‬
‫أما اليمن فقد كان واضحاً بعد سقوط دولة المماليك خضوعها للعثمانيين‪ ،‬فقد‬
‫أرسل حاكمها وفداً لتقديم فروض الوالء للسلطان العثماني الذي وافق على إبقائه في‬
‫منصبه‪ .‬إال أن الصراعات الداخلية من ناحية‪ ،‬والتهديد البرتغالي من ناحية أخرى أديا‬
‫إلى عدم استقرار األوضاع السياسية في اليمن‪ ،‬فقررت الحكومة العثمانية إرسال حملة‬
‫عسكرية كبيرة عام ‪1538‬م ضمت (‪ )20‬ألف شخص مع (‪ )74‬سفينة مجهزة بالمدافع‬
‫الحتالل عدن‪ ،‬كما احتلوا تعز عام ‪1545‬م‪ ،‬وصنعاء عام ‪1547‬م‪.‬‬
‫امتداد السيطرة العثمانية إلى بلدان المغرب العربي‬
‫يعد سقوط غرناطة في أيدي األسبان عام‪1492‬م‪ ،‬واخراج العرب من آخر معاقلهم‬
‫في بالد األندلس‪ ،‬نقطة تحول في تاريخ بلدان المغرب العربي ودوله‪ ،‬فالعرب المسلمون‬
‫اضطروا بعد أن سقطت معاقلهم الواحدة بعد األخرى في أيدي الجنود األسبان إلى‬
‫االختيار بين القتل والتعميد‪ ،‬فأسرع عدد منهم إلى الخروج من األندلس بما تمكن‬
‫من حمله ملتجأ إلى موانئ شمال أفريقيا‪ .‬وكانت خطة األسبان تهدف إلى القضاء‬
‫نهائياً على السكان المدنيين وأبادتهم‪ ،‬وتطويق بلدان المغرب العـــربي واحتالل موانئها‬
‫المطلة على الـبحر المتوسط‪ ،‬ومن ثم احتالل أقاليم أفريقيا الواقعة إلى جنوبه‪،‬‬
‫والسعي إلى تحويلها جميعاً إلى المسيحية‪.‬‬
‫أخذ البرتغاليون ثم األسبان بالعمل على تنفيذ هذه الخطة‪ ،‬فاحتل البرتغاليون سبته‪،‬‬
‫واحتل األسبان مليلة والمرسى الكبير وهجموا على وهران‪ ،‬وإزاء اشتداد الصراع تطلعت‬
‫‪26‬‬
‫واألقاليم التابعة لها وألحق التفكك نتيجة لممارسات الملتزمين السيئة‪ .‬ففي مصر‬
‫مورست أسوء أساليب اإلدارة التي انتشرت فيها الرشوة واالحتكارات والمضاربات‪ ،‬وفي‬
‫بالد الشام ساءت أوضاع السوق والحركة التجارية نتيجة تفاقم الصراعات المحلية‬
‫والنزاعات اإلقليمية على يد الزعامات العسكرية‪.‬‬
‫‪ -3‬المشكالت التي خلفتها الفئات العسكرية العثمانية‪ ،‬كاالنكشارية مثالً الـذين‬
‫وطنتهم الدولة في العديد من المدن والحواضر العربية الكبيرة فكانوا مثاراً للقلق‬
‫واالنقسام‪ ،‬والنزاعات المحلية كتلك التي شهدتها حلب وديار بكر وبغداد والجــزائر‬
‫(التي ظهرت فيها فئة من السكان تدعى بـ(الكراغلة) المنحدرة من آباء انكشاريين‬
‫وأمهات جزائريات أو ليبيات)‪.‬‬
‫‪ -4‬غلبة الصراعات الخارجية والتهديدات ضد الدولة العثمانية وممتلكاتها‪ ،‬سواء من‬
‫خالل البحر أو البر‪ ،‬والسيما في الشمال األفريقي حيث تعرضت الجزائر وتونس وليبيا‬
‫إلى تهديدات القرصنة األوربية والسيما المناطق الساحلية‪.‬‬
‫‪ -5‬سلسلة الكوارث المأساوية في الكثير من البيئات واألقاليم العربية‪ ،‬فندرة سقوط‬
‫األمطار ومهاجمة الجراد للزرع أديا إلى انعدام اإلنتاج أو قلته فارتفعت أسعار المواد‬
‫الغذائية‪ ،‬وحدثت المجاعة ومات البشــــر من شدة الــجوع بالمئات‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫انتشار األوبئة والطواعين التي فتكت بالمدن فتكاً شديداً‪.‬‬
‫‪ -6‬اما المغرب االقصى (مراكش) لم يخضع للسيطرة العثمانية بل بقي مستقالً عنها‪.‬‬
‫ثالثاً‪ -‬محمد علي باشا وبناء مصر الحديثة‬
‫بعد فشل الحملة الفرنسية على مصر‪ ،‬وانسحاب القوات الفرنسية والبريطانية‬
‫حدث صراع دموي بين العثمانيين والمماليك بين سنتي (‪1804-1802‬م) هيأ الفرصة‬
‫لقائد الباني شاب للسيطرة على األوضاع هو محمد علي الذي كان أحد أفراد الوحدة‬
‫األلبانية في مصر التي كانت في عداد الجيش العثماني‪.‬‬
‫ولد محمد علي عام‪1769‬م في مدينة قوله بإقليم مقدونيا‪ ،‬وعاش طفولته يتيماً‪،‬‬
‫واشتغل في تجارة التبغ‪ ،‬وعندما بلغ الثالثين من العمر التحق بكتيبة البانية وأظهر‬
‫في الجيش موهبة وشجاعة حتى أصبح قائداً للكتيبة التي دخلت في عداد القوات‬
‫العثمانية المرسلة إلى مصر‪ .‬استثمر محمد علي التناقضات واالنقسامات والصراعات‬
‫الداخلية‪ ،‬واستياء الشعب من سياسة المماليك الجائرة التي أدت إلى أنتفاضة الشعب‬
‫‪29‬‬
‫المصري بقيادة شيوخ األزهر‪ ،‬وحدوث حرب شوارع فأعلن محمد علي انضمامه إلى‬
‫االنتفاضة موجهاً قواته لمحاربة المماليك‪.‬‬
‫حصل محمد علي التأييد من قبل شيوخ األزهر ونقيب األشراف عمر مكرم (‪-1750‬‬
‫‪1822‬م) وقرروا اختياره والياً في ‪ 13‬مايس ‪1805‬م‪ .‬وكانت المهمة اآلنية له مالحقة‬
‫المماليك للقضاء عليهم والعمل على إحالل األمن والنظام‪ ،‬ثم مقاومة البريطانيين‬
‫الذين انزلوا قواتهم في اإلسكندرية عام‪1807‬م‪ ،‬فتصدى لهم واضطرهم إلى االنسحاب‪،‬‬
‫مما دعا قائد القوات البريطانية إلى طلب الصلح‪ ،‬فزادت شعبية محمد علي وعدَّ بطالً‬
‫وطنياً دافع عن أرض مصر ضد األجانب‪ ،‬األمر الذي سهل له مطاردة المماليك والقضاء‬
‫عليهم في مذبحة القاهرة عام‪1811‬م‪.‬‬

‫محمد علي باشا‬


‫‪1849-1769‬م‬
‫لم يتخلص محمد علي من المماليك فحسب‪ ،‬بل استطاع يوماً بعد آخر من التخلص‬
‫من نفوذ المشايخ وعلماء الدين ونقيب األشراف عمر مكرم ألنه أدرك خطرهم على انفراده‬
‫بالسلطة‪ ،‬ولم يسلم منه حتى الجنود األلبان الذين كانوا يميلون نحو السكان‪ ،‬بحجة‬
‫خروجهم عن الضبط العسكري‪ .‬وهكذا استمر محمد علي باشا في الحكم أكثر من‬
‫أربعين عاماً استطاع خاللها من تغيير واقع مصر وتطويرها لتؤدي دورها السياسي في‬
‫الحياة الدولية واإلقليمية وفي الحياة العربية‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫إصالحات محمد علي باشا‪:‬‬
‫‪ -1‬بناء المؤسسة العسكرية‪ :‬أولى محمد علي الجيش أهمية كبيرة ألنه الدعامة‬
‫في بناء دولته الحديثة‪ .‬فقام بتطوير الجيش البري وتقوية األسطول البحري‪ .‬وإدخال‬
‫األسلحة الحديثة‪ ،‬واالستفادة من الخبرات األوربية في التدريب‪ ،‬والسيما الفرنسية‪.‬‬
‫واهتم بمدارس المشاة والخيالة والمدفعية‪ ،‬وإنشاء كلية عسكرية وأكاديمية لألركان‬
‫العامة‪ ،‬وأسس عدداً من المصانع الحربية للمدافع والبنادق والمتفجرات‪ ،‬واشترى عدداً‬
‫من السفن الحربية‪.‬‬
‫وعليه اتسع حجم الجيش المصري في عهده اتساعاً كبيراً فبلغ ‪ 180‬ألف جندي نظامي‬
‫وحوالي ‪ 40‬ألف مقاتل من القوات غير النظامية‪ ،‬وبلغ عدد السفن البحرية ‪ 50‬قطعة‬
‫بحرية‪ ،‬إضافة إلى تشييد عدد كبير من القالع والحصون والثكنات والمعسكرات‪.‬‬
‫‪ -2‬تحديث الحياة اإلدارية بمصر‪ :‬استطاع محمد علي ان يرسي قاعدة راسخة لإلدارة‬
‫المصرية في العصر الحديث‪ ،‬وان تسيطر حكومته على كامل التراب المصري‪ ،‬فانشأ‬
‫مجلساً للحكومة اسماه (الديوان العالي) يضم عدداً من (نظار) مديري الدواوين وكبار‬
‫رجال مصر واثنين من العلماء يختارهم شيخ األزهر فضالً عن اثنين من التجار يختارهم‬
‫كبير تجار القاهرة‪ ،‬واصدر أول دستور في تاريخ مصر الحديث (القانون األساسي)‬
‫وتعيين التشكيلة الحكومية التنفيذية بسبعة دواوين (وزارات) هي ‪ :‬ديوان الخديوي (‬
‫الداخلية) وااليرادات (المالية) والجهادية (الحربية) والبحر (البحرية) والمدارس العامة‬
‫(التربية) والتجارة والفابريقات (الصناعة‪ ،‬الزراعة)‪ ،‬وسعى محمد علي إلى تنظيم‬
‫اإلدارة فاستحدث مصطلح المديرية (المحافظة اآلن) والمدير الذي ينفذ أوامر الباشا‬
‫في مديريته‪ ،‬ورئيس المركز الذي يشرف على القصبات والقرى‪ ،‬والحكمدار الذي يعد‬
‫حاكماً عسكرياً ومدنياً في األقاليم التي تستولي عليها مصر من غير أراضيها‪ .‬وقسم‬
‫مصر إلى أقاليم عدة (سبع مديريات) يترأس كل وحدة منها مدير‪ ،‬وتقسم المديرية‬
‫إلى مراكز يترأس كل منها مأمور‪ .‬أما الوحدات اإلدارية األصغر فيطلق عليها ناحية‬
‫ويترأسها الناظر‪ ،‬والناحية تتكون من وحدات أصغر هي القرى وعلى رأس كل قرية‬
‫الشيخ أو العمدة‪.‬‬
‫‪ -3‬تطوير التعليم والمدارس على النمط الحديث‪ :‬أولى محمد علي التعليم والمدارس‬
‫اهتماماً استثنائياً ألنهما األداة لتحديث وتطوير المجتمع‪ ،‬فأصبح التعليم مجانياً‪،‬‬
‫‪31‬‬
‫‪ -4‬اإلصالحات االقتصادية واالجتماعية‪ :‬أولى محمد علي مسألة األرض اهتمامه األساسي‬
‫ألنها عصب الحياة االقتصادية‪ ،‬فقام أوالً بمصادرة أمالك الملتزمين الذين امتنعوا عن دفع‬
‫الضرائب‪ ،‬ثم وضع يده على جميع األراضي التي كانت في حوزة المماليك‪ ،‬وفي عام‪1814‬م‬
‫ألغى نظام االلتزام بكامله بشكل قطعي وصار الفالحون يدفعون الضرائب إلى الدولة‬
‫مباشرة‪ .‬وأعاد توزيع األراضي الزراعية على الفالحين‪ ،‬فأعطى كال منهم خمسة أفدنة‬
‫الستثمارها وللدولة حق استرجاعها إذا عجز الفالح عن استغاللها استـغالالً أمثل‪ ،‬أو‬
‫عجز عن دفع الضرائب المترتبة عليها‪.‬‬
‫لتطوير الزراعة وزيادة غلة األرض المزروعة أنشأ ديواناً (وزارة) للزراعة عام‪1815‬م‪،‬‬
‫وأصلح األرض‪ ،‬وحفر أكثر من ألف ترعة وساقية وزرع أشجاراً ونباتات جديدة‪ ،‬وأدخل زراعة‬
‫المحاصيل الستراتيجية المدرة للعمالت األجنبية مثل القطن‪.‬‬
‫أما في مجال الصناعة فقد شيدت بعض المعامل لصب الحديد والحدادة‪ ،‬ومصانع‬
‫لألسلحة‪ ،‬وللسكر واأللبان واألنسجة‪ ،‬وال شك أن التطورات في ميداني الزراعة والصناعة‬
‫انعكست آثارها اإليجابية على مختلف الشرائح االجتماعية‪ ،‬وطبيعة التعامل بين‬
‫الحكومة والشعب‪ ،‬وحدث تطور في البنية االجتماعية نتيجة التعامل مع اآلالت واألدوات‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫حروب محمد علي باشا وعالقاته الخارجية‪:‬‬
‫‪ -1‬حروبه ضد الوهابيين في شبه الجزيرة العربية‪:‬‬
‫كانت حروب محمد علي في شبه الجزيرة العربية هي أول حرب خارجية يخوضها‬
‫جيشه ضد الوهابيين الذين مثلوا خطراً كبيراً للدولة العثمانية عندما بدأوا بمهاجمة‬
‫القوافل والمدن على حوافي الصحاري السورية‪-‬العراقية‪ ،‬ولما لم تستطع الدولة‬
‫العثمانية من مواجهة خطر الوهابيين فقد عهدت بهذه المهمة عام‪1811‬م إلى محمد‬
‫علي باشا والي مصر‪ .‬وقد رحب محمد علي بهذه المهمة بهدف السيطرة على التجارة‪،‬‬
‫واالستيالء على خطوط المواصالت وحركة القوافل‪.‬‬
‫شكل محمد علي جيشاً وعين ابنه طوسون قائداً عاماً له‪ ،‬واستطاع هذا الجيش‬
‫من احتالل مدن ينبع والمدينة المنورة ومكة المكرمة‪ ،‬وبذلك تم االستيالء على الحجاز‬
‫بعد أن وصل محمد علي على رأس جيش إلى جدة في عام ‪1813‬م والحقت قواته هزيمة‬
‫‪33‬‬
‫نكراء بالوهابيين‪ ،‬ووصلت قوات محمد علي إلى حدود اليمن‪ ،‬واضطر الوهابيون إلى‬
‫عقد الهدنة معه عام ‪1815‬م واالعتراف بالتبعية للسلطان العثماني‪ ،‬والخضوع للوالي‬
‫المصري في المدينة المنورة ‪ ،‬والتعهد بتأمين سالمة الحجاج‪ ،‬وإعادة األموال المنهوبة‬
‫من مكة المكرمة‪ ،‬والتخلي عن األفكار الدينية السلفية‪.‬‬

‫خريطة حروب محمد علي باشا في الحجاز‬

‫وسرعان ما خرق الوهابيون الهدنة‪ ،‬فأرسل محمد علي جيشاً جديداً بقيادة ابنه األكبر‬
‫إبراهيم باشا الذي استطاع محاصرة الدرعية عاصمة الوهابيين على مدى خمسة شهور‬
‫حتى سقطت في أيلول ‪1818‬م‪ .‬وبعد ذلك تقدمت القوات المصرية باتجاه القطيف‬
‫والبحرين ووصلت إلى سواحل الخليج العربي‪.‬‬
‫‪ -2‬التوسع باتجاه السودان‪:‬‬
‫كانت حملة محمد علي باشا على السودان بقيادة ابنه إسماعيل باشا ثاني حملة كبرى في‬
‫عهده‪ ،‬بدأت عام‪1820‬م ووصلت إلى رأس الخرطوم‪ ،‬ثم واصلت التقدم إلى أعماق مجرى نهر النيل‬
‫األزرق‪ ،‬واستولى المصريون على كامل التراب السوداني وامتدوا نحو الجنوب وسيطروا على‬
‫مينائي سواكن ومصوع على البحر األحمر‪ ،‬وخضعت خيرات السودان لسيطرة محمد علي‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -3‬المشاركة في الحرب على اليونان‪:‬‬
‫انطلقت الثورة في إقليم المورة (اليونان) ضد الدولة العثمانية وامتدت إلى جزر‬
‫عثمانية أخرى‪ ،‬مثل كريت وقبرص‪ ،‬فطلب السلطان العثماني مساعدته في القضاء‬
‫على الثورة‪ ،‬فأرسل محمد علي في عام‪1822‬م قوة عسكرية بقيادة ابنه إبراهيم باشا‪،‬‬
‫ولكن تدخل الدول األوربية لمساندة الثورة أدى إلى خسارة الدولة العثمانية ومحمد علي‬
‫باشا في معركة نافارينو في تشرين األول ‪1827‬م‪ ،‬واضطرت الدولة العثمانية إلى االعتراف‬
‫باستقالل اليونان‪.‬‬
‫‪ -4‬التوسع باتجاه بالد الشام‪:‬‬
‫قاد إبراهيم باشا (‪1848-1789‬م) الحملة المصرية على بالد الشام في عام‪1831‬م‬
‫فاحتل جيشه غزة ويافا وحيفا دون مقاومة شديدة‪ ،‬ثم حاصر عكا واحتلها‪ ،‬وتوغلت‬
‫قواته نحو العمق السوري واشتبكت مع العثمانيين في معركة كبيرة في تموز ‪ 1832‬م‬
‫قرب حمص ودحرتهم‪ ،‬ثم استولت على مدينتي حماة وحلب‪ ،‬وبهذا سيطر محمد علي‬
‫على بالد الشام كاملة‪.‬‬
‫نصب محمد علي ابنه إبراهيم باشا حاكماً لسورية للمدة (‪1840-1832‬م) وبعد توطيد‬
‫السلطة المركزية بدأ إبراهيم باشا بالتنظيم اإلداري لبالد الشام على النسق المصري‪،‬‬
‫فقسمت سورية إلى ست مديريات‪ .‬وتولى إبراهيم باشا نفسه مهام السلطة القضائية‪.‬‬
‫وأجرى إصالحات في حقول التعليم والثقافة‪ ،‬وأسس داراً للطباعة في لبنان‪ .‬وأجرى‬
‫تغييرات في البنية االقتصادية‪ ،‬فحدد الضرائب‪ ،‬وأوقف االبتزازات اإلقطاعية التعسفية‪،‬‬
‫وألغى الضرائب على األراضي البكر عند زراعتها‪ ،‬واستطاع أن يوسع كثيراً في تطوير‬
‫التصنيع والتجارة‪ ،‬فساد األمن وازدهرت األسواق بالبضائع‪.‬‬
‫توترت العالقات بين محمد علي والدولة العثمانية‪ ،‬واتسعت شقة الخالف بين الطرفين‪،‬‬
‫واصطفت الدول األوربية إلى جانب الدولة العثمانية ألنها وجدت في بروز محمد علي عائقاً‬
‫في فرض سيطرتها االقتصادية في منطقة شرقي البحر المتوسط‪ ،‬وتجددت الحرب بين‬
‫إبراهيم باشا والدولة العثمانية عام ‪1839‬م ونشبت معركة كبيرة بين الطرفين قرب مدينة‬

‫‪35‬‬
‫نصيبين‪ ،‬فاندحرت القوات العثمانية وانفتح الطريق أمام إبراهيم باشا نحو استانبول‪.‬‬
‫أسرعت الدول األوربية إلى أجراء مباحثات لقطع الطريق أمام إبراهيم باشا‪ ،‬واتفقت‬
‫في تموز ‪1840‬م على توقيع معاهدة لندن من قبل بريطانيا والنمسا وروسيا والدولة‬
‫العثمانية‪ .‬وضمت البنود التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬تسلم مقاليد مصر بيد محمد علي ملكاً وراثياً‪.‬‬
‫‪ -2‬تناط فلسطين (والية عكا) بإدارته ملكاً عليها مدى الحياة‪.‬‬
‫‪ -3‬إعادة جميع الممتلكات األخرى التي استحوذ عليها إلى السلطان العثماني‪.‬‬
‫‪ -4‬في حالة عدم موافقة محمد علي على هذه الشروط خالل عشرة أيام يحتفظ بمصر‬
‫لوحدها فقط‪.‬‬
‫‪ -5‬وان لم يوافق خالل عشرين يوماً على الشروط تلك عند ذاك يبدأ العمل على عزله‬
‫بجهود مشتركة للحلفاء األوربيين مع العثمانيين‪.‬‬
‫ماطل محمد علي في البداية في قبول المعاهدة‪ ،‬لكنه اضطر تحت التهديد باستخدام‬
‫السالح إلى القبول بها‪ ،‬واحتفظ بمصر والسودان فقط وأعاد ممتلكاته إلى السلطان‬
‫العثماني‪ ،‬وقلص جيشه إلى (‪ )18‬ألف جندي‪ ،‬وحرم حق تعيين الجنراالت في جيشه‪،‬‬
‫ومن حق بناء السفن الحربية‪ ،‬واعترف بتبعيته للسلطان العثماني‪ ،‬وتعهد بدفع مبالغ‬
‫كبيرة إلى الخزينة العثمانية‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬النهضة العربية وأبرز مفكريها‪:‬‬
‫شهد منتصف القرن التاسع عشر نهضة فكرية شملت مختلف جوانب الحياة‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬أخذ صــداها يترك آثاراً واضحة على‬
‫الحياة السياسية‪ ،‬ولعل ذلك يعود إلى ما أحدثته التنظيمات العثمانية من تغييرات في‬
‫الواقع االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬فمن الناحية االقتصادية شجعت التنظيمات على فتح‬
‫أبواب الواليات العربية أمام النشاطات التجارية األوربية واالرتباط بالرأسمال العالمي عن‬
‫طريق فتح المصارف والشركات األجنبية في مجالي التصدير واالستيراد األمر الذي ساعد‬
‫على ظهور طبقة تجارية جديدة أرادت ان تثبت وجودها من خالل السلطة السياسية‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ومن الناحية االجتماعية ظهرت نخبة مثقفة من أبناء العوائل الكبيرة ومن البيوتات‬
‫التجارية المعروفة دفعت المجتمع باتجاه التطور على مختلف الصعد‪ ،‬وهيأت األرضية‬
‫الالزمة للنهضة العربية التي ساعدت العوامل التالية في نموها ونضوجها وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬كان للحملة الفرنسية على مصر ‪1801-1798‬م أثرها البالغ في حركة النهضة‬
‫الفكرية‪ ،‬إذ فتحت أبواب مصر وبالد الشام على بعض مظاهر التحضر األوربي الحديث‪،‬‬
‫وكان يرافق الحملة عدد كبير من العلماء الفرنسيين الذين قاموا بإنجاز كثير من‬
‫المهام العلمية والفنية والتقنية في مصر‪ ،‬منحت جميعها للمصريين أمكانية‬
‫التفاعل معها ضمن أطر ومجاالت متنوعة‪.‬‬
‫‪ -2‬االتصال الذي حدث بين العرب والغرب بعد الحملة الفرنسية والبعثات العلمية‬
‫جعلت العرب يطلعون على الكثير من األفكار والمصطلحات الشائعة في أوربا مثل‬
‫الحرية والديمقراطية والدستور والوطنية واألمة والقومية‪.‬‬
‫‪ -3‬البعثات التبشيرية التي أخذت تصل بالد الشام منذ القرن السابع عشر أسهمت في‬
‫اليقظة الفكرية‪ ،‬فبالرغم من اآلثار السلبية التي تركتها تلك البعثات في إيجاد نوع‬
‫من الوالء للدول األوربية على حساب المشاعر الوطنية‪ ،‬إال أن نشاطها في تأسيس‬
‫المطابع وانتشارها في الواليات العربية يسر طبع الكتب المدرسية والدينية باللـغة‬
‫العربية‪ ،‬حتى صار التعليم باللغة العربية في جميع مدارس البعثات التبشيرية‪ ،‬كما‬
‫تم تحقيق العديد من الكتب التراثية وتسهيل نشرها في البالد العربية ‪.‬‬
‫‪ -4‬الصحافة العربية التي قامت بدورها الرائد في إيقاظ المشاعر الوطنية وتقريب‬
‫األذهان والمواقف الفكرية والسياسية بين أبناء الواليات العربية‪ ،‬وإيجاد رأي عام موحد‬
‫يدعـو إلى الحرية واالستقالل‪ .‬ومن بين هذه الصحف الوقائع المصرية عام‪1828‬م‬
‫وحديقة األخبار البيروتية عام ‪1858‬م والرائد التونسية عام‪ 1861‬م والفرات الحلبية‬
‫‪1867‬م والزوراء البغدادية عام‪1869‬م ‪.‬‬
‫وبالرغم من تعدد والءات الصحف واتجاهاتها إال أنها أسهمت بنشر الثقافة وأغنت‬
‫الفكر بطروحاتها وما قدمته من أبحاث ومناقشات أعادت الثقة إلى نفوس العرب‬
‫ووضعتهم وجهاً لوجه أمام العثمانيين واألوربيين بما يمتلكون من إمكانات النتزاع‬
‫حقوقهم‪.‬‬
‫‪ -5‬حركة الترجمة من اللغات األجنبية إلى اللغة العربية التي بدأت تتسع منذ مطلع‬

‫‪37‬‬
‫القرن التاسع عشر وقد اعتمدها محمد علي باشا حاكم مصر أحد أبرز الشروط‬
‫لتحديث مصر‪ ،‬فأسس مدرسة األلسن في عام ‪1835‬م بعد أن كانت الترجمة قد بدأت‬
‫في بالد الشام‪ ،‬وتولت الجمعيات والمجالت والصحف كالمقتطف والهالل وغيرها‬
‫ترجمة المزيد من المقاالت واألدبيات واألخبار ونشرها بالعربية‪ ،‬فكان لذلك أبلغ األثر في‬
‫إطالع العــرب على ثقافة الغربيين وآرائهم وعلومهم ومبادئهم السياسية وإجراءاتهم‬
‫االقتصادية وأفكارهم الحرة‪.‬‬
‫‪ -6‬االستشراق الذي يعد من العوامل الرئيسة في نهضة أوربا العلمية واألدبية والفنية‬
‫في مطلع العصور الحديثة أصبح له الدور المؤثر في االهتمام بالفكر والتراث العربي‪،‬‬
‫وقد قام الكثير من المستشرقين برحالت عديدة إلى البالد العربية وأثاروا بكتاباتهم‬
‫وآرائهم تفكير المثقفين العرب واهتمامهم بمختلف القضايا األساسية في الحياة‬
‫العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -7‬ظهور عدد من الجمعيات العلمية والمنتديات األدبية في النصف الثاني من القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬والسيما في بالد الشام كان لها دور بارز وكبير في بلورة النهضة الفكرية‬
‫العربية من خالل اإلقبال على دراسة التراث العربي العلمي واألدبي‪ .‬وكان في مقدمة‬
‫الرواد الذين لهم دور متميز في هذا المجال بطرس البستاني وناصيف اليازجي‪.‬‬
‫من أولى هذه الجمعيات جمعية اآلداب والعلوم التي اتخذت من بيروت مقراً لها عام‬
‫‪1847‬م واستمرت في العمل لمدة خمس سنوات أسهمت خاللها في ألقاء محاضرات‬
‫أسبوعية تتحدث عن تراث العرب العلمي‪ ،‬والجمعية العلمية الســورية التي تأسســت‬
‫في عام ‪1857‬م وضمت عدداً من األدباء والمثقفين ‪ ،‬فقد بلغ عدد أعضاءها ‪ 150‬عضواً‪.‬‬
‫وبالرغم من أن مقر الجمعية في بيروت إال أن نشاطها لم يقتصر على بالد الشام فـقد‬
‫ضمت أعضاء من مصر وبعض األدباء والمثقفين العرب المقيمين في استانبول‪ .‬ومن‬
‫أعضاءها البارزين إبراهيم اليازجي الذي واصل رسالة أبيه ناصيف اليازجي في حركة‬
‫إحياء التراث‪.‬‬
‫‪ -8‬ظهور الكثير من المصلحين والمفكرين السياسيين الذين كان لهم دور رائد في‬
‫تهيئة القاعدة الفكرية النطالقة النهضة‪ ،‬وتمثلت ردود الفعل األولى لدى المصلحين‬
‫العرب على مظاهر الضعف واالنحالل والفساد بأنها كانت ردوداً دينية سلفية رافقتها‬
‫‪38‬‬
‫وتوقيع اتفاقية باريس المؤلفة من (‪ )11‬مادة‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬يكون التعليم االبتدائي واإلعدادي باللغة العربية في جميع الواليات العربية‪ ،‬على أن‬
‫يكون التعليم العالي بلغة األكثرية‪ ،‬في حين يجب أن تدرس اللغة التركية إجبارياً في‬
‫المدارس اإلعدادية‪.‬‬
‫‪ -2‬يؤدي العسكريون العرب خدمتهم داخل الواليات العربية وقت السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬يشترك في الحكومة العثمانية المركزية ثالثة وزراء عرب في األقل‪ ،‬ويكون في كل‬
‫وزارة ما بين (‪ )5-4‬من الموظفين الكبار من العرب أيضاً‪.‬‬
‫‪ -4‬يعين خمسة والة وعشرة متصرفين من العرب‪ ،‬وكذلك يعين عربيان في مجلس‬
‫األعيان العثماني عن كل والية عربية‪.‬‬
‫أصدر السلطان العثماني فرماناً (مرسوماً) في ‪ 18‬آب ‪1913‬م لتنفيذ مقررات مؤتمر‬
‫باريس‪ ،‬إال أن هذا المرسوم غير كثيراً من مواد االتفاقية بحيث طمس معظم معالمها‪،‬‬
‫فتجدد الخالف في ظروف عالمية وإقليمية‪ ،‬فكانت الحرب العالمية األولى واتخاذ العرب‬
‫طريقاً جديداً للحصول على االستقالل‪.‬‬
‫خامساً ‪ -‬الحرب العالمية األولى واتفاقية سايكس ـ بيكو‪:‬‬
‫العرب والحرب العالمية األولى‪:‬‬
‫نشبت الحرب العالمية األولى في اوربا بتاريخ ‪2‬آب ‪1914‬م بين دول الوسط (المانيا‬
‫وإمبراطورية النمسا‪ -‬المجر) من جهة‪ ،‬والحلفاء (بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية) من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬وكان من أهدافها إعادة تقسيم المستعمرات واالستحواذ على مستعمرات‬
‫جديدة‪ .‬اتخذت الدولة العثمانية في البداية موقف الحياد بين الطرفين المتحاربين‪ ،‬غير‬
‫أن ذلك الحياد لم يستمر طويالً إذ سرعان ما دخل العثمانيون الحرب إلى جانب المانيا‬
‫في ‪ 31‬تشرين االول‪ ،‬وبدخول الدولة العثمانية الحرب أصبحت البالد العربية في خطر‪،‬‬
‫والسيما المشرق العربي نظراً لموقعه الجغرافي والستراتيجي وما تختزنه أرضه من‬
‫ثروات اقتصادية هائلة‪.‬‬
‫أما العرب من أعضاء الجمعيات العربية فبدأوا في التحرك الستثمار ظروف الحرب‬
‫لتحقيق أهدافهم في الحرية واالستقالل‪ ،‬لكنهم اختلفوا في السياسة التي يجب‬
‫اتباعها‪ ،‬فبينما رغب البعض في تأسيس دولة عربية مستقلة معتمدين على إمكانياتهم‬
‫الذاتية‪ ،‬رغب البعض اآلخر تحقيق هذا الهدف بمساعدة خارجية‪ ،‬في حين تمسكت فئة‬
‫‪44‬‬
‫باالتصال الرسمي بالعرب والدخول معهم في مشاورات لمعرفة موقفهم في حالة دخول‬
‫الدولة العثمانية الحرب‪ .‬وطلب من ستورس االتصال باألمير عبد اهلل لمعرفة موقف‬
‫الشريف حسين‪.‬‬
‫كان موقف الشريف حرجاً فقد كان هناك رأيان‪:‬‬
‫األول‪ :‬يرى الوقوف بجانب العثمانيين فيكسب العرب عرفان الدولة العثمانية‪ ،‬وكان األمير‬
‫فيصل صاحب هذا الرأي القتناعه بوجود خطرين استعماريين في المنطقة العربية من‬
‫جانب بريطانيا وفرنسا‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬كان متجاوباً مع قيام الثورة ضد الدولة العثمانية ويمثله األمير عبد اهلل‪ ،‬الذي‬
‫كان يرى ضرورة استمرار االتصال لمعرفة رأي بريطانيا النهائي عن طريق المفاوضات‬
‫لضمان استقالل العرب ضماناً كامالً‪.‬‬
‫بعد دخول الدولة العثمانية الحرب رسمياً في ‪ 5‬تشرين الثاني ‪1914‬م بادرت بريطانيا‬
‫االتصال بالعرب‪ ،‬فرد الشريف بأنه يستطيع أن يقود اتباعه إلى الثورة شرط تقديم‬
‫بريطانيا مساعدة له‪ ،‬فأجابت بريطانيا بأنه في حالة وقوف الشريف معها ضد الدولة‬
‫العثمانية فأنها تضمن له البقاء في منصب شريف مكة وتقدم له الحماية من كل‬
‫اعتداء خارجي‪ ،‬ومساعدة العرب على نيل حريتهم‪ ،‬واعتراف بريطانيا بالشريف خليفة‬
‫في حالة مبايعته بالخالفة‪.‬‬
‫أدرك الشريف حاجة بريطانيا للتحالف معه فتبلورت مطالبهً بإقامة دولة عربية كبرى‬
‫يكون ملكاً عليها استناداً إلى ميثاق دمشق بدالً من تثبيته بمنصب الشرافة‪ .‬ومع تطور‬
‫األحداث العسكرية والسيما بعد الهجوم العثماني األول في ‪ 3‬شباط ‪1915‬م قرر مجلس‬
‫الوزراء البريطاني تخويل السير هنري مكماهون‪ ،‬المعتمد السامي البريطاني في مصر‪،‬‬
‫أن يفتح باب المفاوضات واالتصاالت مع العرب لحثهم على الثورة ضد العثمانيين‪.‬‬
‫افتتحت ما عرفت باسم (مراسالت حسين‪-‬مكماهون) في الرسالة المؤرخة في ‪14‬‬
‫تموز ‪1915‬م وانتهت بالرسالة المؤرخة في ‪ 10‬آذار ‪1916‬م ‪ ،‬وتضمنت هذه المراسالت‬
‫شروط العرب لدخول الحرب بتنفيذ ميثاق دمشق‪ ،‬وأن هدف العرب األساسي هو‬
‫االستقالل والتحالف مع بريطانيا وتعيين حدود الدولة المقترحة‪ ،‬وقد حاولت بريطانيا‬
‫في ردودها التنصل من االعتراف بحدود الدولة‪ ،‬ولكن بعد االنتكاسات الكبيرة التي منيت‬
‫بها بريطانيا في جبهات الحرب‪ ،‬والسيما في العراق أعلنت في رسالتها األخيرة الموافقة‬
‫على مطالب الشريف‪ .‬وهكذا انهت هذه الرسالة المفاوضات بين العرب والبريطانيين‪،‬‬

‫‪46‬‬
‫واتخذ الشريف الترتيبات إلعالن الثورة ضد الدولة العثمانية في وقت كان فيه نجم‬
‫الحلفاء في أفول‪.‬‬
‫إعالن الثورة في الحجاز‪:‬‬
‫أعلن الشريف حسين الثورة في يوم ‪ 10‬حزيران ‪1916‬م ‪ ،‬وبدأ القتال في اليوم األول‬
‫للثورة في مكة‪ ،‬وحققت الثورة انتصارات سريعة على القوات العثمانية‪ .‬تمكنت قوات‬
‫الثورة من تحرير العديد من المناطق العربية‪ ،‬وانضم إليها الكثير من الضباط العرب‪،‬‬
‫والسيما العراقيين الذين تجاوز عددهم الـ(‪ )240‬ضابطاً‪ .‬وأعلن الشريف حسين نفسه‬
‫ملكاً على العرب في ‪ 31‬تشرين األول ‪1916‬م ‪ ،‬وحاول الحصول من الحلفاء على االعتراف‬
‫به‪ ،‬إال أنهم اعترفوا به ملكاً على الحجاز فقط‪.‬‬
‫استمرت القوات العربية بقيادة األمير فيصل بن الحسين في التقدم شماالً لتحرير بالد‬
‫الشام بحدودها الطبيعية‪ ،‬وفي األول من تشرين األول ‪1918‬م تمكنت من تحرير دمشق‪،‬‬
‫ثم تقدمت لتحرير حلب‪ ،‬وآخر نقطة وصلها العرب هي محطة المسلمية قبل هدنة‬
‫مودروس في ‪ 30‬تشرين األول ‪1918‬م التي أنهت العمليات العسكرية بين الحلفاء والدولة‬
‫العثمانية‪ ،‬وبذلك انتهى عهد السيطرة العثمانية على البالد العربية الذي استمر قرابة‬
‫أربعة قرون‪ ،‬وبدأت مرحلة جديدة من حياة العرب السياسية‪ .‬وأصدر الشريف بياناً أوضح‬
‫فيه دوافع الثورة وأهدافها‪ ،‬وشدد على أهمية الربط بين العروبة واإلسالم «ألن قتل‬
‫العربية قتل لإلسالم نفسه» واإلسالم دين بذل العرب في سبيل عزته الدماء الغالية‬
‫والتضحيات الكبيرة‪ ،‬وأن االتحاديين الذين تسلطوا على الدولة وخرجوا عن الدين والحق‬
‫وحطموا فكرة الجهاد اإلسالمي‪ .‬وتضمن البيان األمور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬الرفض القاطع لسياسة التتريك ومقاومتها‪ ،‬ورفض واستنكار إدخال العرب في أتون‬
‫الحرب‪.‬‬
‫‪ -2‬التأكيد على اللغة العربية لغة القرآن الكريم‪ ،‬ودور العرب القيادي في التاريخ‪ ،‬والربط‬
‫بين العروبة واإلسالم‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الثورة جاءت رداً على سياسة االتحاديين وخروجهم عن الدين وعن الرابطة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -4‬أكد البيان على إعالن االستقالل وإقامة الدولة المستقلة على أسس العدل والمساواة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫اتفاقية سايكس‪-‬بيكو‪:‬‬
‫وجدت بريطانيا منذ بدأ الحرب ان مطامعها في البالد العربية البد وان تصطدم‬
‫بمطامع فرنسا‪ ،‬السيما وان هذه المنطقة مقراً لحقول النفط الغنية‪ ،‬لذا بدأت بريطانيا‬
‫مفاوضاتها مع فرنسا‪ ،‬في الوقت الذي كانت تتفاوض فيه مع الشريف حسين‪ ،‬وتوصال‬
‫في ‪ 16‬مايس ‪1916‬م إلى اتفاقية سميت اتفاقية سايكس‪-‬بيكو (نسبة إلى السير مارك‬
‫سايكس العضو في البرلمان البريطاني والمسيو جورج بيكو القنصل الفرنسي العام‬
‫في بيروت) بعد مفاوضات سرية كانت تدور بين بريطانيا وفرنسا منذ آذار ‪1915‬م لتقسيم‬
‫أمالك الدولة العثمانية‪.‬‬

‫خريطة اتفاقية سايكس ‪ -‬بيكو‬

‫تضمنت االتفاقية أحدى عشرة مادة أهمها‪:‬‬


‫المادة األولى‪ :‬ان فرنسا وبريطانيا مستعدتان ان تعترفا (وتعضدا) دولة عربية مستقلة‬
‫أو اتحاد من دولة عربية تحت رئاسة زعيم عربي في (أ) داخلية سورية‪-‬حلب وحماة‬
‫وحمص ودمشق والموصل‪ .‬و(ب) داخلية العراق‪ .‬كركوك وشرق األردن والنقب والعقبة‪.‬‬
‫ويكون لفرنسا في منطقة (أ) ولبريطانيا في منطقة (ب) حق األولوية في المشروعات‬
‫والقروض المحلية وتقديم المستشارين والموظفين األجانب بناء على طلب الحكومة‬
‫‪48‬‬
‫العربية أو اتحاد الحكومات العربية‪.‬‬
‫المادة الثانية‪ :‬يخضع الساحل السوري من االسكندرونة شماالً حتى صور جنوباً‬
‫(المنطقة الزرقاء) لحكم فرنسا المباشر‪ .‬وتخضع واليتا بغداد والبصرة (المنطقة‬
‫الحمراء) لحكم بريطانيا المباشر‪ .‬وتنشيء هاتان الدولتان كل منهما في منطقتها ما‬
‫ترغبان فيه من أشكال الحكم باالتفاق مع الحكومة العربية‪.‬‬
‫المادة الثالثة‪ :‬تنشأ إدارة دولية في فلسطين (المنطقة السمراء) باالتفاق مع روسيا‬
‫وبقية الحلفاء وشريف مكة‪.‬‬
‫المادة الرابعة‪ :‬تنال بريطانيا مينائي حيفا ويافا‪.‬‬
‫تعد اتفاقية سايكس‪ -‬بيكو أبشع صفقة استعمارية في التاريخ الحديث‪ ،‬وصورة‬
‫مرعبة للمخادعة والمكر‪ .‬وقد عقدت هذه االتفاقية على أساس مصالح ومطامح الدول‬
‫الكبرى دون االهتمام برغبات سكان المناطق وحقوقهم وتطلعاتهم الوطنية‪ ،‬فالعراق‬
‫وضع تحت ثالثة أنواع من الحكم‪ ،‬وسورية الطبيعية قسمت بحيث تخضع مناطقها‬
‫إلى خمسة أنواع من الحكم‪ .‬أما الدولة العربية المستقلة فقد حرمت من االتصال‬
‫بالبحر وفرض عليها ان تستعين ببريطانيا في النصف الجنوبي‪ ،‬وان تستعين بفرنسا في‬
‫النصف الشمالي‪.‬‬

‫بعض من قوات الثورة العربية الكبرى عام ‪1916‬‬

‫‪49‬‬
‫اسئلة الفصل الثاني‬
‫س‪ /1‬عرف ماياتي‬
‫‪ -4‬معاهدة لندن‪.‬‬ ‫‪ -2‬معركة الريدانية ‪ -3 .‬آل بارباروسا‪.‬‬ ‫‪ -1‬عام ‪1453‬م ‪.‬‬
‫‪ -7‬ميثاق دمشق‪.‬‬ ‫‪ -6‬مراسالت حسين – مكماهون‪.‬‬ ‫‪ -5‬جمعية العهد‪.‬‬
‫س‪ /2‬ما اهم بنود اتفاقية سايكس‪ -‬بيكو ؟ ولماذا تعد هذة االتفاقية ابشع صفقة‬
‫استعمارية في التاريخ الحديث ؟‬
‫س‪ /3‬عدد ابرز السمات العامة لالوضاع في البلدان العربية تحت الحكم العثماني ‪.‬‬
‫س‪ /4‬تكلم عن انجازات جمعية العهد في مجال االصالح ‪.‬‬
‫س‪ /5‬ما ابرز انجازات محمد علي باشا في مجال تطوير التعليم ؟‬
‫س‪ /6‬عدد العوامل التي ساعدت على قيام النهضة العربية في منتصف القرن التاسع عشر ‪.‬‬
‫س‪ /7‬ما ابرز الجمعيات العربية السرية التي ساهمت في تطور حركة النهضة العربية ؟‬
‫نشاط‬
‫‪ -‬استعن بمكتبة المدرسة لكتابة بحث حول رواد الجمعيات العربية من العراقيين‪.‬‬
‫‪ -‬اجمع صوراً للضباط العراقيين المشاركين في الثورة العربية الكبرى عام ‪1916‬م‬
‫وعلقها في جدارية مع كتابة بحث موجز عنها ‪.‬‬
‫‪ -‬اكتب بحثاً حول ابرز مفكري النهضة العربية ‪.‬‬
‫‪ -‬يشارك الطلبة بحلقة نقاشية باشراف المدرسة ‪ /‬المدرس لمناقشة اصالحات محمد‬
‫علي باشا واثرها في بناء مصر الحديثة ‪.‬‬
‫‪ -‬يشارك الطلبة برسم خريطة تمثل تقسيمات الدول العربية وفقاً التفاقية‬
‫سايكس ‪ -‬بيكو‪.‬‬

‫اليجوز استرقاق أو استعباد أي شخص‪.‬‬


‫ويحظر االسترقاق وجتارة الرقيق بكافة أوضاعهما‪.‬‬
‫(االعالن العاملي حلقوق االنسان)‬

‫‪50‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫العراق اثناء وبعد الحرب العالمية االولى‬
‫‪ .1‬المصالح البريطانية في العراق‬
‫أ‪.‬موقع العراق على طرق التجارة البريطانية مع الشرق‬
‫بدأ التوسع األوربي عقب اإلستكشافات الجغرافية‪ ،‬وما نجم عنها خالل القرن‬
‫السادس عشر من ثورة تجارية أدت الى إندفاع أصحاب رؤوس االموال والنفوذ الى مناطق‬
‫مختلفة من العالم‪ ،‬فأنشأوا مراكز تجارية قامت حكوماتهم بحمايتها واعتنت اكثر‬
‫بسالمة الطرق المؤدية اليها‪.‬‬
‫ان زيادة حجم التجارة االنكليزية مع الهند وتردد تجارهم على االراضي العثمانية دفع‬
‫الملكة اليزابيث االولى منذ عام ‪1580‬م للحصول على تعهد من الحكومة العثمانية‬
‫بحماية التجار االنكليز ومعاملتهم بالحسنى اثناء تواجدهم او مرورهم في أراضي الدولة‬
‫العثمانية ‪ ،‬التي كان العراق جزءا منها ‪.‬وكان هذا اول امتياز حصل عليه التجار االنكــليز‬
‫من السلطان العثماني‪ ،‬ومن هنا بدأ االهتمام بالطرق المارة عبر العراق السيما طريق‬
‫الفرات فقام جون نيوبري عام ‪1580‬م برحلة استطالعية عبر نهرالفرات‪،‬اعقبتها رحالت‬
‫اخرى ‪ ،‬منها رحلة رالف فيتش ‪1583‬م‪،‬الذي اكد لحكومة لندن اهمية بغداد لتجارة‬
‫الترانزيت(المرور) وذكر إنها عقدة مواصالت مهمة بين الدولة العثمانية وبالد فارس‪ ،‬وان‬
‫البصرة مركز تجاري مهم للتوابل والعقاقير المستوردة من الهند ‪ ،‬ولهذا اعطت الملكة‬
‫اليزابيث االولى عام ‪1585‬م االذن لشركة الليفانت(الشرق االدنى) للتجارة مع العراق‪ .‬وفي‬
‫عام ‪1604‬م حصل التجار االنكليز على موافقة السلطات العثمانية بان ترفع السفن‬
‫االنكليزية اعالم بالدها والمتاجرة داخل الموانيء العثمانية ‪ ،‬واستمر الحال حتى عام‬
‫‪1809‬م‪.‬‬
‫مما تجدر االشارة اليه ان البريطانيين حصلوا على امتيازات داخل االراضي العراقية‬
‫تمثلت باآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬تحديد الرسوم على البضائع االنكليزية ‪ %3‬فقط من ثمن البضاعة‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلذن بإنشاء وكالة تجارية في البصرة ‪.‬‬
‫‪ .3‬حق محاكمة العمال العراقيين‪.‬‬
‫‪ .4‬أصبح للبريطانيين ممثل تجاري في بغداد وآخر في البصرة‪ ،‬يتمتعان بالحصانة‬
‫واإلمتيازات‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫ان سبب تنامي تلك االمتيازات يعود الى الضعف الذي دب في الدولة العثمانية ‪ ،‬فضال‬
‫عن تولي بعض الوالة الضعفاء في بغداد‪.‬‬
‫ب‪.‬المصالح السياسية والتجارية في عهد المماليك‪:‬‬
‫في الوقت نفسه جاء عامل آخر ساهم في تعميق صالت البريطانيين بالدولة العثمانية‪،‬‬
‫تمثل بوصول حملة نابليون بونابرت الى مصر عام ‪ 1798‬م والخطط الفرنسية لتوسيع‬
‫وجودها في المنطقة‪ ،‬االمر الذي دفع البريطانيين لتوثيق عالقاتهم مع الدولة العثمانية‬
‫درءاً للخطر الفرنسي القادم ‪،‬وتمثل ذلك بنجاح السفير البريطاني في استانبول عــام‬
‫‪1802‬م بالحصول على امر سلطاني بالموافقة على تعيين هارفورد جونز قنصال لبريطانيا‬
‫في والية بغداد وما حولها‪ ،‬ومنحه الحصانة واالمتيازات‪ ،‬وأعطي حق التجوال في البالد‬
‫متى شاء مع الحاشية واألتباع وتقديم المساعدة له في حله وترحاله ‪ .‬وكان سليمان‬
‫الكبير الوالي المملوكي في بغداد مياال لبريطانيا التي لم ينس مساعدتها له في تسلم‬
‫الحكم عام ‪1780‬م‪.‬وبهذا يمكن القول ان بريطانيا اصبحت مع بداية القرن التاسع عشر‬
‫صاحبة الموقع المتميز‪،‬إال ان ذلك لم يستمر طويال إذ توفي سليمان الكبير في عام‬
‫‪1802‬م وإضطرب االمن من بعده فغادر جونز بغداد عام ‪1807‬م‪.‬‬

‫سليمان الكبير الوالي المملوكي على العراق‬


‫‪1802 - 1780‬م‬
‫‪52‬‬
‫بغداد في القرن التاسع عشر‬

‫ومرة اخرى اسهمت الظروف الدولية في تعزيز العالقات العثمانية البريطانية بعد‬
‫تراجع العالقات العثمانية الفرنسية التي وفرت فرصة سانحة لعقد معاهدة السلم‬
‫في مضيق الدردنيل عام ‪ 1809‬م بين الدولة العثمانية وبريطانيا‪ ،‬ومنحت الحرية التامة‬
‫للبريطانيين في المتاجرة داخل الدولة العثمانية وفي مرور تجارتهم عبر أألراضي التابعة‬
‫لها وحمايتها‪ ،‬وهكذا اصبحت لبريطانيا االرجحية في الدولة العثمانية ‪،‬ولما كان العراق‬
‫جزءا من الدولة العثمانية فقد طبقت هذه االمتيازات فوق ترابه ومياهه‪.‬‬
‫ومما تجدر االشارة اليه ان المقيم البريطاني (كلوديوس جيمس ريج) الذي اعقب‬
‫المقيم البريطاني السابق هارفورد جونز‪ ،‬اخذ يتصرف وكأنه احد اكابر رجاالت العراق‪،‬‬
‫وأصبح بيته ملتقى الطبقة المتنفذة والراقية من كبار الموظفين والوجهاء وداره‬
‫مفتوحة للضيافة وحتى مكانا لدراسة اآلثار العراقية القديمة ‪ ،‬كل ذلك أثار ريبة الوالي‬
‫المملوكي سليمان الصغير وكرهه له‪ ،‬االمر الذي دفع حكومة الهند البريطانية ان‬
‫تشكو االمر الى الباب العالي فكانت هذه واحدة من اسباب عزل الوالي عام ‪1810‬م‪،‬‬
‫وعندما هرب الوالي جراء غضب السلطان محمود الثاني(‪1839-1808‬م) عليه‪ ،‬وجد‬
‫مقتوالً اثناء محاولته الهرب واللجوء عند عشيرة المنتفق‪ ،‬ويبدو ان كلوديوس ريج لم‬
‫يكن بعيدا عن مكيدة قتل سليمان الصغير الذي توسط لدى الحكومة العثمانية النقاذ‬
‫دفتردار(مسؤول الشؤون المالية ) الوالي سليمان الصغير ‪،‬الموالي للبريطانيين‪،‬وهذا كله‬

‫‪53‬‬
‫يكشف المكانة الكبيرة التي بلغها البريطانيون في العراق منذ بدايات القرن التاسع‬
‫عشر‪، .‬وحصل البريطانيون على مرسومين من الوالي ‪:‬‬
‫‪ .1‬منع فرار المشتغلين في المالحة عند البريطانيين في البصرة‪.‬‬
‫‪ .2‬استرجاع الهنود المجلوبين لصالح البريطانيين عبيدا الى البصرة وتسليمهم‬
‫للبريطانيين‪.‬‬
‫ج‪.‬المصالح البريطانية في عهد الوالي داود باشا‪:‬‬
‫إستمرت االوضاع غير مستقرة في العراق حتى مجيء الوالي المملوكي داود باشا‬
‫الذي حكم بين( ‪1831-1817‬م) وتميز بتقربه للعلماء ورجاحة العقل‪ ،‬وكان قد تدرج‬
‫بالمناصب فعمل دفتر دار وكهية(نائب الوالي ) ‪،‬ولهذا فليس غريبا ان يتقدم العراق في‬
‫عهده وتعيش البالد حالة من االمن والطمأنينة ‪ ،‬أما عالقة داود باشا بالبريطانيين فلم‬
‫تكن على مايرام‪ .‬وعلى الرغم من انه حدّ من نشاط كلوديوس ريج وفرض الرسوم على‬
‫البضائع البريطانية‪ ،‬واحاط جنوده بالممثلية البريطانية وحاصروها حتى أصبح ريج‬
‫سجينا فيها ‪،‬إال ان تدخل حكومة الهند البريطانية وضغط الحكومة العثمانية على‬
‫داود باشا دفعه للموافقة على وثيقة فيها جملة شروط السترجاع مااخذه الوالي من‬
‫البريطانيين ووقع على وثيقة جعلت للبريطانيين مكانة اكبر من أي وقت مضى ‪.‬‬
‫ثم جاء (الميجر تايلر ) خلفا لكلوديوس ريج‪ ،‬اال ان البريطانيين لم يعودوا يثقون بداود‬
‫باشا لمكانته وقوته واألمر نفسه ينطبق على الحكومة العثمانية ‪ ،‬إذ خشي السلطان‬
‫محمود الثاني ان يكون داود باشا شبيها بمحمد علي في مصر وأراد فرض مركزية الحكم‬
‫وهو امر يدعو للتخلص من حكم المماليك ‪ ،‬وقد اسهمت عوامل عدة في تقويض حكم‬
‫داود باشا منها‪:‬‬
‫‪ .1‬عدم ثقة السلطان محمود الثاني به لقوته وخشيته ان يحذو حذو محمد علي باشا‬
‫في مصر ‪.‬‬
‫‪ .2‬اجتياح مرض الطاعون العراق حتى بلغت خسائر مدينة بغداد وحدها (‪ )12‬الف‬
‫شخص في كل يوم واستمر ذلك الثني عشر يوما من أيام نيسان ‪1831‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬فيضان نهر دجلة الجارف حتى غمرت المياه معظم ارجاء بغداد وخالل يومين فقط‬
‫انهار اكثر من ثمانية آالف منزل ‪.‬‬
‫‪ .4‬قضى الطاعون على اكثرية جنوده حتى حرسه الخاص ‪ ،‬فلم يبق لديه جيش يحارب‬
‫‪54‬‬
‫به القوة التي ارسلها السلطان إلنهاء حكم داود باشا ‪.‬‬
‫وهكذا انتهى حكم المماليك في بغداد عام ‪1831‬م‪.‬وأصبح الوضع الجديد في العراق‬
‫مهيئاً أكثر من أي وقت مضى لتسلط البريطانيين ألرجحيتهم لدى الحكومة العثمانية‬
‫والتي ظلوا يتمتعون بها الى نهاية القرن التاسع عشر ‪.‬‬
‫د‪.‬المصالح البريطانية في نهري دجلة والفرات ‪:‬‬
‫وجدت المصالح البريطانية ان الظروف مهيأة لالستفادة من استخدام نهري دجلة‬
‫والفرات ألغراض النقل المائي منذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر ‪ ،‬وهو مافـكرت‬
‫به شركة الهند الشـــرقية البريطانية واعتبرته واحدا من الطرق المفضلة بين الشرق‬
‫والغرب‪ ،‬إلى جانب طريق راس الرجاء الصالح‪ ،‬األمر الذي دفع الشركة للتفـكير بهذا‬
‫الطريق ‪ ،‬فضال عن طريق آخر عبر مصر الى البحر االحمر ‪ ،‬السيما بعد البدء باستخدام‬
‫القوة البخارية في المواصالت المائية وبسفن صغيرة اكثر من استخدامها في البحار‬
‫والمحيطات باديء االمر ‪ ،‬كما ان هذا االستخدام للسفن البخارية لنقل البضائع سيؤدي‬
‫الى تقليل تكاليف النقل ومدة السفر ‪ ،‬ولكن مثل هذه االفكار تحتاج الى دراسات‬
‫تمهيدية واسعة ‪ ،‬فكلف الضابط البريطاني (فرنسيس رودن جسني) للقيام بالمسح‬
‫والتحري بتكليف من السفير البريطاني في استانبول ‪.‬‬

‫سفينة بخارية‬
‫‪55‬‬
‫استغرقت رحلة جسني في نهر الفرات بين حزيران ‪1830‬م وحزيران ‪1831‬م‪ ،‬وحمل‬
‫خرائطه وذهـــب الى لنـدن مبينا ان نهـرالفرات صالح لسير السفن البخارية وقناعته‬
‫ان الفرات مهم للمواصالت بين البحر المتوسط والخليج العربي ‪ ،‬وأكد على اهمية هذا‬
‫الخط للتجارة البريطانية والوجود البريطاني في المنطقة ‪،‬إضافة ألهميته العسكرية‪.‬‬
‫االمر الذي جعل بأمكان شركة الهند الشرقية البريطانية أقناع الحكومة البريطانية‬
‫بدراسة المشروع‪.‬‬
‫وجراء الدعم المالي والمعنوي البريطاني توجهت عام ‪1834‬م بعثة لدراسة مجرى نهر‬
‫الفرات و انزلت باخرتين اسميهما «دجلة» و «الفرات» ‪،‬واستغرق العمل ثالث سنوات‬
‫حتى وصلت إحداها الى بوشهر على الساحل الشرقي للخليج العربي ورسموا خرائط‬
‫مفصلة وتعرفوا على احوال العشائر على جانبي الطريق النهري ‪ ،‬ودونوا معلومات في‬
‫غاية االهمية عن البالد والسكان ماضيهم وحاضرهم ‪ ،‬ولكن بعد مصاعب كثيرة وغرق‬
‫الباخرة (دجلة)‪،‬عندها غير جسني رؤيته وبين ان نهر الفرات غير صالح لسير السفن‬
‫البخارية بين اعاليه ومصبه وبهذا فانه ليس بالطريق االصلح للتجارة البريطانية مع‬
‫الهند‪.‬‬
‫على الرغم من فشل بعثة جسني في الفرات اال ان (هنري بلوس لنج) أسس في‬
‫بغداد عام ‪1840‬م شركة للمالحة في نهر دجلة ‪ ،‬وسجلت في لندن في العام التالي‬
‫باسم (االخوان لنج المحدودة) واصبحت لها باخرتان تجاريتان ( لندن) و (دجلة)‪،‬ثم زادت‬
‫واحدة‪ ،‬تعمل لحساب (شركة بيت لنج) التي تعاظم نفوذها وأهميتها في الربع االخير‬
‫من القرن التاسع عشر‪ ،‬وحظيت بحماية الحكومة البريطانية حتى الحرب العالمية‬
‫االولى وتاجرت بمختلف انواع البضائع وتوسطت لبعض المؤسسات البريطانية ناهيك‬
‫عن نشاطها في مجال نقل البريد ونشاطها المصرفي وال يخفى انها اقامت عالقات مع‬
‫العشائر العراقية القاطنة على ضفاف دجلة لضمان سير بواخرها‪.‬‬
‫كما قام (فلكس جونز) خالل المدة (‪1853-1847‬م) برحلة شملت بغداد وضواحيها‬
‫فضالً عن منطقتين آثاريتين ‪ ،‬هما بابل ونينوى‪ ،‬فقدم خرائط عن بغداد ‪ ،‬وبعد ان اصبح‬
‫جونز مقيماً بريطانياً في بوشهر خلفه القائد (سلبي) في أعمال المسح حتى عام‬
‫‪1862‬م واهتم بمنطقة وادي دجلة بين بغداد وسامراء ‪ ،‬وهكذا جمعت تلك البعثات‬
‫معلومات مهمة عن وادي دجلة والفرات ‪ ،‬كل ذلك هيأ لجعل العراق منطقة نفوذ‬
‫بريطانية ‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫هـ ‪.‬مشاريع السكك الحديد‪:‬‬
‫لم يقتصر هدف بريطانيا على الجانب االقتصادي في العراق فقط بقدر ماكان هدفا‬
‫ستراتيجيا وذلك باستخدامه طريقا أقصر الى الهند والدليل على ذلك ظهور دعوة عام‬
‫‪ 1857‬م إلنشاء سكة حديد الفرات وأسباب ذلك ازدياد المصالح البريطانية في المنطقة‪.‬‬
‫التنافس البريطاني االلماني على العراق‬
‫كانت اولى بوادر االهتمام االلماني بالعراق عام ‪1873‬م متمثالً باالهتمام باآلثار العراقية‬
‫فضالً عن الدراسات العربية واالسالمية التي كانت تجري برعاية القيصر االلماني شخصيا‬
‫وقد اخذت بعض تلك الدراسات والمقاالت طابعا توسعيا واضحا‪ .‬ففي مقال نشر عام‬
‫‪1895‬م طالب كاتبه ان تكون تركيا اآلسيوية ضمن الحماية االلمانية ‪ ،‬وبالطبع كان‬
‫العراق جزء منها ‪.‬‬
‫ثم بدأت الكتابات تتناول اهمية سكة حديد برلين ‪ -‬بغداد باعتبارها تمثل هدف من‬
‫اهداف سياسة االلمان التوسعية في الدولة العثمانية والتي أدعت (االندفاع نحو الشرق)‬
‫وقد اثار هذا النشاط حفيظة البريطانيين وعدوه حقيقة راهنة ذات عواقب وخيمة على‬
‫مصالحهم في المنطقة وعلى وجه الخصوص في العراق ‪.‬‬
‫اخذت المصالح االلمانية تنمو في العراق في مطلع القرن العشرين بعد ان حصلت‬
‫مصالحها على امتياز لمد سكة الحديد من قونية الى بغداد ثم الى البصرة عام ‪1903‬م‬
‫فضالً عن سكة حديد برلين – بغداد وكذلك اتفق االلمان مع العثمانيون على بناء سكة‬
‫حديد الحجاز ‪.‬‬
‫مع اشتداد التنافس االلماني البريطاني قدم خبير الري البريطاني وليم ويلكوكس‬
‫(‪ )1932-1852‬عام ‪1909‬م بحثا عن مشاريع الري القديمة في العراق ذكر فيه ان ارواء‬
‫اراضي السهل الرسوبي سيؤدي الى انتاج مليون طن من القمح ومائة الف طن من‬
‫القطن وسيتم تربية ماليين االغنام ومئات االالف من الماشية ‪ ،‬واكد ويلكوكس مرة أخرى‬
‫عام ‪1913‬م على اهمية مشاريع الري في العراق لكي تدب الحياة في االراضي القاحلة‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫والبد من االشارة الى ان ميزان التبادل التجاري كان لصالح بريطانيا مع العراق‬
‫اذ كانت بريطانيا تصدر االقمشة إضافة الى اكياس الجوت والنيلة وقضبان الحديد‬
‫والفوالذ والتوابل والشاي والسكر والخشب والقرطاسية والغزول والخيوط ‪ ،‬اما مايصدره‬
‫العراق فهي منتجات زراعية وحيوانية مثل الصوف والقمح والتمر والعفص والسمسم‬
‫وجلود المواشي والخيل والصمغ وأنواع الحبوب االخرى ‪ ،‬وهكذا يتبين ان بريطانيا تحتل‬
‫‪ %43‬من الواردات العراقية عام ‪1903‬م‪ ،‬إضافة الى ‪ %17‬من الواردات العراقية من الهند‬
‫والمستعمرات البريطانية االخرى‪ ،‬وتصاعد نصيب بريطانيا والهند في التجارة مع العراق‬
‫وبلغ عشية الحرب العالمية االولى الى مايقرب ‪7‬ر‪ %74‬من واردات العراق عام ‪1912‬م‪.‬‬
‫يقول اللورد كيرزون‪ ،‬حاكم الهند البريطاني‪ (( ،‬ان مايقرب من ‪ %90‬من التجارة الصاعدة‬
‫الى بغداد بريطانية أو هندية ‪ ...‬وفي بغداد نفسها كان لنا مقيم منذ مئة عام‪ ،‬اي‬
‫قبل ظهور أي ممثل لدولة اجنبية على المسرح بثمانين عاما ‪ ،‬فهناك كان المقيم وال‬
‫يزال تصحبه سفينة حربية وحرس من الهنود ))‪ .‬إن هذا الكالم يعبر بشكل واضح عن‬
‫ما وصلت اليه مكانة بريطانيا وقوة وجودها بالعراق قبيل الحرب العالمية االولى ‪.‬وال‬
‫ننسى عدد الكتب والمقاالت التاريخية والجغرافية واآلثارية واالقتصادية التي نشرت في‬
‫بريطانيا وألمانيا خالل القرن التاسع عشر عن العراق وإمكانياته الكبيرة وكلها تحمل‬
‫في طياتها النزعة التوسعية ‪.‬‬
‫مع كل التحوطات البريطانية إال انه في عام ‪1910‬م وصل حجم حموالت السفن‬
‫التجارية االلمانية في ميناء البصرة الى المرتبة الثانية بعد بريطانيا‪ ،‬على الرغم من ان‬
‫الفرق ظل شاسعا بين حجم التجارة لصالح بريطانيا عما هو أللمانيا فخالل السنوات‬
‫‪1912-1910‬م وصلت نسبة البضائع البريطانية والهندية الى ‪3‬ر‪ %65‬بينما كانت نسبة‬
‫البضائع االلمانية تشكل ‪ ،%15‬على الرغم من ذلك عدّ البريطانيون تطور التجارة االلمانية‬
‫مع العراق ينذر بخطر كبير على مصالحهم‪ .‬ومثلت الزيارة الثانية للقيصر االلماني‬
‫وليم الثاني للدولة العثمانية عام ‪1898‬م بداية مرحلة جديدة للمصالح االلمانية في‬
‫المنطقة االمر الذي أثار حفيظة البريطانيين وحتى الفرنسيين ضد الدولة العثمانية ‪،‬‬
‫التي كانت تسمى في تلك المرحلة بـ(الرجل المريض)‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫والخليج العربي ‪.‬‬
‫تحركت الحملة البريطانية من البحرين شماال ‪،‬وفي السادس من تشرين الثاني ‪1914‬م‬
‫وبعد مناوشات قصيرة نزلت قوة بريطانية الفاو بعد انسحاب القوة العثمانية منها كما‬
‫انزلت قوة أخرى الى شط العرب ثم واصلت القوات البريطانية تقدمها الى موقع السنية‬
‫‪ ،‬مقابل عبادان ‪ ،‬وأصبحت مركز انزال للقوات البريطانية ثم واصلت هذه القوات تقدمها‬
‫بعد معارك غير متكافئة مع القوات العثمانية وإحتلت البصرة يوم ‪ 22‬تشرين الثاني‪.‬‬
‫وتكمن أهمية هذا العمل في‪:‬‬
‫‪ .1‬ان ميناء العراق الوحيد على الخليج العربي قد اصبح تحت االحتالل البريطاني‪.‬‬
‫‪ .2‬تحطيم تجارة مهمة كانت وارداتها السنوية للعراق تقدر بستة ماليين جنيه استرليني‬
‫سنويا‪.‬‬
‫‪ّ .3‬‬
‫شكل احتالل البصرة ضربة للطموحات االلمانية بان يكون لهم مركز نفوذ واسع في‬
‫العراق والخليج العربي‪.‬‬
‫في تلك االثناء حبذ بيرسي كوكس (‪1937 -1864‬م) ‪ ،‬المقيم البريطاني في الخليج‬
‫العربي‪ ،‬المرافق للحملة في ‪ 23‬تشرين الثاني لنائب ملك بريطانيا في الهند فكرة‬
‫الزحف الى بغداد العتبارات سياسية اكثر منها عسكرية على الرغم من المعوقات‬
‫العديدة وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬ان المسافة بين بغداد والبصرة اكثر من ‪ 400‬ميل ‪.‬‬
‫‪ .2‬عدم دقة المعلومات عن موقف القبائل العربية‪.‬‬
‫‪ .3‬قلة وسائط النقل البرية والنهرية ‪.‬‬
‫‪ .4‬حراجة الموقف االداري وقلة اعداد القوات والتجهيزات العسكرية البريطانية ‪.‬‬
‫وبالمقابل تبين أن احتالل بغداد ضروري ألسباب كثيرة منها‪:‬‬
‫‪.1‬سيحرم الدولة العثمانية من قاعدة مهمة وستراتيجية النه سيكون باإلمكان صد اية‬
‫قوات قادمة من آسيا الصغرى او من بالد الشام ‪.‬‬
‫‪.2‬فضال عن حرمان القوات العثمانية من مراكز تموين عديدة ‪.‬‬
‫‪ .3‬ان احتاللها سيرفع من سمعة بريطانيا‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫أيقنت حكومة الهند البريطانية اهمية ترصين مواقعها فأرسلت المزيد من القوات‬
‫الى جنوبي العراق ‪ ،‬وتقرر احتالل العمارة والناصرية لما يشكله هذا المثلث (البصرة‬
‫‪-‬العمارة ‪-‬الناصرية ) من اهمية من الناحية العسكرية على إستكمال احتالل والية‬
‫البصرة ‪.‬‬
‫ولهذا توجهت القوات البريطانية الحتالل القرنة في الثالث من كانون االول وموقع آخر‬
‫غربي البصرة في الشعيبة لحماية البصرة ‪.‬وتكمن اهمية احتالل القرنة باالتي‪:‬‬
‫‪ .1‬موقعها العسكري عند ملتقى دجلة والفرات ‪.‬‬
‫‪ .2‬السيطرة على مجرى شط العرب المساعد لسير السفن الكبيرة‪.‬‬
‫‪ .3‬توفر المنطقة مواد غذائية تنفع متطلبات الجيش البريطاني ‪.‬‬
‫‪ .4‬التأثير المعنوي على القبائل‪.‬‬
‫وبعد معارك قصيرة عرض الجيش العثماني في القرنة االستسالم ليلة ‪ 9/8‬كانون االول‬
‫‪1914‬م وانسحبت بعض الوحدات العثمانية باتجاه العمارة‪.‬‬

‫معركة الشعيبة‪:‬‬
‫بعد اندحار القوات العثمانية في معارك البصرة والقرنة انسحبت باتجاه منطقة‬
‫الشعيبة ذات الموقع الستراتيجي المهم كونها تتحكم بطرق المواصالت باتجاه‬
‫الناصرية والفرات االوسط‪ .‬حشد البريطانيون قواتهم في الشعيبة قبالة القوات‬
‫العثمانية وجرت في اواسط نيسان ‪1915‬م معركة الشعيبة التي خطط لها القائد‬
‫العثماني سليمان العسكري‪ ،‬ولمعركة الشعيبة اهمية السيما إذ اشترك فيها الى‬
‫جانب ألقوات العثمانية االف المقاتلين العراقيين‪ ،‬الذين تجمعوا من مناطق مختلفة‬
‫من العراق (عربا وكوردا) بقيادة السيد محمد سعيد الحبوبي والسيد محسن الحكيم‪،‬‬
‫ومحسن الشالش الذي تبرع بنصف ثروته لصالح الثوار ولدوافع دينية‪ ،‬وقناعتهم انهم‬
‫يواجهون دولة استعمارية غير اسالمية‪ ،‬على الرغم من إختالف العراقيين مع الدولة‬
‫العثمانية سواء في القومية او المذهب‪ ،‬اال ان القبائل اقتنعت بضرورة التحشد مع‬
‫الجيش العثماني ‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫بعض مقاتلي معركة الشعيبة‬

‫في العاشر من نيسان ‪1915‬م‪ ،‬وبعد ان تكاملت القوات العثمانية تساندها قوات‬
‫العشائر بالقرب من النخيلة قرر سليمان العسكري البدء بالهجوم بقوات بلغ تعدادها‬
‫‪ 113‬ضابطا و ‪ 11224‬جنديا ‪،‬بينما زاد تعداد العراقيين على اعداد القوة العثمانية ‪ ،‬وبدأت‬
‫المعركة فجر يوم‪ 12‬نيسان عندما هاجمت القوات العثمانية والمقاتلون العراقيون‬
‫القوات البريطانية في الشعيبة وكان النصر في أول االمر للقوات العثمانية والعراقيين‬
‫واستمرالقتال طوال ذلك اليوم واليوم التالي عندما قرر سليمان العسكري االنسحاب‬
‫لعدم قدرة قواته في مواجهة القوات البريطانية ‪ ،‬وفعال قام البريطانيون بهجوم مقابل‬
‫اكتسح القوات العثمانية وكبدوها خسائر فادحة باألفراد والمعدات السيما بعد وصول‬
‫تعزيزات عسكرية بريطانية للقوات المحاصرة ادى الى رجحان كفة المعركة في ‪14‬‬
‫نيسان ‪1915‬م بين الطرفين لصالح القوات البريطانية ‪ ،‬مما أجبر القوات العثمانية‬
‫على االنسحاب من الشعيبة باتجاه الناصرية وانتحار قائد القوة العثمانية سليمان‬
‫العسكري نتيجة خسارة قواته ثالثة آالف جندي بين قتيل وجريح و(‪ )800‬أسير ‪.‬وتعد‬
‫معركة الشعيبة من المعارك الحاسمة في تاريخ االحتالل البريطاني للعراق وذلك‬
‫لالسباب االتية‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ .1‬فتتت معنويات القيادة العثمانية كما ان انتحار القائد العثماني سليمان العسكري‬
‫كان له وقع كبير على معنويات الجيش العثماني ‪.‬‬
‫‪ .2‬كشفت المعركة للعشائر عدم امكانية صمود العثمانيين امام الزحف البريطاني‪،‬‬
‫لضعف التسليح والتجهيز والتدريب‪.‬‬
‫‪ .3‬عدم التنسيق بين القوات العثمانية والعراقيين‪.‬‬
‫‪ .4‬بلغت الخسائر البشرية ستة آالف بين قتيل وجريح من المتطوعين في الجيش‬
‫العثماني‪ ،‬وهكذا تضاءلت االمال بأخراج البريطانيين من العراق ‪.‬‬
‫إحتالل العمارة والناصرية‪:‬‬
‫كانت والية البصرة تضم فضال عن البصرة كال من مدينتي العمارة والناصرية‪ ،‬وبعد‬
‫دراسة الواقع على االرض قررت القيادة العسكرية البريطانية بان تتقدم قواتها صوب‬
‫العمارة لألسباب االتية ‪:‬‬
‫‪ .1‬إن احتاللها يؤمن ابعاد القوات العثمانية عن شط العرب‪.‬‬
‫‪ .2‬السيطرة على نهر دجلة ‪.‬‬
‫‪ .3‬عدم اعطاء الفرصة للقوات العثمانية إلعادة تنظيمها وتعزيزها‪.‬‬
‫‪ .4‬اراد القادة البريطانيون االستفادة من ارتفاع مناسيب المياه لتتمكن السفن الحربية‬
‫من التحرك‪.‬‬
‫وفعال تقدمت القوات البريطانية وبمساندة القوة الجوية فاحتلت العمارة يوم الرابع من‬
‫حزيران ‪1915‬م‪.‬‬
‫ادركت القيادة العسكرية البريطانية اهمية احتالل الناصرية لما يشكله احتاللها‬
‫من تامين السيطرة على العشائر الموالية للعثمانيين‪.‬فتحركت القوات البريطانية من‬
‫الحمار واحتلت مدينة الناصرية بعد معركة غير متكافئة يوم ‪ 25‬تموز‬
‫ّ‬ ‫القرنة عبر هور‬
‫وتكبد العثمانيون خسائر كبيرة بلغت نصف قوتهم بينما لم تتجاوز خسائر البريطانيين‬
‫‪ 500‬قتيل‪ ،‬وهكذا تم تحقيق هدف رئيسي من الحملة البريطانية وهو ‪:‬‬
‫‪ .1‬السيطرة على رأس الخليج العربي ‪.‬‬
‫‪ .2‬إعالء هيبة بريطانيا السياسية ‪.‬‬
‫‪ .3‬المحافظة على مصافي وانابيب النفط التابعة لشركة النفط االنكلو ‪ -‬فارسية ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫حصار الكوت‪:‬‬
‫ايقنت القيادة البريطانية ضرورة إحتالل بغداد إذ أن إحتاللها يمكن من السيطرة على‬
‫الموقف في الشرق االوسط‪ .‬ولذلك عدوا كل خطوة للتقدم الى بغداد تحقق لهم ذلك‬
‫فبدأ التخطيط للتقدم نحو الكوت الحتاللها وفعال تحركت قوات الجنرال تشارلز طاوزند‬
‫وبدأت هجومها يوم ‪ 28‬ايلول ‪1915‬م وجرت معارك عنيفة ولكن القائد العثماني نور‬
‫الدين بك ادرك حراجة الموقف فقرر االنسحاب الى منطقة المدائن(سلمان باك) ‪.‬‬

‫الجنرال طاوزند في االسر‬

‫تلقى الجنرال طاوزند امر التقدم بعد ان تم حشد القوات في العزيزية وقوات اخرى في‬
‫الكوت ‪،‬وتكبد الطرفان خسائر بشرية كبيرة‪ ،‬وتراجعت القوات البريطانية بقيادة الجنرال‬
‫طاوزند الى الكوت وطوقت القوات العثمانية القوات البريطانية في الثالث من كانون‬
‫االول وتجدر المالحظة وصول الجنرال االلماني فون دركولتز الى الكوت يوم ‪ 12‬كانون االول‬
‫وبعد دراسة الموقف امر بعدم مهاجمة القوات البريطانية المحاصرة لمناعة تحصينات‬
‫المدينة بل محاصرتها الى ان تنفذ ارزاقها‪ ،‬وفعالً إستسلم القائد البريطاني يوم ‪29‬‬
‫نيسان ‪1916‬م بعد حصار دام خمسة شهور وبلغ عدد االسرى ‪ 13309‬بين ضابط وجندي‬
‫بريطاني‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫إحتالل بغداد‪:‬‬
‫ان مخاوف البريطانيين من تقدم روسي الى بغداد وإحتاللها دفعهم الى اإلسراع الحتاللها‬
‫قبلهم ألغراض عسكرية وسياسية‪ ،‬فأعد القادة البريطانيون العدة من جديد وجلبوا‬
‫قوات جديدة ومعدات وفيرة الستعادة الكوت‪ ،‬فبدأ القائد البريطاني الجنرال استانلي مود‬
‫(‪1917-1864‬م) الذي حل محل طاوزند يعمل على مهاجمة القوات العثمانية بمناطق‬
‫قريبة من الكوت في التاسع من كانون الثاني ‪1917‬م ‪ .‬وفي ‪ 28‬شباط وصلت القوات‬
‫البريطانية الى سلمان باك وفي مساء العاشر من فصل آذار ‪1917‬م وصلوا الى مشارف‬
‫بغداد فاضطرت القيادة العسكرية العثمانية التي انقسمت في اتخاذ قرار االنسحاب‬
‫من بغداد لعدم قدرتهم على مواجهة القوات البريطانية الزاحفة الى أن صدرت االوامر‬
‫من القيادة العثمانية باالنسحاب وإخالء بغداد فاحتلها الجيش البريطاني صباح يوم ‪11‬‬
‫آذار ‪1917‬م ‪.‬‬

‫الجنرال مود (‪1917-1864‬م)‬

‫عد إحتالل بغداد النهاية للحكم العثماني في العراق الذي امتد من عام ‪1534‬م‪ ،‬وبداية‬
‫ّ‬
‫عهد آخر باحتالل بريطانيا له وكان إنسحاب العثمانيين ‪،‬وال سيما المالكات االدارية‬
‫والفنية ‪،‬قد خ ّلف آثارا ً سلبية واضحة خالل سنوات اإلحتالل البريطاني‪ ،‬ولكي يكسب‬
‫الجنرال مود ود العراقيين نشر بيانا جاء فيه (( إننا لم ندخل بالدكم أعداء فاتحين انما‬
‫‪65‬‬
‫‪ .2‬اتخاذ الروبية الهندية عملة للبالد بدال من الليرة العثمانية‪.‬‬
‫‪ .3‬اصبح االعتماد االول على الموظفين الهنود والبريطانيين بدال من العراقيين ‪.‬‬
‫‪.4‬إعتماد القوانين الهندية ووضع نظام للدعاوي العشائرية الجزائية والمدنية من خالل‬
‫خبرتهم في الهند والذي يسهل سطوة الشيوخ‪.‬‬

‫‪.3‬أالنتداب البريطاني على العراق‬


‫عقب إنتهاء الحرب العالمية االولى فكرت الدول المنتصرة ( بريطانيا وفرنسا وايطاليا‬
‫واليابان ) االستيالء على ممتلكات الدولتين العثمانية وااللمانية المندحرتين ‪ ،‬وضمها‬
‫كمستعمرات ‪ ،‬وهذا يناقض أقوال الحلفاء ووعودهم للشعوب بالتحرر واالنعتاق وحق‬
‫تقرير المصير التي نادت بها بنود الرئيس االمريكي ودرو ويلسون (‪1924-1856‬م) االربعة‬
‫عشر‪ ،‬والذي عارض المحاوالت البريطانية والفرنسية لضم البالد العربية التي كانت‬
‫تحت الحكم العثماني الى ممتلكاتها‪.‬ولكن الدولتين االستعماريتين بريطانيا وفرنسا‬
‫سارتا في تحقيق اهدافهما االستعمارية تحت مظلة جديدة اسمها االنتداب‪.‬‬

‫االنتداب ‪:‬‬
‫إقترح الجنرال سمطس من (إتحاد جنوب افريقيا) إيجاد نظام جديد للمستعمرات‪،‬‬
‫يرضي بإعـتقاده‪ ،‬سكان البالد التي ستخضع له وهو نظام االنتداب‪ .‬وافق الحلفاء‬
‫المنتصرون على مضمون الفكرة وضمنوها في المادة ‪ 22‬من ميثاق عصبة االمم الذي‬
‫نشر في ‪ 28‬حزيران ‪1919‬م وجاء فيها ‪:‬‬
‫‪.1‬االراضي التي لم تعد تابعة لسيادة الحكومات التي كانت خاضعة لها قبل الحرب‬
‫ويعجز سكانها عن القيام بالحكم الذاتي في بالدهم‪ ،‬يجب ان يطبق عليها المبدأ‬
‫القائل بأن رفاهية هذه الشعوب وإرتقائها وديعة مقدسة من ودائع المدنية وان يتضمن‬
‫هذا الميثاق الضمانات الالزمة للقيام بهذه االمانة ‪.‬‬
‫‪.2‬الطريقة المثلى لتحقيق هذه المبادىء عمليا هي تسليم وصاية بعض الشعوب الى‬
‫االمم الراقية‪ ،‬التي تستطيع بفضل ثرواتها وخبراتها وموقعها الجغرافي تحمل هذه‬
‫‪67‬‬
‫المسؤولية‪ ،‬وهذه تقوم بوصايتها باسم عصبة االمم وبصفتها منتدبة عنها ‪.‬‬
‫‪.3‬إن نوع االنتداب يجب ان يختلف بحسب درجة رقي الشعب ومركزه الجغرافي وحالته‬
‫االقتصادية ‪.‬‬
‫‪ .4‬إن بعض البلدان كانت تابعة للدولة العثمانية وقد بلغت درجة راقية يمكن معها‬
‫االعتراف مبدئيا بكيانها كأمم على ان تستمد االرشاد والمساعدة من دولة اخرى لحين‬
‫ماتصبح قادرة على الوقوف بمفردها ‪ ،‬إن رغبات هذه البالد يجب ان يكون في المقام‬
‫االول من إنتقاء الدولة المنتدبة ‪.‬‬
‫‪.5‬يجب ان تقدم الدولة المنتدبة تقريرا سنويا الى مجلس عصبة االمم عن البالد التي‬
‫انتدبت عليها ‪.‬‬
‫‪.6‬يجب ان تكون هناك لجنة دائمة لتسلم التقارير السنوية من حكومة االنتداب‬
‫لفحصها لترشد مجلس العصبة بكل المسائل المتعلقة بتنفيذ االنتداب ‪.‬‬

‫مؤتمر سان ريمو عام ‪1920‬م‬


‫وفي ‪ 24‬نيسان‪1920‬م عقد مجلس الحلفاء مؤتمر سان ريمو في إيطاليا وفي اليوم‬
‫التالي إتفق الحلفاء على توزيع االنتدابات دون اخذ رأي الشعوب وموافقتهم فكان نصيب‬
‫بريطانيا العراق وشرقي االردن وفلسطين وانتدبت فرنسا على سوريا ولبنان ‪.‬‬
‫حاول( آرنولد ويلسون) وكيل المندوب الملكي في العراق إخفاء امر االنتداب ولم يعلنه‬
‫إال في الخامس من شهر أيار ‪ ،‬فأعلن الشعب العراقي معارضته وإستنكاره ألي إنتداب‬
‫أو وصاية أو حماية ‪ ،‬وإعتبروه إستعمارا بصيغة جديدة ‪ ،‬فباشر قادة العراق الوطنيون من‬
‫سياسيين وعسكريين وعلماء دين وزعماء قبائل ومثقفين يعدون العدة للقيام بثورة ضد‬
‫االحتالل البريطاني واالنتداب وذلك من اجل المطالبة باالستقالل التام فادى ذلك الى‬
‫أندالع ثورة العشرين ‪.‬‬
‫الئحة االنتداب البريطاني على العراق‪:‬‬
‫في العاشر من آب ‪ 1920‬م‪ ،‬اثناء ثورة العشرين وبناء على ماجاء بمقررات مؤتمر سان‬
‫ريمو ‪ ،‬تم توقيع معاهدة سيفر بين الحلفاء والدولة العثمانية ‪ ،‬إعترفت الدولة العثمانية‬
‫‪68‬‬
‫بإنفصال العراق عنها ووضعه تحت االنتداب البريطاني ‪،‬‬
‫وبدورها تقدمت بريطانيا الى العصبة بالئحة االنتداب على العراق ووافقت العصبة عليها‬
‫واهم بنودها ‪:‬‬
‫‪.1‬تضع الدولة المنتدبة قانونا اساسيا للعراق يعرض على مجلس العصبة للمصادقة‬
‫عليه في غضون ثالث سنوات‪.‬‬
‫‪.2‬اعطت بريطانيا لنفسها الحق باالحتفاظ بقوة عسكرية في العراق‪.‬‬
‫‪.3‬اعطت لنفسها الحق في ادارة عالقات العراق الخارجية ‪.‬‬
‫‪.4‬تعهدت بريطانيا بالمحافظة على االراضي العراقية وان ال تتنازل عنها ‪.‬‬
‫‪.5‬إلغاء االمتيازات االجنبية في العراق‪.‬‬
‫‪.6‬تأسيس نظام قضائي يضمن مصالح االجانب ‪.‬‬
‫‪.7‬على بريطانيا أن تمنع أي تمييز بين رعايا أعضاء عصبة االمم ‪.‬‬
‫‪.8‬الشيء مما في هذا االنتداب يمنع الدولة المنتدبة من تأسيس حكومة مستقلة إداريا‬
‫في المقاطعات الكوردية كما يلوح لها‪.‬‬
‫وهكذا خاب امل العراقيين ببريطانيا وبكل وعودها فانطلقوا يجمعون صفوفهم للثورة‬
‫على امر اليريدونه ولم يؤخذ رأيهم فيه ‪.‬‬
‫‪ .4‬حركات التحرر واإلستقالل الوطني‬
‫أ‪ .‬إنتفاضة النجف األشرف‬
‫كانت مدينة النجف االشرف منذ عام ‪1915‬م تحكم نفسها بنفسها لخصوصيتها‬
‫الدينية وانشغال القوات العثمانية بالتصدي للقوات البريطانية المحتلة حتى آب ‪1917‬م‬
‫حين تم تعيين حميد خان بوظيفة الحاكم السياسي البريطاني في النجف االشرف‪.‬‬
‫وبدافع من الحفاظ على استقاللية النجف االشرف فإن أهاليها قد اشتروا االسلحة‬
‫بعد أن وصلتهم أخبار أساليب االحتالل البريطاني للبصرة بكل مساوئه ومن ذلك ايقن‬
‫النجفيون مع اخوانهم من ابناء الفرات االوسط ان البريطانيين جاءوا محتلين المحررين‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫الحاج نجم البقال الدليمي‬
‫وقد بدأت جمعية(النهضة األسالمية ) السرية برئاسة السيد محمد علي بحر العلوم‬
‫تعمل على نشر الدعاية المناوئة للبريطانيين بين اهالي النجف االشرف‪ ،‬وبينت اهمية‬
‫حمل السالح من أجل تحرير العراق ‪ ،‬وضمت الجمعية معظم الشخصيات النجفية‬
‫وبعض رؤساء العشائر‪ ،‬وعندما إتضح أمر هذه الجمعية لدى سلطات االحتالل قرر(نجم‬
‫البقال) القيام بمفاجأة السلطة وذلك بقتل الكابتن (مارشال)حاكم النجف السياسي‬
‫في الصباح الباكر من يوم التاسع عشر من آذار ‪1918‬م في سراي الحكومة‪ ،‬علما ان‬
‫مارشال وصل النجف االشرف في االول من شباط وإتخذ من خان عطية مقرا الدارته‬
‫ولسكنه وأول عمل قام به ان جاء بشرطة من غير النجفيين‪.‬‬

‫الحاج نجم البقال‬

‫كان الحاج نجم البقال من أنشط خصوم المحتلين حيث وضع خطة لقتل‬
‫مارشال بان يهاجم مقره هو وبعض انصاره ونشبت معركة حامية قتل فيها احد‬
‫المهاجمين وجرح ثالثة منهم وقتل النقيب مارشال وجرح ضابط آخر معه وفرّ الباقون‬
‫من المهاجمين ‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫البريطانية في كفري تضمنت استعداده لتسليم السليمانية للقوات البريطانية دون‬
‫قتال‪ ،‬فأرسل البريطانيون وفدا لالجتماع بالشيخ محمود الحفيد (‪1956-1881‬م) واعلن‬
‫الموفد البريطاني عن تعيين محمود الحفيد حاكماً على منطقة السليمانية ومنحه‬
‫حكماً ذاتياً وحدد له راتب وع ّين عدداً من أقاربه بوظائف المتصرف والقاضي وقادة لقواته‪،‬‬
‫وتم تعيين مستشارين بريطانيين لحكومة الشيخ محمود في االمور االدارية والمالية‬
‫والعسكرية‪ ،‬وإستمر الحال حتى ‪ 20‬أيار ‪1919‬م وهو تاريخ انتفاضة الشيخ محمود على‬
‫السلطات البريطانية ‪.‬‬
‫بعد ان ادرك البريطانيون ان نهج الشيخ محمود أصبح اليتماشى مع السياسة‬
‫البريطانية‪ ،‬إتجهوا للحد من نشاطه ومكانته وبدأت حالة من التوتر والخالف تسود بين‬
‫الطرفين ‪.‬‬

‫الشيخ محمود الحفيد‬


‫‪1956-1881‬م‬
‫ومن جهة اخرى حاول (سون) الضابط البريطاني المسؤول عن المنطقة ان يقلل‬
‫من مكانة الشيخ محمود فشكل قوة من الفرسان وشجع عددا من الزعماء الكورد‬
‫ضده وأغدق عليهم االموال وبالمقابل خفض راتب الشيخ محمود من خمسة عشر‬

‫‪73‬‬
‫المواقع الكوردية ‪ ،‬ومن جهة اخرى امتدت المواجهة في مناطق متعددة من كوردستان ‪.‬‬
‫حشد البريطانيون قوات في جمجمال وذلك في اواسط شهر حزيران بينما تحصنت‬
‫القوات الكوردية في مضيق دربندبازيان بقيادة الشيخ محمود وبدأت المعركة يوم ‪18‬‬
‫حزيران وقع فيها الشيخ أسيرا واستشهد عدد من المقربين له وأودع الشيخ السجن‪.‬‬
‫فتقدمت القوات البريطانية لتسيطر على كل المنطقة معتقدين ان هذا سيؤمن لهم‬
‫السيطرة على كل اجزاء كوردستان العراق ويقضون على جميع انواع المقاومة ‪.‬‬

‫أسباب إجهاض إنتفاضة الشيخ محمود ‪:‬‬


‫‪ .1‬تباين االمكانيات بين الطرفين ‪.‬‬
‫‪.2‬القصور االداري لكيان الشيخ محمود وندرة الكوادر العسكرية الكوردية ‪.‬‬
‫‪.3‬افتقار حكومة الشيخ الى الفكر السياسي وإعتمادها على النخوة العشائرية والقيم‬
‫واألعراف والمنطلقات الدينية ‪،‬‬
‫‪.4‬الواقع االجتماعي العشائري اسهم بعدم ديمومة الحركة والتزام الناس برؤساء‬
‫عشائرهم الذين ارادوا ابقاء الوضع كما هو ‪.‬‬
‫‪ .5‬الخالفات بين الشيخ محمود وبعض رؤساء العشائر والتي ساعدت على نخر االنتفاضة‬
‫من الداخل ‪.‬‬
‫‪ .6‬إستمالة البريطانيين لبعض زعماء العشائر ‪.‬‬
‫‪.7‬وجود منافسين للشيخ محمود الذين ارادوا ان يحظوا بنفس المكانة التي حظي بها‬
‫الحفيد عند البريطانيين ‪.‬‬
‫‪.8‬إفتقار االنتفاضة الى الدعم المادي والمعنوي من بقية مناطق العراق في الوسط‬
‫والجنوب‪.‬‬
‫‪.9‬ان المرحلة التاريخية واالجتماعية لم تكن مهيأة لحركة من هذا النوع ‪.‬‬
‫‪.10‬إن تمسك الشيخ محمود ببعض افراد عائلته وبعض علماء الدين وإشراكهم في‬
‫حكومته دون الضباط والمثقفين الكورد اسهم بإضعاف حكومته ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫نتائج االنتفاضة ‪:‬‬
‫‪.1‬جلبت االنظار الى اهمية القضية الكوردية على الصعيد السياسي والدولي ‪.‬‬
‫‪.2‬تأجيج الشعور القومي لدى كورد العراق السيما والمنطقة عامة ‪.‬‬
‫‪.3‬اسهمت في رفد النضال الوطني الجماهيري في العراق ضد االحتالل البريطاني‪.‬‬
‫قدم الشيخ محمود وعدد من اتباعه الى محكمة عسكرية بريطانية ووجهت له‬
‫تهمتين االولى حمله السالح ضد القوات البريطانية والثانية إنزال العلم البريطاني‬
‫من بناية الحاكم السياسي في السليمانية وتمزيقه ‪،‬ورفع علم الحكومة الكوردية‬
‫بدال عنه‪ .‬ولكن الحفيد اصر على عدم شرعية المحكمة وله الحق في حمل السالح‬
‫ضد المحتلين وان البريطانيين هم من يجب محاكمتهم وادانتهم فأصدرت المحكمة‬
‫العسكرية في بغداد قرارها بإعدام الشيخ الحفيد رميا بالرصاص ولكن القائد البريطاني‬
‫سعى لتخفيف الحكم لحسن معاملة الشيخ محمود لألسرى البريطانيين اثناء‬
‫االنتفاضة ‪ ،‬فاستبدل بالنفي لمدة عشر سنوات ‪ ،‬فنفي الى أندمان‪ ،‬إحدى الجزر الهندية‪.‬‬
‫ج‪ .‬ثورة العشرين‬
‫قبل الخوض في اسباب ثورة العشرين البد من االشارة الى ان المدة بين عامي ‪1919‬م‬
‫وحزيران‪1920‬م تميزت بتنظيم المقاومة الوطنية لالحتالل البريطاني وتركيز المطالبة‬
‫باستقالل البالد التام من خالل الجمعيات التي برزت ومنها ‪.‬‬
‫‪ -1‬جمعية العهد العراقي ومنهاجها‪:‬‬
‫ادرك رجاالت العراق أن االستقالل اليأتي باالنتظار أو االستسالم بل بتنظيم الحركة‬
‫الوطنية ‪ ،‬ولذلك تشـــكلت جمعيات سرية مثل جمعية العهد العراقي التي تأسست‬
‫في دمشق‪ ،‬ومن ابرز شخصياتها ياسين الهاشمي وجميل المدفعي وجعفر العسكري‬
‫ونوري السعيد ومولود مخلص وتضمن منهاجها عام ‪1919‬م ‪:‬‬
‫‪.1‬إستقالل العراق التام وضمن حدوده الطبيعية ‪.‬‬
‫‪.2‬طلب المساعدة الفنية واالقتصادية من بريطانيا دون المساس باستقالل العراق ‪.‬‬
‫‪.3‬نهضة الشعب العراقي ليباري ارقى االمم الغربية ‪.‬‬
‫‪.4‬السعي لخير االمة العربية ‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫وإرتأت أن يكون نظام الحكم في العراق ملكي دستوري يتقلد العرش فيه أحد أنجال‬
‫الشريف حسين ملك الحجاز‪.‬وكان للجمعية فرعان في بغداد والموصل‪.‬‬
‫ولما يئس رجاالت الجمعية من تحقيق اهدافهم حاولوا الحصول على التأييد من الواليات‬
‫المتحدة االمريكية والتمسوا من الرئيس االمريكي ودرو ويلسون تأييد مطاليبهم وتراسلوا مع‬
‫شيوخ العشائر وعلماء الدين وغيرهم من الوطنيين يحثوهم للكفاح ضد االحتالل البريطاني ‪.‬‬
‫‪ -2‬جمعية حرس االستقالل السرية ‪:‬‬
‫تأسست جمعية سرية أخرى إسمها حرس االستقالل التي اختلفت في منهاجها‬
‫عن جمعية العهد في بغداد‪ ،‬اذ تأسست اواخر عام ‪1919‬م فاتخذت مواقف اكثر صالبة‬
‫ونشط دورها في بغداد والفرات االوسط ومن ابرز قادتها علي آل بازركان وجالل بابان‬
‫ومحمد الصدر ويوسف السويدي ومحمد باقر الشبيبي والسيد عبد المهدي المنتفكي‬
‫وجعفر أبو التمن وناجي شوكت وآخرين‪.‬وكان للجمعية فروع في بغداد والكاظمية‬
‫والشامية والنجف االشرف والحلة وبعقوبة ‪.‬اما منهاج الجمعية فتضمن مايلي‪:‬‬
‫‪.1‬استقالل العراق التام ‪.‬‬
‫‪.2‬تأليف حكومة دستورية في العراق برئاسة احد أنجال الشريف حسين ‪.‬‬
‫‪.3‬بذل الجهود لالنضواء الى لواء الوحدة العربية ‪.‬‬
‫وتميزت هذه الجمعية بانها أسست المدرسة االهلية(التفييض) بداية عام‬
‫‪1920‬م‪،‬لقناعة قادتها ان للتعليم اهمية كبيرة في تنوير الشباب لتحرير البالد وتطورها‪،‬‬
‫ولكن المدرسة تحولت وبسرعة الى منبر سياسي اكثر من الجانب التعليمي ‪ ،‬فعقدت‬
‫إجتماعات سرية وأقامت عالقات تنظيمية مع المؤسسات الدينية ورؤساء العشائر‬
‫في الفرات االوسط‪ .‬وتشكل مكتب للثورة التي أيدتها فئات كثيرة من سكان بغداد‬
‫وبعض المدن االخرى‪.‬واستثمرت الجمعية حفالت المولد النبوي وأعطتها طابعا وطنيا‪،‬‬
‫وأقيمت تلك االحتفاالت في جامع الحيدرخانة والكاظمية وسيد سلطان علي والحضرة‬
‫الكيالنية وتواصل نشاط الجمعية حتى اندالع ثورة العشرين الوطنية ‪ ،‬فالتحق قسم‬
‫من قادتها بالثورة وقسم نفي الى خارج البالد فانحلت الجمعية في ‪ 13‬آب ‪1920‬م‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫العوامل التي عجلت بقيام ثورة العشرين في العراق‪:‬‬
‫‪ .1‬الوعود التي قطعها البريطانيون للشريف حسين بن علي أثناء الحرب العالمية االولى‬
‫منذ عام ‪1916‬م وذلك باالعتراف باستقالل العرب وتحديدا العراق وسوريا والحجاز وشبه‬
‫الجزيرة العربية ‪.‬‬
‫‪ .2‬اعالن الجنرال مود قائد الجيش البريطاني الذي احتل بغداد يوم ‪ 18‬آذار ‪1917‬م انهم‬
‫جاءوا محررين الفاتحين ‪.‬‬
‫‪ .3‬وعد ديفيد لويد جورج (‪1945-1863‬م) رئيس الوزارة البريطانية في بياناته بمجلس‬
‫العموم البريطاني أثناء الحرب العالمية االولى وتحديدا في الخامس من كانون الثاني‬
‫‪1918‬م بان الهدف من خوض الحرب هو تحرير الشعوب ‪.‬‬
‫‪ .4‬تضمنت بنود الرئيس االمريكي ويلسون التي أعلنت يوم الثامن من كانون الثاني ‪1918‬م‬
‫وعودا بحق الشعوب في تقرير مصيرها ومنها الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية ‪.‬‬
‫‪ .5‬مذكرة الحكومة البريطانية الى ملك الحجاز في الثامن من شباط ‪1918‬م التي أكدت‬
‫على وعود الحلفاء بتحرير العرب وبناء كيان عربي يتمتع بالقانون والنظام وتخليصهم‬
‫من الظلم العثماني‪.‬‬
‫‪ .6‬تصريح الحكومة البريطانية في القاهرة يوم ‪ 16‬حزيران ‪1918‬م باعترافها باالستقالل‬
‫التام للعرب الذين يقطنون في االراضي التي كانت حرة مستقلة قبل الحرب واألراضي‬
‫التي حررت من السيطرة العثمانية على أيدي العرب أنفسهم اثناء الحرب من الحكم‬
‫العثماني ‪.‬‬
‫‪ .7‬التصريح البريطاني –الفرنسي في السابع من تشرين الثاني ‪1918‬م الذي جاء فيه أن‬
‫السبب الذي من اجله حاربت فرنسا وبريطانيا في الشرق إنما لتحرير الشعوب التي‬
‫رزحت اجياال ً طواالً تحت مظالم الترك تحررا تاما نهائيا وإقامة حكومات وإدارات وطنية‬
‫تستمد سلطتها من إختيار األهالي الوطنيين اختيارا حراً ‪.‬‬
‫اسباب الثورة‬
‫وهناك أعمال إقترفها البريطانيون على االرض العراقية أثارت حفيظة سكان العراق‬
‫ويمكن تسميتها بالعوامل الداخلية ومنها ‪:‬‬
‫‪78‬‬
‫بقيادة الملك‬ ‫ماحدث في سوريا من إقامة دولة ملكية في اذار‪-‬تموز ‪1920‬م‬ ‫‪.2‬‬
‫فيصل أبن الحسين ‪ ،‬وكذلك ثورة مصر ‪1919‬م ومطالبة المصريين باالستقالل شجع‬
‫العراقيين وقويت عزائمهم وتوثبت روحهم الوطنية‪ ،‬فأضافت عامال آخر من عوامل ثورة‬
‫العشرين الوطنية التحررية ‪.‬‬
‫‪ .3‬هجمات الضباط العراقيين الذين تجمعوا في دير الزور على القوات البريطانية في‬
‫العراق والتي وصلت الى تلعفر والموصل‪.‬‬
‫وفضال عن كل ماتقدم وخالل السنوات ‪1918‬م و‪1919‬م كان لعلماء الدين دور كبير‬
‫وواضح منذ وقت مبكر فقد استعان القادة السياسيون بنفوذ المرجع الديني محمد‬
‫تقي الحائري لتحقيق اهدافهم ‪ ،‬وكان الشيخ يؤيد التآزر والتآلف ليقف العراقيون صفا‬
‫واحدا في وجه االجنبي ‪ ،‬كما إتصل رجال الحركة الوطنية بعلماء الدين في كربالء‬
‫المقدسة والنجف االشرف‪ ،‬فقد ارسل وجهاء واعيان بغداد جعفر ابو التمن لحضور‬
‫االجتماع الكبير في دار الشيخ الحائري والتي اتخذت فيه قرارات مهمة‪ ،‬وظلت مساجد‬
‫بغداد وجوامعها تقيم المناقب النبوية والتي تنتهي بالمطالبة بحقوق البالد المشروعة‬
‫ولهذا فال عجب اذا ما امر الحاكم العسكري البريطاني بانهاء تلك الحفالت والمناقب‬
‫النبوية باعتبارها تهيج الراي العام ضد الحكومة‪.‬‬
‫رأى الشيخ الحائري ان مساندة الحركة الوطنية أمر يمليه عليه الواجب الديني بل‬
‫ان نجاح الحركة يعني زوال حكم اجنبي عن البالد ‪ ،‬فنجحت جهوده في توحيد صفوف‬
‫العراقيين من اجل مصلحة الوطن‪ ،‬وأكد في فتوى اخرى على ان مطالبة الحقوق واجبة‬
‫على العراقيين‪« ،‬ويجوز التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع االنكليز عن قبول مطالبهم»‪.‬‬
‫وتعاظم موقف االهالي في مدن العتبات المقدسة ضد البريطانيين وتم التنسيق‬
‫مع رجاالت العشائر في مناطق عراقية مختلفة ‪،‬فقد تأسس مكتبان االول في النجف‬
‫االشرف واالخر في كربالء المقدسة اشرف عليه العالمة محمد علي هبة الدين الحسيني‬
‫الشهرستاني‪ ،‬لمتابعة المعلومات عن سير احداث الثورة ‪.‬‬
‫ومن بين علماء الدين الذين ساهموا في احداث الثورة الشيخ فتح اهلل شيخ الشريعة‬
‫‪80‬‬
‫وقتلوا إثنين من البريطانيين وحرروا شيخ العشيرة ‪ .‬فكانت الشرارة التي اندلعت منها‬
‫ثورة العشرين والتي شملت مناطق مختلفة من العراق واستمرت خمسة أشهر ‪ ،‬رغم‬
‫التباين والفرق الواضح في التسليح ‪.‬اال ان الثوار تكمن قوتهم في إيمانهم الوطني‬
‫والديني واثبتوا ان إرادة الشعوب التقهر وال يمكن للظلم والطغيان ان يدوم مهما كانت‬
‫أسلحته قوية ومتطورة ولهذا سطر العراقيون مالحم من البطولة والفداء في تلك الثورة‬
‫التي إعترف القادة العسكريين البريطانيين بشراسة رجال العراق االبطال في الذود عن‬
‫أرض العراق‪.‬‬
‫ادرك الثوار في الرميثة اهمية تعطيل طرق المواصالت العاقة تحرك القوات البريطانية‬
‫فلهذا عملوا على تخريب السكك الحديد التي تستخدمها القوات البريطانية ‪ .‬ومن‬
‫جهة ثانية عملوا وبجهد كبير على عمل خندق حول المدينة‪ ،‬وقسموا الرجال الى‬
‫مجاميع لمواجهة القوات البريطانية ‪ ،‬ولهذا لم تستطع القوات البريطانية ان تحسم‬
‫موقفها وتدخل الرميثة اال بعد ثالثة اسابيع تقريبا من القتال الشرس ‪ ،‬ففي يوم ‪18‬‬
‫تموز قاد الشيخ شعالن ابو الجون رجاله وهاجموا القوات البريطانية المتقدمة وقدموا‬
‫تضحيات كبيرة مثلما كبدوا القوات البريطانية عشرات القتلى والجرحى‪ ،‬وتكفي االشارة‬
‫الى ان الجنرال هالدين القائد البريطاني العام في العراق ‪ ،‬والذي كتب بالتفصيل عن ثورة‬
‫العشرين قال مانصه ((من الواضح أن عقوال بارعة كانت تدير حركات الثوار‪،‬إنها عقول‬
‫تعرف جيدا استعمال البندقية وتعرف نقاط الضعف في جيوشنا)) ‪.‬‬
‫إمتد لهيب الثورة الى مدن وقصبات الفرات االوسط ففي المشخاب‪ ،‬مثال‪ ،‬استطاعت‬
‫القبائل طرد الحامية البريطانية منها ‪ ،‬واالمر ينطبق على سدة الهندية والمسيب وكربالء‬
‫والنجف االشرف‪ ،‬وادار وجوه تلك المناطق مدنهم في تلك المرحلة من ثورة العشرين‪.‬‬
‫معركة الرارنجية‪:‬‬
‫وفي ساحات الحرب حرر الثوار منطقة الكفل يوم الثاني والعشرين من تموز ‪ ،‬وفي اليوم‬
‫التالي اصبحت محطة القطار تحت سيطرة الثوار‪ .‬وأثار هذا التطور الحاكم السياسي‬
‫البريطاني في الحلة الميجر بولي ‪ ،‬فجهز قوة عسكرية كبيرة للهجوم على الكفل ‪،‬‬
‫وتوجه القائد البريطاني الى الرارنجية التي تبعد ثمانية اميال عن الكفل والتي اراد ان‬
‫يتخذها منطقة للتحشد واالستعداد للمعركة ‪ ،‬اال ان الثوار لم يتركوا الوقت لصالحه‬
‫فاستعملوا عنصر المباغتة وانقضوا على تلك القوات مساء يوم الرابع والعشرين من‬
‫تموز مما اربك القطعات البريطانية التي انسحبت انسحابا سريعا وغير منظم الى‬

‫‪82‬‬
‫مدينة الحلة ‪ .‬علما ان سالح الثوار كان بسيطا تمثل بالفالة والمكوار والخناجر وعدد‬
‫قليل من البنادق ‪ ،‬وهذا يؤكد ان االيمان بالقضية التي قاتل من اجلها الثوار كانت امضى‬
‫من سالح المستعمر المتطور‪ .‬وهكذا تكبد الرتل البريطاني عشرين قتيال وستين جريحا‬
‫و(‪ )318‬اسيرا فضال عما غنمه الثوار من رشاشات وكميات من االعتدة ‪ ،‬كما غنم الثوار‬
‫أيضا مدفعا متطورا اخذوه الى الكفل وكانت اصوات الثوار تصدح «الطوب احسن‬
‫لو مكواري»‪ ،‬أي انهم بالسالح البسيط استطاعوا ان يهزموا اهل المدفع المتطور ‪،‬‬
‫واستخدموا ذلك المدفع في تدمير وإغراق الباخرة (فاير فالين) التي جاءت الى الكوفة‬
‫لحماية القوات البريطانية المحاصرة هناك ‪.‬‬

‫معركة الرارنجية‬

‫اثارت تلك المعركة حماسة رجال العشائر اكثر من أي وقت مضى فشهدت تلك المدة‬
‫تزايد انضمام القبائل التي كانت مترددة قبل معركة الرارنجية ‪ ،‬فتحررت الكثير من مدن‬
‫الفرات االوسط مثل سوق الشيوخ وقلعة سكر والناصرية والسماوة ‪.‬‬
‫الثورة في ديالى‪:‬‬
‫إمتد لهيب الثورة الى مناطق العراق المختلفة ‪،‬ففضال عن جنوبي العراق شهدت مدن‬
‫ديالى وقصباتها مثل بعقوبة وديلتاوه(الخالص) ومندلي وشهربان(المقدادية) وخانقين‬
‫ثورة ضد البريطانيين‪ .‬فبتحريض من هيئة حزب حرس االستقالل ألهالي ديالى احتلت‬
‫عشائر العبيد بلدة بعقوبة وشهربان بعد ان قتلوا الحاكم البريطاني فيها ‪ ،‬وال يمكن‬
‫إغفال دور السيد محمد الصدر والشيخ سعيد النقشبندي والشيخ حبيب الخالصي‬
‫في تحريض اهالي ديالى على الثورة والمشاركة فيها‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫دور الشعب الكوردي في ثورة العشرين‪:‬‬
‫وفي كوردستان كان للشعب الكوردي دور في ثورة العشرين ففي كفري إنضم الفالحين‬
‫الى الثورة ومنعوا االمدادات العسكرية البريطانية من الوصول عبر السكك الحديد‪ ،‬وفي‬
‫كفري نفسها انزل الثوار العلم البريطاني واعلنوا وسط ابتهاج الناس انهاء الحكم‬
‫البريطاني وإقامة حكومة مؤقتة ‪.‬‬
‫وفي اربيل حاولت السلطات البريطانية عزل المدينة عن باقي مناطق العراق حتى‬
‫التنتفض هي االخرى ولكن قبل ان تأخذ الثورة طابعها المسلح عقد اهالي اربيل اكثر‬
‫من اجتماع عبروا فيه عن تاييدهم المطلق لمطالب قادة الثورة في بغداد ودعوا في‬
‫منشورات وزعوها الى مساندة الثورة وحمل السالح بوجه المحتلين ‪ ،‬وجرت في بداية‬
‫شهر آب محاولة الغتيال حاكم اربيل السياسي ‪،‬وحاولوا حرق داره االمر الذي دفعه‬
‫لتركه والعيش في الثكنة العسكرية ‪،‬ونجا مرة اخرى من هجوم نفذه الثوار في مضيق‬
‫راوندوز كاد ان يودي بحياته وحياة زوجته‪ ،‬واستطاع ثوار اربيل من قطع االتصاالت بين‬
‫مدينتهم وكويسنجق ‪ ،‬واعدوا خطة لطرد البريطانيين من اربيل وإقامة ادارة محلية في‬
‫المدينة ‪ ،‬وإزاء تلك التطورات اتخذت االدارة العسكرية البريطانية قرارا بتوجيه قوتين‬
‫عسكريتين من الموصل وأخرى من كركوك من اجل إعادة السيطرة على اربيل بعد ان‬
‫علمت السلطات البريطانية بوجود خطة لطردهم وإقامة حكم محلي‪ ،‬وتوترت االوضاع‬
‫في كويسنجق مما إضطر معاون الحاكم السياسي فيها الى ترك المدينة في الثامن‬
‫من أيلول‪ ،‬كما ان الثوار إستطاعوا قطع خطوط التلغراف بين اربيل وكويسنجق ولم‬
‫يستطع البريطانيون من إعادتها للعمل اال في اوائل تشرين االول‪ ،‬واالمر نفسه حدث‬
‫في خوشناو وباتاس وراوندوز وجرت معارك خسرت فيها القوات البريطانية (‪ )18‬مقاتالً‬
‫‪ ،‬وجرت معركة اخرى بالقرب من الزاب الكبير في ‪ 15‬أيلول قدم فيها الكورد عددا من‬
‫الشهداء والجرحى ‪،‬وشهدت عقرة في منطقة بادينان توترات وعدم استقرار ‪.‬‬

‫الثورة في غربي العراق‪:‬‬


‫وفي غربي العراق ‪ ،‬السيما لواء الدليم (محافظة االنبار حالياً )أسهم رجاالتها اسهاما ً‬
‫مهما في ثورة العشرين فقد قاد الشيخ ضاري المحمود( ‪1928-1868‬م) رئيس قبيلة‬
‫زوبع الثورة على المحتلين البريطانيين ‪،‬وكان لقاؤه مع لجمن (‪1920-1880‬م) حاكم‬
‫لواء الدليم في خان النقطة الواقعة بين بغداد والفلوجة‪ ،‬إذ طلب لجمن يوم‪ 12‬آب من‬

‫‪84‬‬
‫إذ كانت فتوى الشيخ الحائري توجب مساندة الحركة الوطنية‬
‫ولذلك امر يمليه الواجب الديني ‪ ،‬الزالة حكم غير إسالمي‬
‫وغريب عن البالد فوحد صفوف العراقيين ‪ ،‬وبروح إسالمية‬
‫عميقة اوصى الثوار بالمحافظة « على جميع الملل والنحل‬
‫في بالدكم في نفوسهم وأموالهم وإعراضهم وال تنالوا أحدا‬
‫منهم بسوء ابداً»‪ ،‬هذه هي مباديء الدين االسالمي الحنيف‬
‫الشيخ ضاري المحمود‬ ‫حتى تجاه المحتلين الغاصبين ‪ ،‬ويمكن إعتبارها وصية لنا‬
‫‪1928-1868‬م‬
‫جميعا ان نمتثل فيها للتعامل بين ابناء الوطن الواحد ‪.‬‬
‫ومن بين علماء الدين البارزين الذين كان لهم دور كبير في تلك الثورة هو الشيخ فتح‬
‫اهلل شيخ الشريعة والشيخ محمد مهدي الخالصي ونجله الشيخ محمد الخالصي‪،‬‬
‫وكان للثورة مكاتب في النجف االشرف وفي كربالء المقدسة ‪.‬‬
‫دور الصحافة في الثورة‪:‬‬
‫كان للصحافة أثناء الثورة اثر واضح في التعريف بتطوراتها وبث الحماسة بين الثوار‬
‫والروح الوطنية بين الناس‪ ،‬ففضال عن المنشورات فقد استخدمت اثناء الثورة الصحافة‬
‫كوسيلة مهمة لنشر اخبار الثورة وكانت هناك جريدة اسبوعية اسمها (الفرات)‬
‫لصاحبها الشيخ محمد باقر الشبيبي نشرت آراء رجال السياسة وشيوخ العشائر‬
‫وفتاوى علماء الدين ‪،‬وغطت اخبار الحركات الحربية في جبهات القتال وكان لها دور في‬
‫توحيد الصفوف ضد المحتل ‪.‬‬
‫كما صدرت جريدة (االستقالل) النجفية لصاحبها محمد عبدالحسين المحامي‬
‫والتي نشرت مبادىء الثورة واهدافها ومطالب العراقيين في التحرر واالستقالل وكان‬
‫من ابرز شعاراتها (الحياة بدون إستقالل)‪ ،‬وفي بغداد صدرت جريدة بنفس االسم‬
‫(االستقالل) لصاحبها عبدالغفور البدري‪ ،‬اسهمت في الدعوة الستقالل العراق ودعت‬
‫الى التآخي والتكاتف بين أبناء الشعب العراقي وحذرت من دسائس االجنبي في تفريق‬
‫ابناء الشعب ‪ ،‬وكتب بها عدد من كبار رجاالت الثورة ومثقفي بغداد والمدن االخرى ‪.‬‬
‫دور الشعراء في الثورة‪:‬‬
‫أدى الشعراء دورا مهما في تأجيج مشاعر المواطنين وروحهم الوثابة للتخلص من‬
‫االحتالل االجنبي فالشاعر العراقي الكبير محمد مهدي البصير (‪1974-1895‬م) انشد‬
‫‪86‬‬
‫تقف وراءها الحكومة البريطانية بكل ماتمتلك من امكانيات اقتصادية ومعدات وذخائر‪.‬‬
‫‪.3‬ان ندرة االسلحة واالعتدة كان من اهم المشاكل التي واجهت الثوار فقد كان جل‬
‫اسلحة الثوار من البنادق القديمة وكان أغلبية الثوار التحمل سوى السالح االبيض‬
‫(السيوف والخناجر والفالة والمكوار)‪ ،‬وهذا كله اثر بشكل مباشر على قدرات الثوار‬
‫في مواصلة هجماتهم ضد القوات البريطانية ‪.‬‬
‫‪ .4‬استمرار وصول التعزيزات العسكرية للقوات البريطانية ‪.‬‬
‫‪.5‬صعوبة التنسيق بين مراكز الثورة وقياداتها وعدم توفر وسائل االتصال والنقل بين‬
‫المناطق المتباعدة ‪.‬‬
‫‪.6‬إن استخدام القوات البريطانية للقوة الجوية بشكل واسع كان عامال مضافا ‪ ،‬فلم‬
‫تكتف تلك الطائرات بقصف مواقع الثوار بل دمرت مزارعهم ومحاصيلهم وبيوتهم‬
‫مثلما ألقت الرعب في صفوف المقاتلين وعوائلهم ‪.‬‬
‫‪ .7‬إعادة برسي كوكس مندوبا ساميا على العراق إضافة للوعود البريطانية باستبدال‬
‫سياسة حكمهم ‪ ،‬حيث وعد بيرسي كوكس بانشاء حكومة اهلية تحت اشرافه ‪،‬‬
‫إضافة ألسلوب الترهيب والترغيب ‪ ،‬كل ذلك ساهم في إطفاء روح الثورة ‪.‬‬
‫نتائج ثورة العشرين‪:‬‬
‫‪.1‬أثبت الشعب العراقي لصانعي السياسة البريطانية بأنه اليمكن السيطرة على‬
‫العراق بشكل مباشر على الرغم من عدم التوازن في القوة العسكرية بين الطرفين‪.‬‬
‫‪.2‬تعد ثورة العشرين واحدة من أبرز عوامل تأسيس الدولة العراقية الحديثة ‪ ،‬إذ اجبرت‬
‫بريطانيا على تغيير سياستها والموافقة على تأسيس الحكومة العراقية المؤقتة‬
‫والتي تشكلت في تشرين االول ‪1920‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬أفرزت ثورة العشرين اهمية التالحم بين ابناء الشعب الواحد لمقارعة المحتلين ‪،‬‬
‫ولهذا يمكن عدها ثورة شعبية شملت كل انحاء العراق ‪.‬‬
‫‪.4‬ومن خالل ثورة ‪1920‬م توحد أبناء الشعب العراقي بقومياته وأديانه ومذاهبه ‪ ،‬وتحولت‬
‫الصراعات القبلية الى مقاتلة العدو المشترك ‪ ،‬فتجمعوا تحت راية الوطن وحبه ‪.‬‬
‫‪.5‬اثبتت ساحات الحرب ان الشعب العراقي له إرادة قوية في مقارعة قوات االحتالل‬
‫وكبدوه خسائر كبيرة ‪.‬‬
‫‪ .6‬اصبحت ثورة العشرين نبراسا للثورات الوطنية والقومية في البالد العربية‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫اسئلة الفصل الثالث‬
‫س‪ /1‬عرف مايأتي ‪:‬‬
‫‪ -2‬سياسة االندفاع نحو الشرق‪.‬‬ ‫‪ -1‬فرنسيس رودن جسني‪.‬‬
‫‪ -4‬مؤتمر سان ريمو‪.‬‬ ‫‪ -3‬السيد محمد سعيد الحبوبي‪.‬‬
‫‪ 30 -7‬حزيران ‪1920‬م‪.‬‬ ‫‪ -6‬معركة الرارنجية‪.‬‬ ‫‪ -5‬جمعية حرس االستقالل‪.‬‬
‫س‪ /2‬ما العوامل التي عملت على تقويض حكم داود باشا في العراق ؟‬
‫س‪ /3‬هناك عوامل دفعت بريطانيا ألحتالل العراق خالل الحرب العالمية االولى ‪ .‬عددها ؟‬
‫س‪ /4‬تقدمت بريطانيا الى عصبة االمم بالئحة االنتداب على العراق ‪ .‬ما اهم بنود هذه الالئحة ؟‬
‫س‪ /5‬هناك اسباب ادت الى اجهاض انتفاضة الشيخ محمود الحفيد ؟ عددها ؟ مبيناً‬
‫نتائج هذة االنتفاضة ؟‬
‫س‪ /6‬عدد العوامل الداخلية التي ادت الى قيام ثورة العشرين في العراق ‪ ،‬مبيناً دور علماء‬
‫الدين في قيام هذه الثورة ؟‬
‫س‪ /7‬لقد جسدت ثورة العشرين في العراق ‪ ،‬التالحم الشعبي ‪ .‬من هم ابرز رجاالت الثورة‬
‫الذين جسدوا هذا التالحم ؟ ناقش ذلك باالدلة؟‬

‫النشاط‬
‫‪ -‬اجـمع صــوراً البرز رجــال ثــورة العشرين في العــراق وعلــقها في جدارية ‪ .‬مع‬
‫كتابة بحث موجز عنهم ‪.‬‬
‫‪ -‬يشـارك الـطلبة فـي حلقة نـقاشية باشـراف المدرسة ‪ /‬المــدرس لمـــناقشة‬
‫نتائج ثورة العشرين في العراق وأثرها على مجمل الحركة الوطنية فيه ‪.‬‬
‫‪ -‬يشــارك الطلبة في رســم جدارية تمــثل خريـطة العراق مؤشراً عليها المدن‬
‫الكبيرة على نهري دجلة والفرات ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫العراق بين عامي ‪1939-1921‬م‬

‫أوالً ‪ -‬تنصيب االمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق‪:‬‬


‫كانت النتيجة المباشرة لثورة العشرين البحث عن عاهل لتولي العرش العراقي‪ ،‬وقد‬
‫قوبلت فكرة اختيار األمير فيصل بن الشريف حسين بالتأييد والمؤازرة في العراق‪ ،‬ألنه حارب‬
‫مع الضباط العراقيين في الثورة العربية عام‪1916‬م ورأس الحكومة العربية في دمشق‬
‫التي كان العراقيون العمود الفقري لها‪ .‬وانتدب اللورد كيرزن‪ ،‬وزير الخارجية البريطاني في‬
‫(‪ 17‬كانون األول ‪1920‬م) كينهان كورنواليس لزيارة األمير فيصل الموجود آنذاك في‬
‫لندن لعرض العرش العراقي عليه‪ ،‬وقد تكللت هذه المفاوضات بالنجاح بعد ان اشترط‬
‫األمير ان تعترف بريطانيا باستقالل المملكة العراقية‪ ،‬وتتعهد بإلغاء االنتداب ومساعدة‬
‫العراقيين في تأسيس حكومة وطنية وطيدة‪ .‬وقد صادق مؤتمر القاهرة الذي عقد في‬
‫(‪ 12‬آذار ‪1921‬م) على ترشيح فيصل‪ ،‬ورسم الخطة التي تتبع تنصيبه للعرش‪.‬‬

‫االمير فيصل بن الحسين (‪1933-1921‬م)‬

‫‪90‬‬
‫قـوبل ترشيح االميــر فيصل للعـرش العراقي باالرتـياح ‪ ،‬لمعرفتـهم المسبقة به ‪،‬‬
‫وقد وصل إلى البصرة في (‪ 23‬حزيران) واستقبل في مدن العراق المختلفة بالترحيب من‬
‫الوجهاء وممثلي المناطق والعشائر‪ .‬وقرر مجلس الوزراء في (‪ 11‬تموز) المناداة باألمير‬
‫فيصل ملكاً على العراق‪ ،‬ثم أجري استفتاء عام لمعرفة رأي الشعب فحصل فيصل على‬
‫‪ %96‬من األصوات‪ ،‬وجرى احتفال رسمي كبير لتتويجه في يوم (‪ 23‬آب ‪1921‬م)‪.‬‬

‫حفل تتويج االمير فيصل ملكاً على العراق‬


‫(‪1933-1883‬م)‬

‫واجه الملك فيصل بعد تتويجه مهام عديدة منها‪:‬‬


‫‪ -1‬تخليص العراق من االنتداب البريطاني‪ ،‬وإقنـاع البريطانيـين بالتخلي عن الحكم‬
‫وتسليمه إلى الوطنيين تدريجياً‪.‬‬
‫‪ -2‬الحفاظ على والية الموصل جزءاً من العراق‪ ،‬والتي كانت تركيا تطالب بها‪.‬‬
‫‪ -3‬إنشاء حكومة عصرية بكامل تشكيالتها وإدارتها ووضع دستور حديث لها‪.‬‬
‫‪ -4‬إنقاذ البالد من الجهل والمرض والخراب‪ ،‬والعمل على توطيد الوحدة الوطنية‪ ،‬ومحاربة‬
‫الجمود والتعصب الذي يقاوم كل إصالح وتجديد‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫سام‪.‬‬ ‫مندوب‬
‫ٍ‬ ‫والمساعدة دون ان يمس ذلك سيادتها الوطنية‪ ،‬ويمثل بريطانيا في العراق‬
‫ٍ‬
‫المادة الثانية‪ :‬يتعهد العراق بعدم تعيين أي موظف غير عراقي (بإرادة ملكية) دون‬
‫موافقة ملك بريطانيا‪.‬‬
‫المادة الثالثة‪ :‬يتعهد ملك العراق بإصدار قانون أساسي (دستور) يعرض على المجلس‬
‫التأسيسي شرط ان ال يحتوي ما يخالف نصوص المعاهدة‪ ،‬ويأخذ بعين االعتبار حقوق‬
‫ورغبات ومصالح وحريات جميع السكان‪.‬‬
‫المادة الرابعة‪ :‬يوافق ملك العراق على المشورة البريطانية التي يتقدم بها المعتمد‬
‫السامي في جميع الشؤون المهمة التي تمس مصالح وتعهدات بريطانيا الدولية‬
‫والمالية‪.‬‬
‫المادة الخامسة‪ :‬لجاللة ملك العراق حق التمثيل السياسي في لندن وغيرها من‬
‫العواصم واالماكن االخرى مما يتم االتفاق عليه بين الفريقين المتعاقدين ‪ ،‬في االماكن‬
‫التي ال ممثل فيها لجاللة ملك العراق‪ ،‬يوافق جاللته على ان يعهد الى جاللة ملك‬
‫بريطانيا بحماية الرعايا العراقيين فيها‪ ،‬وجاللة ملك العراق هو الذي يصدر التصديق‬
‫على اوراق اعتماد ممثلي الدول االجنبية في العراق‪ ،‬بعد موافقة جاللة ملك بريطانيا‬
‫على تعيينهم‪.‬‬
‫المادة السادسة‪ :‬تعهد بريطانيا بإدخال العراق في عضوية عصبة األمم في أقرب وقت ممكن‪.‬‬
‫المادة السابعة‪ :‬تقدم بريطانيا للعراق األسلحة واالعتدة والمساعدة العسكرية التي‬
‫ستوضح شروطها باتفاقية منفردة‪.‬‬
‫المادة الثامنة‪ :‬تعتبر المعاهدة نافذة حال تصديقها من قبل الطرفين بعد قبولها من‬
‫المجلس التأسيسي‪ ،‬ويظل معموالً بها لمدة عشرين سنة‪.‬‬
‫والحق بالمعاهدة بروتوكول في نيسان ‪1923‬م حدد مدة المعاهدة بأربع سنوات على أن‬
‫يدخل الطرفان في المفاوضات قبل انتهاء المدة المذكورة‪.‬‬
‫وقد وافق مجلس الوزراء على المعاهدة في (‪ 25‬حزيران ‪1922‬م) بشرط وجوب تصديق‬
‫المجلس التأسيسي عليها‪ .‬وقد حدثت معارضة شعبية واسعة نددت بتصديق المعاهدة‬
‫وارتكزت المعارضة على األمور اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬ان المعاهدة بنصوصها ومالحقها صورة لصك االنتداب الذي عده الشعب العراقي‬
‫مرادفاً لألستعمار والسيطرة وقدم الكثير من التضحيات للتخلص منه‪ ،‬وكان االنتداب‬

‫‪93‬‬
‫سبباً من أسباب ثورة العشرين‪.‬‬
‫‪ -2‬أصبحت إمكانيات العراق العسكرية واالقتصادية في خدمة المصالح البريطانية‪،‬‬
‫فقد خولت المعاهدة بريطانيا إبقاء قواتها في العراق‪ ،‬وأعطتها حق تفتيش الجيش‬
‫العراقي وتحركاته‪ ،‬وخولتها حق تملك ما تحتاج إليه من األراضي مجاناً لألغراض‬
‫العسكرية‪.‬‬
‫‪ -3‬قيدت المعاهدة العراق ومنعته من التعاون مع البلدان العربية في األمور السياسية‬
‫واالقتصادية عدا األمور الكمركية‪.‬‬
‫‪ -4‬قيدت المعاهدة سلطات الملك فيصل بحيث ال يستطيع تعيين أي عربي أو أجنبي‬
‫بإرادة ملكية دون موافقة بريطانيا‪ ،‬كما ال يستطيع ملك العراق إقامة عالقات دبلوماسية‬
‫مع أية دولة دون موافقة بريطانيا‪.‬‬
‫اال ان المعارضة طالبت بتحقيق استقالل العراق الناجز وإلغاء االنتداب‪ ،‬ورفع بعض قادة‬
‫الحركة الوطنية مذكرة إلى الملك طلبوا فيها‪:‬‬
‫‪ -1‬رفض االنتداب رفضاً باتاً‪ ،‬واعتراف حكومة بريطانيا بألغائه رسمياً‪.‬‬
‫‪ -2‬إسقاط الوزارة التي تصدق معاهدة غير مرضية بنظر األمة‪ ،‬وتعيين وزارة تطمئن األمة‬
‫ألعمالها‪.‬‬
‫‪ -3‬طرد المستشارين البريطانيين‪.‬‬
‫‪ -4‬إطالق حرية الصحافة‪.‬‬
‫وأدى الحزبان السياسيان اللذان شكال عام ‪1922‬م وهما (الحزب الوطني وحزب‬
‫النهضة) دوراً مهماً في دعم المعارضة ومقاومة المعاهدة واالنتداب‪ ،‬وقدما مذكرة إلى‬
‫الملك طالباً فيها‪:‬‬
‫‪ -1‬الكف عن التدخل البريطاني في األمور الداخلية‪.‬‬
‫‪ -2‬تأليف وزارة من األكفاء المخلصين تطمئن األمة إليهم‪ ،‬وتستطيع تهدئة الخواطر‬
‫وإزالة االضطراب في البالد‪.‬‬
‫‪ -3‬اال تعقد معاهدة وال تجري أية مفاوضة فيها قبل تأليف المجلس التأسيسي الذي‬
‫ينتخب أعضاؤه بحرية كاملة‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫وقد أثارت هذه المطالبة المندوب السامي البريطاني الذي أمر بإغالق حزبي الوطني‬
‫والنهضة‪ ،‬وتعطيل جريدتيهما (الرافدين والمفيد) واعتقال زعماء الحركة الوطنية منهم‬
‫جعفر ابو التمن وامين الجرجفجي ونفيهم خارج العراق‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬المجلس التأسيسي والدستور العراقي‪:‬‬
‫‪ -1‬المجلس التأسيسي العراقي‪:‬‬
‫نشأت فكرة المجلس التأسيسي العراقي عندما أعلن االنتداب البريطاني على العراق‬
‫في ‪ 25‬نيسان ‪1920‬م‪ ،‬ففي خضم االحتجاجات الجماهيرية على االنتداب أقيم في اليوم‬
‫التالي تجمع كبير في جامع الحيدر خانة ببغداد أختير منه خمسة عشر مندوباً عن‬
‫أهالي بغداد والكاظمية لمقابلة وكيل الحاكم المدني البريطاني العام ارنولد ويلسون‬
‫والمطالبة باإلسراع في عقد مؤتمر عراقي عام منتخب ليقرر مصير الحكم وشكله‬
‫في البالد ونوع عالقاتها مع الدول األخرى‪ .‬وقد عرض المندوبون الخمسة عشر هذا‬
‫المطلب مع مطالب أخرى تتعلق بإطالق الحريات وإلغاء األحكام العرفية إلى وكيل‬
‫الحاكم المدني العام الذي وعد بإحالة المطالب إلى الحكومة البريطانية‪ .‬في الوقت‬
‫نفسه تحركت الجماهير في بقية أنحاء العراق لعرض المطالب ذاتها أمام المسؤولين‬
‫البريطانيين في مناطقهم‪.‬‬

‫المجلس التأسيسي العراقي‬

‫ماطلت الحكومة البريطانية في عقد المؤتمر وانتخابه والذي أطلق عليه رسمياً اسم‬
‫(المجلس التأسيسي العراقي)‪ .‬فقد تم تأجيله لحين تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة‬
‫‪95‬‬
‫وتتويج األمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق وتوقيع المعاهدة العراقية‪-‬البريطانية‬
‫لعام ‪1922‬م‪ .‬وعندما شعرت الحركة الوطنية ان الحكومة البريطانية ستسعى للمجيء‬
‫بعناصر تؤيد تصديق المعاهدة من المجلس‪ ،‬قاطعت انتخابات المجلس التي أعلن عن‬
‫البدء بها يوم ‪ 24‬تشرين األول‪1922‬م‪ .‬أي بعد توقيع المعاهدة من الحكومة العراقية‬
‫والملك فيصل األول الذي كان قد رفض توقيعها‪ ،‬لكنه اضطر إلى ذلك للحفاظ على‬
‫وحدة العراق وكيانه السياسي الذي هدد البريطانيون بانهائهما ومع ذلك اشترط عدم‬
‫تدخل البريطانيين في االنتخابات‪.‬‬
‫كانت مقاطعة االنتخابات شاملة‪ ،‬وقد توقفت في جميع أنحاء العراق‪ ،‬مما اضطر‬
‫الحكومة البريطانية إلى إعفاء المندوب السامي البريطاني برسي كوكس وتعيين هنري‬
‫دوبس محله‪ .‬وقد صاحب ذلك إعادة المبعدين السياسيين إلى العراق‪ ،‬والسماح لحزبي‬
‫الوطني والنهضة باستئناف نشاطهما‪ .‬وفي ‪ 30‬نيسان ‪1923‬م وقعت وزارة عبد المحسن‬
‫السعدون االولى بروتوكوالً مع بريطانيا يقضي بإنهاء المعاهدة حال دخول العراق عضواً‬
‫في عصبة األمم وان ال يتجاوز ذلك أربع سنوات من بدء تنفيذ معاهدة الصلح مع تركيا‬
‫وكان هذا يعني تقليص مدة المعاهدة من عشرين سنة إلى أربع سنوات‪ .‬ثم قام الملك‬
‫فيصل األول بجولة في أنحاء العراق إلطالع السياسيين والوجهاء على هذه اإلجراءات‬
‫وحثهم على المشاركة في االنتخابات‪.‬‬
‫في مايس ‪1923‬م صدرت األوامر بأجراء االنتخابات مجدداً‪ .‬فأجريت هذه المرة دون أية‬
‫عقبات سوى بعض الفتاوى الدينية التي أصدرها علماء الدين في العراق والتي تدعو إلى‬
‫االستمرار بالمقاطعة‪ ،‬فقامت وزارة عبد المحسن السعدون بنفيهم خارج العراق‪ ،‬وكان‬
‫إلبعادهم األثر في إنجاز انتخابات المجلس التأسيسي‪.‬‬
‫ويعد افتتاحه من األحداث‬
‫ّ‬ ‫افتتح الملك فيصل المجلس التأسيسي في (‪ 27‬آذار ‪1924‬م)‪،‬‬
‫المهمة في تاريخ العراق السياسي المعاصر‪ ،‬ألنه أول مجلس منتخب يجتمع في بغداد‪،‬‬
‫وأول خطوة نحو الحياة الديمقراطية‪ .‬وقد حدد الملك مهام المجلس بثالث نقاط هي‪:‬‬
‫‪ -1‬البت في المعاهدة العراقية – البريطانية لتثبيت سياسة الحكومة الخارجية‪.‬‬
‫‪ -2‬سن القانون األساسي (الدستور) لتأمين حقوق األفراد والجماعات‪ ،‬وتثبيت سياسة‬
‫الدولة الداخلية‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫‪ -3‬سن قانون انتخاب المجلس النيابي الذي يجتمع لينوب عن الشعب ويراقب سياسة‬
‫الحكومة وأعمالها‪.‬‬
‫ويالحظ في هذا التحديد لمهام المجلس وتقديم النظر في المعاهدة على سن‬
‫الدستور‪ ،‬هو أمر جدير بالوقوف عنده‪ ،‬ألن األصول الدستورية تقتضي أن يكون البت في‬
‫الدستور‪ ،‬مقدماً على سواه‪ .‬فمهمة المجالس التأسيسية هي سن الدستور أوالً ثم‬
‫تشريع قانون انتخاب النواب بعد ذلك‪ .‬أما التصديق على المعاهدات الدولية فهو من‬
‫مهام المجالس النيابية‪ ،‬ولكن الظروف السياسية اقتضت في وقتها أن يكون الدستور‬
‫مؤسساً على مواد المعاهدة ال المعاهدة مؤسسة على مواد الدستور‪ ،‬أي بعبارة أخرى‬
‫أن تكون المعاهدة أصالً والدستور فرعاً تابعاً لها وخاضعاً ألحكامها حتى يتخذ من هذا‬
‫التقديم وسيلة للضغط على أعضاء المجلس التأسيسي‪ ،‬الذين أدركوا ان ال دستور‬
‫بدون معاهدة‪.‬‬
‫بدأ المجلس التأسيسي أعماله بتأليف لجنة لتدقيق المعاهدة من (‪ )15‬عضواً‪،‬‬
‫فقامت اللجنة بأجراء المشاورات واالتصاالت مع الوزراء والحقوقيين والماليين وتداولت‬
‫مع المعتمد السامي ومستشاريه‪ ،‬ثم وضعت تقريرها في (‪ )65‬صفحة‪ .‬وقد وصف‬
‫هذا التقرير بأنه وثيقة تاريخية مهمة‪ ،‬فهو يوضح رأي الوطنيين ورأي بريطانيا في بنود‬
‫المعاهدة واالتفاقيات الملحقة بها‪ ،‬فهو وثيقة تفسيرية للمعاهدة ومالحقها يتضح‬
‫فيها الرأيان المتعارضان حولها‪.‬‬
‫جرت مناقشات حامية للمعاهدة‪ ،‬وظهرت آراء متعددة غلب عليها رأي المعارضة‪،‬‬
‫الذي يدعو إلى تعديل المعاهدة قبل إبرامها‪ ،‬أو إرجاع المعاهدة إلى الحكومة ألجراء‬
‫مفاوضات لتعديلها‪.‬‬
‫إزاء ازدياد المعارضة للمعاهدة‪ ،‬داخل المجلس وخارجه‪ ،‬بعث المعتمد السامي إنذاراً‬
‫إلى المــلك أوضح فيه ان موعد الجلسة المقبلة لمجلس العصبة هو (‪ 12‬حزيران)‪ ،‬وان‬
‫رمزي ماكدونالد‪ ،‬رئيس الوزراء الـبريطاني‪ ،‬قد تعهد بتـقديم المعاهدة إلى الـمجلس‬
‫المذكور قبل ذلك التـاريخ‪ .‬فإذا لم يصادق المجلس التأسيسي على المـعاهدة قبل‬
‫الموعد فأن بريطانيا مضطرة إلى إجراء ترتيبات أخرى يعامل العراق بموجبها‪ .‬كما اجتمع‬

‫‪97‬‬
‫المندوب السامي مع أعضاء المجلس التأسيسي في (‪ 31‬آيار) وبين لهم وجهة النظر‬
‫البريطانية‪ ،‬وهي رفض الموافقة على أية تعديالت في المعاهدة والبرتوكوالت المتفرعة‬
‫منها‪ ،‬وعلى المجلس أما ان يقبل المعاهدة أو أن يرفضها برمتها‪.‬‬
‫لم يجر تصديق المعاهدة في الموعد الذي حددته الحكومة‪ ،‬كما طلب المندوب‬
‫السامي‪ ،‬ففي جلسة صباح يوم (‪ 10‬حزيران) حدث صخب كثير بحيث قطع رئيس الوزراء‬
‫األمل في الحصول على مصادقة المجلس‪ .‬فاقترح (موافقة الملك الذي اتصل به هاتفياً)‬
‫تأجيل الجلسة إلى اليوم التالي‪ ،‬لكن المندوب السامي أصر على دعوة المجلس ثانية‬
‫بعد الظهر‪ .‬وسلم المندوب السامي مذكرة إلى الملك أوضح فيها أن بريطانيا ال تسمح‬
‫باستمرار الوضـع الراهن‪ ،‬بحجة ان ذلك يمثل خطراً على سالمة العراق في الداخل‬
‫والخارج‪ .‬وطلب من الملك إصدار تعديل لقانون المجلس التأسيسي يخوله الحق في‬
‫حل المجلس في أي وقت يشاء خالل أربعة أشهر من ابتدائه بعقد جلساته‪ ،‬على أن‬
‫يحل اعتباراً من السـاعة الثانية عشر من ليلة (‪ 11-10‬حزيران) وان تعطى التعليمات لوزير‬
‫الداخلية إغالق بناية المجلس في الحال‪ ،‬ووضع عدد من أفراد الشرطة في الطرق المؤدية إليه‪.‬‬
‫ونتيجة لموقف المندوب السامي استطاع رئيس الوزراء جعفر العسكري في الساعة‬
‫العاشرة والنصف مساءً من جمع ثمانية وستين عضواً‪ ،‬وشرح لهم الظروف التي دعت‬
‫إلى عقد الجلسة الخاصة‪ .‬وجرى بعد ذلك التصويت على المعاهدة قبل الساعة‬
‫الثانية عشر فصوت إلى جانبها (‪ )37‬عضواً من عدد الحاضرين البالغ (‪ )69‬عضواً بعد‬
‫أن حضر أحد األعضاء متأخراً‪ .‬وعارضها (‪ )24‬وامتنع (‪ )8‬أعضاء عن التصويت‪ .‬علماً إن‬
‫الذين صوتوا إلى جانبها اشترطوا بقاء والية الموصل جزءاً من العراق وإال تعد المصادقة‬
‫على المعاهدة ملغاة‪ .‬ولو علمنا ان أعضاء المجلس التأسيسي كانوا مائة عضوً فإن‬
‫هذا يعني ان األقلية هي التي وقعت على المعاهدة‪ ،‬وان هذه األقلية وضعت شروطاً‬
‫لموافقتها‪.‬‬
‫‪ -2‬القانون األساسي العراقي (الدستور)‪:‬‬
‫تعهدت الحكومة البريطانيه في المادة األولى من الئحة االنتداب بأن تضع في مدة ال‬
‫تتجاوز ثالث سنوات من تاريخ تنفيذ االنتداب قانوناً أساسياً للعراق يعرض على مجلس‬
‫العصبة للمصادقة‪ ،‬على ان يضمن هذا القانون الحقوق األساسية لألهالي الساكنين‬
‫في البالد‪ ،‬ويسن بمشورة الحكومة العراقية‪ .‬وعند مبايعة الحكومة المؤقتة برئاسة‬
‫عبد الرحمن النقيب لفيصل ملكاً على العراق اشترطت ان تكون حكومته ((دستورية‬

‫‪98‬‬
‫نيابية ديمقراطية مقيدة بالقانون))‪ .‬وتضمنت المادة الثالثة من معاهدة ‪1922‬م أسس‬
‫الدستور العراقي‪ ،‬عندما نصت على موافقة ملك العراق على تنظيم قانون أساسي‬
‫يعرض على المجلس التأسيسي شرط ان ال يحتوي على ما يخالف نصوص المعاهدة‪،‬‬
‫يعين األصول الدستورية للدولة العراقية سواء أكانت تشريعية أم تنفيذية‪.‬‬
‫وضعت صيغة القانون األساسي من لدن لجنتين عراقية وبريطانية‪ ،‬وأحيلت الئحته‬
‫على المجلس التأسيسي واستمرت مناقشتها حوالي الشهر (‪ 14‬حزيران‪ 10-‬تموز‬
‫‪1924‬م)‪ .‬وقد ضم القانون األساسي (‪ )123‬مادة موزعة على عشرة أبواب‪ ،‬تناولت (حقوق‬
‫الشعب‪ ،‬والملك وحقوقه‪ ،‬والسلطة التشريعية‪ ،‬والوزارة‪ ،‬والسلطة القضائية‪ ،‬واألمور‬
‫المالية‪ ،‬وإدارة األلوية (المحافظات)‪ .‬وجاء في مقدمته ان العراق (دولة ذات سيادة‬
‫مستقلة حرة‪ ،‬ملكها ال يتجزأ وال يتنازل عن شيء منه‪ ،‬وحكومته ملكية وراثية وشكلها‬
‫نيابي‪ ،‬وبغداد عاصمة العراق ويجوز اتخاذ غيرها عاصمة بقانون)‪.‬‬
‫بعد مصادقة المجلس التأسيسي على الئحة القانون األساسي‪ ،‬قامت الحكومة‬
‫بنشره في آذار ‪1925‬م‪ ،‬وظل نافذاً ومعموالً به حتى قيام ثورة ‪ 14‬تموز ‪1958‬م وإلغاء‬
‫الملكية وإعالن الجمهورية‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬تأسيس األحزاب السياسية‪:‬‬
‫أدى العراقيون دوراً كبيراً في الجمعيات السرية والعلنية التي ظهرت في الواليات‬
‫العربية لمقاومة االستبداد العثماني وللحصول على االستقالل والوحدة العربية‪ .‬وبعد‬
‫االحتالل البريطاني للعراق استأنفت الجمعيات السرية نشاطها مستفيدة من استياء‬
‫الرأي العام ومقاومته لسلطات االحتالل وإجراءاتها القمعية‪.‬‬
‫بعد تشكل الحكومة العراقية المؤقتة اواخر سنة ‪1920‬م برئاسة عبد الرحمن النقيب‬
‫(الكيالني) شعر الوطنيون بضرورة تنظيم الصفوف وتأليف األحزاب السياسية لتحقيق‬
‫استقالل العراق الناجز‪ .‬وازدادت المطالبة بتأليف األحزاب بعد تتويج الملك فيصل األول‪.‬‬
‫وكان فيصل نفسه يدرك ضرورة وجود معارضة وطنية ليستطيع ان يضغط على بريطانيا‬
‫ليحصل منها على االستجابة للمطالب الوطنية‪ .‬فاستجابت الحكومة وأصدرت قانون‬
‫الجمعيات العراقي في (‪ 2‬تموز ‪1922‬م) الذي سمح بتأسيس األحزاب السياسية‪ .‬التي‬
‫يمكن تقسيمها إلى ثالث مجموعات هي‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ -1‬األحزاب السياسية التي أجيزت قبل بدء الحياة النيابية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الحزب الوطني العراقي‪:‬‬
‫قدم جعفر أبو التمن (‪1945-1881‬م)‪ ،‬وهو شخصية وطنية اسهمت في الحركة‬
‫الوطنية لمقاومة االحتالل البريطاني‪ ،‬طلباً إلى وزارة الداخلية لتأسيس حزب سياسي‬
‫باسم (الحزب الوطني العراقي) فأجازته وزارة الداخلية في (‪ 2‬آب ‪1922‬م)‪.‬‬
‫تضمن منهاج الحزب أن غايته هي المحافظة على استقالل العراق بحدوده الطبيعية‪،‬‬
‫ومؤازرة حكومته الملكية الدستورية النيابية‪ ،‬والدفاع عن كيان األمة العراقية‪ ،‬وتنشيط‬
‫الفكرة الوطنية للوحدة العراقية‪ ،‬وردع كل من يريد ان يوقع الشقاق والتفريق بدعوى‬
‫الدين والجنس‪ .‬وسعي الحزب إلى نهضة البالد وتنشيط الزراعة وتوزيع األراضي على‬
‫الفالحين‪ ،‬وتحسين أحوال العمال وتأسيس الجمعيات والنقابات لهم‪ ،‬وتكوين جيش‬
‫وطني عراقي واألخذ بفكرة التجنيد اإلجباري‪.‬‬
‫لم يستمر الحزب في العمل طويالً فقد حل ونفي زعيمه جعفر أبو التمن إلى جزيرة‬
‫هنجام بعد مظاهرة (‪ 23‬آب ‪1922‬م) المنددة باالنتداب‪ .‬ولكن الحزب عاد إلى ممارسة‬
‫العمل السياسي في عام ‪1928‬م فقوبلت عودته بالترحيب من قبل األوساط الوطنية‪.‬‬
‫وأصدر الحزب أول جريدة ناطقة باسمه هي (صدى االستقالل) وبعد تعطيلها أصدر‬
‫جريدة جديدة هي (صدى الوطن)‪ .‬واستمر الحزب في نشاطه حتى أوائل عهد االستقالل‪.‬‬
‫ب‪ -‬جمعية النهضة العراقية‪:‬‬
‫في الوقت نفسه تقدم أمين الجرجفچي‪ ،‬وهو من أهالي الكاظمية وتجارها‪ ،‬طلباً إلى‬
‫وزارة الداخلية لتأسيس جمعية سياسية أدبية باسم (النهضة العراقية) فأجيزت‬
‫في (‪ 19‬آب ‪1922‬م) وانتخب الجرجفچي معتمداً عاماً لها‪.‬‬
‫تضمن منهاج الجمعية الدعوة إلى االستقالل العام‪ ،‬وإقامة حكومة ملكية دستورية‬
‫ديمقراطية‪ ،‬وتنشيط الفكرة الوطنية للوحدة العراقية‪ ،‬والمساواة بين العراقيين جميعاً‪،‬‬

‫‪100‬‬
‫واتخاذ الوسائل لتعميم المعارف في العراق‪ ،‬وتوسيع نطاق تجارته وزراعته‪ ،‬وإنماء ثروته‪،‬‬
‫وتحسين الصالت بين العراق ودول العالم بما يعود نفعه على العراق‪ .‬ولكن الجمعية‬
‫سرعان ما حلت الشتراكها في مظاهرة (‪ 23‬آب ‪1922‬م) مع الحزب الوطني العراقي‪،‬‬
‫ونفي زعيمها أمين الجرجفچي إلى جزيرة هنجام‪.‬‬
‫عادت الجمعية إلى ممارسة نشاطها في أواخر عام ‪1924‬م وفتحت فروعاً لها في‬
‫البصرة والسماوة وكربالء والهندية والحلة‪ ،‬واشتركت في أول انتخابات نيابية لكنها‬
‫فشلت في الفوز في تلك االنتخابات‪ .‬وحاولت الجمعية تنشيط عملها السياسي في‬
‫عام ‪1927‬م‪ ،‬وأصدرت جريدة ناطقة باسمها هي (النهضة) ولكن نشاطها بدأ باالنحسار‬
‫بعد ذلك ولم تستطع منافسة األحزاب البرلمانية‪.‬‬
‫ج‪ -‬الحزب الحر العراقي‪:‬‬
‫بعد إغالق الحزب الوطني العراقي وجمعية النهضة في (‪ 23‬آب ‪1922‬م) من قبل‬
‫المندوب السامي‪ ،‬أوعز األخير إلى محمود النقيب أكبر أنجال عبد الرحمن النقيب‬
‫(‪1927-1841‬م)‪ ،‬أول رئيس للوزارة العراقية‪ ،‬بتأليف حزب معتدل لتأييد عقد المعاهدة‬
‫العراقية ‪ -‬البريطانية لعام ‪1922‬م‪ .‬وأجيز الحزب في (‪ 3‬أيلول ‪1922‬م) ويعد هذا أول‬
‫حزب حكومي يؤلف منذ تاريخ الملكية في العراق‪ .‬وأصدر جريدة ناطقة باسمه هي‬
‫(العاصمة)‪.‬‬
‫ضعف هذا الحزب بعد استقالة وزارة عبد الرحمن النقيب الثالثة‪ ،‬وتوقفت جريدته عن‬
‫الصدور في (‪ 24‬آب ‪1923‬م) ولم يظهر له أثر فعال في الحياة السياسية‪ ،‬وبذلك أنتهى‬
‫وجود الحزب‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى األحزاب السابقة أجيز حزب األمة لكنه لم يستمر في العمل طويالً‪.‬‬

‫ضرورة ان تتبنى احلكومات احمللية ومجالس احملافظات رعاية‬


‫اآلثار واحلفاظ على التراث واحلد من التجاوزات على مواقع اآلثار‬
‫والعمارات التراثية الشاخصة بأعتبارها جزءا ً من الهوية الوطنية‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ -2‬األحزاب السياسية التي ارتبط ظهورها بقضية الموصل‪:‬‬
‫شجعت مطالبة تركيا بوالية الموصل أهالي الموصل على النشاط السياسي‬
‫والسعي لتأليف األحزاب السياسية لحشد الرأي العام في الوالية ليؤدي دوره الوطني في‬
‫الدفاع عن الموصل ومقاومة الدعايات التركية‪ .‬فتألفت ثالثة أحزاب هي‪ :‬حزب االستقالل‬
‫العراقي في (‪ 11‬أيلول ‪1924‬م)‪ ،‬وجمعية الدفاع الوطني في (‪ 25‬كانون الثاني ‪1925‬م)‪،‬‬
‫والحزب الوطني العراقي في (آيار ‪1925‬م)‪ ،‬وتضمنت مناهجها الدعوة إلى االستقالل‬
‫التام للعراق بحدوده الطبيعية‪ ،‬ورفعت شعار (العراق المستقل ال يتجزأ)‪.‬‬
‫أسهمت هذه األحزاب بالتعريف بحقوق العراق التاريخية والجغرافية في والية الموصل‪،‬‬
‫وتوعية الجماهير الشعبية بأهمية الدفاع عنها‪ .‬فأصدرت البيانات والتقارير المفصلة‬
‫التي توضح باألدلة والقرائن حق العراق في والية الموصل‪ .‬وانتهى نشاط هذه األحزاب‬
‫بانتهاء قضية الموصل‪.‬‬
‫‪ -3‬األحزاب النيابية التي ظهرت مع بدء الحياة النيابية‪:‬‬
‫بعد افتتاح مجلس األمة في (‪ 16‬تموز ‪1925‬م) دخلت األحزاب السياسية في مرحلة‬
‫جديدة من حيث الوسائل والغايات‪ ،‬فأخذت تؤسس وتنظم صفوفها للحصول على‬
‫المقاعد النيابية‪ ،‬وتشكيل الكتل النيابية المعارضة أو المؤيدة للوزارات المختلفة على‬
‫غرار ما هو معروف في الدول الديمقراطية األخرى‪ .‬كانت تلتقي جميعها على أهداف‬
‫مشتركة هي تحرير العراق من االنتداب وتحقيق االستقالل التام‪ .‬وأول حزبين نيابيين‬
‫تألفا هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬حزب التقدم‪:‬‬
‫كان عبد المحسن السعدون على رأس الوزارة عندما افتتح أول مجلس نيابي في تاريخ‬
‫العراق المعاصر يوم (‪ 16‬تموز ‪1925‬م)‪ .‬فأراد السعدون تأليف أغلبية إلسناد وزارته فطرح‬
‫فكرة تأسيس (حزب التقدم) فأيده أكثرية النواب‪ .‬وأجيز الحزب في (‪22‬آب ‪1925‬م) وضم‬
‫(‪ )50‬نائباً‪ ،‬وانتخب السعدون رئيساً له‪ ،‬وأصدر جريدة ناطقة بلسانه هي جريدة (التقدم)‪.‬‬
‫يعد حزب التقدم أول حزب نيابي حكومي هدفه تأييد وزارة السعدون الثانية ‪ ،‬وكان جميع‬
‫المنتمين إليه من نواب المجلس وال يحق لغيرهم االنتماء إليه‪ .‬وغلب عليه الطابع‬
‫العشائري الذي عكس صورته في المجلس النيابي‪ ،‬وحظي بتأييد المندوب السامي‬
‫البريطاني‪ ،‬لكنه لم يلق التأييد الشعبي‪ ،‬ولم يكن له فروع أو اجتماعات منظمة‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫عبد المحسن السعدون‬
‫(‪1929-1879‬م)‬
‫أوضح الحزب في منهاجه سعيه إلى تأليف أغلبية في المجلس النيابي لتطبيق‬
‫المعاهدة العراقية – البريطانية‪ ،‬وأجراء التعديالت المطلوبة عليها‪ ،‬وإدخال العراق إلى‬
‫عصبة األمم بعد حصوله على االستقالل التام‪ ،‬وإقامة عالقات صداقة ومودة مع بريطانيا‬
‫والدول كافة‪ ،‬والحفاظ على الوحدة العراقية بحدودها الطبيعية القائمة‪.‬‬
‫ظهرت الخالفات في صفوف الحزب الفتقاده الرابطة الفكرية‪ ،‬وعدم إيمان نواب العشائر‬
‫بالقيود الحزبية‪ ،‬األمر الذي أدى إلى إضعافه‪ ،‬والسيما بعد انتحار رئيسه عبد المحسن‬
‫السعدون في تشرين الثاني ‪1929‬م‪ ،‬ولم يبق له أثر في الحياة السياسية‪.‬‬
‫ب‪ -‬حزب الشعب‪:‬‬
‫شكلت المعارضة في مجلس النواب حزباً سياسياً باسم (حزب الشعب) في (‪3‬‬
‫كانون األول ‪1925‬م) وضم في عضويته بعض الشخصيات السياسية البارزة وأصبح‬
‫ياسين الهاشمي رئيساً للحزب وطغى نفوذه على الحزب بحيث أصبح يعرف بـ(حزب‬
‫الهاشمي)‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫ياسين الهاشمي‬
‫(‪1937-1884‬م)‬
‫أوضح الحزب في منهاجه ان هدفه األساس هو استقالل العراق التام ودخوله عصبة‬
‫األمم‪ ،‬وتعديل المعاهدة العراقية – البريطانية لعام ‪1922‬م لضمان المصالح الوطنية‪.‬‬
‫وغايته إسعاد الشعب‪ ،‬والسعي لتطوير القوى الوطنية وتمكينها من العمل في فروع‬
‫اإلدارة واالقتصاد والمعارف والجيش وغيرها‪ .‬ورفع الحزب شعارات (اإلخالص والتضامن‬
‫والتضحية) وأصدر جريدة ناطقة بلسانه هي (نداء الشعب)‪.‬‬
‫لم يستمر الحزب في العمل طويالً لضعف االنسجام بين أعضائه‪ ،‬وقلة تمسك‬
‫الهاشمي بالقيود الحزبية‪ ،‬وانصرافه إلى مهامه الوزارية بحيث ترك الحزب تتقاذفه‬
‫األهواء‪ ،‬فاتسع االنشقاق بين صفوفه واستقالت العناصر القيادية منه‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫حله‪.‬‬
‫والخالصة فأن األحزاب السياسية في عهد االنتداب عموماً كانت متشابهة في‬
‫أهدافها إلى حد بعيد‪ .‬فقد أكدت جميعها على ضرورة تحقيق االستقالل التام للعراق‬
‫والتحرر من االنتداب ودخوله عصبة األمم‪ .‬وان معظم تلك األحزاب لم تكن قائمة على‬
‫أساس فكري أيديولوجي وإنما كانت قائمة على العالقات الشخصية بين األعضاء‪ ،‬ولم‬
‫تكن لها قواعد جماهيرية واسعة وإنما تعمل بنفوذ قادتها وسمعتهم‪ .‬وكانت تحصل‬

‫‪104‬‬
‫على التأييد الجماهيري عندما تدافع عن مصالح البالد وتعبر عما يريده الشعب‪ .‬ومع‬
‫ذلك فأن هذه األحزاب أسهمت في تهيأة الرأي العام للمطالبة بحقوقه‪ ،‬وعملت على‬
‫تقوية الوعي الوطني في العراق‪.‬‬
‫خامساً ‪ -‬معاهدة ‪1930‬م‪:‬‬
‫بدأ العراق يضغط على بريطانيا للحصول على استقالله‪ ،‬إال أن بريطانيا وقفت ضد‬
‫رغبة العراق في االستقالل‪ ،‬وأظهرت حرصها على استمرار االنتداب لمدة (‪ )25‬سنة‪،‬‬
‫كما طلبت عصبة األمم‪ .‬وزعمت أن ترشيح العراق لعصبة األمم في عام ‪1928‬م سابق‬
‫ألوانه‪ ،‬ورأت تأجيل القضية إلى عام ‪1932‬م‪ .‬واستمرت المفاوضات بين أخذ ورد منذ عام‬
‫‪1927‬م حتى تأليف وزارة نوري السعيد في (‪ 23‬آذار ‪1930‬م) الذي أعلن ان وزارته ستبدأ‬
‫بالمفاوضات مع بريطانيا لعقد معاهدة جديدة على أساس االستقالل التام‪ ،‬وتوطيد‬
‫الصداقة بين العراق وبريطانيا‪.‬‬
‫وقعت صيغة المعاهدة في (‪ 30‬حزيران ‪1930‬م) وكانت تنص على عقد حلف أمده‬
‫خمس وعشرون سنة بين بريطانيا والعراق‪ .‬وعزم بريطانيا على تأييد العراق في دخول‬
‫العصبة عام‪ ،1932‬وتضمنت المعاهدة في بنودها ومالحقها الشروط الرئيسة اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬السياسة الخارجية‪ :‬وافق الطرفان على أجراء مشاورة تامة وصريحة في جميع شؤون‬
‫السياسة الخارجية‪ ،‬مما قد يكون له مساس بمصالحهما المشتركة‪ ،‬ويتعهد كل طرف‬
‫بأن ال يتخذ سياسة تتنافى مع التحالف أو قد تخلق المصاعب للفريق اآلخر‪.‬‬
‫‪ -2‬الدفاع‪ :‬تعهدت بريطانيا بأن تدافع عن العراق في حال وقوع الحرب‪ ،‬ويتعهد العراق‬
‫بأن يقدم لبريطانيا في األراضي العراقية جميع ما في وسعه أن يقدمه من التسهيالت‬
‫والمساعدات‪ ،‬ومن ذلك استخدام سكك الحديد واألنهر والموانئ والمطارات ووسائل‬
‫المواصالت‪.‬‬
‫‪ -3‬القواعد وحق المرور‪ :‬تعهد العراق ان يؤجر لبريطانيا مواقع للقواعد الجوية بالقرب‬
‫من البصرة وفي غربي الفرات‪ ،‬ويعطيها الحق في إبقاء قواتها في مناطق أخرى من العراق‬
‫(بغداد والموصل)‪ ،‬وحصلت أيضاً على حق مرور جيوشها عبر األراضي العراقية‪.‬‬
‫‪ -4‬الحصانات‪ :‬تمتعت القوات البريطانية في العراق بإعفائها من الضرائب وسلطة‬
‫‪105‬‬
‫سادساً ‪ -‬دخول العراق عصبة األمم‪:‬‬
‫أبلغت الحكومة البريطانية مجلس العصبة بترشيح العراق لعضوية العصبة في‬
‫عام‪1932‬م بدون قيد أو شرط‪ .‬فأحال المجلس الطلب إلى لجنة االنتدابات الدائمة‬
‫التي طلبت من بريطانيا تقديم تقرير خاص عن تقدم العراق في مدة االنتداب‪ .‬فقدمت‬
‫بريطانيا هذا التقرير الذي تناول المدة بين عامي ‪1932-1920‬م‪ ،‬وتم مناقشته في لجنة‬
‫االنتدابات مع الوفد البريطاني‪ ،‬ورفعت اللجنة تقريرها إلى المجلس أبدت فيه استعدادها‬
‫إلنهاء االنتداب بعد ان يضع المجلس الشروط والمقاييس التي يجب ان تتوفر في الدولة‬
‫المشمولة باالنتداب لكي يتحرر منه‪ .‬فوضع المجلس شروطاً خمسة يجب ان تتوفر في‬
‫الدولة التي تريد ان تتحرر من االنتداب وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود حكومة مستقلة وإدارة قادرة على ان تسير أمور الدولة بصورة منتظمة‪.‬‬
‫‪ -2‬ان تكون الدولة قادرة على حفظ وحدتها واستقاللها‪.‬‬
‫‪ -3‬ان تكون الدولة قادرة على حفظ األمن في كل انحائها‪.‬‬
‫‪ -4‬ان تكون لدى الدولة مصادر مالية كافية لسد النفقات الحكومية‪.‬‬
‫‪ -5‬ان تكون للدولة قوانين وتنظيم قضائي يضمن العدل دوماً للجميع على السواء‪.‬‬
‫ووضعت لجنة االنتدابات سبع ضمانات يجب على العراق‪ ،‬أو أية دولة أخرى أن يأخذ بها‬
‫قبل ان يتحرر وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬حماية األقليات القومية والدينية بصورة فعالة‪.‬‬
‫‪ -2‬حفظ المصالح واالمتيازات األجنبية‪ ،‬إال إذا وضع مجلس العصبة نظاماً آخر بموافقة‬
‫الدول المختصة‪.‬‬
‫‪ -3‬حفظ المصالح األجنبية القضائية والمدنية والجنائية التي ال يشملها نظام‬
‫االمتيازات األجنبية‪.‬‬
‫‪ -4‬حفظ حرية الفكر والعبادة وممارسة األعمال الدينية والتربوية والطبية من قبل‬
‫اإلرساليات التبشيرية على ان ال تخل باألمن العام واآلداب واإلدارة‪.‬‬
‫‪ -5‬المحافظة على العهود المالية التي أخذتها الدولة المنتدبة السابقة‪.‬‬
‫‪ -6‬حفظ الحقوق المكتسبة في عهد االنتداب‪.‬‬
‫‪ -7‬المحافظة على العهود الدولية العامة السيما التي قطعتها الدولة المنتدبة بالنيابة‬
‫عن الدولة المشمولة باالنتداب‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫فحصت لجنة االنتدابات مدى استيفاء العراق لهذه الشروط فوجدت ان العراق مستوفٍ‬
‫لتلك الشروط إلى حد بعيد‪ .‬فأرسلت اللجنة إلى المجلس بأن على العراق ان يصرح‬
‫أمام مجلس العصبة عن رغبته في العمل بموجب الضمانات السبعة‪ .‬وفي يوم ‪28‬‬
‫كانون الثاني ‪1932‬م تال رئيس لجنة االنتدابات الدائمة في مجلس العصبة تقرير اللجنة‬
‫عن تحرير العراق من االنتداب‪ .‬وفي ‪ 3‬تشرين األول ‪1932‬م ُقبل العراق في عصبة األمم‬
‫واعترف به دولة مستقلة ويعد العراق البلد العربي االول العضو في المنظمة الدولية‪.‬‬
‫سابعاً ‪ -‬العيد الوطني للعراق‬
‫تم اعتماد ‪ 3‬تشرين االول من عام ‪1932‬م كيوم وطني للعراق ‪ ،‬وهو يوم انتهاء‬
‫االنتداب البريطاني وقبول عضوية العراق في عصبة االمم ليصبح العراق الدولة التي‬
‫تحمل الرقم ‪ 57‬في هذه المنظمة الدولية التي مقرها في جنيف بسويسرا ‪ .‬وتم‬
‫االحتفال برفع العلم العراقي فوق سارية مقر العصبة مع اعالم الدول االخرى في ‪3‬‬
‫تشرين االول عام ‪1932‬م وقد عين نوري سعيد ممثالً للعراق في عصبة االمم وعد أول‬
‫مندوب عربي يدخل العصبة ‪ .‬وبعد صدور القرار القى نوري سعيد خطاباً شكر فيه كل‬
‫الذين عملوا من اجل تحقيق هذا الهدف‪ ،‬وعد الغاء االنتداب البريطاني ودخول العراق‬
‫عصبة االمم كأول دولة عربية مستقلة مكسباً وطنياً وقومياً بارزاً وحدثاً مهماً من‬
‫االحداث التي يحتفل بها العراقيون حتى يومنا هذا‪.‬‬
‫ثامناً ‪ -‬وفاة الملك فيصل األول وتولي الملك غازي العرش‪:‬‬
‫توفي الملك فيصل األول في سويسرا مساء يوم (‪ 7‬أيلول ‪1933‬م) بسبب انسداد‬
‫الشرايين‪ ،‬كما جاء في البيان الرسمي الذي أذيع في اليوم التالي‪ .‬وفي تقويم سياسة‬
‫الملك الراحل البد من األخذ بعين االعتبار ظروف المرحلة السياسية التي حكم فيها‬
‫المتمثلة باالنتداب البريطاني من جهة‪ ،‬وبالحركة الوطنية المتصاعدة من جهة أخرى‪،‬‬
‫نام يريد‬
‫لمجتمع ٍ‬
‫ٍ‬ ‫فضالً عن الظروف االقتصادية لدولة في بداية التأسيس‪ ،‬واالجتماعية‬
‫التخلص من الجهل واألمية والتخلف‪ .‬وكان على الملك أن يراعي تلك الظروف وان يعمل‬
‫على تجاوزها لمصلحة بناء الوطن الجديد‪ .‬وعليه يمكن القول بأن شخصية الملك‬
‫‪108‬‬
‫فيصل كان لها تأثيرها وسحرها وقدرتها على إزالة العقبات والتمسك بأماني العراق‬
‫الوطنية والقومية‪ .‬وكانت قيادته للدولة العراقية في مرحلة تأسيسها قيادة الربان‬
‫الماهر‪ ،‬وكانت وفاته في الظروف الحرجة التي كان يمر بها العراق بعد دخوله عصبة‬
‫األمم وحصوله على االستقالل أمراً مؤسفاً جداً لما عرف عنه من قدرة وقابلية في‬
‫توجيه الجهود نحو بناء الوحدة الوطنية‪.‬‬
‫تولي الملك غازي عرش العراق‬
‫بعد إعالن وفاة الملك فيصل األول في صباح يوم ‪ 8‬أيلول توجه رئيس الوزراء والوزراء‬
‫وبعض النواب واألعيان إلى القصر الملكي وقدموا التعازي لألمير غازي‪ .‬ثم طلبوا إليه‬
‫بصفته ولياً للعهد أن يؤدي اليمين التي نص القانون األساسي عليها تمهيداً لمبايعته‪.‬‬
‫فلما أدى اليمين أعلن رئيس الوزراء تتويجه ملكاً باسم الملك غازي األول‪ ،‬فتقدم الحاضرون‬
‫مهنئين‪ ،‬وأطلقت المدفعية مائة طلقة وطلقة‪ .‬وفي يوم (‪ 11‬أيلول) عقد مجلس األمة‬
‫اجتماعاً غير اعتيادي ألداء الملك اليمين القانوني وفي كلمة قصيرة دعا الملك الشعب‬
‫إلى مؤازرته في النهوض بالمملكة إلى أوج التقدم والعمران‪.‬‬

‫الملك غازي‬
‫(‪1939-1933‬م)‬

‫ولد الملك الجديد في مكة (‪ 21‬آذار ‪1912‬م) وعاش سنوات طفولته األولى في الحجاز‪،‬‬
‫وعند صدور القانون األساسي العراقي أصبح االمير غازي ولياً للعهد‪ .‬واهتم والده بإعداده‬
‫‪109‬‬
‫لوالية العهد‪ ،‬وتربيته تربية عربية بموجب منهج خاص‪ .‬درس في مدرسة هارو في‬
‫بريطانيا‪ ،‬ودخل المدرسة (الكلية) العسكرية العراقية وتخرج فيها برتبة مالزم ثان‬
‫خيال‪ .‬واكتسب شعبية واسعة بين العراقيين الذين وجدوا فيه الشخص الذي يمكنه‬
‫ان يتحدى اإلنكليز ويتجاهل رغباتهم‪ ،‬حتى لقد اتخذ من ظهوره في المناسبات فرصة‬
‫للتعبير عن مشاعر الشعب والهتاف ضد بريطانيا‪.‬‬
‫تاسعا ً‪ -‬الحركات السياسية في تاريخ العراق السياسي‪:‬‬
‫‪ -1‬القضية الكوردية‪:‬‬
‫سبق وان تحدثنا عن انتفاضة الكورد بقيادة الشيخ محمود الحفيد ‪ ،‬وقد سهل‬
‫القضاء على االنتفاضة لبريطانيا العمل على ابقاء والية الموصل ضمن العراق ‪ .‬فقد‬
‫شكلت عصبة األمم لجنة دولية لدراسة المزاعم التركية لتبعية والية الموصل إليها‬
‫والتعرف على وجهة نظر أهالي المنطقة‪ ،‬فوصلت هذه اللجنة إلى بغداد في (‪16‬‬
‫كانون الثاني ‪1925‬م) وزارت المنطقة الكوردية لمدة ثالثة أشهر‪ ،‬رافقتها دعاية بريطانية‬
‫لكسب موافقة العصبة على إبقاء والية الموصل ضمن العراق‪ .‬وكان موقف بريطانيا‬
‫هذا ينطلق من عوامل استعمارية في مقدمتها مصالحها النفطية في المنطقة‪.‬‬
‫وضعت اللجنة تقريراً اقترحت فيه بقاء المنطقة ضمن العراق على أن تراعى رغبة‬
‫الكورد فيما يتعلق بتعيين موظفين أكراد إلدارة منطقتهم‪ ،‬وترتيب األمور العدلية‬
‫والتعليم في المدارس‪ ،‬وان تكون اللغة الكوردية اللغة الرسمية في هذه األمور‪ .‬وبعد‬
‫نفي الشيخ محمود إلى إيران استتب األمن في السليمانية‪ .‬واشتركت المناطق الكوردية‬
‫في االنتخابات النيابية التي جرت في مايس ‪1928‬م‪ ،‬وفاز من الكورد (‪ )16‬نائباً من مجموع‬
‫(‪ )88‬نائباً في مجلس النواب العراقي‪ .‬وقد عمل هؤالء النواب على تنفيذ توصيات عصبة‬
‫األمم حول إدارة المنطقة الكوردية‪ ،‬وقدم ستة منهم مذكرة إلى رئيس الوزراء في شباط‬
‫‪1929‬م انتقدوا فيها الحكومة وطالبوا باالتي‪:‬‬
‫‪ -1‬زيادة المصاريف على المعارف الكوردية‪.‬‬
‫‪ -2‬تأليف وحدة إدارة كوردية تشمل ألوية (محافظات) السليمانية وأربيل وكركوك‪ ،‬ولواءاً‬
‫جديداً يؤلف من األقضية الكوردية للواء الموصل‪ ،‬على أن يدير هذه الوحدة مفتش‬
‫‪110‬‬
‫عام كوردي ويكون الصلة الوحيدة بين هذه المنطقة والحكومة المركزية في بغداد‪.‬‬
‫‪ -3‬زيادة المصاريف على المصالح الكوردية العامة‪.‬‬
‫ورداً على هذه المطاليب قامت الحكومة العراقية ببعض اإلصالحات‪ ،‬ومنها فتح ثالث‬
‫مدارس كوردية ابتدائية‪ .‬إال أن فتح هذه المدارس لم يضع حداً لتذمر الكورد من سياسة‬
‫التعليم العامة‪ ،‬فطالبوا باإلكثار من فتح المدارس ‪ ،‬وفتح دار معلمين كوردية‪ ،‬وتيسير‬
‫الكتب باللغة الكوردية‪ ،‬وإنشاء منطقة معارف كوردية خاصة‪.‬‬
‫أبدى الكورد مخاوفهم عندما بدأت المفاوضات العراقية – البريطانية عام ‪1930‬م‬
‫العتقادهم بأنهم لن يتمتعوا‪ ،‬بعد انتهاء االنتداب البريطاني‪ ،‬بالضمانات التي أوصت بها‬
‫العصبة‪ .‬فطالب بعض النواب الكورد بتثبيت حقوق الكورد في المعاهدة الجديدة التي‬
‫يجري التفاوض بشأنها‪.‬‬
‫رأت الحكومة العراقية ضرورة طمئنة الكورد على مستقبلهم في الدولة العراقية‬
‫فسنت قانوناً يضمن استخدام اللغة الكوردية‪ ،‬وإنشاء مكتب للترجمة في وزارة الداخلية‬
‫يترجم إلى اللغة الكوردية جميع القوانين واألنظمة والتعليمات التي تصدرها الدوائر‬
‫الحكومية‪ ،‬وتأسيس مفتشية معارف للمنطقة الكوردية‪ ،‬وتعيين مساعد كوردي للمدير‬
‫العام في وزارة الداخلية‪.‬‬
‫أدى نشر نصوص المعاهدة العراقية – البريطانية الموقع عليها في (‪ 30‬حزيران‬
‫‪1930‬م) إلى استياء عميق في نفوس الكورد‪ ،‬وقدم بعضهم مذكرة إلى عصبة األمم‬
‫بواسطة المندوب السامي البريطاني في العراق أوضحوا فيها «ان قرار األكراد القطعي‬
‫والنهائي‪ ،‬هو ان يطلبوا تأليف حكومة كردية تحت إشراف عصبة األمم»‪ .‬فردت عصبة‬
‫األمم على هذه المطالبة بأن طلبت من الدولة صاحبة االنتداب مالحظة وضع التدابير‬
‫التشريعية واإلدارية للكورد موضع التنفيذ دون أي نقص أو تماهل‪ ،‬وضمان بقاء هذه‬
‫الحقوق بعد ان يتخلص العراق من وصاية الدولة المنتدبة‪.‬‬
‫في هذا الجو المتوتر بدأت في السليمانية االستعدادات ألجراء االنتخابات النيابية‪،‬‬
‫واجتمعت الهيأة التفتيشية التي ينص قانون االنتخابات على انتخابها في (‪ 6‬أيلول‬
‫‪1930‬م)‪ .‬وحدث أثناء ذلك مصادمات بين األهالي والجيش والشرطة‪ ،‬وصفها تقرير‬
‫‪111‬‬
‫بريطاني كما يلي‪« :‬في ‪ 6‬أيلول ‪1930‬م‪ .‬دعي حوالي الثالثين من الوجوه إلى مركز‬
‫الحكومة المحلية في السليمانية لينتخبوا هيأة تفتيشية‪ ...‬وبينما كانت انتخابات‬
‫هذه الهيئة جارية إذا بحشد من الناس يجتمع حول البناية ويزداد عاجالً في عدده وهياجه‬
‫فلم يبق في وسع الشرطة القائمة هناك بدون سالح ضبطه‪ .‬وأخذ الجمهور يلقي‬
‫بالحجارة على السراي فكسر (‪ )153‬نافذة من نوافذها‪ .‬وهوجمت الشرطة بالحجارة‪،‬‬
‫وهدد سجن المدينة ومخزن سالح الشرطة ‪ .‬وإذ ذاك قضت الحاجة باالستنجاد بالقوة‬
‫العسكرية‪ ،‬ولكن وصول قوة المشاة لم يخف المتظاهرين فكان البد من األمر بإطالق‬
‫النار لتفريقهم‪ ،‬وكان مجموع الخسائر في هذه االضطرابات كما يلي‪(( :‬الشرطة (‪)10‬‬
‫جرحى‪ ،‬الجيش قتيل و (‪ )3‬جرحى‪ ،‬المتظاهرون (‪ )14‬قتيال و(‪ )23‬جريحا))‪.‬‬
‫أدت هذه الحادثة إلى تأجيل البدء باالنتخابات أكثر من أسبوع‪ ،‬ثم استؤنفت وانتخب‬
‫المرشحون عن لواء السليمانية‪ ،‬وتمكنوا من حضور افتتاح المجلس في األول من تشرين‬
‫الثاني‪ .1930‬أما تأثير هذه الحادثة على الكورد فكان كبيرا‪ ،‬فأصبح يوم (‪ )6‬أيلول يعرف‬
‫(باليوم األسود) وعدّ أول حركة وطنية جماهيرية تحدث في المدينة يقوم بها الكسبة‬
‫والطلبة والكادحون والتجار بدالً من علماء الدين واألمراء الكورد‪.‬‬
‫كان من نتائج حوادث السليمانية عودة الشيخ محمود إلى العمل المسلح‪ ،‬وتقديمه‬
‫مذكرة إلى المندوب السامي البريطاني طالب فيها‪:‬‬
‫‪ -1‬ان تخلى كوردستان بحدودها الطبيعية من زاخو إلى خانقين من إدارة العرب المدنية‬
‫والعسكرية وتسلم إلى الكورد‪.‬‬
‫‪ -2‬إطالق سراح المعتقلين الكورد على الفور‪.‬‬
‫‪ -3‬وإلى أن يرد قرار نهائي من عصبة األمم يجب أن تؤسس حكومة كوردية تحت االنتداب‬
‫البريطاني وحسب رغبات األهالي‪.‬‬
‫‪ -4‬ان يسلم الضباط والموظفين الكورد المستخدمين في اإلدارة العربية إلى اإلدارة‬
‫الكوردية بالسرعة الممكنة‪.‬‬
‫استمرت حركات الشيخ محمود حتى مايس ‪1931‬م‪ ،‬وظهر خالل هذه المدة التعاون‬
‫الوثيق بين بريطانيا والعراق من جهة‪ ،‬وبين العراق وإيران من جهة أخرى للقضاء على‬
‫الشيخ محمود الذي سلم نفسه للحكومة العراقية‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫‪ -3‬المطالبة بتحقيق العدالة في إدارة شؤون الدولة‪.‬‬
‫وزارة جميل المدفعي‬
‫بعد استقالة وزارة رشيد عالي الكيالني الثانية‪ ،‬وهو القيادي في حزب اإلخاء الوطني‬
‫نتيجة لتكتل معارضي حزب اإلخاء‪ ،‬شكل جميل المدفعي وزارتين رفعتا شعارات االبتعاد‬
‫عن التحزبات المخلة بمصالح الدولة‪ .‬وقد عمل االخائيون على إضعاف الوزارة ودفع‬
‫العشائر للتحرك ضدها‪ ،‬فساءت اإلدارة في العراق كثيراً‪ ،‬وكثرت شكاوى الناس وتذمراتهم‬
‫من بعض رؤوساء الوحدات اإلدارية واستشرى الفساد والرشوة‪ ،‬فسارع المدفعي إلى‬
‫تقديم استقالة وزارته‪.‬‬

‫جميل المدفعي (‪1958-1890‬م)‬


‫وزارة علي جودة االيوبي‬
‫عهد الملك غازي إلى علي جودت األيوبي‪ ،‬رئيس الديوان الملكي‪ ،‬بتأليف الوزارة في‬
‫(‪ 27‬آب ‪ )1934‬وضمت خصوم االخائيين من الساسة البارزين‪ .‬وكانت خطة األيوبي إبعاد‬
‫معارضيه وأنصارهم من رؤوساء العشائر عن المجلس النيابي‪ ،‬فقام بحل المجلس وإجراء‬
‫انتخابات نيابية جديدة تميزت بالتدخل الحكومي الفاضح وأسفرت عن ضعف التمثيل‬
‫العشائري في المجلس الجديد‪،‬اذ استبعد رئيس الوزراء بعض الشيوخ المتنفذين ممن‬
‫لم يكن راضياً او مطمئناً اليهم‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫علي جودة االيوبي‬

‫(‪1969-1896‬م)‬

‫موقف الشيخ كاشف الغطاء ومؤتمر النجف االشرف‬


‫وحد شيوخ العشائر الذين خسروا مقاعدهم النيابية جهودهم مع رجال المعارضة‬
‫في بغداد لمقاومة الوزارة‪ .‬وعقدت عدة مؤتمرات في بغداد والكاظمية وكربالء والنجف‬
‫االشرف والمشخاب والصليخ‪ ،‬وأسفرت هذه المؤتمرات عن توقيع وثيقة تتضمن األمور‬
‫االتية ‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلخالص للملك إخالصاً مطلقاً‪.‬‬
‫‪ -2‬احترام القانون األساسي العراقي (الدستور) وتنفيذ القوانين‪.‬‬
‫‪ -3‬حل المنازعات العشائرية وفق التقاليد والعادات القبلية‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم المشاركة في الحكم دون موافقة الموقعين على الوثيقة‪.‬‬
‫رفع رؤوساء العشائر كتاباً إلى المرجع الديني العالمة الشيخ محمد حسين آل‬
‫كاشف الغطاء في النجف األشرف أوضحوا فيه شعورهم باإلجحاف الذي لحق أبناء‬
‫الشعب‪ ،‬والمحاباة وتغليب القوي على الضعيف‪ ،‬وتوظيف من ال أهلية له وال نزاهة‬
‫فيه‪ ،‬واقترحوا عقد مؤتمر برئاسته في النجف االشرف لمناقشة هذه األمور من الوجوه‬
‫الدينية واالجتماعية واالقتصادية واإلدارية‪ .‬فاستدعى الشيخ كاشف الغطاء رؤوساء‬
‫العشائر وجرى مناقشة األوضاع العامة‪ ،‬ودعاهم إلى تقديم مذكرة إلى الملك ورئيسي‬
‫مجلسي النواب واألعيان‪ .‬وبالفعل رفع رؤوساء العشائر مذكرة إلى الملك أكدت ما ورد‬
‫في الوثيقة السابقة ‪ ،‬وأضافت إليها بعض األمور الحيوية التي تنهض بالبالد مادياً وأدبياً‪،‬‬
‫‪115‬‬
‫ومنها إيجاد أسواق خارجية لتصريف المنتجات الزراعية‪ ،‬وتأمين وسائط النقل‪ ،‬وتأسيس‬
‫مصانع ومؤسسات مالية تساعد الزراع وأبناء البالد كافة‪ ،‬وفتح معاهد علمية وصحية‬
‫تدفع عنهم األمراض الفتاكة والجهل‪.‬‬
‫أدى توتر األوضاع إلى استقالة وزارة علي جودت األيوبي فعهد الملك إلى جميل‬
‫المدفعي بتأليف وزارته الثالثة في (‪ 4‬آذار‪1935‬م)‪ .‬وفي عهد هذه الوزارة تصاعدت‬
‫الحركات العشائرية في الديوانية التي قادها الشيخان شعالن العطية (قبائل األگرع)‬
‫وعبد الواحد الحاج سكر (قبائل آل فتلة) وخربت الطرق والجسور لقطع الطريق على‬
‫قوات الحكومة‪ .‬وحدث مثل ذلك في ديالى من قبل الشيخ حبيب الخيزران (قبائل العزة)‪،‬‬
‫فقدم المدفعي استقالة حكومته في (‪ 15‬آذار ‪1935‬م) ولم يمض عليها سوى أحد عشر‬
‫يوماً‪.‬‬
‫وزارة ياسين الهاشمي‬
‫عهد الملك إلى ياسين الهاشمي في (‪ 17‬آذار ‪1935‬م) بتأليف الوزارة‪ ،‬والهاشمي‬
‫هو زعيم حزب األخاء الوطني والعشائر الثائرة كانت تسانده‪ .‬لهذا أصدر بياناً وزعته‬
‫الطائرات على العشائر الثائرة دعاها إلى العودة إلى مزاولة أعمالها خالل ثالثة أيام‪،‬‬
‫لتشرع الحكومة في تطبيق اإلصالح الذي وعدت به ولتسحب القوات العسكرية إلى‬
‫ثكناتها‪ .‬ولكن العشائر المؤيدة للحكومة السابقة وزارة علي االيوبي أعلنت تمردها على‬
‫الحكومة الجديدة‪ .‬في الشامية والهندية والدغارة‪ ،‬وأبرقوا إلى الملك يطلبون منه إقالة‬
‫الوزارة الجديدة‪.‬‬

‫ميثاق النجف االشرف‬


‫حاولت الحكومة تهدئة األوضاع وعندما فشلت أمهلت العشائر الثائرة مدة ثالثة‬
‫أيام‪ ،‬ثم أرسلت القوة في سبيل إخضاعهم‪ .‬وإزاء استمرار هذه األوضاع دعا بعض‬
‫المحامين ورؤوساء العشائر الشيخ كاشف الغطاء إلى عقد اجتماع في النجف االشرف‬
‫ينظم مطاليب الشعب في اإلصالح‪ ،‬في ميثاق يرفع إلى الحكومة مباشرة‪ ،‬وقد أجمعت‬
‫العشائر على تأييد هذا الميثاق‪ ،‬وأخذ رؤساؤها يتوافدون على مدينة النجف االشرف‬
‫‪116‬‬
‫للتوقيع عليه‪ .‬تضمن الميثاق األمور االتية‪:‬‬
‫‪ -1‬احترام الدستور وتحقيق العدالة إليجاد االستقرار والطمأنينة في نفوس الشعب‪،‬‬
‫ورفع التفرقة بين أبناء األمة‪ ،‬ومساهمة الجميع في مجلس الوزراء ومجلس األمة‬
‫وسائر الوظائف‪ ،‬كما يساهم في خدمة العلم ودفع الضرائب‪.‬‬
‫‪ -2‬تعديل قانون االنتخابات لضمان الحرية المطلقة‪ ،‬ووضع القيود التي تمنع الحكومة‬
‫من التدخل المباشر وغير المباشر‪ ،‬وأن يكون االنتخاب بدرجة واحدة‪ ،‬واعتبار كل لواء‬
‫منطقة انتخابية مستقلة‪.‬‬
‫‪ -3‬إطالق الحرية الكاملة للصحافة‪ ،‬ورفع القيود اإلدارية‪ ،‬وحصر المسؤوليات بالمراجع‬
‫القضائية‪.‬‬
‫‪ -4‬االهتمام باألوقاف اإلسالمية وصرف مواردها على دور العلم ومساجد العبادة‪.‬‬
‫‪ -5‬تعميم وتعديل لجان تسوية األراضي التي يتم بواسطتها االستقرار الزراعي‪ ،‬واإلسراع‬
‫في تنفيذ قانون المصرف الزراعي والصناعي‪ ،‬وتمليك األراضي ألربابها من غير بدل‪.‬‬
‫‪ -6‬إلغاء ضريبتي األرض والماء‪ ،‬واستبدال ضريبة الكودة على المواشي بضريبة استهالك‪،‬‬
‫وعدم فرض ضريبة على اآلالت الرافعة‪.‬‬
‫‪ -7‬اتخاذ تدبير سريع الستبدال موظفي الدولة‪ ،‬المعروفين بسوء السلوك والسمعة‪،‬‬
‫والتخفيف من نفقات الدولة‪.‬‬
‫‪ -8‬مراعاة العدالة في توزيع مؤسسات الدولة الصحية والعمرانية والتهذيبية‪ ،‬ووضع‬
‫األنظمة والقوانين لمنع تفشي األمراض االجتماعية واألخالقية وتهذيب مناهج‬
‫المعارف واالهتمام بالدروس الدينية‪.‬‬
‫‪ -9‬عدم التعرض لمن اشترك في الحركات الوطنية الحاضرة‪ ،‬من أبناء الشعب والجيش‬
‫والشرطة‪.‬‬
‫ورغم هذه المحاوالت استمرت الحركات العشائرية في الفرات األوسط‪ ،‬السيما الرميثة‬
‫وسوق الشيوخ وغيرها وأعلنت األحكام العرفية‪ ،‬األمر الذي دفع الجيش إلى التدخل في‬
‫الشؤون السياسية‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫أصبح مغلقاً لوجود طه الهاشمي بهذا المنصب‪.‬وهو شقيق رئيس الوزراء فاستغل بكر‬
‫صدقي التذمر في صفوف الجيش من جراء استخدامه في تسوية النزاعات السياسية‬
‫لتحقيق مآربه في القيام بانقالب عسكري‪ ،‬وإقامة دكتاتورية عسكرية على غرار ما‬
‫حدث في تركيا وإيران‪ ،‬تستطيع تأسيس حكومة قوية تعيد للبالد استقرارها‪ ،‬وتحقق له‬
‫اإلصالحات في شتى المجاالت‪.‬‬

‫حكمت سليمان‬
‫(‪1964-1889‬م)‬
‫بدأ حكمت سليمان نشاطه السياسي باالنتماء إلى جماعة األهالي واستغالل ما لها‬
‫من سمعة شعبية‪ .‬كانت هذه الجماعة تضم مجموعة من الشباب الذين يسعون إلى‬
‫إحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية‪ ،‬وبناء دولة ديمقراطية‪ .‬وانضم معه إلى الجماعة‬
‫أيضاً كامل الجادرجي وجعفر أبو التمن‪ ،‬وهما من الشخصيات الوطنية المعروفة‪ .‬وقد‬
‫أدى انضمام هؤالء الساسة إلى الجماعة إلى تحويل تركيزها من المسائل الفكرية إلى‬
‫تحقيق سلطة سياسية عن طريق االتصال بالفريق بكر صدقي وضمه إلى الجماعة‪.‬‬
‫وقام بكر صدقي من جانبه باالتصال بمن يثق بهم من ضباط الجيش‪ ،‬ففاتح الفريق عبد‬
‫اللطيف نوري قائد الفرقة األولى‪ ،‬واتفقا على القيام باالنقالب ووضعا خطة التنفيذ‪ .‬وفي‬
‫ليلة ‪ 29‬تشرين األول ‪1936‬م زحفت وحدات الجيش من منطقة خانقين قاصدة بعقوبة‬
‫واحتلتها‪ ،‬ثم قطعت خطوط االتصال مع بغداد‪ ،‬وفي الساعة السابعة والنصف صباحا‬
‫زحفت نحو بغداد بقيادة الفريق بكر صدقي‪.‬‬
‫وفي الساعة الثامنة والنصف صباحا ألقت ثالث طائرات من القوة الجوية ألوفاً من‬
‫المنشورات وهي تحمل بيانا موقعا باسم (قائد القوة الوطنية اإلصالحية الفريق بكر‬
‫صدقي العسكري)‪ ،‬تضمن األمور االتية‪:‬‬
‫‪ -1‬انتقاد الحكومة الهتمامها بمصالحها وغاياتها الشخصية‪ ،‬دون االهتمام بمصالح‬
‫الشعب والعمل على رفاهيته‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫‪ -2‬إقالة الوزارة (الحالية) وتأليف وزارة جديدة برئاسة حكمت سليمان‪.‬‬
‫‪ -3‬الطلب إلى الموظفين بمقاطعة الحكومة وترك الدوائر لحين استقالة الحكومة‬
‫وتأليف الوزارة الجديدة‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه حمل حكمت سليمان كتاباً إلى الملك غازي موقعاً من قبل بكر‬
‫صدقي وعبد اللطيف نوري وسلمه إلى رستم حيدر رئيس الديوان الملكي‪ .‬فعقد الملك‬
‫اجتماعاً حضره ياسين الهاشمي ونوري السعيد وجعفر العسكري والسفير البريطاني‪،‬‬
‫وأوضح بأنه ال يوافق على أية فكرة تدعو إلى المقاومة‪.‬‬
‫مهما يكن من أمر فقد حلقت في سماء بغداد ثالث طائرات في الساعة الحادية عشرة‬
‫والنصف والقت أربع قنابل األولى سقطت أمام مدخل مجلس الوزراء ووزارة الداخلية‪.‬‬
‫وسقطت الثانية أمام دائرة البريد بالقرب من دار ياسين الهاشمي‪ ،‬والثالثة في نهر دجلة‪،‬‬
‫والرابعة أمام بناية البرلمان‪ ،‬وقد عجل إلقاء القنابل في استقالة وزارة ياسين الهاشمي‪.‬‬
‫عهد الملك إلى حكمت سليمان بتأليف الوزارة الجديدة‪ ،‬وأخذ جعفر العسكري كتاباً‬
‫من الملك إلى بكر صدقي لمنع قطعاته من الدخول إلى مدينة بغداد‪ .‬لكن أعوان بكر‬
‫صدقي قاموا بقتله‪ ،‬وواصل الجيش تقدمه وأصبح على أبواب العاصمة في الساعة‬
‫الرابعة‪ ،‬ثم دخل المدينة وسيطر على المواقع المهمة فيها في الساعة الخامسة‬
‫والنصف‪ ،‬وفي الساعة السادسة شكلت وزارة االنقالب‪ .‬وكان من نتيجة هذه العملية‬
‫ان الجيش العراقي فقد قائداً قديراً وواحداً من مؤسسيه هو الفريق جعفر العسكري‪.‬‬

‫الفريق جعفر العسكري‬


‫(‪1936-1886‬م)‬

‫‪120‬‬
‫وزارة االنقالب‪:‬‬
‫أعلن عن تشكيل وزارة االنقالب بعد دخول قوات الجيش إلى بغداد‪ ،‬وضمت الوزارة‬
‫الجديدة كال من حكمت سليمان رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية‪ ،‬وعبد اللطيف نوري وزيراً‬
‫للدفاع‪ ،‬وصالح جبر وزيراً للعدل‪ ،‬ويوسف عز الدين إبراهيم وزيراً للمعارف‪ ،‬وناجي األصيل‬
‫وزيراً للخارجية‪ ،‬وكامل الجادرجي وزيراً لالقتصاد والمواصالت‪ ،‬وجعفر أبو التمن وزيراً‬
‫للمالية‪ .‬واحتفظ بكر صدقي لنفسه بمنصب رئيس أركان الجيش‪ .‬ويالحظ ان جماعة‬
‫األهالي حصلت على الوزارات المسؤولة عن الشؤون االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجلبت‬
‫وجوهاً جديدة إلى الحكومة للمرة األولى منذ أكثر من عقد‪ .‬ووصل الديمقراطيون‬
‫اإلصالحيون إلى السلطة للمرة األولى‪ ،‬ومع ذلك بقي بكر صدقي الرجل االقوى في‬
‫الحكومة التي ال تتخذ أي أجراء دون مشاورته‪.‬‬
‫قوبل االنقالب بالترحيب من بعض االطراف وأصدر لفيف من شباب بغداد بيانا ً مطبوعا ً‬
‫موقعا ً باسم (لجنة اإلصالح التقدمي الوطني) أشاد باالنقالب وقادته وطالب بتحقيق‬
‫األمور االتية‪:‬‬
‫‪ -1‬إزالة آثار ظلم الماضي‪ ،‬والعفو عن السجناء السياسيين‪.‬‬
‫‪ -2‬تقوية الجيش تقوية عامة‪.‬‬
‫‪ -3‬فتح النقابات والصحف التي أغلقتها الحكومة السابقة‪.‬‬
‫‪ -4‬تخفيف ويالت الفقر‪ ،‬وإيجاد األعمال للعاطلين‪ ،‬وتشجيع الصناعة المحلية‪.‬‬
‫‪ -5‬المساواة في الحقوق بين العراقيين والتمسك بالوحدة الوطنية‪ ،‬ونشر العلم والمعرفة‬
‫والثقافة الصحية في جميع أنحاء العراق‪.‬‬

‫جعفر ابو التمن‬


‫(‪1945-1881‬م)‬
‫‪121‬‬
‫منهاج حكومة االنقالب‬
‫أذاع جعفر أبو التمن‪ ،‬وزير المالية‪ ،‬خطة الحكومة في تسيير أمور الدولة‪ ،‬جاء فيها ‪:‬‬
‫‪ -1‬انتقاد الحكومة السابقة لتحديها دستور البالد‪ ،‬واتباعها سياسة التحزب وتحقيق‬
‫المصالح الشخصية والمنافع الذاتية‪.‬‬
‫‪ -2‬ان هدف الوزارة إحالل الطمأنينة لجميع السكان‪ ،‬وتطبيق العدل على الجميع بدون‬
‫التفريق بين األديان والمذاهب‪.‬‬
‫‪ -3‬تحسين الصالت الودية مع الدول العربية‪ ،‬والتعاون المثمر معها‪.‬‬
‫‪ -4‬وضع خطة إصالحية صحيحة شاملة للمعارف‪ ،‬وتقوية روح الثقافة التي تكفل‬
‫الوحدة العراقية‪.‬‬
‫‪ -5‬إعمار األراضي بصورة عامة‪ ،‬وتوزيع األميرية منها على أبناء الشعب‪ ،‬وفتح الطرق‬
‫وتعبيدها‪ ،‬وتوسيع الري والزراعة‪ ،‬وتشجيع التجارة‪ ،‬وتعميم الصناعة‪.‬‬
‫الخالف بين بكر صدقي وجماعة االهالي‬
‫قامت وزارة االنقالب بحل المجلس النيابي وإجراء انتخابات جديدة‪ ،‬فحدث الخالف بين‬
‫بكر صدقي وجماعة األهالي‪ ،‬بسبب رغبة األخيرة بإجراء انتخابات حرة لضمان مجيء‬
‫نواب يمثلون الشعب تمثيالً حقيقياً‪ ،‬ورغبة بكر صدقي باتباع الوسائل القديمة في‬
‫االنتخابات‪ .‬وازداد الخالف بين الطرفين حينما اتخذت الحكومة اإلجراءات القاسية ضد‬
‫العشائر المنتفضة في مدينة الديوانية‪ ،‬ومال حكمت سليمان إلى بكر صدقي‪ .‬فقدم‬
‫كل من كامل الجادرجي وجعفر أبو التمن ويوسف عز الدين وصالح جبر استقاالتهم‬
‫من الوزارة احتجاجا ً فصدرت اإلرادة الملكية بقبول استقالة الوزراء وتعيين بدالء عنهم‪.‬‬
‫واتخذت الحكومة بعض اإلجراءات القاسية ومنها إغالق جمعية اإلصالح الشعبي التي‬
‫اسستها جماعة االهالي وغلق صحفها‪ ،‬وإسقاط الجنسية عن عدد من أعضاء الجماعة‪،‬‬
‫وتعرض اآلخرون إلى االضطهاد ومحاوالت االغتيال‪ .‬وبذلك هيأت الوزارة السبيل أمام بكر‬
‫صدقي إلقامة دكتاتورية عسكرية‪.‬‬
‫لم ترض سياسة بكر صدقي ومعه حكمت سليمان العناصر المعارضة في الجيش‪،‬‬
‫فدبرت عملية اغتيال بكر صدقي في (‪ 11‬آب ‪1937‬م) عندما كان يستعد للسفر على‬
‫‪122‬‬
‫رأس وفد عسكري إلى تركيا ومعه المقدم محمد علي جواد قائد القوة الجوية‪ ،‬وذلك في‬
‫القاعدة الجوية في الموصل‪ ،‬فقدم حكمت سليمان استقالة وزارته في (‪ 17‬آب ‪1937‬م)‬
‫وبذلك سقطت حكومة االنقالب‪.‬‬
‫والمالحظ ان وزارة االنقالب لم تستطع أجراء أي تغيير في سياسة العراق‪ ،‬وظهر واضحا ً‬
‫ان حكام العراق الجدد لم يختلفوا في أي شيء عن الحكام القدامى حيث كان كل منهم‬
‫يسعى وراء مصلحته الخاصة‪.‬‬
‫حادي عشر‪ -‬مقتل الملك غازي‪:‬‬
‫كانت عالقة الملك غازي مع بريطانيا منذ البداية ليست على ما يرام‪ ،‬نتيجة لمواقفه‬
‫في السياستين الداخلية والعربية‪ .‬وكانت إذاعته – إذاعة قصر الزهور‪ -‬تذيع الخطابات‬
‫الحماسية الداعية إلى تحرير فلسطين وسوريا ولبنان‪ ،‬وضم الكويت إلى العراق‪ .‬ولهذا‬
‫بدأت بريطانيا تبحث منذ وقت مبكر عن خليفة للملك غازي إذا اختفى عن المسرح‬
‫السياسي‪ ،‬ورأت انه أما ان يسيطر عليه أو يخلع‪.‬‬
‫أعلن عن وفاة الملك غازي في الصباح الباكر ليوم (‪ 4‬نيسان ‪1939‬م) وأشار البيان‬
‫الحكومي إلى ان الوفاة كانت بسبب اصطدام سيارته بعمود الكهرباء‪ .‬وعقد على الفور‬
‫مجلس الوزراء اجتماعاً‪ ،‬وتسلم وصية مكتوبة من الملكة عالية‪ ،‬زوجة الملك‪ ،‬جاء فيها‬
‫ان الملك غازي كان يرغب في وصاية ابن عمه األمير عبد اإلله بن علي على العرش إذا‬
‫حدث له حادث وابنه فيصل ال يزال صغيراً‪ .‬وهكذا أصبح فيصل الثاني ملكا ً وعمره أربع‬
‫سنوات تقريباً‪ ،‬وأصبح خاله عبد اإلله وصيا ً على العرش‪.‬‬
‫أتهم الرأي العام في العراق بريطانيا بتدبير مقتل الملك‪ ،‬وأقفلت العاصمة ‪ ،‬ونظمت‬
‫مواكب العزاء في كل مكان‪ .‬وسارت الجماهير بتظاهرة نحو السفارة البريطانية تهتف‬
‫بسقوط بريطانيا ونوري السعيد والتي وزعت منشورات تتهمه بتدبير جريمة القتل‪.‬‬
‫وجرى تشييع الجثمان للمقبرة الملكية في األعظمية‪.‬‬
‫أما عبد اإلله الوصي الجديد فكان يبلغ من العمر (‪ )27‬عاماً‪ ،‬ولم يكن على إطالع‬
‫كاف بالشؤون السياسية آنذاك‪ ،‬وقوبل اختياره بترحيب من قبل بريطانيا والسياسيين‬
‫العراقيين‪ ،‬والسيما نوري السعيد‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫العراق منذ الحرب العالمية الثانية حتى عام ‪1958‬م‬

‫أوالً ‪ -‬انتفاضة العراق عام ‪1941‬م واالحتالل البريطاني الثاني‪:‬‬


‫العراق والحرب العالمية الثانية‪:‬‬
‫كان على رأس الحكومة العراقية عند اندالع الحرب العالمية الثانية نوري السعيد‬
‫الذي أوضح ان سياسة حكومته الخارجية تقوم على‪:‬‬
‫‪ -1‬التحالف مع البلدان العربية المستقلة‪ ،‬والصداقة المخلصة مع الدولتين الجارتين‬
‫تركيا وإيران‪.‬‬
‫‪ -2‬التحالف مع بريطانيا العظمى‪.‬‬
‫تطورت األحداث العالمية بسرعة‪ ،‬وأعلنت بريطانيا الحرب على المانيا في ‪ 3‬أيلول‪1939‬م‪،‬‬
‫وبدأت الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وكان لها تأثيرها على السياستين الداخلية والخارجية‬
‫للعراق‪ .‬ففي الداخل أصبحت األوضاع التجارية والمالية غير مستقرة‪ ،‬وأوقفت الودائع‬
‫في البنوك‪ ،‬وبدأ احتكار المواد الغذائية فاختفت من االسواق‪ ،‬وارتفعت األسعار فجأة‪،‬‬
‫وأعلنت الحكومة أن الموقف العالمي أصبح خطيراً‪ ،‬وخولت وزارة الداخلية فرض الرقابة‬
‫على األخبار والمطبوعات‪.‬‬
‫أما في السياسة الخارجية فأعلن العراق قطع عالقاته الدبلوماسية مع المانيا في (‪5‬‬
‫أيلول ) وتسفير جميع الرعايا األلمان خارج العراق‪ ،‬وأبلغ الوصي عبد اإلله ملك بريطانيا‬
‫جورج السادس التزام العراق بمعاهدة التحالف العراقية‪ -‬البريطانية لعام ‪1930‬م نصاً‬
‫وروحا ً‪ .‬إال أن نوري السعيد اندفع أكثر من هذا وكان يريد فتح أبواب العراق جميعا ً أمام‬
‫الجيوش البريطانية لتنتقل وتتحشد بكل حرية‪ ،‬مع إرسال قوة من الجيش العراقي‬
‫للقتال مع القوات البريطانية‪ ،‬وقطع العالقات السياسية مع الدول المعادية لبريطانيا‪.‬‬
‫وجهت انتقادات إلى سياسة نوري السعيد‪ ،‬وحدث انقسام في صفوف القادة السياسيين‬
‫والعسكريين‪ ،‬وبرز دور العقداء األربعة‪ ،‬صالح الدين الصباغ ومحمود سلمان وفهمي‬
‫سعيد وكامل شبيب‪ ،‬الذين رفضوا زج الجيش في آتون الحرب ‪ ،‬فقدم نوري السعيد‬
‫‪125‬‬
‫استقالة حكومته‪ .‬وعقد رؤوساء الوزارات السابقون اجتماعا ً وضعوا فيه وثيقة قدموها‬
‫إلى الوصي تدعو إلى تأليف وزارة ائتالفية حسب التقاليد الدستورية‪ ،‬واستعدادهم‬
‫للتعاون معها داخليا ً وخارجياً‪ ،‬واقترحوا تكليف رشيد عالي الكيالني لتأليفها‪.‬‬
‫وزارة رشيد عالي الكيالني وبرنامجها‬
‫شكل الكيالني وزارته في ‪ 31‬آذار ‪1940‬م‪ ،‬وأوضح خطتها التي تستند على‪:‬‬
‫‪ -1‬المحافظة على الصالت التقليدية مع بريطانيا على أساس معاهدة عام ‪1930‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم التساهل أمام المطالب البريطانية التي تخرج عن نصوص المعاهدة‪ ،‬إال ما كان‬
‫فيه مصلحة مشتركة للطرفين‪.‬‬
‫‪ -3‬تزويد الجيش العراقي بالسالح من أي مصدر كان‪.‬‬
‫‪ -4‬أجراء انتخابات جديدة للمجلس النيابي‪.‬‬

‫رشيد عالي الكيالني‬


‫(‪1965-1892‬م)‬

‫‪126‬‬
‫بعد تأليف وزارة الكيالني شهدت أوربا تطورات كبيرة وخطيرة‪ ،‬منها انهيار فرنسا أمام‬
‫المانيا‪ ،‬ودخول إيطاليا الحرب إلى جانب المانيا‪ ،‬وازدياد المشاعر المعادية لبريطانيا في‬
‫العراق‪ .‬وفي مثل هذه الظروف أبلغ السفير البريطاني الحكومة العراقية بوجوب قطع‬
‫العالقات مع إيطاليا‪ ،‬كما قطعتها في السابق مع المانيا‪ .‬فعقد مجلس الوزراء اجتماعا ً‬
‫لدراسة الطلب برئاسة الوصي‪ ،‬وقرر المجلس ان الحكومة العراقية متمسكة بمعاهدة‬
‫التحالف بين الدولتين‪ ،‬إال أنها تتريث في الوقت نفسه في أمر قطع العالقات السياسية‬
‫بينها وبين إيطاليا‪.‬‬
‫أحدث هذا الموقف شرخا ً في الموقف العراقي فالوصي ونوري السعيد وزير الخارجية‪،‬‬
‫كانا يؤيدان الطلب البريطاني واآلخرون يريدون استطالع الوضع الدولي واإلقليمي‪ .‬وساءت‬
‫العالقة بين الوصي ورئيس الوزراء‪ ،‬فأشارت بريطانيا على الوصي إقالة وزارة رشيد عالي‬
‫الكيالني‪ ،‬ولما فشل في ذلك هرب إلى الديوانية‪ ،‬فاضطر الكيالني إلى تقديم استقالة‬
‫وزارته‪ .‬وعهد الوصي إلى طه الهاشمي بتشكيل الوزارة الجديدة في األول من شباط‬
‫‪1941‬م‪ ،‬ومارست بريطانيا ضغطا ً قويا ً على الهاشمي لتشتيت شمل العقداء األربعة‪،‬‬
‫زاعمة أن الجيش العراقي أصبح متشربا ً بروح النازية والفاشية‪ ،‬وبعيدا ً عن التعاون مع‬
‫بريطانيا‪.‬‬
‫دفع الضغط البريطاني قادة الجيش إلى التحرك للضغط على الهاشمي لتقديم‬
‫استقالته‪ ،‬فقدم الهاشمي استقالته التي بقيت معلقة لهروب الوصي إلى البصرة‪.‬‬
‫حكومة الدفاع الوطني‪:‬‬
‫بعد هروب الوصي إلى البصرة سيطر الجيش على األوضاع في بغداد‪ ،‬وأعلن حالة‬
‫الطوارئ‪ ،‬وأصدر بيانا ً في ‪ 2‬نيسان إلى الشعب العراقي اتهم فيه الوصي بالعمل على‬
‫أحداث الشقاق في صفوف األمة‪ ،‬والتشبث بشتى الطرق الستحصال البيعة لنفسه‬
‫على عرش العراق‪ ،‬وتحطيم الجيش العراقي‪ .‬وأعلن البيان عن تشكيل حكومة الدفاع‬
‫الوطني برئاسة رشيد عالي الكيالني ومعه القادة العسكريون‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫الملك فيصل الثاني‬ ‫الوصي عبد االله بن علي‬
‫(‪1958-1935‬م)‬ ‫(‪1958-1913‬م)‬
‫وأذاع الكيالني بيانا ً بعد ذلك أعلن فيه سياسة حكومة الدفاع الوطني التي هدفها‬
‫عدم توريط البالد في أخطار الحرب‪ ،‬والقيام بأداء رسالتها القومية‪ ،‬والمحافظة على‬
‫تعهداتها الدولية‪ ،‬وتقوية الروابط الحسنة مع البلدان العربية والدول المجاورة‪.‬‬
‫قوبل إعالن تشكيل حكومة الدفاع الوطني بموجة عارمة من الحماسة الوطنية‪،‬‬
‫وخرجت الجماهير إلى الشوارع تهتف باللعنة على اإلنكليز وأعوانهم في العراق‪ ،‬وترفع‬
‫شعارات «يسقط الخونة»‪« ،‬يسقط عبد اإلله الوصي»‪.‬‬
‫أوجد هروب الوصي عبد اإلله وتركه لمسؤولياته الدستورية أزمة دستورية في العراق‪،‬‬
‫وقد ظهرت عدة آراء لمعالجة هذه األزمة‪ .‬فاقترح بعضهم إلغاء النظام الملكي وإعالن‬
‫الجمهورية‪ ،‬إال أن غالبية اآلراء كانت تريد إبقاء الملكية واختيار وصي جديد على العرش‪،‬‬
‫فوقع االختيار على الشريف شرف‪ ،‬وهو من العائلة الهاشمية المالكة‪ .‬وعقد مجلس‬
‫األمة (النواب واألعيان) جلسة في ‪ 10‬نيسان وقرر باإلجماع عزل الوصي عبد اإلله وتعيين‬
‫الشريف شرف بدال ً منه‪ .‬وكان أول عمل قام به الوصي الجديد إصدار اإلرادة الملكية‬
‫بقبول استقالة وزارة الهاشمي‪ ،‬وتكليف رشيد عالي الكيالني بتأليف الوزارة الجديدة‪،‬‬
‫‪128‬‬
‫وبذلك انتهت مهمة حكومة الدفاع الوطني‪.‬‬
‫العدوان البريطاني على العراق‪:‬‬
‫شكل الكيالني الوزارة الجديدة في ‪ 12‬نيسان‪ ،‬وأعلن التزام حكومته بتعهداتها‬
‫الدولية‪ ،‬لكن بريطانيا عدت هذه الحكومة غير شرعية ولم تعترف بها رسميا ً‪ .‬وبدأت‬
‫بالضغط على العراق إلنزال قواتها في البصرة‪ ،‬فوافقت الحكومة العراقية شرط تسريع‬
‫نقلها إلى الرطبة‪ ،‬وعدم إقامة معسكرات دائمة في األراضي العراقية‪ .‬فاعتبرت بريطانيا‬
‫شروط الحكومة العراقية تقييدات غير مطابقة لروح ونص معاهدة ‪1930‬م وهددت‬
‫باستعمال القوة لضمان إنزال قواتها‪ .‬وبالفعل أنزلت بريطانيا في ‪ 29‬نيسان لوا ًء مدرعا ً‬
‫قام باحتالل منطقة الميناء في البصرة ومشروع الكهرباء‪ .‬وقامت السفارة البريطانية‬
‫في اليوم نفسه بتسفير النساء واألطفال البريطانيين إلى الحبانية ومنها إلى خارج‬
‫العراق‪ ،‬وجمع الباقون في السفارة البريطانية‪.‬‬
‫احتجت الحكومة العراقية على اإلجراءات البريطانية االعتدائية‪ ،‬واتخذت بعض التدابير‬
‫االحتياطية لسالمة البالد بإقامة قوة بجوار الحبانية‪ ،‬وطلب قائد القوة إلى السلطات‬
‫العسكرية البريطانية عدم تحليق الطائرات البريطانية ألي سبب كان‪ ،‬وعدم خروج‬
‫المدرعات من المعسكر لحين تسوية الموقف بين الحكومتين‪.‬‬
‫جاء رد الحكومة البريطانية في صباح يوم ‪ 2‬مايس عندما قامت الطائرات البريطانية‬
‫بالتحليق في الجو ثم اسقطت أول قنبلة على القوات العراقية‪ ،‬ووزعت في الوقت نفسه‬
‫منشورات زعمت فيها بأنه ال نية لها باحتالل العراق قط أو نزع استقالله‪ ،‬فعقد مجلس‬
‫الوزراء العراقي اجتماعا ً قرر فيه‪:‬‬
‫‪ -1‬إرسال احتجاج إلى السفارة البريطانية على اعتداء قواتها الجوية في الحبانية على‬
‫القوات العراقية‪ ،‬وتحميل بريطانيا مسؤولية ما يحدث من نتائج‪.‬‬
‫‪ -2‬طلب قدوم ممثل سياسي الماني إلى بغداد بأسرع ما يمكن‪.‬‬
‫‪ -3‬تأسيس عالقات سياسية مع روسيا السوفيياتية‪.‬‬
‫‪ -4‬نشر بيان من قبل رئيس الوزراء يتضمن إيضاح االعتداء البريطاني في الحبانية على‬
‫القوات العراقية ومقاتليها‪.‬‬
‫قوبل العدوان البريطاني على العراق بمعارضة شعبية واسعة‪ ،‬ووقف الشعب العراقي‬
‫بصالبة وشجاعة ضده‪ ،‬وأصدر علماء الدين الفتاوى لمقاومة اإلنكليز‪ ،‬وشكلت وحدات‬
‫‪129‬‬
‫من كتائب الشباب من طالب المدارس والكليات والموظفين وأرباب المصالح ودربوا على‬
‫السالح‪ ،‬واستعد الجميع للمقاومة‪.‬‬
‫االحتالل البريطاني الثاني للعراق‪:‬‬
‫بدأت العمليات الحربية في صباح يوم ‪ 2‬مايس ‪1941‬م بعد أن قامت القوة الجوية‬
‫البريطانية بقصف القوات العراقية جوار الحبانية‪ ،‬وردت القوات العراقية حيث فتحت‬
‫المدفعية وقوات المشاة نيرانها على الطائرات المغيرة وعلى القاعدة البريطانية‪،‬‬
‫متجنبة قصف الحي المدني في القاعدة‪ .‬واستمر القتال حول الحبانية أربعة أيام‬
‫انسحب بعدها الجيش العراقي نحو الشرق وتمركز في سن الذبان‪ .‬وقد بذل البريطانيون‬
‫جميع الجهود من أجل االحتفاظ بالحبانية والمحافظة على أنابيب النفط الممتدة إلى‬
‫البحر المتوسط‪.‬‬
‫استعانت القوات البريطانية بقوات إضافية نزلت في البصرة وقوات اخرى وصلت من‬
‫األردن‪ ،‬واستطاعت هذه القوات احتالل الرطبة والوصول إلى نهر الفرات وتقدمت إلى‬
‫الحبانية والفلوجة التي دارت حولها معركة عنيفة استبسلت فيها القوات العراقية‪،‬‬
‫لكنها انتهت باحتالل الفلوجة لتفوق بريطانيا في العدد والعدة المتطورة‪ ،‬وبعد احتالل‬
‫الفلوجة أصبح الطريق مفتوحا ً نحو بغداد‪.‬‬
‫شكلت لجنة باسم «لجنة األمن الداخلي في العاصمة» التخاذ التدابير لتأمين‬
‫الوضع داخل بغداد‪ ،‬وأسرعت اللجنة إلى أجراء االتصاالت إليقاف القتال ووضع شروط‬
‫الهدنة‪.‬‬
‫عودة الوصي عبد االله‬
‫دخل الوصي عبد اإلله مع القوات البريطانية إلى بغداد يوم ‪ 1‬حزيران ‪1941‬م‪ ،‬وهو يشعر‬
‫بما للبريطانيين من فضل عليه‪ ،‬فأخذ يعمل منذ اللحظات األولى على تحقيق رغبات‬
‫بريطانيا بصورة عاجلة‪ .‬وعهد إلى جميل المدفعي بتأليف الوزارة في ‪ 2‬حزيران التي‬

‫‪130‬‬
‫قامت بإعالن األحكام العرفية وتشكيل مجلس عرفي عسكري لمحاكمة قادة الجيش‬
‫والسياسيين‪ .‬واستجابت الوزارة لطلب سلطات االحتالل الجديد بإن يكون لبريطانيا‬
‫مطلق الحرية خالل الحرب بأن تضع قواتها البرية والجوية في أية نقطة في العراق‪،‬‬
‫ووضع الرقابة على المخابرات‪ ،‬والسيطرة العسكرية التامة على ميناء البصرة والقاعدة‬
‫العسكرية‪ .‬وبإخالء جهاز الدولة من العناصر القومية التي ناهضت االحتالل‪ ،‬وقطع‬
‫العالقات الدبلوماسية مع إيطاليا‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقادة فقد أحيلوا إلى المجلس العرفي العسكري الذي حكم حضوريا ً‬
‫وغيابا ً على عدد منهم باإلعدام‪ ،‬وهم العقداء صالح الدين الصباغ وفهمي سعيد‬
‫ومحمود سلمان وكامل شبيب‪ ،‬ومن المدنيين رشيد عالي الكيالني ويونس السبعاوي‪،‬‬
‫وقد نفذ الحكم عليهم جميعا ً عدا الكيالني الذي كان الجئا ً خارج العراق‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫ثانياً ‪ -‬االنتفاضات الشعبية في العراق‪:‬‬
‫‪ -1‬وثبة كانون الثاني ‪1948‬م‪:‬‬
‫مقدمات الوثبة‪:‬‬
‫قاسى العراقيون كثيرا ً في أيام الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وانعدمت الحريات الديمقراطية‪،‬‬
‫بما فيها حرية تشكيل األحزاب السياسية والصحافة‪ ،‬وأعلنت األحكام العرفية وفرضت‬
‫الرقابة‪ .‬وكان العراقيون يتوقون إلى انتهاء الحرب للحصول على الحياة الجديدة التي‬
‫وعدوا بها‪.‬‬
‫تشكيل وزارة توفيق السويدي وتأسيس االحزاب السياسية‬
‫أدرك الوصي عبد اإلله قوة االتجاهات السياسية الجديدة التي أفرزتها الحرب العالمية‬
‫الثانية‪ ،‬وتصاعد الحركات الوطنية في مختلف بلدان العالم الثالث‪ ،‬فأراد تشكيل‬
‫حكومة تطمئن رغبات الوطنيين وتمتص نقمتهم على األوضاع السائدة‪ ،‬وتنهي حالة‬
‫الحرب وتنقل البالد إلى عهد جديد‪ ،‬فوقع اختياره على توفيق السويدي لتأليف الوزارة‬
‫الجديدة في ‪ 23‬شباط ‪1946‬م‪.‬‬
‫أعلنت الوزارة الجديدة أنها تسعى إلى نقل البالد من حالة الحرب إلى حياة السلم‬
‫الجديدة بالغاء األحكام العرفية وغلق المعتقالت ورفع الرقابة عن الصحافة والسماح‬
‫بتأسيس األحزاب السياسية‪ .‬وفي السياسة الخارجية وعدت الوزارة بتعديل معاهدة‬
‫عام‪1930‬م مع بريطانيا لجعلها تنسجم مع روح ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬وبالفعل قامت‬
‫الوزارة بتنفيذ ما ورد في منهاجها‪ .‬وكانت إجازة األحزاب السياسية من أهمها فقد‬
‫أجيزت خمسة أحزاب هي (االستقالل‪ ،‬األحرار‪ ،‬الوطني الديمقراطي‪ ،‬االتحاد الوطني‪،‬‬
‫الشعب) التي عبرت في مناهجها عن متطلبات المرحلة التي ظهرت فيها‪ ،‬وهي تعزيز‬
‫االستقالل والسيادة الوطنية من جهة‪ ،‬والعمل على إصالح األوضاع الداخلية‪-‬السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ -‬من جهة أخرى‪ ،‬وكان ظهور األحزاب تجربة في الحياة السياسية‬
‫الديمقراطية المنظمة‪.‬‬
‫أما عن تعديل معاهدة عام‪1930‬م‪ ،‬فقد شكلت وزارة السويدي لجنة لدراستها‬
‫واقترحت هذه اللجنة ان تجري مفاوضات لعقد معاهدة جديدة ألن معاهدة ‪1930‬م‬
‫أصبحت تتنافى ومقتضيات السيادة الوطنية‪ ،‬وال تتفق مع أحكام ميثاق األمم المتحدة‪،‬‬
‫‪132‬‬
‫وال تأتلف مع ظروف العالم الجديد‪ .‬وألن بقاء القوات البريطانية على أرض العراق يُعد‬
‫اعتداءا ً على الكرامة الوطنية‪ .‬وقبل ان تفتح وزارة السويدي باب التفاوض مع بريطانيا‬
‫قدمت استقالتها‪.‬‬
‫وزارة صالح جبر وتعديل معاهدة ‪1930‬م‬
‫عند تأليف وزارة صالح جبر أعلن في مجلس النواب يوم ‪ 10‬مايس ‪1947‬م ان‬
‫حكومته عازمة عزما ً أكيدا ً على تعديل المعاهدة‪ .‬وقد قوبل هذا التصريح بردود فعل‬
‫سلبية من قبل الحركة الوطنية في العراق التي رأت ان الحكومة العراقية ال تستطيع‬
‫ان تقف تجاه بريطانيا موقف الند للند‪ ،‬في الوقت الذي تعسكر فيه الجيوش البريطانية‬
‫في العراق‪ ،‬ويتدخل البريطانيون في شؤون العراق الداخلية واالقتصادية‪.‬‬

‫صالح جبر (‪1957-1895‬م)‬

‫وعلى الرغم من المعارضة الشعبية أجريت المفاوضات في بغداد ثم في لندن‪ .‬وكانت‬


‫بريطانيا تعلق اآلمال على عقد هذه المعاهدة التي أرادت لها أن تكون بداية لسلسلة‬
‫من المعاهدات التي تنظم عالقات بريطانيا بدول الشرق األوسط تؤدي في النهاية إلى‬
‫ربطها بنظام دفاعي واحد‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫معاهدة بورتسموث‬
‫انتهت المفاوضات إلى التوقيع باألحرف األولى في ‪ 15‬كانون الثاني ‪1948‬م على‬
‫المعاهدة‪ ،‬التي سميت بـ(معاهدة بورتسموث) نسبة إلى المكان الذي وقعت فيه او‬
‫معاهدة جبر ‪ -‬بيفن نسبة الى ُم َو ِقعها صالح جبر رئيس الوزراء العراقي وارنست بيفن‬
‫وزير الخارجية البريطانية‪ .‬وتضمنت األمور االتية‪:‬‬
‫‪ -1‬الدفاع المشترك وتأليف هيئة استشارية دائمة لتنسيق شؤون الدفاع بين الدولتين‪،‬‬
‫تعرف باسم (لجنة الدفاع البريطاني ـ العراقي المشترك) تقوم بوضع الخطط للمصالح‬
‫السوقية المشتركة بين الدولتين‪ ،‬والتشاور الفوري عند وقوع تهديد بالحرب‪.‬‬
‫‪ -2‬حرية استعمال بريطانيا للقاعدتين الجويتين في الحبانية والشعيبة بدون مقابل‪.‬‬
‫‪ -3‬تقديم جميع التسهيالت والمساعدات للقوات البريطانية على األراضي العراقية‪ ،‬ومن‬
‫ذلك استخدام السكك الحديد والموانئ واألنهار والمطارات وجميع خطوط المواصالت‪.‬‬
‫وثبة كانون ‪:1948‬‬
‫تابعت األحزاب السياسية والجماهير العراقية المفاوضات مع بريطانيا‪ ،‬وكانت‬
‫تشكك في نواياها‪ ،‬والسيما بعد ان أشاد وزير الخارجية العراقي ببريطانيا لموافقتها‬
‫على أجراء المفاوضات قبل انتهاء أجل المعاهدة السابقة المقرر لها ان تنتهي في العام‬
‫‪1957‬م‪ .‬وخرج طالب كلية الحقوق متظاهرين في يوم ‪ 5‬كانون الثاني ضد المفاوضات‬
‫وانضم إليهم طلبة الكليات والمعاهد والمدارس الثانوية‪ ،‬األمر الذي دفع الشرطة إلى‬
‫التصادم مع المتظاهرين‪ ،‬وقررت الحكومة تعطيل الدراسة في كلية الحقوق‪.‬‬
‫أصدرت األحزاب السياسية بيانات استنكرت فيها اعتداء الشرطة على الطالب‪ ،‬كما‬
‫أعلن طلبة كليات الصيدلة والكيمياء ودار المعلمين العالية والهندسة والطب وغيرها‬
‫اإلضراب عن الدوام‪ .‬وقدموا مذكرات إلى رئيس الوزراء وكالة ووزير الداخلية الن التظاهرات‬
‫قد بدأت قبل عودة صالح جبر من بريطانيا ‪ ،‬تضمنت االتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬إطالق سراح طلبة كلية الحقوق الموقوفين‪.‬‬
‫‪ -2‬فتح كلية الحقوق واالستمرار بالدوام‪.‬‬
‫‪ -3‬معاقبة المسؤولين في حادث الحقوق‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫‪ -4‬إلغاء المعاهدة العراقية‪-‬البريطانية المقترحة‪.‬‬
‫‪ -5‬القيام باألعمال السريعة إلنقاذ فلسطين من االستعمار والصهيونية‪.‬‬

‫مظاهرات وثبة كانون‬


‫عام ‪1948‬م‬

‫استجابت الحكومة لبعض المطالب الطالبية وقررت استئناف الدراسة في كلية‬


‫الحقوق اعتبارا ً من ‪ 8‬كانون الثاني‪ ،‬ولكن نشر المعاهدة في الصحف العراقية يوم ‪16‬‬
‫كانون الثاني اشعل فتيل االنتفاضة‪ .‬وأعلن الطالب اإلضراب العام لمدة ثالثة أيام‪ ،‬وتظاهروا‬
‫وهتفوا بسقوط وزارة صالح جبر ومعاهدة بورتسموث وسياسة التجويع واإلرهاب‪ ،‬والقيت‬
‫القصائد والخطب الحماسية ضد الحكومة وساستها‪ .‬وتجددت المظاهرات الطالبية‬
‫في يوم ‪ 20‬كانون الثاني في كل مكان من بغداد إلى أن أصبح شارع الرشيد كله يزخر‬
‫بمظاهرة واحدة‪ ،‬فقامت الشرطة بإطالق النار عليها‪ ،‬فاستشهد أربعة من المتظاهرين‬
‫وجرح آخرون‪.‬‬
‫وقامت مظاهرة كبيرة صباح ‪ 21‬كانون الثاني لتشييع شهداء اليوم السابق‪ ،‬فتصدت‬
‫لها الشرطة وأطلقت النار عليها‪ ،‬فاستشهد شخص واحد وجرح آخرون‪ .‬وأدى استمرار‬

‫‪135‬‬
‫التظاهرات وتوسعها في إجبار الوصي عبد اإلله إلى الدعوة لعقد مؤتمر في البالط مساء‬
‫اليوم نفسه‪ .‬وأصدر الوصي بيانا ً أعلن فيه ان المعاهدة التي وقعت في بورتسموث ال‬
‫تعبر عن المصالح الوطنية للبالد‪ ،‬وليست طريقا ً صحيحا ً إلى تقوية الصداقة العراقية‪-‬‬
‫البريطانية ووعد الشعب العراقي بعدم إبرام أية اتفاقية ال تضمن حقوق البالد وأمانيها‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫عاد صالح جبر رئيس الوزراء‪ ،‬إلى بغداد يوم ‪ 26‬كانون الثاني‪ ،‬ودعا إلى األخالد للهدوء‬
‫والسكينة وترك كل من شأنه االخالل باألمن والنظام‪ .‬فقوبل بيانه بمظاهرات فورية‬
‫في مناطق بغداد المختلفة‪ ،‬اشتدت صباح اليوم التالي فأخذت الجماهير تتجمع بكثرة‬
‫في مناطق بغداد المختلفة‪،‬السيما باب المعظم وساحة األمين وساحة ثانوية الكرخ‬
‫وساحة السويدي (ساحة الشهداء اآلن) وساحة األعظمية وساحة الكيالني ورؤوس‬
‫الجسور وأماكن أخرى‪ .‬وفي حوالي الساعة التاسعة صباحا ً انتفض الناس في كل مكان‪،‬‬
‫وقاموا بمظاهرات عنيفة مسلحة وصفتها الشرطة بأنها انقلبت إلى «هياج جنوني‬
‫مسلح ينذر بقيام ثورة داخلية في بغداد» وحاصر المتظاهرون مراكز شرطة الكرخ وإمام‬
‫طه واألعظمية وباب الشيخ‪.‬‬
‫تجمعت المظاهرات في النهاية في منطقتين األولى في الكرخ بالقرب من ساحة‬
‫السويدي ‪ ،‬والثانية في شارع األمين (ساحة الرصافي اآلن) وكان كل من الطرفين يريد‬
‫االنضمام للطرف اآلخر‪ .‬وكانت الشرطة قد اتخذت لها مواقع في الجوامع واألماكن‬
‫العالية‪ ،‬وعندما تقدم المتظاهرون من جانب الكرخ باتجاه الرصافة‪ ،‬وقبل ان يصلوا‬
‫إلى نهاية الجسر بدأ الشرطة في إطالق النار عليهم فتراجعوا إلى ساحة السويدي‪.‬‬
‫وفي هذه األثناء تقدم المتظاهرون من جانب الرصافة إلى الكرخ وبدأت نيران الشرطة‬
‫تطلق من اتجاهات مختلفة‪ ،‬وأصبح المتظاهرون على الجسر بين نارين‪ .‬ووقعت ما‬
‫عرف بـ(معركة الجسر) استشهد فيها (‪ )11‬متظاهرا ً وجرح آخرون وألقى البعض اآلخر‬
‫نفسه في نهر دجلة‪ ،‬األمر الذي دفع الوصي إلى اإليعاز إلى صالح جبر بتقديم استقالة‬
‫وزارته‪.‬‬
‫كان من أبرز مميزات الوثبة اتساعها وشمولها‪ ،‬وكانت حركة شاملة جارفة هزت‬
‫الجماهير الشعبية‪ ،‬كما أنها لم تكن مقتصرة على العاصمة وحدها بل امتدت إلى‬
‫‪136‬‬
‫أنحاء العراق‪ .‬وكانت الشعارات والمطالب التي تسير تحت لوائها المظاهرات في كل‬
‫مكان متشابهة المعاني واألهداف أوالً‪ ،‬وذات طابع وطني وديمقراطي في وقت واحد ثانيا ً‪.‬‬
‫واستطاعت الجماهير في النهاية من إسقاط معاهدة بورتسموث‪.‬‬
‫‪ -2‬انتفاضة تشرين الثاني ‪1952‬م‪:‬‬
‫مقدمات االنتفاضة‪:‬‬
‫أ‪ -‬المطالبة بتحرير ثروات العراق النفطية‪:‬‬
‫قويت الحركة الوطنية وأصبحت قوة مؤثرة أخذت توجه الرأي العام باتجاه المطالبة‬
‫بتعديل االمتيازات النفطية الممنوحة لشركات النفط األجنبية‪ ،‬بشكل تزداد فيه حصة‬
‫الحكومة العراقية‪ ،‬ويتسع مقدار اإلنتاج من النفط‪ ،‬وحصر امتيازات الشركات بالحقول‬
‫المكتشفة‪ ،‬وإخراج المساحات غير المستثمرة من مناطق االمتيازات لتتصرف بها‬
‫الحكومة‪ ،‬أو تمنح فيها امتيازات أخرى‪ ،‬وتحسين أحوال العمال وتهيئة وسائل الراحة لهم‪.‬‬
‫وللضغط على الحكومة تقدم عدد من النواب بطلب سن الئحة قانونية لتأميم الشركات‬
‫النفطية في آذار ‪1951‬م حظيت بالمساندة الشعبية‪ ،‬فسارعت الشركات للبدء بالمفاوضات‬
‫مع الحكومة العراقية‪ ،‬وتم التوصل إلى اتفاقية نفطية جديدة تضمنت ان تكون حصة‬
‫العراق ‪ %50‬من أرباح شركات النفط مع زيادة اإلنتاج‪ ،‬وأقرت االتفاقية في شباط ‪1952‬م‪.‬‬
‫أثارت هذه االتفاقية الحركة الوطنية التي عدتها استسالم جديد لألمبريالية‬
‫البريطانية ألنها جاءت دون مستوى مطالب الشعب العراقي‪ ،‬وأعلنت اإلضراب احتجاجا ً‬
‫على تشريعها‪ ،‬فقامت الحكومة بسلسلة من االعتقاالت‪ ،‬وفصل أعداد كبيرة من طالب‬
‫المدارس والكليات‪ ،‬مما ادى إلى توتر الوضع السياسي في العراق‪.‬‬
‫ب‪ -‬تصاعد الحركات الشعبية المناهضة للحكومة‪:‬‬
‫تصاعد نضال الفالحين من أجل األرض في بداية الخمسينيات للتحرر من سيطرة رجال‬
‫اإلقطاع الذين أصبحوا العمود الفقري للحكومات المتعاقبة وسيطروا على المجالس‬
‫النيابية‪ ،‬ووقفوا بوجه كل نوع من أنواع المعارضة‪ .‬وكانت انتفاضة آل فرطوس في‬
‫العمارة (ميسان اآلن) أول انتفاضة فالحية حيث استطاعوا السيطرة على األرض بالقوة‬
‫وطردوا اتباع الشيوخ منها وامتنعوا عن دفع الضرائب اإلقطاعية‪ .‬وكانت االنتفاضة‬
‫الثانية في أرياف العمارة أيضا ًَ هي انتفاضة آل أزيرج في تشرين األول‪1952‬م‪ ،‬فاستخدمت‬
‫‪137‬‬
‫الحكومة القوة في القضاء على االنتفاضات الفالحية‪.‬‬
‫واشتد أيضا ً نضال العمال‪ ،‬وانتعشت الحركة النقابية في عام‪1951‬م وشكل مجلس‬
‫مركزي ومكتب دائم للنقابات العمالية‪ .‬وعندما الحظت الحكومة تصاعد الحركة‬
‫النقابية‪ ،‬واشتداد المطالبة بتحسين ظروف العمل وزيادة األجور وتطبيق قانون العمل‬
‫عمدت إلى تعطيل نشاط المكتب الدائم والقت القبض على قادته‪ ،‬ولكن ذلك لم يمنع‬
‫من استمرار اإلضرابات العمالية‪.‬‬
‫ج‪ -‬المطالبة بإصالح األوضاع العامة واالنتخابات المباشرة‪:‬‬
‫تصاعدت الدعوة إلى إصالح األوضاع الداخلية وتغيير نظام االنتخابات بجعل االنتخاب‬
‫مباشرا ً لتبسيط العملية االنتخابية‪ ،‬ومنع التدخل الحكومي‪ .‬واسندت هذه الدعوة من‬
‫قبل الصحافة الوطنية المعارضة التي دعت إلى إطالق الحريات الديمقراطية‪ ،‬وتأليف‬
‫حكومة وطنية مخلصة يطمئن الشعب إليها‪ ،‬وإعطاء المرأة حقها في االنتخاب‪.‬‬
‫وقدمت األحزاب السياسية مذكرات إلى الوصي عبد اإلله في ‪ 28‬تشرين األول ‪1952‬م‬
‫طالبت فيها باألمور االتية‪:‬‬
‫‪ -1‬في المجال السياسي‪ :‬المطالبة بتعديل الدستور‪ ،‬بحيث يضمن سيادة‬
‫الشعب ضمانا ً تاماً‪ ،‬والغاء حق الملك في إقالة الوزارة‪ ،‬وإطالق الحريات الدستورية‪ ،‬والغاء‬
‫المعاهدة العراقية‪-‬البريطانية‪.‬‬
‫‪ -2‬في المجال االقتصادي‪ :‬المطالبة بإصالح الحياة االقتصادية‪ ،‬وإلغاء اإلقطاع‬
‫وتحديد الملكية الزراعية بحد أعلى‪ ،‬وتوزيع األراضي األميرية على الفالحين‪ ،‬ورفع مستوى‬
‫المعيشة ومكافحة الغالء‪ ،‬وتأميم المشاريع التي تتصل بالخدمات العامة‪ ،‬وتشجيع‬
‫الصناعة الوطنية‪.‬‬
‫‪ -3‬في المجال االجتماعي‪ :‬االهتمام باألمور الصحية والثقافية‪ ،‬وفتح المعاهد‬
‫والكليات‪ ،‬وتشريع قانون الضمان االجتماعي‪.‬‬
‫أجاب الوصي على مذكرات األحزاب بصورة سريعة‪ ،‬دون دراستها دراسة كافية‪ ،‬واتسم‬
‫رده بطابع االرتجال‪ ،‬فتأزم الوضع الداخلي‪ ،‬وفي مثل هذه الظروف حدثت االنتفاضة‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫االنتفاضة‪:‬‬
‫في ظل تأزم األوضاع الداخلية‪ ،‬حدث إضراب طلبة كلية الصيدلة والكيمياء في يوم‬
‫‪ 26‬تشرين األول ‪1952‬م‪ ،‬فكان ذلك بداية االنتفاضة ويعزى سبب اإلضراب إلى مطاليب‬
‫طالبية تتعلق بتعديل نظام االمتحانات‪ .‬وبدال ً من االستجابة للمطالب تم االعتداء على‬
‫أربعة طالب من قادة اإلضراب نقلوا على أثره إلى المستشفى‪.‬‬
‫استثمرت األحزاب السياسية حادث االعتداء‪ ،‬واضربت الكليات والمعاهد في يوم‬
‫‪ 20‬تشرين الثاني‪ ،‬وامتد اإلضراب إلى المدارس الثانوية وهتف المتظاهرون بسقوط‬
‫الحكومة‪ ،‬واالنتخابات المزيفة‪ ،‬وطالبوا التخلص من معاهدة ‪1930‬م مع بريطانيا‪.‬‬
‫فتصدت الشرطة للمظاهرات وقتل أحد المواطنين مما أدى إلى استقالة مصطفى‬
‫العمري‪ ،‬رئيس الوزراء‪.‬‬
‫تجددت المظاهرات صباح يوم ‪ 23‬تشرين الثاني‪ ،‬وقد اتسمت بالعنف الشديد‪ ،‬والتالحم‬
‫بين العمال والطالب ومختلف فئات الشعب‪ ،‬وشملت مناطق بغداد المختلفة‪ .‬وامتدت‬
‫إلى مدن العراق األخرى‪ ،‬السيما البصرة والموصل والنجف االشرف وكربالء المقدسة‬
‫وغيرها‪ ،‬واستمرت من الساعة التاسعة صباحا ً حتى العاشرة ليالً‪ ،‬حدثت خاللها ِ‬
‫صدامات‬
‫متعددة بين الشرطة والمتظاهرين‪ ،‬وكلما فرقت الشرطة مظاهرة جوبهت بمظاهرة‬
‫أخرى‪ .‬والمالحظ على هذه المظاهرات جميعا ً أنها حملت شعارات وطنية تطالب بتأليف‬
‫حكومة وطنية وتأميم النفط وغلق المكاتب الثقافية األجنبية‪ ،‬وسقوط الملكية واعالن‬
‫الجمهورية‪ .‬وكانت نتيجة هذه المظاهرات استشهاد (‪ )23‬من المتظاهرين ومقتل أربعة‬
‫من الشرطة واعتقال (‪ )73‬متظاهرا ً في بغداد وحدها‪ ،‬فضالً عن عدد كبير من الجرحى من‬
‫كال الجانبين‪.‬‬
‫بدأت قوات الجيش بالنزول إلى شوارع بغداد والميادين الرئيسية في حوالي الساعة‬
‫الثانية بعد الظهر‪ ،‬وكانت تستقبل بالهتاف بحياة الجيش‪ .‬وأعلن نور الدين محمود‪ ،‬رئيس‬
‫اركان الجيش‪ ،‬ان الوصي كلفه بتشكيل الوزارة الجديدة‪ ،‬واستطاعت الوزارة الجديدة‬
‫من السيطرة على األوضاع في بغداد‪ ،‬وأعلنت األحكام العرفية‪ ،‬وعطلت جميع األحزاب‬
‫السياسية‪ ،‬واعتقال قادتها‪ ،‬كما عطلت الكثير من الصحف الوطنية‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫تميزت االنتفاضة‪ ،‬التي كان لها تأثير كبير في المسيرة المتطورة للحركة الوطنية‪ ،‬بالعداء‬

‫الشديد للسلطة القائمة‪ ،‬وبالتماسك القوي بين القوى الوطنية‪ ،‬وبرفع شعارات وطنية‬

‫تطالب باإلصالح الجذري في كافة نواحي الحياة السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫‪ -3‬ميثاق بغداد وانتفاضة عام‪1956‬م‪:‬‬


‫أ‪ -‬ميثاق بغداد‪:‬‬
‫كانت السياسة البريطانية في الشرق األوسط‪ ،‬بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬تقوم على‬

‫ركنين أساسيين‪ ،‬األول تشجيع دول المنطقة على عقد االتفاقيات فيما بينها لضمان‬

‫األمن واالستقرار‪ ،‬ثم السعي إلى جمعها في تنظيم واحد يسمى «الكتلة الشرقية»‪.‬‬

‫وثانيهما السعي إلى عقد معاهدات ثنائية بين بريطانيا وحلفائها في الشرق األوسط‪،‬‬

‫تضمن لبريطانيا مصالحها الحيوية عن طريق ضمان الدفاع المشترك واالستفادة من‬

‫القواعد العسكرية‪.‬‬

‫سمي «مشروع القيادة العليا‬


‫وفي بداية الخمسينيات طرحت الدول الغربية فكرة ما ّ‬
‫للحلفاء في الشرق األوسط» الذي تضمن األمور االتية ‪:‬‬
‫‪ -1‬ان الدفاع عن الشرق األوسط أمر حيوي بالنسبة للعالم الحر‪ ،‬وان الدفاع ضد العدوان‬
‫الخارجي يكفل فقط عن طريق التعاون مع الدول التي يهمها األمر‪.‬‬
‫‪ -2‬ان هدف ووظيفة «قيادة الشرق األوسط» هي مساندة الدول التي ترغب في االشتراك‬
‫في الدفاع عن الشرق األوسط‪ ،‬وتنمية قابلية كل دولة كي تصبح قادرة للوقوف ضد أي‬
‫عدوان خارجي‪.‬‬
‫‪ -3‬الوقوف ضد االتحاد السوفييتي من خالل تكتل الدول الغربية ضد المد الشيوعي ‪.‬‬
‫قوبلت هذه السياسة بمعارضة شعبية واسعة في العراق‪ ،‬ودعت الحركة الوطنية إلى‬
‫جالء الجيوش األجنبية عن العراق جالءا ً تاماً‪ ،‬ورفض المشاريع االستعمارية‪ ،‬وتحريم الدعاية‬
‫للحرب‪ ،‬والدعوة إلى سياسة الحياد وعدم االنحياز‪ .‬ولكن الحكومات العراقية المتعاقبة‬
‫كانت تحبذ سياسة األحالف الغربية‪ ،‬واشترط نوري السعيد عند تأليف وزارته الثانية‬
‫‪140‬‬
‫عشر في ‪ 3‬آب ‪1954‬م ان ترتكز سياسته الخارجية على األسس االتية‪:‬‬
‫‪ -1‬إنهاء المعاهدة العراقية‪ -‬البريطانية لعام ‪1930‬م‪ ،‬عن طريق إحالل صيغة جديدة‬
‫للتعاون مع بريطانيا‪.‬‬
‫‪ -2‬الحرص على تعزيز عالقات األخوة والصداقة مع البلدان العربية‪.‬‬
‫‪ -3‬العمل على توثيق العالقات مع الدول المجاورة (تركيا وإيران)‪ ،‬وتعزيز التعاون بينها‬
‫وبين الدول العربية لدفع الخطر الصهيوني‪.‬‬
‫ولتحقيق هذه السياسة سار نوري السعيد على سياسة محاربة الحركة الوطنية‬
‫وأصدر سلسلة من المراسيم اإلرهابية تتضمن إسقاط الجنسية عن المعارضين‪ ،‬وحل‬
‫األحزاب السياسية العلنية‪ ،‬والنقابات العمالية‪ ،‬وإغالق الصحف الوطنية‪ ،‬وفرض الرقابة‬
‫على المطبوعات‪ ،‬ومنع التظاهرات واالجتماعات العامة‪ .‬وبعد ان اطمأن إلى األوضاع‬
‫الداخلية توصل مع تركيا إلى توقيع «ميثاق التعاون المتبادل بين العراق وتركيا» في‬
‫شباط ‪1955‬م‪ ،‬وكان الركيزة األساس لما عرف فيما بعد بميثاق بغداد‪ ،‬وتضمن األمور‬
‫االتية‪:‬‬
‫التعاون بين الدولتين لغرض صيانة سالمتها والدفاع عن كيانهما وفقا ً ألحكام‬ ‫‪-1‬‬
‫المادة (‪ )51‬من ميثاق األمم المتحدة‪.‬‬
‫التعهد بعدم التدخل بأي شكل من األشكال في الشؤون الداخلية ألحداهما من‬ ‫‪-2‬‬
‫األخرى‪ ،‬وفض النزاع بينهما بالطرق السلمية‪.‬‬
‫يكون الميثاق مفتوحا ً لإلنضمام إليه من قبل أية دولة من دول الجامعة العربية‬ ‫‪-3‬‬
‫وغيرها من الدول التي يهمها أمر السلم واألمن في هذه المنطقة بصورة فعالة‪ ،‬والمعترف‬
‫بها اعترافا ً كامالً من كال الفريقين المتعاقدين‪.‬‬
‫يشكل مجلس دائم من الوزراء للعمل ضمن نطاق أهداف هذا الميثاق‪ ،‬وذلك عندما‬ ‫‪-4‬‬
‫يبلغ عدد الدول األطراف في هذا الميثاق ما ال يقل عن األربعة‪ ،‬ويقوم المجلس بوضع نظامه‬
‫الداخلي‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫رحبت بريطانيا بعقد الميثاق العراقي‪-‬التركي‪ ،‬وأعلنت عن تأييدها للميثاق تأييدا ً كامالً‪،‬‬
‫وأعربت عن أملها في توسيعه ليصبح للشرق األوسط بأكمله‪ .‬وسارعت بريطانيا إلى‬
‫الغاء المعاهدة العراقية‪ -‬البريطانية لعام ‪1930‬م‪ ،‬وتوقيع االتفاق الخاص مع العراق‪،‬‬
‫واالنضمام إلى الميثاق العراقي – التركي‪ .‬وأعقب انضمام بريطانيا انضمام دولتي‬
‫الباكستان و إيران ‪ ،‬فأصبح عدد الدول المشاركة فيه خمس دول‪ ،‬كما انضمت الواليات‬
‫المتحدة األمريكية إلى لجنته العسكرية‪ ،‬وشكل المجلس الوزاري الدائم للميثاق‪ ،‬الذي‬
‫أصبح اسمه «ميثاق بغداد»‪.‬‬
‫قوبل الميثاق بالمعارضة في العراق‪ ،‬وأصبح شعار سقوط ميثاق بغداد شعارا ً وطنيا ً‬
‫التفت حوله فصائل الحركة الوطنية التي رفعت شعار الحياد وعدم االنحياز‪.‬‬
‫ب‪ -‬انتفاضة عام ‪1956‬م‪:‬‬
‫سارت مصر بعد نجاح ثورتها في ‪ 23‬تموز ‪1952‬م‪ ،‬على سياسة تحررية وتقدمية تهدف‬
‫إلى مساندة الشعوب الرازحة تحت السيطرة االستعمارية‪ ،‬والسيما العربية‪ ،‬للتحرر‬
‫والحصول على االستقالل‪ ،‬واتباع سياسة الحياد وعدم االنحياز في العالقات الدولية‪.‬‬
‫وفي ضوء ذلك شاركت مصر في مؤتمر باندونك للدول غير المنحازة‪ ،‬وأظهرت رفضها‬
‫لألحالف والمشاريع االستعمارية‪ .‬وقد تعرضت مصر جراء ذلك إلى ضغوط اقتصادية من‬
‫الدول االستعمارية‪ ،‬منها سحب تمويل مشروع السد العالي من قبل الدول الغربية‪ ،‬وهو‬
‫المشروع الذي كانت مصر تعول عليه كثيرا ً لزيادة رقعة األرض الزراعية‪.‬‬
‫أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس في ‪ 26‬تموز ‪1956‬م‪،‬‬
‫وقوبل هذا اإلعالن بالوعيد والتهديد من الدول الغربية المستفيدة من القناة وبالذات‬
‫بريطانيا وفرنسا اللتان عملتا وباالتفاق مع الكيان الصهيوني لوضع الخطط للعدوان على‬
‫مصر‪ .‬وحسب الخطة التي وضعت شن الكيان الصهيوني عدوانه على مصر في ‪ 29‬تشرين‬
‫األول ‪1956‬م‪ ،‬واشتركت بريطانيا وفرنسا في العدوان في األول من تشرين الثاني‪ .‬وكان موقف‬
‫الحكومة العراقية سلبيا ً ولم تقف بقوة ضد العدوان الثالثي على مصر‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫خريطة قناة السويس‬
‫وعلى النقيض من موقف الحكومة العراقية خرجت الجماهير الشعبية في العراق‬
‫تتظاهر ضد العدوان‪ ،‬وانفجر الوضع في بغداد صباح الخميس األول من تشرين الثاني‪،‬‬
‫وتظاهر طلبة الكليات والمعاهد العالية‪ .‬ففي ساحة كلية الطب تجمع طلبة كليتي‬
‫الطب والصيدلة والكيمياء واخذوا يهتفون بحياة مصر ورئيسها جمال عبد الناصر‪،‬‬
‫وبسقوط دول العدوان‪ ،‬بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني‪ .‬وتظاهر طلبة كلية التجارة‬
‫واالقتصاد مطالبين بالتعبئة العامة والسالح وقطع النفط عن الدول االستعمارية‪،‬‬
‫وبسقوط وزارة نوري السعيد وميثاق بغداد واالستعمار‪ .‬كما خرجت مظاهرة كبيرة تطالب‬
‫الحكومة بإعالن موقفها من العدوان على مصر‪ ،‬فانقضت الشرطة على المتظاهرين‬
‫وضربوهم بقسوة‪.‬‬
‫سارعت الحكومة إلى إعالن األحكام العرفية‪ ،‬ومنع المظاهرات‪ ،‬وتعطيل الدراسة‬
‫في المدارس المتوسطة والثانوية والمعاهد والكليات‪ ،‬لكن ذلك لم يمنع من خروج‬
‫المظاهرات يومياً‪ ،‬واتساع نطاقها إلى مناطق العراق المختلفة‪ ،‬واعتقل المئات من‬
‫المتظاهرين وقدموا إلى المجالس العرفية‪ ،‬وفصل الكثير من طلبة الكليات وسيقوا إلى‬
‫الخدمة العسكرية‪ ،‬كما اعتقل قادة األحزاب السياسية وأساتذة الكليات وتم نفي البعض‬
‫منهم إلى مناطق العراق النائية‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫امتدت التظاهرات إلى النجف االشرف وكربالء المقدسة والموصل والبصرة والحي‬
‫والعمارة والحلة وبعقوبة‪ ،‬وشهدت مدينة النجف االشرف يوما ً داميا ً في ‪ 24‬تشرين الثاني‪،‬‬
‫حيث استخدمت الشرطة العيارات النارية لتفريق المتظاهرين فأدى ذلك إلى استشهاد‬
‫اثنين من المتظاهرين‪ ،‬ودفع ذلك إلى إرسال القوات العسكرية إلى النجف االشرف إلعادة‬
‫السيطرة عليها‪ .‬وما حدث في النجف االشرف حدث مثله في مدينة الحي في ليلة ‪18‬‬
‫كانون األول حيث استطاع المتظاهرون السيطرة على المدينة‪ ،‬وقد حكم على اثنين من‬
‫المتظاهرين هما كل من علي الشيخ حمود وعطا مهدي الدباس باإلعدام‪ ،‬ونفذ الحكم‬
‫علنا ً في شوارع الحي‪.‬‬
‫لم تؤد هذه اإلجراءات القاسية إلى إيقاف االنتفاضة‪ ،‬ودعت الحركة الوطنية إلى‬
‫األضراب حتى سقوط وزارة نوري السعيد وتأليف حكومة وطنية تقوم بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬معاقبة الخونة والمتسببين في سفك دماء الشعب‪ ،‬وإطالق سراح ضحايا النضال‬
‫الوطني‪.‬‬
‫‪ -2‬االنسحاب من ميثاق بغداد‪ ،‬وقطع العالقات مع بريطانيا‪ ،‬والتضامن مع الحكومات‬
‫العربية التحررية‪.‬‬
‫‪ -3‬إيقاف ضخ النفط إلى المستعمرين ما لم تنسحب الجيوش االستعمارية المعتدية‬
‫من مصر‪.‬‬
‫‪ -4‬ضمان حقوق الشعب الدستورية وإطالق الحريات الديمقراطية‪.‬‬
‫‪ -5‬رفع الضرائب الفادحة‪ ،‬وإجابة مطالب الشعب المشروعة‪.‬‬
‫وفي النهاية البد من القول ان أسباب االنتفاضة كانت كامنة في نفوس الجماهير‬
‫منذ بدأ نوري السعيد إجراءاته اإلرهابية ضد الحركة الوطنية للتمهيد لعقد ميثاق‬
‫بغداد‪ ،‬وعزل العراق عن محيطه العربي‪ .‬وكان تأميم قناة السويس والعدوان على مصر‪،‬‬
‫وموقف حكومة العراق منه وتآمرها مع بريطانيا إلسقاط نظام الحكم في مصر‪ ،‬الشرارة‬
‫التي أشعلت فتيل االنتفاضة‪ .‬وقد نجحت االنتفاضة في توحيد الجماهير حول شعارات‬
‫مشتركة‪ ،‬ولفتت أنظار الرأي العام العالمي إلى ما يجري داخل العراق من نضال في‬
‫سبيل إصالح األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫كما حدث ابان العهد المقبور من قصف مدينة حلبجة في كوردستان العراق بالسالح‬
‫الكيمياوي السام في ‪1988/3/16‬م والذي راح ضحيته أالف من الشعب العراقي وجريمة‬
‫االنفال باعتبارها جريمة ضد االنسانية بحق شعبنا الكردي كما تم تدمير عشرات القرى‬
‫واالديرة والكنائس التي يعود تاريخها الى القرون االولى للمسيحية‪ ,‬وقد قام النظام‬
‫السابق بتهجير عشرات األالف من العراقيين ( الكرد الفيلية) بحجة التشكيك في‬
‫هويتهم العراقيه وضد المسيحيين وابناء قومية الشبك وااليزيديين من مناطقهم في‬

‫‪144‬‬
‫عديدة‪ ،‬محلية ومهنية‪ ،‬تمثل مناطق العراق المختلفة‪ .‬أما وظائف اللجان الوطنية فهي‪:‬‬
‫‪ -1‬نشر األهداف الوطنية المتفق عليها‪ ،‬وربطها بمشاكل الجماهير الواقعية‪.‬‬
‫‪ -2‬تكتل الوطنيين المستعدين للتضحية‪ ،‬وإشراكهم باستمرار وعلى أوسع نطاق في العمل‬
‫التنظيمي‪.‬‬
‫‪ -3‬جمع الحقائق والمعلومات ونقلها إلى اللجنة العليا لتزويد القيادة الوطنية بأصدق المعلومات‬
‫عن األوضاع العامة لوضع الخطط السياسية على أساس واقعي وعلمي لمعالجتها‪.‬‬
‫‪ -4‬تنفيذ الخطط والقرارات الصادرة من اللجنة الوطنية العليا بحزم وتصميم‪،‬‬
‫والمساهمة في صنع القرارات‪.‬‬
‫‪ -5‬العناية بتنمية الموارد المالية التي تمد الحركة الوطنية بحاجاتها العامة في هذا الصدد‪.‬‬
‫كانت مشاركة اللجان الوطنية‪ ،‬السيما المهنية مثل لجان المحامين واألدباء‬
‫والمعلمين والمهندسين في عمل اللجنة يعد إسهاما ً ذا أهمية بالغة في دعم نشاط‬
‫األحزاب المشتركة فيها‪.‬‬
‫تابعت الجبهة تطورات األحداث الداخلية والعربية والعالمية عن طريق إصدار البيانات‬
‫التي تحدد مواقف الجبهة منها‪ .‬ويمكن القول ان جبهة االتحاد الوطني قد أسهمت بدور‬
‫هام في تعزيز الروح الوطنية وحشد الطاقات العسكرية والمدنية‪ ،‬وتوحيد النشاطات‬
‫الحزبية والمستقلة وتكتيلها لمقاومة األوضاع الشاذة‪ ،‬والعمل لتحقيق أهداف الحركة‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫قيام ثورة ‪ 14‬تموز ‪1958‬م‬
‫شعرت الحركة الوطنية العراقية انه البد من تغيير نظام الحكم بعد ان ظهرت للعيان‬
‫مساوؤه التي سبق الكالم عنها ‪ .‬فاقتنع عدد من الضباط بان ذلك اليمكن تحقيقه دون‬
‫ان يكون للجيش دور في ذلك ‪ ،‬فشكلوا اللجنة العليا للضباط االحرار واقسموا يمين‬
‫الوالء للوطن والعمل على اسقاط النظام الملكي واعالن الجمهورية بالتعاون مع جبهة‬
‫االتحاد الوطني واختير الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيسا ً للتنظيم بصفته اقدم‬
‫الضباط واعالهم رتبة ‪.‬‬
‫وقد جاءت الفرصة المناسبة السقاط النظام عندما تحرك اللواء العشرين المتمركز‬
‫في ديالى نحو المملكة االردنية الهاشمية لمساندة الجيش االردني لرد االعتداءات‬
‫الصهيونية‪ .‬فاتفق بعض الضباط االحرار وفي مقدمتهم الزعيم الركن عبد الكريم‬
‫قاسم والعقيد الركن عبد السالم محمد عارف على تنفيذ خطتهم عند مرورهم ببغداد ‪.‬‬
‫وفي صبيحة الرابع عشر من تموز تمكن العقيد الركن عبد السالم محمد عارف من‬
‫السيطرة على دار االذاعة والمراكز الحيوية في بغداد ‪ ،‬واعلن البيان االول للثورة الذي تضمن‬
‫‪146‬‬
‫اسئلة الفصل الخامس‬
‫س‪ /1‬عرف ماياتي ‪:‬‬
‫‪ -3‬انتفاضة ال ازيرج‪.‬‬ ‫‪ -1‬حكومة الدفاع الوطني ‪ -2 .‬معاهدة بورتسموث‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروع القيادة العليا للحلفاء في الشرق االوسط‪.‬‬ ‫‪ -4‬نور الدين محمود ‪.‬‬
‫س‪ /2‬ما ابرز مطالب جبهة االتحاد الوطني في العراق ؟‬
‫س‪ /3‬بعد انهيار حكومة الدفاع الوطني عاد الوصي عبد االله الى العراق ‪ ،‬ما اهم‬
‫االجراءات التي اتخذها ضد الحركة الوطنية ؟‬
‫س‪ /4‬ما ابرز مميزات وثبة كانون التي حدثت في العراق عام ‪1948‬م ؟‬
‫س‪ /5‬دعت الحركة الوطنية في العراق خالل انتفاضة عام ‪1952‬م الى تأليف حكومة‬
‫وطنية تقوم ببعض االنجازات‪ ،‬عددها ‪.‬‬
‫س‪ /6‬لقد شكلت جبهة االتحاد الوطني ‪1957‬م لجان وطنية ‪ .‬ما وظائف اللجان الوطنية؟‬
‫س‪( /7‬حققت ثورة ‪ 14‬تموز ‪1958‬م انجازات كبيرة على مختلف الصعد السياسية‬
‫واالقتصادية وا الجتماعية ) ناقش ذلك ‪.‬‬
‫نشاط‬
‫‪ -‬اجمع صورا ً او عمالت او طوابع صدرت بعد ثورة ‪ 14‬تموز ‪1958‬م وعلقها في جدارية‬
‫مع كتابة بحث موجز عن انجازات هذة الثورة ‪.‬‬
‫‪ -‬يشارك الطلبة في حلقة نقاشية باشراف المدرسة ‪ /‬المدرس لمناقشة التالحم‬
‫الشعبي خالل وثبة كانون ‪1948‬م‪.‬‬
‫‪ -‬يقوم الطلبة بزيارة المكتبة المدرسية لالطالع على المصادر التي توثق موقف العراق‬
‫خالل الحرب العالمية الثانية ‪ .‬مع كتابة بحث موجز عنها ‪.‬‬
‫‪ -‬لقد نالت انتفاضة العراق ‪1941‬م تأييد علماء الدين ‪ .‬اكتب نبذة موجزة عن هؤالء‬
‫العلماء ‪ .‬باشراف المدرسة ‪ /‬المدرس‪.‬‬

‫املواطن الذي ميتلك صفات املواطنة هو‪:‬‬


‫الذي يحترم القانون حتى لو خالفه الكثير من املتجاوزين واملعتدين‬
‫عليه‬
‫‪148‬‬
‫الفصل السادس‬
‫االستعمار االوربي للبالد العربية‬
‫االستعمار االوربي‬
‫عندما بدأ الحكم العثماني للبالد العربية يتراخى في عهده االخير نتيجة لتصاعد‬
‫حركات المعارضة واالنتفاضات‪ .‬اخذت الحكومة المركزية تفقد سيطرتها على الكثير‬
‫من الواليات العربية التابعة لها‪ ،‬بعد ان ازداد التدخل االوربي فيها‪ .‬وقد اتخذ هذا‬
‫التدخل في بدايته مظهرا اقتصاديا وثقافيا من اجل زيادة التباعد بين هذه الواليات‬
‫والدولة العثمانية تمهيدا لفصلها عنها ومن ثم السيطرة عليها واستعمارها من‬
‫خالل العمل السياسي والعسكري‪ .‬تزامن ذلك مع زيادة االنتاج الصناعي االوربي وحاجة‬
‫الدول الصناعية الى المواد االولية لمصانعها واالسواق لتصريف بضائعها الفائضة ‪،‬‬
‫وصار االستعمار مقياسا لقوة الدولة ووزنها في السياسة الدولية‪ .‬كانت البالد العربية‬
‫في مقدمة البلدان التي استهدفها المستعمرون الذين اتخذوا ذرائع واساليب متنوعة‬
‫في استعمارها تتالءم والظروف المحلية والدولية المحيطة بها‪.‬وسنشير الى كيفية‬
‫التغلغل االستعماري في البالد العربية ‪.‬‬
‫‪ -1‬مصر والسودان‬
‫مصر‪:‬‬
‫االحتالل الفرنسي لمصر‬
‫كان من نتائج الحروب التي اندلعت في اوربا بعد قيام الثورة الفرنسية ‪،‬ان توجه‬
‫الفرنسيون بانظارهم نحو الشرق القامة امبراطورية فرنسية تعوضهم عن ما خسروه‬
‫من مستعمرات في اثناء حربهم مع بريطانيا وخروجهم من الهند التي صارت اهم‬
‫المستعمرات البريطانية‪ .‬ولما كانت مصر تحتل موقعا ستراتيجيا وتهيمن على طرق‬
‫المواصالت المارة الى الشرق‪ ،‬فقد توجه اليها القائد الفرنسي نابليون بونابرت بحملة‬
‫كبيرة عام ‪1798‬م من اجل استعمارها‪ ،‬واتخاذها قاعدة للتوسع شرقا‪ ،‬فكان ذلك بداية‬
‫لالستعمار االوربي المنظم للبالد العربية‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫استجاب اسماعيل لمطالب السكان وشكل وزارة جديدة من المصريين ووعد بنظام‬
‫دستوري نيابي‪ ،‬فتولت الوزارة عزل الموظفين االوربيين وزيادة عدد افراد الجيش‪ .‬ولكن‬
‫بريطانيا وفرنسا عارضتا ذلك وطلبتا من اسماعيل التنازل عن الحكم لولده توفيق‬
‫فاضطر الى االستسالم والمغادرة الى ايطاليا منفيا‪.‬واستسلم توفيق لالوربيين فاعاد‬
‫تأسيس المراقبة الثنائية على الشؤون المالية‪ ،‬وازداد تدخل البريطانيين والفرنسيين‪.‬‬

‫ثورة عام ‪1881‬م‬


‫تجمع المثقفون والمفكرون المطالبون باالصالح السياسي وشكلوا جمعية عرفت‬
‫بالحزب الوطني للمطالبة بتحسين االوضاع االقتصادية والوقوف بوجه التدخل االوربي‪،‬‬
‫واقامة النظام الدستوري وتحقيق المساواة بين ابناء المجتمع‪ .‬وفي الوقت نفسه كان‬
‫التذمر في صفوف الضباط قد بلغ ذروته بعد ان تم ابعاد الوطنيين عنه وانقاص عدده‪،‬‬
‫وحاز على المناصب والرتب العليا فيه غير المصريين من المماليك واالتراك والجراكسة‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫برز من بين الضباط احمد عرابي الذي ارتبطت الثورة المصرية باسمه‪ ،‬كان من اسرة‬
‫فالحية مصرية لكنه لم يحصل على الترقيات التي كان يستحقها‪ ،‬والتي لم يكن الوطنيون‬
‫مشمولين بها‪ .‬وانتشرت بين الضباط حركة مدعومة من المفكرين والعلماء تدعو الى‬
‫انصاف الضباط المصريين في المناصب والرتب العسكرية‪ .‬قاد الحركة احمد عرابي‬
‫الذي اختاره الضباط في بداية سنة ‪1881‬م ناطقا باسمهم والذي طالب الخديوي توفيق‬
‫بانهاء الرقابة االوربية على االمور المالية وزيادة عدد افراد الجيش ووقف التدخل االجنبي في‬
‫شؤون مصر وتحديد سلطة الخديوي‪ .‬وبعد ان رفضت مطالبهم توجهوا الى قصر الخديوي‬
‫الذي اصيب بالذعر ووافق على تلك المطالب‪ ،‬وتم تأليف وزارة وطنية في بداية السنة‬
‫التالية تولى فيها احمد عرابي وزارتي الحربية والبحرية وبادرت الوزارة الى اعالن الدستور‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫احمد عرابي‬
‫(‪1911-1841‬م)‬

‫االحتالل البريطاني لمصر‬


‫احتجت بريطانيا وفرنسا وطلبتا من الخديوي توفيق اقالة الوزارة الوطنية ونفي احمد‬
‫عرابي بحجة ان الوزارة تهدد مصالحهما وحياة االجانب في مصر ولكن الوزارة رفضت‬
‫ذلك‪ .‬واحتشد الوطنيون في االسكندرية عندما سمعوا بوصول بوارج حربية بريطانية‬
‫صدام بين الوطنيين واالجانب ادى الى مقتل عدد من االجانب فاضطر‬
‫الى الميناء‪ .‬ووقع ِ‬
‫الخديوي الى الذهاب الى االسكندرية واللجوء الى االسطول البريطاني‪.‬‬
‫عقدت الدول االوربية مؤتمرا في استانبول دعا فيه ممثل بريطانيا الى وجوب التدخل في‬
‫مصر‪ .‬وفي تموز ‪1882‬م بدأ االسطول البريطاني بقصف االسكندرية وانزل قواته فيها‪.‬‬
‫وزحفت قوات اخرى الى القاهرة فدخلتها في منتصف ايلول واستسلم عرابي وحكم‬
‫عليه باالعدام ثم استبدل الحكم بالنفي الى سيالن ‪ .‬وعاد الخديوي الى العاصمة‬

‫‪153‬‬
‫بحماية البريطانيين وتم تعيين احد البريطانيين حاكما عاما لمصر الذي قام بنزع سالح‬
‫الجيش المصري وتسريحه وفرض الغرامات على الشعب‪.‬‬
‫السودان‪:‬‬
‫كان طبيعيا ان يتاثر السودان بما كان يجري في مصر‪ ،‬اذ انه الحق باالدارة المصرية‬
‫في عهد محمد علي‪ ،‬واجرت هذه االدارة العديد من االصالحات ووحدت البالد ونشرت االمن‬
‫واالستقرار‪ .‬كان الموظفون ومعظمهم من االتراك والجراكسة وقليل من المصريين‪.‬‬
‫وسرعان ما دب الفساد واستشرى السيما بعد ان سلمت الحكومة المصرية بعض‬
‫االوربيين المناصب العليا في االدارة‪ ،‬فاثاروا كراهية الشعب لهم‪ .‬وكان السودانيون‬
‫يشعرون بالظلم من التوسع المصري في السواحل الشرقية الفريقيا والقرن االفريقي‬
‫في عهد الخديوي اسماعيل‪ ،‬الن العبء االكبر قد وقع على عاتقهم‪ .‬ولذلك ازدادت‬
‫المعارضة والتذمر واخذت السيادة المصرية باالنحسار ‪.‬‬

‫محمد المهدي السوداني‬


‫(‪1885-1843‬م)‬

‫‪154‬‬
‫حركة محمد المهدي‬
‫ظهرت في السودان شخصية قيادية سنة ‪1881‬م هو محمد احمد الملقب بالمهدي‪.‬‬
‫استطاع المهدي ان يوحد الشعب في حركة مسلحة من خالل تحريك شعور االهالي‬
‫واثارة حميتهم بحيث عم التذمر بين السودانيين ورأوا فيه الشخص الذي يمكن ان‬
‫يقودهم‪ .‬تزامن ذلك مع ثورة مصر فاعلن نفسه المهدي المنتظر والمكلف بتأسيس‬
‫دولة اسالمية عاصمتها مكة المكرمة‪ .‬وعندما اراد حاكم السودان ان يمنعه من ذلك‬
‫اصطدم به المهدي وانتصر على قواته‪ ،‬وكان هذا االنتصار عامال في زيادة اعتقاد انصاره‬
‫فيه‪ .‬وفي ايلول‪1882‬م وهو الشهر الذي دخلت فيه القوات البريطانية القاهرة استولى‬
‫انصاره على مدينة االبيض عاصمة كردفان واتخذوها قاعدة لهم‪ ،‬وامتدت الثورة الى كل‬
‫انحاء السودان حقق فيها السودانيون انتصارات على القوات الحكومية‪.‬‬
‫وجدت بريطانيا ان الفرصة اصبحت مواتية الخراج المصريين من السودان بعد قتل‬
‫القائد البريطاني واركان حربه وابادة جيشه في احدى المعارك عام ‪1883‬م واستسالم‬
‫حكام المديريات (االجانب) الى المهدي‪ ،‬الذي شمل حكمه السودان باجمعه‪ .‬فطلبت‬
‫من الخديوي توفيق اخالء السودان وسحب الجيش المصري فتم سحب كل الموظفين‬
‫والحاميات المصرية‪ .‬وعينت بريطانيا الجنرال غوردون حاكما على السودان عام ‪1884‬م‪،‬‬
‫لكن قوات المهدي حاصرته في الخرطوم فاضطرت بريطانيا الى ارسال قوات اخرى‪.‬‬
‫دخل المهديون في بداية عام ‪1885‬م الخرطوم وقتلوا غوردون وجنده ولكن المهدي توفي‬
‫بعد خمسة اشهر فتولى القيادة خليفته (التعايشي)‪ .‬ولم يكن االخير يملك مؤهالت‬
‫المهدي فضعفت الدعوة المهدية‪.‬‬
‫التنافس االستعماري على السودان‪:‬‬
‫ازداد التنافس االستعماري في المنطقة فاستولى االيطاليون على ارتيريا ومنها مدوا‬
‫نفوذهم الى السودان والحبشة‪ ،‬لكن االحباش هزموهم في معركة عدوة عام ‪1895‬م‪.‬‬
‫وارسلت فرنسا قوة الحتالل السودان وارسلت بريطانيا بدورها قوة مشتركة بريطانية‬
‫‪ -‬مصرية للغرض نفسه ‪ .‬وكادت الحرب ان تقع بين الدولتين ولكن مفاوضات طويلة‬
‫جرت بينهما ادت الى انسحاب القوات الفرنسية عام ‪1899‬م‪ .‬عقدت الدولتان اتفاقية‬
‫صار بموجبها السودان باجمعه بايدي القوات البريطانية ‪ -‬المصرية وبدأ ما يسمى‬
‫‪155‬‬
‫(الحكم الثنائي االبريطاني ـ المصري)‪ .‬وصار تعيين الحاكم البريطاني للسودان يتم‬
‫بتوصية من بريطانيا وبمرسوم يصدره خديوي مصر على ان تتحمل الحكومة المصرية‬
‫اعباء االحتالل‪ .‬وان تكون السلطة الفعلية بايدي البريطانيين واطلق على السودان اسم‬
‫(السودان االنكليزي المصري)‪.‬‬
‫‪ -2‬الجزائر‬
‫تميزت الجزائر بموقعها الستراتيجي وكونها حلقة اتصال بين السواحل الجنوبية‬
‫الوربا والسواحل الشمالية للقارة االفريقية ووقوعها على طريق المواصالت بين شرق‬
‫البحر المتوسط وغربه‪ .‬وكانت تتمتع باستقالل ذاتي عن الدولة العثمانية ولها اسطول‬
‫قوي‪ ،‬فضال عن مواردها االقتصادية من الزراعة والثروات المعدنية ووفرة االيدي العاملة‬
‫ولها على الحكومة الفرنسية ديون كبيرة‪.‬‬
‫االحتالل الفرنسي‬
‫بحثت الدول االوربية موضوع الجزائر في مؤتمرات عدة في بداية القرن التاسع عشر‪ ،‬من‬
‫اجل محاربتها وتحطيم اسطولها‪ ،‬بذرائع مختلفة منها مساعدتها لالسطول العثماني‪،‬‬
‫وممارسة ما اسموه (القرصنة) حسب ادعائهم‪ .‬وراحت هذه الدول والسيما فرنسا‬
‫تخطط الحتاللها‪ ،‬وكانت هذه الفكرة تدور في اذهان الفرنسيين قبل الثورة الفرنسية‪.‬‬
‫وتاثرت العالقات الفرنسية الجزائرية بالصراع القائم بين فرنسا وبريطانيا‪ ،‬اذ اراد نابليون‬
‫بونابرت االفادة من موقع الجزائر في ذلك الصراع باقامة قاعدة بحرية فيها تعرقل‬
‫المواصالت البريطانية‪ .‬فارسل المهندسين لدراسة المشروع ووضع الخرائط الالزمة‪،‬‬
‫لكن فرنسا انشغلت عن ذلك بسبب التحالف االوربي ضدها‪ .‬وبعد سقوط نابليون وضرب‬
‫بريطانيا مدينة الجزائر عام ‪1824‬م‪،‬اشتبكت السفن الجزائرية مع بعض سفن البابا‪،‬‬
‫واحتجت فرنسا لدى الحكومة الجزائرية طالبة منها تعهدات بعدم التعرض للسفن‬
‫ودفع تعويضات عن ما سلب من سفن البابا‪ ،‬كما اعدت وحدات بحرية للضغط على‬
‫الجزائر‪.‬‬
‫وفي احدى المقابالت طالب حاكم الجزائر القنصل الفرنسي بالديون المتأخرة على‬
‫حكومته ولكن القنصل رفض ذلك بطريقة غير دبلوماسية وفيها شيء من الغطرسة‬
‫والتعالي‪ .‬فاشار اليه حاكم الجزائر بمروحته للخروج‪ ،‬ولكن المروحة مست القنصل‬
‫فعدت فرنسا ذلك اعتداءا ً على كرامتها واهانة لشرفها واتخذته سببا لغزو الجزائر‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫اعلنت فرنسا الحرب على الجزائر عام ‪1827‬م ‪،‬وحاصرت قواتها المواني الجزائرية ثالث‬
‫سنوات وتمكنوا من دخول العاصمة الجزائر في ‪ 5‬تموز ‪1830‬م فاستسلم حاكمها واجبر‬
‫على توقيع معاهدة مع فرنسا وانزلت االعالم العثمانية ورفعت االعالم الفرنسية محلها‪.‬‬
‫واعلن الفرنسيون انهم جاءوا محررين لكنهم ارتكبوا اعمال سلب ونهب وحرق وتخريب‬
‫وقتل للسكان دون تمييز‪ .‬ثم قامت القوات الفرنسية ببسط سيطرتها على بقية المدن‬
‫الساحلية بعد مقاومة شديدة استمرت عدة سنوات‪ .‬واعلنت الحكومة الفرنسية ان‬
‫الجزائر ارضا فرنسية ‪ ،‬وعينت عليها حاكما عسكريا عاما‪ .‬ونتيجة الستمرار القوات‬
‫الفرنسية في ممارساتها العدوانية فقد تم توحيد فصائل المقاومة بزعامة االمير‬
‫عبد القادر الجزائري وكان قائدا جريئا سعى لتنظيم دولته في المناطق الداخلية من‬
‫البالد‪ ،‬واهتم بالجيش وتدريبه وتسليحه ونظم االدارة والقضاء والتعليم وطبق العدالة‪.‬‬
‫فالتحقت به الكثير من القبائل وعقد معاهدة مع الفرنسيين اعترف فيها باحتاللهم‬
‫للمناطق الساحلية واعترفوا بسيادته على المناطق الداخلية‪.‬‬

‫االمير عبد القادر الجزائري‬


‫(‪1883-1808‬م)‬

‫‪157‬‬
‫الوهابية‪ .‬وارسلت بريطانيا بعثة لدراسة احوال المنطقة ومسح السواحل الجنوبية‬
‫لشبه الجزيرة العربية ودراسة احوالها ورسم الخرائط لها‪ .‬ثم استغلت غرق احدى‬
‫السفن الهندية قرب ميناء عدن عام ‪1837‬م لتتخذ من ذلك ذريعة لالحتالل‪ .‬فطالبت‬
‫سلطان لحج وعدن التعويض عما لحق بالسفينة والمسافرين من اضرار‪ .‬وتقدمت‬
‫قواتها عارضة على السلطان تعويض المتضررين والموافقة على شراء عدن واالراضي‬
‫المحيطة بها مقابل المبلغ الذي يقرره‪.‬‬
‫رفض السلطان العرض فأخذت القوات البريطانية تتدفق على المنطقة من الهند‬
‫صدام قصير بين الجانبين في بداية عام ‪1839‬م‬
‫وفرضت الحصار على الميناء‪ ،‬وبعد ِ‬
‫اضطر السلطان واتباعه الى االنسحاب‪ .‬وسقطت المدينة بايدي البريطانيين ورفع العلم‬
‫البريطاني فوق قصر السلطان‪ .‬وعين القائد البريطاني كأول مقيم سياسي في عدن‪،‬‬
‫الذي توصل الى عقد معاهدات مع شيوخ المناطق المجاورة لها تضمنت االمن والسالم‬
‫وتحولت عدن والجنوب اليمني الى محمية بريطانية‪.‬‬
‫جرت محاوالت عدة الخراج البريطانيين من اليمن لكنها فشلت بعد ان قصف البريطانيون‬
‫المدن الساحلية بالمدفعية‪ .‬ومع ذلك تعرضت القوات المحتلة الى خسائر كبيرة بسبب‬
‫تلك الهجمات التي استمرت حتى عام ‪1846‬م ‪ .‬وقد استخدمت بريطانيا سياسة فرق‬
‫تسد بين الشيوخ والزعماء المحليين فضال عن افتقار السكان الى االسلحة ‪.‬‬
‫‪ -4‬تونس‬
‫كانت تونس تحكمها االسرة الحسينية التي كان حكامها يحكمونها بشكل مستقل‬
‫عن العثمانيين الذين اكتفوا منهم باعالن التبعية االسمية‪ .‬وبعد االحتالل الفرنسي‬
‫للجزائر سنة ‪1830‬م بذل حكامها جهودا من اجل النهوض بالبالد واالهتمام بالجيش‬
‫واالسطول واالدارة والتعليم‪ ،‬واتجهت البالد الى االخذ باساليب الحضارة الغربية لتعزيز‬
‫قدراتها الذاتية في وجه الطامعين‪ .‬ونتيجة لضغط الدول االوربية اضطرت الحكومة‬
‫الجراء اصالحات دستورية تضمن العدل والمساواة بين المواطنين والسماح لالجانب‬
‫بممارسة العمل والتملك ‪ ،‬فتم تنظيم االدارة واصدار الدستور‪ .‬وقد ادى هذا االنفتاح الى‬
‫زيادة تدخل الدول االوربية في شؤون البالد االدارية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫التنافس االستعماري حول تونس‬
‫اشتد التنافس االستعماري حول تونس بعد االحتالل الفرنسي للجزائر وتطلعت فرنسا‬
‫لضمها اليها وشجعت حكامها على انهاء تبعيتهم للدولة العثمانية‪ .‬في حين سعت‬
‫بريطانيا الى ضمان مصالحها في البحر المتوسط فراحت تعمل على تعزيز روابط تونس‬
‫بالدولة العثمانية‪ .‬وكانت اليطاليا هي االخرى مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية‬
‫كبيرة في تونس بحكم الجوار ووجود جالية ايطالية كبيرة فيها‪ .‬فصارت البالد ساحة‬
‫للصراع بين هذه الدول من اجل السيطرة على اسواقها وثرواتها والحصول على االمتيازات‬
‫واالستثمار وتقديم القروض‪ .‬وتوافد اليها المستثمرون الذين صاروا يتمتعون بامتيازات‬
‫كبيرة النشاء المصارف والمدارس وخطوط السكك الحديد والتلغراف وامتالك االراضي‪.‬‬
‫وتصاعدت ديون تونس لهذه الدول االمر الذي اجبرها على قبول تشكيل لجنة دولية‬
‫لإلشراف على مالية البالد‪.‬‬
‫وفي مؤتمر برلين عام ‪1878‬م وبعد مساومات بين الدول الكبرى التي حضرته تقرر‬
‫جعل تونس من نصيب فرنسا‪ .‬وقد وافقت بريطانيا على ذلك مقابل اعطائها قبرص‬
‫ووافقت المانيا وروسيا على ذلك ايضا‪ .‬واصبح الطريق مفتوحا امام فرنسا التي شرعت‬
‫باالستعداد الحتالل تونس بحجة المضايقات التي تتعرض لها الجالية الفرنسية فيها‪،‬‬
‫وتهديد االمن من قبل القبائل التونسية الساكنة على الحدود الجزائرية بمهاجمتهم‬
‫الجزائر وتقديم المساعدات للثوار الجزائريين‪.‬‬
‫االحتالل الفرنسي لتونس‪:‬‬
‫في نيسان ‪1881‬م اجتازت القوات الفرنسية الحدود التونسية الجزائرية مدعومة بقوات‬
‫بحرية نزلت في ميناء بنزرت‪ ،‬وتوجهت هذه القوات نحو العاصمة تونس وتمت محاصرة‬
‫قصر الباي (باردو) في ايار واجبر الحاكم على توقيع (معاهدة باردو) التي وضعت البالد‬
‫تحت الحماية الفرنسية‪ .‬وتم احتالل االقسام الساحلية من البالد وتعيين مقيم فرنسي‬
‫عام واعترفت الدول الكبرى بذلك رغم احتجاج الحكومة العثمانية‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫قصر باردو‬

‫رفض التونسيون ذلك باعتباره أعتداءً على سيادتهم وهبوا للدفاع عن البالد‪ ،‬والسيما‬
‫في المناطق الجنوبية والمراكز القبلية وامتدت المقاومة الى المدن الكبيرة‪ .‬ولكن‬
‫القوات التي حشدتها فرنسا والمدعومة باالسطول مكن الفرنسيين من القضاء على‬
‫المقاومة وتحكمت فرنسا في شؤون البالد ‪ ،‬ونصبت حاكما تونسيا جديدا سنة ‪1883‬م‪.‬‬
‫بسطت فرنسا سيطرتها على البالد ووسعت صالحيات المقيم الفرنسي الذي‬
‫كانت سلطته اعلى من سلطة الحاكم التونسي‪ .‬واحتل الفرنسيون المناصب العليا‬
‫في االدارة واستولوا على االراضي الخصبة وصار التونسيون مواطنين من الدرجة الثانية‪.‬‬
‫وقيدت الصحافة والمطبوعات ومنعت تشكيل الجمعيات وحددت حرية االجتماعات‪.‬‬
‫وبالمقابل اخذ المواطنون ينظمون انفسهم لمقاومة االحتالل والحصول على المطالب‬
‫المشروعة بطريقة سلمية في اول االمر‪ .‬وذلك من خالل التكتل حول بعض الصحف‬
‫والزعامات الوطنية التي راحت تعمل على نشر التعليم وبث الوعي الوطني والتمسك‬
‫بالعادات والقيم االسالمية وتعليم المرأة واعداد جيل قادر على تحمل مسؤولياته وتمكينه‬
‫من المطالبة بحقوقه الدستورية‪ .‬ولكن اشتداد المعارضة قبل الحرب العالمية االولى‬
‫صدامات مسلحة بين الوطنيين والقوات الفرنسية قضى عليها الفرنسيون‬
‫حولها الى ِ‬
‫بقسوة بالغة‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫‪ -5‬المغرب االقصى ( مراكش)‬
‫ان المـغرب االقـصى ( المملكة المغربية حاليا) هو البلد العربي الوحيد الذي لم‬
‫يخضع للدولة العثمانية على الرغم من المحاوالت التي بذلتها لتحقيق ذلك‪ .‬كانت‬
‫فرنسا تتطلع لضمه اليها نظرا ً لموقعه المتحكم بملتقى البحر المتوسط بالمحيط‬
‫االطلسي واطالله على مضيق جبل طارق واستكماال لسيادتها على بلدان المغرب العربي‬
‫فازداد تدخل فرنسا في شؤونه الداخلية بعد احتاللها للجزائر‪.‬‬

‫خريطة المغرب العربي‬

‫كان المغرب آنذاك يتمتع باالستقالل تحت حكم االسرة العلوية (الحالية) منذ‬
‫النصف االول من القرن السابع عشر ‪ .‬ول ُه عالقات اقتصادية ومعاهدات مع كل من فرنسا‬
‫وبريطانيا واسبانيا ودول اوربية اخرى‪ .‬مما فتح ابواب البالد امام الدول الرأسمالية وتوافد‬
‫عليه االوربيون الذين صاروا يتمتعون باالمتيازات التي منحتهم اياها تلك المعاهدات‬
‫وبحماية قناصلهم‪ .‬وبعد تولي السلطان الحسن االول الحكم عام ‪1873‬م شعر بخطر‬
‫ذلك على بالده فدعا االوربيون الى مؤتمر عقد في مدريد سنة ‪1880‬م وتم تحديد حقوق‬
‫الحماية والتجنس‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫التنافس الدولي حول المغرب االقصى (مراكش)‬
‫دخلت دول جديدة ميدان المنافسة حول المغرب االقصى (مراكش) منها المانيا التي‬
‫اكملت وحدتها عام ‪1870‬م ‪ ،‬واخذت تبحث عن مستعمرات وسعت لمد نفوذها اليه‪،‬‬
‫فيما اخذت فرنسا تحذر المغرب من النفوذ االلماني‪ .‬وعملت اسبانيا هي االخرى على‬
‫تعزيز وجودها فيه بحكم الجوار والسيما بعد االحتالل الفرنسي للجزائر فسيطرت على‬
‫المناطق الساحلية للمغرب المواجهة لجزر كناري عام ‪1885‬م‪ .‬واعلنت حمايتها على‬
‫منطقة واسعة من الساحل االطلسي فضال عن سبتة ومليلة على البحر المتوسط‪،‬‬
‫وبدأت مفاوضات مع فرنسا حول المغرب‪ .‬ولكن بريطانيا عارضت في اول االمر امتداد‬
‫السيطرة الفرنسية ووقفت بوجه المصالح االسبانية خشية تحكمها في مضيق جبل‬
‫طارق‪.‬‬
‫بعد وفاة السلطان الحسن االول عام ‪1894‬م تولى الحكم ولده عبد العزيز وكان صغير‬
‫السن يميل الى االسراف واالقتراض من الدول االوربية‪ .‬فخضع لنفوذ هذه الدول التي زاد‬
‫تدخلها في شؤون البالد ‪ .‬وكثرت المؤامرات وواجه المغرب اضطرابات محلية ومعارضة‬
‫استغلتها فرنسا للحصول على امتيازات اقتصادية وسعت لالتفاق مع اسبانيا حول‬
‫مصالح كل منهما فيه‪ .‬كما عملت على اخذ موافقة بريطانيا على ضمان هذا االتفاق‬
‫وابرمت االتفاق الودي معها سنة ‪1904‬م‪ .‬اطلقت فرنسا يد بريطانيا في مصر مقابل‬
‫اطالق يد فرنسا في المغرب‪ ،‬وتم تقسيم المغرب بين فرنسا واسبانيا الى منطقتي‬
‫نفوذ لكل منهما‪.‬‬
‫عارضت المانيا االتفاق وعدته موجها ضدها وزار االمبراطور االلماني طنجة واعلن ان‬
‫المغرب دولة مستقلة وانه عازم على حماية المصالح االلمانية فيه‪.‬‬
‫مؤتمر الجزيرة الخضراء‪:‬‬
‫بدعوة من المانيا تم عقد مؤتمر دولي حول المغرب في الجزيرة الخضراء على‬
‫الساحل االسباني عام ‪1906‬م حضر ُه ممثلون عن الدول االوربية المعنية بالموضوع‬
‫والواليات المتحدة االمريكية ‪ .‬وتم االتفاق على احترام هذه الدول لسيادة سلطان‬
‫المغرب واستقالله ووحدة اراضيه وحرية التجارة لكل الدول دون تفرقة‪ .‬وقرر المؤتمر‬
‫اشراف فرنسا على قوة الشرطة وعلى الضرائب والكمارك و تأسيس مصرف دولي وفتح‬
‫بعض الموانيء للتجارة ووضع طنجة تحت ادارة دولية وهكذا تم تدويل قضية المغرب‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫االحتالل الفرنسي واالسباني‪:‬‬
‫شرعت فرنسا بوضع يدها على المناطق الرئيسة من البالد وازاء ذلك ثار المغاربة‬
‫وقرروا خلع السلطان عبد العزيز وتنصيب اخيه عبد الحفيظ بدال ً منُه‪ .‬واندلعت الحرب‬
‫االهلية بين انصار كل منهما انتهت بانتصار عبد الحفيظ الذي اعترفت به الدول االوربية‬
‫سلطانا عام ‪1908‬م مقابل دفع تعويضات لفرنسا واسبانيا واحتفاظ كل منهما بقواتها‬
‫في االجزاء التي احتلتها منه مع مراعاة التزامات المغرب السابقة‪.‬‬

‫السلطان عبد الحفيظ‬


‫(‪1937-1875‬م)‬
‫اعترضت المانيا على ذلك وارسلت احدى سفنها الحربية الى اغادير عام ‪1911‬م‬
‫واعلنت انها لن تسحب السفينة اال بعد انسحاب القوات الفرنسية واالسبانية من‬
‫المغرب‪ .‬وبعد مفاوضات بينها وبين الفرنسيين تم االتفاق على تسليم المانيا منطقة‬
‫في الكونغو الفرنسية مقابل اعتراف المانيا بالحماية الفرنسية على المغرب‪ .‬وقد‬
‫اعترف السلطان عبد الحفيظ بالحماية الفرنسية على بالده سنة ‪1912‬م وصار يمثل‬
‫فرنسا لدى السلطان مقيم فرنسي عام له حق التصديق على المراسيم التي يصدرها‬
‫السلطان وتتولى فرنسا تمثيل المصالح المغربية في الخارج‪ .‬ثم اتفقت كل من فرنسا‬
‫‪164‬‬
‫واسبانيا حول مناطق نفوذهما فاخذت اسبانيا كل من سبتة ومليلة وافني او ما يعرف‬
‫بمنطقة الريف واخذت فرنسا بقية البالد التي عرفت بالمنطقة السلطانية‪.‬‬
‫عارض المغاربة احتالل بالدهم وحصلت ثورات عدة والسيما في االطلس االوسط‬
‫والمناطق الجنوبية من البالد‪ .‬اال انها امتازت بالضعف والتشتت وكانت قياداتها عشائرية‬
‫النزعة باستثناء المقاومة في منطقة الريف التي تزعمها عبد الكريم الخطابي الذي‬
‫اعلن تشكيل اول جمهورية في البالد العربية‪.‬‬
‫‪ -6‬ليبيا ( طرابلس الغرب)‬
‫التنافس الدولي حول ليبيا‬
‫كانت طرابلس الغرب تابعة للدولة العثمانية وكان حكمها ضعيفا بسبب تعسف‬
‫الوالة العثمانيين وثقل الضرائب والتشدد في جبايتها دون اجراء اية محاولة لالصالح‪ .‬ادى‬
‫ذلك الى تذمر الليبيين وقيام حركات معارضة وانتفاضات ضد ذلك الحكم‪ .‬في الوقت‬
‫الذي اشتدت فيه المنافسات عليها بين الدول االوربية والتدخل في شؤونها‪ ،‬والسيما‬
‫بريطانيا وفرنسا وايطاليا التي اكملت وحدتها عام ‪1871‬م وفشلها في احتالل تونس‪.‬‬
‫وكانت ايطاليا تعد ليبيا مجاال حيويا لها بسبب قربها ووقوعها على طريق مستعمراتها‬
‫في القرن االفريقى وقدرتها على استيعاب اكبر عدد من المهاجرين االيطاليين الذين‬
‫اخذت بالدهم تضيق بهم فضال عن غناها االقتصادي ‪.‬‬
‫مهدت ايطاليا لالحتالل من خالل التغلغل االقتصادي واالجتماعي ففتحت المدارس‬
‫لنشر الثقافة واللغة االيطالية وانشأت المستشفيات ومكاتب للبريد والبرق والمصارف‬
‫وأسست فروعا لمصرف روما الذي نشط في عمليات الرهن والتسليف واالستيالء على‬
‫االراضي الزراعية وتقديم القروض وجمع المعلومات‪ .‬وارسلت بعثات لالثار والتنقيب عن‬
‫المعادن ووضعت الخرائط والمصورات الجغرافية لعملياتها العسكرية مستقبال‪.‬‬
‫وعلى الصعيد الخارجي اخذت ايطاليا تمهد لالحتالل بأخذ موافقة الدول االوربية‬
‫المنافسة لها فوعدت بريطانيا بدعم تطلعاتها في مصر مقابل ان تدعم بريطانيا‬
‫مشاريعها في شمال افريقيا والسيما ليبيا‪ .‬وعقدت اتفاقيات مع كل من المانيا واسبانيا‬
‫بالمعنى نفسه‪ .‬واتفقت مع كل من بريطانيا و(النمسا والمجر) عام ‪1887‬م على وجوب‬
‫المحافظة على الوضع الراهن في البحر المتوسط ورفض مطالب فرنسا في ليبيا‬
‫‪165‬‬
‫‪ -8‬سورية ولبنان‪.‬‬
‫تقدمت القوات العربية بقيادة االمير فيصل بن الحسين ودخلت دمشق في بداية‬
‫تشرين االول ‪1918‬م وانسحب منها العثمانيون ‪ .‬ثم دخلتها القوات البريطانية بقيادة‬
‫اللنبي وتم احتالل بيروت وطرابلس وحمص وحلب وانتهت السيطرة العثمانية على بالد‬
‫الشام ‪ .‬ثم اعلنت الهدنة في ‪ 30‬تشرين االول واعلن االمير فيصل تشكيل حكومة‬
‫دستورية مستقلة لكل بالد الشام‪ .‬اما القوات الفرنسية فقد دخلت بيروت وبعض‬

‫المناطق الساحلية من لبنان تنفيذا التفاقية سايكس‪ -‬بيكو وفصلتها عن سورية‪.‬‬


‫توجه االمير فيصل الى مؤتمر الصلح في باريس ممثال عن ابيه الشريف حسين وهناك‬
‫طالب بحق العرب في الحرية واالستقالل‪ .‬لكنه جوبه بمعارضة شديدة من ثالثة قوى‬
‫هي الصهيونية العالمية التي كانت تسعى القامة وطن لليهود في فلسطين‪ ،‬وفرنسا‬
‫التي تريد ان تضع يدها على سورية ولبنان‪ ،‬وبريطانيا التي تريد تثبيت سيطرتها على‬
‫فلسطين وشرق االردن والعراق‪ .‬وجرت مساومات بين هذه االطراف التي اتفقت على انكار‬
‫تطلعات العرب وعدم الوفاء بالعهود التي قدمها البريطانيون لهم اثناء الحرب‪ .‬فضال‬
‫عن ذلك فان مؤتمر الصلح اقر فصل لبنان عن سورية وضم اجزاء من سورية اليه‪.‬‬
‫بعد مباحثات بين البريطانيين والفرنسيين تم االتفاق على سحب القوات البريطانية‬
‫من بالد الشام‪ ،‬باستثناء شرق االردن‪ ،‬مقابل موافقة فرنسا على تخليها لبريطانيا عن‬
‫والية الموصل العراقية‪ ،‬ووضع فلسطين تحت سيطرة بريطانيا بدال من االدارة الدولية‬
‫التي نصت عليها اتفاقية سايكس‪ -‬بيكو ‪ .‬واستجابة لهذا التحدي قرر المؤتمر السوري‬
‫العام ( الذي كان بمثابة الجمعية الوطنية التي تمثل اعلى سلطة في سورية الكبرى‬
‫انذاك) في ‪ 6‬اذار‪1920‬م اعالن استقاللها بما فيها فلسطين ولبنان وجعلها دولة ملكية‬
‫دستورية ذات سيادة تحت حكم الملك فيصل بن الحسين‪ ،‬على ان يتمتع لبنان بحكم‬
‫ذاتي داخل سورية الموحدة‪ .‬وفي ‪ 25‬نيسان اجتمع المجلس االعلى للحلفاء في سان‬
‫ريمو في ايطاليا وتقرر فرض نظام االنتداب البريطاني على العراق وفلسطين وشرق االردن‪،‬‬
‫واالنتداب الفرنسي على سورية ولبنان والزام المنتدب على فلسطين بتنفيذ وعد بلفور‪.‬‬
‫وما ان صدرت هذه القرارات حتى بادرت فرنسا الى تنفيذها ووجهت انذارا الى الملك‬
‫‪168‬‬
‫فيصل في ‪ 14‬تموز ‪1920‬م عليه تنفيذه خالل اربعة ايام‪ ،‬تضمن االنذار مايلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬قبول االنتداب الفرنسي‪.‬‬
‫‪ .2‬تسليم السكك الحديد الى السلطات الفرنسية‪.‬‬
‫‪ .3‬تسريح الجيش الوطني‪.‬‬
‫‪ .4‬تداول العملة الفرنسية‪.‬‬
‫‪ .5‬ضرب كل من يقاوم الفرنسيين‪.‬‬
‫قرر الملك فيصل وحكومته قبول االنذار وباشر بتنفيذ المطالب الفرنسية‪ ،‬ولكن‬
‫التظاهرات قامت احتجاجا على ذلك‪ ،‬واستولى المتظاهرون على بعض االسلحة وقرر‬
‫المؤتمر السوري عدم شرعية اية حكومة تقبل االنذار‪ .‬وجمع وزير الحربية يوسف‬
‫العظمة ما بقي من الجنود غير المسرحين لمحاربة الفرنسيين ووقعت بين الطرفين‬
‫معركة غير متكافئة (ميسلون) استشهد فيها يوسف العظمة والكثير ممن كانوا‬
‫معه‪ .‬ودخل الفرنسيون دمشق يوم ‪ 25‬تموز ‪1920‬م وتم الغاء الحكومة العربية وابعاد‬
‫فيصل خارج البالد ووضعت سورية ولبنان تحت االنتداب الفرنسي‪.‬‬

‫يوسف العظمة (‪1920-1884‬م)‬

‫‪169‬‬
‫الفصل السابع‬
‫حركات التحرر العربي‬
‫مقدمة‬
‫بعد ان فرضت الدول الكبرى سيطرتها على البلدان العربية وتقاسمت النفوذ فيها‬
‫كالً من بريطانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا‪ ،‬حكمتها حكما مباشرا او نصبت عليها‬
‫حكاما موالين لها‪ .‬وراحت تعمل على ترسيخ سيطرتها بمؤتمرات واتفاقيات عقدت بعد‬
‫انتهاء الحرب العالمية االولى‪ ،‬مثل مؤتمر السالم في باريس عام ‪1919‬م ومؤتمر لوزان‬
‫في سويسرا عام‪1920‬م وبدأت بتطبيق نظام االنتداب واالتفاقات السرية المعقودة في‬
‫اثناء الحرب العالمية االولى والسيما اتفاقية سايكس‪-‬بيكو وكبلتها بمعاهدات ثقيلة‬
‫وسخرت موارد هذه البلدان وثرواتها الطبيعية والبشرية لخدمة مصالحها دون اخذ‬
‫مصالح السكان بنظر االعتبار‪ .‬واتبعت في ادارتها سياسة تهدف الى تقسيمها الى‬
‫وحدات صغيرة واثارة الخالفات فيما بينها وقامت بتجريد السكان من ثقافتهم العربية‬
‫االسالمية من اجل استمرار حكمها الطول مدة ممكنة‪.‬‬
‫كان من الطبيعي ان يعارض الوطنيون هذه السياسة وينتفضون عليها ويعبرون‬
‫عن سخطهم ومطاليبهم باساليب وحركات متنوعة بين سلمية مؤطرة بتنظيمات‬
‫وجمعيات واحزاب سياسية وبين مواجهات وانتفاضات وثورات مسلحة يقودها زعماء‬
‫وطنيون تمكنت على الرغم من التضحيات الجسيمة من تحرير البالد ونيل االستقالل ‪.‬‬
‫مصر‬
‫على الرغم من احتالل بريطانيا لمصر عام ‪1881‬م فقد كانت تعترف بتبعيتها االسمية‬
‫للدولة العثمانية‪ .‬واستغلت قيام الحرب العالمية االولى فاعلنت حمايتها عليها‬
‫وعلى السودان وعينت ريجنالد وينجت مندوبا ساميا لها في مصر‪ .‬وطوال سنوات‬
‫الحرب سخرت ثروات مصر لخدمة مجهودها الحربي وجندت االف المصريين للعمل‬
‫في معسكراتها وفي جيشها‪ .‬االمر الذي عارضه المصريون وبدأوا باالنتفاض على تلك‬
‫السياسة‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫الثوار يرفعون شعارات الغاء الحماية واعالن االستقالل وجالء القوات البريطانية‪.‬‬
‫وتداركا لخطورة الموقف و احتماالت تطوره ارسلت بريطانيا مندوبا ساميا جديدا‬
‫لمصر والسودان هو الجنرال اللنبي ليعمل على انهاء الثورة ‪ .‬فاستخدم اللنبي المدرعات‬
‫والطائرات والقسوة المفرطة بما في ذلك حرق القرى والمزارع االمر الذي ادى الى تراجع‬
‫الثورة‪ ،‬والسيما بعد ان اعيد سعد زغلول ورفاقه من المنفى وسمح لهم بالسفر الى‬
‫باريس لعرض مطالبهم على مؤتمر السالم الذي لم يستمع لتلك المطالب فتجددت‬
‫الثورة‪.‬‬
‫اضطرت بريطانيا الى اصدار تصريح ‪ 28‬شباط ‪1922‬م اعترفت فيه باستقالل مصر‬
‫الشكلي ‪ ،‬واستمر المصريون في النضال من اجل الحصول على االستقالل التام فعقدت‬
‫معاهدة عام ‪1936‬م ‪ ،‬واصبحت مصر عضوا ً في عصبة االمم عام ‪1937‬م ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫استمر التدخل البريطاني في شؤون مصر الداخلية حتى قيام ثورة ‪ 23‬تموز عام ‪1952‬م ‪.‬‬
‫ثورة ‪ 23‬تموز (يوليو)‪1952‬م‬
‫ازداد الموقف سوءا ً بعد هزيمة الجيش المصري في حرب فلسطين عام ‪1949-1948‬م‬
‫ودخل الوفديون بمفاوضات مع بريطانيا حول السودان انتهت بالفشل فازداد الموقف‬
‫تعقيدا ‪ .‬وفي عام ‪1951‬م اعلنت الحكومة المصرية الغاء معاهدة ‪1936‬م من جانب‬
‫واحد وان السودان جزء ال يتجزأ من مصر وصار الملك فاروق يحمل لقب (ملك مصر‬
‫والسودان)‪.‬‬

‫محمد نجيب‬
‫(‪1984-1901‬م)‬
‫‪173‬‬
‫عارض الشعب السوداني ذلك وهب مطالبا باالستقالل ‪ ،‬وحصلت انتفاضات عشائرية‬
‫بعد الحرب متأثرين بما كان يجري في مصر‪ .‬واجتاحت البالد موجة من السخط بعد‬
‫تصريح ‪ 28‬شباط ‪1922‬م حول استقالل مصر والذي ابقى السيادة البريطانية على‬
‫السودان‪ .‬واخذ الوطنيون ينظمون انفسهم بجمعيات وتنظيمات وطنية‪ .‬أذ تكونت‬
‫(جمعية االتحاد) بمبادرة من الضابط علي عبد اللطيف طالبت بأنهاء السيطرة‬
‫صدام مسلح بين االهالي وقوات‬
‫البريطانية على البالد ودعت الشعب الى الكفاح‪ .‬ووقع ِ‬
‫االحتالل وتم اعتقال علي عبد اللطيف وفصله من الجيش‪ .‬ثم شكل علي عبد اللطيف‬
‫جمعية اخرى في الخرطوم (جمعية اللواء االبيض) السرية للمطالبة باالستقالل‪.‬‬
‫فقامت انتفاضة مسلحة في جنوب السودان وشماله تمكن الحاكم العام البريطاني‬
‫من قمعها بعد استقدام قوات عسكرية وعدد من الطائرات‪.‬‬
‫استغلت بريطانيا حادث اغتيال حاكم السودان العام (لي ستاك) بعد قضائه على‬
‫االنتفاضة وعودته الى القاهرة فطالبت بريطانيا الحكومة المصرية بسحب قواتها من‬
‫السودان وقد تم ذلك وانسحب الموظفون المصريون ايضا وحكمت بريطانيا السودان‬
‫حكما مباشرا‪ .‬لكن السودان تاثر باألزمة االقتصادية العالمية وانخفضت اسعار القطن‬
‫االمر الذي ادى الى زيادة التذمر‪ .‬وتراجعت بريطانيا عن سياستها القمعية بسبب التوسع‬
‫االيطالي في المنطقة واحتاللها الحبشة فاعادت العمل بالحكم الثنائي واعادت مصر‬
‫وحداتها الى السودان‪.‬‬

‫الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية‬


‫بعد انتهاء الحرب تصاعدت حدة مطالب الحركة الوطنية باالستقالل وعقدت‬
‫االجتماعات واجتاحت التظاهرات المدن السودانية تطالب بالغاء الحكم الثنائي وجالء‬
‫القوات البريطانية واقامة حكومة وطنية‪ .‬وعندما بدأت المفاوضات بين بريطانيا ومصر‬
‫عام ‪1946‬م توجه وفد من السودان الى القاهرة برئاسة االزهري للمطالبة بتكوين حكومة‬
‫وطنية ديمقراطية وجالء القوات البريطانية واالتحاد مع مصر لكن هذه المطالب رفضت‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫والجل اضعاف الحركة الوطنية اعلنت الحكومة البريطانية مشروعا الصالح دستوري‬
‫يتضمن اقامة حكومة نصف اعضائها من السودانيين مع سلطة تشريعية لكن الشعب‬
‫رفض المشروع ‪.‬وتكونت (جبهة الكفاح الوطني) و(الحركة السودانية للتحرر الوطني)‬
‫وقاطعوا االنتخابات‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فقد تم تمرير مشروع االصالح وافتتحت‬
‫الجمعية التشريعية‪.‬‬
‫كانت الحركة الوطنية قد اشتد ساعدها بعد الحرب بظهور اتحاد عام للعمال دعا‬
‫الى التحرر وتشكلت اتحادات للطلبة والنساء والفالحين‪ .‬وعندما الغت مصر معاهدة‬
‫‪1936‬م واتفاقية الحكم الثنائي رحب السودانيون بذلك‪ .‬لكن السلطات البريطانية‬
‫اعتقلت زعماء الحركة واغلقت المدارس‪ .‬فتم تشكيل (الجبهة الوطنية للنضال من‬
‫اجل تحرير السودان) التي انضمت اليها معظم المنظمات واالحزاب وطالبت بجالء‬
‫القوات البريطانية وانبثقت عنها منظمة اخرى باسم ( الجبهة المتحدة لتحرير‬
‫السودان) التي طالبت بانهاء الحكم الثنائي وجالء القوات البريطانية والمصرية واحالل‬
‫السودانيين محل البريطانيين في الوظائف وانتخاب جمعية تاسيسية‪ ،‬وفي عام ‪1952‬م‬
‫اعلن الدستور الجديد ‪.‬‬

‫استقالل السودان‬
‫بعد قيام الثورة المصرية اتفق السودانيون مع الحكومة المصرية الجديدة على حل‬
‫مسألة السودان ومنح السودانيين حق الخيار بين االستقالل التام او االتحاد مع مصر‪.‬‬
‫فاتفقت جميع االحزاب المنادية باالتحاد مع مصر عام ‪1953‬م على االندماج في (الحزب‬
‫الوطني االتحادي) الذي يرأسة االزهري‪ .‬ووقعت بريطانيا ومصر في القاهرة اتفاقية‬
‫اعترفتا فيها بحق تقرير المصير للسودانيين‪ .‬ولكن السلطات البريطانية خرقت االتفاق‬
‫وبدأت بالضغط على االتحاديين واعتقال زعمائهم‪ ،‬ودعت لفصل الجنوب عن الشمال‪.‬‬
‫ومع ذلك نجح (االتحاديون) في االنتخابات وشكل االزهري الوزارة‪ .‬وفي ‪ 16‬آب ‪1955‬م‬
‫اتخذ البرلمان قراره بالغاء الحكم الثنائي وجالء القوات البريطانية وتحولت السودان الى‬
‫جمهورية مستقلة احتفل رسميا بقيامها بداية العام التالي‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫سوريا‬
‫احتلت القوات الفرنسية دمشق بعد معركة ميسلون عام ‪1920‬م وفرضت سيطرتها‬
‫على كل سوريا‪ .‬وعاملوا السوريين معاملة قاسية ففرضوا عليهم الغرامات المالية‬
‫وامروا بنزع سالح الجيش واالهالي وتقديم المسؤولين عن الثورة الى المحاكم الفرنسية‬
‫التي اقيمت في سوريا‪ .‬وعندما بادرت الحكومة السورية الموالية لهم بتنفيذ هذه‬
‫المطالب رد الوطنيون باغتيال رئيس الحكومة وقتل بعض الجنود الفرنسيين‪ .‬ورد‬
‫الفرنسيون باعدام من اتهموا بعملية االغتيال واغارت الطائرات الفرنسية على المنطقة‬
‫التي وقعت فيها عملية االغتيال واحرقوا الحقول ونصبوا رئيسا جديدا لسوريا مواليا‬
‫لهم‪ .‬واتبع الفرنسيون اساليب وحشية لقمع المعارضة وسياسة فرق تسد بتقسيم‬
‫البالد الى وحدات ادارية صغيرة وعمقوا الخالفات الطائفية لتمزيق اللحمة االجتماعية‬
‫االمر الذي دفع السوريين الى الثورة‪.‬‬
‫ثورة عام ‪1925‬م‬
‫بدأت الثورة في جبل العرب حين هاجم الثوار الحامية الفرنسية في قرية الكفر في‬
‫تموز‪1925‬م وقضوا عليها‪ .‬وسرعان ما امتدت الثورة الى المدن السورية ووقعت معارك بين‬
‫الطرفين كبدت الفرنسيين خسائر كبيرة ودخل الثوار دمشق التي هرب منها المفوض‬
‫السامي الفرنسي وذهب الى بيروت‪ .‬وتصدى الفرنسيون للثوار بالمدفعية والطائرات‬
‫التي قصفت دمشق ‪ 24‬ساعة فتهدمت المباني واستشهد الكثير من السوريين‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من عمليات القمع والتنكيل التي اتخذتها فرنسا وقصفها المدن والقرى بالمدافع‬
‫والطائرات فانها اضطرت بفعل تالحم الشعب اليقاف القصف بشرط ان يدفع السوريون‬
‫التعويضات عن خسائرها‪.‬‬
‫ثم دخل المفوض السامي بمفاوضات مع الثوار حول مطالبهم المتضمنة عقد معاهدة‬
‫تنظم العالقات بين البلدين واقامة حكومة وطنية‪ .‬وقد عين المفوض السامي حاكما‬

‫لسوريا ولكن اعالن الدستور اللبناني عام ‪1926‬م الذي اكد ضم اقضية البقاع وبعلبك‬
‫‪177‬‬
‫استقالل سوريا‬
‫في حزيران عام ‪1940‬م سقطت فرنسا بيد االلمان الذين اقاموا حكومة موالية لهم‬
‫فيها باسم حكومة فيشي وتشكلت حكومة فرنسية اخرى بالمنفى باسم فرنسا‬
‫الحرة‪ .‬ووقعت سوريا ولبنان تحت سيطرة حكومة فيشي‪ .‬كان ذلك يشكل خطرا على‬
‫مصالح الحلفاء فاعلنت حكومة فرنسا الحرة عام ‪1941‬م اعترافها باستقالل سوريا ثم‬
‫تدفقت القوات البريطانية على سوريا وخلصتها من سيطرة حكومة فيشي وسلمتها‬
‫لحكومة فرنسا الحرة‪ .‬واجريت انتخابات فاز فيها شكري القوتلي رئيسا للجمهورية‪.‬‬

‫شكري القوتلي‬
‫(‪1967-1891‬م)‬
‫وعلى الرغم من محاولة الفرنسيين عرقلة االستقالل بعد ان صار انتصار الحلفاء في‬
‫الحرب مؤكدا‪ ،‬وسعت لقمع الحركة الوطنية وبدأت بقصف دمشق من الجو والبحر‪،‬‬
‫لكن الوطنيين استبسلوا في الدفاع واخرجوا الفرنسيين من مناطق عدة فاضطرت‬
‫فرنسا اليقاف العدوان وبدأت بجالء قواتها في ‪ 17‬نيسان ‪1946‬م الذي صار عيدا وطنيا‬
‫للجمهورية السورية المستقلة‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫لبنان‬
‫احتلت القوات الفرنسية بيروت وبعض المناطق الساحلية من لبنان عام ‪1918‬م تنفيذا‬
‫التفاقية سايكس‪-‬بيكو‪ .‬وبعد انتهاء الحرب العالمية االولى تم فرض االنتداب الفرنسي‬
‫على سوريا ولبنان بمؤتمر سان ريمو عام ‪1920‬م‪ ،‬وطبقا لذلك اعلن المفوض السامي‬
‫الفرنسي في بيروت قيام دولة لبنان الكبير بعد ان ضم اليه مناطق واسعة من سوريا‬
‫وهي البقاع وبعلبك وحاصبيا وراشيا على الرغم من احتجاج المؤتمر السوري العام ‪.‬وظل‬
‫لبنان يحكم من الفرنسيين حكما مباشرا لغاية عام ‪1926‬م حين تم انتخاب جمعية‬
‫تأسيسية وضعت الدستور الذي حقق مصالح فرنسا بترسيخ الطائفية وتوزيع المناصب‬
‫على اساس طائفي واعطى فرنسا حق ادارة العالقات الخارجية وحق المفوض السامي‬
‫الفرنسي في نقض جميع القوانين التشريعية االساسية التي ال يوافق عليها‪ ،‬فضال‬
‫عن حقه في حل المجلس النيابي وتعطيل الدستور‪ .‬اي ان الدستور وضع السطات‬
‫االساسية في البالد بيد المفوض السامي‪ .‬وتم تشكيل عدة وزارات كانت كلها تأتمر‬
‫باوامر المفوض السامي ومع ذلك فقد علق العمل بالدستور عام ‪1932‬م وحل مجلس‬
‫النواب مما ولد استياء عاما لدى اللبنانيين‪ .‬واجرى المفوض السامي انتخابات نيابية‬
‫اظهرت تيار معارضة يقوده بشارة الخوري الذي طالب بعقد معاهدة تحل محل االنتداب‬
‫والى جانبه ظهرت تيارات اخرى تدعو الى الوحدة مع سوريا‪.‬‬
‫معاهدة ‪1936‬م واستقالل لبنان‬
‫جرت محاوالت لعقد معاهدة على غرار معاهدة ‪1936‬م الفرنسية‪-‬السورية تمهد‬
‫لدخول لبنان عصبة االمم دولة مستقلة قبل نهاية عام ‪1939‬م‪ .‬لكن نشوب الحرب‬
‫العالمية الثانية ادى الى تأجيل اعالن االستقالل‪ .‬وفي عام ‪1940‬م وقعت لبنان هي االخرى‬
‫تحت سيطرة حكومة فيشي الموالية لاللمان لكن القوات البريطانية والفرنسية‬
‫(التابعة لديغول) اخذت تتدفق على سوريا ولبنان من فلسطين‪.‬واعلن المفوض‬
‫السامي لحكومة فرنسا الحرة استقالل لبنان في تشرين الثاني ‪1941‬م وانتخب بشارة‬
‫‪180‬‬
‫الخوري رئيسا للجمهورية اللبنانية الذي وضع مع رئيس الوزراء رياض الصلح ( الميثاق‬
‫الوطني) الذي اكد على استقالل لبنان وتم تعديل بعض مواد الدستور‪ .‬اال ان فرنسا‬
‫حاولت تأخير انسحابها منه وتم اعتقال رئيس الجمهورية وكبار المسؤولين‪ .‬وامر‬
‫المفوض السامي بحل مجلس النواب واوقف العمل بالدستور وعين رئيسا للجمهورية‬
‫مواليا ً لفرنسا‪ .‬فاعلن اللبنانيون االضراب العام وقامت التظاهرات‪ .‬وقد اجبرت الضغوط‬
‫التي تعرضت لها فرنسا من الحركة الوطنية وبريطانيا على سحب قواتها وتم سحب‬
‫اخر جندي فرنسي في ‪ 31‬كانون االول ‪1946‬م واعالن دولة لبنان جمهورية مستقلة‪.‬‬
‫ليبيا‬
‫في عام‪1911‬م احتلت ايطاليا ليبيا وكانت تابعة للدولة العثمانية لكنها تخلت عنها‬
‫بمعاهدة اوشي التي فرضتها ايطاليا عليها في العام التالي‪ .‬كانت ليبيا تتكون من‬
‫واليتي برقة وطرابلس وقد قاوم الليبيون القوات االيطالية وحققوا انتصارات عليها في‬
‫سنوات الحرب العالمية االولى‪ .‬وبسبب انشغال ايطاليا بالحرب واجهت هزائم مريرة‬
‫لعدم قدرتها على تعزيز قواتها المتواجدة في ليبيا حتى لم يعد لها سيطرة اال على‬
‫المدن الساحلية‪.‬‬
‫واضطرت للدخول بمفاوضات مع الليبيين وعقدت‬
‫اتفاقيات مع كل من ادريس السنوسي في برقة‬
‫و زعماء طرابلس ‪ .‬وقد وافق السنوسي على حل‬
‫فصائل المقاومة المسلحة ونزع سالح القبائل في‬
‫منطقته مقابل فك الحصار االقتصادي عن ميناء‬
‫السلوم على الحدود المصرية الذي كان الوطنيون‬
‫يحصلون عن طريقه بالمواد الغذائية والذخيرة‪.‬‬
‫سليمان الباروني‬ ‫وفي اتفاقية اخرى تم االتفاق على وقف اطالق‬
‫(‪1940-1870‬م)‬
‫النار واعتراف ايطاليا بحكم السنوسي في برقة‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫وفي طرابلس اعلن قيام جمهورية برئاسة سليمان الباروني وعدد من الزعماء الوطنيين‬
‫ووقعت ايطاليا معهم اتفاقا يقضي بتمتع االقليم باالستقالل الذاتي في الشؤون‬
‫الداخلية‪ .‬وجرت اتصاالت بين ممثلين عن كل من طرابلس وبرقة حول مسألة توحيد‬
‫الحركة الوطنية الليبية وتوجه وفد برلماني عن طرابلس الى السنوسي عرض عليه‬
‫الوفد ان يكون اميرا لطرابلس وقد وافق السنوسي على ذلك بعد تردد‪.‬‬
‫الثورة على االحتالل‬
‫تغير الوضع بعد وصول الحزب الفاشي الى الحكم في ايطاليا عام ‪1922‬م وتعيين‬
‫حاكم عسكري على ليبيا في السنة التالية الذي الغى جميع االتفاقيات مع الليبيين‬
‫واخذت القوات االيطالية تتدفق على ليبيا مزودة باحدث االسلحة والطائرات‪ .‬وبدأ الحاكم‬
‫الجديد بقمع الحركة وارهاب الليبيين متبعا سياسة فرق تسد وبث الفتنة بين الليبيين‪.‬‬
‫وشن حرب ابادة للقرى والسكان وتهجيرهم الى الصحراء واحاطتهم باالسالك الشائكة‬
‫لعزلهم عن الثوار فاضطر السنوسي للهجرة الى مصر لكن المقاومين الذين كان‬
‫يقودهم عمر المختار واصلوا الثورة‪.‬‬

‫عمر المختار‬
‫(‪1931-1858‬م)‬

‫‪182‬‬
‫االضراب واالنتفاض ووقعت مصادمات بين االهالي والقوات الفرنسية عامي‪1912-1911‬م‬
‫استشهد خاللها عدد من المواطنين واعتقلت السلطات الفرنسية قادة االنتفاضة‬
‫ونفت عدد منهم الى الخارج ‪.‬‬
‫الحركة الوطنية التونسية بعد الحرب العالمية االولى‪.‬‬
‫نشطت الحركة الوطنية التونسية بعد الحرب وقد اججها نكوص الحلفاء عن وعودهم‬
‫وما اعلنه الرئيس االمريكي ويلسون من حق تقرير المصير‪ .‬واخذت الحركة طابعا شعبيا‬
‫لمحاولة الفرنسيين تجنيس الشعب بالجنسية الفرنسية وفصلهم عن‬ ‫تصدى‬
‫هويتهم الوطنية وثقافتهم‪ .‬وبدأوا بتنظيم انفسهم باحزاب سياسية منها الحزب‬
‫الحر الدستوري عام ‪1920‬م الذي دعا الى العمل بالدستور الصادر عام ‪1861‬م ‪.‬‬

‫عبد العزيز الثعالبي‬


‫(‪1944-1876‬م)‬

‫كان الحزب امتداد لجمعية تونس الفتاة وكان بزعامة المفكر عبد العزيز الثعالبي الذي‬
‫سعى لطرح قضية بالده على مؤتمر السالم في باريس لكنه لم يحظ باهتمام الرأي‬
‫العام العالمي فاصدر في فرنسا كتابا باسم( تونس الشهيدة) حدد فيه برامج الحزب‬
‫ودعا الستعادة تونس لحقوقها وسيادتها‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫توسع نشاط الحزب الذي حصل على دعم ومساندة االسرة الحاكمة وفي عام ‪1922‬م‬
‫طالب باي تونس محمد الناصر الحكومة الفرنسية باجراء اصالحات فورية وايد الشعب‬
‫موقفه وعقدت االجتماعات وقامت االضرابات‪ .‬فبدأت السلطات الفرنسية تعمل على‬
‫اضعاف الحركة وشق وحدتها بطرح مشروع لالصالح يتضمن تكوين (المجلس الكبير)‬
‫يضم قسمان احدهما تونسي واالخر فرنسي وتأسيس مجالس محلية استشارية‪.‬‬
‫احدث هذا االصالح انشقاقا في الحزب الدستوري وخرج عنه جناح معتدل سمي‬
‫(الحزب االصالحي) ليتعاون مع سلطات الحماية‪ .‬رافق ذلك حمالت قمع واعتقاالت‬
‫ومحاربة للحريات دخلت البالد بعدها في ازمة اقتصادية خانقة كانت بتأثير االزمة‬
‫االقتصادية العالمية ادت الى زيادة التذمر واالحتجاج واعلن حل الحزب الدستوري عام‬
‫‪1933‬م واعتقل عدد من القياديين وعطلت الصحف وفي عام ‪1934‬م عقد المثقفون‬
‫مؤتمرا ً قرروا فية اعادة تنظيم الحزب من جديد باسم (الحزب الحر الدستوري الجديد )‬
‫ليواصل النضال من اجل االسقالل ‪.‬‬
‫انتفاضة عامي ‪1954- 1952‬م‬
‫وجد التونسيون ان االصالحات لم تلب رغباتهم ولذلك طالبوا بالغاء الحماية وانتخاب‬
‫مجلس تأسيسي وتشكيل حكومة وطنية‪ .‬وعقدت االحزاب الوطنية مؤتمرا اقروا فيه‬
‫حقهم في االستقالل وذهب الحبيب بو رقيبة الى مصر لعرض قضية بالده على الجامعة‬
‫العربية والحصول على دعم العرب‪ .‬وبعد عودته عام ‪1949‬م تسلم قيادة الحركة الوطنية‬
‫واعلن الحزب الحر الدستوري الجديد تخليه عن طلب االستقالل الفوري وتحقيقه على‬
‫مراحل عن طريق التفاوض مع الفرنسيين‪ .‬لكن المفاوضات طالت لعدم استجابة‬
‫فرنسا لمطالب الوطنيين بل انها اجرت عام ‪1951‬م اصالحات شكلية ال تلبي المطالب‬
‫التونسية‪ .‬فدعا الحزب الدستوري الشعب الى االنتفاض من جديد وأجتاحت البالد‬
‫اضرابات عامة‪ .‬وقرر التونسيون عرض قضية بالدهم على هيأة االمم المتحدة ‪.‬ولكن‬
‫السلطات الفرنسية اخذت بقمع االنتفاضة واعتقال زعماء االحزاب والنقابات واعادت‬
‫الرقابة على الصحف بل انها اعتقلت بورقيبة واعضاء الحكومة التونسية وشكلت‬
‫حكومة موالية لها‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫االستقالل‬
‫لم تهدأ االنتفاضة بعد اعتقال بورقيبة وتشكلت فصائل للمقاومة اجبرت الفرنسيين‬
‫الى استقدام قوات اخرى من فرنسا‪ .‬ودعت مجموعة من البلدان االفريقية واالسيوية الى‬
‫عرض المشكلة التونسية على هيأة االمم المتحدة ‪.‬عنذئد اضطرت فرنسا للعمل على‬
‫تهدئة الموقف فزار الرئيس الفرنسي تونس عام ‪1954‬م معلنا استقالل تونس رسميا‪.‬‬
‫واشتراك الحزب الحر الدستوري في الحكومة التونسية التي تم تشكيلها والتي‬
‫دخلت بالمفاوضات مع الحكومة الفرنسية حول االستقالل وفي حزيران ‪1955‬م تم توقيع‬
‫اتفاقية االستقالل وتشكيل حكومة تونسية جديدة‪ .‬وفي‪ 20‬اذار‪1956‬م وقع بروتوكول‬
‫اعتراف فرنسا بتونس دولة ملكية مستقلة‪.‬‬
‫المغرب االقصى ‪.‬‬
‫تقاسمت النفوذ في المغرب االقصى بعد فرض الحماية الفرنسية عليه عام ‪1912‬م‬
‫كل من فرنسا واسبانيا‪ .‬فاخذت اسبانيا منطقة الريف القريبة منها في الشمال‬
‫وعينت عليها مندوبا بسلطات تامة‪ ،‬واخذت فرنسا بقية البالد وعينت لها مقيما عاما‬
‫فرنسيا‪،‬وصارت طنجة منطقة دولية‪ .‬وبدأ االوربيون يتدفقون على البالد والسيطرة على‬
‫االراضي وعلى االستثمار‪ ،‬وظل السلطان المغربي محتفظا بعرشه ولكن بسلطات‬
‫اسمية‪ .‬قابل المغاربة االحتالل بالسخط وبدأوا بمقاومته لكن المقاومة قمعت بعنف‬
‫من الفرنسيين واالسبان الذين لم يترددوا عن حرق القرى والمزارع ومصادرة المواشي‬
‫لكنهم لم يتمكنوا من اخضاع البالد حتى الحرب العالمية االولى‪.‬‬
‫ثورة الريف‬
‫حافظ سكان المناطق الجبلية في الريف على استقاللهم فسعى االسبان بعد الحرب‬
‫العالمية الخضاعهم لكنهم جوبهوا بمقاومة قوية ‪،‬ودحرت القوات االسبانية عام‬
‫‪1921‬م في معركة انوال‪ .‬وتوحدت القبائل واعلنت تشكيل جمهورية الريف المستقلة‬
‫وانتخب محمد بن عبد الكريم الخطابي رئيسا لها‪ .‬طالب الخطابي بانهاء الحماية‬
‫وتحرير البالد ووضع الدستور‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫محمد عبد الكريم الخطابي‬
‫(‪1963-1882‬م)‬
‫والحق الريفيون هزائم اخرى باالسبان عام ‪1924‬م اثارت المخاوف عند الفرنسيين‬
‫ايضا لما يسببه ذلك من تأثير على مصالحهم ونفوذهم في المغرب‪ .‬فاتخذت الحكومة‬
‫الفرنسية قرارا بالقضاء على جمهورية الريف‪ .‬فهاجمتها قواتها واستولت على اهم‬
‫مراكز انتاج الحبوب فيها‪ .‬ولما رد الريفيون بهجوم معاكس اتفق الفرنسيون مع االسبان‬
‫على العمل المشترك ضد الجمهورية الناشئة‪ .‬وتدفقت القوات الفرنسية واالسبانية‬
‫على المنطقة معززة باحدث االسلحة والطائرات وبداوا بالهجوم عام ‪1925‬م ‪ .‬ودافع‬
‫سكان الريف عن جمهوريتهم ببسالة لكن تفوق القوات المتحالفة بالعدد والعدة‬
‫اجبرهم على التراجع واستسلمت بعض القبائل‪ .‬ونظرا للخسائر التي مني بها‬
‫الفرنسيون واالسبان في االرواح والمعدات فقد اظهر شعبيهما تذمرا من تواصل الحرب‬
‫واضطرت الحكومتان لعقد مؤتمر للصلح عام ‪1926‬م‪ .‬ثم بدأت بالتفاوض مع الثوار‬
‫لكن اصرار االسبان والفرنسيين على تصفية الجمهورية ونزع سالح الثوار ادى الى فشل‬
‫المفاوضات‪ .‬فتجدد القتال وفي ‪ 25‬ايار استسلم الخطابي ونفي الى احدى جزر المحيط‬
‫الهندي فيما واصلت قبائل الريف المقاومة‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫الحركة الوطنية واالستقالل‬
‫استمر المغاربة في مقاومة السيطرة االجنبية فوحدوا صفوفهم واسسوا الجمعيات‬
‫والنوادي والصحف واالحزاب ‪ ،‬واعلن السلطان محمد الخامس تضامنه مع مطالب‬
‫الوطنيين لنيل الحرية واالستقالل ‪ ،‬ودخل في مفاوضات مع الحكومتين الفرنسية‬
‫واالسبانية ‪ ،‬فوجدت فرنسا ان المناص من تغيير سياستها ‪،‬وانتهت المفاوضات باالعالن‬
‫عن استقالل المغرب دولة ملكية باستثناء كل من سبته ومليله اللتان احتفظت بهما‬
‫اسبانيا حتى وقتنا الحاضر ‪.‬‬
‫الجزائر‬
‫لم تهدأ االمور في الجزائر بعد استسالم االمير عبد القادر الجزائري عام ‪1847‬م اذ تلت‬
‫ذلك انتفاضة اخرى عام ‪1870‬م وعجزت فرنسا عن دعم قواتها بالجزائر بسبب حربها‬
‫مع المانيا التي احتلت باريس في ذلك العام‪ .‬قاد االنتفاضة احمد المقراني زعيم احدى‬
‫القبائل الصحراوية ومع ان السلطات الفرنسية قضت على االنتفاضة لكن معارضة‬
‫الجزائريين لالحتالل تواصلت حتى الحرب العالمية االولى‪ .‬وفي اثناء الحرب توجه االف‬
‫الجزائريين للعمل في المصانع الفرنسية فضال عمن تم تجنيدهم في الجيش الفرنسي‪.‬‬
‫وما ان انتهت الحرب حتى اخذ الجزائريون يطالبون بحريتهم من خالل مؤتمر السالم الذي‬
‫لم يستمع لمطالبهم‪.‬‬
‫كانت مطالب الجزائريين في اول االمر سلمية والتف الوطنيون حول قيادة االمير‬
‫خالد حفيد االمير عبد القادر الجزائري الذي كان يملك ثقافة جيدة وطالبوا باالستقالل‬
‫ونشر التعليم االلزامي والمساواة بين الجزائريين والفرنسيين وحرية الصحافة لكن‬
‫الحركة تعرضت للمالحقة والقمع‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫ظهورالتنظيمات الوطنية‬
‫في عام ‪1926‬م اسس العمال الجزائريون في فرنسا جمعية نجم شمال افريقيا‬
‫ضمت اعضاء من شمال افريقيا تعمل من اجل استقالل بلدان المغرب العربي‪ .‬كان‬
‫انشط االعضاء فيها احمد مصالي الحاج وبسبب توجهاتها الوطنية حلتها السلطات‬
‫الفرنسية ثم اعيد تشكيلها‪ .‬ودعت الستقالل الجزائر ونشطت بين العمال الجزائريين‬
‫والطلبة الدارسين في فرنسا ونظرا لتعرضها للمضايقة فقد واصلت نشاطها تحت‬
‫اسم أخر وبدأت بمد نشاطها الى داخل الجزائر‪.‬‬

‫والى جانب هذه الجمعية نشطت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست‬
‫عام ‪1931‬م واصدرت بعض الصحف ودعت للحفاظ على هوية الجزائر وثقافته العربية‬
‫االسالمية ونشر التعليم واالهتمام بالمرأة وايقاظ الشعور الوطني ومحاربة التجنيس‪.‬‬
‫وفي عام ‪1937‬م تأسس حزب الشعب الجزائري وفي الحرب العالمية الثانية صارت الجزائر‬
‫تحت سيطرة حكومة فيشي الموالية اللمانيا التي استولت على القواعد الحربية ومدت‬
‫خطوط السكك عبر الصحراء وزجت باالف الجزائريين بالمعتقالت‪ .‬غير ان القوات االنكلو‬
‫امريكية اخرجت قوات المحور منها عام ‪1943‬م وتشكلت في الجزائر( اللجنة الفرنسية‬
‫لتحرير الوطن) بزعامة شارل ديغول‪ .‬واصدر الجزائريون(بيان الشعب الجزائري) طالبوا‬
‫فيه بحق تقرير المصير واالفراج عن المعتقلين السياسيين وانتخاب جمعية تأسيسية‬
‫لوضع الدستور بعد الحرب‪ .‬وفي عام ‪1944‬م أسس فرحات عباس جمعية ( احباب البيان‬
‫والحرية) التي ضمت اليها جمعية العلماء الجزائريين وحزب الشعب السري ‪ .‬وقد ايد‬
‫الجمعية ابناء الشعب الجزائري ونشطت المقاومة في شرق الجزائر بعد ان اطلقت‬
‫الشرطة الرصاص على المتظاهرين ولكن القوة المفرطة التي استخدمها الفرنسيون‬
‫ادت الى قمع االنتفاضة‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫وبعد الحرب ظهر حزبان آخران هما (حزب االتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري) و (حزب‬
‫انتصار الحريات الديمقراطية) اللذان دعيا لفصل الجزائر عن فرنسا ومنحها االستقالل‬
‫الذاتي لكن الفرنسيين عارضوا ذلك‪ .‬وتواصلت حملة االعتقاالت وتشكلت عام ‪1951‬م‬
‫(الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها) دعت الى الغاء نتائج االنتخابات‬
‫المزورة التي جرت في ذلك العام وضمان الحريات الديمقرطية وايقاف حمالت االضطهاد‬
‫واالعتقال‪.‬ولكن خالفات فكرية ظهرت بين المنتمين اليها ثم اندمجت جميع االحزاب‬
‫المؤمنة بالعمل من اجل الوطن بجبهة واحدة دعيت (جبهة التحرير الوطني الجزائرية)‬
‫عام ‪1954‬م التي اعادت تنظيم الفصائل المسلحة وشكلت منهم جيش التحرير‬
‫الوطني‪.‬‬

‫الثورة الجزائرية‬
‫في االول من تشرين الثاني ‪1954‬م اعلنت الثورة ضد السلطات الفرنسية وسيطر‬
‫الثوار على المناطق الجبلية وايدها السكان‪ .‬واخذت القوات الفرنسية تتدفق على البالد‬
‫وشنت حمالت تنكيل واعتقاالت واسعة ضد الوطنيين‪ .‬وعلى الرغم من ذلك امتدت‬
‫الثورة الى مناطق البالد االخرى وهوجمت القواعد العسكرية الفرنسية ومراكز الشرطة‬
‫وقطعت طرق المواصالت واستولى الثوار على االسلحة‪ .‬ثم عقد قادة الثورة مؤتمرا ً عام‬
‫‪1956‬م اعيد فيه تنظيم الجيش وتعيين قيادته وتم تحديد برامج الجبهة واهدافها‬
‫وجرى انتخاب اعضاء المجلس الوطني للثورة‪ .‬تضمن برنامج الجبهة اقامة جمهورية‬
‫مستقلة وطرح القضية الجزائرية امام الرأي العام العالمي واقامة عالقات مع فرنسا‬
‫على قدم المساواة واالحترام المتبادل‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫ثورة عام ‪1962‬م وقيام الجمهورية‪.‬‬
‫تم تشكيل حركة الضباط االحرار ضمن وحدات الجيش وواجه االمام احمد اضرابات‬
‫وتظاهرات كما وزعت منشورات تحث على قلب نظام الحكم‪ .‬ووقعت مصادمات بين‬
‫المتظاهرين وقوات الشرطة واعتقل االالف ونفذ حكم االعدام بعدد من المعتقلين‬
‫وسجن كثيرون‪ .‬وجرت عدة محاوالت الغتيال االمام لكنه توفي عام ‪1962‬م بسبب المرض‬
‫وتولى الحكم بعده ولده محمد البدر الذي لم يحكم سوى فترة قصيرة‪ .‬ففي ‪ 16‬ايلول‬
‫تحرك الجيش على طريق الحديدة نحو العاصمة صنعاء واستولى على القصر وعلى‬
‫االذاعة وتولى العقيد عبداهلل السالل رئاسة الحكومة واعلن قيام الجمهورية العربية‬
‫اليمنية وفر االمام محمد البدرالى الخارج‪.‬‬

‫اليمن الجنوبي‬
‫بعد احتاللهم عدن عام ‪1839‬م شعر البريطانيون وكأنهم محاصرون في المدينة‬
‫اذا واجهوا انتفاضات متتابعة في المناطق القريبة منها‪ ،‬كانت تلك االنتفاضات تحظى‬
‫بدعم سلطان لحج ‪ .‬وفي عام ‪1846‬م هاجمت القبائل العربية عدن وبعد ثالث سنوات‬
‫ارتقى عرش لحج السلطان علي الذي طالب باعادة عدن اليه ‪ ،‬وارسل قواته سنة ‪1858‬م‬
‫لمحاربة البريطانيين الذين هزموا تلك القوات‪ ،‬فاضطر السلطان الى االعتراف بالسيطرة‬
‫البريطانية على عدن‪ .‬وبعد عشر سنوات شن البريطانيون حمالت تنكيل ضد القبائل‬
‫العربية التي رفضت االعتراف بسيطرتهم على عدن‪.‬‬
‫وقد ادى افتتاح قناة السويس عام ‪1869‬م الى زيادة مكانة عدن الستراتيجية فتحولت‬
‫الى محمية هامة على الطريق الموصل بين اوربا والهند‪ .‬فاعلنتها بريطانيا مرفأ حرا توزع‬
‫البضائع البريطانية منه الى االنحاء الجنوبية لشبه الجزيرة العربية وشرق افريقيا‪ .‬االمر‬

‫‪194‬‬
‫الذي ادى الى زيادة االندفاع البريطاني نحو االراضي الداخلية لعدن وتوسيع ممتلكاتهم‬
‫فشنت حمالت متواصلة في سواحل وجزر جنوب شبه الجزيرة العربية واخضعوها واحدة‬
‫بعد االخرى وذلك بقصف المدن والقرى بالمدافع‪ .‬فاحتلوا سلطنة لحج عام ‪1869‬م ثم‬
‫االمارات التسع المجاورة لعدن وفرضوا الحماية عليها‪ .‬وارغموا الحكومة العثمانية على‬
‫االعتراف رسميا باالمر الواقع وعقدوا معها اتفاقية عام ‪1905‬م تم فيها تحديد الحدود‬
‫الفاصلة بين المناطق العثمانية والمناطق التي احتلوها‪.‬‬
‫رفض اليمنيون االعتراف بخط الحدود وعدوا عدن واالراضي المجاورة لها جزءا ً من‬
‫اليمن سلخ عنها بصورة غير قانونية‪ .‬واخذوا يحرضون العشائر على الثورة‪ .‬واستغلت‬
‫بريطانيا ذلك لبسط سيطرتها على حضرموت والمكال وجزيرة سقطرة والمناطق‬
‫الجنوبية االخرى‪ .‬وفي عام ‪1915‬م صد البريطانيون محاوالت عثمانية_ يمنية لالستيالء‬
‫على عدن‪ .‬وعمد البريطانيون الى اثارة الخالفات بين االمراء وشيوخ شبه الجزيرة العربية‬
‫الضعافهم‪ ،‬ووقفوا بشدة ضد مطالب امام اليمن يحيى حميد الدين بضم عدن الى‬
‫اليمن عام ‪1918‬م‪ .‬وقامت مدفعيتهم بقصف الموانىء اليمنية على البحر االحمر‬
‫فدخل االمام بمفاوضات حول عدن غير انها لم تسفر عن شيئ‪ .‬وقامت بريطانيا بربط‬
‫ادارتها بوزارة المستعمرات عام ‪1937‬م وعقدت مع سالطين وائمة اليمن معاهدات عدة‬
‫ثبتت سيطرتها على المنطقة‪.‬‬
‫استقالل الجنوب العربي‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية قامت في عدن والمناطق المحيطة بها سلسلة من‬
‫االنتفاضات القبلية ضد البريطانيين‪ .‬وظهرت حركة وطنية قادها الشباب الذي تاثر‬
‫بحركة التحرر العربي التي اشتد ساعدها في منتصف القرن العشرين ‪ .‬فاسسوا‬
‫الجمعيات والنوادي واالحزاب التي اخذت على عاتقها اثارة الشعور الوطني والتحريض‬
‫على االستقالل‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫وبعد انضمام اليمن الى الوحدة العربية بين مصر وسوريا عام ‪1958‬م اعلن رسميا‬
‫في السنة التالية قيام اتحاد امارات الجنوب العربي‪ .‬لكن الحركة الوطنية رفضت‬
‫المشروع وقامت بتكوين الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني بعد ثورة اليمن عام‬
‫‪1962‬م ‪ .‬ثم جاء ت السياسة البريطانية الجديدة القائمة على االنسحاب من مواقعها‬
‫في الخليج العربي وجنوب شبه الجزيرة العربية بعد الهزائم المتالحقة التي منيت‬
‫بها امام حركات التحرر العربي واوضاعها االقتصادية المتردية‪ .‬فباشرت بتنفيذ خطط‬
‫االنسحاب من المنطقة‪ .‬بدأت المفاوضات في جنيف عام ‪1965‬م بين وفد الجبهة‬
‫القومية الممثلة للحركة الوطنية في عدن ووفد بريطانيا‪ .‬انتهت باالتفاق على انهاء‬
‫الحماية البريطانية ونقل السلطة في محميات الجنوب العربي الى جمهورية اليمن‬
‫الجنوبي في ‪ 30‬تشرين الثاني ‪1967‬م‪ .‬وفي عام ‪1990‬م اعلنت وحدة اليمنين الشمالي‬
‫والجنوبي وقيام الجمهورية اليمنية وعاصمتها صنعاء‪.‬‬

‫فلسطين‬
‫تعرضت فلسطين لهجرة صهيونية منذ اواخر القرن التاسع عشر وبدأ الصهاينة‬
‫يتوجهون من انحاء العالم الى فلسطين مستولين على اراضي الفلسطينيين بطرق‬
‫مختلفة واقاموا المستوطنات المحصنة فيها ‪.‬واجه الفلسطينيون ذلك باالحتجاج‬
‫حينا والتظاهر حينا أخر وتأسست جمعيات وطنية تنبه الى مخاطر الهجرة وتحث‬
‫على التصدي لها ومهاجمة المستوطنات الصهيونية‪ .‬وفي اثناء الحرب العالمية االولى‬
‫اعلنت بريطانيا وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني ‪1917‬م متضمنا اعطاء فلسطين‬
‫لليهود وطنا قوميا بعد الحرب ومساعدتهم على تحقيق ذلك مكافأة لهم لوقوفهم الى‬
‫جانبها في الحرب‪ .‬وفي ذلك العام دخلت القوات البريطانية القدس وفرضت سيطرتها‬
‫على فلسطين‪ .‬و بدأت بتطبيق انتدابها عليها الذي اقره مؤتمر سان ريمو عام ‪1920‬م‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫اعلنت الحركة الوطنية الفلسطينية رفضها لوعد بلفور وتنديدها باالنتداب البريطاني‬
‫من خالل التظاهرات واالعتصامات وبدأت مجموعات فدائية فلسطينية مسلحة تهاجم‬
‫العصابات الصهيونية ومستوطناتهم‪ .‬فتدخلت القوات البريطانية لدعم العصابات‬
‫الصهيونية وبدأت االشتباكات المسلحة بين الفلسطينيين من جانب والعصابات‬
‫الصهيونية المدعومة من القوات البريطانية من جانب آخر وتواصلت حتى عام ‪1929‬م ‪.‬‬

‫ثورة البراق عام ‪1929‬م‬


‫اخذت العصابات الصهيونية المدعومة من القوات البريطانية باطالق شعارات معادية‬
‫للعرب وتنظيم التظاهرات وتوجهوا الى البراق ( يسميه اليهود حائط المبكى وهو‬
‫مالصق لجدار مسجد القدس ويعدونه من بقايا هيكل سليمان ) وهو موقع له قدسية‬
‫عند المسلمين فتصدى لهم الفلسطينيون واشتبكوا معهم فتفجر الموقف وتحول‬
‫الى ثورة عارمة عمت المدن الفلسطينية وسقط خاللها العديد من الشهداء وقتل‬
‫الكثير من الصهاينة‪ .‬واضطرت بريطانيا الرسال لجنة تحقيق اوصت بوقف الهجرة لكن‬
‫التقرير لم يؤخذ به‪.‬‬

‫ثورة عام ‪1936‬م ‪.‬‬


‫تواصلت االشتباكات بين الجانبين وفي عام ‪1933‬م قامت تظاهرات في القدس‬
‫احتجاجا على سياسة تهويد فلسطين فاطلق الجيش البريطاني الرصاص على‬
‫المتظاهرين وسقط عدد من الشهداء‪ .‬وفي تلك االثناء برز الشيخ عز الدين القسام‬
‫ثائرا يتقدم صفوف المقاومة‪ .‬وكان قد لجأ الى فلسطين بعد ان حكم عليه باالعدام‬
‫في سوريا لدوره في ثورة عام ‪1925‬م‪ .‬فعمل على توحيد فصائل الثوار الفلسطينيين‬
‫الذين اصطدموا بقوات االحتالل واستشهد في جنين عام ‪1935‬م‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫عز الدين القسام‬

‫وبدأت الثورة في يافا باضراب عام سرعان ما امتد الى المدن االخرى وهوجمت‬
‫مقرات الجيش البريطاني والمستعمرات الصهيونية وامتدت المصادمات من نيسان‬
‫الى تشرين االول ‪1936‬م‪ .‬ومن اجل توحيد الحركة واالشراف على االضراب تم تشكيل‬
‫(اللجنة العربية العليا) وعندما عجزت السلطات البريطانية عن ايقاف الثورة عن طريق‬
‫القوة ضغطت الحكومة البريطانية على الحكام العرب للتدخل وانهائها مقابل بعض‬
‫الوعود فاجهضت الثورة‪ .‬ولتهدئة الموقف ارسلت بريطانيا لجنة للتحقيق اقترحت‬
‫تقسيم فلسطين الى دولتين ووضع القدس تحت ادارة دولية‪ .‬لكن الفلسطينيين‬
‫رفضوا التقسيم فتواصلت حمالت االعتقاالت وتصاعد نشاط الوطنيين حتى قيام‬
‫الحرب العالمية الثانية ‪.‬‬

‫الحرب العربية ‪ -‬الصهيونية ‪1948‬م‬


‫بعد قيام الحرب العالمية الثانية تظاهرت بريطانيا بالعمل على ايقاف الهجرة‬
‫لكسب العرب الى جانبها لكن الهجرة لم تتوقف‪ .‬وحصل الصهاينة على المال والسالح‬

‫‪198‬‬
‫فضال عن دعم الواليات المتحدة االمريكية التي خرجت من الحرب وهي اقوى دولة في‬

‫العالم ورمت بكل ثقلها لدعم تطلعات الصهاينة‪ .‬وتقرر احالة موضوع فلسطين على‬

‫هيئة االمم المتحدة‪ ،‬فاقرت الجمعية العامة قرار التقسيم عام ‪1947‬م الذي رفضه‬

‫العرب وقابلوه بالسخط واالستنكار ‪.‬‬

‫قررت بريطانيا تنفيذا لقرار التقسيم انهاء انتدابها على فلسطين واالنسحاب‬

‫منها في ‪ 15‬ايار ‪1948‬م بعد ان تأكدوا من قدرة الصهاينة على السيطرة على مناطقها‪.‬‬

‫فاعلن الصهاينة قيام دولتهم في الحال واعترفت بها الدول الكبرى والسيما الواليات‬

‫المتحدة االمريكية واالتحاد السوفييتي (سابقا ً) ‪ ،‬وارسلت الدول العربية جيوشها وبدأت‬

‫الحرب بين الجانبين‪ .‬وحقق العرب انتصارات كبيرة وبعد ان الحت هزيمة الصهاينة‬

‫استنجدوا بالدول الكبرى اليقاف الحرب وتم فرض الهدنة من خالل مجلس االمن ‪.‬‬

‫واستغل الصهاينة الهدنة لتقوية انفسهم واخذ السالح والمتطوعون يتدفق عليهم‬

‫فاستأنفوا القتال واحتلوا الكثير من االراضي التي لم تكن لهم بموجب قرار التقسيم‬

‫واستخدموا اشد انواع التنكيل والقسوة ضد الفلسطينيين الذين تم تهجير اكثر من‬

‫مليون وربع المليون منهم ولجأوا الى البلدان العربية االخرى‪.‬‬

‫حرب عام ‪1956‬م‬


‫تواصلت االعتداءات الصهيونية على البلدان العربية المجاورة لفلسطين بدعم‬

‫من بريطانيا والواليات المتحدة كان اخطرها قد وقع عام ‪1956‬م حين هاجم الكيان‬

‫الصهيوني مصر بالتعاون مع كل من بريطانيا وفرنسا‪ .‬كان الهدف من الهجوم هو‬

‫اسقاط النظام المصري الداعم القوي للفلسطينيين‪ .‬وعلى الرغم من ان الهجوم فشل‬

‫في تحقيق اهدافه بفضل صمود المصريين ودعم قوى التحرر بالعالم فقد ظهرت‬
‫‪199‬‬
‫الحاجة الى منظمات فدائية تقود المقاومة‪ .‬فتم تنظيم فصائل فلسطينية مسلحة‬

‫وظهرت منظمة التحرير الفلسطينية عام ‪1964‬م لتاخذ على عاتقها قيادة العمليات‬

‫العسكرية داخل االراضي الفلسطينية وانطلقت العمليات الفدائية بداية العام التالي‪.‬‬

‫العدوان الصهيوني عام ‪1967‬م‬


‫واصل الكيان الصهيوني بدعم من حلفائه الغربيين عدوانه على البالد العربية‬

‫من اجل التوسع واالستيالء على اكبر مساحة من االراضي ‪ .‬وفي نيسان ‪1967‬م وقع‬

‫صدام مسلح على الحدود بين الكيان الصهيوني وسوريا شارك فيه الطيران والدبابات‬
‫ِ‬
‫والمدفعية فحشد الكيان الصهيوني قواته على الحدود واخذ يهدد بالقيام بعمليات‬

‫انتقامية ‪ .‬اعلنت مصر تضامنها مع سوريا وبطلب من القيادة المصرية تم سحب‬

‫قوات الطوارىء الدولية التابعة لالمم المتحدة‪ ،‬واعلنت مصر سيطرتها على مضائق‬

‫تيران ومنعت السفن الصهيونية من المرور عبرها الى ميناء ايالت الصهيوني فاعلنت كل‬

‫من الواليات المتحدة االمريكية وبريطانيا تاييدهما للكيان الصهيوني واخذتا تحشدان‬

‫قواتهما في البحر المتوسط وفي صباح الخامس من حزيران قام الطيران الصهيوني‬

‫بغارات مباغتة على المطارات المصرية وحطم عدد كبير من الطائرات الجاثمة فيها‪ .‬ثم‬

‫تقدمت قواته البرية واستولت على كل شبه جزيرة سيناء ووقفت عند الضفة الشرقية‬

‫للقناة ‪ .‬وعلى الجبهة الشرقية احتلت القوات الصهيونية الضفة الغربية لنهر االردن‬

‫والقدس القديمة ‪ ،‬وكانتا تحت االدارة االردنية فضالً عن مرتفعات الجوالن السورية التي‬
‫تتمتع بموقع ستراتيجي واقتصادي كبير‪ .‬وتدخلت الدول العربية لدعم مصر واالردن وسوريا‬
‫عسكريا ً وارسل العراق بعض قطعاته العسكرية وطائراته الحربية للمشاركة بالحرب‬

‫‪200‬‬
‫فاعلن الدستور الدائم وانتهى العمل بمشروع السد العالي وتم توقيع معاهدة الصداقة‬
‫والتعاون مع االتحاد السوفييتي (سابقاً) وحصلت مصر بموجبها على الدعم العسكري‬
‫والفني ‪ .‬وبعد ان اكمل الجيش المصري تجهيزاته واستعداداته تمكن في السادس من‬
‫تشرين االول عام ‪1973‬م من العبور الى الضفة الشرقية من القناة وتحطيم التحصينات‬
‫الصهيونية وشارك العراق في المعارك بسالح الطيران الى جانب القوات الجوية المصرية‪.‬‬
‫وارسل قواته الى الجبهة الشرقية ايضا ً (سوريا) على الرغم من عدم اعالمه ببدء الحرب‪.‬اال‬
‫ان الضغوط الدولية اجبرت مصر على ايقاف الحرب وقبول قرارات االمم المتحدة واضطر‬
‫الكيان الصهيوني على االنسحاب من سيناء وتسليمها الى مصر وبقيت االراضي العربية‬
‫المحتلة االخرى في سوريا والضفة الغربية وغزة تحت االحتالل الصهيوني حتى يومنا‬
‫هذا‪.‬‬

‫املواطن الذي ميتلك صفات املواطنه هو ‪:‬‬


‫الذي يرى حب الوطن في حب مواطنيه ‪ ,‬وخدمته في خدمتهم ‪ ,‬ورفعته‬
‫في رفعتهم ‪ ,‬ورقيهم وامانيهم وسعادتهم ورفاههم ‪ ,‬واليرى خيرا ً عم‬
‫بلدا ً أو وطننا ً فأزدهر بسببه إال ومتناه لوطنه وسعى لتحقيقه فيه ‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫اسئلة الفصل السابع‬
‫س‪ /1‬عرف ماياتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬جمعية اللواء االبيض‪ -2 .‬الميثاق الوطني السوري‪.‬‬
‫‪ -4‬جمهورية الريف المستقلة‬ ‫‪ -3‬عبدالعزيز الثعالبي‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروع روجرز‬
‫س‪ /2‬ما اسباب قيام ثورة ‪ 23‬يوليو ‪1952‬م في مصر؟‬
‫س‪ /3‬تحدث عن الحركة الوطنية في ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية ودورها في نيل‬
‫االستقالل؟‬
‫س‪ /4‬ما ابرز انجازات عمر المختار للتصدي لالستعمار االيطالي لليبيا؟‬
‫س‪ /5‬ان تشكيل جمهورية الريف المستقلة يعد عالمة مضيئة في تاريخ المغرب‪ .‬من‬
‫مؤسسها؟ وما ابرز انجازاتها ؟ وكيف تم القضاء عليها؟‬
‫س‪ /6‬كان حكم االمام يحيى لليمن حكما ً استبداديا ً متخلفا ً‪ .‬ناقش ذلك‪.‬‬
‫س‪ /7‬تحدث عن حرب عام ‪1973‬م مع الكيان الصهيوني مبينا ً دور الجيش العراقي فيها‪.‬‬
‫نشاط‬
‫‪ -‬يشارك الطلبة في حلقة نقاشية باشراف المدرسة ‪ /‬المدرس لمناقشة العدوان‬
‫الصهيوني عام ‪1967‬م على العرب ‪.‬‬
‫‪ -‬افتح بابا ً للحوار على موقع التواصل االجتماعي (الفيسبوك) لمناقشة عروبة مدينة‬
‫القدس ‪.‬‬
‫‪ -‬يقوم الطلبة بزيارة مكتبة المدرسة لالطالع على كتب توثق تاريخ الحركة الوطنية‬
‫الجزائرية ‪ .‬وكتابة بحث موجز عنها ‪.‬‬
‫‪ -‬اجمع صورا ً او طوابع تمثل قادة الحركة الوطنية في مصر ‪ .‬وعلقها في جدارية مع‬
‫كتابة بحث موجز عنها ‪.‬‬

‫الشفافية وسيلة حضارية ومدنية واعتمادها وتطبيقها في كافة مرافق‬


‫الدولة يدل على الدولة الدميقراطية واحلكم الصالح فيها ‪.‬‬

‫‪203‬‬

You might also like